المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب اللباس - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ٥٤

[عبد الكريم الخضير]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ كتاب اللباس

شرح: عمدة الأحكام -‌

‌ كتاب اللباس

(1)

الشيخ: عبد الكريم الخضير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-، وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:

كتاب اللباس:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)).

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب اللباس:

ص: 1

لما أنهى الكلام عن الأطعمة، وهي من أعظم ما يمتن به الرب -جل وعلا- على عباده، وأردفها بالأشربة، وثلث باللباس، وهي من أعظم النعم التي أنعم الله بها على العباد {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} [(26) سورة الأعراف] يعني تصور أن الناس يمشون بدون لباس، الناس يمشون عراة، من أعظم النعم على الخلق هذا اللباس الذي يواري السوءات؛ لأن ظهورها يسوء الإنسان، فسترها نعمة من نعم الله -جل وعلا-، يجب شكر المنعم عليها كالطعام والشراب، وعلى هذا لا تستعمل على خلاف أمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، ولذلك أردفت الآية، الامتنان أردف بقوله:{وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [(26) سورة الأعراف] يعني ما يكفي أن تكتسي لباس تستر عورتك وسوءتك بهذه النعمة من الله -جل وعلا- وتتجرد عن شكرها، لا بد من شكر هذه النعم، وشكرها باستعمالها على الوجه المأمور به، بأن تكون مباحة طاهرة بالضوابط والحدود الشرعية، واللباس هو مشترك بين الرجال والنساء، ومع الأسف الشديد أن نجد المخالفات من الرجال ومن النساء، الرجال يلبسون ما حرم الله عليهم من حرير وغيره ويسبلون، ويلبسون الثياب التي تبين عن سوءاتهم أحياناً وتظهرها، وكل هذا لا يجوز، والنساء الأمر فيهن أشد؛ لأن الستر مطلوب منهن أكثر، الستر مطلوب من الرجال، عورة الرجل لا يجوز أن يطلع عليها أحد إلا زوجته، أو ما ملكت يمينه، مطلوب منه الستر، لا يجوز له بحال أن يكشف عورته، والمرأة كذلك بل أشد؛ لأن الافتتان بها أعظم، وعورة الرجل معروفة عند أهل العلم، محددة من السرة إلى الركبة، وستر هذا شرط في الصلاة، ويجب ستر المنكبين أيضاً في الصلاة ((لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) يجب لكن الصلاة صحيحة مع الإثم، بينما العورة سترها شرط لصحة الصلاة، المرأة عورتها في الصلاة جميع بدنها إلا الوجه، ومنهم من يستثني الكفين، ومنهم من يستثني القدمين، على كل حال الأطراف محل خلاف بين أهل العلم، لكن ما عدا ذلك لا، محل إجماع هذا في الصلاة، وعند الرجال الأجانب معروف عورتها لا يجوز لها أن تبدي شيء من بدنها البتة، عند الرجال الأجانب

ص: 2

وأدلة الحجاب كثيرة جداً ليس هذا موضعها، ستر عورتها عند النساء، وهذه هي المشكلة التي الآن يعانى منها الأمرين وما يحصل في محافل النساء واجتماعهن شيء لا يخطر على البال، يعني يذكر في الأعراس والأفراح وأماكن التجمعات والمناسبات شيء لا يخطر على قلب عاقل.

