المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب المناسك (3) - شرح زاد المستقنع - عبد الكريم الخضير - جـ ٨

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ كتاب المناسك (3)

زاد المستقنع -‌

‌ كتاب المناسك (3)

شرح قول المصنف: باب: الإحرام نية النسك: سُن لمريده غسل أو تيمم لعدم وتنظف وتطيب وتجرد من مخيط في إزار ورداء أبيضين، وإحرام عقب ركعتين، ونيته شرط، ويستحب قول: اللهم إني أريد نسك كذا فيسره لي، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وأفضل الأنساك التمتع، وصفته: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه، وعلى الأفقي دم، وإن حاضت المرأة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة، وإذا استوى على راحلته قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، يصوت بها الرجل، وتخفيها المرأة.

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

ويستوي في ذلك الحج والعمرة، هذا ظاهر اللفظ، فالنص شامل للحج والعمرة، ورجحه الصنعاني، قال في العمرة: لا يلزم الخروج إلى الحل من مكة؛ لأن أهل مكة حتى أهل مكة من مكة.

ص: 1

قول المؤلف: "وعمرته من الحل" أما بالنسبة للحج فلا إشكال؛ لأنهم يشترطون أن يجمع في النسك بين الحل والحرم، وفي الحج يحرم من الحرم من مكة؛ لأنه سوف يخرج إلى الحل متى؟ إلى عرفة، لكن إذا أحرم من الحرم في العمرة هل يتسنى له الجمع بين الحل والحرم؟ لن يتسنى له ذلك، النص عرفنا أن ظاهره يشمل الحج والعمرة، إذاً ما حجة المؤلف في قوله:"وعمرته من الحل" دليله أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة إلى التنعيم، ولو كان الإحرام من مكة مجزئاً للعمرة لما أمره بذلك، ولما تحمل مشقة الانتظار بأصحابه، فدل على أن المراد بالحديث الإحرام للحج، وأما العمرة فمن أدنى الحل كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى- ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم، وهو قول جمهور أهل العلم، بهذا قال جمهور أهل العلم، حتى قال المحب الطبري: لا أعلم أحد جعل مكة ميقاتاً للعمرة" المحب الطبري يقول: لا أعلم أحد جعل مكة ميقاتاً للعمرة، وقوله عليه الصلاة والسلام:((ممن أراد الحج والعمرة)) دليل على أنه لا يلزم الإحرام من لم يرد الحج والعمرة كالتجارة مثلاً، وهو رواية عن أحمد، وظاهر مذهب الشافعي والمشهور في المذهب أنه لا يحل لحر مسلم مكلف أراد مكة أو الحرم أن يتجاوز الميقات بلا إحرام إلا لقتال مباح أو خوف أو حاجة تكرر كحطاب ونحوه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك؛ لأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تجاوزوا بغير إحرام، لكن مفهوم الحديث، مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام:((ممن أراد الحج والعمرة)) مفهومه ظاهر في الدلالة على أنه لا يلزم الإحرام إلا بالنسبة لمن أراد الحج والعمرة، وأن الذي لم يرد الحج والعمرة فإنه لا يلزمه الإحرام من هذه المواقيت، ويؤيده البراءة الأصلية.

ص: 2

إذا عرفنا أنه لا يجوز تجاوز المواقيت بغير إحرام لمن أراد الحج والعمرة فما حكم الإحرام قبل الميقات؟ إذا كان تجاوز الميقات بغير إحرام لا يجوز، وأن من تجاوزه عليه أن يفدي، تجاوز الميقات بغير إحرام وقد أراد الحج والعمرة إما أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه أو يفدي، فما حكم الإحرام قبله، قبل الميقات، صرح جمع بكراهته؛ لما روى الحسن أن عمران بن حصين أحرم من مصر فبلغ عمر فغضب، وقال:"يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره" رواه سعيد والأثرم، وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان، وهذا علقه البخاري عن عثمان، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله:"باب: ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة" ولم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي عليه الصلاة والسلام أن أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعين الميقات لبادروا إليه قاله الحافظ.

