المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صدقة الفطر - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ٢٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب صدقة الفطر

عمدة الأحكام - تابع كتاب الزكاة،‌

‌ كتاب الصيام

(1)

‌باب صدقة الفطر

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

لكن النبي عليه الصلاة والسلام ما يترك مثل هذا الظرف من غير بيان، يعني ما أعطى المؤلفة قلوبهم وقال: توكلوا على الله، وأنتم يا أنصار ما لكم شيء، توكلوا على الله، وانتهت المسألة؟ لا، يبي يرتب الرسول عليه الصلاة والسلام يبين من خلال هذه القسمة فضل الأنصار، استغلال لمثل هذا الظرف أحياناً الإنسان يتمنع من أمر ليبين فضل صاحبه.

ص: 1

"فكأنهم وجدوا" الفعل (وجد) ثلاثي وجد ما يتغير؛ لكن المصدر يتغير، وجد وجداً، ووجد وجوداً، ووجد موجدةً، ووجد وجادةً، المقصود أن هذا من الموجدة، وهي الغضب، وجدوا في أنفسهم شيء، تأثروا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، وبعض الناس يتأثر؛ لأنه حرم من أمر الدنيا، وقد يقع أو يرد على خواطرهم أنهم احتمال أن يكون أثرهم في الجهاد ضعيف، ما استحقوا عليه شيء من الغنيمة، وهذا يحز في النفس، وهذا قد يورث في النفس مثل هذه الموجدة، فالنبي عليه الصلاة والسلام خطب ليبيّن الآن ليرفع الأنصار ويعطيهم حقهم أكثر مما أعطى غيرهم من حطام الدنيا، فخطبهم فقال:((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) نعم كانوا ضالين، ((ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) كانوا كفار، ((فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين)) يعني بينهم محن وعداوات وحزازات جعلت أقرب القريب من أبعد الناس عن قريبه، ((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالةً فأغناكم الله بي؟ )) قال:((ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) قالوا: "الله ورسوله أمنّ" يعني ما قالوا: أنت وجدتنا ضلال؛ لكن أيضاً وجدت قريش ضلال، وش الفرق؟ ما يمكن أن يقال مثل هذا الكلام؟ لكن هؤلاء الأنصار ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) هؤلاء الأنصار بإمكان الواحد منهم أن يقول: جماعة قريش كانوا ضلال فهداهم الله، إيش الفرق؟ ليش تعطيهم واحنا لا؟ ما هو يمكن أن يقال هذا الجواب وهو صحيح؟ ما كانوا ضلال قريش وهداهم الله؟ كان جوابهم:"الله ورسوله أمنّ" المنّة لله -جل وعلا-، ((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي)) قالوا:"الله ورسوله أمنّ" ما ردوا عليه بردٍ يمكن أن يكون مقبول، الله ورسوله أمنّ، ((وعالة فأغناكم الله بي)) وما قالوا أيضاً: قومك أكل بعضهم بعضاً، لما دعوت عليهم، وأكلوا الهوام، وأكلوا الجيف، وأكلوا كل شيء، ((عالةً فأغناكم الله بي؟ )) قالوا:"الله ورسوله أمنّ" النبي عليه الصلاة والسلام اقتنع إلى ما عندهم، اطمأن إلى ما في قلوبهم؛ لكن أراد أن يزيدهم طمأنينة وأن يرفع من شأنهم، قال: ((لو شئتم لقلتم: جئتنا بكذا وكذا، لو شئتم قلتم فصدقتم وصدّقتم، لو شئتم قلتم: جئتنا مكذباً

ص: 2

فصدقناك)) صحيح، كذبته قريش فهاجر إلى المدينة، ((ج ئتنا مخذولاً فنصرناك)) أخرج النبي عليه الصلاة والسلام ((أومخرجيهم؟ )) قال: نعم، فأخرج من بلده، ((وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك)) هذا الكلام صحيح؛ لكن فيه إظهار للمنّة، ما يقولون مثل هذا الكلام وإن كان حقيقة وواقع؛ لأنهم لا يرون لأنفسهم منّة على الله ولا على رسوله عليه الصلاة والسلام، وبهذا استحقوا هذه المنزلة، ثم قال عليه الصلاة والسلام:((ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ )) يعني سهل أن يذهب الناس بحطام الدنيا، وأنتم تذهبون بالنبي عليه الصلاة والسلام، أشرف مخلوق إلى رحالكم؟ ((لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار)) يعني لولا أن الله -جل وعلا- قسم خيار هذه الأمة إلى مهاجرين وأنصار والهجرة وصف شرعي تترتب عليه آثاره ولوازمه لا يمكن التخلي عنه كالنسب، لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار، والنبي عليه الصلاة والسلام بالمعنى العام للنصرة هو الذي نصر الله به الدين، وهو الذي أقام الله به الدين؛ لكن بالمعنى الخاص، بالمعنى الأعم يدخل المهاجرون في الأنصار؛ لأنهم نصروا الدين، أي نصرٍ أعظم من نصر أبي بكر وعمر للدين؟ فهم أنصار بالمعنى الأعم؛ لكن بالمعنى الأخص الذي يريد أن يقرره النبي عليه الصلاة والسلام لا يدخل فيه من ذكر، ((لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها)) نعم كان الناس لما كانوا ينتقلون ويضربون في الأرض من مكانٍ إلى آخر تجد كل جماعة مع بعض، أهل البلد الفلاني، أهل أفراد القبيلة الفلانية، أبناء الرجل الفلاني، المقصود من يجمعهم وصف واحد تجدهم في شعبٍ مستقل، هؤلاء الذين يجمعهم وصف واحد، ((ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار)) عليه الصلاة والسلام، فيقدمهم على غيرهم، يبقى في النفوس شيء بعد هذا الكلام؟! لن يبقى شيء قط، بل قد يجد من أعطي الأموال الطائلة في نفسه شيء من هذا الكلام؛ لكن الله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي عليه الصلاة والسلام قاسم، ((إنما أنا قاسم والله المعطي)).

ص: 3

فيقول: ((الأنصار شعار، والناس دثار)) الشعار: هو اللباس الذي يلبس مما يلي البدن؛ لأن هذا اللباس الذي يلي البدن يلي شعر البدن مباشرةً فهو شعار، والدثار: ما يلبس فوقه، الشعار: هو الذي يلبس مما يلي البدن لأنه يلامس ويباشر شعر البدن، وما فوقه يسمى دثار.

((إنكم ستلقون بعدي أثرة)) يعني كلام النبي عليه الصلاة والسلام لو مثلناه في واقعنا، وقال أخونا: الثالث الذي أجاب بالجواب الدقيق أنت أعطيت فلان وفلان، وأنا جوابي هو الدقيق، يعني ما يكفيك من قول ما شاء الله، جوابك هو الصحيح الدقيق فعلى كل حال القبائل، هذه قبائل، الأوس والخزرج مثل بني تميم يزيدون وينقصون، هي قبائل على كل حال، الأنصار شعار مثلهم النبي عليه الصلاة والسلام بما يلامس جسده الطاهر الشريف وغيرهم دثار، حتى قريش دثار، يعني يلبس فوق الشعار.

ولذا جاء في حديث أم عطية في غسل ابنته عليه الصلاة والسلام قالت: "فأعطانا حقوه، فقال:((أشعرنها إياه)) يعني اجعلنه شعاراً، يلبس مما يلي البدن، والناس دثار، ((إنكم ستلقون بعدي أثرة)) بلا شك حصل لهم ما حصل؛ لأن الملك في غيرهم، الملك الأئمة من قريش، ومعلوم أن طبيعة الملك تقريب الأقرب، طبيعة الملك هكذا؛ لأن البشر علمهم بالأقربين أكثر من علمهم بالأبعدين، وما دام يعرف حقيقة هذا الشخص من أقاربه ويخفى عليه حال البعيد يولي هذا القريب الذي يعرفه مع ما جبل عليه الناس من الميل إلى مثل هذا، فوجد الأنصار أثرة، وأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالصبر، ((إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) وهذا فيه بيان لمزيّتهم وشرفهم ومنزلتهم في الدين، وبيان أيضاً أنهم ممن سيرد الحوض على النبي عليه الصلاة والسلام، بلا شك الهجرة لها وقع وشأن في الشرع، يقولون: إيش دخل هذا الحديث في كتاب الزكاة، لماذا أدخل المؤلف رحمه الله هذا الحديث في كتاب الزكاة؟ إعطاء المؤلفة قلوبهم، وهو من مصارف الزكاة، وأيضاً؟

طالب:. . . . . . . . .

