المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الصيام - شرح بلوغ المرام - عبد الكريم الخضير - جـ ٦١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ كتاب الصيام

بلوغ المرام -‌

‌ كتاب الصيام

(1)

الشيخ: عبد الكريم الخضير

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ)) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رضي الله الله عنه- قَالَ: ((مَنْ صَامَ اَلْيَوْمَ اَلَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا اَلْقَاسِمِ)) وَذَكَرَهُ اَلْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَوَصَلَهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب الصيام).

الكتاب: سبق التعريف به مراراً، والصيام مصدر صام ومثله الصوم، صام صوماً، قال قولاً، والصيام مثل قام قياماً، فهما مصدر للفعل صام، ولذا تجدون التراجم أحياناً، كتاب الصيام، وأحياناً كتاب الصوم، ولا فرق بينهما إذ الكل كل منهما مصدر للفعل صام.

ص: 1

الصيام عرفوه في اللغة بأنه: الإمساك عن أي شيء، بمجرد الإمساك يسمى صيام، فالإمساك عن الكلام صيام، الإمساك عن الحركة صيام، الإمساك عن الأكل والشرب صيام، فجاء في الإمساك عن الكلام في قوله -جل وعلا- لمريم عليها السلام:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [(26) سورة مريم]، فهي لم تنذر الصيام في الإمساك عن الأكل والشرب وإنما الكلام، بدليل قولها {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [(26) سورة مريم]، ويأتي الصيام بمعنى الإمساك عن الحركة، خيل صيام وخيل غير صائمة، يعني ممسكة، خيل تجري، وخيل ممسكة عن الجري والحركة، كما أن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات التي هذه هي أصولها صيام، والحقيقة اللغوية التي هي الإمساك لا تختلف عن الحقائق الشرعية اختلافاً متبايناً، بل في الغالب أن الحقيقة اللغوية تبقى ويزاد عليها من القيود ما يميز الحقيقة الشرعية، فالصيام الشرعي إمساك، كما أن الصيام في اللغة إمساك، يزاد في الحقيقة الشرعية من القيود ما يميز به هذه الحقيقة عن الحقيقة الأصلية التي هي مجرد الإمساك، وقل مثل هذا في الصلاة في الزكاة في الإيمان في غيرها من الحقائق الشرعية، لو تأملت وجدت أن الحقائق اللغوية موجودة، ما هناك تباين بين الحقائق الشرعية والحقائق اللغوية، قد يكون هناك تباين وتفاوت في الحقائق العرفية، لكن الحقائق اللغوية لا تتابين مع الحقائق الشرعية وإنما يزاد في الحقائق الشرعية بعض القيود التي تميزها عن مجرد الإطلاق اللغوي، وهنا الصيام في اللغة الإمساك، وفي الشرع الإمساك، لكن الإمساك من نوع خاص، إمساك من نوع خاص، الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، هذه هي أصول المفطرات في وقت مخصوص من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بنية، بعضهم يقول: إمساك المكلف، وبهذا يخرج صيام الصائم، لكنه صيام، صيام يعود عليه ويمرن عليه لا يؤاخذ بتركه لكن من باب التمرين فهو صيام شعبان، ولذا المحقق أنه يجزئ إذا وقع نصفه نفل ونصفه فرض، بمعنى أنه كله في أثناء النهار صوم، صيام شهر، هذا الصبي صام في أول النهار ثم أكل في أثنائه يكفيه هذا الصيام؛ لأن الحقيقة الشرعية موجودة، بعضهم يضيف في جميع العبادات

ص: 2

قيد يدل على أنه عبادة، فيقول: الصيام مثلا: التعبد لله -جل وعلا- بالإمساك عن كذا وكذا وكذا لكن إذا قلنا بنية، النية من لازمها التعبد، بعضهم يضيف في القيد النية؛ لأنه بدون نية وإن وجدت صورته فلم توجد حقيقته الشرعية، فلا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل، كما أنه جاء في الحديث الصحيح الذي يشمل الصيام وغيره حديث:((إنما الأعمال بالنيات)) وهذا يأتي دراسته في الموضوع -إن شاء الله تعالى-.

فالصيام الإمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بالنية المصاحبة المتقدمة على أول جزء منه، والصيام المقصود به صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام ولكونه شاقاً على النفوس جاءه تشريعه تدريجياً كالمنع من الخمر، جاء التشريع تدريجي، والصيام جاء التشريع تدريجي، كان الواجب عاشوراء، ثم بعد ذلك نزل صيام رمضان مع التخيير، من أراد أن يصوم ومن أراد أن يطعم، والصيام أفضل، ثم بعد ذلك نسخ التخيير في حق القادر، وبقي الصيام لا خيرة فيه بالنسبة للمستطيع ويبقى أن الإطعام في حق من لا يستطيع.

صيام رمضان ركن من أركان الإسلام دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فلقول الله -جل وعلا-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة]. وأما السنة فالأدلة متضافرة على وجوبه وأنه من دعائم الإسلام وأركانه.

حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)) [الحديث متفق عليه].

وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام.

في حديث ابن عمر الرواية المتفق عليها في تقديم الحج على الصيام، وعلى هذه الرواية بنى البخاري تأليف كتابه فقدم الحج على الصيام ولعل ذلك لما جاء في الحج بخصوصه من النصوص الشديدة مما لم يأت نظيره في الصيام.

ص: 3

في آية آل عمران {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران]، ثم قال:{وَمَن كَفَرَ} هذا أمر عظيم {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وجاء عن عمر وغيره أنهم يرسلون إلى عمالهم في الأقاليم أن ينظروا من كانت له جِدَة ولم يخرج فليفرضوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين؟ ما هم بمسلمين، جاء مثل هذه النصوص التي تجعل بعض العلماء لا سيما الإمام البخاري يجعل الحج آكد من الصيام والرواية المتفق عليها بتقديم الحج على الصيام، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر بعض روايات الحديث عند مسلم قال:((وصوم رمضان والحج)) فقدم الصيام على الحج، فقال رجل: الحج وصوم رمضان، فقال ابن عمر: لا، صوم رمضان والحج، إنكار ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- على هذا المستدرك لا شك أنه مشكل مع أنه ثبت عن ابن عمر أنه قدم الحج على الصيام، يشكل عليك، كيف ترد عليه وقد ثبت عنك أنك قدمت الحج على الصيام، والحديث في الصحيحين، فأهل العلم لهم كلام في السبب الذي من أجله رد ابن عمر على هذا المستدرك، ومن ذلك ما قاله النووي رحمه الله، قال: لعل ابن عمر روى الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام على الوجهين، مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصوم، فرواه كذلك على وجهين، ثم لما رد عليه هذا المستدرك أراد أن يؤدبه، فقال: لا تستدرك ولا تعترض بما لا علم لك به، وهذا أسلوب من أساليب تربية بعض الطلاب الذين يتعجلون بحضور الأكابر، فيردون عليهم ويستدركون عليهم، يعني من السهل جداً أن تجد طالب صغير والشيخ يتكلم يقول: لا يا شيخ، كذا، أمر سهل جداً أن أتقدم بسؤال فإذا أجيب قال: لا يا شيخ الشيخ فلان يقول كذا، مثل هذا يحتاج إلى تأديب مثل تأديب ابن عمر لهذا المستدرك، وإلا فالحديث ثابت على الوجهين.

جوز النووي -رحمه الله تعالى- أن يكون ابن عمر يروي الحديث على الوجهين، ثم لما رواه بتقديم الصيام على الحج نسي الوجه الأول، الذي فيه تقديم الحج على الصيام فلما استدرك عليه المستدرك قال: لا، صوم رمضان والحج.

ص: 4

الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يرى أن هذا الاختلاف من الرواة عن ابن عمر، أو من الراوي عن ابن عمر وحنظلة، يقول إن نسبة الرواية بالمعنى إذا قيل أن ابن عمر يروي الحديث على وجه واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لتقديم الصيام على الحج، بدليل أنه أنكره على الرجل الذي استدرك عليه، يقول ابن عمر يرويه هكذا جزماً ثم الراوي عنه رواه بالمعنى، فمرة قدم الحج ومرة قدم الصيام. ويقول: هذا التصرف ينسب إلى التابعي أولى من أن ينسب إلى الصحابي؟ افترضنا أن الراوي نسي فقدم وأخر، هل نسبة هذا النسيان للصحابي أولى من نسبته إلى التابعي أو العكس؟ يقول: إلى التابعي نسبته، نسبة هذا التقديم والتأخير إلى التابعي والرواية جائزة بالمعنى والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب سواء قدم أو أخر ما يضر؛ بدليل أنه جاء في بعض الروايات تقديم الحج على الزكاة، فهل يقال أن عمر رواه على ثلاثة أوجه؟ على كل حال المسألة سهلة يعني، الصيام والحج كلاهما ركن من أركان الإسلام. وسواء قدم الحج على الصوم، والصوم على الحج فالأمر سهل، لكن عامة أهل العلم على تقديم الصيام على الحج، والبخاري رحمه الله تعالى اعتماداً على الرواية المتفق عليها قدم الحج على الصيام.

بالنسبة للأركان الخمسة الركن الأول: الشهادتان، من لم يأت بهما لم يدخل الإسلام أصلاً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فلا إسلام دون التلفظ بالشهادتين، وأما بالنسبة للركن الثاني فجاء فيها النصوص الشديدة ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) أما من ترك أحد الأركان الخمسة جحوداً فهذا يكفر اتفاقاً، فالمسألة مفترضة من تركها تهاوناً وكسلاً لا جحوداً، وجاء في الصلاة ما يخصها من مثل قوله عليه الصلاة والسلام:((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ولذا يفتي جمع من أهل التحقيق أن تارك الصلاة كافر، ولو اعترف بوجوبها وهذه رواية عند الإمام أحمد ينصرها شيخ الإسلام وابن القيم وجمع من أهل التحقيق، وهو المفتى به الآن.

ص: 5