الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: "حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن واصل -بن حيان الأحدب- عن أبي وائل -وهو شقيق المذكور في الطرق السابقة- عن عبد الله وأحسبه رفعه"، وأحسبه رفعه: هذه العبارة توحي بالتردد، لكن الروايات السابقة كلها بالجزم فلا أثر لمثل هذا التردد- أحسبه رفعه، قال:((بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول العلم، ويظهر الجهل)) قال أبو موسى: والهرج: القتل بلسان الحبشة" الهرج: القتل بلسان الحبشة، "وقال أبو عوانة -الوضاح بن عبد الله اليشكري- عن عاصم -هو ابن أبي النجود"، "قال أبو عوانة" هذا معلق، عن عاصم بن أبي النجود، عاصم بن بهدلة القارئ المشهور، وفيه كلام بالنسبة لحفظه، لكن البخاري لم يعتمد عليه، "عن أبي وائل عن الأشعري أنه قال لعبد الله: تعلم الأيام التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيام الهرج نحوه" يعني نحو ما تقدم "قال ابن مسعود: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء)) "، وعند مسلم:((لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس))، وفي الحديث:((لا تقام الساعة والأرض يقال فيها: لا إله إلا الله)) ولا ينافي ذلك ما جاء من بقاء الطائفة المنصورة، من بقاء الطائفة المنصورة؛ لأنه أيضاً جاء في الحديث الصحيح أنه تأتي ريح من جهة اليمن تقبض أرواح المؤمنين، فالطائفة المنصورة تبقى إلى قبيل قيام الساعة حتى تأتي هذه الريح فتقبض أرواح المؤمنين، ولا يبقى في الأرض بعد ذلك إلا شرار الناس.
((من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء)) نعم التدرج في انقراض الخير سنة إلهية، ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌ منه)) كما في الباب اللاحق، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
من شرار الناس نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، على بيانية هذه؛ نعم لأن رواية مسلم:((لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس))، ((لا تقوم الساعة والأرض يقال فيها: لا إله إلا الله)) فكلهم شرار، نعم؟
طالب: الساعة. . . . . . . . .
الساعة نفسها، الساعة نفسها.
شرح: بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه:
بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه.
حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال:((اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم)) سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري ح وحدثنا إسماعيل قال: حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعاً يقول: ((سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أنزل من الفتن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يريد أزواجه لكي يصلين- رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)).
يقول رحمه الله: "بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه"، لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه، ((وخير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) فالخيرية على سبيل الترقي، والشرية على سبيل التدلي، فكل زمانٍ الذي قبله خيرٍ منه، وكل زمانٍ الذي بعده شرٌ منه في الجملة، في الجملة، يعني إذا استثنينا جيل الصحابة فالأزمنة والقرون التي بعدهم قد يوجد في المتأخر وإن كان الأقل خيرٌ من بعض من تقدم فالتفضيل إجمالي، يعني بمعنى أنه يوجد في القرن الخامس عشر أفضل ممن وجد من بعض من وجد في القرن العاشر، لكن الجيل كامل بالنظر إليه إجمالاً لا يمكن أن يكون القرن هذا أفضل من الذي قبله.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد بن يوسف -الفريابي- قال: حدثنا سفيان –الثوري- عن الزبير بن عدي -الهمداني- قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج" في القرن الأول الصحابة متوافرون، وشكوا من الحجاج، ولقوا منه الظلم والذل، حتى الصحابة ما سلموا من ظلمه -رضوان الله عليهم-، ولا شك أن في هذا تسلية لمن يعيش في مثل هذه الأيام، الصحابة ما سلموا من ظلم الحجاج وذله وإذلاله للصحابة، شكوا الظلم وما يلقونه من ظلم الحجاج، "فقال أنس رضي الله عنه:"اصبروا" يعني: اصبروا عليه وعلى ظلمه، "فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه" ولا شك أن في مثل هذا تسلية، لماذا؟ لأنك تنظر في مثل هذه الأمور؛ لأن هذا الأمر لا شك أنه من أمور الدنيا، وأمور الدنيا أنت مأمورٌ بأن تنظر إلى من هو دونك، فإذا نظرت إلى أنه ضيق عليك في أمور الدنيا مثلاً، تقول: الحمد لله إحنا أفضل من البلد الفلاني، وحنا بعد أفضل من اللي بيجون بعدنا، ((لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه)) أما بالنسبة لأمور الدين لا شك أنه يوجد فيها بعض التضييق في بعض العصور، وفي بعض الأمصار، لكن من نعم الله على خلقه أن أبواب الدين متنوعة، فأنت منعت وضيق عليك من هذا الباب من أبواب الدين، وفتح لك آفاق وأبواب تلج من أوسعها ولله الحمد، هو الإشكال في أمور الدنيا التي يحصل فيها الضيق، وما في يعني بديل، إذا حصل مثل هذا في أمور الدنيا فأنت تقول: الحمد لله شوف البلدان الثانية يمين ويسار كلها أضيق منا، وأنت مأمور في مثل هذه الحالة أنت تنظر إلى من هو دونك، لكن في أمور الدين لا، لا بد أن تنظر إلى من هو أعلى منك لكي تعمل، أما في أمور الدنيا تنظر إلى من هو دونك لكي لا تزدري نعمة الله عليك، هذا فيه تسلية لك، في أمور الدين لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تنظر إلى من هو دونك؛ لأن مثل هذا بهذه الطريقة تنسلخ من الدين وأنت لا تشعر، تنظر إلى من هو فوقك.
((لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه حتى تلقوا ربكم)) يعني: حتى تموتوا ثم تبعثون، "سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم" وهذا مثل ما قلنا: إجمالي، ((لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه)) قد يقول قائل: كيف هذا حديث مرفوع وصحيح، وقاله النبي عليه الصلاة والسلام، مخرج في أصح الكتب؟ والآن في عصر الصحابة شكوا من الحجاج، اختفوا عن الحجاج وهم صحابة، أفضل الناس بعد الأنبياء، ثم بعد كم سنة؟ ثلاثة عقود جاء عمر بن عبد العزيز هل نقول: إن العصر الذي عاش فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ انتشر العدل، وعم الأمن، وفاض الخير، هل نقول: إنه أفضل؟ أن العصر الذي فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ إن قلنا: هذا .. ، لا بد أن نقول: إن عصر الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز وإلا خالفنا الحديث؛ لأن عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، كيف نقول: إن عصر عمر بن عبد العزيز الذي عم فيه العدل والأمن والرخاء، وفي عهد الحجاج عم الظلم، حتى الصحابة أصابهم ما أصابهم من الظلم والذل من الحجاج، وأعوان الحجاج، ماذا نقول؟ لا شك أن هذا استشكله بعضهم، وأيضاً وجد في العصور المتأخرة في بعض الأقطار ما هو أفضل مما هو قبله في القطر نفسه.
ونعود ونقول: إن هذا إجمالاً، إذا نظر إلى الأمة بكاملها، إذا نظرنا إلى الأمة في عصر الحجاج نعم، في البلد الذي تسلط فيه الحجاج لا شك أنه الظلم ظاهر، لكن في البلدان الأخرى والصحابة متوافرون، عصرٌ يعيش فيه كثيرٌ من الصحابة لا شك أنه خيرٌ بكثير من العصر الذي يليه، ولو كان الظاهر أن الخير والظلم أو بعض الظلم ارتفع قد يكون في بعض الجهات في عصر الحجاج أفضل بكثير مما حصل في عهد عمر بن عبد العزيز والعكس، فالحديث صحيحٌ لا إشكال فيه، وأفعل التفضيل هنا على سبيل الإجمال، والله المستعان.
ثم قال: "حدثنا أبو اليمان -الحكم بن نافع- قال: أخبرنا شعيب -هو ابن أبي حمزة- عن الزهري ح" هذه حاء التحويل من إسناد إلى آخر، "وحدثنا إسماعيل -هو ابن أبي أويس بن أخت مالك- قال: حدثني أخي" أبو بكر عبد الحميد، "عن سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية" قيل لها: صُحبة، "أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعني: من نومه "ليلة فزعاً" حال كونه فزعاً، خائفاً وجلاً، "يقول: ((سبحان الله! ماذا أَنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟! )) " أنزل خزائن، وأنزل فتن، أنزل خير، وأنزل شر، يعني مثل هذا الكلام ينبغي أن يستغل، يستغل الخير فيعمل به، والشر يستعاذ منه ويتقى، هذه الخزائن والأيام والليالي خزائن، ينبغي أن يودع فيها ما يسر في القيامة، هذه خزائن، ((ماذا أنزل من الخزائن؟! )) والخزائن: ما يحفظ فيه الشيء، الخزانة: هي التي يحفظ فيها المتاع، والليالي والأيام خزائن للأعمال، وهي عمر الإنسان، هي نفس الإنسان، هي الإنسان، فإذا ضاعت سدى فمعناه أن الإنسان ضيع نفسه، إذا لم يستغل هذه الخزائن، إذا لم يملأ هذه الخزائن بما يسره يوم القيامة فهو مغبون، ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ)) إيش معنى مغبون؟ يعني باعها برخص، يعني لو شخص يطلع بسيارته للمعارض بدلاً من أن تسوى مائة ألف يبيعها بألف وألفين هذا مغبون وإلا لا؟ مغبون، ما في أحد ما يضحك عليه، لكن أين هذا من الغبن الحقيقي؟ حتى أنكر بعض أهل العلم أن يوجد في الدنيا غبن، ما في شيء اسمه غبن في الدنيا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] ما هو باليوم، إذا جاء زيد من الناس بأعمال أمثال الجبال وجئت مفلساً {ذلك يوم التغابن} [(9) سورة التغابن] ما هو باليوم، لكن لو أن إنسان باع سلعته بربع القيمة أو عشر القيمة قامت الدنيا عليه وكلٌ يلومه من كل وجه، بل يحجر عليه، ويلوكه الناس بألسنتهم، لكن شخص تضيع أيامه سدى، وتذهب الخزائن فارغة أو شبه فارغة هذا الغبن الحقيقي.
((ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟! )) أنزل فتن، ورأى النبي عليه الصلاة والسلام لما أطل على المدينة من الأطم كما في الدرس السابق، رأى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القطر، ماذا يريد النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الكلام؟ يريد أن نستغل هذه الخزائن، ويريد أن نتقي هذه الفتن، نتقي هذه الفتن.
((من يوقظ صواحب الحجرات؟ )) من يوقظ صواحب الحجرات؟ والمراد بذلك أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، يوقظن لأي شيء؟ للصلاة والوقوف بين يدي الله عز وجل في مثل هذا الوقت الذي استيقظ فيه النبي عليه الصلاة والسلام، وكأنه في وقت النزول الإلهي، يوقظ صواحب الحجرات أقرب مذكور، يعني هؤلاء النسوة بجوارنا ليودعن شيئاً في هذه الخزائن، ويعملن عملاً يحفظهن من هذه الفتن؛ لأن الأعمال الصالحة تقي الفتن، ((من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يريد أزواجه- لكي يصلين)) فيستفدن من هذه، أو يضعن شيئاً في هذه الخزائن، ويتقين الفتن بالعمل الصالح، ويستعذن بالله منها، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام:((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) كم من امرأة تنفق الأموال الطائلة في شراء الثياب الغالية لتكتسي بها، وهي في حقيقة الأمر عارية، وإن زعمت أنها مكتسية، وإن زعم الناس أنها مكتسية، فالشفاف وإن سماه الناس لباس هو عارٍ، الضيق الذي يبين التفاصيل عاري، وإن سماه الناس كساء، ولا نحتاج إلى أن نذكر أمثلة من ألبسة النساء الموجودة الآن التي تظهر فيها .. ، في أسواق المسلمين ومجامعهم فضلاً عن كونها بين النساء أو كونها في بيتها هذا أمر قد يكون أخف، لكن لو نظرت في لباس نساء المسلمين في المجامع العامة، في أقدس البقاع ماذا تجد؟ تجد العباءات الشفافة الضيقة التي يرى ما تحتها، تجد الثياب القصيرة، تجد .. ، هذا العُري، ((رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) تزعم أنها مكتسية وهي في الحقيقة عارية، وأهل العلم قالوا كلام كثير حول تفسير أو شرح هذا الكلام؛ لأنهم لم يقفوا على ما وقفنا عليه من لباس النساء في هذه الأزمان، وإلا واضح واضح جداً تفسير الحديث.
هذه الألبسة التي يزعم الناس أنهم يلبسونها هي عُري، منهم من يقول: كاسية بالثياب عارية عن الثواب، رب كاسية بالثياب عارية عن الثواب، ومنهم من قال: كاسية من النعم عارية عن الشكر، لكن العُري وإن وجد اللباس المزعوم إلا أن العُري موجود، نسأل الله السلامة والعافية، تلبس العباءة الشفافة وتربطها بحبل يبين مفاصلها، هذا اكتساء؟! هذا شكرٌ للنعم؟! ليقول قائل: ما الفرق بين هذه العباءة وبين الثوب الضيق؟ ما يوجد فرق، تلبس العباءة التي طرزت وزينت وقد نهيت عن إبداء زينتها، هذا تصرف من يرجو الله والدار الآخرة؟ هذا تصرف من يترك أعماله يتجشم الكيلوات بل مئات الكيلوات ويرجو ما عند الله في أقدس البقاع في أشرف الأزمان؟ هؤلاء فاتنات مفتونات، نسأل الله السلامة والعافية، هؤلاء معرضات لعقوبة الله عز وجل، ومن ورائهن أولياء الأمور، لا شك أنهن مباشرات لكن يشترك معهن من تسبب في ذلك في الإثم والعقوبة، ألا يخشى مثل هذا .. ، ألا تخشى مثل هذه أن تسلب بعض النعم التي تتقلب فيها، أو تبتلى بمرض تتمنى معه أن تعيش حياة أفقر الناس لكن بدون هذا المرض.
الله سبحانه وتعالى يغار من ارتكاب المحارم، الله سبحانه وتعالى يملي للظالم ثم إذا أخذه لم يفلته، فلا بد من رجعة نتقي بها هذه الفتن، ونحن في زمنٍ أحوج ما نكون فيه إلى الرجوع إلى الله عز وجل؛ لنتقي شر هذه الفتن، لنتقي شر هذه المحن التي ظهرت علاماتها وأماراتها، لكي يدفع الله عنا هذه الأمم التي تكالبت علينا من كل حدب، ومن كل صوب، ومن كل جهة.
طالب:. . . . . . . . .
هذا يقول: أليس المراد بالخزائن ما فتح على المسلمين من الدنيا؟ ففتنوا بها، ووقعوا في الفتنة والقتل والتقاطع؟