المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الصلاة (6) - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ١٠

[عبد الكريم الخضير]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ كتاب الصلاة (6)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: عمدة الأحكام -‌

‌ كتاب الصلاة (6)

الشيخ: عبد الكريم الخضير

وإذا توالت هذه المنظفات أكثر من منظف، ثلاثة منظفات هل يبقى من الدرن شيء؟ يعني افترض أنك غسلت الثوب بماء وصابون وشامبو، ثلاثة أشياء لا تُبقي شيئاً.

دعاء الاستفتاح سنة عند جمهور أهل العلم، ويرى المالكية عدم مشروعيته للحديث الآتي، فيقول: الله أكبر الحمد لله رب العالمين، دون استفتاح، ولا تعوذ ولا بسملة، هذا عند المالكية، الجمهور يستدلون بمثل هذا الحديث، ويرون استحباب دعاء الاستفتاح، وجاء في استفتاحاته عليه الصلاة والسلام صيغ متعددة، ومن أشهرها بل من أصحها هذا المذكور لأنه متفق عليه، وفي صحيح مسلم من حديث عمر موقوفاً عليه "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك"

إلى آخره، ورجحه الإمام أحمد لوجوه ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، يرجع إليه من أراده، وجاء استفتاح لصلاة الليل، وجاء استفتاحات أخر، واختلافها من باب اختلاف التنوع، وليس من باب اختلاف التضاد، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم الذي يطلع على هذه الأنواع أن يستفتح بها كلها، في كل صلاة يستفتح بدعاء خاص، مره يستفتح بهذا، ومرة بحديث عمر، ومره بالاستفتاحات الأخرى وهكذا، وقيام الليل جاء استفتاحه عن النبي عليه الصلاة والسلام.

يقول: ((اللهم باعد بيني)) هو إمام وإلا منفرد عليه الصلاة والسلام؟ إمام، والصلاة المسئول عنها هو فيها إمام عليه الصلاة والسلام ((باعد بيني)) هل يجوز للإمام أن يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 1

إيه على كل حال جاء في الحديث حديث ثوبان وغيره ((لا يؤمن أحد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم)) وجاء عليه الوعيد، لكن تخصيص الإمام نفسه بالدعاء، كما هنا:((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) ابن خزيمة رحمه الله وهو من أعرف الناس في التوفيق بين الأحاديث المتعارضة، حكم على حديث ثوبان بأنه موضوع؛ لأنه معارض بهذا الحديث الصحيح، لم يبن له وجه الجمع بين هذا الحديث وذاك، شيخ الإسلام يرى أن النهي خاص بالدعاء الذي يؤمن عليه كدعاء القنوت مثلاً، يعني هل يليق بالإمام وخلفه الصفوف يقول: اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، والجماعة يقولون: آمين؟ يليق به هذا؟ يدعو لنفسه وهم يؤمنون؟ لا، لا يليق به هذا، ولا يجوز له أن يخص نفسه بدعوة دونهم في الدعاء الذي يؤمن عليه، كدعاء القنوت، السخاوي يرى أن الدعاء الذي لا يجوز للإمام أن يخص نفسه به هو الدعاء الذي لا يشرع لكل مصلٍ، لكن مثل هذا يشرع لكل مصل أن يقوله، أما إذا دعا الإمام بدعوة في السجود مثلاً، أو بعد نهاية التشهد وقبل السلام، يتخير من المسألة ما شاء، لا يجوز له أن يخص نفسه بالدعوة دون المأمومين، أما ما يشرع لجميع المصلين أن يقولوه، ويشتركون فيه، مثل دعاء الاستفتاح لا يلزم فيه جمع الضمير، وكأن رأي شيخ الإسلام أظهر وأوضح.

ص: 2

وهنا شبه الذنوب والخطايا بالأمور المحسوسة، بحيث توجد في مكان يطلب أن يكون بعيداً كبعد المشرق عن المغرب، وأن تكون هذه الأمور المشبهة بالمحسوس كأنها على بقعة بيضاء، يأتي عليها المنظفات فتزيلها، هذا السكوت الذي بين تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة، سكتة تستوعب دعاء الاستفتاح بالنسبة للإمام والمأموم، وهناك سكتة أخرى إذا فرغ من القراءة كلها، وقبل الركوع يسكت، لا يشبك تكبيرة الركوع بالقراءة، هذا موضع سكوت، وجاء به الخبر، وهناك سكتة ثالثة جاءت في بعض الروايات، وهي بعد قراءة الفاتحة بالنسبة للإمام، يسكت حتى يتراد النفس عنده، ومنهم من يقول: إنه يسكت ليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، لكن سكتة تكون طويلة بقدر قراءة الفاتحة، ولا تنقل نقلاً متستفيظاً هذا فيه ما فيه؛ لأن منهم من يقول: إن على الإمام أن يسكت حتى يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة؛ لئلا ينازع القرآن، ولكي يأتي المأموم بما أمر به، قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تتم إلا بها، وإذا قلنا بهذا قلنا: ما لا يتم إلا الواجب إلا به، ولا يتم التوفيق بين النصوص، بين وجوب الإنصات، وبين وجوب قراءة المأموم إلا بسكوت الإمام، ولذا قال النووي: يسكت قدر قراءة المأموم الفاتحة، يستحبونها استحباباً، والأثر الذي يدل عليها فيه مقال، نعم.

عفا الله عنك.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعداً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السُبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم.

ص: 3

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" يستفتح الصلاة بالتكبير، تكبيرة الإحرام هي مفتاح الصلاة، وسبق الكلام عنها "والقراءة بالحمد لله رب العالمين" هذا يستدل به من يرى عدم الاستفتاح، مجرد ما يكبر يقول: الحمد لله رب العالمين، لكن هل في مثل هذا التعبير والسياق ما ينفي دعاء الاستفتاح، يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، لا يدل على نفي الاستفتاح، بدليل أنه لم يقل: يفتتح الصلاة بالقراءة، يفتتح الصلاة بالتكبير، هذه جملة، ويستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، وما بينهما مسكوت عنه، هو يستفتح الصلاة بالتكبير، ويستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، وما بين القراءة والتكبير مسكوت عنه، دلت عليه أحاديث دعاء الاستفتاح، فليس في هذا مستمسك للمالكية.

ص: 4

"يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين" يستدل بهذا من يقول .. ، وهذا واضح يعني رأي المالكية في عدم الاستفتاح وعدم التعوذ والبسملة يتمسكون بمثل هذا، لكن استفتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين دليل لمن يقول: إن البسملة ليست من الفاتحة لوجوب قراءة الفاتحة، والقراءة تكون بالحمد لله رب العالمين، فيقول: ما دام ما ذكرت البسملة هنا إذاً ليست من الفاتحة، الفاتحة ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب)) هي الفاتحة، وهنا استفتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، إذاً ليس قبل الحمد شيء، النتيجة البسملة ليست من الفاتحة، والخلاف في البسملة هل هي آية من الفاتحة، أو من كل سورة، أو ليست بآية مطلقاً؟ أولاً: الإجماع قائم على أنها بعض آية من سورة النمل {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(30) سورة النمل] هذا إجماع، والإجماع الثاني قائم على أنها ليست بآية في أول سورة التوبة، والخلاف فيما عدا ذلك، منهم من يقول: إنها آية من الفاتحة فقط، ومنهم من يقول: إنها آية في أول كل سورة، يعني مائة وثلاثة عشرة آية في القرآن، في أوائل السور عدا التوبة، ومنهم من يقول: هي آية واحدة، نزلت للفصل بين السور، آية واحدة وليست مائة وثلاثة عشرة آية، نزلت للفصل بين السور، وهذا يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، والخلاف في البسملة هل هي من الفاتحة أو من السور، خلاف طويل، وهي مسألة كبرى، يستدل من يقول بأنها آية باتفاق الصحابة على كتابتها، ويستدل من يقول بأنها ليست بآية بوقوع الخلاف فيها، إذ لو كانت آية لما ساغ الخلاف فيها، وألف فيها مؤلفات، البسملة وهل هي من القرآن؟ نعم فيها مؤلفات لأهل العلم من المتقدمين، وهي مسألة من كبار المسائل؛ لأن الذي يقول: آية، يقول: كيف يختلف بآية والقرآن محفوظ من الزيادة والنقصان لا يتطرق إليها اختلاف؟ والذي يقول: هي آية يقول: اتفق الصحابة على كتابتها، ولم يكتبوا غيرها، ولو لم تكن من القرآن لما ساغ لهم إبطالها، أظن مأخذ القولين واضح.

