المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ١١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

فيها رد ((وعليك السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل)) فرجع فصلى ثم جاء فسلم، فقال:((وعليك السلام، فارجع فصل، فإنك لم تصل)) فقال في الثانية أو في التي بعدها: علمني يا رسول الله، قال:((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)) هذه السجدة الأولى ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) هذه بين السجدتين ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) هذه الذي يسمونها جلسة الاستراحة، يعني هل المسيء الذي أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يكرر الصلاة ثلاث مرات هل هذا بحاجة إلى مثل هذه الجلسة؟ يعني إذا قلنا: إن مالك بن الحويرث جاء في آخر العهد، والنبي صلى الله عليه وسلم ثقل واحتاج إلى هذه الجلسة، على ما يقرره من لا يرى هذه الجلسة، وعرفنا بالأمس أن القول بها هو قول الإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، وأما الأئمة مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه لا يقولون بها، وما دام ثبتت بها السنة الصحيحة فلا عذر لأحد على القول بها، قد يقول قائل: إن الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)) نقول: نعم، لا نختلف عليه فيما يفعله من مشروع، أما ما يفعله فيما يخالف، أو يتركه من المشروع لا يوافق عليه؛ لأنه لا يقتدى به في مثل هذا، فلو قدر أن إماماً يصلي ولا يرفع يديه من الركوع والرفع منه ما اقتدينا به، رفعنا، وأيضاً هذه الجلسة لا يترتب عليها تأخر عن الإمام، بل نرى من يفعلها يقوم مع من بجانبه ممن لا يفعلها أبداً ما يتأخر، مجرد أن يثني رجليه يجلس ويقوم، فلا يترتب عليها تأخير.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

‌باب: وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

ص: 26

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني، قال:((إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

الطمأنينة يراد بها الرفق والأناة وعدم العجلة، ويراد بها أيضاً الإتمام، إتمام الركوع والسجود على ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في بيان المأمور به من قبل الله -جل وعلا- في هذه الشعيرة العظيمة، فالطمأنينة مطلوبة، وركن من أركان الصلاة في أركانها كلها.

يقول: "عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد" في مشروعية الإتيان إلى المسجد في وقت الصلاة وغير الصلاة، وكثيراً ما يأتي النبي عليه الصلاة والسلام إلى المسجد، ويمكث في المسجد، وجاء الترغيب في ذلك، المبادرة إلى الصلوات، والرباط بين الصلاتين، والتأخر في المصلى، وجاء ما يدل على أن المسجد بيت كل تقي.

وخير مقام قمت فيه وحلية

تحليتها ذكر الإله بمسجدِ

ص: 27

ومعروف إلى وقت قريب عناية المسلمين بالمساجد، طول مكثهم فيها، وبقاؤهم بها، بل يوجد من يسكن المساجد، وهذه تكاد أن تنقرض، وجرت العادة من عهده عليه الصلاة والسلام إلى وقت قريب، وجل الناس لا ينصرفون من المسجد لا سيما بعد صلاة الصبح، حتى تنتشر الشمس، والآن مع الأسف الشديد في مثل هذا البلد، من أراد الجلوس إلى أن تنتشر الشمس قد يعاني من المضايقات، المؤذن يبي يطلع ويقفل الأنوار، والحارس يقول: أنا مؤتمن ولا أستطيع، فلا بد من التمكين من هذه السنة، والمسئولون لا يعارضون إذا وجدوا من يمكث في مسجد وهو ثقة وأمين، نعم وجد من يسيء إلى مثل هؤلاء، وجد بعض التصرفات، لكن هذه لا تكون سبب قطع الخير ومنعه، يعني وجد من مكث في المسجد ثم إيش اللي حصل؟ نسأل الله السلامة والعافية، بال على المصاحف كلها، مثل هذا يكون سبب في منع هذا الأمر، لكن ينبغي أن يكون محل عناية من المسئولين، فلا يمنع بسبب شخص، أو أشخاص تصرفوا تصرفات خاطئة، فلا تكون أفعالنا ردود أفعال، إنما تعالج المخالفات، وتبقى السنن على ما هي عليه، لا تعارض السنن بمثل هذا، وبعض البلدان -ما شاء الله- تجد من ينتظر لا أقول: عشرة بل عشرات بعد الصلاة حتى تنتشر الشمس، وبلدان هي في موازين عامة الناس ما هي بشيء، وبعض البلدان التي ينظر إليها أنها محل الخير وأهل الخير ما تجد أحد، مثل هذا لا شك أنه خلاف السنة، وطالب العلم على وجه الخصوص إن كان ممن يبادر إلى النوم بعد صلاة الصبح هذه مصيبة بالنسبة له، هذا وقت البركات، فإذا لم يستغل مثل هذا الوقت، متى يستغل العمر إذا نام بعد صلاة الصبح؟ قد يقول قائل: الناس ابتلوا بالسهر، نقول: ومع السهر يمكن استغلال مثل هذا الوقت، والمسألة عادة، إذا عود الإنسان على شيء خلاص، من تعود الجلوس إلى ساعة معينة، افترض أنه يجلس ساعتين ثلاث ساعات بعد صلاة الصبح ولو سهر ما يجيه النوم، حتى تنتهي هذه المدة، وهذا مجرب.

