الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشهادات
الشهادات: جمع شهادة.
والشهادة هي: الإخبار بما علمه بلفظ أشهد. هذا هو المشهور في المذهب.
فلو قال:" سمعت فلاناً يقر بكذا " أو " رأيت فلاناً وهو يشرب الخمر ونحو ذلك، فإن شهادته لا تقبل، بل لا تقبل حتى يقول:" أشهد على فلان أنه قد شرب الخمر "أو" اشهد على فلان أنه قد اقترض من فلان " ونحو ذلك فالمشهور فى المذهب أن الشهادة لا تصح إلا بلفظ: أشهد أو شهدت.
-واختار شيخ الإسلام وهو مذهب المالكية والأحناف: أنها تصح الشهادة بكل لفظ يدل على الشهادة. فلو قال: " سمعت أو "رأيت " فإن شهادته تصح.
وليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولا في إجماع العلماء ولا في القياس الصحيح ولا في أقوال الصحابة ما يدل على ما ذهب اليه الحنابلة – كما قرر ذلك شيخ الإسلام فالصحيح أن الشهادة تصح بكل لفظ يدل عليها.
لكن لو قال: أعلم أن فلاناً قد أقرض فلاناً " و " أعلم أن فلاناً يشرب الخمر " فإنها ليست بشهادة ولا تقبل، وذلك لأن العلم قد يحصل بإخبار الثقه، فقد يكون أخبره ثقة بأن فلاناً قد شرب الخمر وهو يثق بقوله، فصدقه وأخبر بما علم فقال: " أعلم أن فلانا قد فعل كذا " فإذا قال مثل هذا اللفظ فإنه لا يقبل في الشهادة حتى يصرح بالسماع أو الرؤية.
قال رحمه الله: [تحملّ الشهادات في غير حق الله تعالى فرض كفاية]
فتحمل الشهادة في غير حق الله – فرض كفاية لقوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دُعوا) أي إذا ما دعوا للتحمل أو الأداء فإذا دعوا لتحمل الشهادة أو أدائها فلا يجوز لهم أن يأبوا للآية المتقدمة.
ولأن حقوق الناس إنما تثبت وتحفظ بالشهادة، فالشهادة طريقة لحفظ وثبوت حقوق الناس فكانت فرض كفاية فإذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين.
-وقال المؤلف هنا: (في غير حق الله تعالى) أي في حقوق الآدمين وأما حق الله تعالى فلا يجب فيه تحمل الشهادة ولا أداؤها، لأن حقوق الله عز وجل مبناها على المسامحة،ولأن المشروع فيها الستر.
فإذا دَعى لتحمل الشهادة في رؤية رجل يشرب الخمر، أو يكون قد رآه يشرب الخمر فَيدعي عند القاضى لأدائها.
أو يدعى للنظر لرجل يزني بامرأة فيتحمل الشهادة أو يَدعى لأدائها عند الحاكم فإن ذلك لا يجب بل هو مباح بل لا يستحب لأن الستر هو المشروع.
قال صاحب الفروع: يتوجه عدم الستر لمن عرف بالشر والفساد " وصوّبه صاحب الإنصاف وهو كما قال.
فإذا كان الرجل معروفاً بالشر والفساد فأمكن أن تتحمل الشهادة أو أن يَؤدى بما يزجره عما هو عليه وبما يزيل عن المسلمين شره وفساده فإنها تتحمل حينئذ للمصلحة العامة،فالستر عليه مصلحة خاصة، ودرء الفساد عن الامة مصلحة عامة، والمصلحه العامة راجحة على المصلحة الخاصة.
فإذا كان ترك الشهادة يترتب عليه ضرر على الآدميين، فالذي يظهر هو وجوب أداء الشهادة وإن كانت في حقوق الله تعالى
فلو شهد ثلاثة على أن فلاناً قد زناً، وهناك رابع قد رأى لكنه لم يشهد بعْدَ عند الحاكم فإذا أتاه هؤلاء الثلاثة وقد قذفوا ذلك الرجل بالزنا وهم يحتاجون إلى شهادة هذا الرجل ليدفعوا عن أنفسهم معرة الفسق وكذلك ليدفعوا عن أنفسهم الجلد، فالذي يتبين أنه يجب أداء الشهادة لما في ذلك من دفع الضرر عن الآدمي.
