المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم من حد في شرب الخمر فمات - شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال - جـ ٦٦

[حسن أبو الأشبال الزهيري]

الفصل: ‌حكم من حد في شرب الخمر فمات

‌حكم من حد في شرب الخمر فمات

قال النووي في قوله: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يسنّه) معناه: (لم يقدر فيه حداً مضبوطاً).

وقلنا: اختلف أهل العلم في حد شارب الخمر، فمنهم من قال: أربعين.

ومنهم من قال: ثمانين.

ومنهم من قال: حد النبي صاحب الخمر بنحو أربعين، وكلمة (نحو) تفيد أن الحد غير مضبوط، لكن الغالب -وهو مذهب جماهير الفقهاء- أن حد شارب الخمر أربعون جلدة، وما زاد على ذلك -كما فعل عمر رضي الله عنه: أنه حد شارب الخمر بثمانين جلدة.

ووافقه علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في بعض الروايات- فهو من باب التعزير.

إذاً: الاتفاق بين جماهير العلماء: أن الحد أربعون، وأن الزيادة على الأربعين هي من باب التعزيز مردها إلى الإمام.

ولذلك قال النووي: (وقد أجمع العلماء على أن من وجب عليه الحد جلده الإمام أو جلاّده الحد الشرعي).

يعني: إما أن يباشر الجلد الإمام أو القاضي أو الجلاّد أو من ينوب عن الإمام عموماً، ولو أنه باشر الحد بنفسه أو بنائبه، فمات المحدود فلا دية له ولا كفارة عليه.

لو أن السلطان قال مثلاً: هذا شرب الخمر فأقيموا عليه الحد.

فبينما الجلاد يجلده مات أثناء إقامة الحد.

فهل له دية؟ أو هل على الأمير أو الجلاد كفارة؟ قال جماهير العلماء: ليس على الإمام ولا على جلاّده ولا على بيت المال كفارة ولا دية.

يعني: لا تلزم الجلاّد ولا الأمير كفارة ولا دية، لا من ماله ولا من بيت مال المسلمين.

والمعلوم أن هذا لو تم فإنه قتل على سبيل الخطأ لا العمد؛ فإذا حُد فلان من الناس في جناية ارتكبها فمات في أثناء الحد، فالذي كان يقيم عليه الحد لا يقصد بإقامة الحد قتله، إلا أن يكون الحد الرجم، فإنما قصد الراجم إزهاق المرجوم؛ لأن الشرع أذن بذلك.

أما إذا كان الحد جلداً فالمعلوم أن الجلاد لا يقصد بذلك القتل، فلو وقع القتل يكون خطأً، ودية القتل الخطأ يكون على العاقلة.

وأما قتل العمد، فإنه إذا تنازل أولياء المقتول عن القصاص -أي: النفس بالنفس- ستكون الدية في مال القاتل إذا كان القتل عمداً، أما إذا كان خطأً فقولاً واحداً: أن الدية تلزم العاقلة.

والعاقلة: هم عصبة القاتل، فالدية تلزم من مالهم: وأنتم تعرفون الفرق بين الحد والتعزير، فالحد: ذكر في القرآن أو ذكر في السنة حداً محدوداً بأعداد معدودة ومضبوطة بغير زيادة ولا نقصان، ولذلك من الفروق بين التعزير وبين الحد: أن الحد إذا بلغ أمره إلى السلطان فلا شفاعة فيه، ولا اختيار للسلطان فيه، بل لا بد أن يقيمه بغير زيادة ولا نقصان، فالزاني غير المحصن يجلد مائة جلدة، فلا يمكن أن يجلد تسعاً وتسعين جلدة، بل لا بد أن يكون مائة جلدة، ولا يمكن أن تكون مائة جلدة وجلدة؛ لأن الشرع سماها حدوداً.

أي: محدودة، ومفروضة، ومضروبة على نحو واحد وجهة واحدة، فلا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان عنها بخلاف التعزير، إذ إن التعزير راجع إلى المعزر أياً كان: السلطان، أو الزوج على زوجه، أو الوالد على ولده، فابنك إذا أخطأ خطأً ليس لك أن تضربه أكثر من عشر ضربات؛ لأنه لا يضرب أكثر من ذلك إلا في حد من حدود الله عز وجل، فأقصى حد للتعزير من جهة الضرب عشر جلدات، وما زاد على ذلك فهو إثم للضارب أو المعزر، ولك أن تعدل إلى أقل من ذلك، بل لك أن تعدل عن الضرب كله وتكتفي بتوجيه اللوم والتوبيخ والتقريع، وتستمر في تأنيبه النهار كله؛ وذلك لأنه بهذه الطريقة يصلح وينضبط، فمن الناس من لا يحب أن يشتم أو يهان، ولكنه ينصاع بالعتاب الرقيق، ومن الناس من ينصاع وينضبط بنظرة، عندما تنظر إليه نظرة استنكار يرجع عما فعل، وإن كانت المرأة لا يجدي معها إلا الضرب فتضرب ضرباً لا يكسر عظماً ولا يسيل دماً كما قال عليه الصلاة والسلام.

إذاً: التعزير راجع إلى اجتهاد المعزِّر ونظرته إلى المعزر، وأي وسائل التعزير تنفعه.

ص: 3