المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دعاء غير الله كفر بالإجماع - شرح فتح المجيد للغنيمان - جـ ٤٦

[عبد الله بن محمد الغنيمان]

الفصل: ‌دعاء غير الله كفر بالإجماع

‌دعاء غير الله كفر بالإجماع

قال الشارح رحمه الله: [وقال أيضاً: من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعاً].

لأن هذا هو شرك المشركين في الواقع، وهو الشرك الذي ذكره الله جل وعلا عن أول الأمم إلى آخرهم، في قصص الأنبياء التي قصها علينا في القرآن لنعتبر بها ونتعظ؛ لأننا نحن المقصودون بهذه القصص، أما الأمم السالفة انتهى أمرها، انتهى أهل الخير إلى الجنة، وأهل الشرك والشر إلى النار، ولا ينفعهم ذكرهم، وما جرى لهم، وإنما المقصود بقصصهم نحن؛ لنعتبر بها، وكل أمة من الأمم المشركة التي بعث إليها رسول من رسل الله جل وعلا بين الله جل وعلا أن شركهم في أنهم يدعون وسائط يطلبون منهم أن يقربوهم إلى الله، وأن يشفعوا لهم فقط، ما فيهم من يعتقد أن المدعو الذي يدعوه -سواء كان آدمياً، أو صورة أدمي، أو قبره، أو ملكاً من الملائكة، أو نبياً من الأنبياء أو غير ذلك- خلق السماء أو بعضها، أو خلق الأرض أو شيئاً منها، أو أنه يحيي أو أنه يميت، أو أنه ينزل المطر، أو يستطيع أن ينبت نباتاً، لا أحد يعتقد هذا أبداً، كلهم يقولون: إن الذي خلق الخلق، والذي يملك الموت والحياة، والذي يملك النفع والضر، هو الله وحده لا شريك له في ذلك، ولكن عبدوا من عبدوهم ليشفعوا لهم عند الله، عبدوهم ليدعوا لهم الله فقط، ويقولون: ندعوهم وهم يدعون الله لنا؛ لأن الله جل وعلا قربهم، ولأنهم لا ذنوب لهم مثلنا، ونحن مذنبون، فإذا سألناهم كان أنجح لمسألتنا وأقرب إلى الإجابة، هذا على حد زعمهم، وقاسوا الله على ما يقع لهم فيما بينهم، وضربوا لذلك مثلاً: إذا كان هناك رئيس أو كبير قوم، وكان الإنسان بعيداً عنه ويريد شيئاً منه، فإنه يقول: أذهب إلى من هو قريب منه: إلى وزيره أو صديقه أو أخيه، فأسأله أن يشفع لي، فيكون أقرب إلى إجابة طلبي، فهم قاسوا رب العالمين جل وعلا على هذا، فصاروا يسألون الشفعاء، ويجعلون الوسائط، وهذا هو شرك المشركين قديماً وحديثاً.

أما الآن فتجدهم يتجهون إلى الأولياء، ويقولون: إن الله ملكهم بعض الأشياء، وإن الله أكرمهم بأنهم إذا دعوا استطاعوا أن يجيبوا، وهذه دعوى مجردة لا برهان لها، ولا دليل لهم على ذلك إلا أنهم ادعوا هذا، وسوف يتبين لهم أن دعواهم هذه باطلة، فهي مثل شرك المشركين تماماً.

والمقصود أن هذا هو الشرك، وهذا هو أصله الذي وقع فيه الناس.

قال الشارح رحمه الله: [وقال أيضاً: من جعل بينه وبين الله وسائط، يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم، كفر إجماعاً، نقله عنه صاحب الفروع، وصاحب الإنصاف، وصاحب الإقناع وغيرهم، وذكره شيخ الإسلام في "مسألة الوسائط"، ونقلته عنه في الرد على ابن جرجيس في مسألة الوسائط.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن أنواعه -أي: الشرك- طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فضلاً لمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، وسيأتي تتمة كلامه في باب الشفاعة إن شاء الله تعالى].

يعني: أن الشافع عبد من عباد الله، وكل شافع يشفع عبد لا يملك مع الله شيئاً، أما المشفوع عنده فهو الله القهار الذي بيده ملك كل شيء، وقد أخبر جل وعلا أنه لا يأذن بالشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله، {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]، وقال جل وعلا:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، وأخبر جل وعلا أنه إذا قامت القيامة، وحضر الخلق بين يديه، وقامت الملائكة، فلا أحد يتكلم إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، وللآيات في هذا كثيرة جداً، وتبين أن هؤلاء ضالون، وأنهم مخطئون أعظم الخطأ، وأنهم قد وقعوا في الشرك، وأن قولهم هذا مجرد دعوى لا دليل عليها.

ص: 7