الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء: 1]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب: 70 - 71]؛ أما بعد
(1)
:
فمن رحمة الله بعباده المؤمنين أن أنزل عليهم كتابه العظيم، نزله على قلب
(1)
هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، ومن الخير للمسلم أن يعود لسانه قولها وقلمه كتابتها بين يدي قوله أو كتابته، وقد أخرجها الإمام احمد في مسنده (6/ 262، 264) ح (3720، 3721) وأبو داود في سننه (2/ 238) ح (2118) والترمذي في جامعه (3/ 404)(ح (1105) والحاكم في مستدركه (2/ 199) وقد افردها الشيخ الألباني في رسالة خاصة باسم خطبة الحاجة فجمع ألفاظها، وطرقها، وبين من خرجها.
خاتم النبيين وأفضلهم أجمعين صلى الله عليه وسلم، وجعله بينهم يقرؤونه ويرجعون إليه متى شاءوا، في جميع شؤونهم، مع تكفله جلَّ وعلا بحفظه وعدم وصول يد التحريف والتبديل إليه، بقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وجعله هدى، ونوراً، وشفاء، وحكماً عدلاً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وإن مما ينبغي للمسلم العناية به: الاستشفاء بهذا القرآن العظيم من جميع الأدواء الحسية والمعنوية: أدواء القلوب وأدواء الأبدان، وهذا من تمام التصديق والعمل به، وما أحوجنا إلى ذلك خاصة في هذه الأزمنة التي كثر فيها الشر وأهله، وكثرت الأدواء التي لا تعرف.
وقد رغبت أن أكتب في هذا الموضوع مذكراً نفسي ومن يطلع عليه من إخواني المسلمين، عسى أن يكون عوناً ومذكرا ومبصرا، والله حسبي عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم، فإن أصبت فمحض فضل الله علي، وهو ما قصدت، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، فأستغفر الله وأتوب إليه، وقد سميته:«الاستشفاء بالقرآن الكريم» .
أهمية الموضوع وأسباب الاختيار:
تتلخص أهمية الموضوع وأسباب اختياره فيما يلي:
1) إن سعادة الأمة كامنة في رجوعها إلى كتاب ربها، والعمل بما فيه، فكل ما يردُّها إليه ويحملها على العمل بما فيه فهو من الأهمية بمكان.
2) إرشاد المسلمين إلى التداوي بكتاب الله والتذكير به.
3) عدم تعرض كثير من المفسرين لهذا الموضوع بشيء من البسط.
4) كثرة الأدواء في هذه الأزمنة والتي لا يكاد يعرف لها دواء في الطب الحديث، بينما دواءها موجود في كتاب الله، كما سيأتي بيان ذلك.
5) إيضاح ما ورد من نصوص الكتاب والسنة التي تدل على الاستشفاء بكتاب الله.
6) معرفة الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستشفاء بالقرآن، حتى يكون المسلم على بينة من أمره.
7) المساهمة في نفع المسلمين وتفريج كربات بعض المصابين.
8) المساهمة في الدفاع عن المسلمين ورد كيد أعدائهم من شياطين الجن والإنس، كالسحرة والمشعوذين ومن يطلبون منهم أذية المسلمين، وذلك حسب الطاقة والمستطاع.
9) تنبيه الرقاة والمسترقين لما يشرع لهم عند الاستشفاء بالقرآن، وتحذيرهم من بعض المخالفات في ذلك.
خطة البحث:
إن الخطة التي سوف تتم الكتابة في البحث من خلالها بإذن الله ستكون كالتالي:
مقدمة: وتشتمل على أهمية البحث، وأسباب الكتابة فيه، وقد مرت قريباً.
صلب الموضوع: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الأدلة من الكتاب والسنة على مشروعية الاستشفاء بالقرآن.
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: نصوص القرآن الدالة على الاستشفاء بالقرآن وتفسيرها.
المطلب الثاني: ذكر نصوص السنة الدالة على الاستشفاء بالقرآن وبيانها.
المبحث الثاني: كيفية الاستشفاء بالقرآن، وصفات الراقي والمرقي، ومحاذير يجب تجنبها.
وتحته أربعة مطالب:
المطلب الأول: ذكر الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية التداوي بالقرآن والسنة.
المطلب الثاني: الصفات الواجب توافرها في الراقي.
المطلب الثالث: الصفات الواجب توافرها في المرقي.
المطلب الرابع: محاذير يجب تجنبها.
الخاتمة: وفيها أذكر ما توصلت إليه من نتائج.
الفهارس: وسيأتي تفصيلها في منهج البحث.
منهج البحث:
تمت الكتابة بحمد الله في هذا البحث وفق المنهج التالي:
1 -
عزو الآيات المستشهد بها إلى سورها، وذلك بذكر اسم السورة، ورقم الآية عند نهاية المستشهد به منها داخل المتن.
2 -
تخريج الأحاديث من كتب السنة المعتمدة.
3 -
الالتزام في الاستدلال بذكر الأحاديث الصحيحة، مع بيان من صححها من أهل العلم، ما لم تكن في الصحيحين، أو أحدهما.
4 -
ترجَمَةُ الأعلامِ الواردة، ما لم تكن مشهورة.
5 -
توثيق ما أورده من أقوال أهل العلم، أو تعريفاتهم، أو النقول عنهم بعزوها إلى مصادرها.
6 -
شرح الكلمات التي تحتاج إلى بيان وإيضاح.
7 -
تذييل البحث بفهارس علمية كالتالي:
أ- فهرس الآيات القرآنية.
ب- فهرس الأحاديث النبوية.
ج- فهرس الأعلام.
د - فهرس المراجع والمصادر.
هـ - فهرس الموضوعات.
هذا والله أسأل التوفيق، والسداد، والإعانة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول
الأدلة من الكتاب والسنة على مشروعية الاستشفاء بالقرآن الكريم
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: نصوص القرآن الدالة على الاستشفاء بالقرآن وتفسيرها.
الآية الأولى: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
[يونس: 57].
تفسير الآية:
ينادي الله عز وجل عباده بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فعم جميع الخلق؛ لأن هذا القرآن مخاطب به الجميع ومأمور بالعمل بما فيه، فهو موعظة للجميع، ولا يختص به أهل الإيمان دون غيرهم.
ثم أخبر أنه {موعظة} أي: عظة وتذكرة من الله لعباده، يتذكر بها الموفقون، وأنه {شفاء} والشفاء: ما يبرئ السقم.
{لما في الصدور} : وهي القلوب، فهو شفاء لها من الجهل، والغي، والشبهات، والشهوات.
{وهدى} : يهتدى به من الضلالة.
{ورحمة للمؤمنين} : وخص المؤمنين بالذكر؛ لأنهم هم المنتفعون به دون من سواهم.
يقول الطبري مبينا معنى الآية: «يقول تعالى ذكره لخلقه: {يا أيها الناس قد
جاءتكم موعظة من ربكم} يعني: ذكرى تذكِّركم عقابَ الله، وتخوِّفكم وعيده، {من ربكم} يقول: من عند ربكم، لم يختلقها محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يفتعلها أحدٌ، فتقولوا: لا نأمن أن تكون لا صحةَ لها، وإنما يعني بذلك - جلّ ثناؤه- القرآنَ، وهو الموعظة من الله.
وقوله: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} يقول: ودواءٌ لما في الصدور من الجهل يشفي به الله جهل الجهال، فيبرئ به داءهم، ويهدي به من خلقِه من أراد هدايته به، {وَهُدى} يقول: وهو بيانٌ لحلال الله وحرامه، ودليلٌ على طاعته ومعصيته، {وَرَحْمَةٌ} يرحم بها من شاء من خلقه، فينقذه به من الضلالة إلى الهدى، وينجيه به من الهلاك والردى، وجعله تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين به دون الكافرين به؛ لأن من كفر به فهو عليه عمى، وفي الآخرة جزاؤه على الكفر به الخلود في لظى»
(1)
.
ويقول ابن كثير رحمه الله:
«يقول تعالى ممتنا على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: زاجر عن الفواحش، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} أي: من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء: 82]، وقوله:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]
(2)
.
ويزيد السعدي رحمه الله معنى الآية إيضاحاً وبياناً، فيقول:
«{وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} «وهو هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد
(1)
تفسير الطبري: (12/ 193 - 194).
(2)
تفسير ابن كثير: (7/ 370).
للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني؛ فإن ما فيه من المواعظ، والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه، وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرَّفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين، وإذا صح القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية تبعته الجوارح كلها؛ فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده.
{وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} فالهدى: هو العلم بالحق والعمل به، والرحمة: هي ما يحصل من الخير، والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به، فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين، وإذا حصل الهدى وحلت الرحمة الناشئة عنه حصلت السعادة، والفلاح، والربح، والنجاح، والفرح، والسرور»
(1)
.
فائدة في وجه اختصاص المؤمنين بما في القرآن من الهدى والرحمة والشفاء:
لقد اختص الله المؤمنين بكون القرآن لهم هدى، وشفاء، ورحمة؛ لأنهم هم الذين يؤمنون به، ويعملون بما فيه، ويهتدون بهديه، ويتعظون بمواعظه، وأما الكفار فإنهم لما أعرضوا عنه، وكفروا به، حرموا هدايته وما فيه من الخير، كما بين ذلك أهل التفسير.
قال قتادة: «جعل الله هذا القرآن هدى وبشرى للمؤمنين؛ لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه، ووعاه، وانتفع به، واطمأن إليه، وصدق بموعود الله الذي
(1)
تفسير السعدي: (2/ 326).
وعده فيه، وكان على يقين من ذلك»
(1)
.
وقال الطبري: «فإن قال لنا قائل: أو ما كتاب الله نوراً إلا للمتقين، ولا رشاداً إلا للمؤمنين؟
قيل: ذلك كما وصفه ربنا عز وجل، ولو كان نوراً لغير المتقين، ورشاداً لغير المؤمنين لم يخصص الله عز وجل المتقين بأنه لهم هدى، بل كان يعم به جميع المنذرين، ولكنه هدى للمتقين، وشفاء لما في صدور المؤمنين، ووقر في آذان المكذبين، وعمي لأبصار الجاحدين، وحجة لله بالغة على الكافرين، فالمؤمن به مهتد، والكافر به محجوج»
(2)
.
ويقول الفخر الرازي: «فإن قيل: ولم خص كونه هدى وبشرى بالمؤمنين مع أنه كذلك بالنسبة إلى الكل؟
الجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى إنما خصهم بذلك؛ لأنهم هم الذين اهتدوا بالكتاب، فهو كقوله تعالى:{هدى للمتقين} [البقرة: 2]
والثاني: أنه لا يكون بشرى إلا للمؤمنين؛ وذلك لأن البشرى عبارة عن الخبر الدال على حصول الخير العظيم، وهذا لا يحصل إلا في حق المؤمنين؛ فلهذا خصهم الله به»
(3)
.
وقد بين الأمين الشنقيطي رحمه الله الآيات الدالة على اختصاصه بالمؤمنين، فقال:
«صرح في هذه الآية
(4)
بأن هذا القرآن {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} ، ويفهم من مفهوم
(1)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره: (2/ 300)، وابن ابي حاتم في تفسيره:(1/ 181) عند تفسير قوله: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97]، وأورده السيوطي في الدر المنثور:(1/ 224).
(2)
تفسير الطبري: (1/ 234).
(3)
التفسير الكبير للرازي: (3/ 213).
(4)
يعني بذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
الآية أعني: مفهوم المخالفة، المعروف بدليل الخطاب: أن غير المتقين ليس هذا القرآن هدى لهم، وصرح بهذا المفهوم في آيات أخر، كقوله:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت: 44]، وقوله {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء: 82]، وقوله {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124 - 125]، وقوله تعالى:{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً} [المائدة: 64] الآيتين»
(1)
.
وبهذا يتبين وجه اختصاص أهل الإيمان بالقرآن اهتداء به، واستشفاء به، وعملا بما فيه، ولله الحمد والمنة على ذلك.
دلالة الآية على الاستشفاء بالقرآن:
لقد أخبر الله في هذه الآية أن القرآن شفاء لما في الصدور، وهي القلوب، وهي محل الشبهات، والشهوات، والجهل، والهموم، والغموم من الإنسان، والإنسان مركب على قلبه صلاحاً وفساداً، وفي إخبار الله بذلك عن القرآن دليل على شرعية الاستشفاء به، من كل ما يعرض للقلب، فعلى من رام شفاء قلبه أن يقبل على هذا القرآن تلاوةً وعملاً واستشفاءً، فهو شفاء محض لا تشوبه شائبة.
ومن النكت اللطيفة في الآية: أن الله وصف القرآن بأنه شفاء، ولم يصفه بأنه دواء، وهذا يدل على تحقق حصول النتيجة عند الاستشفاء به، وهي زوال الداء
(1)
أضواء البيان: (1/ 45).
بخلاف الدواء؛ فإنه قد يحصل به الشفاء وزوال الداء، وقد لا يحصل، فالحمد لله على منه، وكرمه، وجعله كلامه بين أيدينا، نقرأه ونستشفي به متى شئنا، لا يحول بيننا وبينه أحد.