ص: 5

في الحديث الصحيح: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي))

إلى آخر الحديث، وهذا الحديث يستدل به من يرى أن البسملة ليست بآية من الفاتحة، كما يستدل بحديث الباب "والقراءة بالحمد لله رب العالمين" الذين يقولون: إنها آية، نقول: نعم هي آية من الفاتحة، وافتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، يعني بهذه السورة لا بغيرها من السور، وفي الحديث الصحيح:"صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" وجاء في الصحيح: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، والنص المتفق عليه:"يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" ولم يتعرضوا لنفي البسملة، والحمد لله رب العالمين كأنه علم على السورة، كما تقول: سورة الحمد، ولم يتعرض الراوي لنفي البسملة، لكن ظن بعض الرواة أن كونهم يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فنقل ذلك، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وعلة المتن كنفي البسمله

إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

ص: 6

يعني فقال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، لا في أول القراءة ولا في آخرها، لكن معروف الحديث مخرج في الصحيح، في مسلم، وحمله على وجه يصح هو المتعين صيانة للصحيح، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وابن حجر وجمع من أهل العلم حملوا نفي الذكر على نفي الجهر، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم يعني جهراً، لا يذكرونها فيما يسمعه الناس، ولا يمنع هذا من الإسرار بها، فتتفق الروايات على أن القراءة تبدأ جهراً بالحمد لله رب العالمين، وما يسر به يدخل فيه الاستفتاح، ويدخل فيه التعوذ، ويدخل فيه البسملة أيضاً، والإسرار بالبسملة مما يرجح كونها ليست من الفاتحة، وأكثر الأدلة تدل على الإسرار بها، والإسرار بها هو قول الحنفية والحنابلة وغيرهم، أما الشافعية فيرون الجهر بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأنهم يرونها آية من الفاتحة.

"وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك" لم يشخص رأسه يعني يرفع رأسه {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] يعني ترتفع، شخص البصر يعني ارتفع، ومنه الشاخص، الشيء المرتفع، ومنه الشخص لارتفاعه عن الأرض، المقصود أنه لم يشخص يعني لم يرفع "ولم يصوبه" لم ينزله إلى جهة الأرض، ومنه الصيب، المطر الذي ينزل إلى جهة الأرض "ولم يصوبه" ولكن بين ذلك، يكون باستواء الظهر، وجاء في صفة ركوعه عليه الصلاة والسلام أنه يسوي ظهره، بحيث لو صب الماء على ظهره لاستقر، نلاحظ من كثير من المصلين الخلل في هذا الركن، إما أن يرفع رأسه وظهره أيضاً، أو يحنيه، يهصر ظهره هصراً، بحيث ينزله إلى جهة الأرض "ولكن بين ذلك" فعله عليه الصلاة والسلام بين ذلك، يسوي ظهره.

ص: 7

"وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً" بخلاف بعض من ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة، الذين يقولون: لا يستوي، مجرد ما يرفع رأسه يشعر نفسه أنه انتقل من الركوع يسجد، ومثله إذا انتقل من السجود يهوي إلى السجدة الثانية مباشرة، وهذا النقر مردود بهذا الحديث، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، ومثله إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي قاعداً، وأمر بذلك المسيء في صلاته، أمره بالطمأنينة في هذين الركنين، ثم ارفع حتى تطمئن رافعاً، الطمأنينة مأمور بها، وهي ركن في جميع أركان الصلاة، وإذا لم يكن صنيع هؤلاء هو النقر المنهي عنه فلا نقر.

"وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعداً" عرفنا صفة الركوع، وأما صفة السجود فستأتي في المجافاة، نعم تأتي في المجافاة -إن شاء الله تعالى-.

"وكان يقول في كل ركعتين التحية" في كل ركعتين يعني بعد الركعتين الأوليين تحية، وبعد الركعتين الأخريين تحية، بعد الأوليين التشهد الأول، وبعد الأخريين التشهد الثاني، لكن ماذا عن الثالثة؟ هل بعدها تحية أو لا؟ مقتضى الحديث بعد كل ركعتين، فإذا صلى المغرب وصلى ركعتين، جلس للتشهد الأول، ثم جاء بثالثة مقتضى هذا الحديث في كل ركعتين التحية، أما إذا كانت ركعة واحدة مفهومه أنه لا تحية، والأدلة القطعية دلت على أن التحية تكون بعد الثالثة، وتكون بعد الخامسة، وتكون بعد السابعة، وتكون بعد التاسعة في الوتر، وعند من يصحح الوتر بواحدة، وهو ثابت عن بعض الصحابة، يكون بعدها التحية، لكن هذا ماشي على الثنائية والرباعية، وما عداهما دلت النصوص القطعية عليه.

ص: 8

"وكان يقول في الركعتين التحية" هذا عنوان التشهد، التحيات لله، ويقع في الصلاة تشهد واحد أو أكثر، بعض الصلوات فيها تشهد واحد، وبعضها فيها أكثر من تشهد، فيها تشهدان، فالتشهد الأول الذي يقع بعد الركعتين الأوليين واجب، بدليل وجوبه لأنه جبر بالسجود في حديث عبد الله بحينة على ما سيأتي، ولو كان مندوباً لما احتاج إلى سجود، وعدم ركنيته بدليل أنه لم يرجع إليه لما نبه، فدل على أنه واجب من واجبات الصلاة، وسيأتي تقريره في حديث عبد الله بن بحينة، وأما التشهد الأخير فهو ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به. "وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى" يعني يفرش اليسرى، ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، وهذا يسمى افتراش، وهكذا يجلس في التشهد الأول، والتشهد إذا لم يكن في الصلاة إلا تشهد واحد، وبين السجدتين، يجلس مفترشاً، وجاء ما يدل على أن من السنة أن يجلس على عقبيه بين السجدتين كما في حديث ابن عباس، وأما بالنسبة للتشهد الثاني يخرج رجله اليسرى بحيث تكون تحت ساقه اليمنى، ويجلس على مقعدته كما في حديث أبي حميد وغيره، وعلى هذا الصلاة التي فيها تشهدان دل الدليل على أن الافتراش في التشهد الأول، والتورك للتشهد الثاني، وهذا قول الحنابلة، الحنفية ما عندهم شيء اسمه التورك، كل جلوسهم افتراش، والمالكية ما عندهم افتراش في التشهد، إنما كله تورك، فالأول والثاني كله تورك، الحنفية في الأول والثاني افتراش، والحنابلة الأول افتراش، والثاني تورك، والشافعية يتورك في كل تشهد يعقبه السلام، فمن يوافقون من الأئمة؟ الشافعية؟ يوافقون من؟ في كل تشهد يعقبه السلام، اجب.

الطالب:. . . . . . . . .

من يوافقون؟ في كل تشهد يعقبه سلام، المالكية في الظهر والعصر والعشاء يتوركون في التشهدين، لكن الشافعية ما يتوركون في التشهد الأول، ولا في الثاني إذا لم يعقبه السلام، كيف يكون في التشهد الثاني ولا يعقبه السلام؟

الطالب:. . . . . . . . .

لا ما يصير ثاني، المسبوق ما يصير ثاني له.

الطالب:. . . . . . . . .

ص: 9

ما يكون ثاني بالنسبة للمسبوق، نعم، إن صار عليه سجود سهو، ما يتورك، الحنابلة يقولون: يتورك في التشهد الثاني باستمرار، ويفترش في الأول، الشافعية في صلاة الفجر يتورك وإلا ما يتورك؟ يتورك؛ لأنه يعقبه سلام، في صلاة الظهر إن كان يعقبه سلام تورك وفي الثاني دون الأول، والدليل يدل على صحة ما ذهب إليه الحنابلة من الفرق بين التشهدين.

"وكان ينهى عن عقبة الشيطان" عقبة الشيطان، تبون نجيب منها مثال من ها الجالسين أو لا؟

الطالب:. . . . . . . . .

لا صعب يكون فيه إحراج له، هاه؟

الطالب:. . . . . . . . .

بالوصف ما يخالف، تمثيلها لا بأس، أما يمثل بشخص جالس إحراج له، مع أني إلى الآن ما رأيت من يطبقها تطبيق دقيق ولله الحمد، يجلس على إليتيه، ينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض، هذه عقبة الشيطان، وهي كما يقعي الكلب، مثل الكلب، يرفع الرجلين كلهن، ويضع يديه يستند على يديه في الأرض، يلصق الرجل إليتيه يديه على الأرض، وينصب فخذيه وساقيه، ويرسل يديه على الأرض، يعتمد عليهما، هذه عقبة الشيطان.

"وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع" في رواية: افتراش الكلب، والمراد افتراش الذراعين وهذا قد يفعله بعض الناس إما جهل وإما حاجة، يحتاج إلى أن يضع يديه على الأرض، اليدين الذراعين إلى المرفق على الأرض وهو ساجد، هذا افتراش السُبع المنهي عنه، وقد نهينا عن مشابهة الحيوانات، ونهينا عن نقر الغراب، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش السُبع، ونهينا عن الإشارة عند السلام كأذناب خيل شُمس، يعني باليدين، ونهينا أيضاً عن بروك البعير، ونهينا عن تدبيح الحمار، على كل حال هذه الأمور موجودة في كتب الشروح، ومنظومة، من أرادها يرجع إليها.

ص: 10

"وينهى عن أن يفرش الرجل ذراعيه افتراش السُبع" وكان يختم الصلاة بالتسليم، ولا شك أن الصلاة تفتح بالتكبير وهو مفتاحها، وتختتم بالتسليم، والتسليم ركن عند الجمهور والحنفية لا يرونه، لا يرونه ركناً، بل بمجرد ما ينتهي من التشهد يخرج من صلاته، ولو بالحدث، المقصود أن صلاته انتهت، ويستدلون ببعض طرق حديث ابن مسعود "أنك إذا قلت التشهد فقد تمت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم" وهذا كلام مدرج، وليس من أصل الحديث.

عفا الله عنك.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود.

الحديث الثالث: "عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة" يعني مع تكبيرة الإحرام يرفع يديه، إذا كبر للركوع رفع يديه، إذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه كذلك، وهناك موضع رابع، إذا قام من الركعتين، كما في حديث ابن عمر في البخاري، يرفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

رفع اليدين حذو مقابل المنكبين، والمنكب مجتمع رأس العضد مع الكتف، وجاء ما يدل على رفعهما إلى فروع أذنيه، فمنهم من اختار هذا، حذو المنكبين كالشافعية، ومنهم من اختار كالحنفية فروع الأذنين، ومنهم من قال: يوفق بينهما، يجمع بين النصين، بأن يكون أطراف الأصابع حذو فروع الأذنين، وخلف الكف يكون حذو المنكبين، وإذا أمكن التوفيق فهو متعين، فمنتهى الرفع للأصابع يكون مقابل لفروع الأذنين، وظهور الأكف إلى المنكبين.

ص: 11

رفع اليدين في المواضع الثلاثة أو الأربعة يقول به أكثر أهل العلم من السلف والخلف، والحنفية يقولون: ترفع اليدان مع تكبيرة الإحرام فقط، وهو أيضاً قول عند المالكية، عند تكبيرة الإحرام، أما الرفع عند الركوع مع تكبيرة الركوع ومن الرفع منه، فقال به الشافعية والحنابلة، وعند الشافعية أيضاً وهو مخرج على أصول إمامهم الرفع في الموضع الرابع، أما الحنابلة فلم يقولوا بالموضع الرابع الذي هو بعد الركعتين، وعرفنا أنه مخرج في الصحيح من حديث ابن عمر مرفوعاً، فهل خفي هذا الحديث على الإمام أحمد؟ ما خفي عليه، لماذا لم يقل به، ولم يقل به أتباعه؟ أما الأتباع فهم تبع له، وهذا شأن المقلد لا يقول بما يخالف قول إمامه، أما بالنسبة للإمام فلم يثبت عنده مرفوعاً، وعند الإمام أحمد موقوف، الإمام أحمد يرجح الوقف، والبخاري يرجح الرفع، إذا وجد مثل هذا الخلاف يعني هل الإمام أحمد دون البخاري في المنزلة في الحديث وعلله؟ ليس دونه أبداً، فإذا وجد مثل هذا الخلاف، فماذا نصنع؟ هل نقول: نرجح الرفع لأنه ثبت في صحيح البخاري، أو نرجح الوقف لأنه قال به إمام من أئمة المسلمين قوله معتبر؟ من الأئمة الحفاظ المعروفين، من شيوخ البخاري، أعني الإمام أحمد من شيوخ البخاري، فما الذي يرجح؟ يعني هل يلام الحنابلة حينما لا يقولون بالموضع الرابع وإمامهم لم يثبت عنده الرفع بل هو موقوف من فعل ابن عمر؟ طيب ما موقف طالب العلم الذي هو ليس بمقلد، يعني شأنه الإتباع، وثبت عنده الحديث في صحيح البخاري مرفوع، يرفع وإلا ما يرفع؟ وإذا رفع يكون رجح رأي البخاري على رأي أحمد، وإلا كيف يصنع طالب العلم؟

الطالب:. . . . . . . . .

لا هو الخبر واحد، إما مرفوع أو موقوف، لا بد من الترجيح في هذا، نعم؟

الطالب:. . . . . . . . .

كيف؟

الطالب:. . . . . . . . .

ص: 12

يعني حتى على الرواية الموقوفة العبادات توقيفية، لا تدرك بالرأي، ليست من اجتهاد ابن عمر، لكن في الجملة افترض أن المسألة مما للرأي فيها مجال، اختلف قول البخاري مع قول أحمد .. أولاً: ما ثبت في الصحيحين عن البخاري ومسلم لا يعارض بما قيل من أي إمام كان، لماذا؟ لأن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول، يعني الترجيح بين البخاري وأحمد فيما لو نقل الترمذي عن البخاري تصحيح حديث، وقال أحمد بتضعيفه هنا نرجح أو العكس، إمام مع إمام، لكن كتاب التزمت صحته وتلقته الأمة بالقبول، حتى جزم جمع من أهل العلم أن جميع ما في البخاري صحيح، وأنه قطعي، وقال قائلهم: لو حلف رجل بالطلاق أن كل ما في صحيح البخاري صحيح ما حنث، فتلقي الأمة بالقبول للكتابين لا يعارض بقول أي إمام، يعني لو نقل لنا تصحيح البخاري خارج الصحيح بسند يثبت عن البخاري، يقول الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن حديث كذا، فقال: صحيح، ثم نقل لنا بالسند أو نص عليه في كتب الإمام أحمد أن الحديث ضعيف، هنا نرجح ونشتغل، لكن ما دام التصحيح في الصحيح الذي التزمت صحته ما لأحد كلام، ولذا لو روى الإمام البخاري حديثاً، وعارضه حديث بنفس الإسناد الذي رواه به البخاري في مسند الإمام أحمد، ماذا ترجح؟ أرجح ما في البخاري، بلا شك، فهذه المسألة ينتبه لها طالب العلم، صيانة الصحيحين أمر لا بد منه، ولا مندوحة عنه، نعم إذا وجد هناك تعارض واضح بين النصوص في الصحيحين، لا بد من العمل، لا بد من الترجيح بالطرق المعتبرة عند أهل العلم، لكن ما كان خارج الصحيحين لا يعارض بما فيهما.

ص: 13

"حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما" إذا افتتح الصلاة، الأصل أن التكبير للدلالة على الشروع في الصلاة، وللركوع للدلالة على الانتقال من القيام إلى الركوع، وللرفع التسميع للدلالة على الانتقال من الركوع إلى الرفع، فإذا كان القول للدلالة على الفعل طُلب المقارنة بينهما، يكون القول مقارن للفعل، يعني هل الإمام إذا استتم قائماً قال: الله أكبر، أو إذا هوى وباشر السجود قال: الله أكبر؟ الأصل أن التكبير للانتقال، يعني للدلالة على الفعل فيكون مقارناً له، والرفع إنما هو للدلالة على الانتقال مع التكبير فيكون مقارناً له بحيث يرفع مع بداية التكبير، ويضع يديه مع نهايته.

هذا يقول: كيف يستطيع الإنسان أن يضبط الأقوال في المسائل مع نسبتها إلى قائلها؟ ويعرف الراجح فيها؟

هذه مع الوقت -إن شاء الله-، والعناية والاهتمام وكثرة المراجعة والمطالعة، وسماع الدروس؛ يضبط الإنسان؛ لأن العلم ينمو كما ينمو بدن الإنسان، وينمو عقله، وتنمو جميع ملكاته، يجتمع على يديه أيضاً من المسائل والعلوم، إذا صدق وجد في الطلب.

فيكون التكبير مقارن للانتقال، والرفع مقارن للتكبير؛ لأنه للدلالة عليه؛ لأن مما قيل في حكمة الرفع أن الأصم الذي لا يسمع التكبير يرى الرفع، فهو للدلالة عليه، فهو بمثابته، وإذا كبر للركوع لأن الأصل إذا افتتح، وإذا كبر، وإذا رفع، الأصل في الفعل الماضي أنه فرغ منه، فيكبر إذا فرغ؟ لأن الماضي ماضي على اسمه، أو إذا أراد التكبير رفع؟ أو إذا شرع في التكبير رفع؟ هذا إذا شرع؛ ليكون مقارناً له؛ لأن الفعل يطلق الماضي ويراد به الإرادة، إرادة الشيء {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة]{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [(204) سورة الأعراف] كلها إرادة، ويطلق ويراد به الفراغ من الشيء ((إذا كبر فكبروا)) إذا فرغ من التكبير، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء كما في قوله:((إذا ركع فاركعوا)) ((إذا سجد فاسجدوا))

إلى أخره.

