الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج، ألا وإنه قد دان معرضاً، فأصبح قد رين به، فمن كان له عليه دين فليأتنا بالغداة نقسم ماله بينهم، وإياكم والدين، فإن أوله هم، وآخره حرب.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع القضاء
يعني المسائل التي لا تدخل في الأبواب السابقة، مما له تعلق بالقضاء، وكراهيته لأنه مزلة قدم، وما زال أهل التحري يكرهونه ويتوقونه من الصدر الأول إلى يومنا هذا، أعني أهل التحري، وأما أهل التساهل فلا شك أنهم يدفعون الوسائط للحصول عليه، وقد يدفع بعضهم الرشاوى -نسأل الله السلامة والعافية-، فعلى الإنسان أن يسعى لخلاص نفسه، والله المستعان.
يقول: "حدثني مالك"
…
وكم من إمام ضرب بسببه، بسبب القضاء ((من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين)) و ((القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة)) لكن إن عدل، وكان أهلاً لذلك فأجره عظيم، والغنم مع الغرم.
قال: "حدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء" عويمر "كتب إلى" أخيه "سلمان الفارسي" وقد آخى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم "أن هلم إلى الأرض المقدسة" تعال إلى الأرض المقدسة، يعني في الشام، وهذا ملحظ يلحظه بعض الناس، فيحرص على أن يسكن في الأراضي المقدسة، في بلاد الحرمين مثلاً بمكة أو بالمدينة، نظراً للمضاعفات، وفضيلة المكان، ويغفل أيضاً عن الضد، وأن الذنوب فيها أعظم، لا يلاحظ أن الصحابة تفرقوا في الأمصار بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام لأمور: منها المصلحة الراجحة في تفرقهم، دعاة خير، يقتدى بهم، وينفعون الناس في أمور دينهم ودنياهم، وأبو الدرداء كتب إلى سلمان: أن هلم إلى الأرض المقدسة، بعض الناس إذا مات أوصى أن يدفن في مكة أو في المدينة، ويسأل عنه هل تنفذ وصيته أو تترك؟ لا شك أنه إذا ترتب على ذلك تأخير فجاء الأمر بالتعجيل، يعني قبل هذه الوسائل الحديثة أحياناً يصل إلى المدينة بساعة، هذا ما يترتب عليه تأخير مثلاً، أما قبل لا شك أن التأخير ظاهر، ولو كانت قرية بجوار البلدة، يحتاجون إلى وقت.
ابن بطوطة ذكر في أول رحلته أنهم خرجوا من طنجة وبعد عشرة أيام مات القاضي فرجعوا به إلى طنجة، عشرة أيام مشي، والله المستعان، هذا يترتب عليه تأخير فلا يجوز.
"أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحداً" وجاء في الحديث الصحيح: ((إن سلمان أفقه منك)) يقوله الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي الدرداء "إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله" يعني هو الذي يصحبه، هو الباقي، هو الذي يحاسب عليه، أما الأرض فلا تنفعه ولا تقدسه، وبعضهم يحرص أن يكون بجوار رجل صالح في قبره، وهذا أيضاً لا ينفعه إن بطأ به عمله، مثل هذا لا ينفعه.
"وقد بلغني أنك جعلت طبيباً تداوي" يعني قاضي، جعلت قاضياً تقضي بين الناس، والقاضي مثل الطبيب، إما أن يصلح، وإما أن يفسد، إما أن يصلح كالطبيب، أو يقتل بغير حق، كالطبيب الذي يصف العلاج غير المناسب للمرض.
"وقد بلغني أنك جعلت طبيباً تداوي، فإن كنت تبرئ فنعما لك" يعني إن كنت تعلم الحق ومن أهله، وتجتهد بحيث تصيب فنعم ما لك "وإن كنت متطبباً" يعني تدعي الطب، تدعي معرفة الفصل بين الخصومات "فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار" نعم قد يحكم على إنسان بالقتل وهو لا يستحق، يعني من قبل القاضي، قد يتساهل في المقدمات فتخرج النتيجة بالحكم على المحكوم عليه بالقتل، وهذا سببه تقصير القاضي، أو عدم معرفته بمن تقبل شهادته، أو بكيفية الدعاوى والبينات وغيرها "فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار" لكن إذا كان أهلاً للقضاء مجتهداً، وبذل جهده، واستفرغ وسعه، وحكم على واحد ممن لا يستحق إذا استقصى الوسائل والمقدمات الشرعية فإنه يعذر.
"فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين" استحضر هذه الوصية "إذا قضى بين اثنين، ثم أدبرا عنه، نظر إليهما، وقال: ارجعا إلي، أعيدا علي قصتكما" يتأكد "متطبب والله" يعني يرمي نفسه بأنه مدعي، وأنه ليس أهلاً لهذا المكان، وإن أجبر عليه، والله المستعان.
