المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه) - شرح سنن ابن ماجة - الراجحي - جـ ٥

[عبد العزيز بن عبد الله الراجحي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة [5]

- ‌ما جاء في القدر

- ‌شرح حديث ابن مسعود في أطوار خلق الإنسان في بطن أمه وبعد خروجه

- ‌أنواع التقدير

- ‌تعريف القدر

- ‌حكم الإيمان بالقدر

- ‌أول من تكلم في القدر

- ‌سقوط الجنين قبل إتمام الحمل

- ‌حكم تعمد إسقاط الجنين

- ‌شرح حديث: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه)

- ‌شرح حديث: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده)

- ‌شرح حديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)

- ‌شرح حديث احتجاج آدم وموسى

- ‌شرح حديث: (لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: والقدر)

- ‌شرح حديث عائشة: (طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة)

- ‌القول في مآل أطفال الكفار

- ‌شرح حديث أبي هريرة: (جاء مشركو قريش يخاصمون النبي في القدر)

- ‌شرح حديث: (من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة)

- ‌شرح حديث عبد الله بن عمرو في غضب النبي من اختصامهم في القدر

- ‌شرح حديث: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة)

- ‌الجمع بين قوله: (لا عدوى ولا طيرة) وقوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)

- ‌شرح حديث عدي بن حاتم في الإيمان بالأقدار كلها خيرها وشرها

- ‌شرح حديث: (مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح في فلاة)

- ‌شرح حديث: (ما قدر للنفس شيء إلا هي كائنة)

- ‌شرح حديث: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلى الدعاء)

- ‌قوله: (العمل فيما جف به القلم وكل ميسر لما خلق له)

- ‌ما ثبت عن الصحابة في ذم القدرية

الفصل: ‌شرح حديث: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه)

‌شرح حديث: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: سمعت أبا سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر، خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت: أبا المنذر! إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله، فأتيت عبد الله رضي الله عنه فسألته، فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته، فقال مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار).

وهذا فيه بيان وجوب الإيمان بالقدر، وأن من لم يؤمن بالقدر فليس بمسلم، والقدر له مراتب أربع: المرتبة الأولى: العلم، ويراد به علم الله الأزلي السابق الشامل لما كان في الماضي، وما يكون في المستقبل، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

المرتبة الثانية: الكتابة، ويراد بها كتابة جميع ما يكون في هذا الكون في اللوح المحفوظ.

المرتبة الثالثة: المشيئة، وهي إرادة الله الشاملة لكل شيء في هذا الوجود، فلا يقع في ملك الله إلا ما أراد.

المرتبة الرابعة: الخلق، ويراد به خلق الله للأشياء كلها.

ومن لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر.

وكان القدرية الأوائل ينكرون مرتبتي العلم والكتابة، وهم الذين قال فيهم ابن عمر: أخبرهم أني منهم برئ، وأنهم برآء مني.

وكانوا يزعمون أن الأمر أنف، أي: مستأنف، فيقولون: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع، وهم الذين قال فيهم شيخ الإسلام رحمه الله: ناظر القدرية بالعلم، فإن أقروا به فسلهم: كيف يقر الله العصاة على عمل المعصية ولم يمنعهم وهم الذين خلقوها؟ فسيفهمون.

وإن أنكروه كفروا، وقد كفرهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد؛ لأنهم ينسبون الله إلى الجهل، وقد انقرضت هذه الطائفة، وبقيت عامة القدرية يؤمنون بعلم الله الشامل، ولكن ينكرون عموم إرادة الله للأشياء حتى تشمل أفعال العباد، وينكرون عموم خلق الله للأشياء، ويقولون: إن الله خلق كل شيء إلا أفعال العباد فإن العباد هم الذين خلقوا أفعالهم، وهم في قولهم هذا مبتدعة.

وهذا الحديث في بعضه شواهد، وهو من ما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد في باب منكري القدر، وفيه أن ابن الديلمي قال: إنه وقع في نفسه شيء من القدر، وجاء إلى أبي بن كعب وقال: وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من نفسي، وفي لفظ أنه قال: خشيت أن يفسد علي ديني، فبين له رضي الله عنه أنه لا بد من الإيمان بالقدر، وقال: والذي نفسي بيده! لو كان لك مثل أحد ذهباً ثم أنفقته ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، يريد: المكتوب في اللوح المحفوظ، فلا يمكن أن يصيبك شيء لم يقدره الله، ولا يمكن أن يخطئك شيء قدر الله عليك أن يقع، وقال له: ائت عبد الله بن مسعود، فأتى عبد الله بن مسعود فأخبره مثل ذلك، قال: وائت حذيفة، فأتى حذيفة فقال له مثل ذلك، قال: وائت زيد بن ثابت فأتاه، فكلهم حدثوه بمثل ما حدثه به أبي بن كعب.

وفي بعض ألفاظه: أن من لم يؤمن بهذا أحرقه الله في النار.

والحديث إسناده صحيح، وأبو سنان هو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني الكوفي: ثقة، والحديث مرفوع من حديث زيد بن ثابت، وموقوف من حديث أبي بن كعب وابن مسعود وحذيفة بن اليمان.

وابن الديلمي هو أبو بسط عبد الله بن فيروز من كبار التابعين الثقات.

ص: 10