المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده - شرح بلوغ المرام - عبد الكريم الخضير - جـ ٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

‌باب: الوضوء:

فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

"باب: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) أخرجه مالك وأحمد والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقاً".

باب: الوضوء:

الوُضوء بضم الواو الفعل، فعل المكلف لهذه العبادة، التي هي استعمال الماء لرفع الحدث الأصغر، والوَضوء بفتح الواو الماء، فإذا قال قائل: أحضر الوَضوء هل يقصد يتوضأ أو أحضر الماء الذي نتوضأ به؟ الماء الذي يتوضأ به، وباب: الوُضوء بضم الواو غير باب المياه الذي تقدم، فالوضوء بالضم الفعل، فعل المكلف، فعل المتوضئ وبالفتح ماؤه، ويقال عليهما بالضم، يقال: للماء وُضوء، ويقال لفعل المتوضئ وُضوء.

والوضوء شرط من شروط الصلاة ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) في حديث ابن عمر: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) وهذا في أول صحيح مسلم ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) فدل على أن رفع الحدث شرط من شروط الصلاة، بل هو من أعظم شروطها، بل قدمه جمهور أهل العلم على جميع الشروط.

ص: 19

عامة أهل العلم على تقديم الوضوء، فهذا يدل على أن ملاحظة الوضوء ورفع الحدث بالماء مقدم على ستر العورة، مقدم على الوقت، لكن الذي يتصور تعارضه مع الوضوء الوقت، فإذا أمكن أن يصلي بطهارة كاملة بالماء لكن مع خروج الوقت، أو مع خوف خروج الوقت، أو أمكن إدراك الوقت مع الإخلال بالطهارة، فالجمهور على أنه يحصل الطهارة، ولو خرج عليه الوقت، ولذا يقدمون كتاب الطهارة على المواقيت، فالإمام مالك -رحمه الله تعالى- يرى أن تحصيل الوقت مقدم على الطهارة، وعلى هذا من استيقظ من نومه وهو جنب وقد بقي من الوقت ما لا يسع الاغتسال مع الصلاة هل نقول له: تيمم وحصل الوقت صلِ قبل الصلاة؟ أو نقول: اغتسل ولو خرج الوقت؟ نعم، عند الأكثر يغتسل، والجمهور يغتسل ولو خرج الوقت، والإمام مالك بدأ في موطئه بالمواقيت، ولا شك أن المواقيت شرط من شروط الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] وجاء تحديد هذه المواقيت على ما سيأتي في السنة بينت بياناً شافياً كافياً، لكن يبقى أن الوضوء شرط من أعظم شروط الصلاة.

الحديث الذي أشرنا إليه في صحيح مسلم أول حديث في الصحيح، ابن عمر زاد: زار عبد الله بن عامر أو عاده وهو مريض، فطلب منه أن يدعو له، فقال له:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول، وكنت على البصرة" يعني كنت والياً على البصرة، كنت والياً على البصرة، والولاية مظنة لهذا الأمر، مظنة للغلول؛ لأنه لا رقيب عليه إلا الله سبحانه وتعالى، وإذا ترك بين النفس وبين المال فإنه قد تسول له هذه النفس أخذ شيء من المال بتأويل أو غير تأويل، فقال له:"وكنت على البصرة" يعني اجعل حرصك على براءة ذمتك من هذا الغلول.

ص: 20

الوضوء ورد في فضله أحاديث كثيرة ((إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء)) وفي معنى ذلك أحاديث كثيرة، وهل الوضوء من خصائص هذه الأمة أو هو موجود في من قبلها؟ الصواب أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة؛ لأن جريجاً كما في الحديث الصحيح توضأ، وزوجة إبراهيم عليه السلام توضأت حينما أرادها الجبار، فالوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، إنما الذي هو من خصائص هذه الأمة الغرة والتحجيل، فمعلوم أن الصلاة إنما فرضت بمكة ليلة الإسراء، ولم يأتِ دليل يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة بغير طهارة، كما أنه لم يرد دليل على أنه توضأ قبل الهجرة.

على كل حال الأمر في هذا سهل؛ لأن العمل الشرعي تابع للنصوص، فمتى جاءت النصوص لزم العمل بها، وسواءً تأخر فرض الوضوء أو تقدم، لكن لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة بغير طهارة.

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) مناسبته لكتاب الوضوء، أو لباب الوضوء ظاهرة، استعمال السواك مع الوضوء.

"أخرجه مالك -في الموطأ- وأحمد -في المسند- والنسائي، وصححه ابن خزيمة -ورواه في صحيحه- وذكره البخاري تعليقاً" وذكره البخاري تعليقاً، والمعلق عند أهل العلم ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر من راوي، ولو حذف جميع الإسناد.

وأن يكن أول الإسناد حذف

مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف

ولو إلى أخره أما الذي

لشيخه عزا بقال فكذي

إلى آخره.

