الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح: الموطأ -
كتاب المكاتب
(1)
باب القضاء في المكاتب
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: سمعتكم لا تحبون صيام يوم الجمعة، لذا عمدت إلى هذه الحيلة لتفادي الجمعة كالتالي:
أصوم من أول الأسبوع السبت، ثم أفطر الأحد، ثم أصوم الاثنين، ثم أفطر الثلاثاء، ثم أصوم الأربعاء، وإذا جاء يوم الخميس أقول: هذا يوم فاضل، وأصومه ثم أفطر الجمعة، ثم أصوم السبت وهكذا، فهل ينطبق علي أني أصوم يوماً وأفطر يوماً، وهل هذه الحيلة جائزة؛ لأن هذه الأيام ستثبت معي بدون قصد، اللهم إلا تفادياً لصيام الجمعة؟
أولاً: صيام الجمعة معروف أنه لا يجوز إفراده، فلا بد من صيام الخميس معه أو السبت؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأم المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة:((أصمت بالأمس؟ )) قالت: لا، قال:((تصومين غداً؟ )) قالت: لا، قال:((إذن فأفطري)) فإفراد الجمعة لا يجوز بالصيام.
ما يقتضيه صيام داود عليه السلام من صوم يوم وإفطار يوم لا شك أنه يقتضي بعمومه أن تفرد الجمعة، وقل مثل هذا لو صادف يوم الجمعة مثل هذه السنة يوم عرفة مثلاً يعني هل يصام بمفرده أو لا بد أن يصام معه الخميس؟ لا شك أن الدليل الخاص بالجمعة يقتضي ألا تفرد الجمعة مهما كان الداعي إلى ذلك، لكن عموم حديث تفضيل صيام داود، والعموم صيام داود عليه السلام، صيام يوم وفطر يوم لا شك أنه مخصوص بما شرعنا من النهي عن إفراد الجمعة، مخصوص بما جاء في شرعنا من النهي عن إفراد يوم الجمعة، وشرع من قبلنا لا شك أنه المسألة خلافية بين أهل العلم هل هو شرع لنا أو لا؟ لكن يتفقون على أنه إذا جاء شرعنا بخلافه أنه ليس بشرع لنا، شرعنا مقدم على شرع من قبلنا حتى على القول بأنه شرع لنا، فإذا كان يقتضي إفراد الجمعة بالصيام فلا، وعلى هذا لو ثبت الإنسان في أسبوع مثلاً يصوم مثلاً الأحد والاثنين، يفطر الجمعة والسبت مثلاً، أو يفطر الجمعة ويصوم السبت، وعلى كل حال هو يوم بعد يوم متتابعة، يوم فطر ويوم صيام على ما هو الظاهر من الحث على صيام داود أظن غير ممكن، مع التوفيق مع ما جاء في شرعنا، لكن يؤخذ بالممكن منه، فهذه الجمعة تستثنى، اللهم إلا إذا صام الإنسان معها الخميس، فيصوم الخميس والجمعة.
ويأتيه أيضاً جاء أيام جاء الحث عليها، لو اقتضى صوم داود عليه السلام أن يصوم الأحد ويفطر الاثنين، مع أن الاثنين أفضل عندنا في شرعنا، فهل نقول: إنه يصوم الأحد والثلاثاء والخميس من أسبوع، ثم يصوم السبت والاثنين والأربعاء من أسبوع وهكذا؟ أو نقول: ينتقي من الأيام التي جاء الحث عليها في شرعنا؟ يثبت الاثنين والخميس ويشوف يوم ثالث وليكن السبت، السبت والاثنين والخميس مثلاً، على كل حال في كل خير، وإذا اعتمد ما في شرعنا مما يبلغ مجموعه نصف الدهر، لا شك أنه يحصل على مثل صيام داود عليه السلام، وإن اختل التنظيم والترتيب؛ لأن الظاهر من سياق صيام داود أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً أنه هكذا بالتتابع، السبت صيام، الأحد لا، الاثنين صيام، الثلاثاء لا، نعم، الأربعاء صيام والخميس لا، فطر، الجمعة صيام وهكذا يدور مع الأيام، لكن إذا جاء شرعنا بخلافه لا شك أن يقدم ما هو في شرعنا.
