المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أبواب الطهارة (12) - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ١٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ أبواب الطهارة (12)

شرح سنن الترمذي -‌

‌ أبواب الطهارة (12)

شرح: باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان؟ وباب: في النضح بعد الوضوء، وباب: في إسباغ الوضوء.

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا كلام لبعض الإخوة يتعلق بمسألة المقبول الذي أوردنا الإشكال عليه بالأمس وهو يقول:

ذكرتم بالأمس إشكالاً وهو فيما يتعلق بمرتبة المقبول عند ابن حجر -رحمه الله تعالى- فإنه قال: السادسة من المراتب في الكلام على أحوال الرواة من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث.

وذكرتم أنكم تتطلبون الفرق بين الأحكام على هؤلاء الرواة: الضحاك بن حمرة ضعيف من السادسة، الضحاك بن نبراس لين الحديث من السابعة، الضحاك المعافري مقبول من السادسة.

هذا الكلام كله ذكرناه بالأمس، ثم قال:

وبحثت عنها في التقريب فوجدت أمثلة لهذا الإشكال.

أنا ما قلت: إن ما في التقريب إلا هذه الأسماء الثلاثة، فيه كثير ممن حكم عليه بمقبول، وكثير ممن حكم عليه بلين، وكثير أيضاً ممن حكم عليه بضعيف، وأتيت بهؤلاء الثلاثة؛ لأن تراجمهم متقاربة كلهم اسمهم: الضحاك، يعني تكاد تكون في صفحة واحدة من التقريب الأسماء الثلاثة، ولم أقصد بذلك الاستيعاب، قلنا: إن المقبول كثير في التقريب، والضعيف كذلك، واللين كذلك.

قال: وبحثت عنها في التقريب فوجدت أمثلة لهذا الإشكال عباد الأسدي الكوفي ضعيف من الثالثة، عباد بن أبي علي البصري مقبول من الرابعة، عباد بن ميسرة المنقري لين الحديث من السابعة.

هذه أيضاً تصلح أمثلة لكن ليس على سبيل الحصر.

ص: 1

يقول: وقد توجه -والله أعلم- حل لهذا الإشكال عندي: وهو أن من الأسانيد ما يقبل الحكم عليها، إما بإطلاق الصحة، إما بإطلاق الصحة على الإسناد لكون رجاله متسلسلين بالثقات وهو متصل، أو بإطلاق الضعف لوجود راوٍ ضعيف أو لين، وبعض الأسانيد لا يقبل هذا الحكم الإجمالي، بل لا بد من الفحص والبحث والتنقيب، مثل من قيل فيه: مقبول حتى نتأكد من المتابعة أو لا، ومثله من قيل فيه: صدوق يخطئ حتى نعرف هل هو من صوابه أو من خطأه، ومثله من قيل فيه: صدوق يهم، فلا نحكم على السند إجمالاً حتى يتبين لنا هل هذا الحديث مما وهم فيه أو ما تيقن فيه.

مفاد كلام الكاتب -وفقه الله- أننا حينما نحكم على الإسناد المجرد، الإسناد المجرد، الإسناد الخاص لحديث ما، وقد وجد فيه ضعيف نقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وجد فيه لين، نقول: الإسناد، الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وجد فيه مقبول نتوقف، لا نحكم عليه بالصحة ولا بالضعف حتى نبحث، فإن وجدنا له متابعاً قبلناه وإلا رددناه إلى لين وضعفناه، وأنا أقول: لا يزال الإشكال باقياً، لا يزال الإشكال باقياً، كوننا نتوقف عن الحكم عليه لا يعني أننا نقبله، مما يفيد فيه لفظ مقبول حيث يتابع، فإننا لا نستطيع أن نحكم على هذا الراوي بأنه مقبول إلا إذا وجدنا متابعة.

