الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة الوتر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الثاني: الوتر ووقته ما بين صلاة العشاء والفجر].
الوتر مستحب، وسنة مؤكدة؛ لحديث:(إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر).
والوتر أقله ركعة، ووقته بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وإذا جمع بين الصلاتين -أي: المغرب والعشاء- جمع تقديم دخل وقت الوتر، وكما قلنا: أقله ركعة واحدة، يقرأ فيها الفاتحة وقل هو الله أحد، وإن أحب أن يقنت رفع يديه وقنت بعد الركوع، وإلا فالوتر يحصل ولو لم يقنت.
والقنوت مستحب وأقله ركعة، وأفضل الصلاة ثلاث ركعات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الغالب اثنتا عشرة ركعة كما في حديث عائشة:(ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) يعني: في الغالب، وثبت من حديث ابن عباس أنه أوتر بثلاث عشرة ركعة.
وثبت أيضاً في صحيح البخاري: أنه كان يوتر في بعض الأحيان بسبع وأحياناً بتسع، لكن الغالب أنه يوتر بإحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، يسلم لكل ركعتين، هذا هو الأفضل، وإن أوتر بثلاث وسردها بسلام واحد فلا بأس، وكذلك إذا أوتر بخمس يسردها ولا يجلس إلا في آخرها، وكذلك له أن يسرد السبع الركعات، لكن يجلس في السادسة ويتشهد ثم يقوم ثم يأتي بالسابعة، وهو مخير في ذلك كله.
أما إذا أوتر بتسع ركعات فلابد أن يجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويتشهد، أما اثنتا عشرة ركعة فلم يرد، أي: أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، لكن ذكر صاحب الروض المربع وغيره أنه له أن يسرد إحدى عشرة ركعة، ويجلس في العاشرة ويتشهد ثم يقوم ويأتي بالحادية عشرة.
وهذا في صلاة الليل إذا كان الإنسان يصلي وحده، أما إذا كان يصلي بالناس فلا يفعل هذا؛ لأن فيه مشقة على الناس، لكن إذا سرد ثلاث ركعات فلا بأس.
المقصود: أن يصلي ثلاث ركعات غير سنة العشاء، فسنة العشاء راتبة، فيصلي ركعتين أو أربع، فلو صلى أربعاً بعد العشاء فلا بأس، ثم يصلي الوتر ركعة أو ثلاث ركعات غير سنة العشاء، وسنة العشاء هذه راتبة.
ومحل القنوت في الوتر بعد الركوع، وأما قبله فقد جاء في حديث أنس، وفعله بعض الأئمة أي: قنت قبل الركوع، وقال: إنما قنت لأبين للناس أنه جائز.
والأولى أن يكون بعد الركوع، وجاء في بعض حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع، لكن هذا قليل، والأحاديث الكثيرة وردت أنه قنت بعد الركوع، وهي السنة.
وإذا صلى الوتر ثلاث ركعات فلابد أن يسردها ولا يجلس إلا في آخرها، ولا يشبهها بالمغرب، والتشهد مرة واحدة.
والقنوت لا يداوم عليه، إنما الوتر هو الذي يستحب المداومة عليه.
وإذا فاته الوتر يقضيه، (فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة).
وإذا نام عن الوتر أو ما استطاع يقضيه من النهار في الضحى، لكن يشفعه بركعة، فإذا كان يوتر بخمس يصلي في الضحى ست ركعات، ويسلم لكل ركعتين، وإذا كان يوتر بتسع يصلي في الضحى عشر ركعات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بإحدى عشرة ركعة، فإذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة يداوم عليها.
والسنة المداومة على الوتر، لكنه ليس بواجب، واستدل الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه على أن الوتر ليس بواجب بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها على الراحلة، فقال: ولو كان واجباً لنزل وصلى في الأرض؛ لأنه في الفريضة ما كان يصلي على الراحلة، وإنما كان يقف ويصلي على الأرض، أما النافلة فكان يصلي على راحلته حيث تتجه به، وكذلك الوتر كان يصليها على الراحلة، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الوتر على الراحلة فيه دليل على أنه ليس بواجب.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الوتر واجب، واحتج عليه البخاري بما تقدم آنفاً.
أما القنوت فمستحب ولا ينبغي المداومة عليه، وإنما يفعله في بعض الأحيان ويتركه في أخر، والسلف ما كانوا يداومون عليه، وقد جاء ما يدل على أن القنوت في رمضان يكون في النصف الأخير منه، وهذا رأي بعض العلماء.
والمقصود: أن القنوت ما يداوم عليه، لكن صلاة الوتر هي السنة المداوم عليها.
مسألة: إذا أوتر في أول الليل، ثم يسر الله أن يقوم آخره فإنه يصلي ركعتين ركعتين ولا يزيد، كذلك إذا أوتر مع الإمام في رمضان ثم يسر الله له القيام في آخر الليل يصلي ما تيسر ولا يحتاج أن يوتر مرة ثانية؛ لقول النبي:(لا وتران في ليلة)، قال بعض العلماء: إنه يصلي ركعة وينوي بها أن يشفع الوتر في أول الليل، ثم يصلي ما تيسر، ثم يوتر من آخر الليل، هذا قول لكنه قول ضعيف؛ لأن معناه أنه نقض وتره السابق، وأوتر ثلاث مرات.
والصواب: أنه لا حرج من الصلاة بعده، والأفضل أن يكون -أي: الوتر- آخر الليل، لكن لو لم يوتر آخره فلا حرج من الصلاة بعده، والدليل على هذا ثابت في صحيح مسلم:(أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الوتر، ثم صلى بعده ركعتين)، فدل هذا على أن الصلاة بعد الوتر ليست حراماً.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) فهذا الأمر للاستحباب وليس للوجوب، فإذا أوتر أول الليل ثم قام آخره فإنه يصلي والحمد لله، ويكتفي بوتره السابق ولا يوتر مرة ثانية.
وأما الصلاة على الراحلة فهذا في السفر، أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي السنن النوافل على الراحلة في السفر لا في الحضر، وجاء في سنن أبي داود أنه كان يستقبل القبلة، فإذا استقبلهما فحسن، والأحاديث الأخرى ليس فيها ما يدل على أنه يستقبل القبلة، فإذا استقبلها عند تكبيرة الإحرام ثم يصلي إلى حيث تكون جهته فلا بأس.