المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطالبة الراهن للعدل إن فرط في الرهن - شرح زاد المستقنع - الشنقيطي - التفريغ - جـ ١٧٧

[محمد بن محمد المختار الشنقيطي]

الفصل: ‌مطالبة الراهن للعدل إن فرط في الرهن

‌مطالبة الراهن للعدل إن فرط في الرهن

‌السؤال

ذكرتم أن للراهن أن يقيم دعوى قضائية على العدل إذا فرَّط، فمن المدَّعِي ومن المدّعَى عليه أثابكم الله؟

‌الجواب

إذا كان العدل قام على الرهن، وطُلِب منه بيع الرهن عند حلول الأجل، وقبضُ الثمن، وإعطاؤه للمرتَهِن، فباع عند حلول الأجل، ثم أقبض بدون إشهاد، فإن اليقين والثابت أن ذمَّته شُغِلت بقيمة الرهن، هذا ليس فيه إشكال؛ لأنه هو يُقِر ويعترف أنه باع الرهن، وأنه سدّد فلاناً؛ لأن القضاء يفصِّل كل كلمة بمعناها، فهو لما يقول: أعطيت فلاناً، فمعناه: أني بعت الرهن ثم أعطيت فلاناً، فحينئذٍ يُمسك ويؤاخذ على قوله: أعطيت فلاناً؛ لأنه لا يُعطي إلا بعد البيع، فكأنه أقر على نفسه أنه باع وقبض الثمن، وبعد قبضه للثمن أعطى فلاناً، سواءً فصَّل ذلك أو أجمله، فإن أجمله فالإجمال متضمِّن للمعنى البيِّن جملة وتفصيلاً، يؤاخذ به كما يؤاخذ به مفصَّلاً، كما لو قال: بِعتُ السيارة بعشرة آلاف، ثم ذهبت إلى فلان وأعطيته المبلغ، فقد أقر ببيعها بعشرة آلاف وإقباض فلان هذا المبلغ.

فنقول: ذمته مشغولة باليقين بعشرة آلاف لصاحب الرهن، هذا يقين وليس فيه إشكال، لكن هل أعطى أو لم يعط، أو أعطى وأخطأ في الإعطاء؟ فربما أعطى شخصاً آخر، وربما أنه أعطى فعلاً ولكن نسي من أعطاه، فيحتمل أن يكون صادقاً ويحتمل أن يكون كاذباً، ونحن لم نطلع على الغيب، ولا نستطيع أن نستجلي حقيقة الأمر، فحينئذٍ نطالبه بالبينة على أنه أَعطَى، فنُحضِر صاحب الدين، ونقول: هل أعطاك فلان العشرة آلاف؟ فإن قال: ما أعطاني، فهناك يقين أن الذمة مشغولة بعشرة آلاف؛ لأنه لو فُتِح لكل عدل أن يقول: لقد أعطيته، ونقول: أعطاه، وانتهى الأمر، فحينئذٍ نكون قد ظلمنا أصحاب الديون، وامتنع أصحاب الديون من الرهن؛ لأنه لا تتحقق الحكمة والمقصود من الرهن، فنقول: إن القول قول صاحب الرهن؛ لأن العدل يعترف بأنه قبض عشرة آلاف ريال، ويدَّعِي، فهو معترف من جهة ومدعي من جهة، يدَّعِي أنه قد أعطاها لفلان، فصارت قضيتان: القضية الأولى: أنه أقر أن في ذمته عشرة آلاف لصاحب الدين، التي هي قيمة الرهن؛ لأنه في بعض الأحيان تكون قيمة الرهن أن يباع بتسعة آلاف أو يباع بثمانية آلاف، فإذا قال: بِعتُه بعشرة آلاف، فقد ثبت شرعاً في مجلس القضاء ويؤاخذ؛ لأن الإقرار في مجلس القضاء يؤاخذ به الإنسان.

فإذا قال: بِعتُه بعشرة آلاف، فقد أقر أن ذمته شُغِلت بعشرة آلاف التي هي قيمة الرهن، لصاحبه؛ لأن العشرة آلاف ملك لصاحب الرهن.

القضية الثانية: أنه ادعى أنه أعطى فلاناً العشرة آلاف، فنحضر خصمه، وتُقام بينهما الدعوى، فيقال: هل أعطاك؟ فإن قال: ما أعطاني، فنقول للعدل: ألك بينة؟ فإن قال: ما عندي بينة، فنقول: أتحلف بالله؟ فإذا حلَف بالله، انتهت القضية الأولى، فإذا طالب صاحب الدين بحقه، فنقول للمديون: سدد صاحب الدين العشرة آلاف، ثم أقم الدعوى على خصمك الذي هو العدل، وتصل إلى حقك؛ لأنه اعترف وأقر.

ففي مجلس القضاء الأول ثبت فيه الإقرار، ومن الممكن لو خاصمه عند قاضٍ ثانٍ فإنه يقول: قد اعترف عند القاضي فلان أنه قد باع بعشرة آلاف، فلو أنكر العدل بعد ذلك، وقال: ضاع وما بعته، أو تلِف، وما بِعته، أو فلان سحب الرهن من عندي، فنقول للراهن: هل هذا صحيح؟ فإن قال: ما هو صحيح، هذا باع وقد اعترف بالبيع عند القاضي فلان، فإذا ثبت أنه فعلاً أقر في مجلس القضاء؛ فإن الإقرار في مجلس القضاء حجة، ويؤاخذ بهذا الإقرار ويُحكم عليه به.

فالشاهد: أنهما قضيّتان منفكتان، ويؤاخذ بإقراره؛ لأنه حقٌ متعلِّق للغير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ص: 20