قال: [وإن لم يوجد إلا من يكفى تعين عليه] .
فإذا لم يوجد إلا اثنان يشهدان على أمر من الأمور فإن الشهادة تتعين عليهما حيث كان الحق لا يحفظ إلا باثنين.
وهكذا سائر فروض الكفاية، فإنها تتعين حيث لم يوجد إلا من يقوم بالحق.
فإذا كان ليس في البلد إلا مجتهد واحد فإنه يتعين عليه القضاء.
كذلك إذا لم يمكن حمل الشهادة إلا من هذين الشخصين فإن الشهادة تتعين عليهما كسائر فروض الكفاية.
مسألة:
هل يجوز أخذ الأجرة على الشهادة؟
المشهور في المذهب: أنه لا يجوز أخذ الأجرة عليها لأنها فرض كفاية، فإذا قام بها فقد قام بفرض.
والقول الثاني: أنه يجوز أخذ الأجرة عليها، واختاره شيخ الإسلام وهو مبني على مسألة سابقة في جواز أخذ الأجرة على القرب فاختار شيخ الإسلام هنا وهناك جوازها عند الحاجة.
والأولى في مثل هذه المسائل التى تتعلق بحقوق الناس – الأولى سدّ هذا الباب لما يترتب على أخذ المال من الفساد فقد يشهد بالزور ليأخذ بالمال.
فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يجوز أخذ الأجرة لئلا يفتح هذا الباب على الناس فيشهد الرجل بالزور ليأخذ المال.
قال: [وأداؤها فرض عين على من تحمّلها]
لقوله تعالى: ((ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه))
فأداؤها فرض عين على من تحملها.
قال: [متى دَعي إليه وقدر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله وكذا في التحمل]
فلا يجب تحمل الشهادة ولا أداؤها إلا أن يقدر على ذلك بلا ضرر لقوله تعالى: ((ولا يضار كاتب ولا شهيد) ولقوله صلىالله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد.
أما إذا كان يترتب على ذلك ضرر في عرضه او ماله آو أهله فلا يجب.
قال: [ولا يحل كتمانها]
لقوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتهما فإنه آثم قلبه)
مسألة:
هل له أن يؤدي الشهادة قبل أن يسألها؟
الجواب: نعم له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) رواه مسلم.
وذلك لأن المشهود له قد يخفى عليه أن فلاناً شاهد له فحينئذ يبادر بالشهادة حيث يظنّ أن المشهود له يخفى عليه أن هذا شاهد له.
كذلك قد لا يخفى عليه بل يعلم أنه شاهد لكنه – أي المشهود له – يحتاح إلى هذه الشهادة، والشهادة أمانة، فكما أن الأمانة يبادر لها عند الحاجة فكذلك الشهادة.
والطلب الحالي والعرفي كالطلب اللفظي، فهذا المشهود له – وإن لم يأت إلى الشاهد ويسألة أن يشهد له لكن حاله تسأل.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:" يشهدون ولا يستشهدون " فهذا حيث كانوا متساهلين في الشهادة يتسارعون إليها من غير تثبيت بل ربما يشهدون وهم يعلمون أنهم كاذبون فهذا في محل الذم.
قال: [ولا أن يشهد إلا بما يعلم]
لقوله تعالى: ""إلا من شهد بالحق وهم يعلمون "
وفي مسترك الحاكم بإسناد ضعيف " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ترى الشمس قال نعم " قال:" على مثلها فاشهد أو دع ".
لكن الحديث إسناده ضعيف
قال: [برؤية أو سماع]
لا بخبر ثقة.
" برؤيته " كأن يرى فلاناً يزني أو يشرب الخمر ونحو ذلك.
"أو سماع" كأن يسمعه وهو يطلق إمرأته أو أن يسمعه وهو يبيع أو ينكح أو نحو ذلك.
قال: [أو استفاضةٍ]
الاستفاضة: أن يشتهر الخبر عند الناس فيتناقلونه.