ص: 14

"وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما" كذلك، والموضع الرابع إذا قام من الركعتين، وهل يرفع قبل القيام أو بعد القيام أو مقارن للتكبير؟ مثل ما قلنا مع مقارنة التكبير، وإن قال بعضهم: إنه يرفع يديه قبل أن يقوم ثم يقوم.

"وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" سبق في باب الإمامة ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل ويفعل ويفعل، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، فدل على أن الإمام يجمع بينهما، الإمام يجمع بين التسميع والتحميد؛ لأن هذا فعله عليه الصلاة والسلام وهو إمام، وما جاء في باب الإمامة ((إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا)) يدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده للتعقيب بالفاء، وهذا تقدم، ويدل على أن الإمام يقول: ربنا ولك الحمد هذا الحديث، خلافاً لمن يقول: إن الإمام يقول كذا، والمأموم يقول كذا.

"وكان لا يفعل ذلك في السجود" يعني لا يرفع يديه في السجود، إذا أراد السجود، وفي حديث أبي حميد: وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، فالهوي للسجود والرفع منه لا رفع، إنما الرفع في هذه المواضع المذكورة لا غير، هنا ثلاثة، والرابع في حديث ابن عمر، في حديث:"كان يرفع مع كل خفض ورفع" صححه ابن حزم وقال به، قال: لا بد من الرفع مع كل خفض ورفع، للركوع والسجود والرفع منه، والسجدة الثانية، وجلوس التشهد، هذا كله خفض ورفع، إذاً يرفع يديه، مع أن النص الصريح الصحيح حديث أبي حميد:"وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود" وهنا: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" وهي أصح، بل الحديث الذي فيه: الرفع مع كل خفض ورفع، إما أن يحمل على الركوع والرفع منه، أو يقال كما قال بعض أهل العلم: إنه وهم، الحديث وهم، صوابه: كان يكبر مع كل خفض ورفع.

عفا الله عنك.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين)).

ص: 15

في حديث "ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) " عرفنا أنه إذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((أمرت)) كما هنا، أو قال:((نهيت عن قتل المصلين)) أن الآمر والناهي هو الله -جل وعلا-.

وإذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا، فالآمر والناهي هو من له الأمر والنهي، وهو النبي عليه الصلاة والسلام.

ص: 16

((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) في حديث العباس في مسلم وغيره ((إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب)) يعني أعضاء، سبعة ((على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه-)) للدلالة على أن الأنف تابع للجبهة، ليس بعضو مستقل؛ لئلا يقول القائل: سبعة والمذكور ثمانية! ولذا جاء في حديث العباس: "وجهه" ليدخل في ذلك الجبهة مع الأنف، لكن مقتضى حديث العباس وجهه، وهنا: على الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، بينهما اختلاف وإلا ما بينهما اختلاف؟ الرجل السوي لا يختلف في حديث ابن عباس مع حديث أبيه، لكن لو افترضنا أن شخصاً أنفه صغير جداً، أو مقطوع الأنف، يسجد على وجهه، كيف يسجد على وجهه؟ يعني بكامل وجهه؛ لأن الذي يرفع بقية الوجه عن الأرض هو الأنف، فإذا قدر عدم وجوده أو وجوده صغيراً هل نقول: يسجد بوجهه أو على جبهته فقط؟ إذا ذهب الأنف، يعني مقتضى حديث العباس وجهه، إذا سجد سجد معه سبعة آراب، وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه، وجهه بدل من سبعة بدل بعض، هل نقول: إن هناك فرق بين على الجبهة والأنف، أو والوجه، وإلا ما في فرق؟ يعني الرجل السوي ما في فرق؛ لأن بقية وجهه يرتفع عن الأرض بالأنف، وعلى هذا إذا قطع الأنف هل نقول: بالإمكان أن يطبق السجود على الوجه أو نقول: نفترض أن الأنف موجود ويكتفي بالجبهة؟ وش يترتب عليه؟ إذا سجد بوجهه معناه أن الفم والخدان كلها في التراب، وهذا مقتضى حديث العباس، لكن المقصود بالوجه ما جاء بيانه في حديث الباب على الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، ليس المقصود الوجه كاملاً، بمعنى أنه لو كان الأنف مقطوع يسجد على الجبهة فقط، كما أن الأقطع يغسل بقية المفروض، هذا هو الأصل، والمراد بالوجه في حديث العباس المراد به الجبهة والأنف، هذا إذا قدر وجود الأنف الذي يرفع بقية الوجه، أما إذا لم يوجد فيفترض كأنه موجود، يسجد على الجبهة فقط، ولا يسجد على وجهه، بمعنى أنه لا يلصق فمه بالتراب، أو خديه بالتراب، فحديث ابن عباس مفسر للمجمل في حديث أبيه.

ص: 17

((على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه-)) فالأصل في السجود الجبهة، ويسجد على الأنف تبعاً لها، وعلى هذا لو سجد على الأنف فقط ورفع الجبهة يصح السجود أو ما يصح؟ ما يصح، لكن لو سجد على الجبهة ورفع الأنف محل خلاف بين أهل العلم، والأصل أنهما كالعضو الواحد، لو رفع بعضه وبقي بعضه، ويوضحه ما بعده اليدين، السجود على اليدين، والمراد باليدين الراحة مع بطون الأصابع، هل نقول: إن اليد هنا مطلقة وفي حديث الوضوء مقيدة إلى المرافق، فيسجد باليدين على المرافق، يحمل المطلق على المقيد؟ لا، لماذا؟ للاختلاف في الحكم والسبب، وإذا اختلف الحكم والسبب ما يحمل المطلق على المقيد، وجاء أيضاً التنصيص على منعه، الافتراش، فاليدان هما الراحة مع بطون الأصابع، وكثير من المصلين يرفع الراحة، يسجد على بطون الأصابع فقط كذا، لا سيما الأحداث صغار السن، يحصل منهم كثيراً، ومثل هذا السجود لا يجزئ، فاليد الراحة هي الأصل، وبطون الأصابع تبع كالأنف، وبعض الناس يجمع اليدين بالجمع، يسجد على الجموع، وهذا أيضاً لا يجزئ؛ لأن السجود ركن، وقد أمرنا بالسجود على السبعة، فلا يتم الامتثال إلا بتحقق مباشرة السبعة للمسجود عليه، فينتبه لهذا، بعض الناس على الأصابع هكذا، ما يجزئ هذا، لكن لو سجد على الراحة، ورفع الأصابع كما لو سجد على الجبهة ورفع الأنف، وفيه الخلاف المعروف.

ص: 18

((واليدين والركبتين)) هذا المخالفة فيه نادرة، يعني وقوع المخالفة من المصلين بما في ذلك الجهال والصغار نادرة، ما في أحد بيرفع ركبته على الأرض إذا سجد، هذه نادرة، لكن لا بد من السجود على الركبتين، وأطراف القدمين، ولتكن الأصابع أثناء السجود مضمومة، وتكون اليدان بحيال الوجه، وأصابع الرجلين إلى جهة القبلة، كما جاءت بذلك النصوص الصحيحة، مباشرة هذه الأعضاء للأرض، أو المسجود عليه، أما بالنسبة للركبتين فلا بد من سترهما، فلا يمكن أن تباشر الركبتان المسجود عليه، وأطراف القدمين جاءت النصوص الصحيحة بالصلاة بالخفاف والنعال، فلا مانع من سترهما، والمباشرة بالحائل لا بد منها، طيب أطراف القدمين الذي يرفع رجليه، وهذا ملاحظ من بعض المصلين، يرفع رجليه وهو ساجد، هذا صلاته معرضة للبطلان، قال ببطلانها جمع من أهل العلم، بعضهم قد يحتاج إلى أن يرفع إحدى القدمين، مثلاً يصلي ساجد جاءت بعوضة فلسعت إحدى رجليه، فاحتاج أن يحكها بالأخرى، ويعيدها إلى مكانها هذا لا يضر -إن شاء الله تعالى-، مثل هذا لا يضر، قلنا: إن القدمين يجوز سترهما بالخفين، والركبتان لا بد من سترهما، وبقيت اليدان والوجه، يعني إذا سجد على حائل، يقول: إذا كان الحائل منفصل فالنبي عليه الصلاة والسلام سجد على الخمرة، وهي قطعة بقدر الوجه، إذا كان حائل فلا بأس لا سيما مع الحاجة، وأما بالنسبة .. ، هذا المنفصل، أما المتصل إذا أراد أن يسجد وضع شماغه ما دام متصلاً به هذا يطلقون فيه الكراهة، مع أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، يعني من الحاجة أن تكون مثلاً الأرض المسجود عليها حارة، أو باردة شديدة البرودة، أو يكون فيها شوك، لكن بعض الناس من باب الترف، يقول: هذه الفُرش وطئت بالأقدام، وسجد عليها أناس كثير، أحط شماغي أنظف، هل هذه حاجة؟ نعم إذا كان هناك روائح لا يطيقها تنبعث من هذه الفرشات فلا بأس هذه حاجة، أما شيء ما هو بواقع ما فيها روائح، يبي يملأ فمك تراب فيما بعد، تتكبر عن فرشة فرشت لأطهر البقاع للمساجد! تقول: الناس داسوها بالأقدام! وعلى كل حال أهل العلم يكتفون بالكراهة في مثل هذا.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 19