وجمع من السلف التزموا صيام، صياماً معيناً كصيام داود ثم صاروا يجمعون الأيام، يصوم الأسبوع كامل، ثم يفطر أسبوع، ويصدق عليه أنه صام نصف الدهر؛ لأن مؤدى صيام داود صيام نصف الدهر، فإذا اعتنى بالاثنين والخميس والبيض وما أشبه ذلك يدرك -إن شاء الله تعالى-، على أن تبلغ العدة نصف الشهر، فعندنا الاثنين والخميس ثمانية أيام، والبيض ثلاثة إن لم يكن فيها أحد من اليومين، لا بد أن يكون فيها إما الاثنين أو الخميس، أو لا؟ إن كانت الجمعة والسبت والأحد سلم الاثنين والخميس.
على كل حال الإنسان إذا اجتهد، ووفق بين النصوص لا شك أنه يؤجر أجر صيام داود عليه السلام، قد يقول قائل: النبي عليه الصلاة والسلام ما عرف عنه أنه كان يصوم صيام داود، وإنما عرف عنه أنه كان يسرد الصوم، فكان يصوم حتى يقال: إنه لا يفطر، وكان يفطر حتى يقال: إنه لا يصوم، فهل هذا أفضل أو صيام داود؟ نقول: لا، النبي عليه الصلاة والسلام قال: أفضل الصيام صيام داود، ولو لم يفعله عليه الصلاة والسلام، فعلى الإنسان أن يتحرى مثل الأيام الفاضلة التي جاء الحث عليها، ويوفق بين هذه الأيام، مع ما جاء في صيام داود مما يقتضيه النص ظاهره وباطنه أيضاً؛ لأن ظاهره فطر يوم وصيام يوم، وباطنه صيام نصف الدهر، يعني مفاده صيام نصف الدهر، فإذا حصل العدة حصل له الأجر -إن شاء الله تعالى-.
هذا يقول: ما حكم بناء المحراب في المسجد؟ وإذا وجد فما حكم صلاة الإمام فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا جاء شرعنا بخلافه، يعني الجمعة دخل في عموم صيام داود، والنهي عنه والأمر بفطره هذا شرعنا.
طالب:. . . . . . . . .
هذا شرعنا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذا شرعنا، شرعنا نهي عن إفراد يوم الجمعة، وإن كان يتمنى ولو صيام داود بعمومه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو قال لها، سألها ما في لا تخصيص ولا شيء، ((صمت بالأمس؟ )) قالت: لا، قال:((تصومين غداً؟ )) قالت: لا، قال:((افطري)) فدل على أن إفراد الجمعة بالصيام لا يجوز، لا بد أن يصام معه.
مسألة صوم يوم عرفة مثل هذه السنة أشكل كثيراً، واحد يقول: ما أنا بصائم إلا يوم عرفة، صيام فاضل، ويكفر سنتين، وأنا ما قصدت الجمعة، قصدت يوم عرفة، لا شك أن الأنظار تباينت في مثل هذا أنه لا بد أن يصوم الخميس معه، أو يفرده بناءً على أنه ما قصده، وقد أفتي بذلك.
طالب:. . . . . . . . .
والله عندي أنا لا بد يصوم الخميس، إذا فرط في الخميس هو فرط في أمر عظيم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الفتوى الثانية تشمله -إن شاء الله-.
طالب: لو نظرنا إلى هذا، لو أن يوم العيد وافق يوم الاثنين أو قال واحد: أنا أصوم هذا اليوم؟
لا، لا عاد العيد محرم صيامه ما يدخل في هذا.
طالب: هذا نهي، وهذا نهي.
لا، لا فرق، فرق بين هذا وهذا، النهي متفاوت، والأوامر متفاوتة، ومعروف هذا عند أهل العلم، من الأوامر ما يقتضي الركنية، ومن الأوامر ما يقتضي السنية، وبينهما الاشتراط والوجوب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الأوامر مختلفة.
من يقرأ؟
اتفضل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب المكاتب:
باب القضاء في المكاتب:
حدثني مالكٍ
مالك ٌ، مالك ٌ.