ص: 28

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم" الاحتمال أن تكون هذه الصلاة تحية المسجد من هذا المسيء، ويحتمل أنه فاتته الصلاة فصلاها منفرداً "فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ((ارجع)) " في هذه الرواية لم ينقل رد السلام، نقل في روايات أخرى في الحديث نفسه من حديث أبي هريرة، قال:((وعليك السلام)) ولو افترضنا أنه لم ينقل ألبتة في أي رواية من الروايات كما في حديث أم هانئ، قالت: السلام عليك يا رسول الله، قال:((من؟ )) قالت: أم هانئ، فقال:((مرحباً بأم هانئ)) وسلمت فاطمة فقال: مرحباً بابنتي، ولم ينقل أنه رد السلام عليه الصلاة والسلام، فمنهم من يقول: إن مرحباً تجزئ في رد السلام، ومنهم من يقول: من عدم النقل عدم الوجود، بل رد عليه الصلاة والسلام ولم ينقله الرواة للعلم به، بعض القضايا التي لا يحتاج إلى نقلها، الأمر برد التحية ثابت في القرآن، لا يخفى على أحد، فمثل هذا قد يتساهل في نقله لأنه نقل نقلاً ملزماً، يعرفه الخاص والعام، ولذا إذا جاء الأمر في القرآن أحيل عليه ما يرد من السنة، فمثلاً من جامع زوجته في رمضان جاء الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما أن النبي عليه الصلاة والسلام ألزمه بالكفارة، عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، فهل يقال لمن جامع في نهار رمضان: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان الثابتة في السنة، أو يقال: عليك كفارة؟ كفارة إيش؟ ماذا يقال له؟

طالب:. . . . . . . . .

الآن كفارة الجماع في نهار رمضان ثابتة في الصحيحين وغيرهما، فهل من جامع في نهار رمضان يقال: عليك كفارة جماع في نهار رمضان، عامة المسلمين ما يعرفون إيش الكفارة؟ لو أحلناهم على هذا الحديث، لكن يقال: عليك كفارة ظهار، والفقهاء يقولون: من فعل كذا فعليه كفارة ظهار، يعني هل كفارة الجماع ثبتت بالقياس على كفارة الظهار؟ لا، ثبتت بالنص، لكن يحال على ما ثبت في القرآن لأنه لا يخفى على الخاص والعام، يعني إذا أردت أن تحيل تحيل على الأقوى، والأكثر شهرة وانتشار، فتقول: عليك كفارة ظهار، لماذا لا يقال: عليك كفارة قتل؟

ص: 29

طالب:. . . . . . . . .

تختلف في إيش؟ عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، يعني إن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لماذا لا يقول الفقهاء: عليه كفارة قتل؟ للخلاف في الإطعام، في كفارة القتل الإطعام مختلف فيه، أما في كفارة الظهار فلا خلاف، فيحال على المعروف، ويقول عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، بيعة الرجال قبل بيعة النساء، لكن بيعة النساء مضبوطة في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [(12) سورة الممتحنة] لأنها مضبوطة في القرآن، يحال على ما في القرآن، وإلا هي ثابتة في الأحاديث الصحيحة، وهي متقدمة على بيعة النساء، ولكن يحال على ما ثبت في القرآن، وهنا مثل هذا قد لا ينقل رد السلام؛ لعدم الحاجة إليه؛ لأنه ثابت في القرآن {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] يعني أقل الأحوال.