قال ابن القيم رحمه الله في تقرير شفاء القرآن:
«فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به بصدق وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدا.
وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء؟ الذي لو نزل على الجبال لصدعها وعلى الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه، وسببه، والحمية منه، لمن رزقه الله فهما في كتابه، وأما الأدوية القلبية، فإنه يذكرها مفصلة، ويذكر أسباب أدوائها وعلاجها، قال تعالى:{أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51]، فمَن لم يَشْفِه القرآن، فلا شفاه الله، ومَن لم يَكفِه، فلا كفاه الله»
(1)
.
الآية الثانية: قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً}
[الإسراء: 82].
تفسير الآية:
يبين الله عظيم منته على عباده، حيث أنزل عليهم قرآنا جعله شفاء لأهل الإيمان منهم، من الأهواء، والشبهات، والضلال، وسائر الأدواء، وجعله رحمة لهم وموصلا لهم إلى رحمة الله، بخلاف الكفرة الظالمين؛ فإنه لا يزيدهم إلا خساراً وضلالاً وهلاكاً.
(1)
زاد المعاد في هدي خير العباد: (4/ 352).
(1)
.
(2)
.
فائدة: في بيان أن القرآن كله شفاء لا بعضه، وأن {من} في قوله تعالى:{من القرآن} بيانية، لا تبعيضية:
لقد اختلف المفسرون في نوع {من} في قوله تعالى في هذه الآية: {من
(1)
تفسير الطبري: (15/ 62) وما بعدها.
(2)
تفسير ابن كثير: (9/ 70).
القرآن} على ثلاثة أقوال، هي:
القول الأول: إنها لبيان الجنس، قاله الزمخشري
(1)
، وابن عطية
(2)
، وأبو البقاء
(3)
.
والقول الثاني: إنها للتبعيض، قاله الحوفي
(4)
.
والقول الثالث: إنها لابتداء الغاية، وبه جزم أبو حيان
(5)
، والشوكاني
(6)
.
والراجح: هو القول الأول: إنها لبيان الجنس، وإن جميع القرآن شفاء، كما جزم بذلك ابن القيم
(7)
، والشوكاني، والشنقيطي
(8)
وغيرهم، ويدل له ما يلي:
1 -
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] حيث أخبر أن القرآن جميعه شفاء لما في الصدور، ولم يقتصر على شيء منه دون شيء.
2 -
قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ
(1)
انظره في الكشاف: (2/ 373).
(2)
انظره في المحرر الوجيز: (5/ 531).
(3)
انظره في التبيان: (2/ 830).
(4)
هو علي بن إبراهيم بن سعيد، أبو الحسن الحوفي، ثم المصري، النحوي، له تفسير جيد، وكتاب إعراب القرآن في عشر مجلدات، وكتب أخر أخذ عن الأدفوي، وأخذ عنه خلق من المصريين، مات سنة ثلاثين وأربعمائة، طبقات المفسرين للسيوطي (1/ 388)، وسير أعلام النبلاء (17/ 521)، وانظر قوله في تفسير البحر المحيط (7/ 103).
(5)
كما في البحر المحيط: (7/ 103).
(6)
كما في فتح القدير: (3/ 259)، ووجوه الإعراب المذكورة في الدر المصون:(7/ 402).
(7)
زاد المعاد: (4/ 352، 177).
(8)
أضواء البيان: (3/ 624).
هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44].
ووجه الاستدلال: أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر أن هذا القرآن كله هدى وشفاء للمؤمنين، وتخصيص عموم الآيتين السابقتين يحتاج إلى دليل، ولا دليل، بل هاتان الآيتان مبينتان لآية الإسراء وموضحتان لها.
دلالة الآية على الاستشفاء بالقرآن:
لقد دلت هذه الآية الكريمة أن القرآن الكريم كله شفاء ورحمة للمؤمنين، والشفاء: حقيقته زوال الداء، فدل على مشروعية الاستشفاء بما جعله الله شفاء مزيلا للأدواء، وإن من مقتضى الإيمان بالقرآن وتصديقه: العمل بما فيه، ومن ذلك: الاستشفاء به من سائر الأدواء تصديقا وعملا بالآيات التي جاء فيها الإخبار بأنه شفاء.
(1)
.
الآية الثالثة: قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ
وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44].
(1)
زاد المعاد في هدي خير العباد: (4/ 177).
تفسير الآية:
يبين الله في هذه الآية الكريمة شدة تعنت الكفار وأعراضهم عن القرآن وعدم إيمانهم به، فلو جعل أعجميا لقالوا هلّا فصلت آياته، فهم كما لم يؤمنوا به مع كونه عربيا فلن يؤمنوا به لو جعله الله أعجميا.
(2)
.
يبين الله جل وعلا أن القرآن للمؤمنين هدى يهتدون به من الضلالة إلى الحق، وشفاء لأبدانهم من الإمراض الحسية، ولقلوبهم من الشبهات والشهوات والجهل.
يقول ابن كثير: «قال عز وجل: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} أي: قل يا محمد، هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب، {والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر} أي: لا يفهمون ما فيه، {وهو عليهم عمى} أي: لا يهتدون إلى ما فيه من البيان، كما قال سبحانه وتعالى: {وننزل من
(2)
تفسير ابن كثير: (12/ 246).
القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}.
{أولئك ينادون من مكان بعيد} قال مجاهد: يعني بعيد من قلوبهم، قال ابن جرير: معناه كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد، لا يفهمون ما يقول، قلت: وهذا كقوله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} [البقرة: 23] وقال الضحاك: ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم»
(1)
.
(2)
.
فائدة: في بيان أن شفاء القرآن ليس خاصا بالقلوب، بل عام لها وللأبدان.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
(1)
تفسير ابن كثير: (12/ 247).
(2)
تفسير السعدي: (4/ 403).
القول الأول: قال الحسن: إنه شفاء للقلوب فقط
(1)
.
والقول الثاني: ذهب الجمهور إلى أن القرآن يتضمن شفاء الأبدان، كما يتضمن شفاء القلوب
(2)
، وهو الراجح؛ لأن الأصل في دلالة الألفاظ أن تحمل على العموم، وقصرها على بعض إفرادها يحتاج إلى دليل يدل على المدعى، وإن حمل الآيات الدالة على أن القرآن شفاء على عمومها هو المتعين، فالقرآن كله شفاء، وشفاء أيضا لكل داء، سواء أدواء القلوب أو أدواء الأبدان، ويؤكد رجحان هذا القول ما جاء في السنة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وتقريره لأصحابه في الاستشفاء بالقرآن من الأمراض البدنية، كما سيأتي مفصلا في المطلب التالي، وهو:«ذكر نصوص السنة الدالة على الاستشفاء بالقرآن وبيانها»
(3)
.
دلالة الآية على الاستشفاء بالقرآن:
دلت هذه الآية الكريمة على أن القرآن الكريم للمؤمنين هدى، يهتدون به من الضلالة، وشفاء يستشفون به من كل داء، بخلاف الكافرين فإن في آذانهم وقرا ولا يزدادون به إلا عمى وبعدا عن الحق، وهذا دليل واضح على أنه لابد من الإيمان بالله لمن أراد الانتفاع بهذا القرآن العظيم اهتداء أو استشفاء.
(1)
انظر روح المعاني: (11/ 140)، والبحر المحيط:(6/ 74)، والدر المنثور:(4/ 366).
(2)
وممن قال به ابن القيم في زاد المعاد: (4/ 352)، والشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن:(3/ 624)، والسمرقندي في بحر العلوم:(2/ 281)، والرازي في التفسير الكبير:(21/ 35)، والآلوسي في تفسيره:(15/ 145)، وأبو حيان في البحر المحيط:(6/ 74) و (7/ 104)، والماوردي في تفسيره:(3/ 268)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن:(10/ 316)، وابن الجوزي في زاد المسير:(7/ 263)، والشوكاني في فتح القدير:(3/ 259)، والقاسمي في تفسيره:(10/ 3978) وغيرهم.
(3)
انظر ص: (26).
المطلب الثاني: ذكر نصوص السنة الدالة على الاستشفاء بالقرآن وبيانها.
لقد جاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم دالة على مشروعية الاستشفاء بالقرآن الكريم من قوله وفعله وتقريره، وفيما يلي ذكر جملة من الأحاديث الدالة على ذلك:
الحديث الأول: ما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ
(1)
سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم
(2)
: نعم، والله إني لأرقي، ولكن - والله- لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم، حتى تجعلوا لنا جعلا
(3)
، فصالحوهم على قطيع من الغنم
(4)
، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ:{الحمد لله رب العالمين}
(5)
، فكأنما نشط من عقال
(6)
، فانطلق
(1)
جاء في بعض الروايات أن الذي لدغته عقرب، انظر مسند الإمام أحمد بن حنبل:(17/ 124) ح (11070)، وسنن الترمذي:(4/ 398) ح (2063).
(2)
هو أبو سعيد الخدري، كما جاء مصرحا به في المرجعين السابقين وغيرهما.
(3)
الجعل: بضم الجيم وسكون المهملة، هو: ما يجعل للإنسان من المال على عمل، انظر: عون المعبود: (10/ 280).
(4)
وعددها ثلاثون، بعدد ركب الصحابة، كما في مسند الإمام أحمد بن حنبل:(17/ 124) ح (11070)، وسنن الترمذي:(4/ 398) ح (2063)، إلا أنه ليس عنده عدد الركب، والسنن الكبرى:(4/ 364) ح (7532)، وسنن ابن ماجة:(2/ 729) ح (2156).
(5)
جاء في مسند أحمد: (17/ 124) ح (11070)، وسنن الترمذي:(4/ 399) ح (2064)، وسنن ابن ماجة:(2/ 729) ح (2156): أنه قرأها سبع مرات.
(6)
نشط: بضم النون وكسر المعجمة، أي: حل أو أقيم بسرعة، والعقال: بكسر المهملة بعدها قاف، هو: الحبل الذي يشد به ذراع البهيمة، انظر: فتح الباري: (4/ 532).
يمشي وما به قلبة
(1)
، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، فقال:((وما يدريك أنها رقية؟))، ثم قال:((قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهما)) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
الحديث الثاني: ما رواه البخاري، والدارقطني، وابن حبان، والبيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَرًا
(3)
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِحَي مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَفِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَقَالُوا: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ فِي الْمَاءِ لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَرَقَاهُ عَلَى شَاءٍ، فَبَرَأَ، فَلَمَّا أَتَى أَصْحَابَهُ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَجْرًا، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
((إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ))
(4)
.
(1)
قَلَبَة: بثلاث فتحات، أي: علة، وقيل: للعلة قلبة؛ لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب؛ ليعلم موضع الداء، انظر المرجع السابق.
(2)
رواه البخاري في صحيحه، انظر: فتح الباري: (4/ 529) ح (2276)، وفي عدة مواضع أخرى، وهي برقم:(5007، 5736، 5749)، ومسلم في صحيحه:(4/ 1727) ح (2201)، واللؤلؤ والمرجان:(3/ 62) ح (1420).
(3)
هذه القصة الواردة في حديث ابن عباس رضي الله عنه، هي نفسها القصة التي سبقت في حديث أبي سعيد رضي الله عنه، فهي قصة واحدة، كما بينه الحافظ ابن حجر في الفتح:(4/ 533)، حيث قال:«وأما حمل بعض الشارحين ذلك على تعدد القصة، وأن أبا سعيد روى قصتين: كان في إحداهما راقيا، وفي الأخرى كان الراقي غيره، فبعيد جدا، ولا سيما مع اتحاد المخرج، والسياق، والسبب، ويكفي في رد ذلك: أن الأصل عدم التعدد، ولا حامل عليه؛ فإن الجمع بين الروايتين ممكن بدونه» .
(4)
رواه البخاري في صحيحه، انظر: الفتح: (10/ 209) ح (5737)، والدارقطني في سننه:(3/ 65)، وابن حبان في صحيحه:(11/ 546) ح (5146)، والبيهقي في السنن الكبرى:(1/ 430) ح (2101).
بيان دلالة الحديث على الاستشفاء بالقرآن:
لقد دل هذا الحديث العظيم بطريقيه على مشروعية الاستشفاء بالقرآن الكريم من عدة وجوه:
الأول: قراءة أبي سعيد رضي الله عنه سورة الفاتحة على اللديغ، وشفاؤه من أثر اللدغ، حتى إنه قام وكأنما نشط من عقال، وهذا يدل على سرعة تأثير هذه السورة العظيمة على المريض، وأن القرآن شفاء.
الثاني: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد على ذلك بقوله: ((وما يدريك أنها رقية)).
الثالث: تصويب النبي صلى الله عليه وسلم وتحسينه لفعل الصحابة ذلك بقوله: ((أصبتم))، وفي لفظ:((أحسنتم))
(1)
.
الرابع: طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يقسموا له من الجعل يدل على تمام حله، ومشروعية السبب الذي حصل به الجعل، وهو الرقية بكتاب الله.