والله متقضى الحديث السجود ركن، ولا بد من السجود على الأعضاء السبعة، إذا كان جاهل وأول مرة يدري، مثل هذا ما ذهب أقول: ما مضى عفا الله عنه، لكن لا يعود، والذي عنده علم لا يجوز له ذلك بحال، وإعادة الصلاة بالنسبة له متجهة، نعم.

عفا الله عنك.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول:((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم:((ربنا ولك الحمد)) ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس.

وعن مطرف بن عبد الله قال: صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم، أو قال: صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم.

في الحديث يقول: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم" تكبيرة الإحرام "ثم يكبر حين يركع" تكبيرة انتقال، ثم يقول:"سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)) ثم يكبر للانتقال حين يهوي إلى السجود، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر حين يسجد الثانية، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجدة الثانية، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس، هذه تكبيرات الانتقال الأولى تكبيرة الإحرام، وعرفنا حكمها، وأما تكبيرات الانتقال الواردة في هذا الحديث والذي يليه حديث مطرف بن عبد الله: "صليت أنا وعمران بن حصين" وهنا قوله: (أنا) ضمير فصل لا محل له من الإعراب، مضى نظائره، يؤتى به لتسويغ العطف.

ص: 20

"أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر" هذه تكبيرات الانتقال، وكان فيها خلاف قديم في زمن أبي هريرة، وجد من الخلفاء من لا يكبر، ووجد من لا يجهر بالتكبير، لكن انقرض هذا الخلاف، فأجمعوا على مشروعية تكبيرات الانتقال، والجمهور على أنها سنن، لا يجب من تركها شيء، وهذه التكبيرات عند الحنابلة واجبة، الانتقال، قال الحنابلة بوجوبها، لمداومته عليه الصلاة والسلام عليها، كما في هذين الحديثين، مداومة خلفائه من بعده، وقوله عليه الصلاة والسلام:((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فالمداومة تدل على أن هذا من الواجبات، خلافاً للجمهور الذين اكتفوا بمجرد الاستحباب كغيرها من الأذكار باستثناء الفاتحة؛ لأن عندهم أيضاً "سبحان ربي الأعلى""سبحان ربي العظيم""سمع الله لمن حمده" عند الجمهور سنن، لكن الحنابلة يقولون بالوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم على هذه الأمور، وقال:((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ولم يتركها ولا مرة واحدة، فدل على أنها واجبة، لو تركها مرة واحدة، قلنا: الترك دليل على أن الفعل للاستحباب، على أن الفعل بمفرده عند الجمهور لا يدل على الوجوب، لكن للاستمرار بحيث لم يترك ولا مرة واحدة، مع قوله عليه الصلاة والسلام:((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وكون هذه الصلاة تتكرر مراراً، بهذه الأقوال وهذه الأفعال دل على أنها واجبة.

ص: 21

"قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان إذا سجد كبر" يعني للسجود "وإذا رفع رأسه من السجود كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر" كأن هذه التكبيرات من التكبيرات التي تركت في عهد بني أمية، كأنها تركت، ولذا لما قضى الصلاة، قضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصلاة، أخذ بيدي يقوله مطرف "أخذ بيدي عمران بن حصين" الصحابي الجليل الذي كان يسلم عليه في مرضه، يسلم عليه عياناً، الخبر صحيح، في الصحيح، تسلم عليه الملائكة عياناً، يسمع السلام، فلما اكتوى انقطع التسليم، فلما ندم عاد التسليم، صحابي جليل يقول:"ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم" يعني في عصره تساهل الخلفاء بالتكبير، واقتدى بهم بعض الناس "أو قال" وهذا شك من مطرف " أو قال: صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم" التي نسمع فيها التكبير، كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، سيأتي في حديث المسيء أن النبي عليه الصلاة والسلام أمره بتكبيرة الإحرام، وفي البقية قال:((اركع ثم اسجد ثم ارفع)) ما قال: كبر للركوع، كبر للسجود، لعله مستمسك الجمهور في مثل هذا، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول: هل يغني المغني ليكون عمدة في المذهب الحنبلي؟

ص: 22

المغني للطالب المنتهي نافع جداً، وهو عمدة في مذهب الحنابلة، ودليل على المذاهب الأخرى؛ لأن المذاهب تؤخذ من أصحابها، فقد ينسب المغني، أو النووي في المجموع، أو شراح الحديث، أو التفاسير الكبار التي تعنى بنقل المذاهب، قد تنسب إلى المذهب رواية غير المعتمدة في المذهب، وغير المشهورة في المذهب، فيكون المغني بالنسبة لمذهب الحنابلة عمدة؛ لأنه إمام من أئمة الحنابلة، فإذا نسب لأبي حنيفة قولاً يتأكد من هذا القول في كتب الحنفية، نسب إلى الشافعي قولاً يتأكد من كتب الشافعية وهكذا، فالمغني من أنفس الكتب التي تذكر المذاهب بأدلتها، وهو عمدة في مذهبه، دليل على المذاهب الأخرى، وقل مثل هذا في المجموع للنووي، والاستذكار لابن عبد البر، وهو في الأصل شرح للموطأ، لكنه جمع فيه ابن عبد البر مذاهب فقهاء الأمصار بأدلتها، وهو عمدة في مذهب المالكية، دليل على المذاهب الأخرى وهكذا.

يقول: هل طبعت المطالب العالية التي هي عبارة عن رسائل؟

نعم طبعت كاملة في دار العاصمة، مطبوعة كاملة.

يقول: في حديث دعاء الاستفتاح: ((اللهم باعد بيني)) ألا نقول بأن قوله: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) للذنوب التي لم تقع، وقوله:((اللهم نقني من خطاياي)) للذنوب المتعلقة بحقوق الناس، وقوله:((اللهم اغسلني)) للذنوب التي وقعت.

على كل حال هذا مجرد التماس.

يقول: أي الطبعات أفضل للكتب التالية مسند أبي يعلى؟

مسند أبي يعلى مطبوع محقق في أجزاء كثيرة، وله طبعات، لكن أفضلها الطبعة المحققة لسليم الهلالي، أو ما أدري من هو؟ نسيت والله اسم المحقق بالتحديد.

مصنف عبد الرازق؟

الطبعة المعروفة الإحدى عشر مجلد، مصنف عبد الرزاق بعناية حبيب الرحمن الأعظمي.

وأما مصنف ابن أبي شيبة؟

فالطبعات كلها لا تسلم من أخطاء، الموجودة كلها لا تسلم من أخطاء، بما في ذلك أصل هذه الطبعات الهندية، الآن يطبع الكتاب بعناية اثنين من طلاب العلم، الطبعة هي أمثل من الموجود، فيها شيء من التصحيح، والتعليق الخفيف، وهو تحت الطبع.

والتمهيد؟

الأصل في الطبعات كلها الطبعة المغربية.

يقول: ذكرتم أن الإمام لا يخص نفسه بالدعاء فكيف في حال الجلسة بين السجدتين يقول: رب اغفر لي؟

ص: 23

هذا يشرع لكل مصلٍ، وهو لا يؤمن عليه، فلا مانع من تخصيص نفسه بالدعاء، كدعاء الاستفتاح.