ص: 30

"ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) " قد يقول قائل: صلى ركع وسجد وقرأ، صلى فما الصلاة المنفية؟ هل المنفي حقيقتها العرفية أو حقيقتها الشرعية؟ نعم هو صلى، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) هذه حقيقة، الحقيقة العرفية موجودة، ركع وسجد وش يبي؟ صلى ودعا، لكن المنفي الحقيقة الشرعية للصلاة، يعني الصلاة المجزئة المسقطة للطلب، فكونه يصلي صلاة لا تنفعه، هذه صلاة لا وجود لها شرعاً، وإن وجدت حقيقتها عرفاً، يعني مثل ما ينفى السمع والبصر عمن له أذنان تسمعان الكلام، وبصر يبصر به المرئيات، هذا يمكن نفيه، إذا كان لا يستفيد من هذا السمع ولا من هذا البصر {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [(18) سورة البقرة] ليس معناه أنهم لا يشوفون ولا يسمعون ولا يتكلمون، يتكلمون ويسمعون ويبصرون، لكن لما لم تنفعهم هذه الحواس صار وجودها مثل عدمها، فحقيقتها الشرعية منتفية، ولذا جاء في الآية الأخرى:{وَلَهُمْ آذَانٌ لَاّ يَسْمَعُونَ بِهَا} [(179) سورة الأعراف] واختلاف الحقائق الشرعية مع العرفية لا بد لطالب العلم من الانتباه له بدقة، ولا بد من معرفة الاصطلاحات العامة والخاصة مع الحقائق اللغوية، يعني لو جاءك شخص وأقسم أنه لم ير في عمره كله جملاً أصفر، ما رأى جمل أصفر، والذي عنده في عرفه أن الأصفر هذا، في جمل مثل هذا؟ لونه مثل هذا؟ ما في، مع أن الجمالات الصفر مثبتة في القرآن، هل نقول: إن هذا محاد لله -جل وعلا-؟ ويقصد حقيقة والشرع يقصد حقيقة أخرى، وقل مثل هذا حينما يقول الحنفية: زكاة الفطر واجبة وليست بفرض، والصحابي يقول: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل نقول: هذه معاندة؟ هذه حقائق مختلفة، يعني الحقائق الثلاث معروفة عند طلاب العلم، فكون الإنسان يريد حقيقة، ينفي باعتباره حقيقة، وغيره يثبت باعتباره حقيقة، لا تكون هذه معاندة، ولذا ما في أحد اتهم عامة أهل العلم في قولهم: إن غسل الجمعة ليس بواجب، وفي الحديث:((غسل الجمعة واجب)) هذه حقيقة وتلك حقيقة، فمع اختلاف الحقيقة لا تثريب، لكن على طالب العلم أن تكون حقائقه أقرب ما تكون إلى الحقائق الشرعية.

ص: 31

((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) فرجع فصلى كما صلى، ما يعرف غير هذا، ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه مشروعية تكرار السلام، ولو مع قرب الفاصل "فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام فقال:((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني" يقول: لا أحسن غير هذه الصلاة، ما في شيء، لو كنت أحسن ما ترددت ثلاثاً "والذي بعثك بالحق" يقسم بالله -جل وعلا- الذي بعث نبيه عليه الصلاة والسلام بالحق أنه لا يحسن غيره "فعلمني" الرسول عليه الصلاة والسلام حينما فعل هذا المسيء الصلاة التي لا تجزئ ولا تسقط الطلب، فنفاها عنه عليه الصلاة والسلام ما عنفه، لم يعنفه، وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، وكونه ردده ثلاثاً؛ لينتبه لما يلقى إليه؛ لأن الشيء الذي يأتي بسهولة ينسى بسهولة، لكن ما دام ردده ثلاثاً لا شك أنه سوف يضبط ما يلقى إليه، وفي هذا جواز تأخير البيان عن أول الأمر يعني إلى وقت الحاجة، يجوز تأخير البيان للمصلحة، فلو علمه الصلاة من أول مرة يمكن ينسى، لكن لما ردده ثبت العلم في ذهنه، وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يتعب في تحصيل العلم، ويتعب في تصور المسائل وفي تصويرها، وبعضهم يعمد إلى كتاب صعب معقد، فيقرأ هذا الكتاب، ويفهم هذا الكتاب، ويراجع هذا الكتاب، ويسأل عما يشكل في هذا الكتاب؛ لأنه إذا عرف الكتاب الصعب كانت معرفته بالكتب السهلة لا تحتاج إلى معاناة، بحيث لو احتاج أي مسألة في كتاب من الكتب دون هذا الكتاب الذي قرأه لا شك أنه لن يشكل عليه شيء، وأنا أقول: هذا الكتاب الذي في أيدي بعضكم -شرح ابن دقيق العيد على العمدة- الطالب الذي يفهمه على وجهه لا يحتاج أن يسأل على مسائل في أي شرح من الشروح، هل إحالة طلاب العلم على مثل هذا الشرح لتعذيبهم؟ لا، وإنما للعناية بهم، كررنا مراراً أن عناية أهل العلم بزاد المستقنع مع أن عبارته مستغلقة ليست عبث، عنايتهم بالمنتهى مع أن عبارته صعبة ليست عبث، عناية المالكية بمختصر خليل ليست عبث، إنما إذا فهم الكتاب -هذا الكتاب المستغلق الشديد إذا فهم- فما دونه من باب أولى، وبعض الناس يقول: لا، يكفي، الكتب المختصرة الآن،

