الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة العسيف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أغدو يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)) الحديث متفق عليه" في قصة العسيف الذي زنى بامرأة مؤجرة والقصة معروفة في الصحيحين بطولها، لكن فيها:((وأغدو يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها)) فدل على أن الحدود تقبل النيابة والوكالة، ويمكن أن يوكل الإمام في إقامة الحدود وفي مقدماتها، وما تثبت به؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أنيساً أن ينوب عنه في هذا، فيما يثبت به الحد، وفي إقامة الحد، والحدود هي للإمام أو لمن ينيبه وليست لغيره، لا يُفتات على الإمام في إقامة الحدود، بل هي له، فلا يتولى الحدود إلا الإمام أو من ينوبه، ولذا قال:((واغدوا يا أنيس)) وأيضاً الحدود من أعمال الرجال لا النساء، وإلا ما قال: أذهبي يا فلانة إلى امرأة هذا، والمرأة بالنسبة للمرأة، يعني لو كان الأمر يقبل نيابة المرأة في مثل هذا لقال: اذهبي يا فلانة، يعني للتحقيق مع هذه المرأة، فدل على أن هذا من عمل الرجال لا النساء، البخاري -رحمه الله تعالى- بوب على الحديث: باب الوكالة في الحدود.
اقرأ الحديث.
أحسن الله إليك.
باب: الإقرار
، فيه الذي قبله وهذا شبهه
.
عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل الحق ولو كان مراً)) صححه ابن حبان في حديث طويل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الإقرار
والإقرار والاعتراف والإثبات بمعنى واحد، فالإقرار هو الاعتراف على النفس، أن يقر ويعترف على نفسه وفيه ما قبله من اعتراف المرأة في الحديث السابق ((فإن اعترفت فارجمها)) يعني إن قرت بما نسب إليها واعترفت به فارجمها، فهذا دليل على أن الإقرار يؤاخذ به إذا كان مكلفاً رشيداً فإنه يؤاخذ به، فإخبار الإنسان بما عليه يسمى إقرار، ويقابله الإنكار والجحود.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل الحق ولو كان مراً)) صححه ابن حبان" يعني رواه ابن حبان في صحيحه، وأخرجه أحمد والبيهقي، وهو حديث صحيح، وفيه جمل اقتصر المؤلف منه على موضع الشاهد، ((قل الحق ولو كان مراً)) يعني قل الحق على نفسك وعلى غيرك ولو ترتب عليه ما ترتب، فالحق لا بد من بيانه، ولذا يعترف الإنسان على نفسه، ويشهد على غيره، لا يجوز له أن يكتم الشهادة، فعليه أن يقول الحق ولو ناله ما ناله، اللهم إلا إذا كان يتضرر بقوله ضرراً بالغاً فمثل هذا فيه مندوحة، في الحديث:"أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي" يعني في أمور الدنيا، وجاء الأمر بذلك في الصحيح -في صحيح البخاري-:((انظروا إلى من هو دونكم فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) إذا نظر الإنسان إلى من دونه شكر الله -جل وعلا- على نعمه، أما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو فوقه مثل هذا لا يشكر نعمة الله عليه، يقال: والله أحمد ربك أنت عندك بيت، قال: وش بيت خمسمائة متر، شوف زميلي عنده ألف متر، لكن هو ما ينظر إلى من يسكن تحت جدار هو وأسرته، موجود الآن، أسرة مكونة من عشرين شخص تسكن تحت جدار، ما عندهم ولا معشاش، ما ينظر إلى مثل هؤلاء ليشكر نعمة الله عليه، تقول له: انظر يا أخي عافاك الله ما فيك مرض ولا فيك كذا ولا فيك كذا، يقول: بس شوف زميلي يسحب السيارة، مثل هذا يشكر نعمة الله عليه! هذا يزدري نعمة الله عليه، تقول: شوف يا أخي أنت يسر الله لك وظيفة ومعاش طيب، وعندك أسرة وكذا، يقول لك: شوف زميلي الآن يملك الأرصدة في الملوك، هذا لا يشكر نعمة الله عليه، بل يزدري نعمة الله عليه، لكن بالعكس لو قيل له مثلاً: وراك ما تطلع من هذا البيت، بيت حسرة أربعمائة متر، الناس طلعوا للقصور والاستراحات، قال: يا أخي شوف الناس الذين يعيشون بالعشش، مثل هذا يشكر نعمة الله عليه، وهذا مطرد في أمور الدنيا، لكن أمور الآخرة العكس، العكس ينظر إلى من فوقه لا من دونه، إذا قيل له: يا أخي ما شاء الله عليك أنت تجي قبل الإقامة، لكن يقول: شوف زملائي يجون قبل الآذان،