ما يزكى، هو يقسم بين الغانمين، فمن غنم شيئاً، من ناله أكثر من النصاب وحال عليه الحول يزكي.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 4

لا الخمس هذا {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال] هذا ما له علاقة بالزكاة المقصود أن هذا له صلة بالزكاة من وجوه، أنه يشبه الزكاة في إعطاء المؤلفة كما ذكر الأخ، ونسمع الجواب الدقيق.

أيضاً أن من أعطي من الزكاة أكثر من غيره أو أقل من غيره أن يمتثل هذا الحديث، ويتصور أن المعطي هو الله -جل وعلا-، والنبي عليه الصلاة والسلام قاسم، والغني الذي تجب عليه الزكاة إنما هو يتولى قسمة ما أعطاه الله -جل وعلا-، {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] يعني لو تصور اثنين ظروفهم واحدة أو واحد أفقر من الثاني ادخلوا على شخص غني جداً يوزع الزكاة، ثم قال: من أقل حاجة؟ هذا فقير لكنه أقل حاجة، هذه عشرة آلاف تصرف بهن خلال هذه السنة دبرهن على بيتك وعيالك، ثم جاء الثاني وهو أشد حاجة قال: والله ما عندي شيء، هل من حق هذا الفقير الذي ما أُعطي في المجالس يتحدث فلان حرمني فلان أعطى فلان وتركني؟ ليس له ذلك، الله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي عليه الصلاة والسلام قاسم، وهذا يعطي أو يقسم ما يعطيه الله -جل وعلا-، وما يكتبه الله -جل وعلا- لخلقه على يديه، أبداً، فليتصور الفقير مثل هذا، ما يقول: والله هذا يتخبط في مال الله يعطي فلان ويحرم فلان، نعم أنت مخاطب بأن ترضى وتسلم؛ لكن أيضاً الغني مخاطب بأن يرفع حاجة الفقير، لكل شخص ما يخصه من الخطاب، الخطاب الشرعي، ليس معنى هذا أن الأغنياء يرون شخص فقير ويقولوا: هذا والله ما كتب الله له شيء محنا معطينه، معنى هذا أنه يحرم بعض الناس يقول ما كتب الله لك شيء، أنت مأمور بأن تعطيه إذا كان فقير، لكن كون تقدم عليه واحد وتأخر واحد والآن ما معك شيء أو الرصيد ما في شيء اليوم، ممكن هذا، هذا الذي ليس بيدك، أما إذا كان بيدك وهذا فقير وهذه زكاة طالعة طالعة ما تحرمه إلا بسببٍ بين، فإذا حرمته لسببٍ بين أنت مقتنع به، فالذي حرمه في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وإذا أعطيته لسببٍ ولمبررٍ واضح فالذي أعطاه في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وأنت وسيلة توصل هذا المال إلى عباد الله.

ص: 5

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر -أو قال رمضان- على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، قال: فعدل الناس به نصف صاعٍ من برٍ على الصغير والكبير، وفي لفظٍ: "أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعامٍ، أو صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقطٍ، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السامراء، قال: أرى مداً من هذا يعدل مدين؟ قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب صدقة الفطر، صدقة الفطر مضاف ومضاف إليه والإضافة سببية؛ لأن هذه الصدقة سببها الفطر من صيام شهر رمضان، وهي شكر للمنعم على الإتمام، وتجب بغروب الشمس، بغروب شمس آخر يومٍ من رمضان؛ لأن سببها الفطر، والفطر يكون في هذا الوقت، والوجوب الذي يذكر في مثل هذا يراد منه أن من ولد بعد غروب الشمس، أو مات قبل غروبها، أو ولد قبل غروبها أو مات بعد غروبها إذا قلنا: سبب الوجوب السبب هذا الوقت فمن مات قبل غروب الشمس تخرج عنه صدقة الفطر؟ تخرج وإلا ما تخرج؟ لا تخرج؛ لأنه مات قبل وقت الوجوب، مات بعد غروب الشمس؟ تخرج عنه ولد قبل غروب الشمس؟ تخرج عنه وإلا ما تخرج؟ تخرج، ولد بعد غروب الشمس لا تخرج إلا على سبيل الاستحباب؛ لأنها تستحب عن الحمل، فهذا معنى كون الإضافة سببية، صدقة الفطر شرعت طهرة للصائم، إنما شرعت طهرةً للصائم، تطهره وترفو ما اشتمل عليه صيامه من خلل، وترقع ما فيه من فتوق.

ص: 6

وعلى كل حال هي عند عامة أهل العلم واجبة، ووجوبها ثابت بالكتاب والسنة والإجماع {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(15) سورة الأعلى]{تَ زَكَّى} زكاة الفطر {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} يعني صلاة العيد، بينما جاء في عيد الأضحى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وهنا {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} يراد زكاة الفطر، وصلاة العيد، وأما السنة فالأدلة متكاثرة منها ما معنا، وتجب على جميع المسلمين ومن العدل بينهم أن يتساووا في هذه الفريضة، الكبير والصغير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والوضيع والحقير والكبير والشريف، كلهم فطرتهم صاع، وهذا شأن هذا الشرع المطهر في تشريعه العام، ما يقال: هذا والله كبير، هذا شريف يكفي، لا بد أن يؤخذ منه عشرة آصع، وهذا وضيع من أسرةٍ تجد ما تخرج لكنها ليست ذات بال ولا شأن، يكفي منهم الذي يجي بس، لا لا، مثل هذه الأمور لا توكل إلى الاجتهاد، ولذا في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال: صدقة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك، طيب الذكر والأنثى، الذكر صاع والأنثى صاع؟، أو نقول:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] الذكر صاع والأنثى نصف صاع؟ بالتساوي، طيب ما جاء في النصوص أن المرأة على النصف من الرجل في كم موضع؟ خمسة، ليس هذا منها، خمسة مواضع المرأة على النصف من الرجل من يذكرها؟ الدية، الميراث، الشهادة {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [(282) سورة البقرة] بقي اثنان: العقيقة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، والعتق يعني يعتق رجل أو امرأتين، فعتق الرجل يعادل عتق امرأتين، ليس هذا منها، ما يقال: والله المرأة على نصف، الذكر مثل حظ الأنثيين، ما تطلع إلا نصف صاع، لا لا أبداً، على الذكر والأنثى، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى فرض يعني أوجب أو قدّر، فزكاة الفطر واجبة؛ لأن معنى فرض أوجب، ومنهم من يقول: فرض هنا بمعنى قدّر، قدر زكاة الفطر صاع، صدقة الفطر صاع، يعني

ص: 7

مقدرة من قبل الشارع، معنى فرض قدر، وبهذا لا يلزم الحنفية بمخالفة اصطلاحهم، الحنفية يرون زكاة الفطر واجبة، عند الأكثر ما في مشكل سواء كانت واجبة وإلا فريضة ما في فرق، بالإمكان أن يقول الحنبلي زكاة الفطر فريضة وواجبة ما يفرق أو المالكي أو الشافعي؛ لكن إذا قلت للحنفي: زكاة الفطر فريضة وإلا واجبة؟ لقال: لا واجبة ليست فريضة، طيب ابن عمر يقول: "فرض رسول الله .. فريضة؟ هل نقول: أن اصطلاحهم خالف النص أو يقولون: فرض بمعنى قدّر، ويسلم اصطلاحهم لهم؛ لأنهم يفرقون بين الفرض والواجب، الفرض ما ثبت عندهم بدليلٍ قطعي، والواجب ما ثبت بدليلٍ ظني، والدليل مثل هذا يسمونه ظني؛ لأنه خبر آحاد، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، طيب إذا اختلفت الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية، عرفهم الخاص أن زكاة الفطر ليست فريضة، وابن عمر يتحدث عن الحقيقة الشرعية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر، تقدم الحقيقة العرفية وإلا الحقيقة الشرعية؟ يعني لما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) يقول جمهور أهل العلم: الغسل يوم الجمعة ليس بواجب نقول هذه معاندة؟ لا، ليست معاندة، حينما يقول الحنفية: زكاة الفطر ليست فريضة، مع قول الصحابي هذا هذه ليست معاندة، لو يجي واحد من الموجودين الناس الآن ويقسم بالله أنه ما رأى في عمره جمل أصفر، نقول: كذبت، تب إلى ربك أنت خالفت القرآن؟ {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] نقول: والله الأصفر ذا اللي حنا نشوفه ذا هو هذا الأصفر عند الناس؟ نقول: والله ما شفت جمل بهذي الصورة، يعني تعارض الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية ليست معاندة؛ لأن الجهة منفكة، هو يحلف على شيء وأنت تقرر شيء، فلا يسمى هذا معاندة، على كل حال المسألة تحتاج إلى شيءٍ من العناية والبسط؛ لأنه كثير من الحرج الذي يقع به بعض الناس يزول بمثل هذا، وعلى كل حال كل ما أمكن أن تتحد الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية فهو أولى، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر، أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك، وتقدم في المملوك، تقدم فيه ليس على المسلم في عبده ولا

