المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب الأمر: - شرح الورقات - عبد الكريم الخضير - جـ ٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ باب الأمر:

أما الصيغة لذاتها فإنها لا تقتضي التكرار، وقال بعضهم: إنها لا تقتضي التكرار ولا عدم التكرار؛ هي تقتضي وجوب الفعل والتكرار وعدمه هذا من أدلةٍ أخرى.

قوله: ولا تقتضي الفور: أي أن صيغة الأمر لا تقتضي الفور -يعني ولا التراخي إلا بدليل- صيغة الأمر لا تقتضي الفور، نعم، إذا ضاق الوقت وخرج الوقت الذي حدد لهذا العمل، فلا بد من الفور، لا بد من المبادرة. لو قال الأب لابنه بعد صلاة العشاء مثلاً: اشتر خبزاً.

خبز لإيش؟ للعشاء أو للفطور؟

قال: للفطور.

الآن يذهب ليشتري أو الوقت فيه سعة؟

الوقت فيه سعة، فلا يقتضي الفور حينئذٍ؛ لأن المقصود إيجاد الفعل من غير اختصاصٍ بالزمن الأول أو الثاني.

المقصود أنه لا ينتهي الوقت المحدد له، مثل:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء]: أي لزوالها، أقم صلاة الظهر لدلوك الشمس -لزوالها- هل يعني هذا أنك تقيم الصلاة بمجرد الزوال، أو الوقت موسع كما دل عليه الدليل إلى مصير ظل كل شيءٍ مثله؟

المراد بالدلوك أيش؟ هاه؟ دلوك الشمس: زوالها، وقيل له الدلوك لماذا؟ لماذا قيل له الدلوك؟ لماذا قيل للزوال دلوك؟

قالوا: لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيحتاج إلى دلك لهذا، هكذا قالوا.

المقصود أن الصيغة لا تقتضي الفور إلا إذا دل الدليل على ذلك، مثل:((تعجلوا الحج) على خلافٍ فيه هل هو واجب على الفور أو على التراخي، وأقوال أهل العلم في بابه مبسوطة.

وقال بعضهم: إنه يقتضي الفور، وهذا قول المالكية، وهو أيضاً قول معتبر عند الحنابلة؛ للأمر بالمسارعة والمسابقة:{وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران]، {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد]، {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} [(48) سورة المائدة]، ولا شك أنه أحوط وأبرأ للذمة، لكن الإلزام يحتاج إلى نصٍ قاطع، قال في قرة العين:"وهو مقتضى قول كل من قال إنه يقتضي التكرار".

يقول الناظم:‌

‌ باب الأمر:

وحده استدعاء فعل واجب

بالقول ممن كان دون الطالب

بصيغة افعل فالوجوب حققا

حيث القرينة انتفت وأطلقا

لا مع دليل دلنا شرعاً

على إباحة في الفعل أو ندبٍ فلا

بل صرفه عن الوجوب حتما

بحمله على المراد منهما

ص: 14

ولم يجب فوراً ولا تكرارا

إن لم يرد ما يقتضي التكرارا

نعم سم:

والأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به، كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة المؤدية إليها، وإذا فُعِل يخرج المأمور عن العهدة.

نعم، الأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به، كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة: أمر بالسترة أمر بتحصيل الماء، أمر بقصد المسجد؛ لأداء صلاة الجماعة وهكذا.

وإذا فُعل خرج المأمور عن العهدة: يعني أن الأمر بالشيء أمر به على سبيل الغاية، وأمر بما لا يتم إلا به على سبيل الوسيلة، فالأمر بالصلاة أمر بالطهارة؛ لأنها لا تصح بدونها، سواء كان المأمور به واجباً كما ذكر أو مستحباً كغسل الجمعة عند جمهور أهل العلم -الأمر به على سبيل الندب عند الجمهور- وهو أمر لا يتم إلا بإحضار الماء وتسخينه أو تبريده، إذا كان استعماله لا يتم إلا بذلك، وإيجاب الجماعة في المسجد إيجاب للذهاب إليها، وإيجاب أداء الشهادة إيجاب للذهاب إلى المحكمة وهكذا، وهذا بخلاف الوجوب، يعني ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لكن ما لا يتم الوجوب إلا به هل هو واجب أو لا؟

طالب:. . . . . . . . .