الخامس: فهم أبي سعيد جواز الرقية بكتاب الله، مع أنه لم يكن لديه علم بجوازها حين قام بها، بدليل جوابه للنبي صلى الله عليه وسلم لما سأله بقوله:((وما يدريك أنها رقية؟))، فقال:«شيء نفث في روعي»
(2)
، وعند ابن حبان:«قلت: يا رسول الله ما دريت أنها رقية، شيء ألقاه الله في نفسي»
(3)
.
(1)
كما عند أبي داود في سننه: (3/ 265) ح (3418)، والبيهقي في السنن الكبرى:(6/ 199) ح (12481).
(2)
كما في مسند أحمد: (18/ 50) ح (11472)، وسنن الدارقطني:(3/ 64)، وقوله:((روعي)) بضم الراء، أي: في خلدي ونفسي، انظر: شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى: (1/ 72).
(3)
صحيح ابن حبان: (13/ 477) ح (6112).
السادس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ)) عند إخبار الصحابة له بأخذ الجعل على القراءة دليل بين وواضح في مشروعية الاستشفاء بالقرآن الكريم، وهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك، بل قد فهم جمهور أهل العلم
(1)
من هذا الحديث جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، واستدلوا به على ذلك، فكيف بالأمر الذي كان سببا لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا، وهو أخذ الأجرة على الرقية بكتاب الله.
السابع: قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة -كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه لما أخبروه بأخذ الجعل-: ((خذوا منهم))
(2)
، فأمره دليل على مشروعية أخذ الجعل، ومشروعية فعل ما كان سببا له، وهي الرقية بالفاتحة.
(3)
.
الثامن: ضحك النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبروه بأخذ الجعل، وقوله عند ذلك:((وما يدريك أنها رقية))
(4)
إقرار منه لذلك، والإقرار على أخذ الجعل دليل على مشروعية ما حصل أخذ الجعل بسببه، وهو الاستشفاء بالقرآن.
التاسع: قول الصحابة: «فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا، مَا كُنَّا نَظُنُّهُ يُحْسِنُ رُقْيَةً»
(5)
ظاهر
(1)
قاله الحافظ ابن حجر في الفتح: (4/ 530)، والنووي في شرحه لمسلم:(14/ 188).
(2)
كما عند مسلم في صحيحه: (4/ 1727) ح (2201).
(3)
انظر صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: (13/ 476).
(4)
كما في رواية البخاري التي أوردها في كتاب الطب، باب الرقى بفاتحة الكتاب، انظر الفتح:(10/ 208) ح (5736).
(5)
كما عند مسلم: (4/ 1728)، وعند غيره:(ما كنا نأبنه)، وهما بمعنى واحد.
أنهم يظنون به عدم معرفة الرقية، ومع ذلك لم ينكروا عليه اجتهاده بقراءة سورة الفاتحة على المريض، فدل على أن الاستشفاء بكتاب الله متقرر عندهم كما هو ظاهر القرآن.
يقول ابن القيم رحمه الله في معرض تقريره للاستشفاء بفاتحة الكتاب بعد أن ذكر هذا الحديث:
«فما الظنُّ بفاتحة الكتاب التي لم يُنزل في القرآن، ولا في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزَّبور مِثلُها، المتضمنة لجميع معاني كتب الله، المشتملة على ذكر أُصول أسماء الرب تعالى ومجامعها، وهى: الله، والرَّب، والرحمن، وإثبات المعاد، وذكرِ التوحيدين: توحيدِ الربوبية، وتوحيدِ الإلهية، وذكر الافتقار إلى الربِّ سُبحانه في طلبِ الإعانة وطلب الهداية، وتخصيصه سبحانه بذلك، وذكر أفضل الدعاء على الإطلاق وأنفعِهِ وأفرَضِه، وما العبادُ أحوج شيء إليه، وهو الهدايةُ إلى صِراطه المستقيم، المتضمن كمالَ معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمرَ به، واجتنابِ ما نَهَى عنه، والاستقامة عليه إلى الممات، ويتضمن ذِكْر أصنافِ الخلائق وانقسامهم إلى مُنْعمٍ عليه بمعرفة الحق، والعمل به، ومحبته، وإيثاره، ومغضوب عليه بعدُوله عن الحق بعد معرفته له، وضال بعدم معرفته له، وهؤلاء أقسامُ الخليقة مع تضمنها لإثبات القَدَر، والشرع، والأسماء، والصفات، والمعاد، والنبوات، وتزكيةِ النفوس، وإصلاح القلوب، وذكر عدل الله وإحسانه، والرَّدِّ على جميع أهل البدع والباطل
…
وبالجملة: فما تضمنته الفاتحةُ مِنْ إخلاص العبودية والثناء على اللهِ، وتفويضِ الأمر كُلِّه إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله مجامع النِّعَم كُلِّها، وهى الهداية التي تجلبُ النِّعَم، وتدفَعُ النِّقَم، من أعظم الأدوية الشافية الكافية»
(1)
.
(1)
زاد المعاد في هدي خير العباد: (4/ 177 - 178).
الحديث الثالث: ما رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي بسند صحيح
(1)
، عن خارجة بن الصلت
(2)
، عن عمه
(3)
، قال: أقبلنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتينا على حي من العرب، فقالوا: أنبئنا أنكم جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم دواء أو رقية؟ فإن عندنا معتوها
(4)
في القيود
(5)
، قال: فقلنا: نعم، قال: فجاءوا بالمعتوه في القيود، قال: فقرأت بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية
(6)
أجمع بزاقي
(7)
، ثم أتفل، قال: فكأنما نشط من عقال، قال: فأعطوني جعلا، فقلت:
(1)
كما قال الحاكم في المستدرك: (1/ 559 - 560)، والنووي في الأذكار:(120)، والألباني في صحيح أبي داود:(2/ 738) ح (3901)، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية لابن علان:(4/ 43 - 44)، انظر موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية:(5/ 323)، والأرنؤوط في صحيح ابن حبان:(13/ 474) ح (6110).
(2)
خارجة بن الصلت البرجمي: بضم الموحدة وسكون الراء وضم الجيم، الكوفي، روى عن ابن مسعود، وعن عمه، انظر تهذيب الكمال:(8/ 13)، وتقريب التهذيب:(283).
(3)
وهو: علاقة بن صحار السليطي، التميمي، وقيل: عبد الله بن عثير بن قيس بن عبد قيس بن خفاف، من بني عمرو بن حنظلة من البراجم، روى له أبو داود والنسائي، ولم يسمياه، انظر: تهذيب الكمال: (22/ 552)، وتقريب التهذيب:(763).
(4)
المعتوه: هو المجنون المصاب بعقله، انظر: النهاية في غريب الحديث: (3/ 181).
(5)
وهذا مما يؤكد أن هذه القصة غير قصة أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مع سيد الحي - والتي سبق إيرادها- كما قال ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح: (4/ 532)، ومما يدل عليه أيضاً: اختلاف الراقي، فهناك أبو سعيد كما سبق بيانه، وهنا علاقة بن صحار عم خارجة بن الصلت.
(6)
أي: أول النهار وآخره، فتح الباري:(11/ 366)، ولسان العرب:(15/ 60، 118)، مادة (عشى، وغدو).
(7)
جمع بزاقة، والبزاق: بضم الباء هو البصاق، وهو ما يخرج من ماء الفم، وفي البزاق ثلاث لغات: بالزاء، والصاد، والسين، والأوليان مشهورتان، انظر عون المعبود:(2/ 137، 51)
لا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته، فقال:
((كل لعمري
(1)
من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق))
(2)
.
بيان دلالة الحديث على الاستشفاء بالقرآن:
دل هذا الحديث على مشروعية الاستشفاء بالقرآن من عدة وجوه:
1 -
قراءة الصحابي لسورة الفاتحة على المعتوه، وشفاؤه بسبب ذلك.
2 -
إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك بقوله: ((كل)).
3 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد أكلت برقية حق))، حيث وصف هذه الرقية بأنها حق، وهذا واضح في مشروعية الاستشفاء بالفاتحة، ومثلها بقية القرآن.
الحديث الرابع: ما رواه البخاري، ومسلم عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده،
فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد
(1)
اختلف العلماء في هذه الكلمة من حيث الجواز والمنع، فمنهم من كرهها ومنع منها، ومنهم من أجازها، ومنهم من فصل، فقال: إن أراد بها القسم فهي لا تجوز، وإن لم يرد القسم فلا حرج فيها، وقد ألف فيها الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله رسالة قيمة بعنوان:«القول المبين في أن "لعمري" ليست من اليمين» ، وسرد ما ورد فيها من الأحاديث، وأقوال الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم بما لا مزيد عليه، وخلاصة ما قاله: أنها يمين لغوية، لا شرعية، وأنها جائزة، ولا كفارة فيها ولا حرج في قولها، انظر مجلة الجامعة الإسلامية عدد:(26)، وانظر فتح الباري:(11/ 555) تحت ما بوب له البخاري بقوله: «باب: قول الرجل لعمر الله» ، ومعجم المناهي اللفظية:(470).
(2)
رواه الإمام أحمد في مسنده: (36/ 156) ح (21836)، وأبو داود في سننه:(4/ 14) ح (3901)، والنسائي في السنن الكبرى:(7/ 71) ح (7492)، والطحاوي في شرح معاني الآثار:(4/ 126) ح (5566)، وابن حبان في صحيحه:(13/ 474) ح (6110)، والحاكم في مستدركه:(1/ 559 - 560).
النبي صلى الله عليه وسلم عنه»
(1)
.
بيان دلالة الحديث على الاستشفاء بالقرآن:
دل هذا الحديث العظيم أن الأسوة صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى ومرض يستشفي بالمعوذات، ويعالج بها نفسه من كل شكوى، وهذا - والله أعلم- منه كالبيان والتفسير لقوله:{قل هو للذين امنوا هدى وشفاء} ، وكالدعوة إلى ذلك، فعلينا أن نتأسى به؛ فإن ربنا جل وعلا يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
الحديث الخامس: ما رواه ابن حبان عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها فقال: ((عالجيها بكتاب الله))
(2)
.
بيان دلالة الحديث على الاستشفاء بالقرآن:
دل هذا الحديث على مشروعية الاستشفاء بالقرآن جميعه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر المرأة المعالجة أن تعالج أم المؤمنين عائشة بكتاب الله، والكتاب يشمل جميع القرآن، لا يختص ببعضه دون بعض.
الحديث السادس: ما رواه البخاري ومسلم واللفظ له عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ،
فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ
(1)
رواه البخاري في صحيحه، انظر: الفتح: (7/ 738) ح (4439)، وفي ثلاثة مواضع أخرى، وهي برقم:(5016، 5735، 5751)، ومسلم في صحيحه:(4/ 1723) مكررح (2192).
(2)
رواه ابن حبان في صحيحه: (13/ 464) ح (6098)، وصححه أيضا الألباني في السلسة الصحيحة: ح (1931).
بَرَكَةً مِنْ يَدِى»
(1)
.
بيان دلالة الحديث على الاستشفاء بالقرآن:
دل هذا الحديث الكريم على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى أحد من أهله عالجه بالقراءة عليه والنفث بالمعوذات، وفي هذا دليل على مشروعية الاستشفاء بالقرآن الكريم؛ لأنه تعليم منه صلى الله عليه وسلم لأمته، وهذا شامل لجميع كتاب الله؛ لأنه لا دليل على تخصيص ذلك بالمعوذات، بل هذا الذي يدل عليه وصف الله له بالشفاء، كما مر بيانه في مطلب: نصوص القرآن الدالة على الاستشفاء بالقرآن
(2)
.
الحديث السابع: ما رواه مسلم، وأبو داود، وابن حبان، والطبراني، والحاكم، والبيهقي عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِى الْجَاهِلِيَّةِ،
فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:((اعْرِضُوا عَلَىَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ))
(3)
.
بيان دلالة الحديث على الاستشفاء بالقرآن:
لما سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عما يراه في الرقى التي كانوا يرقون بها في الجاهلية أجابهم بالجواز ما لم يكن فيها شرك، فإخباره صلى الله عليه وسلم بجواز الرقى مطلقا - ما دامت خالية من الشرك- دليل على مشروعية الرقية بالقرآن مطلقا، بل هي
(1)
رواه البخاري في صحيحه، انظر: الفتح: (8/ 679) ح (5016)، ومسلم في صحيحه:(4/ 1723) ح (2192).
(2)
انظر ص: (8) وما بعدها.
(3)
رواه مسلم في صحيحه: (4/ 1727) ح (2200)، وأبو داود في سننه:(4/ 10) ح (3886)، وابن حبان في صحيحه:(13/ 461) ح (6094)، والطبراني في الكبير:(18/ 49) ح (88)، والحاكم في مستدركه:(4/ 212) ح (7485)، وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي في السنن الكبرى:(9/ 349) ح (9380).
أعظم الرقى وأنفعها على الإطلاق؛ لأنها بكلام الله.
وقد نص العلماء
(1)
على أن الرقية إذا اجتمعت فيها ثلاثة شروط، وهي: أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى فهي جائزة بالاتفاق، لا يختلفون في ذلك، وهذه الشروط متحققة في كتاب الله، فهو أولى وأحسن ما يستشفي به المسلم.