ص: 8

فرسه صدقة، وفي لفظٍ:"إلا زكاة الفطر، على الذكر والأنثى والحر والمملوك" يعني هل زكاة الفطر على كل مسلم بمعنى أنها تجب عليه؟ وهو المخاطب بها؟ فالمملوك يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه؛ لأنها زكاة، مفروضة عليه، المرأة يجب عليها أن تخرج زكاة الفطر، الصغير يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر، أو أن المخاطب بهذا السيد والزوج والأب بالنسبة للصغير؛ لأنه يقول: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعير" يعني هي مفروضة على من يتجه إليه الخطاب، يعني مملوك ما يملك، ما عنده، ولا بد من إخراج الزكاة عنه من مال سيده؛ لأنه لا يملك، إذاً هي مفروضة على السيد وإلا على المملوك؟ انظروا في النص، مقتضى النص، طيب المملوك يقول: أنا مملوك وش عندي ما أملك أنا، مسكين، والمرأة تقول: أنا والله ما عندي شيء، مصروفي يالله يكفيني، الصبي الصغير يقول: فرض الله علي لكن أنا ما عندي شيء، فهل تسقط عنهم زكاة الفطر أو يلزم وليهم؟ إذاً الخطاب يتجه لمن؟ فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً؟ يعني (على) يعني في حق هؤلاء على أوليائهم، صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، قال: "فعدل الناس به نصف صاعٍ من بر على الصغير والكبير" وفي لفظٍ: "أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى" الصاع من هذه الأنواع من التمر، من الشعير، من الطعام، من الزبيب، من الأقط تنوع هذه الأطعمة التي تخرج منها زكاة الفطر يدل على أن المقصود قوت البلد، تنوع هذه الأنواع يدل على أن المراد هو قوت البلد، ولذا قال جمع من أهل العلم أنها ليست توقيفية، بمعنى أنها لا تصح إلا من الأنواع المذكورة، بل كل ما يقتاته الناس في بلد ٍمنا يخرج منه، وهو الأنفع لفقراء البلد، يعني لو تأتي بلد وهم ما يأكلون الشعير، فتعطي الفقير شعير، وإلا تعطيه رز؟ أيهما أفضل؟ الشعير منصوص عليه لكن الرز ما نص عليه، نقول: هذا أفضل، أقول: تنوع هذه المدفوعات يدل على أن المراد كما يقرره جمع من أهل العلم قوت البلد، وليست توقيفية، فعدل الناس به التمر والشعير وغيره نصف صاع من بر على

ص: 9

الصغير والكبير، وفي لفظٍ:"أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى" هذا وقتها، وكان الصحابة يعطونها قبل العيد بيومٍ أو يومين، كما في البخاري، كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطونها قبل العيد بيومٍ أو يومين، وهذا فيه فرصة للآخذ والمعطي، فيه سعة، وإن كان الأصل أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى؛ لكن إذا تأخرت عن الصلاة فهي صدقة من الصدقات، فليست بزكاة فطر، فلا يجوز تأخيرها إلى ما بعد الصلاة؛ لكن هذا خرج ومعه زكاة الفطر، وهو خارج إلى المصلى، معه زكاة الفطر له ولأولاده، افترض خمسة عشر صاع، كيس مليان ورابطه يبي يشيله معه بالسيارة انفك الكيس وانكب بالتراب، بحث عن ناس يبيعون ما وجد إلا بعد الصلاة، تحصل وإلا ما تحصل؟ انكب واختلط بالتراب وش يسوي عاد؟ يخرجها بعد الصلاة وإلا ما يخرج؟ يسعى أن يخرج ما يمكن إخراجه قبل الصلاة، يحرص على هذا، والذي لا يمكن، الشكوى لله، بعد الصلاة ضرورة هذه، وإلا فالأصل أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعامٍ، أو صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقطٍ، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السامراء قال: "أرى مداً من هذا يعدل مدين؟ والصاع كم مد؟ أربعة أمداد، الصاع أربعة أمداد، إذاً مدين تعدل الأربعة، والمدين نصف صاع، إذاً رأى معاوية أن نصف صاع من السمراء تعادل الصاع من غيرها، فكان يخرج معاوية نصف صاع، يقول:"فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مداً من هذه يعدل مدين" فهذا فعل صحابي اجتهد ووافقه عليه بعض الصحابة، وخالفه آخرون، والعبرة بالمرفوع، والمرفوع ليس فيه إلا الصاع، فاجتهاد مرجوح، ولذا استمر أبو سعيد وجمع من الصحابة استمروا على ما كانوا يخرجونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وأبو سعيد معروف في ثباته، حتى في إنكاره على من يخالف السنة له مواقف رضي الله عنه وأرضاه-.

ص: 10

طيب هذا شخص واحد زكاته زكاة الفطر بالنسبة له صاع، وقال: فرصة الآن من فطري ونتصور المسألة التي ذكرناها أنه انكب فجاء وقال: هذا الكيس يباع أنا بخرجه كله زكاة، صدقة عني، ثم حصل له ما حصل أراد أن يحمله ومع دخول الإمام قبيل دخول الإمام انكب، ووجد صاع يباع يكفيه أن يشتري هذا الصاع ويخرجه عن نفسه، أو نقول: الواجب عليك مثل الذي انكب منك كيس؟ المسألة تنطوي تحت قاعدةٍ عامة، الزيادة على القدر المحدد شرعاً عند أهل العلم إن كانت الزيادة متميزة بنفسها فالقدر الزائد نفل، وإن كانت الزائدة غير متميزة فالجميع واجب، أنت ما عليك إلا صاع، فطلعت كيس هذا غير متميز، الفرق ظاهر وإلا ما هو ظاهر؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، يعني شخص أخرج دينار عن عشرين، خلينا نجيب مثال الذي بروضة الناضر الذي درستوه كلكم، كمن أخرج ديناراً عن عشرين، يجب عليه في العشرين كم؟ نصف دينار، فجاء وأخرج دينار، هل نقول: أن الواجب عليك نصف دينار، والثاني تطوع، أو نقول: الكل باعتباره غير متميز؟ نعم لو أخرج نصف دينار، قال: خذ وأنت خذ نصف الدينار الثاني، خلاص انتهى الإشكال، متميز، وهذا لو جاء بالآصع كل واحد بمفرده، قلنا: هذا الواجب والبقية نفل؛ لكن هذا طلع كيس كامل صدقة الفطر وهو واحد، يرى بعضهم أن الزيادة إذا لم تكن متميزة فهي واجبة عليه، فعلى هذا يلزمه بدل الواجب كيس كامل، ما يكفي صاع.

ص: 11

نأتي إلى القدر الزائد عن الواجب في الركوع، القدر الواجب في الركوع أن يطمئن راكعاً، ويأتي بالتسبيح ولو مرة، وما زاد على ذلك فهو سنة، دخل واحد وجد الإمام راكع ومطمئن ومنتهي من القدر الواجب، وزاد الإمام من أجل هذا الداخل زيادة تسبيحات واطمئن زيادة، الآن نقول: هذا الداخل أدرك الإمام وهو مفترض وإلا متنفل؟ الآن القدر الزائد على الواجب نفل وإلا فرض؟ متميز وإلا غير متميز أو ما في فرق؟ هذا متميز وإلا ما تميز؟ هذا ما تميز يا إخوان، ولذلك الحنابلة ما يشكل عليهم مثل هذا في إمام المفترض خلف المتنفل، يطول الإمام ما شاء وزيادة غير متميزة والكل واجب، ولا يعني هذا أنه يأثم فيما لو تركه، خلاص ما يأثم لو ترك؛ لكنه حكماً حكمه حكم الواجب، ولذا لا يشكل عليهم في أصلهم في مسألة صلاة المفترض خلف المتنفل، فننتبه لمثل هذه الأمور.

