المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الاستئذان: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١٧٦

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب في الاستئذان:

وحدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه جاء يستأذن على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستأذن ثلاثاً، ثم رجع، فأرسل عمر بن الخطاب في أثره، فقال: ما لك لم تدخل؟ فقال أبو موسى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) فقال عمر: ومن يعلم هذا لئن لم تأتني بمن يعلم ذلك لأفعلن بك كذا وكذا، فخرج أبو موسى حتى جاء مجلساً في المسجد يقال له: مجلس الأنصار، فقال: إني أخبرت عمر بن الخطاب أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) فقال: لئن لم تأتني بمن يعلم هذا لأفعلن بك كذا وكذا، فإن كان سمع ذلك أحد منكم فليقم معي، فقالوا لأبي سعيد الخدري: قم معه، وكان أبو سعيد أصغرهم فقام معه، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فقال عمر بن الخطاب لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

‌باب في الاستئذان:

أو باب الاستئذان، وأما الترجمة الكبرى كتاب الاستئذان والبسملة فهذه لا توجد في كثير من النسخ؛ لأن هذا الباب من ضمن كتاب الجامع، ليس كتاب داخل في كتاب، إنما هو باب من ضمن أبواب كتاب جامع كسوابقه ولواحقه.

والاستئذان: السين والتاء للطلب، فالاستئذان طلب الإذن بالدخول، فيستأذن الإنسان إذا أراد أن يدخل على غيره قائلاً: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاثاً، إن أذن له وإلا فيرجع، وحينئذٍ يكون الرجوع سواءً إذا لم يرد عليه، أو رد عليه بعدم الإذن، فالرجوع أزكى له من أن يحرج صاحبه بكلام زائد على الاستئذان ثلاثاً.

ص: 2

قال: "حدثني مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل" عطاء تابعي يحكي قصة لم يشهدها، فالخبر مرسل "فقال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ " يعني الكلفة بين الأم وولدها بين الوالد وولده مرفوعة، فظن هذا أن هذا سبب لعدم الاستئذان، وأنه يعفيه منه، وإلا جاء النهي: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [(27) سورة النور] فظن هذا أن الأم لا تحتاج إلى استئذان "فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: ((نعم)) " فهل يستأذن على زوجته أو لا يستأذن؟ لأن العلة هنا خشية أن يراها عريانة، وهذه العلة مرتفعة بالنسبة للزوجة، يستأذن على الزوجة وإلا ما يستأذن؟ هنا قال: "أستأذن على أمي؟ فقال: ((نعم)) قال الرجل: إني معها في البيت" يعني ما أنا في بيت مستقل، نسكن جميع "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استأذن عليها)) فقال الرجل: إني خادمها" يعني صلتي بها قوية، وحاجتها إلي شديدة، فكيف استأذن عليها والصلة على ما ذكر؟ يخدمها "قال: ((نعم استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ )) قال: لا، قال:((فاستأذن عليها)) ".

يعني الاستئذان من أجل التحفظ والاحتراز والاحتياط عما لا يجوز النظر إليه، لكن الزوجة يحتاج أن يستأذن عليها، أو يدخل ولو لم تشعر بذلك، ولا تشعر به إلا وهو بجوارها؟ مثل هذه التصرفات قد توجد ريبة في البيت بين الزوج وزوجته، نعم إذا بلغه أنها شعرت به يعني من فتح الباب أو قرع نعليه، وعرفت ذلك وتهيأت لا بأس، أما أن ينساب بخفية كالمتجسس هذا لا شك أنه يروعها من جهة، ويجعلها في موطن الريبة من جهة أخرى، وقد تكون في وضع لا تحب أن يراها عليه، فلا يلزم الاستئذان، السلام عليكم أأدخل؟ لأنها لا تملك رده، لكن مع ذلك عليه أن يتصرف تصرفاً تشعر به بدخوله البيت ووصوله إليها، فإذا قرب منها سلم.

ص: 3

الرجل وهو جالس مثلاً في المسجد مكان عام، لو دخل شخص بخفية لا شك أن هذا قد يريعه، يخيفه، والناس يتفاوتون في مثل هذا، فعلى هذا غير الزوجة لا بد من الاستئذان، الاستئذان الشرعي، السلام عليكم أأدخل؟ ولو كانت أمه، ولو كانت بنته، ولو كان صاحب البيت يستأذن، والعلة في ذلك:((أتحب أن تراها عريانة؟ )) لكن لو كانت الزوجة وكانت العلة هذه أتحب أن تراها عريانة؟ وقال: نعم، يرتفع الحكم؟ نعم الاستئذان الواجب لغير الزوجة لا يلزم بالنسبة للزوجة؛ لأنه يطلع منها على ما لا يطلع عليه غيره، لكن دخول الرجل على زوجته بما يشبه دخول المتجسس، هذا لا شك أنه لا يجوز؛ لأنه يجعلها في موضع الريبة والتهمة وهناك أوضاع حتى الزوجة لا تريد من زوجها أن يطلع عليها والعكس، الزوج أيضاً عنده أسرار لا يريد أن تطلع عليها زوجته، إذا كانت الزوجة مثلاً، بعض الزوجات تطلع على أشياء لا يريد أن يطلع عليها غيره، يعني له معاملات مع الناس، وله صلة بغيره، فإذا تجسست عليه زوجته، وقرأت ما في جيبه من أوراق هذا لا يجوز لها أن تفعل ذلك إلا بإذنه، وكذلك أيضاً دخوله عليها دخول المتجسس بحيث لا تشعر إلا وهو فوق رأسها هذا يخيفها، ويجعلها تشك فيه أنه يشك فيها، فيتبادلان الشك، ويتطور مثل هذا التصرف إلى أمور لا تحمد، أما بالنسبة لغير الزوجة فالعلة فيها:((أتحب أن تراها عريانة؟ )) قال: لا، قال:((فاستأذن عليها)) نعم؟