الحديث الثامن: ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أرْخَص رسول الله صلى الله عليه وسلم في رُقْيَةِ الحَيَّةِ
لبني عمرو بن حزم، قال أبو الزبير
(2)
: فسمعتُ جابر بن عبد الله، يقول:
لَدَغَتْ رجلا منا عَقْرَب، ونحنُ جُلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله، أرْقي؟ قال:((مَنْ استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فَلْيَفْعَلْ))
(3)
.
وفي رواية: قال جابر: كان لي خال يَرْقي من العقرب، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرُّقَى، قال: فأتاه، فقال: يا رسول الله، إنَّك نَهيْتَ عن الرُّقى، وإني أرْقِي من العقرب؟ فقال:((مَنْ استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فليفعل))
(4)
.
(1)
انظر: فتح الباري: (10/ 206)، وحكى الإجماع على ذلك، وشرح النووي على مسلم:(3/ 93)، وفتح المجيد:(1/ 243)، ومعارج القبول:(1/ 469).
(2)
هو الراوي عن جابر، وهو محمد بن مسلم بن تدرس، بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء، الأسدي مولاهم، أبو الزبير المكي، صدوق إلا أنه يدلس، مات سنة ست وعشرين ومائة، انظر: تذكرة الحفاظ: (1/ 126)، وتقريب التهذيب:(895).
(3)
رواه مسلم: (4/ 1726) ح (2199)، وأحمد (23/ 321) ح (15102)، والنسائي في الكبرى:(7/ 74) ح (7498)، والبيهقي في الكبرى:(9/ 348).
(4)
رواه مسلم في صحيحه: (4/ 1726)، وهو مكرر ح (2199)، وأحمد في مسنده:(22/ 136) ح (14231)، وعبد بن حميد في مسنده: انظر المنتخب: (2/ 140) ح (1024)، وابن حبان في صحيحه:(13/ 458) ح (6091).
وفي أخرى: قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرُّقى، فجاء آلُ عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رُقْية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرُّقى، قال: فعرضوها عليه، فقال:
((ما أرى بأسا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل))
(1)
.
بيان دلالة الحديث على الاستشفاء بالقرآن:
دل الحديث برواياته الثلاث على إذن النبي صلى الله عليه وسلم لكل من سأله عن الرقى بقوله: ((لا باس)، بل حث المسلم على نفع أخيه، بقوله:((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل))، ولا شك أن الرقية بالقرآن للمريض نفع له، فيكون ذلك داخلاً في جملة ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وهذا يدل على مشروعية الاستشفاء بالقرآن.
(1)
رواه مسلم: (4/ 1726) مكرر ح (2199)، والبيهقي في السنن الكبرى:(9/ 349).
المبحث الثاني كيفية الاستشفاء بالقرآن، وصفات الراقي، والمرقي، ومحاذير يجب تجنبها
وتحته أربعة مطالب:
المطلب الأول: ذكر الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية التداوي بالقرآن والسنة.
إن الناظر فيما ورد من نصوص السنة في الرقية يتبين له أنها وردت بعدة صفات، وبيانها كالتالي:
الصفة الأولى: الرقية بالقراءة
(1)
وحدها:
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان يكتفي في الرقية بمجرد القراءة، كما دل على ذلك جملة من الأحاديث، منها:
الحديث الأول: ما اتفق عليه البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا، أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ:
((أَذْهِبِ البأس، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا))
(2)
.
الحديث الثاني: ما رواه مسلم وأحمد عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَاهُ جِبْرِيلُ، قَالَ:
«بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ
(1)
أعني بالقراءة: ما يتكلم به الراقي قرآنا أو غيره.
(2)
رواه البخاري في صحيحه، انظر الفتح:(10/ 136) ح (5657)، ومسلم في صحيحه:(4/ 1722) ح (2191)، وانظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: (3/ 60) ح (1414).
يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذي عَيْنٍ»
(1)
.
الحديث الثالث: ما رواه مسلم، وأحمد، والترمذي عَنْ أَبِى سَعِيدٍ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«يَا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟» ، فَقَالَ:((نَعَمْ))، قَالَ:
(2)
.
الصفة الثانية: الرقية بالقراءة والنفث
(3)
:
لقد دلت جملة من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث أحيانا مع رقيته للمريض،
(1)
رواه مسلم في صحيحه: (4/ 1718) ح (2185)، وأحمد في مسنده:(42/ 162) ح (25272).
(2)
رواه مسلم في صحيحه: (4/ 1718) ح (2186)، وأحمد في مسنده:(17/ 323) ح (11225)، والترمذي في جامعه:(3/ 294) ح (972).
(3)
قال النووي في شرحه لمسلم (14/ 182): «النفث: نفخ لطيف بلا ريق، قال: وقد أجمعوا على جوازه في الرقية، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وقال القاضي_ عياض_: اختلف في النفث والتفل، فقيل: هما بمعنى، ولا يكونان إلا بريق، وقال أبو عبيد: يشترط في التفل ريق يسير، ولا يكون في النفث، وقيل: عكسه، قال: وسئلت عائشة عن نفث النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية، فقالت: كما ينفث آكل الزبيب، قال: ونافث ذلك الزبيب لا ريق معه، ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة، ولا يقصد ذلك، لكن قد جاء في حديث الذي رقى بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه، ويتفل.
قال: وفائدة التفل: التبرك بتلك الرطوبة، أو الهواء، أو النفس المباشر للرقية والذكر الحسن، كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء الحسنى، قال: وقد يكون على وجه التفاؤل بزوال ذلك الألم عن المريض وانفصاله عنه، كانفصال ذلك النفس عن في الراقي بالمعوذات بكسر الواو» أ. هـ، وانظر إكمال المعلم (7/ 100)، والديباج على مسلم:(5/ 211)، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد:(8/ 133).
قلت: وبالرجوع إلى شروح الحديث، وكتب أئمة اللغة تبين أنهم يفرقون بين التفل والنفث، وممن فرق بينهما: شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في محاضرة له عن الرقية انظر: قسم العقيدة: (7/ 13) ضمن المكتبة الشاملة، وهو ما ترجح لدي، ولذلك أفردت كلا من «الرقية مع النفث» ، و «الرقية مع التفل» بصفة مستقلة.
وكذلك أقر بعض أصحابه على ذلك، وسواء كان النفث بعد القراءة أو معها، وإليك ذكر هذه الأحاديث:
الحديث الأول: ما رواه النسائي، وابن ماجة، وابن أبي شيبة عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية»
(1)
.
الحديث الثاني: ما اتفق عليه البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ»
(2)
.
وفي رواية لمسلم قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ»
(3)
.
الصفة الثالثة: الرقية بالقراءة والتفل:
لقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه -كل منهما تفل مع قراءة الرقية- على ما فعلاه، فدل ذلك على مشروعية هذه الصفة، وإليك ذكر الحديثين الواردين في ذلك:
الحديث الأول: حديث أبي سعيد رضي الله عنه في رقية سيد الحي، وقد مر
(4)
،
(1)
رواه النسائي في السنن الكبرى: (7/ 77) ح (7506)، وابن أبي شيبة في المصنف:(5/ 45) ح (23564)، وابن ماجة:(2/ 1166) ح (3528)، بسند صحيح كما قال الألباني في صحيح ابن ماجة:(2/ 268) ح (2843)، وصحيح الجامع:(2/ 895) ح (5022).
(2)
سبق تخريجه ص: (36).
(3)
سبق تخريجها ص: (37).
(4)
انظر ص: (26) وما بعدها.
وفيه: «فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه، ويتفل فبرأ»
(1)
.
الحديث الثاني: ما رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن خارجة بن الصلت، عن عمه، قال:
«أقبلنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتينا على حي من العرب، فقالوا: أنبئنا أنكم جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم دواء أو رقية؟ فإن عندنا معتوها في القيود، قال: فقلنا: نعم، قال: فجاءوا بالمعتوه في القيود، قال: فقرأت بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية أجمع بزاقي، ثم أتفل، قال: فكأنما نشط من عقال
…
» الحديث، وقد سبق
(2)
.
الحديث الثالث: ما رواه أحمد، والنسائي، وابن أبي شيبة، والطبراني عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ
(3)
قَالَ: وَقَعَتْ الْقِدْرُ عَلَى يَدِي، فَاحْتَرَقَتْ يَدِي، فَانْطَلَقَ بِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يَتْفُلُ فِيهَا، وَيَقُولُ:((أَذْهِبْ الْبَاسَ، رَبَّ النَّاسِ)) وَأَحْسِبُهُ قَالَ: ((وَاشْفِهِ إِنَّكَ أَنْتَ الشَّافِي))
(4)
.
(1)
روى هذا اللفظ البخاري في صحيحه، انظر: الفتح (10/ 208) ح (5736)، ومسلم في صحيحه:(4/ 1727) مكرر ح (2201).
(2)
انظر ص: (33) وما بعدها.
(3)
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، أبو القاسم القرشي، الجمحي، وقيل: أبو إبراهيم، وقيل: أبو وهب، أمه: أم جميل بنت المجلل العامرية، يقال: إنه ولد بأرض الحبشة، وهاجر أبواه ومات أبوه بها، فقدمت به أمه إلى المدينة، توفي سنة أربع وسبعين بمكة، انظر الإصابة:(6/ 52)، والأعلام للزركلي:(6/ 75).
(4)
رواه أحمد في مسنده: (30/ 214) ح (18281)، والنسائي في السنن الكبرى:(9/ 81) ح (9944)، وابن أبي شيبة في المصنف:(5/ 45) ح (23562)، والطبراني في الكبير:(19/ 240) ح (537) وما بعده، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 113): رجاله رجال الصحيح، وحسنه الأرنؤوط في مسند الإمام أحمد في الموضع السابق.
الصفة الرابعة: الرقية بالقراءة والمسح:
لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يمسح بيده اليمنى على المريض، عند ما يقرأ عليه الرقية، يدل لذلك ما يلي:
الحديث الأول: ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعَوِّذُ بعض أهلِه، يَمْسحُ بيده اليمنى، ويقول:
((اللهم ربَّ الناس، أذهب الباسَ، اشفِ أنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤكَ، شفاءا لا يُغَادِرُ سَقَما))
(1)
.
الحديث الثاني: ما رواه أحمد، والطبراني، وابن حبان، والطحاوي، والحاكم عن طلق بن علي
(2)
قال:
«لدغتني عقرب عند نبي الله صلى الله عليه وسلم فرقاني، ومسحها بيده»
(3)
.
الصفة الخامسة: الرقية بالقراءة، ووضع اليد على مكان الألم، ثم المسح:
لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يضع يده على الألم، أو يأمر المريض بذلك، ثم يمسح بها.
(1)
رواه البخاري في صحيحه، انظر الفتح:(10/ 216) ح (5743)، ومسلم في صحيحه:(4/ 1722) ح (2191).
(2)
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلق بن علي بن المنذر بن قيس بن عمرو بن عبدالله بن عمرو الحنفي السحيمي، أبو علي اليمامي، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل معه في بناء المسجد، وروى عنه، انظر تهذيب التهذيب:(5/ 33)، والإصابة:(3/ 294).
(3)
رواه أحمد في مسنده: (26/ 225) ح (16298)، والطبراني في الكبير:(8/ 406) ح (8262، 8263)، وابن حبان في صحيحه:(13/ 460) ح (6093)، والطحاوي في شرح معاني الآثار:(4/ 326)، والحاكم في مستدركه:(4/ 416)، وصححه، ووافقه الذهبي، والألباني في صحيح موارد الضمان:(2/ 35) ح (1191).
والفرق بين هذه الصفة والتي قبلها: أنه هنا كان يضع يده ثم يمسح، وهناك كان يمسح فقط، ويدل على هذه الصفة ما يلي من الأحاديث:
الحديث الأول: ما رواه البخاري وأبو داود عن عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ
(1)
أَنَّ أَبَاهَا قَالَ: «اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جبهتي، ثُمَّ مَسَحَ صدري وبطني، ثُمَّ قَالَ:((اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ))
(2)
.
الحديث الثاني: ما رواه مسلم، ومالك، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثقفي
(3)
أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا يَجِدُهُ في جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
((ضَعْ يَدَكَ عَلَى الذي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ))
(4)
.
(1)
هي: عائشة بنت سعد بن أبي وقاص الزهرية المدنية، ثقة من الرابعة، ولدت سنة 33 هـ، وعمرت حتى أدركها مالك، ووهم من زعم أن لها رؤية، ماتت سنة 117 هـ، انظر: تقريب التهذيب: (ص: 1364)، والأعلام للزركلي:(3/ 240).
(2)
رواه البخاري في صحيحه، انظر الفتح:(10/ 125) ح (5659)، وأبو داود في سننه:(3/ 187) ح (3104).
(3)
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد الله بن همام الثقفي، أبو عبد الله، نزيل البصرة، أسلم في وفد ثقيف، فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف، وأقره أبو بكر، ثم عمر، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين سنة خمس عشرة، ثم سكن البصرة، حتى مات بها في خلافة معاوية، قيل: سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وكان هو الذي منع ثقيفا عن الردة، رضي الله عنه وأرضاه، مات سنة 51 هـ، انظر: الإصابة: (4/ 221)، والإعلام للزركلي:(4/ 207).