ص: 2

يعني الكلام الذي ذكره الأخ يعني في ظاهره أوجد فرقاً، لكن في باطنه وحقيقة الأمر لا فرق؛ لأنه حيث نتوقف في حديث المقبول حتى نجد المتابع، وكوننا نجزم برد حديث الضعيف أو اللين دون النظر فيه، إذا وجدنا متابع لهذا الضعيف أو لهذا اللين، فما الحكم؟ ألا يرتقي؟ وإذا حكمنا على حديث بأنه ضعيف هل معنى هذا أننا أجهزنا على الحديث ووجوده مثل عدمه بالكلية؟ لا ليس الأمر كذلك، بل نبحث عما يرقيه، فإن وجدنا قبلناه سواء في ذلك الحديث الضعيف الذي ضعفه ليس بشديد، أو حديثه أو راويه ممن وصف بأنه لين، وهذا الضعف أيضاً ليس بشديد، فإن وجدنا ما يتابعه قبلناه وإلا فلا، وكذلك المقبول سواءً حكمنا عليه بالضعف حتى نجد المتابع، أو توقفنا فيه حتى نجد المتابع لا فرق؛ لأننا ما دمنا متوقفين فيه فإننا لن نعمل به، لن نعمل حتى نجد المتابع، وهذا الفرق في نظري لا يحل الإشكال، لا يحل الإشكال، اللهم إلا عند من يقول: إن الضعيف لا يقبل الترقية مهما كان ضعفه، وأن المتقدمين لا يقوون بالطرق، كما يتردد على لسان بعض الناس، وإن كان فيه ما فيه الكلام، الكلام فيه ضعف، وإلا لا يختلف اثنان في أن الحديث الذي يأتي من طريقين أقوى من الحديث الذي يأتي من طريق واحد مساوٍ لأحد الطريقين، فالإشكال باقٍ، الإشكال باقي، سواءً حكمنا مباشرة أو حكمنا عليه بالتوقف ثم بحثنا عن متابع، علماً بأننا نحكم عليه باللين حتى نجد المتابع، حتى نجد المتابع.

يقول: وبعض الأسانيد لا يقبل هذا الحكم الإجمالي، بل لا بد من الفحص والبحث والتنقيب مثل من قيل فيه: مقبول حتى نتأكد من المتابعة أو لا.

يعني لو نظرنا إلى مرويات هؤلاء الذين قيل فيهم: مقبول أو لين، يعني إذا كان حكم ابن حجر ناتج عن استقراء تام لمرويات هؤلاء الرواة، وأنه وجد أحاديث من قال فيه: مقبول في الجملة أقوى من أحاديث من قيل فيهم: لين، فهذا ينفع عند التعارض، فهذا ينفع عند التعارض، فإذا تعارض حديث من قيل فيه: لين ووجدنا له متابع مع حديث من قيل فيه: مقبول ووجدنا له متابع فإننا نقدم حديث من قيل فيه: مقبول، وهذا عند التعارض لا عند أصل الحكم على الأحاديث.

ص: 3

يقول: ومن القواعد عند أئمة النقد من المحدثين القول في الراوي الذي فيه تفصيل غالباً ما يكون صواباً مثل ما نقل عن يحيى بن معين في جرير بن حازم فقال عنه: ثقة إلا في قتادة فهو ضعيف، يقول: أرجو النظر في هذا الكلام وتعليقكم عليه، والله أعلم.

على كل حال هو يدل على عناية واهتمام لا شك، وشيء من الخبرة والدربة، لكنه لم يحل الإشكال، الإشكال عندي ما زال باقياً.

