المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما يجوز للمحرم أن يفعله: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٧٨

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما يجوز للمحرم أن يفعله:

أنا أقول: كونها تدخل في لفظ الكلب ما يلزم، هي دخلت في العلة، العقر، دخلت في عموم العلة، فدخولها في عموم العلة يقتضي الإلحاق، بينما التنصيص على الأفراد من الطيور من غير نظر إلى علة، وإن كان فيها علة مستنبطة، لكن الحكم حينما يقولون: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً يقصرونه على العلة المنصوصة دون المستنبطة، وعلة الكلب منصوصة وعلة الغراب والحدأة ليست منصوصة إنما هي مستنبطة، وهنا يكون كلامه اتجه، جزاء الله خير.

نقرأ الباب الذي بعده.

أحسن الله إليك.

‌باب: ما يجوز للمحرم أن يفعله:

حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرد بعيراً له في طين بالسقيا وهو محرم، قال مالك: وأنا أكرهه.

وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تسأل عن المحرم أيحك جسده؟ فقالت:"نعم فليحككه وليشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت".

وحدثني عن مالك عن أيوب بن موسى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم.

وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قراداً عن بعيره.

قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.

وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب رحمه الله عن ظفر له انكسر وهو محرم، فقال سعيد:"اقطعه".

وسئل مالك عن الرجل يشتكي أذنه أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب وهو محرم؟ فقال: لا أرى بذلك بأساً، ولو جعله في فيه لم أرَ بذلك بأساً.

قال مالك رحمه الله: ولا بأس أن يبط المحرم خراجه، ويفقأ دمله، ويقطع عرقه إذا احتاج إلى ذلك.

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:"باب: ما يجوز للمحرم أن يفعله" وذكر ما يمنع، ثم ذكر ما استثني من الممنوع، ثم ذكر ما يجوز له أن يفعله، وذكر بسنده عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرد بعيراً له في طين بالسقيا وهو محرم.

ص: 16

أولاً: القراد كالقمل بالنسبة للإنسان يعلق بالدواب من الإبل والبقر، والتقريد إزالة القراد عنه.

"رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرد بعيراً له في طين، قال مالك: وأنا أكرهه" أولاً: القراد لا شك أنه مؤذي، القراد والحلم كله مؤذي بالنسبة للدابة؛ لأنه يمتص من دمها ويؤذيها، فهل نقول: إن هذه مؤذية تزال؟ أو يقتصر على مجرد إزالة ضررها بتقريدها ولو لم تقتل؛ لأن عندنا مجرد الإزالة، وعندنا ما يترتب على الإزالة من قتل مباشر أو تعريض للقتل، عندنا في النص الذي معنا:"رأى عمر بن الخطاب يقرد بعيراً له في طين" طيب وقع هذا الغراب في الطين، يموت وإلا ما يموت؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم يموت، عرضناه، لم يباشر، لم يباشر قتله، وإنما تسبب في قتله، فعمر رضي الله عنه نظر إلى أن هذا البعير متضرر بوجود هذا القراد، والقراد مؤذي وضار فيلحق بما يتأذى به الإنسان كالفأرة مثلاً، فأزاله قرد وأزاله، ووقع في الطين بالسقيا والسقيا قرية بين مكة والمدينة وهو محرم، فعلى هذا لا شيء في نزع القراد أو القُراد من الدابة، وقل مثل هذا في إزالة القمل من الرأس بالنسبة للإنسان لأنه مؤذي، هو مؤذي، لكن هل مع هذه الإزالة تترك دون قتل أو تقتل؟ تترك، لا يباشر قتلها، قد يقول قائل: إن أخذ القمل من الرأس وإلقاؤه في الأرض بحيث ينتقل منه إلى غيره أذى، والأذى يزال، بل هو مما يماط عن المكان، بدلاً أن يتضرر به ويتأذى به سيكون سبباً في أذى غيره، فهل نقول: إنها مثل الفواسق تقتل لأنها مؤذية؟

"قال مالك: وأنا أكرهه" لماذا؟ لأن إزالته وإلقاؤه في الطين يكون سبباً في قتله، ولذا يكرهون قتل القمل مع أنه مؤذي بالنسبة للإنسان.