قال: "وسمعت مالكاً يقول" والشاهد أن القضاء ليس بمرغوب، لذلك في كلام سلمان ما يدل على أن القضاء ليس بمرغوب.
قال: "وسمعت مالكاً يقول: من استعان عبداً بغير إذن سيده في شيء له بال" طلب من العبد أن يعينه على شيء في الغالب يؤخذ عليه أجرة "ولمثله إجارة فهو ضامن لما أصاب العبد، إن أصيب العبد بشيء" لأنه استعمله من غير إذن سيده، قال له: تعال احمل معي هذا الصندوق، أو هذا المتاع إلى الدور الثاني، طاح وانكسر، يضمن؛ لأن في هذا افتيات على سيده.
"إن أصيب العبد بشيء، وإن سلم العبد فطلب سيده إجارته لما عمل فذلك لسيده" قال: هذا الصندوق ما يحمل إلى الدور الثاني إلا بخمسين ريال، له ذلك "وهو الأمر عندنا".
كثير من الناس يستفيد من غيره، تجده سائق عند الجيران، وهذا سائق في وقت راحته ونومه يطرق عليه الباب الجار ويقول: عندي متاع، ويطلعه إلى الدور الثاني تعال، يشتغل عنده ساعة ساعتين، شيء ذو بال، ويستحق عليه أجرة، أو مثلاً عامل المسجد يستغله الإمام أو المؤذن بتغسيل السيارة، وحمل المتاع، أو غيرهما، هذا شيء ذو بال، وله أجرة في الغالب، في العادة، فهل الأجرة في مثل هذه الصورة .. ؟ الرقيق لسيده على كل حال، لكن الحر الأجير مثل عامل المسجد، أو سائق الجيران، أو ما أشبه ذلك، يمسحون سيارات، ويخدمون الناس الأجرة لهم أو لمن استأجرهم واستقدمهم؟ نعم؟ نعم إذا كان خارج وقت العمل، ولا يضر بالعمل فهي لهم، إذا اشترط عليه أنك ما تشتغل عند غيري، تشتغل عندي ثمان ساعات، والباقي ما تشتغل عند أحد يملك وإلا ما يملك؟ وقل مثل هذا في الأجير عند الدولة مثلاً، له دوام من ثمان إلى اثنتين، وينتهي الدوم، ثم يزاول أعمال في العصر، أو المغرب أو الليل مما لا يضر بعمله له ذلك أو ليس له ذلك؟ وهل لمن استأجره أن يمنعه في غير ما يملكه من وقت؟ نعم؟ إنما استؤجر على مدة معينة، الآن الدولة تمنع الموظفين من أن يزاولوا الأعمال التجارية، هل المنظور في هذا أنه يسبب إخلال بالعمل، أو لتتاح الفرصة لأكثر من شخص يعملون هذا في العمل الحكومي وهذا في العمل الحر، وتوزع الأمور على الناس كلهم ليستفاد من الأعمال؟ كأن هذا هو المنظور عند الجهات، نعم كأنه هذا هو المنظور، وإلا فكثير من الأعمال لا أثر له في العمل، وقد يزيد من جودة الأداء في العمل؛ لأنه في إطار ما يخدم العمل، المقصود أن مثل هذا لا شك أنهم يمنعون، ولولي الأمر أن يمنع.
فمثل عامل المسجد اللي ما عنده شغل إلا إذا قرب الأذان بقي ربع ساعة جاء يفتح اللمبات والمراوح، ثم بعد ذلك ما عنده شغل أبد، الأجرة لا شك أنها له؛ لأنه حر، ويؤدي عمله على الوجه المطلوب، أما إذا أدى ذلك إلى خلل في العمل فإنه يمنع.
قال: "وسمعت مالكاً يقول في العبد يكون بعضه حراً وبعضه مسترقاً" يعني مبعض "إنه يوقف ماله بيده" يكتسب في اليوم مائة مثلاً، وهو مبعض نصفها له، ونصفها لمن يملك نصفه، يوقف ماله. . . . . . . . . جمع هذه الخمسينات على مدى شهر شهرين "يوقف ماله بيده، وليس له أن يحدث فيه شيئاً" ولكنه في حاجاته الضرورية يصرف منه، يكتسي بالمعروف، ويأكل ويشرب، "فإذا هلك فماله للذي بقي له فيه الرق" لأنه في حكم العبد، وإن كان في حكم الحر في نصفه الثاني، فإنه يرث ويورث بقدر ما فيه من الحرية، والذي يظهر الإمام رحمه الله يقول:"للذي بقي له فيه الرق" هذا إن كان مكاتباً هذا ما فيه إشكال؛ لأنه رق ما بقي عليه درهم، وإن كان مبعضاً بالفعل عتق بعضه، وبقي بعضه، فما اكتسبه ببعضه الحر هو بحكم ماله، يورث منه كما يورث الحر.