طالب:. . . . . . . . .

لا هم عندهم القدر الزائد على الواجب، قاعدة معروفة، حتى الإخوان الذين درسوا روضة الناظر مرت عليهم، وقواعد ابن رجب مرت عليهم؛ لكن باعتبار روضة الناظر باعتبارها مقرر في الكليات معروفة قطعاً، ونذكر المثال كمن أخرج ديناراً عن عشرين، هذا مثال صاحب الروضة، وعلى كل حال صنيع أبي سعيد يدل على ما كان عليه من شدة الاتباع، والتمسك بالآثار، وترك العدول عن المأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام إلى غيره مهما كان قائله، وهكذا ينبغي للمسلم أن يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.

هذا يقول: هل يجوز قول القائل: منة الله ولا منة خلقه؟

يعني لو أن شخصاً لا يستطيع الحج، وجاء واحد قال: هذه خمسة آلاف حج، يقول له: يا أخي أنا الآن معذور ومنة الله ولا منة خلقه، هذا الكلام صحيح من حيث المعنى، الله -جل وعلا- أمنّ، هو الذي منّ عليك بأن لا تتكلف فوق طاقتك، والمال المبذول من قبل هذا التاجر لا يسلم من منّة، فالمعنى صحيح؛ لكن يحتاط الإنسان في كلامه أكثر.

ما مقدار القلتين؟

خمس قرب، يعني خمسمائة رطل عراقي، كما قال أهل العلم.

يقول: ما صحة الزيادة في هذا الحديث: ((ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده)

ص: 12

لا، ((بل تزده)) هذه ليست ثابتة، ومن حيث العربية صحيحة وإلا ليست صحيحة؟ بل تزده بل تزده؟ يعني من حيث العربية غير صحيحة، الأصل: بل تزيده.

حديث: ((الأذنان من الرأس)

ضعيف.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الصيام:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصم)) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا السائل يقول: سؤال من الأمس أجلناه لليوم، للمناسبة يقول: لماذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم الحج على صوم رمضان في حديث ابن عمر؟

في حديث ابن عمر المتفق عليه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) هذا المتفق عليه والمخرج في الصحيحين، وخرج الإمام مسلم من حديثه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج)) فقيل له -لابن عمر-: "الحج وصوم رمضان؟ قال: لا، صوم رمضان والحج".

ص: 13

فالروايات المتفق عليها فيها تقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترتيب كتابه، فقدم المناسك والحج على الصيام، فالبخاري -رحمه الله تعالى- بنى كتابه، ترتيب كتابه على الرواية التي خرجها المتفق عليها في تقديم الحج على الصيام، ومسلم كغيره من عامة أهل العلم مشى على تقديم الصيام على الحج، والأكثر على أن الصيام أهم من الحج، وأعظم من الحج، والبخاري في تقديمه الحج على صوم رمضان يفهم منه أن الحج عنده أعظم من الصيام، وباللفظين جاء الخبر الصحيح، كيف يروي ابن عمر الحديث ويقدم الحج على الصيام ويخرج عنه في الصحيحين؟ وينكر على من رد عليه في صحيح مسلم تقديم الصيام على الحج؟ قال:"لا، صوم رمضان والحج" فأهل العلم يقولون: أن ابن عمر يروي الحديث من الوجهين، سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام بتقديم الصيام مرةً وبتقديم الحج مرة، وخرجه العلماء على هذا الأساس، وأن كل منهما صحيح، ومعروف في العربية أن الواو لا تقتضي ترتيب، إذاً ما دام على الوجهين عند ابن عمر كيف أنكر على من قال له: الحج وصوم رمضان، أنكر عليه أن يتدخل ويستدرك ما لا علم له به، ابن عمر عنده خبر أنه مرةً قدم هذا ومرةً قدم هذا، ورواه على الوجهين؛ لكن بعض الناس يرد ما لا يعرفه فمثل هذا يؤدب، كأن ابن عمر قال له: أنا أعرف منك، أنت سمعت الخبر من طريقي، والحديث عندي على الوجهين فلا ترد علي، خلي مرةً أروي على هذا ومرةً أروي على هذا، فإنكاره عليه من باب تأديبه وزجره، ومنهم من يقول: يحتمل أن ابن عمر نسي، هو يرويه عن الوجهين، ونسي الوجه الثاني لما رد على من استدرك عليه، ونسي الوجه الثاني لما استدرك عليه المستدرك، وعلى كل حال الوجهان صحيحان، والأكثر على تقديم الصيام، والرواية المتفق عليها بتقديم الحج، والحج شأنه عظيم، لو لم يكن فيه إلا قول الله -جل وعلا-:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] خطر عظيم الذي يجد، ويستطيع الحج ولا يحج، وجاء عن عمر رضي الله عنه كتب إلى الأنصار أن ينظر إلى من كانت عنده

ص: 14

جدة، ويستطيع الحج فلم يحج أن تضرب عليه الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، ولهذا قدم البخاري الحج على الصوم استناداً على الرواية، ولما جاء في ذلك من نصوص تعظم شأن الحج، جاء في الصيام أيضاً نصوص شديدة، من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر ولو صامه، فالأمر ليس بالسهل، ركن من أركان الإسلام شأنه عظيم، حتى قال بعض أهل العلم بكفر تاركه، ولو أقر بوجوبه، يعني كما ذكرنا في درس الأمس في الزكاة، أن من أهل العلم من يرى كفر تارك الأركان العملية، تارك أحد الأركان العملية، وهي رواية عند الإمام أحمد رجحها بعض أصحابه، وذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، المقصود أن الأركان شأنها عظيم، الأركان شأنها عظيم، ومنها الصيام الذي معنا، وما يليه من الحج، وما قبله من صلاةٍ وزكاة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الصيام، كتاب تقدم التعريف به، والصيام مصدر صام يصوم صياماً كقام يقوم قياماً، ومنهم من يقول: كتاب الصيام، ومنهم من يقول: كتاب الصوم، وهو اسم مصدر أيضاً لصام، كما يقال: نام ينام نوماً، على كل حال هما مصدران للفعل صام، والصيام في اللغة: الإمساك {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [(26) سورة مريم] إمساك عن الكلام.

خيل صيام وخيل غير صائمة *****. . . . . . . . .

ص: 15

المقصود أن منها الممسك عن الأكل، ومنها الخيل التي تأكل، فمجرد الإمساك في لغة العرب يسمى صيام، وهو في الشرع الإمساك في النهر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطرات من أكلٍ وشربٍ وجماع، الإمساك عن المفطرات بنية، بنية التقرب من أكلٍ وشربٍ وجماع، هذا هو الصيام الشرعي مما ورد في الشرع، هذا الصيام الشرعي؛ لكن لو أمسك عن الطعام من طلوع الشمس إلى غروبها، هذا ممسك عن الأكل، وهو صائم لغةً؛ لكن هل صيامه شرعي؟ يؤجر عليه؟ لا يؤجر على مثل هذا الصيام، وإن تعبّد به دخل في حيّز الابتداع، بدعةً أن يمسك الإنسان بنية التقرب إلى الله -جل وعلا- من طلوع الشمس إلى غروبها، ومما يذكر الأستاذ أحمد أمين أديب معروف، وتولى القضاء الشرعي، ودرس في المدارس الشرعية؛ لكنه محسوب في الجملة على الأدباء، يذكر في مذكراته كتاب اسماه (حياتي) أنه ممن درسه في مدرسة القضاء الشرعي شخص أعجبه في علمه وسمته، ثم انقطع خبره هذا الشخص، يقول: بحثت عنه عشر سنين لم أجده، ثم تيسر له أن سافر إلى تركيا فوجد شخص هناك قد انقطع عن الناس، ولزم الصيام والقيام، لزم الصيام والقيام، تصوّف على حد زعمه؛ لكن يقول: كان يصوم من ارتفاع الشمس إلى غروبها، طيب ما السبب؟ يقول: بجواره في السكن أو في الشقة التي يسكنها تحتها أسرة ما أدري الآن هل قال: يهودية أو نصرانية، يخشى أن يزعجهم إذا قام قبل صلاة الفجر، وأعد السحور، وتسحر وصام صيام شرعي، قلت: سبحان الله، يعني من لوازم شهادة أن محمداً رسول الله أن لا يعبد الله إلا بما شرع، لا بالبدع، هذه بدعة، والداعي إليها يعني المبرر قبيح، ليس له مستند لا عقل ولا نقل، لئلا يزعج الأسرة اليهودية أو النصرانية التي تسكن تحته، نسأل الله السلامة والعافية.

