الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
_________
دعوتهم – أي الكفار – بل تستحب، أو تجوز، أو تكره، مع أن الشارع أمر بها أمراً عاماً وأجاب دعوة يهودي، فالدليل الذي أخرجهم من الإطلاق والعموم –وهو لما فيه من الإكرام والمودة– "انتهى كلامه. والحديث الذي أشار إليه من إجابته صلى الله عليه وسلم دعوة يهودي رواه الإمام أحمد 3/210، 211 عن أبان عن قتادة عن أنس أن يهودياً دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة، فأجابه. ورجاله ثقات، لكن قتادة مدلس، وقد عنعن. وقد رواه أحمد 3/270 عن أبان به؛ ثم قال في آخره: "وقال أبان أيضاً: إن خياطاً "، ورواه كذلك أحمد 3/289 عن همام عن قتادة، حدثنا أنس بلفظ "أن خياطاً
…
" ورواه بهذا اللفظ البخاري "2092، 5420"، ومسلم "2041" من أربع طرق عن أنس به. فرواية أبان باللفظ الأول رواية شاذة أو منكرة. وينظر: الإرواء "35". فهذا يدل على عدم ثبوت إجابته صلى الله عليه وسلم لدعوة الكافر. وينظر ما يأتي عند الكلام على الأمر الخامس من الأمور التي تباح في حال التعامل مع الكفار.
المبحث الثالث:
ما يجوز أو يجب التعامل به مع الكفار مما لا يدخل في الولاء المحرم
بعد أن بينت حكم الولاء والبراء، ومظاهر كل منهما، أحببت أن أبين بعض الأمور التي لا تدخل في الولاء المحرم، والتي يجوز أو يستحب التعامل بها مع الكفار، وأن أذكر أيضاً ما يجب لهم على المسلم. وقبل أن أبين هذه الأمور ينبغي أن يعلم أن الكفار ينقسمون إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: المعاهدون. وهم الذين يسكنون في بلادهم، وبينهم وبين المسلمين عهد وصلح وهدنة، وذلك ككفّار قريش وقت صلح الحديبية"1"، وككفار الدول الكافرة في عصرنا هذا التي بينها وبين الحاكم المسلم الذي يخضع المسلم لسلطانه عهود وسفارات، فيجوز أن يصالح المسلمون الكفار على السلم وترك الحرب إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، قال الله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61]"2".
القسم الثاني: الذِّمِّيون. وهم الكفار الذين يسكنون بلاد المسلمين وصالحهم المسلمون على أن يدفعوا للمسلمين الجزية"3"
"1" حديث صلح الحديبية رواه البخاري "2698"، ومسلم "1783".
"2" صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري: الجزية والموادعة باب الموادعة والمصالحة 6/275، 276، شرح السنة 11/157 – 167، مراتب الإجماع ص143، 144، بداية المجتهد 1/387، 388، المغني 8/153 – 163، الوجيز 2/203، 204، بدائع الصنائع 7/108 – 110، منهاج الطالبين مع شرحه مغني المحتاج 4/260 – 265، مجموع فتاوى ابن تيمية 29/140 – 142، الشرح الكبير مع الإنصاف 10/373 – 392، مواهب الجليل 3/360، اختلاف الدارين ص131 – 135.
"3" الجزية هي المال الذي يدفعه الكفار الذين يسكنون بلاد المسلمين مقابل حماية المسلمين لهم ولأموالهم وتسييرهم لشؤونهم، وخضوعاً لسلطان المسلمين. ينظر:
فيجوز السماح للكافر الموجود أصلاً في بلاد المسلمين أو في بلاد يحكمها المسلمون بالاستمرار في سكنى بلاد المسلمين –سوى جزيرة العرب كما سيأتي– وذلك في حال دفعهم الجزية للمسلمين – قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
القسم الثالث: المستأمنون. وهم الذين يدخلون بلاد المسلمين بأمان من ولي الأمر أو من أحد من المسلمين.
فيجوز السماح للمشرك بدخول بلاد المسلمين والإقامة فيها فترة مؤقتة للتجارة أو للعمل ونحوهما إذا أمن شرهم وضررهم على
مختصر الفتاوى المصرية ص512، المبسوط 7/81، بدائع الصنائع 7/111، مغني المحتاج 4/242، نيل الأوطار 8/215.
ولأهل الذمة أحكام وعليهم واجبات، ويمنعون من بعض الأعمال. وقد فصل أهل العلم هذه المسائل في كتب الفقه في أبواب الجهاد "باب عقد الذمة"، وباب "أخذ الجزية "، وينظر مصنف عبد الرزاق "كتاب أهل الكتابين 6/85 – 90، وكتاب أهل الكتابين 10/324 – 333، مراتب الإجماع ص142، 143، فهرس مجموع الفتاوى 37/182– 185، أحكام أهل الذمة لابن القيم، وزاد المعاد له 3/348، 349، فتاوى اللجنة الدائمة 3/100.