ص: 17

وهنا يقول: "وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة -بلال- عن أمه -مرجانة- أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم أيحك جسده؟ فقالت: "نعم فليحككه وليشدد -زيادة في بيان الإباحة- ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت" وهذه أيضاً مبالغة في بيان الحكم وأن هذا جائز لا إشكال فيه، وهذا الحك لا يخلو إما أن يكون في موضع فيه شعر، بحيث لو حك بقوة وشدة كما قالت أم المؤمنين لترتب على ذلك إزالة شيء من الشعر، أو يكون المكان لا شعر فيه فلا يكون سبباً في إزالة شيء من الشعر وهذا لا إشكال فيه، كون المكان لا شعر فيه ما فيه إشكال، قد يقول قائل: البشرة بعضها مع الحك ينزل منه شيء، لا أقول شيء من الوسخ، وإنما شيء من البشرة، وجاء في حديث:((من أراد أن يضحي -يعني بعد دخول العشر- فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئاً)) فهل نقول مثل هذا؟ طيب الرجل فيها حكة مثلاً ثم حكها وشدد في حكها فنزل منها قطع من الشقوق التي فيها، هل يمنع منها من أجل هذا؟ أو نقول: إن الأخذ من البشرة خاص بالأضحية وأم المؤمنين تقول: يحك ويشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت، كلامها يدل على أن ما يترتب على مثل هذا العمل لا شيء فيه، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

إزالة، إزالة نعم، هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

يعني يكرهه تورعاً تبعاً لابن عمر، ابن عمر سيأتي عنه النقل.

طالب:. . . . . . . . .

نعم، سيأتي عن ابن عمر.

يقول: "وحدثني عن مالك عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص أن عبد الله بن عمر نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم" النظر في المرآة من قبل المحرم فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ ما في إشكال، لماذا نقل الإمام مالك مثل هذا الأثر عن ابن عمر وهو الصحابي المؤتسي المقتدي الذي يميل إلى التحري في هذا الباب؟ لأنه يترتب على النظر في المرآة شيء من الترفه، والأصل في المحرم أنه لا يترفه.

يقول: "نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم" لكن لو كان من دون سبب، أراد أن يسرح شعره، نعم، أو أراد أن ينظر هل في وجهه شيء أذى وإلا قذر ليزيله هل يقال: إن النظر في المرآة ممنوع من قبل المحرم؟ لا يوجد ما يدل على منعه.

ص: 18

قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قراداً عن بعيره" وقد ثبت فعله عن عمر فيما تقدم، وهذا عن عبد الله بن عمر وهذا من زيادة تحريه، ولذلك كرهه الإمام مالك، وقال:"وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك".

قال: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفر له انكسر وهو محرم، فقال سعيد: اقطعه" لماذا؟ لأنه صار مؤذياً، الظفر إذا انكسر أو العين، الشعرة إذا دخلت جزء منها في العين تزال؛ لأنها مؤذية، ولا شيء عليه في ذلك.

"وسئل مالك عن الرجل يشتكي أذنه -يعني من وجع بها- أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب" يعني وصف له الطبيب قطرة للأذن أو للعين هل يقطر في أذنه أو في عينه؟ قال: "وهو محرم؟ فقال: لا أرى بذلك بأساً" يعني يجوز "ولو جعله في فيه لم أر بذلك بأساً" إذ هذه الأدوية التي ليس فيها شيء من الطيب لا خلاف في مزاولتها.

"قال مالك: ولا بأس أن يبط المحرم خراجه" الدمل ونحوه لا بأس أن يفقأه، ويفقأ الدمل والخراج، ويزيل ما به من أذى ويعالج، ويقطع العرق إذا احتاج إلى ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما تقدم احتجم وهو محرم، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 19