ص: 16

{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [(8) سورة فاطر] هذا ليس بصيام، إنما الصيام من طلوع الفجر، مقرون بالنية إمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام الشرعي، ولا بد أن يكون ليؤتي ثماره أن يكون على الوجه المطلوب، على الوجه الشرعي، على الطريقة النبوية؛ لأن بعض الناس يصوم يمسك عن المفطرات الحسية، ويزاول ما يزاول من جرائم ومنكرات، هل هذا صيام؟ نعم هو صيام مجزئ ومسقط للطلب، لا يؤمر بإعادته؛ لكن هل تترتب عليه آثاره؟ الفائدة العظمى من مشروعية الصيام التقوى، الثمرة العظمى من مشروعية الصيام أنه مورث للتقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] هذه هي الثمرة العظمى من مشروعية الصيام، فالصيام الذي لا يورث تقوى ولا يكف عن معاصي هذا وإن أسقط الطلب إلا أنه لا تترتب آثاره عليه، مثل هذا قل في كثيرٍ من الناس الذين يصلون، يحافظون على الصلوات مع الجماعة، الصلوات الخمس يحافظون عليها مع الجماعة، ويزاولون المنكرات والفواحش {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] يعني هل هذا كلام من؟ كلام الله -جل وعلا-، لا يختلف كلامه ولا يتخلف، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، طيب هذا يصلي لكن إيش الفائدة؟ ليست هذه الصلاة كما أمر الله -جل وعلا-، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تقام على مراد الله -جل وعلا-، وعلى ضوء ما جاء عن نبيه عليه الصلاة والسلام، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم:((صلوا كما رأيتموني أصلي)) يعني الصلاة المقبولة والصيام المقبول لا أعني الصيام الصحيح في عرف الفقهاء الذي لا يؤمر بإعادته، أعمال الفساق كلها غير مقبولة، وإن لم يؤمر بإعادتها، بل يحكم بصحتها {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فالذي يزاول المنكرات، ولا يتقي الله -جل وعلا- في فعل الأوامر واجتناب النواهي، هذا لا يتقبل الله منه عبادته، ومعنى نفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادات، وإلا فعبادات الفساق

ص: 17

صحيحة، بمعنى أنها مجزئة ومسقطة للطلب لا يؤمرون بإعادتها، والصيام كما أنه مورث للتقوى أيضاً هو مورث لمنزلة المراقبة لله -جل وعلا-، المراقبة، منزلة الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، كيف الصيام دون غيره يورث منزلة المراقبة؟ لأن الصيام سر بين العبد وربه، بإمكانه أن يفطر والناس لا يشعرون، بإمكانه أن يفطر والناس لا يدرون به، بينما العبادات الأخرى يراه الناس، فإذا كان يصوم والناس لا يرونه، ويثبت على صيامه، الصيام الشرعي، لا شك أنه يراقب الله -جل وعلا- في صيامه، وإذا تولدت عنده هذه الملكة، وهذه المنزلة، منزلة المراقبة اتقى الله، وترك ما حرم الله، وفعل ما أمره الله به، ولذا جاء في الحديث القدسي:((الصوم لي، وأنا أجزي به)) سر بين العبد وربه، ما الذي يمنعه أن يدخل في غرفته ويحكم إغلاق الباب، وكثير من الغرف الآن لما وسع الله على الناس فيها كل ما يحتاجه الإنسان، لو يغلق عليه الباب –باب غرفته- أيام ما تأثر، عنده الثلاجة، وعنده فيها الأكل والشراب، فيها كل ما يحتاجه، والله المستعان.

فإذا ترك هذا من أجل الله -جل وعلا- لا شك أن هذه مراقبة في الخلوة، والمراقبة في الخلوة تبعث على مراقبة الجلوة، يعني بين الناس، وهذه المنزلة منزلة عظيمة جداً، قد لا تحصل لكثيرٍ من المسلمين، منزلة بعد الإيمان كما في حديث جبريل، فالإنسان عليه أن يسعى لتحصيلها.

ص: 18

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان)) الأصل ((لا تتقدموا رمضان)) يعني بأن تصوموا قبله بيوم أو يومين، ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين)) وهذا النهي إنما ينهى من صام آخر شعبان، آخر يوم أو يومين من شعبان للاحتياط، بنية الاحتياط لرمضان، خشية أن يكون من رمضان، وهو لا يشعر، هذا جاء النهي عنه، جاء النهي عنه، والاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، كما قال شيخ الإسلام، ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين)) لأن عندنا عبادات شرعية محددة، معلومة الأول والآخر، مبنية على وسائل شرعية، لا بد من رؤية الهلال، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، فإذا رؤي الهلال لزم الناس الصيام، كما سيأتي، وإذا أكمل الناس شعبان ثلاثين يوماً صام الناس، أما أن يقال: يصوم الناس احتياطاً، الناس ما رأوا الهلال، احتمال أن يكون ظاهر وهو ما ظهر؟ لا، هذا هو الاحتياط الذي جاء النهي عنه، عندنا وسائل شرعية، يلزمنا العمل بها ولو أخطأنا في تطبيقها، لو أخطأنا في تطبيقها، افترض أن الهلال ظاهر؛ لكن ما رآه أحد، وعلق الأمر بالصيام برؤية الهلال، ثم بعد ذلك لما أتممنا ثمان وعشرين يوم رأينا هلال الفطر، هل نكون فرطنا بشيءٍ من ديننا أو أثمنا؟ لا، عندنا مقدمات شرعية لا بد من توافرها، ليس هذا ناتج عن تفريط، لا أبداً، فالصيام عبادة معروفة الأول والآخر مبنية على وسائل شرعية، كما أن القاضي إذا حكم بالبينة والمفترض في البينة أن يكونوا ثقات، إذا تحرى وشهد عنده الثقات وقبل شهادة هؤلاء الثقات وحكم بموجب شهادتهم ولو أخطأ، ولو كذبوا في شهادتهم؛ لأن المسألة مفترضة في ثقات، والثقة معروف أنه ليس بمعصوم، قد يخطئ، المقصود أن الحكم صحيح، ولذا جاء في الحديث الصحيح: إنما أنا بشر أقضى على نحو ما أسمع، وهو النبي عليه الصلاة والسلام المؤيد بالوحي، فلنفترض أن القاضي مثل أمامه شخصان، مدعي ومدعى عليه، فأحضر المدعي شاهدين، تحرى القاضي في أمر الشاهدين وغلب على ظنه أنهما ثقتان، وحكم بموجب ذلك، ثم تبين بعد ذلك أن

ص: 19

الشاهد أحد الشاهدين أو هما معاً، كذبا في شهادتهما، يأثم القاضي؟ ما يأثم المقدمات الشرعية والتحري المطلوب بذل، وما وراء ذلك هو بشر، يحكم على نحو ما يسمع، وهنا عندنا مقدمات شرعية، بحيث لو أخطأت هذه البينة لا يأثم الناس ولو صاموا ثمان وعشرين، ثم أكملوا يوماً بعد العيد، لذلك يكثر الكلام قبيل رمضان والقيل والقال والصحف ويتكلم أهل العلم وغيرهم في هذه المسألة، ويتدخل بعض العوام الذي يهمه شأن عباداتهم؛ لكن عن جهل، يقول: ما الذي يضر أن يصوم الناس زيادة يوم أو يومين؟ ما يضر، حتى قال بعض أهل العبادة من الجهال في زمنٍ مضى: أنه يجوز أن تشهد أنك رأيت الهلال وأنت ما رأيته، وش ينقص الناس؟ زيادة يوم والحمد لله، أولاً: يكفون عن كثيرٍ من الشرور، ويصومون والصيام عبادة، نقول: هذه من أعظم الجرائم، يعني كمن يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام ليرغب الناس في الدين، وفي قراءة القرآن، هذا جهل مركب، وعاقبته وخيمة، الدين كامل، ليس بحاجة إلى اجتهادات، وليس بحاجة إلى زيادات.

((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) افترضنا أن يوم تسع وعشرين وافق يوم الاثنين، وقد اعتاد صيام يوم الاثنين، نقول: صم يوم الاثنين؛ لأنك ما تصومه احتياطاً لرمضان إنما تصومه على عادتك، وهذا يقرب في باب الصلاة من ذوات الأسباب، يقرب في باب الصلاة من ذوات الأسباب، هو ما صلى من أجل طلوع الشمس ولا غروبها، وإنما صلى لقيام السبب، وهنا ما صام احتياطاً لرمضان، وإنما صام لملاحظة الوقت وهو الاثنين.

