المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فدية التخيير وما يقاس عليها - شرح عمدة الفقه - الراجحي - جـ ٢٣

[عبد العزيز بن عبد الله الراجحي]

الفصل: ‌فدية التخيير وما يقاس عليها

‌فدية التخيير وما يقاس عليها

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهي فدية الأذى واللبس والطيب فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين أو ذبح شاة].

وسميت بفدية الأذى؛ لأنه يحلق الإنسان الرأس لإزالة الأذى الذي يصيبه، فهذا هو الأصل، فيحلق إذا كان في رأسه أذى من جروح تحتاج إلى مداواة أو قمل أو نحو ذلك، فتسمى فدية الأذى، وهذا هو الأصل في هذا.

والأصل فيه قول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:196]، هذا الأذى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] يعني: فعليه فدية إذا احتاج أن يحلق رأسه لإزالة الأذى الذي أصابه وهو محرم، وهي الصيام أو الصدقة أو النسك، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث كعب بن عجرة فقال:(حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتساقط على وجهي، فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟) وفي لفظ: (ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى!) ثم أمره بأن يحلق رأسه ويذبح شاة، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام فقال:(صم ثلاثة أيام، أو انسك شاة، أو أطعم ستة مساكين) فهذه تسمى فدية الأذى، فإذا كان الإنسان محرماً ويحتاج إلى حلق رأسه لإزالة الأذى سواء كان قملاً أو به جروح تحتاج إلى حلق الشعر؛ حتى يداوي الجرح، فله ذلك وعليه فدية، ولا إثم عليه.

أما إذا حلقه من دون حاجة متعمداً فهو آثم وعليه التوبة مع الفدية، وإذا حلقه ناسياً أو جاهلاً فليس عليه فدية.

فتكون الأحوال خمسة: الحالة الأولى: أن يحلق شعر رأسه وهو محرم عالماً مختاراً، ذاكراً محتاجاً، فهذا عليه الكفارة وليس عليه إثم.

الحالة الثانية: أن يحلق رأسه عالماً مختاراً، ذاكراً بدون حاجة، فهذا عليه الكفارة مع الإثم، وعليه التوبة والاستغفار.

الحالة الثالثة: أن يحلق رأسه ناسياً، فهذا لا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة.

الحالة الرابعة: أن يحلق رأسه جاهلاً، فهذا أيضاً لا شيء عليه.

الحالة الخامسة: أن يحلق رأسه مكرهاً، فهذا ليس عليه شيء على الصحيح.

والمذهب أن الحلق لا يعذر فيه الناسي ولا الجاهل؛ لأن هذا من باب الإتلاف، والإتلاف يستوي فيه العمد والجهل، والصواب: أن الجاهل والناسي معفو عنهما؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

وحديث كعب بن عجرة قاس عليه العلماء تقليم الأظفار، والطيب، وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فإذا كان محتاجاً إلى ذلك فعليه الفدية، وإذا كان غير محتاج فعليه الإثم والفدية، والناسي والجاهل والمكره ليس عليهم شيء.

ولبس المخيط وتغطية الرأس خاص بالرجل دون المرأة، فهذه خمسة أشياء، وقيست أربعة منها على حلق الرأس.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أحدهما على التخيير وهي: فدية الأذى واللبس والطيب].

حلق الرأس واللبس والطيب وتغطية الرأس، هذا نقص ويضاف إليها تقليم الأظفار، فتكون خمسة أشياء.

وقد ورد في تغطية الرأس قصة الذي وقصته راحلته قال صلى الله عليه وسلم: (لا تخمروا رأسه ولا وجهه ولا تحنطوه).

وثبت في الطيب ما جاء عن الرجل الذي أحرم ثم لبس جبة مضمخة بالطيب فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسكت، ثم نزل عليه الوحي فقال:(انزع عنك الجبة، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك).

لكن العلماء قاسوا الطيب على حلق الرأس من جهة الفدية بجامع الترفه في الكل، فالفدية ما جاءت إلا في حلق الرأس، فقاسوا عليها الطيب من جهة أنه محظور، وهذا النص يثبت أنه من المحظورات، وتقليم الأظفار قيس قياساً على حلق الرأس، ولبس المخيط ورد فيه حديث ابن عمر:(سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس) وفي هذا الحديث: (ولا شيئاً مسه زعفران أو ورس)، وتقليم الأظفار هو الذي لم يذكر فيه نص، ويقاس على الحلق بجامع الترفه في الكل.

وثبت حديث ينهى من أراد أن يضحي عن تقليم أظفاره عند دخول عشر ذي الحجة، قيل: وهذا فيه تشبه بالحاج، وقيل: لأن الأضحية من أسباب المغفرة، فأمر بأن يترك جميع أجزائه لا يأخذ منها شيئاً؛ حتى يكون مهيئاً للمغفرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة].

قوله: (إطعام ثلاثة آصع) لكل مسكين نصف صاع، ونصف الصاع يقدر بكيلو ونصف، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط، يكون عليه حفنتان، ويفرق العلماء بين البر وغيره، فقالوا: البر يكفيه ربع الصاع حفنة واحدة، والتمر وغيره لا بد من نصف الصاع؛ لأن معاوية رضي الله عنه اجتهد لما وجدت البر فقال: أرى أن نصف الصاع من هذه السمراء يعدل صاعاً؛ فأخذ الناس بقول معاوية، وجعلوا ربع الصاع يقابل نصف الصاع من التمر، والصواب: أنه نصف صاع من الجميع من البر أو التمر أو الأرز من قوت البلد.

ص: 3