(4)
رواه مالك في الموطأ: (2/ 942) ح (1686)، ومسلم في صحيحه:(4/ 1728) ح (2202)، وأبو داود في سننه:(4/ 11) ح (3891)، والترمذي في سننه:(4/ 408) ح (2080)، وابن ماجه في سننه:(2/ 1163) ح (3522).
وفي رواية للنسائي: ((ضع يمينك على المكان الذي تشتكي، فامسح به سبع مرات، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد في كل مسحة))
(1)
.
الصفة السادسة: الرقية بالقراءة والنفث مع المسح:
لقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الرقية بالقراءة مع النفث والمسح، وهذا يدل على مشروعية هذه الصفة، ويدل لذلك ما جاء في بعض طرق حديث أبي سعيد رضي الله عنه في رقية سيد الحي، كما عند عبد بن حميد، والنسائي، ولفظه:«فجعلت أقرأ فاتحة الكتاب، وأمسح المكان الذي لدغ حتى برأ، فأعطونا الغنم»
(2)
.
وفي رواية أخرى: «فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه، وينفث، فبرأ الرجل فأتوا بالشاء»
(3)
.
فدل مجموع الروايتين على أن أبا سعيد رضي الله عنه جمع بين القراءة والنفث مع المسح، والنبي أقره ولم ينكر عليه.
الصفة السابعة: الرقية بالقراءة، مع وضع الريق على الإصبع، ثم وضعها على الأرض، ثم على المريض.
يدل لهذه الصفة ما رواه البخاري ومسلم، واللفظ له، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّيء مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ، قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا - وَوَضَعَ سُفْيَانُ
(4)
سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعَهَا-:
(1)
رواه النسائي في الكبرى (9/ 376، 368) ح (10771، 10772)
(2)
رواه عبد بن حميد في مسنده، انظر المنتخب:(2/ 67) ح (864)، والنسائي في السنن الكبرى:(7/ 70) ح (7490).
(3)
النسائي في السنن الكبرى: (9/ 387) ح (10800).
(4)
وهو: سفيان بن عيينة، كما صرح به البخاري في روايته له في كتاب الطب، باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، وجزم به أيضا: الحافظ ابن حجر، انظر فتح الباري:(10/ 217) ح (5746).
((بِاسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا))
(1)
.
قال النووي مبينا هذه الصفة:
(2)
.
مسألة: اختلف العلماء بالمراد بقوله: ((أرضنا))، هل هو خاص بالمدينة أم عام في جميع الأرض؟، على قولين:
قال النووي، وابن القيم: «قال جمهور العلماء: المراد بأرضنا هنا جملة الأرض،
وقيل: المدينة خاصة لبركتها)
(3)
، وذكر ملا علي قاري القولين، وزاد: قلت: ويحتمل أن يراد بأرضنا: أرض الإسلام»
(4)
.
قلت: الأظهر قول الجمهور، لعدم الدليل على خصوصية ذلك بالمدينة، قال شيخنا عبد المحسن العباد حفظه الله:«وتعميمه أظهر؛ لأنه لم يأت شيء يبين أن هذا خاص بالمدينة، وأنه لا يستعمل إلا في المدينة»
(5)
.
الصفة الثامنة: الرقية بوضع الملح في الماء، ثم المسح به على مكان الألم، مع القراءة للديغ:
يدل لهذه الصفة ما رواه ابن أبي شيبة، واللفظ له، والطبراني، وأبو نعيم، والبيهقي عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
(6)
.
وفي رواية: «ويقرأ: {قل يا أيها الكافرون} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس}»
(7)
.
وفي رواية: «وجعل يمسح عليها، ويقرأ: {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس}»
(8)
.
الصفة التاسعة: الرقية بالقراءة، مع خلط التراب بالماء والنفث فيه، ثم صبه على المريض:
يدل له ما رواه أبو داود، والنسائي، والبخاري في التاريخ الكبير، والطبراني
(1)
رواه البخاري مقتصرا على الدعاء، انظر الفتح:(10/ 217) ح (5745، 5746) ومسلم في صحيحه: (4/ 1724) ح (2194).
(2)
انظر: شرح النووي وصحيح مسلم: (14/ 183).
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم: (14/ 184)، وزاد المعاد (4/ 187).
(4)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: (13/ 275).
(5)
شرح سنن أبي داود للشيخ عبد المحسن العباد: (20/ 233)، مفرغ من الأشرطة ضمن المكتبة الشاملة.
(6)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف: (5/ 44) ح (23553)، والطبراني في الأوسط:(6/ 90) ح (5890)، وأبو نعيم في أخبار إصبهان:(2/ 23)، والبيهقي في شعب الإيمان:(5/ 518، 519) ح (2340، 2341)، ورواه مختصرا ابن ماجة، والحديث قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 191): وإسناده حسن، وصححه الألباني في الصحيحة: ح (548).
(7)
رواها الطبراني، انظر: الهامش السابق.
(8)
رواها أبو نعيم، والبيهقي، انظر: الهامش قبل السابق.
عن ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ
(1)
: أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عليه، وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ: ((اكْشِفِ الْبَأسَ رَبَّ النَّاسِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بن شماس، ثُمَّ أَخَذَ تُرَابًا مِنْ بَطْحَانَ، فَجَعَلَهُ فِى قَدَحٍ، ثُمَّ نَفَثَ عَلَيْهِ بِمَاءٍ، وَصَبَّهُ عَلَيْهِ»
(2)
.
الصفة العاشرة: الرقية بكتابة شيء من القرآن، ثم صب الماء عليه، وشربه أو غسل البدن به:
هذه الصفة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جوازها صراحة، ولهذا اختلف العلماء في جوازها على قولين:
الأول: ذهب إبراهيم النخعي، وابن سيرين، وابن العربي إلى منعها
(3)
.
الثاني: ذهب الجمهور إلى جوازها.
واستدل الجمهور على جوازها بما يلي:
1 -
ما رواه ابن أبي شيبة، وابن السني عن ابن عباس، قَالَ: إِذَا عَسِرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا، فَيَكْتُبُ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ وَالْكَلِمَاتِ فِي صَحْفَةٍ، ثُمَّ تُغْسَلُ، فَتُسْقَى مِنْهَا: «بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ
(1)
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، الخزرجي، خطيب الأنصار، من كبار الصحابة، بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، واستشهد باليمامة، فنفذت وصيته بمنام رآه خالد بن الوليد، انظر: التقريب ص (186).
(2)
رواه البخاري في التاريخ الكبير: (8/ 377) ح (3387)، وأبو داود في سننه:(4/ 10) ح (3885)، والنسائي في السنن الكبرى:(9/ 374) ح (10789)، والطبراني في الكبير:(2/ 71) ح (1323)، وابن حبان في صحيحه:(13/ 432) ح (6069)، وصححه، وحسن إسناده شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع الفتاوى:(8/ 94).
(3)
انظر مصنف ابن أبي شيبة: (5/ 40، 39)، وشرح السنة للبغوي:(12/ 166)، وعارضة الأحوذي:(8/ 222)، وزاد المعاد في هدي خير العباد:(4/ 357).
السَّبْعِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً، أَوْ ضُحَاهَا} [سورة النازعات: 46]
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} » [الأحقاف: 35]
(1)
.
قلت: وهذا الأثر ضعيف؛ لأن فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيء الحفظ جداً، كما قال ابن حجر في التقريب
(2)
.
2 -
وروى ابن أبي شيبة عن ليث ومجاهد: أنهما لم يريا باساً أن يكتب آية من القرآن، ثم يسقاه صاحب الفزع
(3)
.
وهذا القول هو: الراجح، ويستدل له بما يلي:
1 -
أن الله وصف القرآن بأنه شفاء، فكيفما استعمل في غير صفة محرمة فهو جائز، وكتابته ومحوه من ذلك الجائز.
2 -
أن الأصل في التداوي: الحل والإباحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((
…
عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد))، قالوا: ما هو؟ قال: ((الهرم))
(4)
.
3 -
أنه فعله جمع من السلف كمجاهد، والليث، وسعيد بن جبير، والإمام
(1)
رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة: (231) ح (624)، وابن أبى شيبة في المصنف:(5/ 39) ح (23508).
(2)
التقريب: (871).
(3)
رواه عنهما ابن أبى شيبة في المصنف: (5/ 40) ح (23510).
(4)
رواه أحمد في مسنده: (30/ 395) ح (18454)، وأبو داود في سننه (4/ 3) ح (3855)، والترمذي في سننه:(4/ 383) ح (2038)، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة:(2/ 252) ح (3436).
أحمد، والقاضي عياض
(1)
وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وغيرهم
(2)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ويجوز أن يكتب للمصاب وغيره من المرضى شيئ من كتاب الله وذكره بالمداد المباح، ويغسل، ويسقى، كما نص على ذلك أحمد وغيره»
(3)
.
وقال ابن القيم: «ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه، وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه»
(4)
.
وقالت اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز في جوابها على هذه المسألة بقولها:
(5)
.
قلت: وهذه الصفة وإن كانت جائزة فتركها أولى؛ لأن فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غنية وكفاية عما لم يثبت عنه.
قال الشيخ صالح الفوزان: «أما كتابة الآيات في ورقة، ثم تمحى هذه الورقة في ماء ويشربها المريض فهذا رخص فيه كثير من العلماء قياسًا على ما ورد، وأخذًا لعموم الاستشفاء بالقرآن الكريم؛ لأن الله أخبر أنه شفاء فلا بأس به- إن
(1)
انظر: إكمال المعلم (7/ 101).
(2)
انظر: مصنف ابن أبي شيبه: ((5/ 40، 39)، وزاد المعاد في هدي خير العباد:(4/ 357)، والآداب الشرعية:(2/ 456)، وأورد نقولا عن عدة من السلف في فعل ذلك، ونحوه أحكام الرقى والتمائم ص (66) وما بعدها.
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية: (19/ 64).
(4)
زاد المعاد في هدي خير العباد: (4/ 358).
(5)
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية- (1/ 97).
شاء الله - ولكن الأولى: هو ما ذكرناه، وهو الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو القراءة على المريض مباشرة أو القراءة في ماء ويشربه»
(1)
.
المطلب الثاني: الصفات الواجب توافرها في الراقي:
أولاً: صحة المعتقد،
وهو أن يكون على منهج السلف الصالح، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان، ويكون متبعا لهم، ويحذر من مخالفتهم، قال تعالى:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161].
وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} [الأحزاب: 21].
وقال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ))، متفق عليه
(2)
.
وأعظم المخالفة: ارتكاب الشرك بنوعيه: الأكبر والأصغر، ثم البدع، ثم كبائر الذنوب، قال تعالى محذرا من الشرك ومبينا خطره:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].
(1)
انظر: المنتقى من فتاوى الفوزان: (1/ 72)، وانظر: الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية ص (102).
(2)
رواه البخاري في صحيحه، انظر الفتح:(5/ 355) ح (2697)، ومسلم في صحيحه:(3/ 1343) ح (1718)، وانظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: (2/ 195) ح (1120).
وقال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ)).
قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قال: ((الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ:
اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً))
(1)
.
ثانياً: أن يكون مخلصاً لله سبحانه وتعالى،
مبتغيا برقيته وجه الله والثواب العظيم، ومحتسباً أجرها على الله، مع نفع إخوانه، والإحسان إليهم، وتفريج كرباتهم، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ عز وجل لا يقْبَلُ منَ العْمَلِ إلاَّ ما كان له خالصاً، وَابتُغِيَ به وجْهُهُ))
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: ((مَنْ استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فَلْيَفْعَلْ))
(3)
.
(1)
رواه الإمام أحمد في مسنده: (39/ 39) ح (23630)، والطبراني في الكبير:(4/ 253) ح (4301)، والبغوي في شرح السنة:(14/ 324) ح (4135)، والحديث صححه الألباني في الصحيحة: ح (951).
(2)
رواه النسائي: (4/ 286) ح (4333)، والطبراني في المعجم الكبير:(8/ 140) ح (7628): والحديث صححه الألباني في الصحيحة: (52).
(3)
سبق تخريجه ص: (39) وما بعدها.
ثالثا: الاستقامة على طاعة الله، والمحافظة على الإتيان بالفرائض،
كالتوحيد والصلاة وسائر ما أوجب الله، وكذلك الإكثار من النوافل، فإنها سبب لحفظ الله للعبد وتوفيقه وتسديده، ومحاربة الله لمن عاداه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:((قال الله تعالى: من عادى لي وَلِيّا، فقد آذَنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته))
(1)
.
رابعاً: البعد عن معصية الله وما نهى الله عنه
؛ فإنها سبب كل شر، قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
خامساً: أن يكون قوي الإيمان وقوي الصلة بالله سبحانه وتعالى،
ويتجلى ذلك في النقاط التالية:
1 -
أن يكون معتمداً على الله، متوكلا عليه، مفوضا أموره إليه، قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ .. )) الحديث
(2)
.
(1)
رواه البخاري في صحيحه، انظر: الفتح (11/ 348) ح (6502)، وابن حبان:(2/ 58) ح (347)، والبيهقى:(10/ 219) ح (20769).
