المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إدخال ما ليس من أسماء الله وصفاته فيها - شرح فتح المجيد للغنيمان - جـ ١١٦

[عبد الله بن محمد الغنيمان]

فهرس الكتاب

- ‌باب قول الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى)

- ‌معنى قوله: (ولله الأسماء الحسنى)

- ‌معنى قوله: (فادعوه بها)

- ‌معنى قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه)

- ‌أنواع الإلحاد في أسماء الله وصفاته

- ‌تحريف معانيها

- ‌اشتقاق بعض أسماء المخلوقات منها

- ‌تسميته ووصفه جل وعلا بما يتنزه عنه تقدس وتعالى

- ‌الفرق بين الاسم والصفة

- ‌حكم إنكار الصفات

- ‌معاني الإلحاد في الأسماء والصفات

- ‌الشرك في الأسماء والصفات

- ‌إدخال ما ليس من أسماء الله وصفاته فيها

- ‌شرح حديث: (إن لله تسعاً وتسعين اسماً)

- ‌معنى الإحصاء في الحديث

- ‌مراتب الإحصاء

- ‌أسماء الله غير محصورة

- ‌أقسام أسماء الله

- ‌ذكر أسماء الله الواردة في القرآن

- ‌سرد أسماء الله في الحديث مدرج وعدم انحصارها في تسعة وتسعين

- ‌حقيقة الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى

- ‌عقيدة أهل السنة في صفات الله سبحانه

- ‌أقسام ما يجري صفة أو خبراً على الرب سبحانه وتعالى

- ‌أنواع الإلحاد في أسماء الله

- ‌باب قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه)

- ‌وجوب إثبات أسماء الله وصفاته

- ‌إثبات أن أسماء الله وصفاته حسنى والأمر بدعائه بها

- ‌الموقف ممن ألحد في أسماء الله وصفاته وإثبات الوعيد في حقه

الفصل: ‌إدخال ما ليس من أسماء الله وصفاته فيها

‌إدخال ما ليس من أسماء الله وصفاته فيها

أما الثاني: وهو أن يدخل فيها ما ليس منها، كأن يسميه:(علة موجبة، أو عقلاً فعالاً) أو مثل ما يقول النصارى: (الابن والأب وروح القدس)، وهذا من الإلحاد، وكذلك يلحق بهذا أيضاً أن يوصف بمعنى ينزه تعالى وتقدس عنه، كوصف اليهود له بأنه فقير تعالى الله وتقدس، أو بأنه بخيل تعالى الله وتقدس؛ لأنهم قالوا:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64] ولهذا لا تجد يهودياً كريماً أبداً، فكل اليهود من أبخل الناس وأعظم الناس عبادة للمال، لقول الله جل وعلا:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا} [المائدة:64] فهم يصفون الله جل وعلا بالبخل، والصفات التي يرمون الرب جل وعلا بها ينزهون أنفسهم منها:{قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آل عمران:181]، والله جل وعلا لا يخفى عليه شيء، فكل شيء يحصيه على عباده، فإنه يستمع لهم منذ خلقهم إلى أن يوقفهم في قبورهم، ثم بعد ذلك يبعثهم ثم يعرض عليهم ما كانوا يعملونه ويقولونه، فيقصه جل وعلا عليهم، ولا يخفى عليه شيء، ومع ذلك فكل شيء مسجل حتى لا يكون للإنسان أي اعتذار.

{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:13 - 14].

الصواب في هذا: أن هذا الكتاب الذي يخرج هو كتاب الحسنات والسيئات التي يسجلها الملائكة على الإنسان، حيث يخرج له ويجد فيه كل ما عمل، وهناك يقول الظالمون:{يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49]، لا يغادر شيئاً، وكل شيء يجده المرء أمامه مكتوباً محفوظاً لدى الله جل وعلا.

وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود يقول: كنت جالساً عند الكعبة فجاء ثلاثة نفر من المشركين، كثيرة شحوم بطونهم قليل الفقه في قلوبهم، فقال واحد منهم: أترون الله يسمعنا إذا تكلمنا؟ فقال الآخر: إذا رفعنا أصواتنا سمعنا وإذا خفضنا لم يسمعنا، فقال الثالث: إن كان يسمعنا إذا رفعنا أصواتنا فهو يسمعنا إذا خفضنا أصواتنا، فذهب وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله جل وعلا:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80].

(بلى) يعني: بلى نسمعها، ومع ذلك فالرسل -الذين هم الملائكة- يكتبون، وقد أخبر الله جل وعلا في قوله في الآية الأخرى:{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15] وقوله: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7].

يقول العلماء: (السر) هو: الذي يدور في نفس الإنسان وذهنه ولم يظهر عليه أحداً ولم يتلفظ به، وأخفى منه الشيء الذي لم يحدث في ذهنه، كل هذا يعلم الله جل وعلا أنه سيحدث كذا وكذا في وقت كذا وكذا، فلا يخفى على الله شيء، بل يخبرنا ربنا جل وعلا بالشيء الذي يكون، وأنه لو كان أنه يكون على كذا وكذا، كما قال الله جل وعلا لما قال الكفار عندما ألقوا في جهنم:{يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} [الأنعام:27] جاء

‌الجواب

{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:28] أي: ولو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى الكفر والتكذيب الذي كانوا فيه، وهذا لا يحصل فهو ممتنع؛ لأن الله أخبر أنهم لا يردون، ولكن على سبيل التنزل، لو قدر أنهم يردون لعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر، فالله يعلم الأشياء التي لا تكون لو كانت أنها تكون على كذا وكذا، والله على كل شيء قدير وهو بكل شيء عليم، وهو الغني بذاته عن كل شيء، وكل شيء فقير إليه، ولا يخفى عليه من تصرفات خلقه شيء تعالى وتقدس.

إذاً أسماء الله جل وعلا معانٍ عظيمة، والتفقه فيها من أعظم ما يجب على الإنسان، ومعرفة الله جل وعلا تتوقف على ذلك، فالله جل وعلا تعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته، والمقصود في هذا الباب: أن الإنسان يتعرف على ربه جل وعلا من خلال الأسماء والصفات التي سمى ووصف الله جل وعلا بها نفسه، وعلى هذا فالإلحاد يكون أنواعاً وكله متوعد فيه، وأصله من الميل والعدول؛ لأن معنى ألحد: أي عدل عن السمت المراد الذي طلب منه أن يفعله ومال وجنح عنه، وكل ميل وجنوح عن السمت يسمى لحداً، ومنه لحد القبر؛ لأنه لا يكون على سمت الحفرة بل يجنح إلى جهة القبلة في جانب القبر، فيحفر حفرة في جانب القبر من جهة القبلة ويوضع بها الميت، وهذا يسمى لحداً، وهذا اللحد بخلاف الشق، فإن الشق يكون على قدر الميت مثل اللحد ولكنه في الوسط، وكلاهما جائز، ولكن اللحد أفضل كما جاء في الأحاديث.

إذاً: الإلحاد في أسماء الله يكون بتحريفها بالتأويلات الباطلة، ويكون بتعطيل معانيها، ويكون بجعلها معانٍ للمخلوقات، ويكون بإضافة شيء إليها ليس منها، ويكون بأن تجعل معانيها معانٍ معينة من معاني المخلوقات.

هذه الأقسام الخمسة، والإلحاد أيضاً يكون في آيات الله التي تدل على الأحكام، ولهذا جاء أن الملحد في الحرم لا يقبل منه صرف ولا عدل، والملحد فيه هو الذي خرج عن الطاعة بفعل الكبائر والمعاصي الظاهرة.

يعني: ارتكب محرماً ظاهراً وترك ما هو ظاهر الوجوب، فهذا يسمى ملحداً أو ملحداً في دين الله.

ص: 14