يقول: ما هي أفضل طريقة لضبط التقريب، أرجو توضيح طريقة عملية في ذلك؟

ص: 4

الحفظ المجرد قد لا يثبت في الذهن، وإنما يثبت بالتطبيق، يثبت بالتطبيق، ولذا من قرأ في إرشاد الساري أو حتى الكرماني، إذا انتهى من الكتاب يكون عنده تصور عن رجال البخاري أكثر مما لو قرأ تراجمهم في التقريب؛ لأن الراوي مربوط بمرويه، التصور يكون تام، وأيضاً عبارة هؤلاء أبسط من عبارة التقريب، فيستفيد من قرأ في الشروح ونظر في الرجال، لكن من أراد كيفية حفظ الرجال بما قيل فيهم من أقوال أهل العلم يجعل التقريب محور، يقارنه بما في الكاشف والخلاصة، فإذا انتهى رجع مرة أخرى، فراجع عليه تهذيب الكمال، وتقريب التهذيب بزياداته، فينظر كيف انتقى ابن حجر هذه اللفظة التي لا يقل بها أحد من أهل العلم من أقوالهم التي قد تبلغ عشرين، ابن حجر ينتقي لفظ مناسب لحال هذا الراوي من وجهة نظره، من وجهة نظره هو، فينظر في أقوال أهل العلم في هذا الراوي فيرى أن التوسط فيه أن يقال: صدوق، نص بعضهم على أنه يخطئ قال: ربما يخطئ، وإذا نص أكثر من ذلك على أنه يخطئ قال: صدوق يخطئ، وهكذا إذا كانت الأقوال متجهة إلى توثيقه قال: ثقة، وإذا كانت الأقوال متجهة أو أكثرها متجه إلى تضعيفه قال: ضعيف، وهكذا فهذا اجتهاد ابن حجر، ووقفنا على اختلاف في أحكامه على الرواة في التقريب وفي مؤلفاته الأخرى، فعبيد الله بن الأخنس من رواة البخاري، قال فيه في فتح الباري: ثقة، ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، لماذا؟ لأنه استصحب الخبر الذي رواه في صحيح البخاري، وغفل عنه في التقريب، نظر في أقوال أهل العلم وغفل عما قرره في الفتح، وعن روايته في الصحيح، فقال: عبيد الله بن الأخنس صدوق، قال ابن حبان: يخطئ، فلنعلم جميعاً أن الأحكام في التقريب اجتهادات بشر، نعم حافظ ومطلع وصاحب استقراء واطلاع واسع وصاحب فهم ثاقب ولكنه ليس بمعصوم، فطالب العلم المبتدئ يمكن أن يتدرب ويتمرن على التقريب لا بأس، كما يتمرن على كتب المصطلح المؤلفة للمتأخرين، لا مانع، لكنه إذا تأهل صارت لديه الأهلية لا يعول على التقريب، يعني لا يكتفي بالتقريب، يراجع التقريب ثم يراجع كلام أهل العلم، فقد يخالف، يخالف ما جاء في التقريب، الرجل ثقة لماذا أنزله ابن حجر إلى مرتبة صدوق؟ الرجل ضعيف في أقوال

ص: 5

أهل العلم، المترجح منها أنه ضعيف لماذا رفعه الحافظ إلى صدوق؟ فمثل هذا لا بد أن يكون اعتباره في ذهن طالب العلم وهو يراجع التقريب، نعم من شيوخنا من يراجع التقريب ولا يراجع غيره، ومعوله عليه في الجملة، لكن هذا في اعتباري وتقديري ليس بسديد، يعني التعويل عليه وعدم النظر في غيره، نعم من ليست لديه أهلية من المبتدئين يريد أن يتمرن لا ليحكم حكماً جازماً به، ملزماًَ به غيره، له أن يعتمد على التقريب كما يعتمد متون الفقه، وكما يعتمد كتب المصطلح عند المتأخرين، أو أصول الفقه عند بعض المذاهب، المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من العناية بها.