(2)
رواه البخاري في صحيحه، انظر: الفتح (13/ 395) ح (7405)، ومسلم في صحيحه:(4/ 2061) ح (2675)، وانظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: (3/ 219) ح (1713).
2 -
أن يكون مكثراً من ذكر الله، ملازما له، وخاصة قراءة القرآن الذي جعله الله هدى، ونوراً، ورحمةً، وشفاء لما في الصدور، وشفاء من كل داء، وهو أعظم الذكر، وبه تطمئن القلوب، قال الله تعالى:{الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
3 -
أن يكون محافظاً على الأدعية والأذكار في وقتها.
4 -
أن يكثر من سؤال الله الحفظ والكلاءة.
سادساً: الاعتقاد الجازم بأن القرآن شفاء محض لكل مرض،
فمتى ما وجدت الأسباب وانتفت الموانع حصل الشفاء بإذن الله، وقد يتأخر الشفاء أو لا يحصل؛ لعدم وجود السبب أو لوجود المانع.
سابعاً: أن يكون على قدر من العلم الشرعي،
خاصة في باب الرقية، فيفعل الرقية المشروعة مراعياً آدابها وضوابطها وما ثبت منها، ويحذر من الرقى الشركية أو مجهولة الحال، قال ابن تيمية:«نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفقه معناها؛ لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك»
(1)
.
وكذلك يكون على علم بما يتعلق بالجن من حيث معرفة ضعفهم، قال الله تعالى:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
ولا يخاف منهم أو من تهديداتهم؛ لأن المتلبس منهم بالإنسي ظالم متعد يجب ردعه عن ظلمه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
«فصل: إذا عرف الأصل في هذا الباب فنقول: يجوز، بل يستحب، وقد يجب أن يذب عن المظلوم، وأن ينصر؛ فإن نصر المظلوم مأمور به بحسب الإمكان
…
وأيضاً: ففيه تفريج كربة هذا
(1)
مجموع فتاوى ابن تيمية: (19/ 13).
المظلوم
…
لكن ينصر بالعدل كما أمر الله ورسوله، مثل الأدعية والأذكار الشرعية، ومثل أمر الجني ونهيه، كما يؤمر الإنسي وينهى، ويجوز من ذلك ما يجوز مثله في حق الإنسي، مثل أن يحتاج إلى انتهار الجني وتهديده، ولعنه، وسبه»
(1)
.
ويجب عليه أن يعرف أنهم كذبة لا يصدقون، والكذب عليهم غالب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((صدقك وهو كذوب))
(2)
في قصة الجني الذي خاطب أبا هريرة ثلاث ليال، ثم أمره بقراءة آية الكرسي عند النوم.
ولا يبني على كلامهم شيء من التصديق، بل يجب على الراقي أن ينبه أولياء المريض إلى عدم تصديق الجن فيما يسمعون من أقوالهم أثناء الرقية، وأنهم يكذبون، ولا يجوز تصديقهم؛ لأنهم ربما يريدون بكلامهم المكر، والكيد، وإيقاع الشحناء بين المريض وبعض أقاربه، أو بينه وبين بعض أصدقائه.
كما ينبغي أن لا يفتح لهم باب الحديث والكلام إلا بحدود الضرورة؛ لأنهم بذلك يتنفسون الصعداء، حينما يكف القاري عن تلاوة كلام الله عليهم، ويكلمهم، فيجدون ذلك فرصه تخف بها وطأة القراءة وتأثيرها عليهم، فينبغي التنبه لهذا الأمر.
ثامناً: الدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
سواء كان مع المرقي أو مع الجني، فإذا رأى على المريض بعض آثار المعاصي يأمره
(1)
مجموع الفتاوى: (19/ 49 - 50).
(2)
رواه البخاري تعليقاً في كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً، فأجازه الموكل، فهو جائز، انظر: فتح الباري (4/ 568)، حديث رقم:(2311، 3275، 5010)، ووصله النسائي في عمل اليوم والليلة: ص (278)، حديث رقم:(965)، وفي السنن الكبرى:(9/ 350)، حديث رقم:(10729)، وانظر: ذكر الحافظ ابن حجر لوصل الحديث في فتح الباري: (4/ 569).
بالمعروف، وينهاه عن المنكر، ويرشده إلى الاستقامة على دين الله، ويبين أن ما أصابه إنما هو بسبب ذنوبه، كما قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]؛ فإن المريض في هذه الحال الغالب عليه أنه أذن صاغية ومهيأ لقبول النصح والتوجيه.
وكذلك يأمر الجن بالإسلام إن كان كافرا، ويأمره بالخروج من المريض، وعدم أذيته له، وينصحه بما يناسب المقام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وإذا كان الجن أحياء، عقلاء، مأمورين، منهيين، لهم ثواب وعقاب، وقد أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب على المسلم أن يستعمل فيهم ما يستعمله في الإنس، من الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، والدعوة إلى الله، كما شرع الله ورسوله، وكما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاملهم إذا اعتدوا بما يعامل به المعتدون، فيدفع صولهم بما يدفع صول الإنس
…
» إلى أن قال:
«
…
والمقصود أن الجن إذا اعتدوا على الإنس أخبروا بحكم الله ورسوله، وأقيمت عليهم الحجة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، كما يفعل بالإنس لأن الله يقول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقال تعالى:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الأنعام: 130]»
(1)
.
تاسعاً: أن تكون الرقية بكتاب الله، أو بما ثبت من الأدعية النبوية،
وأن يقتصر على ذلك، وفيهما الكفاية والغنية عما سواهما.
عاشراً: يستر على المرضى، ولا يفشي أسرارهم،
ولا يذكر أحوالهم وما
(1)
مجموع الفتاوى: (19/ 39 - 43).
حصل منهم، إلا بقدر الحاجة لمن يعنيه أمرهم، إذا اقتضت المصلحة ذلك.
حادي عشر: أن يرفع معنوية المريض، ويطيب نفسه، ويفاءله بالشفاء،
وكذلك يفعل مع أهله؛ لأن شعور الإنسان بالشفاء له أثر على المرض، كما أشار إلى ذلك العلماء عند زيارة المريض.
قال ابن القيم: «فصل: في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم، وتقوية قلوبهم، روى ابن ماجه في سننه من حديث أبى سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا دَخَلْتُم على المَرِيضِ، فَنَفِّسوا لَهُ في الأجَلِ؛ فإنَّ ذَلِكَ لا يَرُدُّ شيئاً، وَهُوَ يُطَيِّبُ نَفْسَ المريضِ))
(1)
.
وفى هذا الحديث نوعٌ شريفٌ جداً من أشرف أنواع العلاج، وهو الإرشاد إلى ما يُطيِّبُ نفسَ العليل من الكلام الذي تقوى به الطبيعة، وتنتعشُ به القُوَّة، وينبعِثُ به الحارُّ الغريزي، فيتساعدُ على دفع العِلَّة أو تخفيفها الذي هو غايةُ تأثير الطبيب.
وتفريح نفس المريض، وتطييبُ قلبه، وإدخالُ ما يسُرُّه عليه، له تأثيرٌ عجيب في شفاء عِلَّته وخِفَّتها؛ فإنَّ الأرواح والقُوَى تقوى بذلك، فتُسَاعِدُ الطبيعة على دفع المؤذي، وقد شاهد الناس كثيراً من المرضى تنتعِشُ قواه بعيادة مَنْ يُحبونه، ويُعظِّمونه، ورؤيتهم لهم، ولُطفهم بهم، ومكالمتهم إياهم، وهذا أحدُ فوائد عيادة المرضى التي تتعلق بهم؛ فإنَّ فيها أربعة أنواع من الفوائد: نوعٌ يرجع إلى المريض، ونوعٌ يعود على العائد، ونوعٌ يعود على أهل المريض، ونوعٌ يعود على العامة».
(1)
وهو حديث ضعيف، كما قال النووي في الأذكار: ص (127)، وابن حجر، انظر موسوعة ابن حجر الحديثية:(2/ 4، 8)، والألباني في الضعيفة: ح (184).
(1)
زاد المعاد في هدي خير العباد: (4/ 116).
المطلب الثالث: الصفات الواجب توافرها في المرقي
سبق أن ذكرنا جملة من الصفات الواجب توافرها في الراقي، وهي كذلك متعينة في حق المرقي، وهي:
أولاً: صحة المعتقد.
ثانياً: الإخلاص لله.
ثالثاً: الاستقامة على طاعة الله.
رابعاً: البعد عن معصية الله.
خامساً: قوة الإيمان.
سادساً: الاعتقاد بأن القرآن شفاء.
سابعاً: الاعتقاد الجازم بأن النفع والضر من الله وحده لا شريك له، وأن الشفاء بكلام الله لا بالراقي، نعم لاشك أن الرقاة يتفاوتون في درجة الصلاح والتقى، وتتفاوت درجة تأثير قراءتهم تبعاً لذلك، لكن النفع من الله وبكتابه، والقرآن شفاء لكل أحد، ومن كل أحد من المسلمين.
ثامناً: عدم العجلة في حصول النتيجة، وعدم اليأس عند تأخرها، فقد سبق معنا أن الصحابي رقى مريضاً ثلاثة أيام صباحاً ومساءً
(1)
.
ومما ينبغي مواصلة القراءة والاستمرار؛ ولهذا ينبغي لكل شاك أن يقرأ على نفسه بنفسه، أو يقرأ أحد أقاربه عليه؛ لأن الراقي قد لا يطيل القراءة، لكن المريض أو قريبه المبتلى به سيبذل ما يستطيع في سبيل سلامته وعافيته.
كما ينبغي عدم التوقف عن القراءة عند الشعور بالتعب، أو الخوف، أو النوم؛ لأن هذا كله من الشيطان؛ ليصد القاري عن كتاب الله، الذي هو السلاح
(1)
انظر ما سبق: ص (34).
الذي من قاتل به لا ينثني ولا يهزم.
تاسعاً: الصبر والاحتساب لما أصابه، والرضا بقضاء لله وقدره.
عاشراً: حسن الظن بالله بأنه سيشفيه، وانتظار الفرج منه.
حادي عشر: قوة العزيمة، وقوة الإرادة، ورفع معنويات نفسه، لدفع ما فيه، وعدم الاستسلام؛ فإن لذلك أثرا كبيرا على النفس، كما سبق ذكر كلام ابن القيم عنه
(1)
.
ثاني عشر: عدم الذهاب إلى أحد من الرقاة والمعالجين، إلا بعد معرفة ثقته وسلامته من مخالفة الشرع، فلا يجوز الذهاب إلى الساحر، أو الكاهن، أو العراف
(2)
.
المطلب الرابع: محاذير يجب تجنبها.
أخي الراقي، إليك جملة من المحاذير التي يجب عليك تجنبها، حتى لا تقع في الإثم والمخالفة، فإنك اليوم تعمل، وغدا بعملك تجزى، ولا ينجيك بين يدي الله إلا ما كان لله خالصا، وكنت فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم متابعا.
ومن هذه المحاذير:
المحذور الأول: فتنة جمع المال،
فإياك أن يكون همك جمع المال؛ فإن من طبيعة النفس البشرية حب المال، والسعي في تحصيله، والبخل في إنفاقه، إلاّ من رحم الله، قال تعالى مخبراً عن جنس الإنسان:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] و {الخير} : المال، كما قال أهل التفسير
(3)
، وقال تعالى: {زُيِّنَ
(1)
انظر: ص: (69).
(2)
انظر في بيان تحريم ذلك، وتفصيل الأدلة فيه: تبصير البشر في تحريم السحر للمؤلف: ص (29).
(3)
تفسير الطبري: (10/ 24)، وتفسير الماوردي:(6/ 326).
لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} [آل عمران: 14].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الدنيا، فقال:((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ))
(1)
.
وكثير من الرقاة قد وقعوا في هذا المرتع الوخيم، وصار هم أحدهم: كسب المال، فينبغي الحذر من ذلك، نعم لا بأس أن يأخذ أجراً معقولاً على الرقية؛ لإذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، كما سبق بذلك الحديث
(2)
، لكن بقدر معقول، ولا يكون الهدف من الرقية هي جمع المال، وقد توسع الناس في هذا الباب كثيراً، والله المستعان.
المحذور الثاني: فتنة النساء،
احذر أخي المسلم، وأنت أيها الراقي خصوصا الافتتان بالمرأة؛ فإن الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم يقول:((مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً هي أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ))
(3)
، ومر قريبا قوله صلى الله عليه وسلم:((فاتقوا الدنيا واتقوا النساء))، ومما يجب على الراقي أن يحذره: مس المرأة الأجنبية عند الرقية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له))
(4)
.
(1)
رواه مسلم: (4/ 2098) ح (2742)، وأحمد في مسنده:(17/ 261) ح (11169)، والنسائي في الكبرى:(8/ 302) ح (9224)، والبيهقي في الكبرى:(7/ 91) ح (13301).
(2)
انظر ص: (30).
(3)
رواه البخاري في صحيحه، انظر فتح الباري:(9/ 41) ح (5096)، ومسلم في صحيحه:(4/ 2097) ح (2740).