طالب: حديث السفر. . . . . . . . .

نعم، تطرق ليلاً كي تستعد، كي تستعد له، على وضع غير مطلوب؛ لأن بعض النساء يعني تختلف اختلافاً كبيراً، بعض النساء يختلف وضعها اختلافاً كبيراً إذا تهيأت لزوجها عما لو جاءها زوجها على غرة، وبعض النساء أمرها يسير يعني، حتى المحسنات والمجملات يعني ما تصنع شيء كثير بالنسبة لها، على كل حال هذه أمور ينبغي أن تدرس بعناية من قبل الأزواج؛ لأن كثير من البيوت تهدمت بسبب مثل هذه التصرفات.

ص: 4

قال: "وحدثني مالك عن الثقة عنده" الثقة عنده على ما قال أهل العلم في كتب المصطلح أنه يريد به مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج، يعني عن أبيه بكير بن عبد الله بن الأشج، مع أن الحديث مروي من طريق عمرو بن الحارث، فيمكن أن يكون المراد هذا، وهل يكفي مثل هذا الوصف بالثقة لقبول الخبر أو لا بد أن يسمى؟ نعم؟ يعني التوثيق على الإبهام، حدثني الثقة لا بد أن يسمى، قد يكون ثقة عنده لكنه عند غيره ليس بثقة، فلا بد حينئذٍ أن يسمى.

"عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الاستئذان ثلاث)) " يعني ثلاث مرات، السلام عليكم أأدخل؟ يكررها ثلاثاً، فإن أذن له وإلا رجع، فإن أذن له دخل وإلا فليرجع، والقصة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه توضح هذا.

قال: "وحدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى الأشعري" الحديث مخرج في الصحيحين، لكن هذا الإسناد حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى يحكي قصة لم يشهدها، ربيعة بن عبد الرحمن ما شهد القصة، إنما يرويها بواسطة غير واحد من علمائهم، فعلى هذا القصة، السند فيه مجاهيل غير واحد من علمائهم ما سموا، منهم من يقول مثل هذا السياق مضعف للسند؛ لأنهم مجاهيل ما يدرى من هم، وإذا كان التوثيق على الإبهام لا يكفي، فكيف بمثل هذا؟ ومنهم من يقول: إن مثل هذا السياق يجعل الخبر مقبولاً؛ لأنه غير واحد، أكثر من واحد، وموصوفين بأنهم من العلماء، وجهالة مثل هؤلاء ترتفع بالعدد، يعني هم مجموعة، يشهد بعضهم لبعض، وفي قصة امتحان البخاري رحمه الله بقلب الأحاديث ضعفها جمع من أهل العلم، لماذا؟ لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه، قالوا: ما سمى، ومنهم من قال: القصة صحيحة؛ لأن العدة وإن لم يسموا إلا أن بعضهم يجبر بعضاً؛ لأنهم عدد ومن شيوخ ابن عدي، يعني أئمة، وهنا غير واحد من علمائهم لا شك أنه يجبر بعضهم بعضاً، وترتفع الجهالة بمثل هذا، مع أن الحديث في الصحيحين، لكن المسألة اصطلاحية في مثل هذا يعني لا بد من التعرض لها.

ص: 5

"أن أبا موسى الأشعري جاء يستأذن على عمر بن الخطاب فاستأذن ثلاثاً ثم رجع، فأرسل عمر بن الخطاب في أثره -ردوه- فقال: ما لك لم تدخل؟ فقال أبو موسى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الاستئذان ثلاث)) " لو كان الباب بعيد عن داخل البيت، وغلب على ظن المستأذن أن من في البيت لم يسمعوا، ما سمعوا الاستئذان، يكرر أكثر من ثلاث حتى يغلب على ظنه أنهم سمعوا، أو يكتفي بالثلاث ويرجع؟ وتعرفون الآن الأبواب بعيدة عن أجواف البيوت، لا سيما اللي ما عندهم أجراس وعندهم وسائل توصل الاستئذان إلى أقصى البيت، افترض أنه طرقت الباب ما سمع، السلام عليكم أأدخل؟ ثم بعد ذلك يلتقيان يقول: جئت واستأذنت ثلاثاً ما أذنت، قال: ما سمعناك يا أخي، وقد يكون على موعد معه في هذا الوقت، ثم يستأذن ثلاثاً ولبعده عنه ما يرد، في مثل هذه الحالة نقول: يكرر حتى يغلب على الظن أنه سمع فلم يؤذن له؟ يكرر؟

طالب:. . . . . . . . .