يقول: أفضل طريقة للاستفادة من شروح الكتب السنة لا سيما البخاري؟ وأيهما أفضل؟ إمضاء الوقت باختصار فتح الباري أو قراءته فقط، والانطلاق لما بعده من الشروح؟ وهل لكتاب إرشاد الساري طبعة مناسبة يمكن الحصول عليها .... صورة الطبعات التجارية؟

أقول: طالب العلم إن كان مجرد الجرد والقراءة يستوعب ويحفظ فالقراءة أسرع، على أن يدون رؤوس المسائل لمراجعتها عند الحاجة، أقول: إذا كان الطالب طالب علم يستوعب ويستفيد من القراءة الجرد من غير تدوين للمسائل، هذا لا شك أنه أسرع، على أن يأخذ أقلام ملونة في طريقة شرحناها مراراً، يجعل لكل نص لون خاص، هذا النص هو بحاجة إلى حفظه، يضع عليه لون أحمر مثلاً، وهذا المقطع بحاجة إلى فهمه، والسؤال عما يشكل فيه، يضع عليه علامة خضراء مثلاً، هذا المقطع يحتاج إلى أن ينقله في مذكرته؛ لأن كل طالب علم يجب أن يكون عنده مذكرة، ينقل فيها ما يستغرب من الفوائد والعلوم التي توجد في غير مظانها، ويدون رؤوس المسائل يرجع إليها عند الحاجة، إذا كان لا يستوعب بهذه الطريقة، طريقة الجرد فالاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، فيختصر الكتب، يمسك فتح الباري بدل ما هو بأربعة عشرة مجلد يختصره في نصف حجمه، أو ثلث حجمه، يقتصر منه ما يريد، يعلق ما يحتاج منه على نسخته، وهكذا. اختصار فتح الباري أو قراءته فقط والانتقال إلى ما بعده من الشروح؟

مثل ما ذكرنا إذا كانت القراءة يفيد منها طالب العلم، وعنده حافظة تسعفه للإفادة من القراءة مجرد سرد مرة واحدة، فهذه أسرع، أما إذا كان لا يستفيد إلا من معاناة وتعب وترديد كلام، فالاختصار ينفعه كثيراً.

وهل لكتاب إرشاد الساري طبعة مناسبة يمكن الحصول عليها؟

نعم الطبعة السادسة التي في حاشيتها شرح النووي على مسلم، من أصح الطبعات، وصورت، ومتدوالة.

يقول: هل هناك أحاديث مدونة في داووين الإسلام من الصحاح والمسانيد والسنن؟ ولم يتكلم عليها الأئمة بتصحيح أو تضعيف؟ وإذا كانت الإجابة بلا فما مدى فائدة دراسة مصطلح الحديث إذاً؟

ص: 24

دراسة مصطلح الحديث تؤهل الطالب للاجتهاد، من أجل الحكم على الأحاديث التي لم يحكم عليها إن وجدت، أو للترجيح بين أحكام الأئمة؛ لأنه افترض أن الأحاديث كلها حكم على بعضها أئمة بالتضعيف، وحكم عليها آخرون بالتصحيح، أو توقف بعضهم، أو حكم بعضهم بحكم لا تفهمه أنت ولا من في طبقتك، فعلم المصطلح يؤهلك للترجيح بين أقوال الأئمة؛ لأنه إذا صحح إمام وضعف إمام وش موقفك؟ هل نقول: إن هذا الحديث خلا عن حكم الأئمة؟ ما خلا، لكن أنت بحاجة إلى من يرجح لك.

ما الدليل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يضم رجليه عند السجود؟

جاء التصريح بإلزاق الكعب أو القدم بالقدم، وجاء قول عائشة رضي الله عنها:"فوقعت يدي على رجليه" ومنهم من يرى أن الأصل في الصلاة المجافاة، بما في ذلك الرجلين.

يقول: رئي الإمام مالك بن أنس في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بكلمة كان يقولها عثمان بن عفان رضي الله عنه عند رؤية جنازة: "سبحان الحي الذي لا يموت" فكنت أقولها، السؤال هل قولها سنة؛ لأنها مروية عن أحد الخلفاء الراشدين؟

إذا ثبتت عن عثمان نعم، وأما بمجرد رؤيا فلا، الرؤية لا يثبت بها حكم شرعي.

يقول: يريد كلمة لطلبة العلم حول ثلب العلماء، وموقف طالب العلم من ذلك.

أولاً: عموم الأعراض والكلام فيها حرام، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، نسأل الله العافية، وجاء التشديد في أعراض المسلمين، وأعظم ما يحتاط له أعراض أهل العلم؛ لأن الوقوع في أعراضهم يزيد على كونه غيبة رجل مسلم لا تجوز غيبته بحال، يزيد على ذلك تنقصهم والتقليل من شأنهم، فإذا قلل من شأن أهل العلم الذين هم المرجع في بيان الدين، لا شك أن الأمة تضيع، إلى من يرجع عوام المسلمين إذا أُذهبت هيبة العلماء ومكانتهم ومنزلتهم والعامي فرضه التقليد؟ إذا لم يقلد العلماء من يقلد؟ على كل حال هذا أمر عظيم، والبلدان بلدان المسلمين عموماً ما ضاعت، ولا ضاع العوام في أقطار الأرض إلا لما قلل من شأن العلماء، وأُذهب هيبتهم من النفوس، على كل حال هذا أمر في غاية الخطورة، من عنده ملاحظة على أي عالم من العلماء يذهب إليه ويناصحه.

ص: 25

يقول: ذكرت في درس الأمس أنه جاء زمن لا يكبرون تكبيرات الانتقال فكيف كان يتصور الانتقال خاصة في السجود؟

على كل حال مثل هذا لا شك أنه يوقع في لبس، ولذا شرع .. ، تكبيرات الانتقال شرعت من أجل هذا، والصوت إنما شرع من أجل المأموم، ولذا المنفرد لا يرفع صوته، ويقع الناس في لبس، وعلى كل حال هذا حصل في زمن أبي هريرة حصل من بعض الخلفاء أنهم لا يكبرون تكبيرات الانتقال، أو يكبرون من غير جهر، ولذا من رفع صوته بالتكبير قال: ذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مسألة المياه وانقسامها إلى قسمين أو ثلاثة ما الراجح فيها؟ وهل من يقول: إن الماء قسمان يقلدون شيخ الإسلام خاصة، وأن أكثر أهل العلم يقولون: إن الماء ثلاثة أقسام؟

على كل رأي الإمام مالك أن الماء ينقسم إلى قسمين فقط، طاهر ونجس، وهو رأي شيخ الإسلام، لكنه هو رأي الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، والمسألة طويلة الذيول، بسطت في مناسبات كثيرة.

يقول: يعزو كثير من الكتب الفقهية وغيرها القول إلى الأئمة، ثم يتضح أن العزو خطأ، هل يوجد كتاب نقله موثق للأئمة؟

ما في أوثق من نقل الأصحاب عن أئمتهم، فإذا أردت أن تنسب قول إلى الإمام أحمد ترجع إلى كتب الحنابلة، وإذا أردت أن تنسب إلى أبي حنيفة ترجع إلى كتب الحنفية، إلى مالك إلى الشافعي وهكذا، وليس سبب ذلك أنهم لا يهتمون أو لا يكترثون، لكن جهلهم بالمذهب، علمهم بمذاهب غيرهم ليس كعلمهم بمذاهبهم، فإذا تصورنا أن للإمام أحمد روايات في كثير من المسائل، قد يُنقل عن الإمام أحمد رواية ليست هي المعتمدة في المذهب، وليست هي المشهورة في المذهب، أو ليست هي التي يقرر الحنابلة أنها هي المذهب، وقل مثل هذا في المذاهب الأخرى، ينقل عن الشافعي قول لا يكون العمدة والفتوى عليه، ولكل قوم اصطلاحهم، فالفتوى عند الشافعية على القول الجديد إلا في مسائل يسيره، ثلاثة عشرة مسألة، أو بضع عشرة مسألة، يُفتى فيها على القديم، وهي موضحة عندهم.

يقول: الحديث عن تصرفات ومواقف العلماء دون الدخول في نياتهم إنما نقد مواقفهم وخذلانهم للمسلمين هل في ذلك شيء؟

ص: 26

على كل حال كل ما يؤدي إلى التقليل من شأن أهل العلم يؤدي إلى تضييع العامة، من كانت عنده ملاحظة على عالم ينبهه، ولا يمنع أن يبنه غيره ممن هو أكبر منه، لينبهه إذا لم يمتثل، وتبذل الجهود من أجل هذا، أما أن نقصر في هذا الباب، في باب النصيحة، ونذكر الأخطاء لعامة الناس، فيطلعون عليها، ويحذرون من أهل العلم، ماذا يبقى لهم؟ إذا لم يقتدوا بأهل العلم بمن يقتدون؟!

