المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معنى التقدم بين يدي الله ورسوله وموقف الصحابة من الأمر بعدم التقدم - شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة - جـ ٤

[حسن أبو الأشبال الزهيري]

فهرس الكتاب

- ‌ ذكر ما افترض الله تعالى في التنزيل من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ذكر ما افترضه الله تعالى نصاً في التنزيل من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بعث الله لمحمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ومهيمناً على النبيين

- ‌بعث الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ببيان ما أجمل من الكتاب ووجوب طاعته في ذلك

- ‌ذكر بعض الآيات التي توجب طاعة الرسول وتقرنها بطاعة الله تعالى

- ‌قول الله في طاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر وبيان معنى ذلك

- ‌تفسير عكرمة وميمون بن مهران لقوله تعالى (وأولي الأمر منكم)

- ‌وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير من عصيانه

- ‌الأمر بطاعة الله ورسوله والتحذير من التنازع والاختلاف

- ‌من شعار أهل الإيمان والفلاح السمع والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌عدم الرضا بحكم الشرع واللجوء إلى حكم القوانين خلل في الاعتقاد

- ‌طاعة الله ورسوله سبب حصول العبد على الفوز والرحمة والهداية

- ‌أمر الله عز وجل بلزوم الأدب معه صلى الله عليه وسلم عند مناداته

- ‌عدم التزام أمر الله وأمر رسوله يوجب الوقوع في الضلال البعيد

- ‌معنى التقدم بين يدي الله ورسوله وموقف الصحابة من الأمر بعدم التقدم

- ‌اقتران طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعة الله واتباعه بمحبة الله عز وجل

- ‌باب ذكر ما جاءت به السنة من طاعة رسول الله والتحذير من طوائف يعارضون سنن رسول الله بالقرآن

- ‌وصف ابن بطة للمعارضين للسنة ومقارنتهم بأهل زماننا

- ‌الرد على المعارضين للسنن بآيات قرآنية لا تتبين إلا بالسنة

- ‌نماذج وقصص تحكي واقع من لا يؤمن بالسنة ويدعي الإيمان بالقرآن فقط

- ‌الأسئلة

- ‌بيان المعتقد الصحيح في رفع عيسى عليه السلام

الفصل: ‌معنى التقدم بين يدي الله ورسوله وموقف الصحابة من الأمر بعدم التقدم

‌معنى التقدم بين يدي الله ورسوله وموقف الصحابة من الأمر بعدم التقدم

قال: [وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الممتحنة:6].

وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1]].

التقدم بين يدي الله: هو أن ترى غير ما أمرك به الله، وهو أن يحكم الله تعالى في قضية بحكم ثم أنت لا ترى هذا الحكم، وترى رأياً آخر يخالف حكم الله عز وجل، وكذلك أن يحكم النبي عليه الصلاة والسلام في قضية ما بحكم السماء، ثم أنت لا ترى ما حكم به النبي عليه الصلاة والسلام، بل تذهب فتحكم فيها برأيك وهواك، فهذا تقدم بين يدي الله ورسوله.

والصحابة رضي الله عنهم قد ضربوا أروع الأمثلة لما نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:1 - 2].

كان ثابت بن قيس بن شماس جهوري الصوت بطبيعة الخلقة التي خلقه الله تعالى عليها، كان صوته عالياً جداً، كان إذا تكلم أسمع الناس كلها، فإذا تكلم في مجلس النبي عليه الصلاة والسلام علم الناس أن المتكلم هو ثابت بن قيس بن شماس، فظن ثابت بن قيس أن هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:2] نزلت في شأنه؛ لأن صوته عال.

فقوله: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ} [الحجرات:2] أي: لا ترفعوا أصواتكم عليه، وتجهروا عليه بالقول:{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2]، فلما سمع ثابت بن قيس هذه الآيات لزم بيته وقال: أنا من أهل النار، أنا قد حبط عملي، أنا الذي نزلت فيّ هذه الآية، ولذلك تفقده النبي عليه الصلاة والسلام عدة أيام كما كانت عادته عليه الصلاة والسلام، فلما لم يره سأل عنه، فأخبروه بما كان من أمره، قال:(اذهبوا إليه وبشروه بالجنة).

إذاً: المقصود أن ترى أنت غير حكم الله وترى غير حكم النبي عليه الصلاة والسلام، لكن عمل الصحابة بظاهر هذه الآية.

وقد جاء عن أبي بكر الصديق أنه قال بعد نزول هذه الآيات: [(يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار)، يعني: كمن يحدث أخاه سراً.

وأما عمر فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستبينه في الكلام مرة ومرتين وثلاثاً؛ لأن عمر يتكلم بصوت يتكلف فيه الخفض، حتى يقول له النبي عليه الصلاة والسلام: ماذا تقول يا عمر؟ فيعيد عمر إعادة غير مسموعة، فيستعيده النبي عليه الصلاة والسلام.

إذا كان هذا موقف الصحابة من مجرد التلفظ مع الطاعة، فما بالكم بمن يهجم على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام؟ شتان بين زمان الصحابة وزماننا، وقلوبهم وقلوبنا، وطاعتهم وانقيادهم وطاعتنا وانقيادنا.

ص: 15