المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المراد باستيفاء القصاص - شرح زاد المستقنع - الشنقيطي - التفريغ - جـ ٣٥٤

[محمد بن محمد المختار الشنقيطي]

الفصل: ‌المراد باستيفاء القصاص

‌المراد باستيفاء القصاص

بسم الله الرحم الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب استيفاء القصاص].

الاستيفاء: استفعال من (وفى الشيء)، والمراد به: حصول الإنسان على حقه كاملاً، يقال: استوفى حقه، إذا أخذه كاملاً ولم يترك منه شيئاً، ولما كان أولياء المقتول لهم حق عند القاتل، والله سبحانه وتعالى مكنهم من هذا الحق، وجعل لهم سلطاناً أن يطلبوه؛ وصف العلماء رحمهم الله تعالى أخذهم لهذا الحق بالاستيفاء، ومن عادة أهل العلم رحمهم الله تعالى أن يذكروا باب الاستيفاء بعد بيان شروط القصاص؛ لأنه لا يُمكَّن أولياء المقتول من قتل القاتل إلا إذا استوفيت الشروط وتمت الشروط المعتبرة شرعاً للقصاص، فإذا ثبت أنه يجب القصاص والقود قلنا لأولياء المقتول: هذا حقكم، فإن شئتم استوفيتموه، وإن شئتم تنازلتم عنه إلى عوض وهو الدية، أو تنازلتم بدون عوض وهو العفو المطلق، فقد خيرهم الله عز وجل بين هذه الثلاثة الأمور: بين أن يأخذوا بالقود والقصاص، وبين أن يأخذوا الدية، فيكون منهم العفو عن القتل ولكن تثبت لهم الدية، وبين أن يعفوا عفواً مطلقاً بدون دية وبدون أخذ شيء.

وهذا القصاص واستيفاء القصاص هو جوهر القضية ومحور الأمر؛ لأنه عن طريق استيفاء القصاص تسكن النفوس، وتصل الحقوق إلى أهلها، ويشفى الغليل، فإن أولياء المقتول في حنق وغيض بسبب ظلم القاتل وسفكه لدم وليهم.

وسفك الدماء لا شك أن مرارته مؤلمة في النفوس، حتى إن المرأة قد تذهل عن عقلها، والرجل يذهل عن نفسه حتى يقتص من قاتل أبيه أو قاتل أخيه، وقد كانت العرب في جاهليتها الجهلاء وضلالتها العمياء يشتط الغضب بالواحد منهم فيقتل بالواحد العشرة، ولا تسكن نفسه إلا بقتل العظيم، فإذا قُتل له أخٌ، أو ابنٌ، أو قريب، التمس أعز الناس في عشيرة القاتل فقتله بوليه، ولربما قتل أضعاف العدد، كل ذلك من أجل أن يشفي غليله، حتى قال القائل: فساغ لي الشراب وكنت قبلاً أكاد أغص بالماء الفرات أي: أنه كان إذا شرب الشراب لا يستطيع أن يستطيبه، وهذا جبلة في النفوس، ولذلك حكم الله تعالى بالقصاص من أجل قطع أسباب التشفي وقطع بوادر الشر، والتوسع في إزهاق الأنفس، كما قال تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} [الإسراء:33].

وهذا الاستيفاء له ضوابط في الشريعة الإسلامية، حيث يمكن أولياء المقتول من قتل القاتل، ولكن لا بد من وجود شروط إذا توفرت حكمنا بأن لهم حق الاستيفاء، وقد تأتي عوارض وموانع تمنع من الاستيفاء مباشرة، وحينئذٍ ينبغي أن ينتظر حتى يُمكن صاحب الحق من حقه كاملاً ويمكن من النظر في أمره على الوجه المعتبر وعلى السنن والرشد.

فقوله رحمه الله تعالى: (باب استيفاء القصاص) أي: في هذا الموضع سأذكر لك الأمور المعتبرة للحكم باستيفاء أولياء المقتول حقهم من القاتل، وذلك بالقصاص والقود.

ص: 2