الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموطأ -
كتاب الصيام
(1)
باب رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف رحمه الله:
كتاب الصيام: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان، فقال:((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه بعشي، فلم يفطر عثمان، حتى أمسى، وغابت الشمس، قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: "في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم، لا ينبغي له أن يفطر، وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان" قال: "ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر؛ لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأموناً، ويقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، ومن رأى هلال شوال نهاراً فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك، فإنما هو هلال الليلة التي تأتي.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر، وهم يظنون أنه من رمضان، فجاءهم ثبت أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون، فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر، غير أنهم لا يصلون صلاة العيد، إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام:
البسملة هذه يثبتها كثير من رواة الموطأ، وهي موجودة في غيره من كتب السنة، بجميع كتب صحيح البخاري عند جل الرواة تثبت البسملة أحياناً قبل الترجمة، قبل كتاب الصيام، وأحياناً بعدها، وأحياناً يقول: كتاب كذا بسم الله الرحمن الرحيم باب كذا، وأحياناً يقول: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام مثلاً، ولكل منهما وجه، أما البداءة بها فعلاً قبل الكتاب فهذا هو الأصل، هذا هو الأصل من أن التسمية قبل الكلام، ومن جعل التسمية بعد الترجمة قال: إن الترجمة كتاب الصيام مثلاً بمنزلة اسم السورة في القرآن، واسم السورة مقدم على البسملة، وعلى كل حال هذه أمور غير مؤثرة، يعني تذكر مقدمة أو مؤخرة، هذا غير مؤثر، وكتاب الصيام، الكتاب مضى التعريف به في مواضع متعددة؛ لأن كتاب الصيام الكتاب الثامن عشر من كتب الموطأ، وهو ماشي على ترتيب حديث ابن عمر:((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)) هو ماش على هذا الترتيب، كما هو مخرج في صحيح مسلم، بتقديم الصيام على الحج، قال رجل لابن عمر كما في الصحيح:"الحج وصوم رمضان" قال: "لا صيام رمضان والحج"، أنكر على هذا المستدرك، مع أنه مخرج عن ابن عمر في الصحيحين بتقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى البخاري ترتيب كتابه، وقدم المناسك على الصيام، والجمهور على تقديم الصيام على الحج، وهناك ترتيب غريب في سنن أبي داود، غريب جداً بدأ بالطهارة، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الرابع اللقطة، والخامس: المناسك، السادس: النكاح، السابع: الطلاق، الثامن: الصيام، لا اعتمد رواية ابن عمر لا هذه ولا هذه، وعلى كل حال يوجد في بعض روايات سنن أبي داود تقديم بعض الكتب على بعض؛ لكن الآن المتداول على هذا الترتيب.
حقيقة الذي يهمنا تقديم الصيام على الحج أو الحج على الصيام البخاري بنى ترتيب كتابه على الرواية المتفق عليها من حديث ابن عمر بتقديم الحج على الصوم.
ولا شك أن جاء في شأن الحج من تعظيم أمره ما لا يوجد نظيره في الصيام مثلاً في قوله -جل وعلا-: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} بعد ذلك قال: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] ترك الحج أمره عظيم، وشأنه خطير، ولذا كتب عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله: أن انظروا من كان ذا جده فلم يحج فاضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، فشأن الحج عظيم، ولهذا قدمه الإمام البخاري على الصوم معتمداً على الرواية التي خرجها من حديث ابن عمر.
أما مسلم وغيره من الأئمة قدموا الصيام على الحج، وهذا عليه عمل الجمهور، عليه عمل الأكثر، والمسألة مسألة اجتهاد، وكل منهم اعتمد على رواية في الصحيح؛ لكن ماذا عن إنكار ابن عمر على من استدرك عليه، لما روى الحديث في صحيح مسلم بتقديم الصيام على الحج، قال رجل:"الحج وصوم رمضان؟ " قال: "صوم رمضان والحج"، كيف يرد ابن عمر رضي الله عنهما على هذه الرجل مع أنه ثابت عنه بتقديم الحج على الصوم؟ ولو قيل: بأن رواية تقديم الحج على الصيام أرجح من رواية تقديم الصيام على الحج ما بعد، لماذا؟ لأنها في الصحيحين، أما تقديم الصيام على الحج فهي من مفردات مسلم.
على كل حال رد ابن عمر على هذا الذي استدرك عليه، العلماء، بينوا السبب، لماذا رد؟ فممن تكلم في هذه المسألة النووي، وقال: "الذي يظهر أن ابن عمر يروي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام على الوجهين، وهذه الجمل معطوفة بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، فسواء قدم الصوم أو قدم الحج هو رواه مرة كذا ومرة كذا، عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلما رواه على الوجه الثاني واستدرك عليه من استدرك أراد أن يؤدبه، فقال له: لا، لا تنكر ما لا علم لك به، وهذا قد يحتاج إليه المعلم بتربية من يجرؤ على الرد من الطلاب، لا سيما في مقابل الكبار من الشيوخ؛ لأن تجد من بعض طلاب العلم من السهل عليه جداً أن يسمع الشيخ يتكلم في مسألة -ولو كان من الكبار- فيقول: لا يا شيخ، لا يا شيخ فلان يقول: كذا، هذا أدب؟ أحياناً يأتي يسأل يستفتي هذا الشيخ، فإذا أجابه قال: لا يا شيخ الشيخ فلان يقول: كذا، هل هذا من الأدب؟ مثل هذا يحتاج إلى من يؤدبه، مثل هذا لا يرد ما لا علم له به، وإن كان ما ذكره له وجه يصح؛ لكن هذا في باب التربية، تربية الطلاب على الأسلوب المناسب للتعامل مع الكبار، فطالب العلم عليه أن يسلك الأسلوب المقبول، سواءً كان مع زملائه وأقرانه فضلاً عن شيوخه وعلمائه، هذا الاحتمال الذي أبداه النووي.