الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"وحديث بريدة في هذا غير محفوظ" حديث بريدة في هذا غير محفوظ، وفيه كلام العيني السابق في قول الترمذي: في هذا نظر؛ لأنه البزار أخرجه بسند صحيح، قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا عبد الله بن داود قال: حدثنا سعيد بن عبيد الله قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من الجفاء أن يبول قائماً)) يعني أشار إليه الترمذي ولم يذكره، وهو مخرج عند البزار بسند صحيح
…
الحديث، وقال: لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبيد الله، أخرجه البزار بسند صحيح وهو يريد أن يتعقب الترمذي، ونظّر في كلامه قال: هذا فيه نظر، لكن الشارح المبارك فوري، وهذا سبق أن ذكرناه مقارنة بقول الشيخ أحمد شاكر السابق: الترمذي من أئمة هذا الشأن فقوله حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه، وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ.
"ومعنى النهي عن البول قائماً على التأديب لا على التحريم" حديث بريدة الذي فيه أن من الجفاء أن يبول قائماً وحديث عائشة رضي الله عنها وغيرهما من الأحاديث التي بمجموعها تدل على أن المنع من البول قائماً وأنه من الجفاء، وأن من حدث أن النبي عليه الصلاة والسلام بال قائماً فقد كذب، كل هذا مصروفة عن وجهها عن المنع الجازم إلى التأديب لا على التحريم، والصارف حديث حذيفة الآتي.
"وقد روي عند عبد الله بن مسعود أنه قال: من الجفاء أن تبول وأنت قائم" والجفاء غلظ الطبع، وأنت قائم جملة حالية، وحديث ابن مسعود هذا يقول المبارك فوري: لم أقف على من وصله، ذكره الترمذي معلقاً ولم يقف المبارك فوري على من وصله، نعم.
سم.
عفا الله عنك.
باب: الرخصة في ذلك:
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال عليها قائماً، فأتيته بوضوء فذهبت لأتأخر عنه فدعاني حتى كنت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه".
قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يحدث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح، وسمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول: سمعت وكيعاً فذكر نحوه، قال أبو عيسى: وهكذا روى منصور وعَبيدة
…
عُبيدة.
عفا الله عنك.
وهكذا روى منصور وعُبيدة الضبي عن أبي وائل عن حذيفة مثل رواية الأعمش، وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي وائل عن حذيفة أصح، وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً، قال أبو عيسى: وعُبيدة
…
وعَبيدة
وعَبيدة بن عمرو السلماني روى عنه إبراهيم النخعي، وعبيدة من كبار التابعين، يروى عن عبيدة أنه قال: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وعُبيدة الضبي صاحب إبراهيم، هو عبيدة بن معتب الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في ذلك" في الطبعة الهندية: "باب: ما جاء من الرخصة في ذلك".
"حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش" سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي ثقة حافظ "عن أبي وائل" شقيق بن سلمة ثقة مخضرم "عن حذيفة" الصحابي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم" سباطة قوم السباطة المزبلة الكناسة، محل إلقاء الكناسة والقمامة، سباطة قوم الإضافة هذه للاختصاص لا للملك؛ لأنها مشتملة على نجاسة والنجاسة لا تملك، ليست بمال فلا تملك فأضافتها إضافة اختصاص "فبال عليها قائماً" ولكونها لا تملك لم يستأذن النبي عليه الصلاة والسلام من أهلها، ممن أضيفت إليهم "فأتيته بضوء فذهبت لأتأخر عنه" في هذا الموضع، وفي هذا المكان، وفي هذا الظرف يحسن الابتعاد عنه "فذهبت لأتأخر عنه فدعاني" وفي رواية البخاري:"فأشار إليّ" وليس في هذا دليل على جواز الكلام حال قضاء الحاجة؛ لأنه بالإشارة دعاه "فدعاني حتى كنت عند عقبيه، فتوضأ عليه الصلاة والسلام ومسح على خفيه" النبي عليه الصلاة والسلام انتهى إلى هذه السباطة، وهي بين المساكن والبيوت، ولم يبعد على عادته عليه الصلاة والسلام على ما سيأتي أنه إذا أراد المذهب أبعد، إما لكونه عليه الصلاة والسلام-كان مشغولاً بمصالح المسلمين حتى احتاج إلى البول وتأخيره فيه ضرر، أو لتمكنه بالاستتار بالحائط الذي أمامه وبحذيفة من خلفه يستره، ففعله عليه الصلاة والسلام لبيان الجواز إذا تم ذلك، إذا تم الاستتار وأمن الرشاش يجوز ذلك، يجوز البول قائماً، ويجوز عدم البعد أثناء قضاء الحاجة، ومنهم من يقول: إن الذي يحتاج إلى البعد هو الغائط لا البول، البول لا يحتاج إلى بعد؛ لأنه ليست له رائحة مثل الغائط، ولا يمكن أن يخرج معه صوت كما لو كان في الحال الأخرى، فإذا أراد المذهب يعني إلى الغائط أبعد، أما بالنسبة إلى البول فلا يحتاج إلى بعد، ولا شك أن البول أخف من الغائط، وعلى كل حال الاستتار واجب على الناس، والبول في أماكنهم وطرقهم أمر محرم، فلا بد أن يذهب إلى مكان بحيث لا يكون في طريق الناس ولا في ظلهم، ولا الأماكن التي يحتاجون إليها.
"قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يحدث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم" هذا الحديث عند الجماعة عند السبعة مخرج في المسند والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرها من دواوين الإسلام، فهو أصح في هذا الباب أصح ما ورد في هذا الباب، يعني سواء كان البول قائماً أو في المسح، هو أصح من حديث المغيرة وإن كان في الصحيح "هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح" وعلى كل حال المسح متواتر، متواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام "وسمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول: سمعت وكيعاً فذكر نحوه".
"قال أبو عيسى: وهكذا روى منصور" يعني ابن المعتمر السلمي أبو عتاب الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة "وعُبيدة -بن معتب- الضبي" وهو ضعيف عند أهل العلم "عن أبي وائل" شقيق بن سلمة "عن حذيفة مثل رواية الأعمش، وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة" حماد بن أبي سليمان أبو سليمان اسمه: مسلم الأشعري الكوفي، فقيه، صدوق، له أوهام، يعني حماد، وعاصم بن بهدلة بن أبي النجود الأسدي مولاهم، أبو بكر المقرئ، صدوق، له أوهام، حجة في القراءة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة؛ لأنه يشكل أنه إمام مقتدىً به متبع، قراءته متواترة، ومع ذلك إذا بحثنا في ترجمته في كتب الرجال وجدناهم يلمزونه بشيء من الضعف من جهة حفظه، له أوهام، وقع منه أوهام، ولا يعني أن الإنسان إذا كان عالماً إمام مجتهد في باب من أبواب الدين أن يكون في بقية الأبواب كذلك، ولا يعني أنه يكون وزنه أخف في باب أن يكون كذلك في باب أخر، ولذا يثير بعض المغرضين في هذه الأيام حينما كثر إثارة الشبهات في هذه القنوات وهذه الوسائل يقال: كيف يعتمد على قراءة شخص مرمى بالضعف وسيئ الحفظ؟ كيف يعتمد عليه في قراءة القرآن؟ نقول: نعم يعتمد عليه في هذا الباب، وهو إمام من أئمة المسلمين في القراءة، أما في الحديث فلا يلزم أن يكون حافظاً من حفاظ الحديث، القرآن محفوظ بين الدفتين يحفظه جل المسلمين من عامي ومتعلم، العامي يحفظ القرآن ويش المانع؟ عامي يحفظ القرآن ولا يحفظ من الحديث شيء، طفل صغير يحفظ القرآن، وقد لا يقرأ الحديث، قد لا يعرف يقرأ الحديث، فكون الإمام عاصم -رحمه الله تعالى- إمام في القراءة لا يعني أنه إمام في الحديث، وضعفه في الحديث لا يعني ضعفه في القراءة، كما أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله مضعف في رواية الحديث، ومرمي بسوء الحفظ، أحد ينكر أو يطعن في إمامته في الفقه؟ لا يمكن، هو عند المسلمين هو الإمام الأعظم، إمام فقيه لا يمكن أن يقدح أحد في فقه، نعم أصوله التي أعتمد عليها في بعضها شيء مما يمكن أن يلاحظ، لكن يبقى أنه إمام بشهادة الخاص والعام، ولا يطعن ذلك في فقهه أن يكون عند أهل الحديث سيء الحفظ، وقد يكون إمام في التفسير وضعيف في
الحديث، إمام في الحديث عنده خلل في علوم أخرى؛ لأن العلوم متكاملة لا يمكن أن يحاط بها، والتخصص معروف من القدم، ولا شك أن التفنن أفضل والجمع بين العلوم كلها أفضل وأكمل يبقى أنه إذا كان لا يمكن أن يجمع بين أكثر من علم فيتخصص في علم واحد لا مانع من أن يتخصص فيه بحيث يلم به ويعرفه من جميع أطرافه، ويتقنه ويضبطه ويكون مرجعاً في هذا العلم، وبهذا يوصى بعض طلاب العلم الذين يتشتتون إذا دخلوا في أكثر من علم، يقال له: تلزم هذا العلم تنتفع وينفع الله بك، لكن إذا كان لا يتشتت بإمكانه أن يحفظ الحديث وبإمكانه أن يعرف التفسير، وبإمكانه أن يضبط العلوم الأخرى هذا هو الأصل؛ لأن العلوم مترابطة يفيد بعضها بعضاً، وبعضها معتمد على بعض.
القرآن ضبطه وحفظه، حفظ حروفه هذا أمر مستقل عن جميع العلوم، وهذا فضل من الله -جل وعلا- أن يسره للأمة وجعل من الأمة من يضبطه ويتقنه بحيث لا يخل بنقطة، ويكون مرجعاً للناس في هذا الباب وإن كان ضعيفاً في أبواب أخرى، فلا وجه لمن طعن في عاصم لأنه غمز في حفظه بالنسبة للحديث، معروف الحديث كثير من الناس يحفظون القرآن لكن كم يحفظون من الأحاديث؟ قد يحفظ القرآن ولا يستطيع أن يحفظ البلوغ فضلاً عن أن يحفظ البخاري ومسلم وبقية الكتب، حفظ السنة فيه وعورة وفيه صعوبة، وكان الناس على يأس تام من حفظ السنة لكن الله -جل وعلا- يسر لهم وقيض لهم من فتح لهم الأبواب، وبث فيهم الآمال بأن الحفظ لم ينقطع، وأنه ممكن، كان الناس على يأس من الحفظ، غاية ما هنالك أن يحفظ البلوغ ويتوقف الإنسان، لكن ضرب الإخوان أمثلة يعني رائعة، يوجد من يحفظ زوائد البيهقي، يوجد من يحفظ زوائد المستدرك شيء عظيم، يعني ما كان الناس يؤملون أن يوجد مثل هذا، وإذا وجد من يفتح الباب لطالب العلم من أول الأمر لا شك أن هذا من علامة توفيقه، أن يفتح له الباب وأن ييسر له السبيل إلى طلب العلم من وجه ومن أبوابه وعلى الجادة، هذا لا شك أنه دليل على أن الله -جل وعلا- أراد به الخير، فهؤلاء الذين فتحوا هذا الباب لطلاب العلم باب الحفظ لا شك أنهم سنوا سنة حسنة نرجو أن يكتب لهم أجرها وأجر من علم بها إلى يوم القيامة.
وعلى كل حال الطعن في عاصم بالنسبة للحديث لا يعني أنه مطعون به بالنسبة للقرآن فهو إمام حجة في القراءة.