ص: 32

ومذكرات والكتب التي رتبت ونظمت وهذبت والخلاف والأقوال والأدلة والرأي، هذه ما تربي طالب علم؛ لأن الإنسان يتصور نفسه في بلد نائي ما عنده أحد، وأشكل عليه مسألة وعنده المراجع ما يستطيع يراجع، إذا لم يترب على المتون المعتبرة عند أهل العلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام ردده مراراً؛ ليحفظ عنه هذا العلم، والعلم لا يستطاع براحة الجسم، أبداً، لا يمكن أن ينال العلم براحة الجسم، وقد يقول قائل: لماذا تعبه مرتين ثلاث علشان إيش؟ علشان يضبط ويتقن، الآن إذا كان عند المدير كاتب، ثم بعد ذلك هذا الكتاب حرر له خطاب، كتبه بالآلة ثم قرأه المدير، ووجد نقطة ساقطة، أخذ القلم ووضعها بالحبر الأسود ما تبين، لكن متى يتعلم هذا الطابع؟ لو قال له: امسح هذه الكلمة واكتب غيرها، أو قال له: راجع الخطاب، وابحث عن الخطأ، الكتاب فيه خطأ، يعني لو قال له: امسح هذه الكلمة ترى فيها خطأ واكتب غيرها، لا شك أنه أثبت في ذهنه من كونه يضع المدير النقطة بقلمه، لكن لو قال له: راجع الكتاب أنت، واستخرج الخطأ، وصحح الخطأ، مثل هذا لن يخطئ مرة ثانية، هذا أسلوب من أساليب التربية والتعليم، هذا يحتاج إليه باستمرار، فقال هنا في القسم على الأمور المهمة:"والذي بعثك بالحق" يقسم بالله -جل وعلا- أنه لا يحسن غير ما صنع، فالقسم على الأمور المهمة مطلوب، وجاءت به النصوص الكثيرة، كثيراً ما يقول النبي عليه الصلاة والسلام:((والذي نفسي بيده)) يقسم ويحلف من غير استحلاف، أما إذا كان الأمر غير مهم جاء النهي عن جعل الله -جل وعلا- عرضة للأيمان، أما في الأمور المهمة يحلف من غير استحلاف.

ص: 33

فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر)) هذه تكبيرة الإحرام بلفظ: الله أكبر، لا يجزئ غيرها، وهي ركن من أركان الصلاة عند الجمهور، وشرط عند الحنفية، وسبق أن قررنا الخلاف والفوائد المرتبة عليه ((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) وهذا مجمل بينه حديث عبادة الآتي:((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) وفي بعض الروايات: ((ثم اقرأ بأم القرآن)) فدل على أن ما تيسر ما زاد على الفاتحة، أما الفاتحة أمر لا بد منه، الفاتحة لا بد منها، كما سيأتي في حديث عبادة.

((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)) وفي هذا دليل للجمهور الذين لا يوجبون تكبير الانتقال، ما قال:"ثم كبر ثم اركع" لا، لكن التكبير ثابت من فعله عليه الصلاة والسلام، ومداومته عليه، وخلفاؤه من بعده داوموا عليه، وهذه حجة من يقول بوجوب تكبيرات الانتقال، والمسألة سبقت ((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)) في الحديث الصحيح: ((حتى يعود كل فقار إلى مكانه)).