قال: "وسمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا أن الوالد يحاسب ولده بما أنفق عليه من يوم يكون للولد مال ناضاً كان أو عرضاً إن أراد الوالد ذلك" يعني الوالد أنفق على الولد من ولادته إلى أن توظف، أنفق عليه مدة اثنين وعشرين سنة، قدر الوالد هذه النفقة بمائة ألف، توظف هذا الولد وجاءته مكافئة مائة ألف، أو بدل تعيين خمسين ألف، وجاءه أمور أخرى، اجتمع عنده مائة ألف، هل للوالد أن يحاسبه من بداية الأمر، من ولادته فيأخذ منه هذه المائة؟ من غير مسألة ((أنت ومالك لأبيك)) هذه .. ، ولذلك أدخلت في القضاء، يعني مما يلزم، أو تبدأ المحاسبة بما أنفق عليه من يوم يكون له مال؟ للولد مال؟ الآن إلى أن تخرج ما في حساب، من توظف وتأخرت الرواتب مثلاً شهرين ثلاثة وصار الوالد ما زال ينفق على الولد، وعلى زوجته إن كان متزوج، قبض الولد الرواتب المتأخرة، يحاسبه الوالد من يوم يكون للولد مال، ولذلك قال هنا:"من يومِ" لماذا أعربت؟ لأنها أضيفت إلى جملة صدرها معرب "من يوم يكون للولد مال ناضاً كان أو عرضاً" المقصود أنه مما يتمول ويطلق عليه "إن أراد الوالد ذلك" وإن ترك وعفا عنه، فهذا هو الأصل بين الوالد وولده، الأمور مبنية على المسامحة.
قال: "وحدثني مالك
…
"
هذه المسألة تجر مسائل، وهي أن هل على الوالد أن يزوج ابنه؟ هل عليه أن يعلمه التعليم الزائد على الضروري؟ هل عليه أن يشتري له سيارة أو بيت أو ما أشبه ذلك من الحوائج الأصلية؟ مسائل تحتاج إلى وقت، ولعل الله أن ييسر لها مناسبة أخرى.
قال: "وحدثني مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني أن رجلاً من جهينة كان يسبق الحاج، فيشتري الرواحل فيغلي بها" ولكل قوم وارث، تجد الناس في آخر يوم، يعني اليوم الأول من أيام النفر تجده يلزم الحوض، ويرمي أول الناس، ويذهب إلى الحرم ليطوف ليقال: إنه وصل قبل الناس، هذا موجود، وهذه نهمة في قلوب بعض الناس، المقصود "أن رجلاً من جهينة كان يسبق الحاج، فيشتري الرواحل فيغلي بها" يعني يشتري بثمن غالي؛ لأنها تتميز بالسبق، نعم "ليصل قبل الناس" نعم "ثم يسرع السير فيسبق الحاج فأفلس" أفلس من كثر ما يشري من الراحل السريعة "فأفلس، فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب فقال: أما بعد: أيها الناس فإن الأَسيفع" الأسيفع تصغير أسفع، والأنثى سفعاء، وجاء في خطبة يوم العيد:"سفعاء الخدين" وهذا أسيفع "أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج" يعني بعض الناس ....
طالب:. . . . . . . . .
نعم بعض الناس إذا ذهب إلى تلك المواطن يبحث عن أغلى الحملات، لماذا؟ ليقال: والله حج بعشرين ألف بثلاثين ألف، خمسة آلاف، ستة آلاف، نعم، المقصود أن مثل هذا إذا كان هذا هو الهدف فهذه لا شك أنها حقيقة مرة، وبعض الناس يستأجر في الفنادق الغالية ليقال: إنه سكن العشر الأواخر بمائة ألف غافلاً عن الهدف الذي من أجله ذهب، وهذا خلل كبير في القصد والنية، فعلى الإنسان أن يهتم بما ذهب من أجله، ولذلك كثير من هؤلاء لا يوفق، يعني يبحث عن أفخر الفنادق، ثم ماذا؟ والغالب أنه ليقال: سكن في كذا؛ لأن ما بين أفخر الفنادق والمتوسط منها كبير في الخدمة أو في الراحة، نعم قد يكون الأقل فيه خدمة ضعيفة أو شيء من هذا، فيبحث عن أفضل منه لا إشكال، لكن يبحث عن أفخر الفنادق ليقال: سكن في اليوم عشرة آلاف، عشرين ألف، هذا موجود يعني، لكن هذه لا شك أن هذا خدش في القصد.