يقول: "وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي وائل عن حذيفة أصح" يعني أصح من حديثه عن المغيرة، وجنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين؛ لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصماً، كلام الترمذي -رحمه الله تعالى- حينما رجح حديث أبي وائل عن حذيفة عن حديثه عن المغيرة بن شعبة، لماذا؟؛ لأن حديث وائل عن حذيفة مروي من طريق منصور بن المعتمر، وحديثه عن المغيرة مروي عن حماد بن سليمان وعاصم بن بهدلة ولا شك أن منصوراً أوثق منهما وأقوى.
هنا يقول في الحاشية: قال ابن حجر روى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصماً رواه له عن أبي وائل عن المغيرة، قال عاصم: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة، وما حفظه يعني أن روايته هي الصواب، قال شعبة: فسألت عنه منصوراً فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة يعني كما قال الأعمش، يعني إذا جعلنا الأعمش ومنصور في كفة، ووضعنا حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة في كفة لا شك أن الأعمش ومنصور أرجح، وأهل العلم يعلون بمثل هذا، رواية الأرجح هي المحفوظة، والمرجوح هي الشاذة، تكون غير محفوظة، ولا يمنع أن تكون جميع الروايتين محفوظتان، لكن ما دام حكم الإمام الترمذي بأنها أصح لا بد أن يكون هناك مغمز في روايتهما، ولا شك أن الأعمش ومنصور أرجح من حماد وعاصم.
يقول: "وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً" واحتجوا بحديث حذيفة، وقد رواه الجماعة، وحديث عائشة مستند إلى علمها، وخفي عليها ما علمه حذيفة، ولا شك في جواز البول قائماً إذا أمن الرشاش واستتر، لا شك فيه؛ لأن ثبت عنه وهو قدوة، وقد رواه عنه السبعة لا مطعن فيهم، مخرج في الصحيحين وغيرهما، فإذا وجد الشرط أمن الرشاش واستتر؛ لأن كلاً من عدم الاستتار ووجود الرشاش كله محرم، فإذا أتقي هذا المحرم جاز، وبعضهم علل بوله عليه الصلاة والسلام قائماً أنه كان لوجع كان بمئبضه عليه الصلاة والسلام يعني باطن الركبة، لا يستطيع أن يثني الركبة فبال قائماً، وقال بعضهم: إن العرب كان تستشفي بالبول قائماً من وجع الصلب، فالنبي عليه الصلاة والسلام إنما فعله لحاجة، ولا شك أن فعله دليل على الجواز، وما دام هو القدوة لا كلام لأحد مع فعله عليه الصلاة والسلام.
قال بعضهم: ينبغي أن يمنع، لماذا؟ لأنه عمل غير المسلمين، الكفار يبولون من قيام، فينبغي أن يمنع، ولا وجه لمنعه ما دام ثبت عن القدوة، ما دام ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام لا وجه لمنعه، كما قال بعضهم ينبغي ما دام اليهود والنصارى الآن بدؤوا يعفون لحاهم فمن باب مخالفتهم أن نحلق، ما دام فعله والأمر به ثابت عن القدوة فلا كلام لأحد.
"قال أبو عيسى: وعَبيدة بن عمرو السلماني" المرادي مخضرم، مات قبل سنة سبعين "روى عنه إبراهيم -بن يزيد بن القيس بن الأسود- النخعي" الفقيه، "وعبيدة من كبار التابعين، يروى عن عبيدة أنه قال: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وعبيدة الضبي
…
" يريد أن يفرق بين وعَبيدة وعُبيدة "وعبيدة الضبي صاحب إبراهيم هو عبيدة بن معتب الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم".
والترمذي كما يقول الشيخ أحمد شاكر: يريد بهذا البيان الفرق بين شيخين يخشى من الغلط فيهما، أحدهما شيخ لإبراهيم النخعي، والآخر تلميذ للنخعي، فالأول عَبيدة بفتح العين المهملة ابن عمرو السلماني، والآخر عُبيدة بضم العين المهملة ابن معتب الظبي، والأول من كبار التابعين الثقات، والأخر من أتباع التابعين، وسيئ الحفظ، ضعيف الرواية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.