قد يقول قائل: وهذا يحتاج ترى إلى ذكاء خارق هذا السؤال؟ إذا كان ممن يصوم الأيام البيض يصوم الثلاثة الأخيرة من شعبان؟

طالب: ما تجي؟

ص: 20

ما تجي؟ أيوه، لذلك أنا قلت: تحتاج المسألة إلى ذكاء، تجي وإلا ما تجي؟ ما تجي صحيح؛ لأن البيض في منتصف الشهر، إيه خلي الإخوان يتحركون شوي، الخميس والاثنين تجي؛ لكن ما يجي الجميع الاثنين والخميس؟ أحدهما، إما الاثنين اعتاد أن يصوم الاثنين أو يصوم الخميس، فصادف يوم تسع وعشرين يوم اثنين أو يوم خميس يصوم، وفي الحديث:((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) أو كان شخص عليه قضاء من رمضان الماضي باقٍ عليه يوم يصوم هذا اليوم.

طالب:. . . . . . . . .

((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) على كل حال الحديث في ثبوته نظر.

طالب:. . . . . . . . .

لا، الأفضل أنه يصوم، ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) لأنه واضح أنه يصوم على العادة لا يصوم احتياطاً لرمضان، وفي الحديث الثاني يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) ((إذا رأيتموه)) يعني هلال رمضان، الضمير يعود إلى الهلال، ولم يجرِ له ذكر سابق للعلم به ((إذا رأيتموه فصوموا)) الضمير يعود إلى هلال رمضان، ولو لم يجرِ له ذكر؛ لأنه لا لبس في هذا ولا إشكال ((إذا رأيتموه فصوموا)) أمر بالصيام بعد رؤية الهلال {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة](إذا رأيتموه) رأيتم الهلال، وهو خطاب للأمة بكاملها، خطاب لمجموع الأمة هل هو خطاب لمجموع الأمة أو خطاب لجميع الأمة؟ في فرق وإلا لا؟ خطاب للجميع أو للمجموع؟ لمجموع الأمة، خطاب لمجموع الأمة، لأننا لو قلنا: أنه لجميع الأمة تناول كل فرد من أفرادها أن لا يصوم حتى يرى الهلال، وهذا ليس بمراد، بل الأمة بمجموعها إذا رؤي فيها الهلال لزمهم الصوم.

ص: 21

((إذا رأيتموه فصوموا)) معلوم في هذا الحديث أنه علق الصوم بالرؤية، وقلنا: أن الخطاب للمجموع لا للجميع، وعلى هذا إذا رآه من تثبت الرؤية بشهادته يكفي، ولا يلزم أن تراه الأمة كلها، أو يراه من يلزمه الصوم على الأقل، لا، والحديث علق لزوم الصوم بالرؤية، والأصل في الرؤية العين المجردة، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] من ضعف بصره هل نقول: يجب عليك لئلا يترتب على هذا هجرك للقرآن أو تتخذ نظارة، أو تشتري مصحف كبير، أو نقول: أنك مكلف بعينك المجردة، وما عدا ذلك أنت لست مكلف فيه، أو نقول: أن هذا مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؟ لأنه بيرد عندنا مسائل، مسائل الآلات الفلكية والمناظير والدرابيل، وهل يلزم استعمالها أو لا يلزم؟ هل نقول: أن هذا مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أو نقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] أنا والله ما عندي نظارة آثم ليش ما أخذت نظارة لكي أقرأ القرآن؟ هجر القرآن لا يجوز، الهجر حرام، فهل يلزمني أن أتخذ نظارة أو أبحث عن مصحف كبير، إذا افترضنا أن المصحف بالحجم المتوسط أو الصغير قيمته عشرة عشرين، والكبير مائة ريال، هل يلزم أن أشتري كبير لأقرأ؟ لأن الهجر لا يجوز، وهذا لا يتم الواجب إلا به، القاعدة مقررة عند أهل العلم، أنه مما لا يتم الواجب إلا به، وفرق بين الواجب العيني والواجب الكفائي، الواجب العيني والواجب الكفائي، مثلما عندنا في الحديث واجب كفائي، لا يلزم الناس كلهم، إنما يلزم رؤيته من قبل من تثبت الحجة برؤيته، ومثل هذا لن يعدم في الأمة من يراه بعينه المجردة، يعني لا يتصور أن الأمة بكاملها لا يوجد فيها من يراه بعينه المجردة، ولهذا المعول عليه أنه لا يلزم استعمال الآلات في رؤية الهلال، إن رآه الناس بعينهم المجردة وإلا انتهت مسؤوليتهم، حينئذٍ لم يروه، ((إذا رأيتموه فصوموا)) لكن إذا استعملت الآلات، وتحقق من رؤيته بواسطة هذه الآلات، إذا وجدت هذه الآلات واستعملت وتحقق من رؤية الهلال بواسطتها لزم الصوم؛ لكنه لا يلزم استعمال الآلة، لأنه إذا رؤي من خلال الآلة صح أنه رؤي الهلال؛ لكن لا يلزم

ص: 22

استعمال هذه الآلة، بل المطالبة بالعين المجردة؛ لأن الله -جل وعلا- لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) نعم، إذا رأيتم الهلال المخرج لشهر رمضان وهو هلال شوال، فأفطروا وجوباً، هذا شخص رأى هلال رمضان، وتقدم يدلي بشهادته فردت شهادته، أو رأى هلال شوال فردت شهادته، ما الذي عليه هو؟ الخطاب (إذا رأيتموه) جميع الأمة؛ لكن هل فيه: من رأى منكم الهلال فليصم ومن رأى منكم الهلال فليفطر؟ فيه {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] يصوم سراً وإلا جهراً؟ يعني رآه وردت شهادته، الناس كلهم يفطرون وهو وحده صائم، أو رأى هلال شوال وردت شهادته، الناس كلهم صائمون وهو مفطر؛ لأنه يوم عيد بالنسبة له، أو نقول: يلزمه ما يلزمه ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) والخطاب للمجموع، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الصيام يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والحج يوم يحج الناس، وهذا قول معتبر عند أهل العلم، ومنهم من يقول: أنه يصوم سراً، ويفطر سراً؛ لأنه كما أنه خطاب متجه للمجموع إلا أنه فرد من أفراد هذا المجموع، يتصور خطابه بمثل هذا.

طالب:. . . . . . . . .

من إيش؟ الذي رآه فردت شهادته وصام سر، صام قبل الناس بيوم، ثم لما جاء هلال شوال ما رأى شيء، فأكمل ثلاثين ثم من الليلة القادمة ما رأوا الناس شيئاً، فأكمل الناس ثلاثين فهل يصوم واحد وثلاثين وإلا يفطر؟ لأنه صام قبلهم، صح وإلا لا؟ هذا السؤال وإلا لا؟ هل يصوم واحد وثلاثين؟ لأنه ما رؤي هلال شوال ليلة الثلاثين، فأصبحوا صائمين، إكمالاً للعدة ثلاثين، وفي حسابه يكون صام واحد وثلاثين، هل نقول: أن الشهر لا يمكن أن يزيد على ثلاثين يوماً فيلزمه الفطر، أو نقول: يصوم مع الناس وبهذا يتبين أن رؤيته للهلال خطأ، والخطأ يتصور، أنس بن مالك في آخر أيامه رأى الهلال، أين الهلال يا أبا حمزة؟ يقول: قدامكم شوفوه واضح؟ وش تبيّن؟ شعرة نازلة شوية، الخطأ وارد، وبهذا يتبين أنه خطأ فيلزمه أن يصوم مع الناس ولا يفطر إلا مع الناس.