ابن المنذر وغيره نقلوا الإجماع على الجواز، ولولا هذا الإجماع لكان تعدي المقدرات الشرعية لا يكفي أن يقال فيه بالكراهة، لا سيما في العبادات؛ لأن الذي يفعل أكثر مما حد له شرعاً ويزيد على ما قدر له شرعاً يدخل في حيز البدعة، فلولا مثل هذا الإجماع الذي ذكره ابن المنذر وغيره لما كفى القول بكراهته، لكن قال الحافظ:"وفيه نظر" فقد نقل عن إسحاق وداود وغيرهما عدم الجواز، ويؤيده القياس على الميقات الزماني فقد أجمعوا على أنه لا يجوز التقدم عليه، وذهب طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم، يقول الصنعاني: لولا ما قيل من الإجماع بجواز ذلك لقلنا بتحريمه لأدلة التوقيت؛ ولأن الزيادة على المقدرات من المشروعات كأعداد الصلوات، ورمي الجمار لا تشرع كالنقص منها، لا يكفي أن يقول: لا تشرع، إذا زاد عما حد له مما لا يتعدى نفعه، وتظهر علته لا شك أنه مبتدع، يحرم أن يزيد في أعداد الصلوات، يحرم عليه أن يزيد في عدد الجمار قصداً مع علمه وتيقنه من العدد المشروع، لكن إذا كان الزيادة في القدر المحدد شرعاً مما يتعدى نفعه، شخص وجب عليه في الزكاة ألف ريال وأخرج ألفين يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز له ذلك، نفعه ظاهر وعلته ظاهرة.

ص: 3

يقول: "وإنما لم نجزم بتحريم ذلك لما ذكرنا من الإجماع؛ ولأنه قد روي عن عدة من الصحابة أنهم تقدموا أو قدموا الإحرام عن الميقات، فأحرم ابن عمر من بيت المقدس، وأحرم أنس من العقيق، وأحرم ابن عباس من الشام، وأهل عمران بن حصين من البصرة، وأهل ابن مسعود من القادسية" هذه نقلت عن الصحابة بعضها يثبت وبعضها لا يثبت، وورد في تفسير الآية {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] أن الحج والعمرة تمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وإن كان قد تؤول أن مرادهما بأن ينشئ لهما سفراً من دويرة أهله، ويدل لهذا التأويل أن علي رضي الله عنه لم يفعل ذلك ولا أحد من الخلفاء الراشدين، ولم يحرموا بحج ولا عمرة إلا من الميقات، بل لم يفعله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون ذلك تمام الحج والعمرة؟! لو قد أن شخصاً أراد أن يحج من الرياض مثلاً ولبس الثياب -ثياب الإحرام- من بيته هل نقول: إنه أحرم قبل الميقات؟ لم يحرم قبل الميقات، نعم تأهب للإحرام لكنه لم يعقد نية الإحرام؛ لأن معنى الإحرام نية الدخول في النسك.

ص: 4

يحصل إشكال كبير ممن يلبس الإحرام وهو في المدينة، ثم يأتي للصلاة في المسجد النبوي وعليه ثياب الإحرام وهذا شاهدناه وشاهده غيرنا، ثم يزور ويسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، هذا يوقع في إشكال كبير؛ لأن بعض الجهال قد يظن أن الزيارة تحتاج إلى إحرام، فمثل هذا ينبغي أن يمنع، مثل هذا الذي يوقع في حرج، يوقع في مخالفة ظاهرة ومع تقادم العهد وبعد الناس عن العلم الشرعي يعني لن يعدم من يقول: كنا نرى الناس يحرمون لزيارة النبي عليه الصلاة والسلام في عهد فلان وفلان من كبار أهل العلم وما أنكروا، فمثل هذا ينبغي أن يمنع، وإن كان المسألة المتجه كراهتها فقط عند أهل العلم لما ذكر من الإجماع، لكن إذا أوقع في حرج، أو فيما لا يسوغ مثلما ذكرنا من زيارة النبي عليه الصلاة والسلام والصلاة في مسجده هذا لا شك أنه يلبس على الناس، قد يكون في وقت من الأوقات العلم موجود والعلماء موجودون ولا يتصور مثلاً أن يشك أحد أن هذا ليس من أجل زيارة المسجد أو زيارة النبي عليه الصلاة والسلام، يعني مثلما وجد من الجري على أرصفة المقابر والدوران عليها، الأصل أن مثل هذا لا باس به لا سيما إذا ترتبت عليه مصلحة صحية مثلاً، إذا نصح الإنسان بأن يمشي في اليوم كذا كيلو لا مانع أن يمشي لكن يبحث عن مكان آخر غير المقبرة؛ لأنه إذا دار على المقبرة مرة مرتين خمس عشر ورآه الناس، وداروا معه كما هو الحاصل وإن كانت خفت الآن في مقابر النسيم أبداً ميدان للجري، وكان قبل مدة أكثر من هذا لكن الحمد لله حصل شيء من التنبيه والمنع، قلنا في وقته أنه لن يعدم في وقت من الأوقات بعد سنين متطاولة عشر سنين عشرين سنة أن يقال: كان الناس يطوفون على المقابر في عهد ابن باز ولا أنكر عليهم، فإذا أوقع الفعل المباح في إشكال فينبغي أن يمنع لهذا.