المقصود أن المعلق ما حذف من مبادئ إسناده راوي أو أكثر تعليقاً مجزوماً به، ومع كونه معلق في الصحيح جاء مجزوماً به، وصنيع الحافظ -رحمه الله تعالى- أن الحديث لم يخرج في الصحيحين بالإسناد المتصل، وإنما ذكر هكذا معلقاً، هو مخرج في الصحيحين في الأحاديث الأصول، لكن بدل قوله:((مع كل وضوء)) ((مع كل صلاة)) ((لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)) والحديث مثل به للصحيح لغيره، إذا كان الحديث حسناً ثم جاء من طرق أخرى ارتقى إلى درجة الصحيح لغيره، ولهذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

والحسن المشهور بالعدالة

والصدق راويه إذا أتى له

ص: 21

طرقاً أخرى نحوها من الطرق

صححته كمتن لولا أن أشق

إذ تابعوا محمد بن عمر

عليه فارتقى الصحيح يجري

راويه محمد بن عمرو في حفظه خفة، ومروياته من قبيل الحسن لذاته، وتوبع على رواية هذا الحديث فارتقى إلى الصحيح لغيره.

((لولا أن أشق)) لولا: حرف امتناع لإيش؟ لامتناع أو لوجود؟ لوجود، لولا وجود المشقة لأمرتهم فامتنع الأمر -أو امتناع- امتنع الأمر لوجود المشقة ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) والأمر المنفي الممتنع هنا في هذا الحديث هو أمر الإيجاب، أما أمر الاستحباب فهو باقي، فالسواك سنة بالاتفاق، والحديث من أقوى الأدلة على إفادة الأمر الوجوب، فنفي الأمر هنا لوجود المشقة مع أن أمر الاستحباب ثابت، فإذا أضيف مثل هذا إلى قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] دل على أن الأمر الأصل فيه الوجوب، وهنا امتنع أمر الإيجاب لوجود المشقة، وبقي أمر الاستحباب لنصوص كثيرة جداً.

((لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) في هذا دلالة على استحباب وتأكد السواك مع الوضوء، كل وضوء كلما توضأ الإنسان يستاك، وهذا صنيعه عليه الصلاة والسلام، مع ما دل عليه مثل هذا الحديث.

وجاء في الحديث المتفق عليه: ((لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)) أو عند كل صلاة، فيتأكد استحباب السواك عند الوضوء وعند الصلاة، وذكر أهل العلم حالات مثل القيام من الليل، النبي عليه الصلاة والسلام أول ما ينتبه يشوص فاه بالسواك، وعند طول السكوت، وعند كثرة الكلام، وعند تغير الفم وهكذا، يعني عند الحاجة إليه تتأكد سنيته.

((لأمرتهم بالسواك)) والمراد بالسواك التسوك وهو دلك الأسنان، وليس المراد به اتخاذ المسواك دون استعمالٍ له، إنما المراد به التسوك، والأمر بالتسوك أمر بما لا يتم إلا به وهو اتخاذ المسواك، وجمع المسواك، كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 22

لا، سُوُك، سُوُك ((لأمرتهم بالسواك)) وعلى هذا فالاستياك مسنون في كل وقت للصائم وغيره بعد الزوال وقبله، وأنه لا أثر له في إزالة خلوف فم الصائم، وإن كان المعروف عند الشافعية والحنابلة أنه لا يستاك بعد الزوال، يعني الصائم؛ لأن الاستياك يكون سبباً في إزالة هذا الخلوف، وقد رتب عليه ما رتب، وجاء في فضله ما ذكر، والحديث الوارد فيه ضعيف، الحديث الوارد فيه ضعيف، فيبقى مثل هذا الحديث على عمومه.

الاستياك عبادة ورتب عليه الثواب، فهل يكون باليمين أو بالشمال؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

طيب اللي وراءه.

طالب:. . . . . . . . .

بالشمال، على كل حال الكلام كله صحيح، كلام الأخوين كله صحيح، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: لا أعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين، وعلى هذا قول جماهير أهل العلم على أن الاستياك يكون بالشمال، وشيخ الإٍسلام وهو يقول هذا الكلام جده المجد ابن تيمية يقول: إن الأفضل التسوك باليمين، فأكثر أهل العلم بل مثل ما سمعنا عن شيخ الإسلام أن التسوك يكون بالشمال؛ لأن الشمال هي التي ينبغي أن تزاول بها مثل هذه الأعمال، أعمال التنظيف، لكن يبقى أنه إذا كانت الأسنان نظيفة وأراد أن يحصل هذه العبادة، والأسنان ليس فيها مما ينبغي إزالته، فيتجه القول الثاني.

الحديث الذي يليه.

"وعن حمران أن عثمان دعا بوضوء، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم تمضمض، واستنشق، واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا"، متفق عليه".

نعم "عن حمران" وهو ابن أبان مولى لعثمان بن عفان، الخليفة الراشد ثالث الخلفاء، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، مولاه هذا حمران بن أبان بعثه إليه خالد بن الوليد من إحدى السرايا.