قال: [فيما يتعذر علمه بدونها]
فالاستفاضة تقبل فيما يتعذر علمه غالبا بدونها، أي بدون الاستفاضة – فلا يمكننا أن نثبت هذا الحق في الغالب إلا بالاستفاضة فلا يمكن إثباته بالسماع أو الرؤية.
قال: [كنسبٍ]
فالواحد منا الآن يعرف أن فلان ابن فلان من العائلة الفلانية وأنه ابن فلان،يعرف ذلك من طريق الاستفاضة.
فهو لم ير الولادة ولم يكن شاهداً عليها لكن يعرف هذا باشتهاره عند الناس.
فإذا قيل له: هل تشهد أن فلان بن فلان؟ فإنه يشهد بناءً على الاستفاضة.
قال: [وموت]
فمثلاً: مرّت الجنازة فقيل لك هذه جنازة فلان بن فلان، وأصبحت عائلته تعّزى واشتهر هذا عند الناس، فإذا دعيت لتشهد على وفاته للإرث ونحوه، فإنك تشهد بناءً على الاستفاضة.
قال: [ومْلكٍ مطلق]
الملك المطلق: هو غير المقيّد بشراء ولا هبة ونحو ذلك – فهل تشهد أن هذا البيت لفلان وأنه ملكه؟ فانك تقول: نعم أشهد لأنى أرى أنه مالك له وهذا مشهور مستفيض عند الناس.
لكن لا تشهد بالاستفاضه أنه قد اشتراه من فلان أو وهبه له فلان وذلك لأن هذا لا يكتفى فيه بالاستفاضه لأن الشهاده ممكنة بالرؤية أو السماع.
قال: [ونكاح ووقف ونحوها]
كالخلع والولاية والعزّل ونحوها، فإن هذه الأمور لا يمكن في الغالب إثباتها إلا بطريق الاستفاضة.
إذن: أصبح عندنا ثلاث طرق للشهادة:-
(1)
الطريق الاول: السماع (2) والطريق الثاني: الرؤيه وهما الأصل.
(3)
والطريق الثالث: الاستفاضة حيث تعّذر في الغالب السماع والرؤية.
-وهل يشترط أن يكون قد تلقى هذا الأمر المستفيض ممن يثبت العلم بهم أم يكفي أن يخبره أحد من الناس أن هذا أمر مستفيض؟
مثال ذلك: إذا أتاك رجل فقال: أريد أن أشهد أنا وأنت عند القاضي على أن هذا الرجل ابن لفلان، فقلت هل هذا مستفيض عند الناس؟ فقال نعم، فهل تشهد أو لا تشهد حتى يستفيض هذا عندك؟
المشهور في المذهب: أنه لا يشهد حتى يأتيه عن عدد كثير يثبت العلم بهم.
واختار شيخ الإسلام وهو اختيار المجد ابن تيميه " جدّ شيخ الإسلام " أنه يكفي في ذلك الثقة الواحد الذي تسكن اليه النفس.
وقال القاضي بن الحنابلة: يكفي عدلان.
-وأظهرها الأول / وذلك لأن الشهادة إنما تُبنى على الاستفاضة وهنا لم يستفض عنده ذلك.
بل أخبره الثقة به وهذا أشبه بمسألة السماع والرؤية. فإذا أخبره الثقة بأنه قد سمع فالثقه يشهد وأما هو فلا يشهد وقد علم بخبر الثقه، فكذلك هنا، فهناك لا نقبل أن يكون هناك واسطة في السماع والرؤية، وهنا كذلك لا نقبل أن يكون هناك واسطة في الاستفاضة.
قال: [ومن شهد بنكاح او غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه]
إذا شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بدّ أن يذكر شروطه وهذه المسألة تبنى على مسألة سابقة.
فالقاعدة عندهم: " أن ما صحت به الدعوى تصح به الشهادة "
ولا تصح الدعوى من غير ذكر شروط النكاح أو شروط البيع أو غيره من العقود في المذهب.
فكذلك هنا في الشهادة / فإذا قال: " أشهد أن فلاناً قد نكح فلانة: فنقول له هل توفرت الشروط، فان قال نعم فنقول له: ما هي هذه الشروط فيذكرها لنا، لأنه قد يشهد على نكاح فاسد ويظنه صحيحا.