(4)
رواه الطبراني في الكبير: (20/ 212) ح (487)، قال الهيثمي (4/ 326): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في الصحيحة: ح (226).
ويجب عليه أيضاً: أن يحذر من الخلوة بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((ألا، لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له؛ فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم))
(1)
، ولا بد أن يكون محرمها معها.
كما يجب عليه: أن يغض البصر عن النظر إلى محاسنها؛ لأن الله يقول:
المحذور الثالث: الحذر من الاستعانة بالجن أو الشياطين،
فلم يرد في كلام الله، ورسوله، وأقوال أصحابه ما يدل على جوازه، وفتح هذا الباب فتح باب شر، لا يعلم ضرره إلا الله، فكيف يعرف صدقهم من كذبهم؟ وكيف يحاسبهم إن كذبوا؟ وكيف يصدقهم فيما يقولون؟ وكيف يحكم على المريض ويتعامل معه بناء على أقوالهم عنه التي لا يدري أحق أم باطل؟ مع أنه لا يمكن أن تحكم على أحد بكلام الإنس، إذا لم تتأكد من صدقه، فكيف بكلام الجن الذين هم أهل الكذب؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((صدقك وهو كذوب))
(2)
.
علماً بأن من أجازه، كشيخ الإسلام ابن تيمية
(3)
، وشيخنا: الشيخ ابن عثيمين
(4)
أجازوه بشروط، وإن كنا لا نسلم جواز ذلك، لا بشروط ولا بدونها، كما هو رأي سواد الأمة وجمهورها قديماً وحديثاً
(5)
.
(1)
رواه أحمد في مسنده: (24/ 462) ح (15696)، والنسائي في الكبرى:(8/ 283) ح (9175) وما بعده، والترمذي في سننه:(4/ 465) ح (2165)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه أيضا الألباني في السلسلة الصحيحة: ح (430).
(2)
سبق تخريجه ص (67).
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية: (11/ 307)، (19/ 62).
(4)
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: (9/ 545).
(5)
انظر: فتوى اللجنة الدائمة في ذلك في آخر هذا المطلب.
قلت: ويدخل بالاستعانة بالجن ما يسمى بالتنويم المغناطيسي، فهو حرام لا يجوز، قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية:«التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني حتى يسلطه المنوِّم على المنوَّم، فيتكلم بلسانه، ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه، إن صدق الجني مع المنوِّم - وكان طوعاً له- مقابل ما يتقرب به المنوَّم إليه، ويجعل ذلك الجني المنوَّم طوع إرادة المنوِّم، بما يطلبه من الأعمال، أو الأخبار بمساعدة الجني له، إن صدق ذلك الجني مع المنوِّم، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقاً للدلالة على مكان سرقة، أو ضالة، أو علاج مريض، أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوِّم غير جائز، بل هو شرك لما تقدم، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم»
(1)
.
المحذور الرابع: الحذر من التوسع في باب القراءة على الماء والزيت ونحوهما،
فهناك من يقرأ على خزان ماء كبير، وهناك من يقرأ في برميل من الماء، وهناك من يجعل الماء المقروء فيه نوعين: نوع مركز، ونوع دون ذلك، وما شابه ذلك، فيجب الحذر من هذه الأمور، ولزوم ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان، وعدم المخالفة، وسيأتي في آخر المطلب فتوى اللجنة الدائمة بذلك.
المحذور الخامس: الحذر من الاغترار بكثرة الناس عندك أيها الراقي وازدحامهم حولك،
فلعلها مصيدة من الشيطان؛ ليمكر بك، ويغرك، ويعلق الناس بك من دون الله، وأنت لا تشعر.
المحذور السادس: الحذر من القول بغير علم،
كالحكم على المريض بأنه
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة: (1/ 401)، ومجموع فتاوى ومقالات ابن باز:(3/ 313).
مسحور أو فيه كذا وكذا، دون أن تكون متيقناً بصحة ما تقول بالطرق المشروعة.
المحذور السابع: الحذر من تعذيب المريض بالضرب المفرط،
أو الصعق الكهربائي، أو الخنق وما شابه ذلك، مما يفعله كثير من الرقاة؛ فإن شفاء المريض أو إخراج الجن منه إنما هو بسبب قراءة كلام الله، لا بسبب هذه الأفعال
(1)
.
المحذور الثامن: الحذر من إيقاع اليأس في نفس المريض،
أو إشعاره أن مرضه لا يمكن الشفاء منه، بل ولا يجوز له كل فعل أو قول يعلق المريض به أو يلزمه بالتردد على بابه مرة بعد مرة.
المحذور التاسع: تجنب القراءة الجماعية
؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد، فكم من مريض زاد مرضه، أو تضاعف، أو أصيب بأمراض أخرى، بسبب ما يراه من الحالات التي تقع بين عينيه، وقد أفتت اللجنة بالمنع من ذلك، كما سيأتي في آخر هذا المطلب.
المحذور العاشر: الحذر من بعض الخرافات والدجل التي يزعم بعضهم أنها تساعد في إخراج الجن،
كالإتيان بذئب للمريض، أو جعلهم يمرون بجواره، أو أن يلزم كل واحد منهم أن يشم جلد الذئب أو نحو ذلك، فإن هذا من الأمور المحرمة كما أفتت اللجنة الدائمة بتحريمه، كما سيأتي في آخر هذا المطلب.
المحذور الحادي عشر: القراءة أثناء الرقية بمكبر الصوت أو عبر الهاتف مع بعد المسافة،
وقد أفتت اللجنة كما سيأتي قريبا بالمنع من ذلك.
المحذور الثاني عشر: جعل بعضهم الأختام الكبيرة الحجم مكتوب عليها آيات، أو أذكار، أو أدعية،
ومنها: ما هو مخصص للسحر، ومنها: ما هو مخصص للعين، ومنها: ما هو
(1)
انظر بسط القول في هذه المخالفات في: فتح الحق المبين (141) وما بعدها.
مخصص للجن، وقد أجابت اللجنة الدائمة بتحريم ذلك، كما سيأتي في آخر المطلب.
المحذور الثالث عشر: تعذيب الجن بالنار أو حرقه بها لا يجوز
؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار، كما صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
(1)
.
المحذور الرابع عشر: كتابة أوراق فيها القرآن والأذكار، ووضعها على جسد المريض لا يجوز؛ لأنها من التمائم.
وإليك أخي المسلم فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية برئاسة شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله في عشر مخالفات ومحاذير في الرقية، قد مر - فيما سبق- ذكر أكثرها:
قالت اللجنة: «الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
…
، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والمرفق به المحضر المعدّ من قبل مندوب فرع وزارة الشئون الإسلامية، ومندوب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقصيم، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم:(139/ س) وتاريخ: 8/ 1/ 1418 هـ، وقد تضمن المحضر عدة فقرات أجابت اللجنة عنها بما يلي:
الفقرة الأولى: القراءة على ماء فيه زعفران، ثم غمس الأوراق فيه، ثم تجفيفها، ثم حلها بعد ذلك بماء، ثم شربها.
الجواب: القراءة في ماء فيه زعفران، ثم تغمس الأوراق في هذا الماء وتباع
(1)
وهو حديث صحيح، رواه أحمد في مسنده:(25/ 421) ح (16034)، وأبو داود في سننه:(3/ 55) ح (2673) وما بعده، وانظر الصحيحة: ح (487).
على الناس؛ لأجل الاستشفاء بها، هذا العمل لا يجوز، ويجب منعه؛ لأنه احتيال على أكل أموال الناس بالباطل، وليس هو من الرقية الشرعية التي نصّ بعض أهل العلم على جوازها؛ وهي كتابة الآيات في ورقة أو في شيء طاهر كتابة واضحة، ثم غسل تلك الكتابة وشرب غسيلها.
الفقرة الثانية: مدى صحة تخيّل المريض للعائن من جراء القراءة، أو طلب الراقي من القرين أن يخيّل للمريض من أصابه بالعين.
الجواب: تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم؛ لأنه استعانة بالشياطين؛ ولأنه يسبب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [سورة الجن: 6]
الفقرة الثالثة: مس جسد المرأة: يدها، أو جبهتها، أو رقبتها مباشرة من غير حائل، بحجة الضغط والتضييق على ما فيها من الجان، خاصة أن مثل هذا اللمس يحصل من الأطباء في المستشفيات، وما هي الضوابط في ذلك؟
الجواب: لا يجوز للراقي مسّ شيء من بدن المرأة التي يرقيها؛ لما في ذلك من الفتنة، وإنما يقرأ عليها بدون مس، وهناك فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب؛ لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد أن يعالجه، بخلاف الراقي؛ فإن عمله - وهو القراءة والنفث - لا يتوقف على اللمس.
الفقرة الرابعة: وضع أختام كبيرة الحجم مكتوب فيها آيات أو أذكار أو أدعية، منها شيء مخصص للسحر، ومنها ما هو للعين، ومنها ما هو للجان، ثم يغمس بالختم على ماء فيه زعفران، ثم يختم على أوراق تحل بعد ذلك وتشرب.
الجواب: لا يجوز للراقي كتابة الآيات والأدعية الشرعية في أختام تغمس بماء فيه زعفران، ثم توضع تلك الأختام على أوراق؛ ليقوم ذلك مقام الكتابة، ثم تغسل تلك الأوراق وتشرب؛ لأن من شرط الرقية الشرعية: نية الراقي والمرقي الاستشفاء بكتاب الله حال الكتابة.
الفقرة الخامسة: شم جلد الذئب من قبل المريض، بدعوى أنه يُفصح عن وجود جان أو عدمه، إذ أن الجان - بزعمهم - يخاف من الذئب، وينفر منه ويضطرب عند الإحساس بوجوده.
الجواب: استعمال الراقي لجلد الذئب؛ ليشمه المصاب، حتى يعرف أنه مصاب بالجنون عمل لا يجوز؛ لأنه نوع من الشعوذة والاعتقاد الفاسد، فيجب منعه بتاتاً، وقولهم: إن الجني يخاف من الذئب خرافة لا أصل لها.
الفقرة السادسة: قراءة القرآن أثناء الرقية بمكبر الصوت، أو عبر الهاتف مع بعد المسافة، والقراءة على جمع كبير في آن واحد.
الجواب: الرقية لا بد أن تكون على المريض مباشرة، ولا تكون بواسطة مكبر الصوت ولا بواسطة الهاتف؛ لأن هذا يخالف ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان في الرقية، وقد قال:((من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))
(1)
.
الفقرة السابعة: الاستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر، وكذلك تصديق الجني المتلبّس بالمريض بدعوى السحر والعين والبناء على دعواه.
الجواب: لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك، قال الله تعالى: {وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ
(1)
سبق تخريج الحديث ص: (61).
مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن: 6]
ومعنى استمتاع بعضهم ببعض: أن الإنس عظّموا الجن، وخضعوا لهم، واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون، وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه، مما يطّلع عليه الجن دون الإنس؛ وقد يكذبون؛ فإنهم لا يؤمنون، ولا يجوز تصديقهم.
الفقرة الثامنة: تشغيل جهاز التسجيل على آيات من القرآن لعدة ساعات عند المريض، وانتزاع آيات معينة تخص السحر، وأخرى للعين، وأخرى للجان.
الجواب: تشغيل جهاز التسجيل بالقراءة والأدعية لا يغني عن الرقية؛ لأن الرقية عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية حال أدائها، ومباشرة للنفث على المريض، والجهاز لا يتأتى منه ذلك.
الفقرة التاسعة: كتابة أوراق فيها القرآن والذكر، وإلصاقها على شيء من الجسد كالصدر ونحوه؛ أو طيّها ووضعها على الضرس، أو كتابة بعض الحروز من الأدعية الشرعية وشدها بجلد، وتوضع تحت الفراش أو في أماكن أخرى، وتعليق التمائم إذا كانت من القرآن، والذكر، والدعاء.
الجواب: إلصاق الأوراق المكتوب فيها شيء من القرآن أو الأدعية على الجسم أو على موضع منه، أو وضعها تحت الفراش ونحو ذلك لا يجوز؛ لأنه من تعليق التمائم المنهي عنها بقوله:((من تعلق تميمة فلا أتمّ الله له))
(2)
وقوله:
(2)
رواه أحمد في مسنده: (28/ 623) ح (17404)، والترمذي في جامعه:(4/ 403) ح (2072)، والحاكم في مستدركه:(4/ 241) ح (7503)، والبيهقي في السنن الكبرى:(9/ 351) ح (19395)، وحسنه الألباني كما في صحيح الترمذي:(5/ 72) ح (2072).
((إن الرقى والتمائم والتولة شرك))
(1)
.
الفقرة العاشرة: بعض الأدعية لم ترد، مثل:«حجر يابس، شهاب قابس، ردّت عين الحاسد عليه، وعلى أحب الناس إليه» .
الجواب: هذا الدعاء لا أصل له، وفيه عدوان على غير المعتدي، فلا يجوز استعماله لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نائب الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، عضو: بكر بن عبد الله أبو زيد، عضو: صالح بن فوزان الفوزان)
(2)
انتهى.