هذا السؤال من تونس يقول: ما حكم الزواج من مسيحية؟

على كل حال الزواج من الكتابية جائز، لكن لا شك أن له أخطاره، خطر على الأولاد، وخطر على الإنسان نفسه، وكم من إنسان أقدم على الزواج من مخالفة في الدين، أو في المذهب في العقيدة، فصارت الهيمنة للمرأة، فيخشى على الإنسان وإلا فالأصل الحكم بالجواز، الزواج بالكتابية جائز، لكن يبقى أن بعض الصحابة حذر تحذيراً شديداً لما يترتب عليه من آثار.

كذلك الزواج من المرأة الفاسقة يخشى على الزوج منها، وبعض الناس يبحث عن الجمال مثلاً، أو عن المال، الناس لهم مقاصد متعددة من زواجهم، ثم يقول: الدين يجي، يأتي بالدعوة، ثم لا يلبث أن يتحول هو، نسأل الله السلامة والعافية، قصة عمران بن حطان الخارجي المعروض، مادح ابن ملجم قاتل علي، داعية من دعاة الخوارج، كان على العقيدة الصحيحة، السليمة، رأى امرأة خارجية أعجبته، غاية في الجمال، فقال: نكسب الدين والدنيا، نكسب الجمال، ونكسب الدعوة، ندعوها إلى مذهب أهل السنة، لكن وش اللي حصل؟ حصل العكس، فلا يقدم الإنسان على أمر فيه خطر عليه، على دينه، مهما كان المبرر، وأبشع منظر رأيته في حياتي، شاب في الخامسة والعشرين من عمره لحيته إلى نصف صدره، وينتقل بين الدروس من حلقة إلى حلقة، ثم فجأة رأيته في الدرس حالق للحيته، بالموس يعني ما هو مقصر، بالموس، وإذا السبب امرأته، قالت: يا أنا يا اللحية، فلا يقدم الإنسان على شيء يضره، لا سيما ما يضره في الدين، ومثل هؤلاء كيف يتربى الأولاد؟ على أي معنى، لا شك أنها مسألة خطرة.

هذا من المغرب يقول: سؤالي عن الأناشيد التي فيها بعض الأدوات الموسيقية؟

ص: 27

الأناشيد التي يسمونها أناشيد إسلامية، الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وأنشد بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا كان الكلام مباحاً، يعني مادته مباحة، ولم يصحبه آلة، وأدي بلحون العرب فهو جائز لا شيء فيه، أما إذا أدي بلحون الأعاجم، وعلى طريقة الفساق والمتماجنين، مثل هذا لا يجوز بحال، ولو لم يصحبه آلة، وإذا صحبته آلة فالآلة جاء منعها في النصوص، قد يقول قائل: إنه ما هناك آلات، لكن هناك مؤثرات صوتية، وترديد لبعض الكلام الذي يجعله بمثابة الآلة، إذا كانت هناك مؤثرات صوتية تؤدي نفس الغرض الذي تؤديه الآلة منع؛ لأنه ليست الآلة مقصودة لذاتها، إنما المقصود ما يصدر عنها، فإذا صدر عنها بعض المؤثرات وإن كانت غير محسوسة لا تلمس ولا ترى، إنما بطريقة يؤدونها مهرة في هذا الباب، كيف يطلعون هذا الصوت؟ وكيف ينزلونه؟ وكيف يكررون بعض الكلمات المتتابعة؟ هذا إذا كان أثره في النفس مثل أثر الآلات منع.

سائل من الإمارات يقول: في حديث عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى

الحديث، السؤال في قوله: إذا قعد يدعو، قال العلماء: إن القعود في الدعاء يكون في ثلاثة مواضع، بين السجدتين، والتشهد الأول والتشهد الأخير.

التشهد الأول ما فيه دعاء، إنما في بين السجدتين، وإذا فرغ من التشهد الأخير استعاذ بالله من الأربع، يتخير من المسألة ما شاء.

السؤال: كيف يكون في التشهد الأول وهم اختلفوا في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام "اللهم صل على محمد وعلى آله

، إذا كان بين السجدتين هناك دعاء، وهو "اللهم أهدني وعافني" هل نتخير من الدعاء ما نشاء أم نتقيد بهذا فقط؟

على كل حال من مواطن الدعاء السجود، يتخير فيه الداعي ما شاء، ويحرص على جوامع الأدعية، وكذلك في نهاية الصلاة قبل السلام، وأما بين السجدتين فيلتزم بما ورد، ويكرره إذا طال الوقت.

يقول: تحريك الأصبع في التشهد هل يكون عند الدعاء أو عند لفظ بالجلالة أو من بداية التشهد إلى نهايته؟

ص: 28

جاء التحريك، وجاء يحركها يدعو بها، وجاء نفي التحريك، والمترجح من النظر في عموم النصوص أنها تبقى مرفوعة، تحرك عند لفظ الشهادة، أشهد أن لا إله إلا الله، وعند الدعاء، فإذا دعا يدعو بها، يحركها يدعو بها، فهي عند الدعاء تحرك، وعند لفظ الشهادة ترفع، وهي الدلالة على الشهادة، ولذا لما رفع أصبعيه قال له: أحد، أحد، فالشهادة إنما تكون بأصبع واحدة؛ لأنها إشارة إلى الواحد الأحد.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء، وفي رواية البخاري: ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 29

"عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: رمقت" لحظ، وسبر "صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" يقول:"فوجدت قيامه، فركعته فاعتداله" يعني بعد الركوع "فسجدته فجلسته بين السجدتين فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء" استثنى في رواية البخاري: "ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء" وإذا استثنينا القيام والقعود للتشهد الأخير التساوي متصور، التساوي والقرب منه متصور، لكن إذا قرأ في الصلاة خمسة أجزاء، كما قرأ البقرة والنساء وآل عمران، كيف يكون ركوعه وقيامه وسجوده وجلوسه قريب من السواء؟ وذكرنا فيما مضى أن هذا الاستواء قد يراد به الاستواء النسبي، بمعنى أنه إذا أطال القيام أطال الركوع، وأطال السجود، طول نسبي، ولا يلزم من هذا التساوي في الوقت، يقرب هذا أنك إذا رأيت ثوباً معلقاً، ثوب طوله مائة وستين سانتي، والكم شبر، هذا كم مساوي للبدن؟ وهل يلزم أن يكون الكم مائة وستين علشان نقول: الكم مساوي للثوب؟ لا، لا يلزم هذا، فالتساوي تساوي نسبي، يعني إذا رأيت شخص وزنه معتدل، وطوله معتدل، ويديه مناسبات، ورجليه .... تساوي، لكن بعض الناس تشوفه مثلاً سمين جداً، متين، والرجل ما هي بسمينة، هذا متساوي؟ أو اليد صغيره، أو الرأس صغير، هذا ما فيه تساوي، ولا يلزم من تساوي الأعضاء أن تكون بنفس المقدار، بنفس الوزن، بنفس الطول، لا، أمثلة تقريبية، فعندنا إذا قرأ خمسة أجزاء بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وهذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، هل يلزم أن يسجد ساعة؟ ويركع ساعة؟ ويجلس ساعة؟ ويرفع ساعة؟ لا، هذه تحتاج إلى يوم، علشان يصلي ركعتين، علشان يصلي ركعتين بهذه الطريقة يحتاج إلى يوم كامل، فالمراد بالمساواة هنا المساواة المتناسبة النسبية، بمعنى أنه إذا أطال القيام يطيل الركوع، إذا أطال الركوع يطيل الاعتدال، إذا أطال يطيل

، وهكذا، ما يقرأ في الركعة الأولى جزء والركعة الثانية جزء، وبقية الركعة في دقيقة، ما يجي، هذا ليس قريباً من السواء، لكن إذا قرأ جزء، وركع دقائق خمس أربع ست، وهكذا، والسجود مثل، يقال: قريباً من السواء، هذا الاستواء النسبي، لكن إذا استثنينا كما في رواية البخاري: ما خلا القيام