قبل الآذان يحضرون، وإذا قيل: ما شاء الله أنت تحفظ كذا، قال: ما شاء الله شوف زملائي وش يسوون ويفعلون؟ ويقومون الليل، ويصومون النهار وأنا مسكين، مثل هذا إذا نظر إلى من فوقه بعثه ذلك على العمل بخلاف ما لو نظر إلى من دونه، إذا قيل له: وراك ما تجي إلا مع الإقامة؟ قال: أنت ما التفت يوم سلمنا صفين كلهم يقضون، مثل هذا يعاقب، المرة الثانية بيقضي، هذا ما يتشجع ويزداد من العمل الصالح، فهذا أمر مطرد في أمور الدنيا انظر إلى من دونك لتشكر نعمة الله عليك، ولا تزدري وبأمور الآخرة العكس، من أجل إيش؟ أن تتشجع، وحقيقة ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من الانحطاط الذي نعيشه إلا بسبب نظرتنا العكسية لما طلب منا، فإذا قيل: يا أخي البلد قبل عشرين سنة وضعه غير هذا، البلد ما زال ينحدر، قال لك: شوف اللي جنبا، النار تبي تمتلئ من غيرنا، في ناس ما يصلون ولا يعرفون الله، وإحنا بنعمة نصلي ونصوم والحمد لله، وندحدر إلى أن نصل إلى حد لا نهاية له ونحن نقول .. ، ما يقول: انظر إلى البلد قبل عشرين قبل ثلاثين سنة، انظر إلى الصحابة، انظر إلى السلف، انظر إلى كذا، فمثل هذا لا شك أنه يوقع على كافة المستويات الأفراد والجماعات في هوة سحيقة، إذا نظر الإنسان تقول مثلاً لواحد: والله يا أخي أنت ما عندك إلا درسين بالأسبوع، قال: احمد ربك الزملاء كلهم ما عندهم دروس، هذا في النهاية يترك، لكن لما تضرب له مثال، شوف اللي عندهم أدركنا ناس عندهم خمسة دروس في اليوم من المشايخ، حينئذٍ يتشجع ويعمل، والله المستعان.
"أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من فوقي، وأن أحب المساكين" حبك للمساكين يدل على أنه لله -جل وعلا-؛ لأنك لا ترجو من هذا المسكين شيء، تحب المساكين لهذا الوصف، لكن لو كان هذا المسكين عنده بنت وأنت طامع فيها، أنت تحب هذا المسكين لأنه مسكين؟ لا لأن وجود الوصف المناسب وهو المسكنة يحال عليه الحكم، يعني ما جاء الحث على حبهم إلا لأنهم مساكين، لا لأمر آخر.
"وأن أحب المساكين، وأن أدنو منهم" لأنهم بهم تعرف نعمة الله عليك، ولا تفتن بدنياهم، بينما إذا قربت من العلية تزدري نعمة الله عليك من جهة، وتفتن بدنياهم، وتنشغل بها.
"وأن أصل رحمي وإن قطعوني وجفوني" ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها، وجاء من يشكو قراباته وقال: إن له قرابة يصلهم ويقطعونه، ويحسن إليهم ويسيئون إليه، فذكر له النبي عليه الصلاة والسلام:((إن كان الأمر كما تقول فكأنما تسفهم الماء)) وصلة الرحم شأنها عظيم، وفي ذروتها بر الوالدين، ثم صلة الأقارب الأقرب فالأقرب.
"وأن أقول الحق ولو كان مراً" وهنا في الحديث قال: ((قل الحق ولو كان مراً)) أوصاني أن أقول، يعني قل المعنى واحد "وأن أقول الحق ولو كان مراً" يعني ولو ترتب عليه المرارة، والمراد بالمرارة هنا المرارة المعنوية، وهي ما تكرهه النفس وتأباه.
"وأن لا أخاف في الله لومة لائم" إذا كان أمره لله، مخلصاً لله في ذلك لا يهمه كلام الناس، لا يعبأ بكلام الناس، ولو لاموه على ما يقربه إلى الله -جل وعلا-.
"وأن لا أسال أحداً شيئاً"(شيئاً) نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء صغير وكبير، والمراد بذلك من أمور الدنيا، أما أمور الآخرة فقد جاء الأمر بالسؤال {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] العلم وما يتعلق به يُسأل.
"وأن استكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة" الكنز في الأصل ما يطمر ويدفن تحت الأرض لأهميته ونفاسته، يخشى عليه، فلأهميته ونفاسته يكنز ويدخر ويطمر ويدفن تحت الأرض، فإذا كانت الجنة ترابها الظاهر الذي يداس المسك الأذفر، فيكف بكنزها؟! فليحرص الإنسان وطالب العلم على وجه الخصوص بها، يحرص على هذه الوصايا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.