ص: 3

وعورتها عند النساء كعورتها عند محارمها؛ لأن النساء عطفن على المحارم في آية النور والأحزاب، عطفن على المحارم في آية النور والأحزاب، فحكم النساء حكم المحارم، فالذي تبديه لأخيها وعمها وخالها ووالد زوجها وابن زوجها تبديه للنساء، وما عدا ذلك فلا يجوز إظهاره؛ لأنها نسقت على المحارم، فعلى المسلم رجلاً كان أو امرأة أن يتقي الله -جل وعلا-، لا يسلب هذه النعمة، لا يتمنى أن يجد ما يستر عورته فلا يستطيع، هذه نعم تحتاج إلى شكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] وليس المراد الكفر المخرج من الملة، كفر النعم، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [(28) سورة إبراهيم] يعني ليس المقصود به الكفر المخرج عن الملة كفر النعم، واستعمال النعم فيما لا يرضي الله -جل وعلا- هذا هو كفرها، هذا هو كفر النعم؛ لأنه يقابل الشكر، ألا يخشى الله المسلم أن يتمنى ما يستر به عورته فلا يجد؟! يعني ما قرؤوا في كتب الفقه كيف يصلي العراة، يعني مستحيل أن يوجد يوم من الأيام ما عندك شيء تلبسه؟ ما هو مستحيل، مستحيل في يوم من الأيام وجلدها لا تريد ولا ترغب أن يراه أحد من الناس عقوبة لها على ما تصنعه في نعم الله، فتساهل الناس تساهل شديد، والتبعة على المباشر لهذه المنكرات، وعلى من ولاه الله -جل وعلا- أمر أي مخالف ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) وعوقب الناس بعقوبات كثير منها لا يشعرون بها بسبب هذه المخالفات، هناك قصص وأخبار واقعية، ليست تخرصات ولا ظنون ولا توقعات، كلها واقعة، والذي يخفى عليه شيء يسأل، يسأل إما القضاة أو رجال الحسبة، ورجال الحسبة في أي بلد من البلدان إذا كان هناك زواج أكثر عملهم ينصب على هذا القصد، لا لأنهم يباشرون الإنكار على النساء، لا المرأة تدخل بعباءة متلففة، لكن إذا دخلت إن كان زوجها يعلم هو الآثم، أو أخوها، أو أبوها، ويعانون من هذا أشد المعاناة، وعوقب كثير من هذا بالفضيحة، نسأل الله السلامة والعافية؛ لأن الله -جل وعلا- يغار، كل ذنب له عقوبة، لا يتصور الإنسان أن الله -جل

ص: 4

وعلا- ظلمه حينما قُبض على بنته أو على أخته أو على زوجته مع شخص أجنبي، هذا بما كسبت أيديكم، أنت السبب، أنت المتساهل، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه ولأهله، ولا يترك موليته التي ولاه الله أمرها فريسة لوحوش البشر، مهما قالوا من كلام لين وكلام معسول، يزداد الأمر سوءاً بعد مسائل التصوير، التصوير الآن أوجد كوارث في كثير من البيوت، كوارث، يعني تصور المرأة ثم بعد ذلك يدبلج أحياناً عليها جسد عاري، أو يدبلج عليها من يفعل معها الفاحشة، ويقال لوالدها أو لزوجها: تفضل، تهدد قبل ذلك، بالتمكين من نفسها، إن مكنت وإلا أخبر الوالد أو الزوج، طيب وش تصير الحياة بعد هذا التساهل؟ كيف يعيش الإنسان وهو يرى صورة بنته أو زوجته معها شخص يعاشرها عراة؟ وهو ما هو بصحيح، يفعله الفجار الآن، كثير منه ليس بصحيح، لكن يفعله الفجار ليش؟ لتصير وسيلة ضغط، والنساء ضعيفات يستجبن، لكن على كل حال لو حصل مثل هذا الأمر فلا يجوز للمرأة أن تستجيب مهما بلغت الضغوط، وإذا صدقت في كلامها، صدقت مع ربها -جل وعلا- برأها كما برأ عائشة؛ لأن بعض الفجار ينتهك الأعراض بهذه الطريقة، يطلب أحد يصور الوجه فقط، ثم بعد ذلك يدبلج عليها أي صورة عارية، تعاشر وإلا شيء، ثم بعد ذلك البنت مسكينة أو الزوجة، ووقع كثير من النساء -نسأل الله السلامة والعافية- بهذا السبب، وأقول: لا يجوز لها بحال مهما كان الضغط، ومهما ترتب عليه من أثر ولو الطلاق، أن تستجيب لهذا الفاجر، لهذا الخبيث؛ لأن هذا يزيد يزداد الأمر سوء، يعني بعد أن كان مظنون صار حقيقة واقعة، فسوف يبرئها الله -جل وعلا-، الذي برأ عائشة، إذا صدقت يبرئها، والله المستعان.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 5

"عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا الحرير)) " والخطاب للرجال؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال بالنسبة للذهب والحرير: ((هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)) فالمقصود: لا تلبسوا الحرير يعني الرجال، لا يجوز لهم أن يلبسوا الحرير، فلبس الحرير حرام إلا ما استثني من الشيء القليل على ما سيأتي، وإذا كان علاج حكة مثلاً أو جرب أو شيء لا يرتفع إلا بالحرير فقد رخص النبي عليه الصلاة والسلام فيه.

((فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)) من لبس الحرير لم يلبسه في الآخرة، يعني ما لأحد كلام هذا في الصحيحين، فمن قيل فيه: لا يلبسه في الآخرة وهو لباس أهل الجنة وين بيصير هذا؟ {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [(33) سورة فاطر] ذا كان هذا لباس أهل الجنة وقد منع منه فهل يلبس غيره في الجنة؟ {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [(33) سورة فاطر] أو لا يكون مآله إلى الجنة، يعني لا بد أن يدخل النار؟ على كل حال هذا من نصوص الوعيد، فمنهم من قال: إن هذا وعيد بالنار على من لبس الحرير؛ لأنه إذا قيل: لا يلبسه في الآخرة وهي لباس أهل الجنة، لن يبقى عاري ولا يلبس غيره، نعم إذاً لا يدخل الجنة التي لباسهم فيها حرير، وهذا من نصوص الوعيد، ومنهم من يقول: يحرم التنعم بهذه النعمة في الجنة كما يحرم شارب الخمر من شربها في الآخرة، كما يحرم من يسمع الأغاني والمعازف والمزامير من سماع غناء الحور العين، جزاء وفاقاً، الجزاء من جنس العمل، وإن كان إن عذب بقدر معصيته ثم صار مآله إلى الجنة يحرم من هذه النعمة التي تعجلها، وعلى كل حال التوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها، فمن زاول شيئاً من هذه المنكرات وهذه المعاصي، عليه أن يبادر بالتوبة النصوح، والله -جل وعلا- يقبل التوبة.

ص: 6

((فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)) هل للإنسان أن يقول: أنا بأتنعم في هذه الدنيا ولا ما بدي إلا الحرير في الآخرة ما يحتاج، ما نبيه، مثل ما قال بعضهم ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) قال: بصره، يعني يظنه من القميص، ما أسفل من الكعبين يعني من الثوب في النار بكيفه، هذا كلام، تصور بعض السفهاء بعض الجهال قد يتصور هذا، قد يقول: أنا بشرب الخمر وفي الآخرة ما ني بحاجته يوجد غيره، هذه معاندة، هذه مكابرة -نسأل الله السلامة والعافية-، لا يجوز أن يقال مثل هذا الكلام، هذا وعيد شديد ممن لا ينطق عن الهوى.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج)) " قد يقول قائل مثلاً: السوق فيه أقمشة تسمى حرير ويلبسها الرجال، وثياب ناعمة، لكن التسمية ما تضر، التسمية. . . . . . . . . بحقيقته يجتنبه المسلم خشية أن يقع في المنهي عنه، اللهم إلا إذا كانت التسمية تسمية من وجه شبه بعيد جداً، مثل ما يسمون البترول الذهب الأسود، يجوز للرجال مزاولته وإلا ما يجوز؟ نعم بعيد جداً، بعيد عن حقيقة الذهب الذي جاءت به النصوص.

((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج)) والديباج نوع من الحرير، ومنهم من يقول: إنه ما غلظ من الحرير ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج)) وعطفه على الحرير من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأنه والعناية به ((ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها)) فيحرم الأكل والشرب في الأواني المصنوعة من الذهب والفضة، لا تجوز بحال لا للرجال ولا للنساء؛ لأنه إنما أبيح للنساء الحلية فقط؛ لأنها جبلت على حب التزين {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] فيباح لها أن تتحلى بالذهب والفضة، لكن تستعمل الذهب والفضة في غير حلية هي كالرجل، فلا يجوز لها أن تستعمل إناء ذهب ولا فضة، ولا يجوز لها أن تستعمل قلم ذهب ولا فضة، فلا يجوز لها بحال أن تستعمل.