ص: 23

والدين الإسلامي دين ألفة واجتماع، .... عند من يقول بأنه يصوم، والذي يقول: لا يجوز له أن يصوم إلا مع الناس ما له أجر؛ لأن عندنا مقدمات شرعية، وعرفنا أن العبرة بتوافر هذه المقدمات، سواء أصابت الواقع أو لم تصب، مثل البينات عند القضاة، يعني بعض الناس يجد في نفسه على العلماء هم يتحرون ويبعثون ناس ويحثون الناس قبل رمضان بشهر أو شهرين، وهم يحثون الناس على ترائي الهلال، ثم بعد ذلك بعض الناس من شدة الحرص يقول -الله أعلم- جايهم ناس، وقد سمعنا من يتكلم كثيراً، جايهم ناس يشهدون بس ما هم حريصين يا رجال، شلون حريصين؟ يا أخي هذه مقدمات شرعية تبنى عليها نتائج شرعية، كونها أصابت الواقع أو لم تصب ما هم مسؤولين عن هذا، هو مسؤولين عن يطبقوا الشروط على هذا الشخص الذي جاء يشهد، القاضي مطالب بأن ينظر في حال هذا الشاهد، إن كان ممن تقبل شهادته يرتب عليه الحكم، كونه أصاب ما في الواقع أو لم يصب ما هو إليه هذا، الرسول عليه الصلاة والسلام المؤيد بالوحي إيش يقول؟ ((إنما أنا بشر، أحكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقضي له بقطعةٍ من نار، فليأخذها أو يذرها)) والرسول عليه الصلاة والسلام يشرع للأمة، ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) ما عندنا أكثر من هذا، يعني كون الناس يتراؤونه ولا يرونه خلاص ما بيديهم شيء؛ لأن على الإنسان أن يبذل ما في وسعه ويجتهد؛ لكن إذا ما حصل ما في فائدة، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) يعني ما ترك شيء، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) ترائى الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان وفيه غيم وقتر وغبار ما استطاعوا (اقدروا له) إيش معنى اقدروا له؟ تفسرها الرواية الأخرى:((فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثون)) ومنهم من فهم أن (اقدروا) بمعنى ضيقوا، دليله قوله -جل وعلا-:{فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [(16) سورة الفجر] يعني ضيق عليه رزقه، والتضييق يكون بإيش؟ الآن ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) ضيقوا عليه، ومن يقول بهذا القول أنه يضيق شهر شعبان، إيش معنى يضيق شهر شعبان؟ بأن يجعل شعبان تسع وعشرين يوم، ويصوم الناس يوم الغيم، ويوم القتر، ويومه

ص: 24

يوم الشك، وهو يوم الشك الذي جاء فيه:"من صام الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) حتى على التأويل الثاني (فاقدروا له) الضمير يعود على شعبان أو رمضان؟ يعني نضيق شعبان وإلا نضيق رمضان؟ الذي استروح إلى أن معنى القدر هنا التضييق يرى أن التضييق يكون في شعبان ليكون تسع وعشرين ويصام رمضان لاحتمال أن يكون الهلال طالع، وعرفنا أن هذا يسمى يوم الشك، وجاء فيه الحديث: "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" لكن ما الذي يمنع فاقدروا له أي ضيقوا عليه على رمضان، بأن تكلموا عدة شعبان ثلاثين كما تفسرها الرواية الأخرى، فيه ما يمنع؟ ما فيه ما يمنع وحينئذٍ يتفق التقديران، الإمام أحمد يروى عنه في المسألة ثلاث روايات: "وإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه" هذه عبارة إيش؟ عبارة من؟ الزاد، يجب صومه واعتماداً على اختيار ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، وظاهر المذهب يجب صومه، ورواية أخرى أنه يجوز صومه، والقول المرجح وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يجوز صومه؛ لأنه هو يوم الشك، وعلينا حينئذٍ أن نكمل شعبان ثلاثين يوماً.

طالب:. . . . . . . . .

إيه لكن ما الذي يريدنا أن هذا الشهر المنازل فيه تسع وعشرين أو ثلاثين؟

طالب: بالحساب.

ص: 25

الحساب مهم؛ لكن افترض أنه ما وجد حاسب، تضيع الأمة؟ لا لا، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها؛ لأن القدر الزائد الذي تدرك به الأمور الشرعية القدر الزائد عن الأصل لا يطالب به؛ لأن المسألة مفترضة في أمةٍ أمية لا تكتب ولا تحسب، المسألة مفترضة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) أشار إشارة الشهر هكذا وهكذا وهكذا، هذا الأصل، أننا أمة أمية، وعلّقنا بالرؤية، يعني نعود إلى الحديث لأن المسألة نخشى أن تطول، نعود إلى الحديث، وهو ((صوموا لرؤيته)) وقلنا: أنه خطاب لمجموع الأمة؛ لكن هل تلزم الأمة بكاملها برؤية بعضها؟ وبعبارةٍ أخرى هل المطالع مختلفة أو متحدة؟ حديث ابن عباس في صحيح مسلم مع مولاه كريب لما قدم من الشام، والناس صاموا يوم الجمعة لرؤية معاوية، وأهل المدينة لم يصوموا إلى يوم السبت، مقتضى الحديث كما قال ابن عباس أنهم لم يفطروا حتى رأوه أو أكملوا عدة شعبان، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" فهذا من أقوى الأدلة على اختلاف المطالع، وأن أهل كل إقليم يختلف مطلعهم عن الإقليم الثاني.

ص: 26

ابن عباس بهذا أفتى ورفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، من أهل العلم من يرى اتحاد المطالع، وأن الأمة ينطبق عليها هذا الحديث بمجموعها، رؤي الهلال في المشرق يصوم أهل المغرب؛ لأنه لا يتجه الخطاب لكل فردٍ فرد، ولا لأهل بلدٍ بلد مثلاً، بمفرده، بغض النظر عن البلد المجاور له، أو الذي يتحد معه في المطلع، وليس هناك وصف يمكن إحالة التفريق عليه، إلا مسألة اختلاف المطالع، ودليلها حديث ابن عباس، عموم الحديث يشمل جميع المسلمين، ولو اختلفت مطالعهم، حديث ابن عباس كأنه نص في الموضوع، يحتمل وإلا ما يحتمل؟ يتحمل اتحاد المطالع حديث ابن عباس، هذا اجتهاده ورفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لكن الذي يقول باتحاد المطالع يقول: أن قول ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني هل أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نعمل باختلاف المطالع، أو الأمر العام:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) فيكون اجتهاد من ابن عباس في فهم الحديث؟ يحتمل الوجهين، يعني الذي يظهر أن ابن عباس سمع من النبي عليه الصلاة والسلام نص خاص في اختلاف المطالع، واستند إليه في عدم الفطر مع معاوية رضي الله عنه وأرضاه-، هذا احتمال، والاحتمال الثاني أن ابن عباس فهم من هذا الحديث:((صوموا لرؤيته وأفطروا .... )) ما رأيناه نحن في المدينة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:((صوموا لرؤيته)) وبنوا على ذلك فتواه، فيكون اجتهاد من ابن عباس، وتبقى المسألة قابلة للاجتهاد، كلام واضح وإلا ما واضح؟ مسألة اختلاف المطالع لا شك أن حديث ابن عباس ظاهر فيها، لكن عليها لوازم، عليها لوازم يا إخوان، طيب رؤي الهلال في اليمن يلزمنا نصوم وإلا ما نصوم؟ رؤي الهلال في الشام يلزمنا نصوم وإلا ما نصوم على القول باختلاف المطالع؟ ما نصوم، أهل المدينة ما يصومون، بالنص، كلام ابن عباس؛ لكن هل الحضر والقريات وتبوك يصومون وإلا ما يصومون؟ تبعاً للشام وإلا تبعنا؟ يعني يلزم عليه لوازم، يمكن ما تنضبط أمور المسلمين بهذا؛ لأن الحدود السياسية يعني لا أثر لها في الأحكام الشرعية، يعني ما الفرق بين مطلع تبوك والشام؟ هل نقول: لا خلاص يصومون أهل تبوك مع الشام،

ص: 27

ظروف المسلمين التي يعيشونها الآن حقيقةً فيها شيء من الارتباك، لماذا؟ لأن كثير من بلدان العالم الإسلامي يعني قد يعتمدون على وسائل لا يراها غيرهم، يثبتون دخول الهلال ومع ذلك بقية البلدان غير مطمئنين إلى كيفية إثبات دخول الهلال عند أولئك، والحدود السياسية يعني بينك وبين البلد الإقليم الثاني بينك وبينه أكيال يسيرة، وبين البلد التي ترتبط به آلاف الأميال، فهل تصوم تبع، يصوم أهل تبوك تبع الرياض وإلا يصومون تبع الشام مع قربهم منه؟ أو أهل نجران وأهل جيزان يصومون تبع اليمن وإلا تبع الرياض رغم ما بينها من آلاف الأميال؟ يعني مسألة لا شك أنها مربكة، وبعدين قد لا يقتنع أهل بلد بالوسيلة التي أثبت بها أهل الإقليم الثاني إثبات دخول الهلال.

الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يتجوز في مثل هذا، يقول: إن عمل الناس باتحاد المطالع وصاموا الناس كلهم برؤية ثقة أو عملوا باختلاف المطالع الأمر سهل، ومعه حدثت أدنى إشكال على مر العصور، يعني ما حدث مشكلة في الأمة، وكل له اجتهاده، ولعلماء كل بلد لهم اجتهادهم، يعني يتصور أناس في أوروبا عندهم مشاكل في الرؤية، وعندهم قضايا نوازل في الصيام، واتحاد المطالع واختلافها، ولا عندهم من يقيم فيهم شرع الله، من يتبعون؟ يقولون: نصوم على الرياض بيننا وبينهم عشرة آلاف كيلو؟ نقول: إن كان عندكم من تبرأ الذمة بتقليده من أهل العلم فقلدوه؛ لأن هناك يعرفها القريب وقد تخفى على البعيد، يعني ظروفهم ما نعرف كثير منها، والذي يقضي على هذه الإشكالات القول باتحاد المطالع، وإذا استروحنا وملنا إلى أن قول ابن عباس فهماً منه لهذا الحديث انحلت المشكلة، نقول: أن هذا اجتهاد ابن عباس؛ لأنه صرح برفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا احتمال، واختيار الشيخ كما سمعتم الأمر فيه سعة، إن عمل الناس باتحاد المطالع له وجه، والخطاب يتجه أن يكون لعموم الأمة، وإن عملوا باختلاف المطالع تبعاً لحديث ابن عباس له وجه، وهو أصرح في الدلالة؛ لكن يبقى أنه يترتب عليه بعض الإشكالات.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 28

لا يفطر إلا معهم، يعني شخص صام في بلد دخل فيه الهلال على حد رؤيتهم ومطلعهم قبل البلد الثاني، وهي المسألة التي سئل عنها قريباً، شخص صام مثل كريب، كريب صام يوم الجمعة مع أهل الشام، وجاء المدينة ما أفطروا إلا بعد يوم بعد الشام، ماذا يصنع هو؟ يصوم وإلا يفطر؟ إذا قلنا: باختلاف المطالع وقد أكمل العدة ثلاثين يوم، هل نقول: أن هذا اليوم بالنسبة له هو يوم العيد الذي لا يجوز صيامه؟ أو أن عيد كل بلدٍ بحسبه؟ نقول: عيد في الشام لكنه ليس بعيد في المدينة، وإذا كان ما هو عيد حكماً يصوم وإلا ما يصوم؟ إذا قلنا: باتحاد المطالع وصار عيد عند الشام صار عيد عند الناس كلهم، فلا يجوز صيامه؛ لكن الوسيلة التي أثبتها بها أولئك لم يقتنع بها هؤلاء فاستمروا على صيامهم، فهو عيد بالنسبة لقوم، وليس بعيد بالنسبة لآخرين، يعني لو افترضنا أنه غم على هلال ذو الحجة، وما رآه الناس ليلة الثلاثين من القعدة غمّ عليهم، وهو في الواقع موجود؛ لكن ما رأوه وكملوا القعدة ثلاثين، ووقفوا في اليوم التاسع على حدّ زعمهم وحسابهم وهو في الواقع العاشر، وصام من صام من المسلمين يوم التاسع الذي هو في الواقع العاشر يأثمون وإلا ما يأثمون؟ ما يأثمون، وقل مثل هذا في رمضان، وإن كان عيد في الشام لأنهم رأوه ليس بعيد في البلدان الأخرى، فيصوم مع الناس، ومن قال له: أنك ما دام أكملت ثلاثين يوماً بوسيلةٍ شرعية معتبرة شرعاً فلا تزيد على الثلاثين، وعلى كل حال لو صام مع الناس لا يأثم؛ لأنه ليس بعيد في البلد الذي هو فيه، فلا يكون صام يوم العيد.

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تسحّروا فإن في السحور بركة)).

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، قال أنس: قلت: "لزيدٍ كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية".

ص: 29

حديث أنس الأول -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تسحّروا فإن في السحور بركة)) هذا أمر بالسحور، وأقل أحواله الاستحباب، والأصل في الأمر الوجوب؛ لكن ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام واصل، فالأمر بالسحور مستحب، ومن أقوى ما يصرف به من الوجوب إلى الاستحباب العلة، العلة إيش؟ فإن في السحور بركة، طلب البركة واجب وإلا مستحب؟ مستحب، إذاً الأمر بالسحور مستحب، وفيه مخالفة لأهل الكتاب، واتباع للسنة، وامتثال للأمر، ومخالفة لأهل الكتاب، والتقوي به وقد جاء مدحه (نعم السحور) لا سيما إذا كان من التمر، أيضاً وقت السحور وهو وقت الاستغفار، والمستغفرين بالأسحار، ينبغي أن يكون الإنسان مستيقظ في هذا الوقت يدعو الله -جل وعلا-، ويستغفر وأمور كثيرة مترتبة على تناول هذا الطعام، وفيه أيضاً إعانة على مزاولة هذه العبادة، والتقوي على العبادات الأخرى، ومخالفة أهل الكتاب، وامتثال هذا الأمر ((تسحروا فإن في السحور بركة)).

ص: 30

وفي حديثه الثاني يقول: عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة" قال أنس: "قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" أولاً: السحور ما يتسحّر به، كما أن الطهور ما يتطهّر به، والوضوء الماء الذي يتوضأ به، والسحور هو الفعل، التسحّر، تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، فيه مشروعة الاجتماع على مثل هذه الأمور من سحور وفطور وغيرها، ومن أفضل الأعمال كون الإنسان يؤكل على مائدته، ويحسن على الناس، ويتصدق عليهم، وفي الاجتماع بركة، وألفة ومودة، تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" هذا يدل على أنه يؤخر السحور، وما عندهم ساعات فلكية دقيقة، يقال: بين السحور والأذان ربع ساعة، بين السحور والصلاة ربع ساعة لا، يقدرون بالأعمال، والأعمال منضبطة، ولذا يذكر الفقهاء في دخول أوقات الصلوات بعض الأعمال، يقولون: من اعتاد أنه يصنع من طلوع الشمس إلى زوالها ماسة مثل هذه، واضطرد عنده هذا خلاص ما يحتاج إلى أن ينظر إلى الزوال، مجرد ما تنتهي هذه الماسة يؤذن، صاحب القراءة بقراءته، من اعتاد أن يقرأ في الساعة خمسة أجزاء يقدر على هذا الأساس، يكون بين صلاة المغرب في الغالب وأذان العشاء ساعة إذا انتهى من الخمسة الأجزاء يؤذن للعشاء، وهنا قدر الوقت بعمل البدن، والعرب تقدر بذلك، قدر حلب ناقة، والله جلس فلان قدر حلب ناقة، قدر نحر جزور، وجاءت بها النصوص، وهنا قدر خمسين آية، فمن كان عنده عمل مضطرد منضبط، يعتمد عليه، وقراءة القرآن منضبطة عند من اعتادها، خلاص تعود أنه يقرأ الجزء في نصف ساعة، ثلث ساعة، ربع ساعة، اثنا عشر دقيقة، تعود خلاص، ينضبط، وهذا شيء مجرب، وهذه طريقة العرب في حساب الأوقات، تقدير الأوقات، قدر خمسين آية، قد يقول قائل: خمسين آية من المائدة أو من الشعراء؟ أي أطول آية المائدة أو آية الشعراء؟ المائدة أطول آيات من الشعراء، لا أقصد طول السورة مع طول السورة؛ لكن انظر أنت أن الشعراء نصف المائدة وآياتها الضعف، إيه

ص: 31

يعني الآية من الشعراء بقدر ربع آية من المائدة، فهل المراد هذا أو هذا؟ ما بيّن، لكن إذا أطلق مثل هذا ينصرف إلى المتوسط، لا آية المائدة ولا آية الشعراء، من آيات البقرة مثلاً، فالحديث فيه دليل على تأخير السحور، ولا تزال الأمة بخير ما قدموا الفطر وأخروا السحور، ويوجد من المخالفين ولعله تأتي الإشارة إليه، يأتي هذا الحديث -إن شاء الله تعالى- ويأتي ما فيه.

وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم.

نعم هذا الحديث في أمرٍ خاص من أموره عليه الصلاة والسلام، وهو تشريع عام؛ لكنه مما لا يطلع عليه إلا من قبل نسائه، ولذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يفتي بأن من أصبح جنباً صومه غير صحيح.

ص: 32