حدثني مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء".
وحدثني مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار كانا يقولان: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء.
قال مالك: وهو رأيي.
قال مالك رحمه الله: فإن هلك المكاتب وترك مالاً أكثر مما بقي عليه من كتابته وله ولد ولدوا في كتابته، أو كاتب عليهم ورثوا ما بقي من المال بعد قضاء كتابته.
وحدثني مالك عن حميد بن قيس المكي أن مكاتباً كان لابن المتوكل هلك بمكة، وترك عليه بقية من كتابته وديوناً للناس، وترك ابنته، فأشكل على عامل مكة القضاء فيه، فكتب إلى عبد الملك بن مروان يسأله عن ذلك، فكتب إليه عبد الملك: أن ابدأ بديون الناس، ثم اقض ما بقي من كتابته، ثم اقسم ما بقي من ماله بين ابنته ومولاه.
قال يحيى: قال مالك رحمه الله: الأمر عندنا أنه ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك، ولم أسمع أن أحداً من الأئمة أكره رجلاً على أن يكاتب عبده، وقد سمعت بعض أهل العلم إذا سئل عن ذلك فقيل له: إن الله تبارك وتعالى يقول: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [(33) سورة النور] يتلو هاتين الآيتين، {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة]{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} [(10) سورة الجمعة].
قال مالك رحمه الله: وإنما ذلك أمر أذن الله عز وجل فيه للناس، وليس بواجب عليهم.
قال مالك رحمه الله: وسمعت بعض أهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئاً مسمى.
قال مالك رحمه الله: فهذا الذي سمعت من أهل العلم، وأدركت عمل الناس على ذلك عندنا.
قال مالك رحمه الله: وقد بلغني أن عبد الله بن عمر كاتب غلاماً له على خمسة وثلاثين ألف درهم، ثم وضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم.
قال مالك: الأمر عندنا أن المكاتب إذا كاتبه سيده تبعه ماله، ولم يتبعه ولده إلا أن يشترطهم في كتابته.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في المكاتب يكاتبه سيده وله جارية بها حبل منه لم يعلم به هو ولا سيده يوم كتابته، فإنه لا يتبعه ذلك الولد؛ لأنه لم يكن دخل في كتابته وهو لسيده، فأما الجارية فإنها للمكاتب؛ لأنها من ماله.
قال مالك في رجل ورث مكاتباً من امرأته هو وابنها: إن المكاتب إن مات قبل أن يقضي كتابته اقتسما ميراثه على كتاب الله، وإن أدى كتابته ثم مات فميراثه لابن المرأة، وليس للزوج من ميراثه شيء.
قال مالك في المكاتب يكاتب عبده قال: ينظر في ذلك، فإن كان إنما أراد المحاباة لعبده وعرف ذلك منه بالتخفيف عنه فلا يجوز ذلك، وإن كان إنما كاتبه على وجه الرغبة، وطلب المال، وابتغاء الفضل والعون على كتابته فذلك جائز له.
قال مالك في رجل وطئ مكاتبة له: إنها إن حملت فهي بالخيار، إن شاءت كانت أم ولد، وإن شاءت قرت على كتابتها، فإن لم تحمل فهي على كتابتها.
قال مالك رحمه الله: الأمر المجتمع عليه عندنا في العبد يكون بين الرجلين إن أحدهما لا يكاتب نصيبه منه، أذن له بذلك صاحبه أو لم يأذن، إلا أن يكاتباه جميعاً؛ لأن ذلك يعقد له عتقاً، ويصير إذا أدى العبد ما كوتب عليه إلى أن يعتق نصفه، ولا يكون على الذي كاتب بعضه أن يستتم عتقه، فذلك خلاف لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه قيمة العدل)).
قال مالك رحمه الله: فإن جهل ذلك حتى يؤدي المكاتب، أو قبل أن يؤدي رد إليه الذي كاتبه ما قبض من المكاتب، فاقتسمه هو وشريكه على قدر حصصهما، وبطلت كتابته وكان عبداً لهما على حاله الأولى.