الذي تسعفه الحافظة، ويستطيع أن يحفظ يمسك التقريب ويحفظه مثل ما يحفظ الزاد، وإذا قيل: إن حفظ الزاد مهم فحفظ التقريب أيضاً مهم، لكن يبقى أنه مثل ما قلنا: لا بد أن يعنى بالأحكام، لماذا اختار ابن حجر هذا اللفظ لهذا الراوي؟ لماذا اختلف قوله في التقريب وفي غيره من مؤلفاته؟ نجد اختلاف في عدد سجل أظن ثلاث رسائل، اختلاف أقوال الحافظ ابن حجر في التقريب مع أقواله في فتح الباري أو التلخيص أو غيرهما من كتبه، فهو حينما يحكم على الراوي في الفتح مثلاً، نأخذ مثلاً ابن لهيعة ثلاثة عشر من العلماء ضعفوه، ووثقه عدد قليل جداً، ووثقه بالنظر الخاص إلى رواية العبادلة بعضهم، فالجمهور على تضعيفه، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق، وقال في أكثر من موضع من فتح الباري: ضعيف، وقال في موضع في حكمه على حديث قال: أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن مع أن فيه ابن لهيعة، فمثل هذا يجعل طالب العلم لا سيما الذي لديه الأهلية لا يتعجل في أخذ الحكم من التقريب، لا سيما إذا كان الراوي في الصحيحين أو في أحدهما؛ لأنه قد يقول مثلاً: صدوق يخطئ، مثل ما قال في عبيد الله بن الأخنس وهو من رجال الصحيح، فمثل هذا لا يتعجل فيه، فعندي أن التخريج للراوي في الصحيحين أقوى بكثير من أقوال من جرح هذا الراوي، اللهم إلا إذا كان التجريح نسبي، إضافي، بالنسبة لراوي من الرواة فيتقى بالنسبة لهذا الراوي، كما أشار أخونا كاتب الرسالة.

ص: 6

بعض الناس لا يستطيع أن يحفظ لا متون الأحاديث، ولا أسانيد الأحاديث، فمثل هذا يوصى -وذكرناه مراراً- أنه بالنسبة للأسانيد يعنى بالسلاسل المشهورة التي يروى بواسطتها أحاديث كثيرة، وتعرف هذه السلاسل بواسطة تحفة الأشراف، سند واحد مكون من أربعة رواة فيه مائة حديث، أنت إذا حفظت هؤلاء الأربعة فلان عن فلان عن فلان ارتحت من مائة سند، وهكذا تبدأ بالأكثر ثم الذي يليه ثم الذي يليه، على سبيل التدلي، هذا بالنسبة للنظر في الأسانيد وبالنسبة لما قيل في الرواة ممن لا .. ، أقول: بالنسبة لحفظ ما قيل في الراوي من الأقوال يكون المحور مثلاً التقريب، فيراجع في هذا الراوي الراوي الأول يراجع فيه في العرضة الأولى الكتب المختصرة الكاشف والخلاصة، ويسجل قال الذهبي كذا، وقال في الخلاصة كذا، إلى أن ينتهي، ثم يعود إلى الكتاب مرة ثانية، فيراجع عليه المطولات، ولو اكتفى في هذه المرة بتهذيب الكمال للحافظ المزي وتهذيبه للحافظ ابن حجر بزياداته يستفيد كثيراً، وتتكون لديه الأهلية أهلية الموازنة بين أقوال أهل العلم في الراوي بعد النظر في كتب المصطلح، والنظر أيضاً في مواقع الاستعمال عند أهل العلم، في مواقع الاستعمال عند أهل العلم، فابن حجر مثلاً على سبيل المثال عندنا بيجينا راوي العلاء بن عبد الرحمن، العلاء بن عبد الرحمن قال: هو ثقة عند أهل الحديث يقوله الترمذي، يعني ملاحظة مواقع الاستعمال عند أهل العلم مهمة جداً، يقول الترمذي: العلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني الحرقي ثقة عند أهل الحديث، وفي التقريب صدوق ربما وهم، صدوق ربما وهم، مع أنه مخرج له عند مسلم، فإذا نظرنا إلى مواقع الاستعمال ما نظرنا النظر المجرد، علم نظري فقط نستفيد كثيراً، ونضير ذلك ما ذكرناه في المناسبات بالنسبة للتفقه من كتب السنة، التفقه من كتب السنة لا يكون .. ، إن كانت الحافظة تسعف وأراد أن يحفظ الكتب بأسانيدها بتراجمها بآثارها بفقه أهل الحديث طيب، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف ليجعل المحور صحيح البخاري، ويراجع عليه الكتب الأخرى مثل ما شرح، وأفضنا فيه في مناسبات كثيرة.

سم.

ص: 7