المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المؤمن بين الخوف والرجاء - شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة - جـ ٥٠

[حسن أبو الأشبال الزهيري]

فهرس الكتاب

- ‌ الإيمان بأن الله كتب على آدم المعصية قبل أن يخلقه

- ‌ذكر مجمل مسائل القدر الواردة في المجلد الرابع من كتاب الإبانة

- ‌الإيمان بأن الله كتب على آدم المعصية قبل أن يخلقه

- ‌الإيمان بأن السعيد والشقي من سعد أو شقي في بطن أمه وخلق الله للنطفة وإن عزل صاحبها

- ‌التصديق بأن الإيمان لا يصح لأحد حتى يؤمن بالقدر

- ‌الإيمان بأن الشيطان مخلوق مسلط على بني آدم

- ‌الإيمان بأن كل مولود يولد على الفطرة وذراري المشركين

- ‌ما روي في المكذبين بالقدر وما روي عن الصحابة في ذلك

- ‌باب الإيمان بأن الله عز وجل كتب على آدم المعصية قبل أن يخلقه

- ‌شرح حديث عمر: (إن موسى قال: يا رب! أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة)

- ‌شرح حديث أبي هريرة: (احتج آدم وموسى) من عدة طرق

- ‌معنى قول آدم لموسى: (أنت الذي أعطاك الله علم كل شيء)

- ‌اختيار الألفاظ المناسبة من محاسن اللغة العربية

- ‌معنى قول موسى لآدم: (أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة)

- ‌أثر ابن عباس: (قد أخرج الله آدم من الجنة)

- ‌أثر عبيد بن عمير: (قال آدم: يا رب! أرأيت ما أتيت)

- ‌أثر خالد بن مهران: (قلت للحسن: يا أبا سعيد! آدم خلق للأرض أم للسماء)

- ‌تعليق ابن بطة على أحاديث وآثار احتجاج آدم وموسى وتعلقها بالقدر

- ‌معنى قول المؤلف: (فقد علم الله المعصية من آدم قبل أن يخلقه)

- ‌العمل سبب لدخول الجنة

- ‌المؤمن بين الخوف والرجاء

- ‌نزول المصائب والبلايا بالعبد منحة لا محنة

- ‌كلام الإمام النووي في المراد بالتقدير في قوله عليه السلام: (أتلومني على أمر قدره الله علي)

الفصل: ‌المؤمن بين الخوف والرجاء

‌المؤمن بين الخوف والرجاء

إذاً: فلا يغتر أحدنا بطاعته، ولا يقنط أحد من معصيته؛ لأنكم تعلمون أن جناحي المؤمن في السير إلى الله: الخوف والرجاء، الخوف الذي يزيده عملاً، والرجاء الذي لا يقنطه من رحمة الله، فهل هناك طائر يمكن أن يطير بجناح واحد؟ لا، بل لو انكسر أحد جناحيه لسقط، وكذلك المؤمن لو فقد الخوف من الله ارتكب المعاصي، ولو فقد الرجاء في الله قنط من رحمة الله وأيس، ولا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون، ولذلك العلماء يقولون: من عبد الله بالخوف فقط كفر، ومن عبده بالرجاء فقط كفر، إذ إنه لا يمكن أن يستقيم العبد إلا إذا مشى الاثنان سوياً، فلا يغلب الخوف على الرجاء، ولا الرجاء على الخوف، ولذا قالوا: إذا كان المرء في شبابه فلا بأس أن يزيد عنده الخوف الذي يؤدي إلى مزيد العمل، وعند الموت أو كبر السن فلا بأس أن يغلب الرجاء عليه حتى يلقى الله تعالى وهو حسن الظن به، أما أن يغتر الإنسان بعمله فهذه مصيبة عظيمة، ولذا من الكبائر أن ترى لنفسك عملاً مع نعم الله عز وجل، فمهما عبدت الله عز وجل فليست بشيء ولا تؤهلك لأي شيء، فإياك أن تغتر وتقول: أنا رجل سني وملتحي وألبس جلبية بيضاء قصيرة إلى غير ذلك من التزكية للنفس، فإياك أن تغتر بهذا والله لا ينفعك، ولذلك العلماء يقولون: رب طاعة أدخلت صاحبها النار، ورب معصية أدخلت صاحبها الجنة؛ فالأول لأنه اغتر وتعالى وافتخر بها على الناس، كأن يقول: أنا أصلي الخمس، وأصوم رمضان، وأحج كل سنة وأعتمر كذا وكذا، ويظل يفاخر بأنه يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويتصدق، وأنه حل قضايا فلان ومشاكل فلان وغير ذلك، مع أن الذي وفقه لهذا العمل هو الله تعالى، ولو أن الله تعالى تخلى عنه لحظة ما فعل شيئاً من ذلك.

إذاً: مرد العمل كله لله عز وجل، ولو أنه سبحانه أوكلك إلى نفسك طرفة عين لهلكت، فأنت في كنف الله ورعايته فلا تغتر، ولا تنسب شيئاً من ذلك لنفسك، فإذا فعلت طاعة فاحمد الله عليها، ولا تحمد نفسك، وإذا فعلت معصية فاستغفر الله منها، ورب معصية أورثت صاحبها ذلاً وانكساراً وتوبة، فكان بسببها أن دخل الجنة.

شخص التقى بأناس كثيرين وقال: أنا أبو المعاصي، والله تعالى يسترني ويستركم جميعاً، لكن أحياناً يأتي إنسان ويقول: يا شيخ! أنا قتلت وزنيت وشربت الخمر وأكلت الخنزير، وهو يتقطع ويتمزق ألماً، ثم منهم من يهيم على وجهه بسبب هذه المعصية، وينقطع للعبادة، ولا يرى أنه يعبد الله تعالى ويكافئه بأي شيء من نعمه، فهذا بلا شك معصية أورثت صاحبها خيراً.

ص: 21