الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأقوال في قاعدة: النسيان لا يسقط الضمان
السؤال
القاعدة التي تقول: النسيان لا يسقط الضمان.
هل تشمل من فعل محظوراً من المحظورات ناسياً أثابكم الله؟
الجواب
هذا فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله، منهم من قال: يسقط الضمان مطلقاً، ومنهم من قال: لا يسقط الضمان مطلقاً، ومنهم من فصّل.
أما الذين قالوا: إن النسيان يُسقط الضمان، فاستدلوا بما ثبت في الصحيح قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم:(يا رسول الله! لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج)، فما سُئِل عن شيء قدِّم ولا أُخِّر مما ينسى الإنسان -كما في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في السنن- إلا قال:(افعل ولا حرج)، فلم يوجب عليهم الضمان بالترتيب؛ مع أن الأصل في فعلها أن تكون مرتبة وهي واجبة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(خذوا عني مناسككم).
فأسقط الضمان لهذا الواجب بسبب النسيان، هذا على القول بوجوب الترتيب، كما يختاره طائفة من العلماء رحمهم الله خلافاً للشافعية والحنابلة.
القول الثاني: إن النسيان لا يسقط الضمان، فمن نسي وجب عليه أن يضمن، وأكدوا هذا بأن النسيان والخطأ جاريان من باب واحد، ولذلك لو قتل خطأً لأُلزم بالضمان، وهكذا لو نسي فحصل منه حلق للشعر، أو تقليم للأظفار، فإنه يُلزم بالضمان.
القول الثالث: التفصيل، فبعض العلماء يفصِّل بين ما يمكن تداركه وما لا يمكن تداركه، فالذي يمكن تداركه مثل الطيب وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فهذه الأشياء إذا نسيها ولبس عمامة على رأسه وهو محرم، أو نسي ولبس ثوباً وهو محرم، فإنه إذا تذكّر ونزعها أمكنه التدارك، قالوا: في هذه الحالة لا شيء عليه، واحتجوا بحديث صفوان بن يعلى بن أمية -الثابت في الصحيح- عن أبيه:(أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالجعرّانة وعليه جبّة عليها أثر الطيب، فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ أحرم بالعمرة وعليه ما ترى؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: انزع عنك جبتك واغسل أثر الطيب الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلاً في حجك)، فهذا الرجل أحرم بالعمرة وأخطأ عندما تطيب ولبس الجبة، ومع ذلك لم يُلزم بالضمان.
قالوا: هذا محظور يمكن تداركه، فقال له:(انزع عنك جبتك)، فلما نزعها مباشرة أمكنه التدارك، أما لو كان من جنس ما لا يمكن تداركه، كتقليم الأظفار، فلا يمكنه أن يعيد الظفر مرة ثانية، وهكذا بالنسبة لحلق الشعر، لا يمكن أن يرده، فإنه يُلزم بالضمان، وهذا القول يختاره جمعٌ من العلماء رحمهم الله، وهو الأشبه والأقوى، والله تعالى أعلم.