قال مالك رحمه الله في مكاتب بين رجلين فأنظره أحدهما بحقه الذي عليه، وأبى الآخر أن ينظره فاقتضى الذي أبى أن ينظره بعض حقه، ثم مات المكاتب وترك مالاً ليس فيه وفاء من كتابته، قال مالك رحمه الله: يتحاصان بقدر ما بقي لهما عليه، يأخذ كل واحد منهما بقدر حصته، فإن ترك المكاتب فضلاً عن كتابته أخذ كل واحد منهما ما بقي من الكتابة، وكان ما بقي بينهما بالسواء، فإن عجز المكاتب، وقد اقتضى الذي لم ينظره أكثر مما اقتضى صاحبه كان العبد بينهما نصفين، ولا يرد على صاحبه فضل ما اقتضى؛ لأنه إنما اقتضى الذي له بإذن صاحبه، وإن وضع عنه أحدهما الذي له ثم اقتضى صاحبه بعض الذي له عليه، ثم عجز فهو بينهما، ولا يرد الذي اقتضى على صاحبه شيئاً؛ لأنه إنما اقتضى الذي له عليه، وذلك بمنزلة الدين للرجلين بكتاب واحد على رجل واحد، فينظره أحدهما ويشح الآخر، فيقتضي بعض حقه، ثم يفلس الغريم، فليس على الذي اقتضى أن يرد شيئاً مما أخذ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المكاتب:
الكتاب مر التعريف به مراراً، وأنه مصدر كتب يكتب كتابة وكتاباً وكتباً، والمكاتب هذه الصيغة التي هي المفاعلة، المكاتَب اسم مفعول من المكاتبة، والمكاتِب اسم فاعل منها، والمكاتبة تقتضي أكثر من طرف، طرفين فأكثر، فتقتضي اسم فاعل مكاتِب، واسم مفعول مكاتَب، كما هنا، فالسيد مكاتِب، والعبد مكاتَب.
ولو قيل: كتاب الكتابة يختلف وإلا ما يختلف؟ يعني في المكاتبة في علوم الحديث التي هي قسم من أقسام التحمل، الكتابة والمكاتبة، المكاتبة تقتضي طرفين، الراوي يكتب إلى الشيخ أن يكتب له بأحاديث، ثم الشيخ يكتب له بما طلب، فتكون مفاعلة من الطرفين، ولو كتب الشيخ ابتداءً إلى الطالب من غير طلب منه صارت كتابة ما صارت مكاتبة، وهنا يرد المقصود هنا هل يرد من طرف واحد؟ هل يملك العبد أن يكاتب دون إذن سيده؟ وهل يملك السيد الكتابة دون إذن العبد؟ أو لا بد من اتفاق الطرفين؟ لا بد من اتفاق الطرفين، إذاً هي مكاتبة وليست كتابة؛ لأنه إن قلنا: كتابة جازت من طرف واحد، وهنا لا تجوز، فإذا صح في باب التحمل الكتابة؛ لأنها تجوز من طرف واحد، يكتب الشيخ إلى الطالب أحاديث يرويها عنه هذه كتابة، وإذا بدأه الطالب بأن يكتب له أحاديث يرويها عنه، ثم كتب له الشيخ هذه صارت مكاتبة، وهنا لا بد، في بابنا هذا لا بد من اتفاق الطرفين فهي مكاتبة بين اثنين، أحدهما مكاتِب وهو السيد، والثاني مكاتَب وهو العبد.
واشتقاقها من الكتابة، اشتقاقها من الكتب والكتابة؛ لأن هذه الاتفاقية بين السيد وعبده تكتب وتدون كسائر العقود، فباعتبارها تكتب فهي كتابة، لكن لماذا لا يقال في سائر العقود: كتابة التي تكتب؟ عقد النكاح كتابة؟ عقد البيع كتابة؟ عقد الإجارة كتابة؟ لأنها تكتب، أو نقول: إن الكتب هنا بمعنى الوجوب {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [(183) سورة البقرة] يعني وجب عليكم، فالعقد ملزم للطرفين؛ لأنه موجب، يمكن أن يقال هذا؟
السؤال الآن هل يمكن أن يقال: إنه من باب الإيجاب؟ نعم؟