(1)
رواه أحمد في مسنده: (6/ 110) ح (3615)، وأبو داود في سننه:(4/ 9) ح (3883)، وابن ماجه في سننه:(2/ 1166) ح (3530)، والحاكم في مستدركه:(4/ 463) ح (8290)، وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، والبيهقي (9/ 350) ح (19387)، وصححه أيضا الألباني في الصحيحة: ح (2972).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية- (1/ 90)، الفتوى رقم (20361).
الخاتمة
بعد البحث والكتابة في هذا الموضوع المهم تبينت لي النتائج التالية:
1 -
إن القرآن شفاء لجميع الأمراض، أمراض القلوب والأبدان، المعنوية والحسية.
2 -
إن القرآن شفاء لكل مسلم.
3 -
لا يتوقف شفاء القرآن على قراءة أحد معين، بل هو شفاء لكل أحد، وبقراءة كل مسلم.
4 -
إن الشفاء بكلام الله لا بالراقي.
5 -
الاستشفاء بالقرآن ثابت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وإقراره، ومن فعل أصحابه والتابعين لهم بإحسان.
6 -
الاستشفاء بالقرآن يكون بالقراءة وحدها، أو بالقراءة مع النفث، أو بالقراءة مع التفل، أو بالقراءة مع النفث والمسح.
7 -
الاستشفاء بالقرآن يجهله الكثير أو يغفلون عنه، فيجب على طلبة العلم أن يظهروا ذلك، ويدعوا الناس إليه.
8 -
حتمية التأدب بآداب الرقية والالتزام بشروطها الشرعية عند الاستشفاء بالقرآن.
9 -
الالتزام بالصفات الواردة في كيفية الاستشفاء بالقرآن.
10 -
مشروعية الاستشفاء بالدعوات النبوية الصحيحة.
11 -
مشروعية الرقية بالماء.
12 -
مشروعية الرقية بوضع الإصبع على الأرض، ثم وضعها على المريض.
13 -
جواز كتابة القرآن في أوراق، ثم صب الماء عليه، ثم يشربه المريض، لكن تركه أولى من فعله.
14 -
جواز أخذ شيء من المال مقابل الرقية، لكن بشرط عدم المبالغة في ذلك.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
فهرس المراجع والمصادر
1 -
أحكام الرقى والتمائم: تأليف الدكتور فهد بن ضويان السحيمي، طبع أضواء السلف، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
2 -
الأذكار: لمحي الدين، أبي زكريا، يحيى بن شرف النووي، طبع المكتبة الإسلامية، استنبول، تركيا، الطبعة الرابعة 1375 هـ.
3 -
أسد الغابة في معرفة الصحابة لأبي الحسن علي بن محمد المعروف بابن الأثير نشر المكتبة الإسلامية.
4 -
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، نشر عالم الكتب - بيروت.
5 -
الأعلام: لخير الدين الزركلي، نشر دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة السادسة 1984 م.
6 -
إكمال المعلم بفوائد مسلم: تأليف أبي الفضل، عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 هـ)، تحقيق د/ يحيى إسماعيل، نشر دار الوفاء، الطبعة الأولى، 1419 هـ
7 -
الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبراني، (ت 360 هـ)، تحقيق طارق عوض الله وزميله، طبع دار الحرمين القاهرة، عام 1415 هـ.
8 -
التاريخ الكبير: للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.
9 -
تبصير البشر بتحريم السحر، تأليف الدكتور/ علي بن غازي التويجري
نشر دار النصيحة، الطبعة الأولى سنة 1428 هـ
10 -
التبيان في إعراب القرآن: لأبي البقاء، عبد الله بن الحسين العكبري، تحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.
11 -
تذكرة الحفاظ تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، طبع دار إحياء التراث.
12 -
تفسير البحر المحيط: لمحمد بن يوسف، الشهير بأبي حيان الأندلسي، دار الفكر، الطبعة الثانية 1403 هـ - 1983 م.
13 -
تفسير الطبري المسمى: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لمحمد بن جرير الطبري، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، نشر دار هجر، الطبعة الأولى 1422 هـ.
14 -
تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب: لفخر الدين الرازي، محمد بن عمر الشهير بخطيب الري، دار الفكر، الطبعة الثالثة 1405 هـ -1985.
15 -
تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق مصطفى السيد وزملاؤه، دار عالم الكتب، الطبعة الأولى 1425 هـ.
16 -
تفسير القرآن العظيم، لعبد بن محمد بن إدريس، المعروف بابن أبي حاتم، تحقيق أسعد الطيب، نشر مكتبة نزار الباز - مكة المكرمة، الطبعة الثالثة 1424 هـ.
17 -
تفسير القرطبي المسمى الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، لم تذكر له طبعة.
18 -
تفسير الماوردي المعروف بالنكت والعيون: تأليف أبي الحسن، علي
بن محمد بن حبيب الماوردي، (ت 450 هـ)، نشر دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ.
19 -
تقريب التهذيب: للحافظ أحمد بن علي، المعروف بابن حجر، تحقيق أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة- الرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ.
20 -
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: لأبي عمر، يوسف بن عبد الله ابن محمد بن عبد البر النمري الأندلسي، (ت 463 هـ)، نشر دار الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1420 هـ
21 -
تهذيب الكمال في أسماء الرجال: لجمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي، تحقيق د/ بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1405 هـ.
22 -
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: للشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي، تقديم محمد زهري النجار، منشورات دار المدني جدة 1408 هـ.
23 -
الجامع الصحيح، وهو سنن الترمذي، لأبي عيسى، محمد بن سورة الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، شركة مكتبة مصطفى البابي الحلبي - مصر، الطبعة الثانية 1398 هـ - 1978 م.
24 -
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء)، المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
25 -
خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتبة المعارف الرياض، الطبعة الأولى 1421 هـ.
26 -
الدر المصون: تأليف شهاب الدين، أحمد بن يوسف السمين، تحقيق الدكتور أحمد الخراط، طبع دار القلم - دمشق، الطبعة الأولى 1406 هـ.
27 -
الدر المنثور في التفسير المأثور: لجلال الدين، عبد الرحمن السيوطي، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، نشر دار هجر، الطبعة الأولى 1424 هـ.
28 -
الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، للحافظ عبد الرحمن السيوطي، تحقيق: أبي إسحاق الحويني، نشر دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1416 هـ.
29 -
ذكر أخبار إصبهان، لأبي نعيم احمد بن عبد الله الإصبهاني، نشر عبد الوهاب عبد الواحد، الدار العلمية دلهي الهند، الطبعة الثانية عام 1405 هـ.
30 -
زاد المعاد في هدي خير العباد: لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة عشرة 1406 هـ - 1986 م.
31 -
روح البيان. المؤلف: إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، دار إحياء التراث العربى.
32 -
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، لمحمود الآلوسي البغدادي، دار الفكر - بيروت، 1403 هـ - 1983 م.
33 -
زاد المسير، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، نشر المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى.
34 -
سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت.
35 -
السلسلة الضعيفة، تأليف وتخريج محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي، الطبعة الخامسة 1405 هـ.
36 -
سنن ابن ماجة، للحافظ أبي عبد الله، محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر للطباعة والنشر.
37 -
سنن أبي داود، للحافظ أبي داود، سليمان بن أشعث السجستاني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتب العصرية، صيدا - بيروت.
38 -
سنن الدار قطني: للحافظ علي بن عمر الدار قطني، عالم الكتب - بيروت، الطبعة الرابعة 1406 هـ - 1986 م.
39 -
السنن الكبرى: للإمام أبي بكر، أحمد بن الحسين البيهقي، طبع دار المعرفة - بيروت، نشر وتوزيع ومكتبة المعارف بالرياض.
40 -
السنن الكبرى: تأليف أبي عبد الرحمن، أحمد بن شعيب النسائي، (ت 303 هـ)، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1422 هـ.
41 -
صحيح سنن ابن ماجة: لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثالثة 1408 هـ.
42 -
صحيح سنن أبي داود: لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1409 هـ.
43 -
صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، بقلم محمد ناصر الدين الألباني، نشر دار الصميعي، الطبعة الأولى عام 1422 هـ.
44 -
شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى، لشهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بأبي شامة المقدسي دار النشر: مكتبة العمرين العلمية - الشارقة، - 1420 هـ - 1999 م، الطبعة الأولى، تحقيق: جمال عزون.
45 -
شرح سنن أبي داود، للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، مفرغ من
الأشرطة ضمن مجموعة المكتبة الشاملة.
46 -
شرح السنة: للإمام الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير الشاويش، الطبعة الثانية 1403 هـ.
47 -
شرح معاني الآثار: تأليف أبي جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي، المعروف بالطحاوي، نشر دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1407 هـ.
48 -
شرح النووي على مسلم: لأبي زكريا، يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي.
49 -
شعب الإيمان، ويسمى بالجامع لشعب الإيمان، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، نشر: الدار السلفية بالهند، الطبعة الأولى 1416 هـ.
50 -
الصحاح: لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة الثالثة 1404 هـ.
51 -
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1418 هـ.
52 -
صحيح الجامع الصغير وزيادته، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1402 هـ.
53 -
صحيح سنن الترمذي: لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ.
54 -
صحيح مسلم: لأبي الحسين، مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
55 -
طبقات المفسرين، تأليف: محمد بن علي بن احمد الداوودي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1403 هـ.
56 -
عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي، تأليف: أبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المالكي، نشر دار الكتاب العربي.
57 -
عمل اليوم والليلة تأليف احمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المعروف بابن السني، تحقيق كوثر البرني، نشر دار القبلة للثقافة، وموسسة علوم القران.
58 -
عون المعبود شرح سنن أبي داود: لأبي الطيب، محمد شمس الدين الحق العظيم أبادي، دار الفكر - بيروت، ط الثالثة 1399 هـ.
59 -
الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية: جمع خالد بن عبد الرحمن، نشر دار الوطن، الطبعة الأولى 1417 هـ.
60 -
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: جمع وترتيب أحمد بن عبد الرزاق الدويش، نشر مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية 1421 هـ.
61 -
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز، وترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث - القاهرة، الطبعة الأولى 1407 هـ.
62 -
فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين: تأليف الدكتور عبد الله بن محمد الطيار، طبع دار الوطن، الطبعة الثانية 1415 هـ.
63 -
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: تأليف محمد بن علي الشوكاني، توزيع دار الأندلس الخضراء بجدة، تحقيق د/ عبد الرحمن عميرة الطبعة الأولى، عام 1415 هـ -1994.
64 -
الفتوحات الربانية على الأذكار النووية تأليف محمد بن علان الصديقي الشافعي المعروف بابن علان، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت. لبنان.
65 -
الكشاف: لأبي القاسم جار الله، محمود بن عمر، المعروف بالزمخشري، توزيع دار الباز، طبع دار المعرفة - بيروت.
66 -
لسان العرب: لأبي الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم الشهير بابن منظور، تصوير دار الفكر عن طبعة دار صادر - بيروت.
67 -
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: تأليف محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
68 -
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد (26) طبعت بمطابع الجامعة الإسلامية.
69 -
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الثالثة 1402 هـ.
70 -
مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام ابن تيمية، أبي العباس، تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم، جمع عبد الرحمن بن قاسم النجدي وابنه محمد، توزيع الرئاسة العامة لشئون الحرمين، تنفيذ مكتبة الحديثة، طبع إدارة المساجد العسكرية بالقاهرة.
71 -
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة: للعلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، طبع شركة العبيكان، الطبعة الثانية 1410 هـ.
72 -
محاضرة للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ضمن قسم العقيدة في مجموعة المكتبة الشاملة.
73 -
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: للقاضي أبي محمد، عبد الحق بن غالب بن عطية، تحقيق عبد الله بن إبراهيم الأنصاري وزملاؤه، طبع دار الخير ط الثانية بإشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر.
74 -
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي بن سلطان محمد القاري، طبع دار الفكر بيروت.
75 -
المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله، محمد بن عبد الله، المعروف بالحاكم، وبذيله تلخيص المستدرك: للذهبي، دار الكتب العلمية بيروت.
76 -
مصنف ابن أبي شيبة المسمى (الكتاب المصنف)، تأليف الحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، نشر دار التاج، بيروت، الطبعة الأولى 1409 هـ.
77 -
معالم السنن لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية.
78 -
المعجم الكبير: لأبي القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي السلفي، نشر مكتبة ابن تيمية - القاهرة.
79 -
معجم المناهي اللفظية، تاليف بكر بن عبد الله أبو زيد، نشر دار العاصمة، الطبعة الثالثة 1407 هـ.
80 -
المنتخب من مسند عبد بن حميد: لمصطفى العدوي، دار بلنسية، الطبعة الثانية 1423 هـ.
81 -
المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان.
82 -
موسوعة الحافظ ابن حجر العسقلاني الحديثية، جمع: وليد أحمد الحسين وزملاؤه، ضمن سلسلة إصدارات مجلة الحكمة، الطبعة الأولى.
83 -
الموطأ: للإمام مالك بن أنس الأصبحي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1406 هـ.
84 -
النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الراوي، ومحمود محمد الطناحي، دار الكتب العلمية - بيروت.