المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب القصاص (2) - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ٤٧

[عبد الكريم الخضير]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ كتاب القصاص (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: عمدة الأحكام -‌

‌ كتاب القصاص (2)

الشيخ: عبد الكريم الخضير

وإنما يذم السجع إذا كان لنصر الباطل كالبيان ((إن من البيان لسحراً)) وهو يحتمل معنيين المدح والذم، فإن كان في نصر الحق فالبيان ممدوح، وإن كان في نصر الباطل فهو مذموم، نعم.

عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، اذهب لا دية لك)).

وعن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: حدثنا جندب رضي الله عنه في هذا المسجد، وما نسينا منه حديثاً، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه، حرمت عليه الجنة)).

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 1

"عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده من فيه" يعني من مقتضى الدفاع عن النفس أن ينزع يده، رجل عض يد رجل فنزع يده من فيه، فوقعت ثنيتاه، هذا مما يقتضيه الدفاع عن النفس، والدفاع عن النفس مطلوب، ولذا ما يطلب يطلب بجميع ما يعين عليه "فاختصما إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال:((يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، اذهب لا دية لك)) " فمن أتلف شيئاً بسبب دفاعه عن نفسه لا يضمن، لكن إذا أتلف شيئاً بسبب دفاعه عن غيره يضمن، هنا الحديث يدل على أن ما تلف بسبب الدفاع عن النفس فإنه هدر لا دية فيه، جاء يختصم يبي الدية المقررة للثنايا، يعني وش تتصور أن الإنسان يبي يصبر حتى يرسله ويطلقه؟ ((يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل)) يعني ومع ذلك ينتظر حتى تسمح نفسه يتركه؟ لا، لا ((اذهب لا دية لك)) لأنه معتد، ظالم وليس لعرق ظالم حق، السبب في كونه عض يد الرجل أصلها غضب كلمة أو شبهها، جاء وعض يد الرجل، اختصما عند كلمة أو شبهها وحضر الشيطان فعضه، فعلى الإنسان أن لا يسترسل مع خطوات الشيطان، وتسويله وتزيينه، وعليه أن يكتم غيظه، ولذا جاءت الوصية النبوية:((لا تغضب)) وإلا ما الذي جعله يعض يد أخيه؟ هل يقال: إنه يمزح؟ يعضه يمزح؟ عض يده ونزع يده من فيه لا بد، لو جاء شخص وعصر يد آخر هذا كثير ما يحصل بين الشباب في المزح، يمسك يده ويعصرها، ثم يتصرف ذاك تصرف من لا شعور فيضرب وجهه، أو يفقأ عينه من لا شعور، يعني هذه مما يتطلبه التخلص، فضلاً عن كونه يمسكه مع مقتل، أو مع شيء لا يمكن الصبر معه، فمثل هذا يهدر لا دية له.

يقول:

ص: 2

"وعن الحسن بن أبي الحسن البصري" الإمام سيد من سادات التابعين -رحمه الله تعالى-، يقول:"حدثنا جندب" جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي يقول: "في هذا المسجد" يؤكد الحسن أنه حدثه، لماذا؟ لأن الحسن عرف بالتدليس، ويتفنن أحياناً في التدليس، فيقول: حدثنا أبو هريرة مثلاً وهو ما سمع أبا هريرة، إنما حدث قومه، فيريد أن يؤكد أنه سمعه منه مباشرة "حدثنا جندب في هذا المسجد" يعني بالتأكيد وأنا موجود "وما نسينا منه حديثاً" يعني ضبطنا وأتقنا، ولذا الحسن من الحفاظ، ولذا يقول أنس بن مالك: سلوا الحسن فإنه قد حفظ ونسينا "وما نسينا منه حديثاً، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" حاشا وكلا أن يكذب الصحابي على النبي عليه الصلاة والسلام، وهم أعلم الناس، وأورع الناس، وأتقى الناس، وأزهد الناس، وأتبع الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع)) " في يده جرح ما صبر، من شدة الألم أخذ سكيناً فحز بها يده، هل يتصور أن الجرح يخف ألمه إذا قطع يده أو يزيد؟ لا، يزيد بلا شك، تصرف هذا التصرف فمات ((حز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل)) يعني في الحديث القدسي: ((بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة)) فلا يجوز له أن يباشر قتل نفسه، ولا يوجد في النصوص ما يدل على أن المسلم يجوز له أن يباشر قتل نفسه، نعم في النصوص ما يدل على أن له أن يتسبب في قتل نفسه إذا ترتب على هذا التسبب مصلحة أعظم، لكن يباشر قتل نفسه ما يوجد في النصوص ما يدل عليه، طيب شخص لدغ، لدغته حية في أصبعه في بر، لو تركه سرى السم إلى بقية بدنه ماذا يصنع؟ اجتهد في وقتها فجاء بالفأس فقطع الأصبع يأثم وإلا ما يأثم؟ يقول: أصبر على الدم، وأمسك في طرف الأصبع حتى أصل، لكن السم بيروح، يعني ليس الهدف من هذا أنه يموت، إنما قصده أن يحيا، نعم قد يجتهد الإنسان اجتهاداً يودي بحياته لكن حسبه أن يجتهد، لكن الإشكال في كونه يبادر بنفسه، فيباشر قتل نفسه كما هنا، قال الله عز وجل:((بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة)) لا يجوز للإنسان بحال أن يتصرف بنفسه، ولذا لا

