المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مضرة أصحاب السوء على الإنسان - شرح فتح المجيد للغنيمان - جـ ٥٦

[عبد الله بن محمد الغنيمان]

فهرس الكتاب

- ‌قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)

- ‌أنواع الهداية

- ‌الهداية بيد الله وليس على الرسول إلا البلاغ

- ‌قوله تعالى: (وأما ثمود فهديناهم)

- ‌قصة وفاة أبي طالب

- ‌كلمة التوحيد تنقل قائلها من ملة الكفر إلى ملة الإسلام

- ‌معنى قول المصنف: (في الصحيح)

- ‌ترجمة سعيد بن المسيب وأبوه وجده

- ‌التوبة لا تقبل عند الغرغرة

- ‌أكثر شرك الأولين سببه تقليد الآباء والأجداد

- ‌معرفة كفار قريش أن كلمة التوحيد تبطل الكفر

- ‌الحكمة في عدم إسلام أبي طالب

- ‌إعراب قوله: (فكان آخر ما قال)

- ‌جواز صرف اللفظ المستقبح عن ظاهره إذا أوهم قبحاً

- ‌الرد على من زعم إسلام أبي طالب ووالده، ووالدي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مضرة أصحاب السوء على الإنسان

- ‌حكم تعظيم الأسلاف

- ‌جواز الحلف من غير استحلاف

- ‌اشتداد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه أبي طالب

- ‌ذكر الخلاف في سبب نزول قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفورا للمشركين)

- ‌مسائل باب قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت)

- ‌معنى: (لا إله إلا الله)

- ‌كفار قريش كانوا يعرفون معنى: (لا إله إلا الله)

- ‌حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إسلام عمه أبي طالب

- ‌الرسل عليهم السلام لا يخلفون الوعد

- ‌الأعمال بالخواتيم

- ‌أكبر شبه الضالين هي شبهة التقليد

الفصل: ‌مضرة أصحاب السوء على الإنسان

‌مضرة أصحاب السوء على الإنسان

قال الشارح: [ومضرة أصحاب السوء على الإنسان، ومضرة تعظيم الأسلاف].

يعني: أن فيه من الفوائد: أن الجلساء إذا كانوا أصحاب سوء فمضرتهم بليغة وعظيمة جداً؛ ولهذا كاد أبو طالب أن يقول هذه الكلمة لولا هؤلاء الجلساء عنده، ومعلوم أن الأمر بيد الله، فإذا أراد الله جلَّ وعلا شيئاً جعل له أسباباً تقتضي وجود ما أراد، أو موانع تمنع من خلاف ما أراد؛ ولكن نحن ننظر إلى الأسباب، فالإنسان عليه أن يفعل السبب، ولا يجوز للعبد أن يخالط أهل السوء وأن يجالسهم؛ لأنهم يدعونه إلى خلاف الحق، فإذا عُرف عن الإنسان أنه يدعو إلى خلاف الحق أو أن عنده أفكاراً سيئة فالواجب أن يبتعد عنه؛ لأنه لا يأمن الإنسان على نفسه، فقد يقول له كلمة فيكون فيها ضلاله، ومعلوم أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء، فإذا شاء أن يصرفها صرفها، وإذا شاء أن يثبتها ثبتها؛ ولكن يجب على العبد أن يفعل السبب، والحماية أفضل من العلاج، فكون الإنسان يحتمي ويبتعد عن مواقع السوء وأسبابه أفضل من كونه يدافع السوء ويدافع الكلام الذي يكون فيه الشبه؛ ولهذا لما أتى إلى محمد بن سيرين رحمه الله رجل وهو جالس عند تلامذته، وطلب منه أن يقرأ عليه آية، فأبى، فقال: ما أزيد على قراءتها فأبى، فقال: ولو بعض آية، فلما كرر عليه وضع إصبعيه في أذنيه وقال: أحرج عليك إلَّا خرجت، فإن لم تخرج سوف أخرج أنا، فقال له القوم: اتقِ الله، لا تخرج الرجل من بيته، فلما ذهب وخرج قيل له: يرحمك الله! ما الذي يمنعك من أن تسمع الآية؟ فقال: أخشى أن يقذف في قلبي شبهةً يصعب عليَّ إخراجها، أي: وهو في عافية؛ لأن العافية لا يعدلها شيء.

فالمقصود: أن جلساء وقرناء السوء غالباً يضلون الإنسان، وقد جرت العادة أن الناس إذا أرادوا أن يعرفوا عن رجل استقامته أنهم يسألون عن جلسائه: من جليسه؟ ومن الذين يجالسهم؟ فإذا عرفوا أن جلساءه من الطيبين استدلوا على أنه طيب، وإذا عرفوا أنهم ليسوا من الطيبين استدلوا على أنه ليس بطيب، وهذا شيء معروف، ولهذا يقول القائل: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي وفي هذه القصة دليل على مضرة التقليد، والتقليد مأخوذ من القلادة، فكأن الإنسان وضع في رقبته قلادةً فأعطاها من يقوده بها، أي: كونه يقلد رجلاً أو طائفة بعينها كلما قال قولاً اتبعه عليه، فالتقليد هو: اتباع الأسلاف وغيرهم بدون دليل، هذا هو التقليد، أما اتباعهم بالدليل فلا يكون تقليداً وإنما يكون اتباعاً؛ لأن التقليد هو أن يتبعهم بدون دليل، فهذا مضر جداً، بل هذا التقليد هو الذي رُدَّت به دعوات الرسل غالباً، فهو مضر جداً.

ص: 17