المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معنى شهادة أن محمدا رسول الله وواجب العبد نحوها - شرح ثلاثة الأصول لخالد المصلح - جـ ٥

[خالد المصلح]

الفصل: ‌معنى شهادة أن محمدا رسول الله وواجب العبد نحوها

‌معنى شهادة أن محمداً رسول الله وواجب العبد نحوها

قوله رحمه الله: [وَمَعْنَى شَهَادَة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بما شرع] هذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله، فكل من لهج بهذه الشهادة فإنه يجب عليه أن يستحضر هذه المعاني؛ فإن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو من أمرين: إما خبر فالواجب فيه التصديق؛ فالأخبار تقابل بالتصديق.

وإما أمر فالواجب فيه الانقياد والتسليم.

واعلم أنه تجب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به سواءٌ علمنا حكمة هذا الأمر أو جهلنا الحكمة، وسواء أدركته عقولنا أو لم تدركه، وهذا فيما يتعلق بالأوامر، فمن علّق العمل بالأوامر على معرفة الحكمة فإنه لم ينقد للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يحقق هذه الشهادة، وحقيقة من هذه حاله إنما هو عابد لهواه؛ لأنه لا يقبل من الأوامر ولا ينتهي عن شيءٍ إلاّ ما وافق عقله ورأيه، وهذا لا يكون قد حقق العبودية لله عز وجل؛ لأن العبودية التامة أن ينقاد لأمر الله عز وجل، ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، أدرك عقله الحكمة أو لا، فهذا فيما يتعلق بالأحكام.

أما ما يتعلق بالأخبار فالواجب على المؤمن إذا بلغه خبر الله أو خبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يؤمن بما أخبر الله به وبما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، علم معناه أو لم يعلم، فهذا هو الواجب؛ فإن الإنسان مهما بلغ علمه فإنه قد يخفى عليه بعض ما أمر الله به ورسوله، فلا يدرك معنى ما أمر الله به ورسوله على وجه الكمال، وعلى هذا فإن الواجب على مثل هذا أن يسلِّم بما جاء عن الله وبما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقول: آمنتُ بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإيمان المجمل يكفيه، وتبرأ ذمته به، ولا يلزمه معرفة التفاصيل إذا كان لا يستطيع معرفة التفصيل؛ لقول الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، وهذا ما عمله سلف الأمة في معرفة كيفيات ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه، وأخبر به عما يكون في اليوم الآخر، فإنهم آمنوا بذلك على ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم دون الدخول في تعيين الكيفيات أو تصويرها.

فمعنى شَهَادَة (أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) طَاعَتُهُ فِيمَا أمر، وتصديقه فيما أخبر، فشمل الواجب في الأمر، والواجب في الخبر.

ثم قال: [واجتناب ما نهى عنه وزجر] ، هذا تابع للأمر، وهو التفصيل.

وقوله: [وألا يعبد الله إلاّ بما شرع] هذا فيه بيان وجوب لزوم طريقة النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الإجمال.

فالواجب أن يسلِّم العبد قياده للنبي صلى الله عليه وسلم، وليعلم أن من رغب في الفوز والنجاة يوم القيامة أنه لا يمكن أن يحصل له مقصوده، ولا أن يفلح بمطلوبه، ولا أن يأمن مما يرهب إلاّ بسلوك طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى قد سد الطرق الموصلة إليه جميعها إلاّ طريقه صلى الله عليه وسلم، فمن رام الوصول إلى رضوان الله وجنته من غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم فإنما يطلب ضائعاً لا يمكن تحصيله، فهو لا يجني من سعيه خيراً، ولا يحصل مطلوباً، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فيما أخبر مما يكون في يوم القيامة أن الذين يعبرون الصراط إذا منّ الله عليهم بمجاوزته وأردوا دخول الجنة فإنهم لا يتمكنون من الدخول حتى يستفتح لهم النبي صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الحديث عَنْ أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ.

فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ) ، وهذا يدل على أنه لا سبيل لدخول الجنة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ من طريقه، فإذا كانت الجنة لا يفتح بابها إلاّ باسمه فإن دخولها لا يتحقق إلاّ لمن تبعه واقتفى منهجه وسار على هديه، وهذا دليل هذه القاعدة أننا لا نعبد الله إلاّ بما شرع، وليعلم أن كل من عبد الله بغير ما شرعه الله سبحانه وتعالى أو بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد افترى على الله، وما افتراه واخترعه لا يزيده من الله جل وعلا إلاّ بعداً، فهذه قاعدة مطردة في كل بدعة وفي كل محدثة؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد شرع من الدين أكمله، وأتم علينا النعمة، وأسبغ علينا الفضل بكمال هذه الشريعة، فلا مجال للزيادة، قال تَعَالَى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ، فأكمله جل وعلا في القول، وأكمله في عمل الجوارح، وأكمله في عمل القلوب، ثم إنه أكمله على وجه رضيه سبحانه وتعالى، فمن زاد فقد سخط ما رضيه الله جل وعلا، ولم يكتفِ بما رضيه الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، ودلائل هذه القاعدة أكمل وأكثر من أن تحصر، والأصل في ذلك قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، فاستمسك بهذا الصراط المبين والطريق القويم، واعلم المآل إلى جنة عرضها السموات والأرض، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا عليه، وأن يزيدنا هدىً وتقىً فيه.

ص: 3