ص: 3

يجوز له أن يتبرع بشيء من أعضائه؛ لأنه لا يملك من أعضائه شيء، طيب هل يقتل الحيوان فضلاً عن الإنسان لكونه يتضرر من البقاء في الحياة؟ شاة مريضة، وميئوس من شفائها، وتقتل لغير ما مأكلة، تبي تقتل وترمى، هل نقول: إن هذا من باب إراحتها، أو نقول: إنه تعد على هذه النفس بغير حق، ولا يجوز القتل لغير مأكلة؟ قتل الحيوان لغير مأكلة لا يجوز، وقل مثل هذا بل أعظم إذا قرر الأطباء أن هذا المريض الذي يعيش على الأجهزة ميت ميت، يعني ميت تسعة وتسعين بالمائة، وأحياناً يقررون أنه ميت دماغياً، يعني أنه ميت مائة بالمائة، فهل نقول: لهم أن يسحبوا الأجهزة عنه ليريحوه، ويريحوا من يتردد لزيارته والعناية به، نقول: ما دامت الروح في الجسد لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يتسبب في وفاته، هو مسلم كامل الحقوق، لا يجوز لأحد أن يتسبب في إنهاء حياته، وما يدريك أن الله -جل وعلا- يرد عليه ما فقده من شعور، وهذا حاصل يقرر الأطباء أنه ميت دماغياً، وأنه خلاص بس حاجز مكان مقعد وأجهزة والناس بحاجة، والذي حصل قضايا نادرة جداً أنه عادت له الحياة، فهو مسلم كامل الحقوق، ما دامت روحه لم تفارق بدنه فلا يجوز التعدي عليه، وقل مثل هذا فيما لو تُعرض له بقتل خطأ، شخص يمشي فضرب السلك برجله وهو ما دري انفصل الكهرب فمات الرجل، نقول: هذا قاتل، لكن قاتل خطأ، والثاني متعمد، لكن عاد يبقى النظر في تقدير الخطأ والعمد وشبهه، وهل يقاد به أو لا يقاد؟ محل نظر واجتهاد، لكنه يبقى أنه مسلم روحه في بدنه له كامل الحقوق والموازنة بينه وبين مريض أرجى منه، وهذه المسألة التي يسأل عنها كثيراً، مريض ماسك سرير وماسك أجهزة من سنين، خمس أو عشر سنين، وهو على هذه الحالة، جاء مريض إذا أسعف بهذه الأجهزة يشفى بنسبة سبعين بالمائة، وهذا ميئوس منه بنسبة تسعة وتسعين بالمائة، نعم هذا محل نظر واجتهاد، أما إذا لم يوجد غيره فلا يجوز بحال أن تفصل عنه الأجهزة، إذا جئنا بمريض نسبة الشفاء عنده سبعين بالمائة، وهذا نسبة الشفاء واحد بالمائة يقدم عليه ما نسبته سبعين؛ لأن المسألة مسألة مصالح ومفاسد.

سم.

ص: 4