لماذا؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم؛ ليس مما كلف به الإنسان؛ يعني الزكاة لا يتم وجوبها إلا بتحصيل النصاب، لا يتم وجوبها إلا بتحصيل النصاب، هل نقول: على كل مسلم أن يسعى لتحصيل النصاب من أجل أن يزكي؟

لا يجب عليه ذلك، لكن حصل عنده النصاب ووجبت عليه الزكاة، لكنه لا يجد فقيراً إلا بالمسير إليه، يذهب إليه؛ لا يتم وجوب إخراج الزكاة الواجبة عليه إلا بذلك، وفرق بين ما لا يتم الواجب إلا به، وبين ما لا يتم الوجوب إلا به.

وإذا فُعِل: بالبناء للمجهول أي المأمور به حذف الفاعل للعلم به، إذا فعله المكلف خرج المأمور -هذا المكلف- عن عهدة الأمر وبرئت ذمته فلا يطالب به مرةً أخرى؛ إذا فعل على وجهٍ مجزئ مسقط للطلب صحيح تترتب آثاره عليه فإنه لا يطالب به مرةً أخرى، وهذا معنى كونه صحيحاً مسقطاً للطلب.

ص: 15

ولا تلازم بين الصحة والقبول؛ قد يصح العمل ولا يقبل، لا تلازم بين الصحة والقبول؛ إذ قد يصح العمل باستيفاء شروطه وأركانه ولا يكون مقبولاً، كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة]، فالفساق أعمالهم صحيحة وإلا باطلة؟ أعمال الفساق صحيحة وإلا باطلة؟

{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} : أعمالهم صحيحة، بمعنى أنهم لا يطالبون بها مرةً ثانية، نشوف شخصاً حليقاً وإلا مسبلاً وإلا مرتكبَ محرم صلى، نقول له: لا أعد صلاتك؛ لأن الله .. ، إنما يتقبل الله من المتقين؟!

نقول: صلاتك صحيحة ومجزئة عن الطلب، ونفي القبول هنا المراد به نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر))، لا يقبل الله .. أو ((من أتى عرافاً لم تقبل صلاة أربعين يوماً)): قالوا هذا نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، وليس معنى هذا أنهم يؤمرون بإعادتها إذا جاءوا بها على الوجه المشروع.

لكن قد يرد نفي القبول ويراد به نفي الصحة: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ))، نقول: صلاته صحيحة، والثواب المرتب عليها .. ؟! لا لا، هنا المراد به نفي الصحة، لماذا؟ لأن الوضوء شرط للصلاة.

((لا يقبل الله صلاة حائض ٍ إلا بخمار)) كذلك؛ السترة بالنسبة للمرأة اللائقة بها شرط لصحة الصلاة، كما أن سترة الرجل اللائقة به شرط لصحتها.

فإذا جيء بالمأمور مستوفياً الشروط والأركان والواجبات أجزأ وسقط الطلب وترتبت عليه آثاره، أما إذا اختل شرط أو ركن مع القدرة عليه لم يصح، بل تجب الإعادة ولم يسقط به الطلب، وإذا اختل واجب ففي الصلاة مثلاً إن كان عمداً لم تصح وإن كان سهواً جبر بسجود السهو، وفي الحج يجبر بدم سواء كان عمداً أو سهواً، كن الفرق بين المتعمد وغيره أن المتعمد آثم مع إلزامه بالجابر وغير المتعمد معذور.

والأمر بالفعل المهم المنحتم

أمر به وبالذي به يتم

كالأمر بالصلاة أمر بالوضوء

وكل شيءٍ للصلاة يفرض

وحيث ما إن جيء بالمطلوب

يخرج به عن عهدة الوجوب

ص: 16