المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو) - شرح عمدة الأحكام لابن جبرين - جـ ٧٩

[ابن جبرين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح عمدة الأحكام [79]

- ‌أحكام الجهاد

- ‌تعريف الجهاد

- ‌سبب شرعية الجهاد

- ‌شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو)

- ‌شرح حديث: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها)

- ‌فضل الجهاد في سبيل الله، وبيان أجر المجاهد

- ‌شرح حديث: (انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي)

- ‌معنى قوله: (ما من مكلوم يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى)

- ‌شرح حديث: (غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس)

- ‌شرح حديث: (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)

- ‌شرح حديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عينٌ من المشركين)

- ‌حكم السلب

- ‌شرح حديث: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد)

- ‌شرح حديث: (إذا جمع الله الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء)

- ‌شرح حديث: (أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة)

- ‌شرح حديث: (أن عبد الرحمن والزبير شكيا القمل إلى رسول الله في غزوة لهما)

- ‌شرح حديث: (أجرى النبي صلى الله عليه وسلم ما ضمر من الخيل)

- ‌الأشياء التي يكون فيها السباق

- ‌شرح حديث ابن عمر: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد)

- ‌حكم حمل السلاح على المسلمين

- ‌حكم قتال الكفار المتسمين باسم الإسلام

- ‌شرح حديث: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)

الفصل: ‌شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو)

‌شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو)

حديث عبد الله بن أبي أوفى فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى زالت الشمس.

في هذه الفقرة الأولى أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يكون القتال في آخر النهار؛ وذلك إذا هبت الرياح، وخفت الحرارة، ونزل النصر، هكذا كان يحب أن يكون ابتداء القتال بعد زوال الشمس، وفي هذا الحديث أنه أخر القتال حتى زالت الشمس، وقبل أن تزول أو قرب زوالها خطب أصحابه بهذه الخطبة، وذكر فيها هذه الجمل: أولها قوله: (لا تتمنوا لقاء العدو) ؛ وذلك لأنكم لا تثقون من أنفسكم بالقوة، ولا بالصلابة، فقد تتمنون لقاء العدو فتفشلون، وتذهب ريحكم وتتنازعون، ويحصل بينكم خلل، فينتصر العدو عليكم، فلا تتمنوا لقاء العدو؛ وذلك لأنه فتنة وضرر، هذه هي الجملة الأولى.

أما الجملة الثانية فهي قوله: (فإذا لقيتموه فاصبروا) ، هذه وصية بالصبر، وقد أوصى الله تعالى به، كما قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال:45](فئة) يعني: طائفة من المشركين (فاثبتوا) أي: اصبروا، ومن الصبر الاستعداد، والتأهب، وأخذ الحذر، ومقابلة العدو بقوة وبشجاعة، والاستعداد للقتال يكون بكل ما أوتي الإنسان من قوة، فقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:45-46] كل هذا توجيه من الله لمقابلة العدو، وذلك بالثبات، وهو الصبر لقوله:(فَاثْبُتُوا)، ولقوله:{اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران:200]، وفي هذا الحديث قال:(إذا لقيتموهم فاصبروا) .

أما الجملة الثالثة فهي قوله: (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) ، قال ذلك ترغيباً لهم في الصبر تحت أشعة السيوف، وكان القتال في ذلك الزمان غالباً بالسيف، فكانوا إذا تقابلوا فإنهم يسلون سيوفهم، ثم يتقاتلون مع عدوهم، قال الله تعالى:{فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد:4] فضرب الرقاب يعني: بالسيوف.

وكانوا حين يسلون السيوف يكون لها شعاع، ويكون لها أيضاً ظلال، والذين يقاتلون هذا في ظل سيف هذا وهذا في ظل سيف هذا، فكأنه يقول: ما دمتم في حومة الوغى، وما دمتم في هذه المعركة، وما دمتم مقابلين لهؤلاء الأعداء، فإنكم تمثلون أنفسكم أنكم قد تبوأتم منزلاً من الجنة، فالجنة تحت أقدامكم، وأنتم في ظلها، فقوله:(الجنة تحت ظلال السيوف) هذا للترغيب لهم في الصبر والثبات على القتال.

أما دعاؤه في هذا الحديث فإنه دعاء بالنصر والثبات، فتوسل إلى الله تعالى بهذه الصفات، ثم سأله ما قصده، فتوسل بقوله:(اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم) ، وكان إذا دعا بهذا الدعاء رجي قبوله، ورؤي أثره، فيسن أيضاً لمن تقابل في القتال ووقف في الجبهات أن يبدأ بهذا الدعاء:(الله منزل الكتاب)، يعني: جنس الكتب، وآخر ما نزل هو هذا الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (القرآن) .

(ومجري السحاب) يعني: مسير هذا السحاب، فإنه آية من آيات الله، فهو الذي خلق هذا السحاب، وهو الذي يجريه ويسيره كما يشاء، وهو من آياته العجيبة في خلقه.

(وهازم الأحزاب) الأحزاب هم: المتحزبون ضد الإسلام الذين كانوا يتحزبون ويجتمعون ليقاتلوا المسلمين، فالله تعالى هو الذي يهزمهم كما هزم الأحزاب وزلزلهم في وقعة الأحزاب كما في قوله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9] .

والحاصل: أن هذا فيه الأمر بالصبر، وفيه شرعية وسنية الدعاء في مقابلة العدو، فإذا دعا المسلم بمثل هذا وهو صادق رجي بذلك أن يستجيب الله دعوته، وأن يُهزم العدو، وأن يُمكن المسلمين من رقابهم، وأن يسير المسلمون في آثارهم حتى يتمكنوا من الاستيلاء عليهم.

ص: 5