القرينة أنهم ما يسمعون بعيدين، الارتداد عشرين متر، وما في جرس، لا تقولون: الجوال يحل الإشكال وإلا يرفع الحكم لا، أنت افترض المسألة على أصلها، وعلى طبيعتها، هل يكرر وإلا ما يكرر حتى يغلب على الظن أنه سمع؟ أما إذا كان هناك ارتباط بموعد فلا شك أن مثل هذا يحتاج إلى تكرار؛ لأنه جاء بموعد.

طالب:. . . . . . . . .

إيه إيه سمع.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 6

لكن عموم الحديث السابق ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) وهنا يقول: "استأذن ثلاثاً ثم رجع، فأرسل عمر بن الخطاب في أثره، فقال: ما لك لم تدخل؟ " يعني الجواب معروف، استأذنت فلم تأذن، كيف أدخل؟ "فقال أبو موسى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) " عمر رضي الله عنه أبو موسى ثقة عنده، فأراد أن يحتاط للسنة رضي الله عنه وأرضاه-، وعلل ذلك: خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مناسبات كثيرة يقبل عمر خبر الفرد، خبر الواحد، لكنه أحياناً إذا حصل عنده أدنى تردد طلب من يشهد له، ولا يقال: إن في مثل هذا مستمسك للمعتزلة الذين لا يقبلون خبر الواحد، لا يقبلون إلا خبر اثنين فأكثر، صرح بذلك أبو الحسين البصري، وأبو هاشم الجبائي وغيرهم من المعتزلة، ويقولون: هذا صنيع عمر، رد أبا موسى حتى وجد من يشهد له، نقول: لا، عمر رضي الله عنه يحتاط للسنة، وليس هذا منهجه وديدنه أنه يرد خبر الواحد، لا، قبل خبر الواحد في مناسبات، لكن إذا وجد في النفس أدنى تردد لا بد من الاحتياط للسنة.

"فقال عمر: ومن يعلم هذا؟ لئن لم تأتني بمن يعلم ذلك لأفعلن بك كذا وكذا" يعني هكذا يجب على من ولاه الله -جل علا-، الأمر أن يحتاط للدين، وإلا يتلاعب الناس بالأحكام، لأفعلن بك كذا وكذا، صحابي جليل معروف مقامه، ويقول عمر ذلك لأنه لا يحابي في الدين، عمر رضي الله عنه لا يحابي أحداً في دين الله.

ص: 7

"فخرج أبو موسى حتى جاء مجلساً في المسجد، يقال له: مجلس الأنصار" يدل على أن الصحابة -رضوان الله عليهم- في مسجده عليه الصلاة والسلام يعني يجلسون، الجماعة يجلسون في جهة، وجماعة أخرى يجلسون يتحدثون في غير وقت صلاة هذا، يتحدثون، وبعضهم يذكرون، وبعضهم يقرؤون، وبعضهم يعلمون، وبعضهم يتعلمون، المقصود أنهم مقسم المسجد يعني كل إلى جنسه، إلى قرابته ومعارفه وقبيلته مثلاً أو زملائه وأقرانه، هو موجود إلى الآن يعني، مجلس الأنصار، يعني معروف أن هذا يجلسون فيه، الآن لو تجي الجامع أو مثلاً في الحرم بعد صلاة الجمعة وجدت مثلاً الهنود على جهة يتحدثون، والباكستانيين على جهة، المغاربة على جهة، المصريين على جهة وهكذا، يتخذون كل أهل قطر مع قومهم.

"يقال له: مجلس الأنصار، فقال: إني أخبرت عمر بن الخطاب أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) فقال: لئن لم تأتني بمن يعلم هذا لأفعلن بك كذا وكذا، فإن كان سمع ذلك أحد منكم فليقم معي، فقالوا لأبي سعيد الخدري: قم معه" كلهم سمعوا هذا من النبي عليه الصلاة والسلام، لكن باعتبار أن أبا سعيد هو أصغر القوم، قالوا: قم معه "قال: وكان أبو سعيد أصغرهم فقام معه، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك"؛ لأنه ثقة عنده وعند غيره، وليس بمحل للشك أو الريبة أو التهمة "ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم" عمر رضي الله عنه يختط منهج وهو الاحتياط للسنة، قد يحتاج إلى التثبت من حديث الثبت؛ لأنه إذا تثبت منه لا يلومه أحد أن يتثبت من غيره، قد يفعل هذا بأوثق الناس عنده؛ لأنه إذا طلب ممن هو دونه أو دون الذي دونه في المرتبة التثبت قد يقع في نفسه شيء، لكن إذا تثبت من الثبت فكونه يتثبت ممن دونه من باب أولى، ولا يقع في نفسه شيء.

"ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم" نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

يعني عن طريقه؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 8