--والصحيح هنا كالصحيح هناك، فالراجح أن ذكر الشروط في الشهادة ليس بشرط وذلك لأن الأصل هو الصحة.
ولذا فإن النبى صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أن قوماً يأتوننا باللحم ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال صلى الله عليه وسلم (سموا أنتم وكلوا) فهنا لم يشترط النبى صلى الله عليه وسلم أن يثبت عندهم تحقق الشرط وهو التسميه بناء على الأصل، لأن الاصل أن المسلم إذا ذكى فإنه يذكر اسم الله على ذبيحته فكذلك الأصل في نكاح المسلمين الصحة.
قال: [وإن شهد برضاع]
فإذا شهد برضاع فلا بد وأن يصفه، فتقول المرأة:" أشهد أن فلانة قد أرضعت فلاناً خمس رضعات معلومات من ثديها أو تذكر أن الحليب وضع في إناء فشربه خمس مرات، فلا بد وأن تصفه بما يقضتى التحريم وذلك للإختلاف في الشروط.
-والصحيح ما تقدم وهو أنه لا يشترط ذلك، إلا أن يرتاب القاضي في الشاهد هل يعلم الرضاع المحّرم أم لا؟ فإنه يسأله – أما إذا لم يرتبْ فإنه لا يسأله بناءً على الأصل.
ولذا فإن النبى صلى الله عليه وسلم: لما قالت المرأة: " قد أرضعتكما " قال النبى صلى الله عليه وسلم للرجل:" كيف وقد قيل " فلم يأمره أن يستوصف منها كيفيه الرضاع وعدده بناء على الأصل.
قال: [أو سرقه أو شرب أو قذف فإنه يصفه]
فإذا شهد بسرقة فلا بد وأن يصف هذه السرقة بما يقتضى الحد. وتقدم الكلام على هذا في حد السرقة.
وكذلك الشرب فلا بدّ عند الشهادة أن يصفه بما يقضتى الحد وكذلك إذا أراد أن يشهد أن أنساناً قذف.
فان قيل: لم اشترطنا الوصف في هذه المسائل، ولم نشترطه في عقد النكاح وسائر العقود وفي الرضاع؟
فالجواب:
أن هذه حدود والحدود تدرأ بالشبهات فلا بدّ من الوصف وأما المسألة السابقة فإننا نبني على الأصل.
قال: [ويصف الزنا بذكر الزمان والمكان والمزنيّ بها]
فإذا شهد أن فلانا قد زنا بفلانة، فنقول له: في أي ساعة؟
قال: في أول النهار / في أي مكان؟ قال في المكان الفلاني؟ فنقول: أذكر لنا المرأة
فيقول هي فلانة أو يصفها وصفاً بيّنا فلا بدّ من هذه الأمور.
فإن قال: بعض الشهود في أول النهار، وقال الأخر في آخره وقال بعضهم في الغرفة الفلانية في الدور الأسفل وقال الآخر في الدور الأعلى فحينئذ ترد شهادتهم لأن هذا الإضطراب يدل على كذبهم.
إذن: لا بد أن نسألهم بما يقتضي صدق شهادتهم وبما يقتضي إقامة الحّد.
لكن هل يشترط ذكر المزني بها؟
ذكر المؤلف هنا أن ذلك شرط وهو المشهور في المذهب.
والقول الثاني في المذهب: أن ذلك ليس بشرط
-وهو الصحيح لأن الحد معلق بثبوت الفاحشة، فإذا ثبت لنا أنه قد زنا فإن الحكم يترتب على ذلك؟
إلا إذا كان هناك شبهة، كأن يشتبه في أنها امرأته، أو من لا يقام عليه الحد بها كأن تكون أمة لابنه ويجوز ذلك، فإذا اشتبه في ذلك فلا بدّ من الإستفصال لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
قال: [ويذكر ما يعتبر للحكم ويختلف به في الكل]
ففي كل القضايا لا بدّ للشاهد أن يذكر ما يعتبر به الحكم وما يختلف به الحكم.
وذلك لأن الحكم مرتب على الشهادة.
والحمدالله رب العالمين