ص: 7

الأكل والشرب منصوص عليه، وعامة أهل العلم على قياس سائر الاستعمالات على الذهب والفضة، ولذا الفقهاء يجعلون هذا الحديث في باب الآنية في كتاب الطهارة، لا يجيزون الوضوء من إناء الذهب والفضة، والوضوء غير الأكل والشرب فدل على أنهم يتوسعون في النهي، ويعدونه من الأكل والشرب إلى سائر الاستعمالات، ومنهم من يقصره على مورد النص، يجوز سائر الاستعمالات ما عدا الأكل والشرب، وحجة الجماهير أنه إذا منع الأكل والشرب بآنية الذهب والفضة مع الحاجة إلى ذلك فلئن يمنع ما سواه من باب أولى، والعلة التي استنبطوها الفخر الخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، والتشبه بأهل الجنة، والتضييق على النقدين، علل كثيرة استنبطت بسبب المنع من استعمال الذهب والفضة.

((ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم)) الضمير يعود على من؟ على الكفار، طيب وين مرجع الضمير؟ مذكور؟ غير مذكور، إنما حذف للعلم به، بدليل المقابلة ((فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) دل على أن الذي يستعملها في الدنيا لا يمكن منها في الآخرة، وقوله:((لهم في الدنيا)) لا يدل على إباحتها لهم؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم ما يحرم على المسلمين، والقول بمخاطبة الكفار لفروع الشريعة قول جمهور العلماء لأدلة كثيرة، منها:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [(42 - 45) سورة المدثر] ذكروا فروع يعذبون عليها، والمسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، فلا يعني أنها لهم في الدنيا أنها تباح لهم، لكن هم الذين يستعملونها، وهم الذين لا يمتثلون الأوامر والنواهي، فصارت لهم باعتبار أنهم يتناولونها ويستعملونها من غير نكير، نعم.

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، له شعر يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالقصير ولا بالطويل".

ص: 8

يقول: "البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه-: "ما رأيت من ذي لمة" يعني من صاحب لمة "في حلة حمراء" واللمة الشعر إلى شحمة الأذن، ثم الجمة ثم .. ، أولاً: الوفرة إلى شحمة الأذن، ثم أنزل منها الجمة، بين شحمة الأذن والمنكب، فإذا وصل إلى المنكبين كما هنا سمي لمة، هذا بالنسبة لشعر الرجال، اقتداء به عليه الصلاة والسلام، وذكرنا في سؤال مر بنا أن اتخاذ الشعر اقتداء به عليه الصلاة والسلام وتكميلاً للسنن إذا دل على صدق صاحبه لا شك أنه يؤجر على ذلك، أما من يزاول المنكرات، ويقترف الفواحش والجرائم، ويربي الشعر، ويحلق لحيته، ويقول: مقتدٍ، نقول: لا ما هو بصحيح، تقتدي بشيء غير واجب وتدرك الواجبات؟! قد يقول قائل: الجهة منفكة هذا عليه إثمه وهذا له أجره، وش المانع؟ نقول: لا يا أخي الباب واحد، نعم لو كانت من بابين مختلفين قلنا: الجهة منفكة، الآن الجهة غير منفكة، هذا كله شعر، تترك المستحب وتحلق الواجب؟! نقول: لا يا أخي الباب واحد والجهة غير منفكة، ولذا عيب على من يقول من الأشعرية: إنه يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها، يجب عليه أن يغض؛ لأنه مأمور بغض البصر، نقول: يا أخي الباب واحد وين رحت؟ ما حرم البصر إلا من أجل الزنا، وهذا مثله هذا بيربي شعر لأن النبي عليه الصلاة والسلام .. ، لكن الأوامر الصريحة التي عدها أهل العلم من كبائر الذنوب حلق اللحية يحلق لحيته، نقول: لا يا أخي الجهة ما هي منفكة كله شعر، فهذا يفعله كثير من الناس يربي شعره يقول: الرسول يربي شعره وش المانع؟ نقول: نعم إذا صار مظهرك مثل مظهر الرسول لماذا؟ لأنه يوجد من ينازع، يوجد من يقتدى به من الكفار والفجار يربون شعورهم، واقتداؤك -الله أعلم- بهم، بدليل اقتدائك بهم في حلق اللحية، فأنت مقتدٍ بهم لا بالرسول عليه الصلاة والسلام، وتربية الشعر لا شك أن له كلفة وله مشقة، ولذلك اعتذر الإمام أحمد عنه، قال: "لولا المشقة لاتخذناه" يحتاج إلى تسريح، ويحتاج إلى ترجيل، ويحتاج إلى دهن، كثير من الناس ما هو بفاضي لهذه الأمور، بالمقابل في ناس يبالغون، في أناس يجلس ساعتين ثلاث يتنظف ويتجمل وعنده صالون يتحلق به على ما يقولون الأشوام ساعتين