ص: 34

((اركع حتى تطمئن راكعاً)) وتمكن يديك من ركبتيك، وتسوي ظهرك ورأسك مع آخرك، على الصفة المشروحة سابقاً في الركوع، وتأتي بالذكر المطلوب، والقدر الواجب منه ما يستطيع معه أن يمكن يديه من ركبتيه، ويهصر ظهره، ويأتي بالذكر ولو مرة واحدة، وما زاد على ذلك هل هو واجب أو مستحب؟ الزيادة على القدر الواجب في العبادات واجب أو مستحب؟ هذا إذا كان متميزاً بنفسه الإجماع على أنه مستحب، يخرج صاع فطرة وصاع ثاني زيادة، هذا مستحب اتفاقاً، لكن إذا خلط الصاعين جميعاً، أو أخرج كيس هل الواجب الصاع وما زاد عليه مستحب؟ مسألة خلافية، منهم من يقول: إذا كانت الزيادة لا تتميز بنفسها تأخذ حكم الأصل، قد يقول قائل: ما الفائدة من الخلاف؟ إذا قلنا: الزيادة في الركوع على القدر الواجب مستحب ماذا يقول من يرى عدم صحة صلاة المفترض خلف المتنفل؟ إذا أدركه في القدر الزائد على الواجب؟ ماذا يقول؟ الحنابلة يقولون: لا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، دخلت والإمام راكع، وقال: سبحان ربي العظيم، الواجب انتهى، فأدركته في القدر المتسحب، ولا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، هم يقولون: إن الزيادة إذا لم تتميز بنفسها تأخذ حكم الأصل، هذه أمور لا بد من الانتباه لها؛ لأن المذاهب لا بد أن تكون منضبطة؛ لئلا يرد عليها ما يرد، والفقهاء من أدق الناس في هذه الأمور.

((ثم أركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)) وفي بعض الأحاديث الصحيحة في صفة الصلاة: ((حتى يعود كل فقار إلى مكانه)) كل عضو وكل مفصل يعود إلى مكانه، طيب في حال الاعتدال لا بد أن يعود كل فقار إلى مكانه، هل المراد كل فقار يعود إلى مكانه قبل الدخول في الصلاة أو قبل الركوع؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه، وش يترتب على هذا؟ وضع اليدين، إذا قلنا: يجب أن يعود كل فقار إلى مكانه قبل الركوع تقبض يديك وتضعهما على صدرك، وجاء هذا في حديث وائل ما يدل عليه، وإذا قلنا: يعود كل فقار إلى مكانه قبل الصلاة ترسل يديك، كما يرجح الألباني وغيره -رحمة الله عليه-.

ص: 35

((حتى تعتدل قائماً ثم اسجد)) ولم يذكر التكبير -تكبير الانتقال- ولا ذكر سمع الله لمن حمده، وهذا يستدل به من يقول بعدم الوجوب، وقل مثل هذا في التسبيح، وقل ربنا ولك الحمد، وغير ذلك من الأذكار، الأكثر على أنها ليست بواجبة هذه، والحنابلة يوجبونها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام داوم عليها، وقال:((صلوا كما رأيتموني أصلي)).

((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)) في الحديث الذي سبق: ((حتى تعتدل ساجداً)) وعرفنا معنى الاعتدال، اعتدال الشيء تقويمه على مقتضى نظر الشرع، هذا اعتداله، وضربنا لذلك أمثلة، فتعديل الخاتم مثلاً، تعديل الخاتم كيف يكون تعديله؟ تقويمه؟ يستقيم كذا؟ ما يجئ ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم أرفع حتى تطمئن جالساً)) والمقصود الطمأنينة في الركوع والسجود والرفع من الركوع والرفع منه، وهذا تقدم خلافاً لمن لا يطمئن في الرفع من الركوع والرفع من السجود، مهما كانت إمامته، وأتباع المذاهب بعضهم ينقر هذين الركنين نقر.

((وافعل ذلك في صلاتك كلها)) وجاءت الإشارة إلى جلسة الاستراحة في رواية عند البخاري، وسقناها في أول الدرس ((وافعل ذلك في صلاتك كلها)) وعلى هذا القراءة والركوع والسجود والاعتدال والرفع كله مطلوب في كل ركعة، بما في ذلك القراءة، يعني هل القراءة ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) كما سيأتي هل يكفي في ركعة أو في الغالب؟ لأن الغالب له حكم الكل ....

ص: 36