ص: 5

يقول الصنعاني: الإحرام من بيت المقدس بخصوصه ورد فيه حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو حجة غفر ما تقدم من ذنبه)) والحديث مخرج في المسند، وهو عند أبي داود وابن ماجه، فيكون هذا مخصوصاً ببيت المقدس، يكون الإحرام منه خاصة أفضل من الإحرام من المواقيت، ويدل له إحرام ابن عمر منه، ولم يفعل ذلك من المدينة، ابن عمر ما أحرم من بيته في المدينة أحرم من بيت المقدس نعم، على أن من أهل العلم من ضعف هذا الحديث، ومنهم من تأوله بأن المراد أن ينشأ لهما السفر من هنالك، ينشأ السفر للحج والعمرة من بيت المقدس، فيكون المراد بقوله:((من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو حجة غفر له ما تقدم من ذنبه)) وإن كان خلاف الظاهر؛ لأن معنى أهل لبى بالحج والعمرة، ولا يلبي إلا إذا عقد النية، يكون معنى قوله:((أهل)) أنشأ السفر من المسجد الأقصى للحج والعمرة، ويكون حينئذٍ موافق لغيره من النصوص، على أن من أهل العلم من ضعفه، وهو قابل للتحسين، في شيء عاجل؟

يقول: "وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة"

يقول: ماذا عن وادي محرم الذي يحرم منه أهل الطائف؟

أجب.

طالب: عادي.

ما في إشكال هو محاذي لقرن.

يقول -رحمه الله تعالى-: "وأشهر الحج شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة" وهذا مذهب جمهور أهل العلم، وبه قال جمع من الصحابة منهم عمر وعلي وابن مسعود وابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهم، وقيل: وتسع من ذي الحجة، وهو قول في مذهب الشافعي، وقال مالك:"ذي الحجة جميعه من أشهر الحج"{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [(197) سورة البقرة] أشهر وأقل الجمع عند الجمهور ثلاثة فكيف قال الجمهور بأن أشهر الحج شهران وبعض الثالث عشر من الثالث؟ ومالك -رحمه الله تعالى- أخذ بظاهر اللفظ وقال: الأشهر ثلاثة أقل الجمع، فيكون ذو الحجة كاملاً من أشهر الحج، الآن هل هناك فائدة لمثل هذا الخلاف؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 6

من يقول: إن أشهر الحج عشر من ذي الحجة إضافة إلى شوال وذي القعدة هل معنى هذا إذا انتهى العاشر انتهى الحج، ولا ارتباط للحاج بشيء من المناسك؟ لا، ما يقول به أحد، فالمبيت والرمي باقي الحادي عشر والثاني عشر، نعم؟ لا يقولون بهذا، ومن يقول بأن الشهر الثالث كامل من أشهر الحج هل معنى هذا أنه يقول: يستمر الرمي إلى آخر الشهر أو المبيت إلى أخر الشهر أو الوقوف وغير ذلك، هل يقول بهذا؟ لا يقول، إذاً ما فائدة الخلاف؟

ابن هبيرة يقول: ليس للخلاف فائدة تخصه، ليس للخلاف فائدة حكمية تترتب عليه إلا أن بعضهم أوجد بعض الفوائد الناشئة عن هذا الخلاف، فعند من يقول: إن طوائف الإفاضة لا يجوز تأخيره عن أشهر الحج، وعند مالك يسوغ له أن يؤخره إلى آخر الشهر، وعند من يقول بأن آخر أشهر الحج العشر من ذي الحجة لا يسوغ له أن يؤخره، مع أن الجمهور يسوغون تأخيره، وأنه لا حد له على ما سيأتي، عند الشافعي فائدة الخلاف جواز الإحرام فيها لا سيما على القول بأن أشهر الحج إضافة إلى الشهرين الكاملين تسع من ذي الحجة، فائدة الخلاف بالنسبة له أنه يسوغ الإحرام في شوال والقعدة والتسع من ذي الحجة، عند الحنابلة وعند الحنفية تظهر فائدة الخلاف بالحنث، فلو حلف أن يصوم ثلاثة من أيام الحج أو من أشهر الحج فإنه إذا غابت الشمس يوم العاشر من ذي الحج يحنث عند الجمهور إذا لم يصم قبل ذلك، وعند المالكية لا يحنث حتى يخرج الشهر الثالث كامل.

يقول الحافظ ابن حجر: اختلف العلماء في اعتبار هذه الأشهر هل هي على الشرط أم على الاستحباب؟ فقد قال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيره من الصحابة والتابعين هو شرط، فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها، وهو قول الشافعي قياساً على أوقات الصلاة.

ص: 7