ص: 9

ثلاث، ودين الله -جل وعلا- وسط بين الغالي والجافي، ديننا دين الطهارة دين النظافة، لكن المبالغة والغلو وإضاعة الوقت في مثل هذه الأمور لا، ولذا جاء لكسر هذه الحدة، جاء حديث وهو صحيح:((البذاذة من الإيمان)) وهذا يعالج به من يبالغ في النظافة، من يبالغ بحيث يخرج عن الحد الشرعي، ويعالج الطرف الآخر بـ ((الطهور شطر الإيمان)) والنصوص كما تعرفون جاءت لعلاج الأطراف المتباعدة؛ ليكون المسلم في الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] وأهل السنة وسط بين الفرق كلها، يعني إذا كان الخوارج في كفة، والمرجئة في كفة فأهل السنة وسط بينهم في نصوص الوعد والوعيد، وقل مثل هذا في جميع أبواب الدين، في حلة حمراء، الحلة تتكون من ثوبين إزار ورداء، وجاء النهي عن لبس الأحمر الخالص وسيأتي ذكر المياثر في السبع المنهي عنهن، في الحديث الذي يليه، والمراد بها المياثر الحمر كما في بعض الروايات، وأنكر النبي عليه الصلاة والسلام على من رآه قد لبس الأحمر، على كل حال لبس الأحمر الخالص منهي عنه، وعلى هذا يحمل قوله:"في حلة حمراء" كما قال ابن القيم أنها ليست حمراء خالصة فيها خطوط سود، ويطلق اللون على الغالب، الشماغ هذا وش لونه؟ إيش؟ أحمر، وهل هو أحمر خالص؟ لا ليس بأحمر خالص، إنما فيه بقدر النصف ترى، ما هو بقليل، بقدر النصف البياض، لكن باعتبار أن الأحمر لون غالب، يغلب ما معه من الألوان؛ لأنه فاقع، فيأخذ التسمية، وإلا مثل شماغ الأخذ هذا، الحمرة ما تجي الثلث، أقل من الثلث، ويقال له: أحمر؛ لأن اللون الأحمر غالب، وهنا حلة حمراء فيها خطوط، وفيها ألوان أخرى، لكن الأحمر غالب، وعلى هذا لبس الأحمر الخالص منهي عنه لا يجوز، على ما سيأتي في الحديث الذي يليه، وأما كونه عليه الصلاة والسلام لبس الحلة الحمراء فلئن فيها لون آخر.

ص: 10

"أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم" أجمل الخلق عليه الصلاة والسلام، وأكمل الخلق، وهو أحسن الناس خلقاً وخلقاً، له شعر يضرب إلى منكبيه، يعني إلى كتفيه، "بعيد ما بين المنكبين" يعني أعلى الظهر عريض، وصدره متسع عليه الصلاة والسلام، وجاءت الأوصاف الدقيقة في كتب الشمائل التي مع الأسف كثير من طلاب العلم لا يراجعها، ولا يتم اقتداؤه بالنبي القدوة الأسوة حتى يعرف أوصافه عليه الصلاة والسلام الخلقية والخلقية بعيد ما بين المنكبين، ليس بالقصير ولا بالطويل، يعني ربعه عليه الصلاة والسلام، ليس بالقصير ولا بالطويل، وإنما ربعة من الرجال، نعم.

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض، وإتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم أو عن تختم بالذهب، وعن شرب بالفضة، وعن المياثر، وعن القسي، وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج.