ص: 23

على كل حال حمران هذا مولاً لعثمان ملازم له، ووصف وضوءه بدقة، والحديث في الصحيحين بالتفصيل، "عثمان رضي الله عنه دعا بوضوء" أي دعا بماء يتوضأ به "فغسل كفيه ثلاث مرات" وهذا الغسل للكفين سنة بالاتفاق، وهو غير الغسل بالنسبة للقائم من النوم الآتي ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً)) هذا غيره، هذا غسل اليدين مستحب "ثلاث مرات، ثم تمضمض" فعلى هذا يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، ولو كانتا طاهرتين، ولو كانتا مغسولتين قبل ذلك، يعني لو افترضنا أن شخصاً أكل، ثم غسل يديه بالماء والصابون، وتأكد من زوال أثر الطعام، ثم جاء ليتوضأ، نقول: يستحب لك أن تغسل يديك ثلاث مرات ولو كانتا نظيفتين، لكن إذا قام من نوم الليل، وتوجه إليه الأمر بغسل اليدين ثلاثاً، على ما سيأتي، وهنا أراد أن يطبق هذه السنة، فهل يغسل يديه ستاً؟ احتمال ليمتثل الأمر الواجب والمسنون، ولو قلنا بالتداخل فتدخل هذه العبادة المسنونة في العبادة الواجبة، وقد قيل بهذا وذاك، قيل بالأول: إن هذه عبادة مقصودة لذاتها مستقلة، وتلك عبادة أيضاً مقصودة، فلا تدخل هذه بتلك، كسنة الصبح بالنسبة لصلاة الصبح، لكن قاعدة التداخل تنطبق على العمل، إذا وجد عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، فإنها حينئذ تدخل يعني وليست الثانية مقصودة، مقصودة بعينها، والعلة معروفة من غسل اليدين ثلاثاً التنظيف على جهة التعبد، وكلاهما يحصل هذا، فعلى هذا يدخل غسل اليدين ثلاثاً، ثلاث مرات المذكور في هذا الحديث في غسل اليدين إذا قام من النوم.

"ثم تمضمض" المضمضة: إدخال الماء في الفم وتحريكه في الفم، وهل يدخل المج في المضمضة؟ في حد المضمضة أو لا يدخل؟ نعم، المج لو أدخل الماء في فمه وحركه ثم ابتلعه، نقول: تمضمض وإلا ما تمضمض؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 24

على كل حال أهل اللغة يختلفون في هذا، فمنهم من يفسر المضمضة بأنها إدخال الماء وتحريكه في الفم، ومنهم من يقول: ومجه، فيدخل المج في حد المضمضة، وعلى هذا الأولى والأكمل أن يمجه، إذا حركه في فمه فليمجه "ثم تمضمض واستنشق، واستنثر" استنشق جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف، واستنثر أخرج الماء من الأنف بالنفس، وجاء عن بعض أهل العلم ويؤيده بعض الروايات أن الاستنثار هو الاستنشاق، أن الاستنثار هو الاستنشاق، "تمضمض واستنثر"، "إذا توضأ أحدكم فلينتثر" فعلى هذا الانتثار والاستنثار هو الاستنشاق، لا شك أنه إذا اقتصر على ذكر الاستنثار فإنه يدخل فيه الاستنشاق، لا يمكن أن يستنثر دون أن يستنشق، لكن إذا ذُكرا معاً فلكل واحد منهما معناه الخاص "ثم غسل وجهه ثلاث مرات" غسل وجهه ثلاث مرات، وغسل الوجه فرض من فرائض الوضوء، لا يصح الوضوء بدونه، وهو منصوص عليه في آية المائدة، غسل وجهه، حد الوجه معروف من منابت الشعر إلى الذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، هذا هو الوجه، وهل يدخل في حد الوجه الفم والأنف لتكون المضمضة والاستنشاق واجبين؟ والخلاف بين أهل العلم في وجوبهما معروف، فالذي لا يقول بوجوبهما قال: لم ينص عليهما في الآية {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] وهنا حكاية الفعل تمضمض واستنشق، لكن هل أمر به؟ والذي يقول بالوجوب يقول: إن الفم والأنف داخلان في مسمى الوجه، داخلان في مسمى الوجه؛ لأنهما في حدوده، فلا يتم غسل الوجه إلا بهما، وأولئك يقولون: إن الوجه ما تحصل به المواجه، ولا تحصل المواجهة بالفم والأنف في مناقشات طويلة، لكن النبي عليه الصلاة والسلام تمضمض واستنشق، وجاء الأمر بالاستنشاق، والأمر به أكثر من الأمر بالمضمضة، وإن جاء فيها:"إذا توضأت فمضمض" على ما سيأتي.

وعلى كل حال الوجوب هو المتجه، وجوب المضمضة والاستنشاق هو المتجه لما ذكرنا، لمداومة النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، وأنهما داخلان في إطار الوجه ومحيطه، وقد جاء الأمر بهما "ثم غسله وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات" غسل يده اليمنى

ص: 25