المسلمين، قال الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6] ، وهذا الأمان يعرف الآن بـ"تأشيرة الدخول""1".
ويستثنى من ذلك جزيرة العرب، فلا يجوز دخولهم لها إلا للحاجة، ولا يسمح لهم بالاستيطان فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم عند موته " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب "رواه البخاري ومسلم"2"، ولقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يترك بجزيرة العرب دينان ""3"، لكن إن كانت هناك حاجة تدعو إلى دخولهم لهذه الجزيرة فلا بأس"4"، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على البقاء فيها للعمل للحاجة الماسة لعملهم فيها، ثم أجلاهم عمر
"1" اختلاف الدارين ص129، 130.
"2" صحيح البخاري "3053"، وصحيح مسلم "1637".
"3" رواه الإمام أحمد 6/275 بإسناد حسن، رجاله رجال مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال
…
فذكره. ورواه الإمام مالك 2/892 عن الزهري مرسلاً.
"4" ينظر: مراتب الإجماع ص142، بدائع الصنائع 7/114، المغني 13/75 - 83، شرح السنة 11/180 - 183، الشرح الكبير مع الإنصاف 10/340 - 364، مجموع فتاوى ابن تيمية 28/414، و29/213، 214، مواهب الجليل 3/360، فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/41، 42، اختلاف الدارين ص127 - 130.
-رضي الله عنه لما زالت الحاجة إليهم"1"، وعليه فلا يجوز استقدامهم إلى جزيرة العرب كعمال أو خدم أو سائقين أو غيرهم مع وجود من يقوم بعملهم من المسلمين"2".
القسم الرابع: الحربيون. وهم من عدا الأصناف الثلاثة السابقة من الكفار"3".
"1" رواه البخاري "2338"، ومسلم "1551".
"2" وقال شيخنا عبد العزيز بن باز كما في مجموع فتاويه 3/1044، 1045 بعد ذكره للأدلة السابقة:"هذه الجزيرة لا يجوز أن يقيم فيها المشركون لما ذكرنا آنفاً، ولا يجوز السماح لهم بدخولها إلا لحاجة كباعة الحاجات التي تستورد من بلاد الكفرة إلى هذه الجزيرة، وكالبرد الذين يقدمون من بلاد الكفرة لمقابلة ولي الأمر في هذه الجزيرة، أما أن تكون محل إقامة لهم فلا يجوز ذلك. أما استقدامهم ليكونوا عمالاً أو موظفين فيها، وما أشبه ذلك فلا يجوز ذلك، بل يجب الحذر منهم، وأن يُستغنى عنهم بالعمال المسلمين، ويكتفى بهم في العمل بدلاً من الكفار، إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر لاستقدام بعضهم لأمور لابد منها، ولا يوجد من يقوم بها من المسلمين، أو صنعة لا يجيدها المسلمون والحاجة ماسة إليها، أو نحو ذلك، ثم بعد انتهاء الحاجة منهم يردون إلى بلادهم، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر للحاجة ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه، لما زالت الحاجة إليهم"، وينظر: المرجع نفسه 3/1027، 1053 - 1055، وفتاوى اللجنة الدائمة 2/42.
"3" وهم قسمان:
1-
قسم بيننا وبينهم حرب قائمة.
فهؤلاء يشرع للمسلمين جهادهم وقتالهم بحسب الاستطاعة"1"، قال الله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء: 91] .
أما الأمور التي تجب للكفار غير الحربيين على المسلمين فمن أهمها:
1-
حماية أهل الذمة والمستأمنين ما داموا في بلاد الإسلام، وحماية المستأمن إذا خرج من بلاد المسلمين حتى يصل إلى بلد يأمن فيه"2"، قال الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6] .
2- قسم محايد. فهؤلاء لا مانع من الإعراض عنهم في بعض الأزمنة إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك. وينظر: تفسير البغوي، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الشوكاني للآية 90 من النساء، مقدمة د. عبد الله الطريقي لرسالة "المذمة في استعمال أهل الذمة" ص8، اختلاف الدارين ص137-139.
"1" مراتب الإجماع ص139، بداية المجتهد 1/381 - 389، بدائع الصنائع 7/130، اختلاف الدارين ص141، 142.
"2" تفسير الجصاص، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الألوسي للآية 6 من التوبة، المغني 13/159، 250، الفروق "الفرق 119"، الوجيز 2/201، 202، اختلاف الدارين ص123، 124، 129، 130.