ص: 30

والقعود خرجنا من الإشكال، لا مانع أن يكون الركوع بقدر السجود، والجلسة بقدر السجود، والرفع منه بقدر الركوع وهكذا، يكون الاستواء حقيقي ما هو بنسبي، لكن رواية البخاري لحديث البراء، الحديث نفسه مخرجه واحد، فهل يقال: إنه مرة، البراء بن عازب مرة قريب من السواء، ومرة أطال عليه الصلاة والسلام القيام والقعود أكثر من الركوع والسجود، يعني يحمل على تعدد القصة مع أن المخرج واحد؟ منهم من يرى هذا، ويقول: إن هذا أولى من توهيم الرواة، لكن كونه رمق الصلاة مع النبي عليه الصلاة والسلام هل يمكن أن يتم له هذا من خلال صلاة واحدة، أو هو يريد أن يقرر هذا من خلال الاستقراء؟ يعني نظر في أكثر من صلاة فوجد الأمر هكذا، ولذا ساقه، وبينه للناس؟ يريد أن يخرج بنتيجة استقراء وتتبع، هل نقول هذا؟ وعلى هذا يلزم عليه توهيم الراوي للرواية الأخرى "ما خلا القيام والقعود قريب من السواء" وهذا قد يسلكه بعض المحدثين؛ لأن المخرج واحد، هذه العلة التي قد تجري على قواعد أهل الحديث، قد لا تجري على قواعد الفقهاء؛ لأن الاستثناء تخصيص بعد تعميم، لكن متى نقول مثل هذا؟ لو كان لفظ الحديث: رمقت الصلاة بجميع أركانها، فرأيتها قريباً من السواء، يعني ما نُص على القيام، يعني لو لم ينص عليه بعينه، بل دخل تحت العموم، انتبهوا يا الإخوان؛ لأنه الآن الإشكال وش هو فيه؟ الإشكال أن مفهوم الحديث أن الركوع طول القيام، والسجود طول القيام، هذا مفهومه، ثم الاستثناء الوارد بعد ذلك "ما خلا القيام والقعود" والقيام منصوص عليه، يعني هل يسوغ أن تقول: جاء محمد وزيد وعمرو وبكر وخالد ما خلا محمد وزيد، وأنت ناص عليهم في الجملة؟ يسوغ هذا وإلا ما يسوغ؟ لكن لو تقول: جاء الرجال، جاء الطلاب إلا زيد وعمرو، صح، فالاستثناء تخصيص والتخصيص إخراج بعض أفراد اللفظ العام، لكن ما دام نص على شيء ليس بعام، فكيف يخرج المنصوص عليه بنص مساوٍ له؟ لأنه نُص "فوجدت قيامه" والقيام هنا المراد به قيام القراءة الأول الذي قبل الركوع، ولذا:"وجدت قيامه فركعته فاعتداله" ثم يقول: ما خلا القيام؟ يستثني؟ فإما أن يحمل على تعدد الأحوال، أنه في كثير من الأحوال قريب من السواء، وفي بعض

ص: 31

الأحوال استثنى فأطال القيام أكثر من غيره، وأطال القعود أطول من غيره، وهذا عند الفقهاء أسهل من توهيم الرواة، يعني هذا يجري على قواعد الفقهاء، لكن أهل الحديث ما عندهم مانع، إذا كان المخرج واحد، والاختلاف على الرواة لا بد فيه من الترجيح، فمنهم من يرجح هذا أو هذا، أما القول بتعدد القصة كما يستروح إليه بعض العلماء، الذين ليس عندهم من الجرأة ما يستطيعون أن يوهموا به الرواة، ولا شك أن صيانة جانب الرواة، وكتب الصحيح الصحيحين وغيرهما، أمر في غاية الأهمية، وإذا وجد للكلام محمل صحيح لا شك أنه يتعين، الكلام إذا لم يوجد محمل صحيح، العلماء الكبار عندهم من القرائن ما يحكمون به على أن هذه الرواية وإن جاءت من طريق الثقات إلا أنها خطأ، وهم، ما عندهم مانع، ولذا يرى بعضهم ثبوت ما يرويه مسلم في تعدد صفة صلاة الكسوف، الذي في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام صلاها بركوعين، وجاء في مسلم ثلاثة ركوعات وأربعة، وجاء في غيرها خمسة، منهم من يقول: كلها صحيحة، كلها ثابتة، وتعددت القصة، وش المانع؟ لكن الذي يقول: لم يحفظ أنه حصل الكسوف، أو أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الكسوف إلا مرة واحدة؟ فعلى هذا الرواية الأخرى وهم، وإن كانت في الصحيح، وهما مسلكان لأهل العلم، منهم من يرى صيانة جانب الصحيح، ولا يحكم بتوهيم الرواة، ما دام وجد لذلك محمل، ولا القول بتعدد القصة، ومنهم من يجزم، يضعف ويوهم، وهذه طريقة لأئمة كبار، وشيخ الإسلام يقول: أبداً صلاة الكسوف مرة واحدة، وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، ابن النبي عليه الصلاة والسلام، باعتبار أن صلاة الكسوف يوم مات إبراهيم، إبراهيم والله ما مات إلا مرة واحدة، لا شك أن مثل شيخ الإسلام عنده من الأصل الذي يعتمد عليه من نصوص الشريعة، وقواعد الشريعة ما يجعله يجرؤ أن يقول:((أحابستنا هي؟ )) ويقول شيخ الإسلام: ما تحبس الرفقة، لكن من دون شيخ الإسلام لا يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام بحال، لكن يلاحظ على بعضهم الغلو في صيانة الرواة، فيصحح ويعدد القصة، ولو كان الاختلاف مرده إلى اختلاف ألفاظ الرواة، يعني إذا اختلف راوٍ مع راو ولو لم يترتب عليه أثر هذا الخلاف في سياق

ص: 32

حديث قال: تعددت القصة، لا شك أن مثل هذا غلو، فالمسألة تحتاج إلى وسط، نحتاج إلى أن نصون الرواة الثقات عن التوهيم بقدر الإمكان، ونصون الكتب الصحيحة التي هي عمدة الإسلام والمسلمين بقدر الإمكان، والكلام الخطأ ما يمكن يمشي، نعم.

عفا الله عنك.

وعن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي.

يقول -رحمه الله تعالى-: "عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إني لا آلو" يعني لا أقصر، فأبذل جهدي "أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال ثابت: فكان أنس" تطبيقاً لما قعده وألتزمه أن يصلي بهم صلاة النبي عليه الصلاة والسلام "فكان أنس لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي" تطويل الاعتدال من الركوع، لا شك أن الاعتدال والطمأنينة فيه ركن من أركان الصلاة، والجلسة بين السجدتين، والطمأنينة فيها ركن من أركان الصلاة، لكن هل الاعتدال مما يدخله التطويل؟ بمعنى أنه هل هو ركن طويل أو هو ركن قصير؟ وهل تطويله بأكثر مما ورد فيه من ذكر مخل بالصلاة، أو لا يخل بالصلاة؟ الذي يأتي بالأذكار الواردة يمكن أن يقال: قد نسي من طول القيام؟ لا يمكن أن يقال، إلا أن يكون القدر زائد، إما أن يكرر بعض الأذكار، أو يكرر لربه الحمد، كما جاء في بعض الروايات، وهنا أنس يصلي بهم صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، ويطيل في القيام بعد الركوع، حتى يقول القائل: قد نسي.

ص: 33

الشافعية عندهم هذا الركن قصير، إيش معنى قصير؟ بمعنى أنه لا يطال بأكثر من ذكره، فلو أطيل بأكثر من ذكره بطلت الصلاة، هذا قول معروف عند الشافعية، لماذا؟ لأنه يخل بالموالاة بين أركان الصلاة؛ لأن القدر الزائد من هذا الاعتدال فاصل بين هذا الركن والذي يليه، فهو مخل بالصلاة عندهم، هذا إذا قلنا: إنه ركن قصير، دعونا من القوم الذين ينقرون هذا الركن، بحيث لا يتم لهم ولا الاعتدال، هؤلاء صلاتهم على خطر نسأل الله العافية، لكن قول عند الشافعية أنه ركن، لكن قصير، وليس من الأركان التي يمكن إطالتها، تحتمل الإطالة، القيام يحتمل الإطالة، طول اقرأ ما شئت، ما له حد، الركوع سبح ما شئت ما له حد، السجود كذلك، لكن الركن هذا قصير لا يحتمل الإطالة عندهم، فإذا أطيل بطلت الصلاة؛ لأنه حصل فاصل بين أركان الصلاة، وهذا القول ليس بشيء؛ لأنه لا يمكن أن يقال للمصلي: قد نسي، كيف نسي؟ إلا وقد أطاله، أطاله إطالة أكثر مما فيه من ذكر، فقولهم ضعيف.

"يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه" يعني الصلاة كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي لا شك أنها دخلها ما دخلها من التساهل والتفريط في القرن الأول، ولذا يتعجب بعضهم أن يرى من يصلي صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، ويقول قائلهم: لقد أذكرنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم، يعني لو كانت الصلاة النبوية معهودة بين الناس كلهم ما احتاجوا إلى أن يقولوا مثل هذا الكلام "فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي" بمعنى أنه يطيل هذين الركنين، ولعل المقصود من ذلك الرد على من يرى تخفيف هذين الركنين، فضلاً عمن ينقر هذين الركنين نقراً، وفيه أدعية وأذكار يحرص عليها طالب العلم، ويأتي بها ....

ص: 34