الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرفنا هذا أنه لأنه تظاهر بفحشه، وصار الناس يتقونه من أجل شره، فإذا كان بهذه المثابة لا مانع من الكلام فيه، وأنه ليس على منهج؛ لأنه قد يظن بعض السذج أن مثل هذا الصنيع من هذا الرجل أنه هو الحزم؛ لأن بعض الناس لا يربيهم إلا الشدة والقوة والقسوة، قد يقال: إن هذا حزم، نقول: هذا ليس بصحيح، هذا شر، فعلى الناس أن يتقوه ليكون من شر الناس هو، ما دام الناس يتقونه من أجل شره فإنه يكون حينئذٍ من شر الناس.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في الحياء:
وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((دعه فإن الحياء من الإيمان)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الحياء:
الحياء خلق حميد شرعي، يورث في صاحبه ومن تحلى به الانقباض عما لا يحمد شرعاً أو عرفاً، فهذا الخلق الشرعي الذي لا يأتي إلا بخير، وهو من الإيمان، كما جاء في حديث الشعب، وكما سيأتي في الحديث حديث الباب الثاني، قد يلتبس على بعض الناس الحياء العرفي بالحياء الشرعي، الحياء الشرعي يورث الانكفاف عما لا يحمد، الانكفاف عما يحمد ليس بحياء شرعي، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصح الناس وبذلهم وتوجيههم وتعليمهم، بعض الناس قد يخجل منه، لا يستطيع أن يقارفه حياءً وخجلاً، هذا حياء عرفي، لكنه يوجب الانكفاف عما يحمد شرعاً، فليس من الحياء الشرعي في شيء، هذا الخجيل يورث الانكفاف عما يحمد شرعاً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محمود وإلا مذموم شرعاً؟ محمود، النصيحة للناس، توجيه الناس، عظة الناس، هذا كله محمود، فإذا كان الحياء يكف عن أمر محمود شرعاً، يكف هذا الحياء العرفي عن أمر محمود قلنا: هذا ليس بشرعي، وخجل مذموم، بينما إذا كان هذا الخلق الحميد يكف الإنسان عما يذم شرعاً فإنه حينئذٍ يكون محموداً، وهو الحياء الذي لا يأتي إلا بخير، يقول
…
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام.
طالب:. . . . . . . . .
هو موجود من القدم، يعني التقسيم هذا موجود من القدم بجامع أن كلاً منهما يدعو إلى الانكفاف، يعني عموم مواجهة الناس حياء، أو عدم مواجهة الناس حياء، فإن كان عدم مواجهتهم فيما يذم، بعض الناس تجده يواجه الناس فيما يذم به شرعاً، هذا لا عنده لا حياء شرعي ولا عرفي هذا، وهذا قد يكون هو القسم الأخير إذا قسمناه تدريجياً قلنا: إن هناك حياء يكف عما يذم به شرعاً، ولا يكف عما يحمد به شرعاً، هذا إيش؟ المحمود، المحمود من كل وجه.
وهناك حياء يكف مطلقاً عما يحمد وعما يذم هذا الخجل، هذا أيضاً محمود من وجه، مذموم من وجه، بعض الناس، القسمة رباعية، بعض الناس لا يوجد عنده لا هذا ولا هذا، لا يستحيي من أحد، وجاء في الحديث:((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) هذا مذموم، مذموم من كل وجه؟ لا، قد يمدح من وجه، هذا لا يستحيي مطلقاً، تجده يقدم على ما يذم به، ولا يستحيي أن ينكر على من يأتي مذموماً، هذا من وجه دون وجه.
القسم الأخر الأرذل المذموم من كل وجه الذي لا يستحيي عما يذم به، ويستحيي عما يمدح به، أيضاً القسمة الرباعية ظاهرة، نعم، في من لا يستحيي مطلقاً يقدم على كل شيء محمود ومذموم هذا موجود في الناس، يعني عادي أن يواجه إنسان على لا شيء لأتفه الأسباب بما يسوؤه، وعادي أن ينكر منكر سيان عنده؛ لأنه ما في شيء اسمه شيء يردعه عن مواجهة الناس، سواءً كانت بحق أو بباطل، ويقابله الذي يستحيي من إنكار المحمود والمذموم، وبين المرتبتين من يستحيي من إنكار المحمود، بل لا يقدم عليه، ولا يستحيي من إنكار المذموم والعكس، ولكل واحدة منزلتها.
الحياء العرفي الذي يكف عما يحمد به شرعاً، الحياء المذموم هذا الخجل موجود بين الناس، تقول له: قم اتكلم يقول: ما أقدر، بعض الناس تقول له: صل بالناس، يقول: ما أستطيع، ولو كان من الحفاظ، يعني ما في مبرر لهذا الخجل، يعني ما في شيء محسوس أو شيء يمنعه، يعني يوجد مثل هذا مع الأسف مع طلاب العلم في مناسبات كثيرة، يصلي الناس ظهر وعشرين ثلاثين من الجماعة من خريجي الكليات الشرعية، ما يستطيع أن يواجه الناس هذا محمود وإلا مذموم؟ مذموم بلا شك، وحصل وقائع من هذا النوع، يصلون ظهر وفيهم من هو كفؤ، لكنه ما تعود، وقد يقوم بهذه المهمة مع وجود أخيار وطلاب علم، يقوم بها شخص فاسق؛ لأنه تعود هذا الأمر، وليكن مذيع مثلاً، مذيع بقناة مثلاً، تعود هذا الأمر ولا يصعب عليه أن يصعد المنبر ويخطب بالناس، لكن هل هذا بالنسبة لطلاب العلم محمود وإلا مذموم؟ مذموم يا أخي بلا شك، مذموم، وعلى طالب العلم أن يهيئ نفسه لكل ما يمدح به شرعاً، وكم حصل من قضية صارت مفتاح خير لبعض العلماء، يعني تجد مثلاً من يشار إليهم بالبنان بالخطابة الآن، سبب ذلك أنه أحرج في موقف، قيل له: اخطب، قال: والله ما تهيأ، ولا تعود، ثم خطب على ضعف، يعني أول خطبة تعرفون ويش وضعها؟ قال: ما دخلت مسجد لصلاة الجمعة إلا وفي جيبي خطبة، ومع الوقت ترك الخطب المكتوبة، وصار معروف من مشاهير الخطباء.
المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد أن يتعود عليها، بعض الناس تقول: والله الآن إحنا جالسين مرتاحين ومبسوطين، وفي ناس عندهم أغاني بجواركم، بنزهة، برحلة، تقول: قم يا أخي انصحهم وإلا ذكرهم، يقول: والله ما تعودت، أنكر عليهم، والله ما تعودت، ويش معنى ما تعودت؟ هذا حال كثير من طلاب العلم، فهذا الحياء ممدوح وإلا مذموم؟ مذموم.
المقصود أن مثل هذه الأمور لا شك أنها الحياء الذي لا يأتي إلا بخير هو الحياء الشرعي، يذكر بعض الناس عن أنفسهم خلاف ما يتوقعه الإنسان إطلاقاً من خلال ما كتبوا، يعني في الحياء واحد كتب عن حياته مجلد، ويقول عن نفسه في هذا الكتاب، وهو مدرس في مدرسة القضاء الشرعي، وله زميل في نفس المدرسة، واحتاجوا إلى تعلم اللغة الإنجليزية، يقول: لنرى العالم بالعينين بدل عين واحدة، فقلت لصاحبي: ابحث عن مدرس، وأنا أبحث، كل واحد بطريقته، ثم نتعلم عليه، يقول: بحثت فوجدت شخص إنجليزي شاب وزوجته، في شهر الزواج، توا متزوجين، فقلت لصاحبي: وجدت البغية، أنت لك الزوج، وأنا لي الزوجة، هذه تعلمنا، وهذا تعلمك، هل هذا مما يستحى منه شرعاً وإلا لا؟ نعم، هذا كتبه في مذكرته في حياته، نعم، ومع ذلك يقول: إنها تقول: إن العين العربة صعبة، يعني قصده حرف عين، يعني صعب عليها تنطقها، وقلت لها: إن العين الإنجليزية أصعب، هو يقصد عينها، نسأل الله العافية، هل مثل هذا الكلام مما يستحيا منه شرعاً وإلا لا؟ بلى، بالمقابل بنفس الكتاب يقول: أجلس في المجلس ساعتين ثلاث ساعات، وأنا أحتاج الدورة استحيي أن أستأذن، نفس الشخص، ولذلك يحصل وجود ما يذم، وانتفاء ما يمدح، يوجد تناقضات في مثل هذا، تجد إنسان عنده جرأة ينكر الحق، ويستحيي عن إنكار الباطل، يعني الناس فيهم من هذه النوعيات، نسأل الله العافية.
طالب: لكن يا شيخ -أحسن الله إليك- هل يسمى حياءً؟
هو خجل، لكن الحياء العرفي يشمله هذا، الكلام على الحياء العرفي، حتى من القدم، حتى الشراح يعظ أخاه في الحياء، ها شوف يعظ أخاه في الحياء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا لا، الشراح بينوا هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه الحياء الشرعي لا يأتي إلا بخير، والحياء بمفهومه العام نعم فيه وفيه، لكن الحياء الشرعي لا يأتي إلا بخير.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام" وهو مرسل "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل دين خلق)) " يعني الأديان السماوية جاءت للأمم بالخير واتقاء الشر، والنبي عليه الصلاة والسلام لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، عليه الصلاة والسلام.
قال: ((لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء)) خلق الإسلام الحياء، ولذلك تجد المسلم يستحيي من ذكر أشياء لا يخجل عن ذكرها غير المسلم مما يستحيا منه شرعاً أو عرفاً، فخلق هذا الدين الحياء، وجاء في الحديث الصحيح:((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) فدل على أن الحياء متوارث في سائر الأديان، لكنه في هذه الديانة -في الإسلام- برزت مظاهره ومعالمه أكثر، وصار شأنه في هذا الدين أعظم.
في الحديث الصحيح: "إن الله لا يستحيي من الحق" وفي الآية {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} [(26) سورة البقرة]"إن الله لا يستحيي من الحق" إيش معنى "لا يستحيي من الحق" يعني يشيع على ألسنة الناس: لا حياء في الدين، هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟
طالب: ليس بصحيح.
يعني إن كان القصد منه في مسائل الدين كما قالت أم سلمة: "إن الله لا يستحيي من الحق" يعني في مسائل الدين، يعني لو أردت أن تسأل عن مسألة لا حياء فيها، على هذا الوجه يمكن حمله صحيح، لكن إذا كان نفي للحياء بالكلية عن الدين أبداً هذا العكس، الحياء كله خير، وخلق الإسلام الحياء.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} [(26) سورة البقرة] إيش معنى لا يستحيي؟ يعني لا يترك؛ لأن مآل الحياء الترك، فالحياء الذي يؤدي إلى ترك الحق منفي عن الله -جل وعلا-.