نعم، يقول المؤلف -رحمة الله عليه-:

ص: 11

"وعن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" إذا صرح الصحابي بالآمر فهو مرفوع قطعاً، من قبيل المرفوع إذا صرح بالآمر، هل يحتمل أن يكون الآمر غير النبي عليه الصلاة والسلام؟ هنا لا، لكن إذا لم يصرح بالآمر فقال: أمرنا بسبع، ونهينا عن سبع، فالجمهور على أنه مرفوع؛ لأنه لا يتصور أمر ونهي في الأمور الشرعية إلا لمن له الأمر والنهي، وهو النبي عليه الصلاة والسلام "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع" خصال "ونهانا عن سبع كذلك، أمرنا بعيادة المريض" وعيادة المريض جماهير أهل العلم على أنها سنة، وتتأكد في حق الأقرب، وفي حق من يؤنس به، وعلى كل حال هي من حق المسلم، ونقل النووي الإجماع على أنه سنة، نقل الإجماع على أن عيادة المريض سنة، وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض؛ لأن الأمر صريح، أمرنا بعيادة المريض، لكنه وجوب عيني وإلا على الكفاية؟ على الكفاية وإلا لو كان عيني لكان كل من مرض من الأمة اجتمعت الأمة كلها لزيارته، وإلا فهو واجب على الكفاية، وعامة أهل العلم الجماهير على أنه سنة مستحب، بعيادة المريض لأي مرض؟ زيد من الناس مزكوم نزوره أو ما نزوره؟ الأصل أنه مريض يزار، طيب زيد من الناس في العناية المركزة ما يشعر بأحد، زرت أو ما زرت ما يختلف الأمر، تزوره وإلا ما تزوره؟ تزوره، تدعو له، وأجرك ثابت، وهذا من حقه عليك، وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم جابر وهو مغمى عليه، وترجم الإمام البخاري: باب زيارة المغمى عليه؛ لأن بعض الناس يقول: وش الفائدة من زيارته؟ هل هو بيدري بك؟ أنت تزوره له، أو لله -جل وعلا-؟ أنت تزوره لطلب الأجر والثواب من الله -جل وعلا- "أمرنا بعيادة المريض، وإتباع الجنازة" أنت افترض أن شخص خرف وهو ممن تجب صلته، وكنت تزوره من باب صلة الرحم، وهو من أقرب الناس إليك، وخرف صار ما يدري بك جيت وإلا ما جيت، وقد تتأثر برؤيته، وقد تتقزز من رؤيته، وقد ينالك شيء من الأذى من زيارته، فالحق باقي يزار ويؤانس، ويتحمل ما يأتي منه، والأجر على الله -جل وعلا-.

ص: 12

"وإتباع الجنازة" إتباع الجنازة من بيت أهلها إلى المسجد حيث يصلى عليها، ومن المسجد إلى المقبرة حيث تدفن، ويشارك في الصلاة عليها، يشارك في دفنها، ومن صلى على جنازة كان له قيراط من الأجر، وجاء تفسيره أنه مثل جبل أحد من الأجر، أجر عظيم، وتجد بعض المحرومين وهم في المسجد ما يصلي، ما تصلي على الجنازة فيها أجر، قال: صلينا أمس على واحد، قال هذا، هذا محروم بالمقابل أناس يقصدون المساجد من بُعد التي يصلى فيها على الجنائز طلباً للثواب، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] واحد جالس في المسجد، والناس يكبرون الله أكبر على الجنازة، ويقول: صلينا أمس على جنازة، هذا الحاصل يا إخوان، وأناس يتجشمون من بعد إلى المساجد التي يصلى فيها على الجنائز طلباً للأجر والثواب من الله -جل وعلا-، والحرمان له وجوه وأبواب كثيرة، ما نظن أن هذا الذي ما صلى على جنازة محروم فقط، الحرمان له وجوه، شخص جالس يفكر وش يبي يسوي؟ وش يبي يزين؟ ما عنده شغل، ما هو محتاج للنوم، وما في أحد يزوره ولا شيء، والمصحف بين يديه ما يفتحه ولا يقرأه، حتى ولا يذكر الله ولا يسبح ولا يهلل، هذا أيضاً محروم، يا أخي لك بكل حرف عشر حسنات، يعني هل الوقت الذي أنت جالس ضايقتن بك الدنيا ما تدري وش تسوي؟ افتح المصحف ولك بكل حرف عشر حسنات، الجزء الواحد مائة ألف حسنة، يكد عمره كله ما وفر مائة ألف ريال، وجزء بربع ساعة يقرأه مائة ألف حسنة

ص: 13