2-
العدل عند الحكم فيهم وعند الحكم بينهم وبين المسلمين وبين بعضهم بعضاً عند وجودهم تحت حكم المسلمين"1"، قال الله تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]، ومعنى الآية: لا يحملنكم بغض قوم على أن لا تعدلوا عند الحكم فيهم أو بينهم وبين غيرهم، بل اعدلوا، فإن العدل أقرب إلى تقوى الله تعالى"2"، والعدل إنما يكون بالحكم بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
3-
دعوتهم إلى الإسلام، فإن دعوة الكفار فرض كفاية على
"1" مصنف عبد الرزاق 11/321 - 324، المغني 13/250، الوجيز 2/201، 202، الشرح الكبير مع الإنصاف 10/491 - 493، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 3/1027 - 1035.
"2" تنظر: قصة عبد الله بن رواحة وعدله في اليهود لما عدل بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم في قسم ثمر خيبر، وكانوا أرادوا أن يرشوه، فقال لهم:"يا أعداء الله تطعموني السحت، والله لأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه -يعني النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أعدل عليكم". فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. وقد رواها ابن حبان في صحيحه "5199" وغيره، وهي قصة ثابتة، وقد توسعت في تخريجها في رسالة "اليهود" تحت رقم "128، 132".
المسلمين، وذلك لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولإخراجهم من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق جل وعلا، وإن زار أو عاد المسلم كافراً من أجل دعوته فحسن"1"، فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً في مرضه، ودعاه إلى الدخول في الإسلام، فأسلم. رواه البخاري"2".
4 -
يحرم إكراه اليهود والنصارى والمجوس على تغيير أديانهم، قال الله تعالى:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]"3".
5-
يحرم على المسلم أن يعتدي على أحد من الكفار غير الحربيين في بدنه بضرب أو قتل أو غيرهما"4"، فقد روى البخاري عن عبد الله بن
"1" مصنف عبد الرزاق 6/34 - 36، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 3/1039، 1047، 1051.
"2" صحيح البخاري "1356".
"3" وفي غير اليهود والنصارى والمجوس خلاف. ينظر: تفسير هذه الآية في تفاسير ابن جرير والقرطبي وابن كثير والشوكاني والسعدي، بداية المجتهد 2/389، 404، المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 10/393 - 399.
"4" ينظر: الوجيز 2/201، 202، الزواجر "الكبيرة 403: قتل أو غدر أو ظلم من له أمان أو ذمة أو عهد"، مواهب الجليل 3/360، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 3/1039، 1047، اختلاف الدارين ص123، 124، 130.
عمرو مرفوعاً: " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ""1"، وروى الإمام أحمد والنسائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة ""2".
6 -
يحرم على المسلم أن يغش أحداً من الكفار غير الحربيين في البيع أو الشراء، أو أن يأخذ شيئاً من أموالهم بغير حق، ويجب عليه أن يؤدي إليهم أماناتهم"3"، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ""4".
"1" صحيح البخاري: الجزية والموادعة "3166"، وروى مسلم في صحيحه "2613" عن هشام بن حكيم بن حزام أنه مر على أناس من الأنباط في الشام قد أقيموا في الشمس، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حبسوا في الجزية، فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا ".
"2" رواه أحمد 4/237، و5/369، والنسائي "4763" وإسناده صحيح. وصححه شيخنا عبد العزيز بن باز في بعض دروسه، والألباني في غاية المرام "450".
"3" ينظر المراجع السابقة قبل تعليقين، وينظر مصنف عبد الرزاق كتاب أهل الكتاب: ما يحل من أموال أهل الذمة 6/91 - 94، فتاوى اللجنة الدائمة 2/73.
"4" رواه أبو داود "3052"، والبيهقي 9/205 بأسانيد كثيرة، يقوي بعضها بعضاً، فهو حديث صحيح. وقد قوى إسناده العراقي والسخاوي، وله شواهد كثيرة.
7-
يحرم على المسلم أن يسيء إلى أحد من الكفار غير الحربيين بالقول، ويحرم الكذب عليهم، لعموم قوله تعالى:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة: 83]"1"، بل ينبغي له أن يلين القول لهم، وأن يخاطبهم بكل ما هو من مكارم الأخلاق مما ليس فيه إظهار للمودة وليس فيه تذلل لهم ولا إيثار من المسلم لهم على نفسه"2".
8-
يجب إحسان الجوار لمن كان له جار من الكفار غير الحربيين بكف
"1" ينظر: فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 3/1047.
"2" قال القرافي المالكي في الفروق: الفرق 119 بين قاعدة برِّ أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم 3/15: "أما ما أمر به من برهم من غير مودة باطنية: فالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف بهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفاً منا بهم لا خوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم جميع حقوقهم، وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق"، وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة 2/21، 43، 62.
الأذى عنه، ويستحب أن يحسن إليه بالصدقة عليه إن كان فقيراً، وأن يهدي إليه، وأن ينصح له فيما ينفعه"1" لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ". متفق عليه"2".
9-
يجب على المسلم أن يرد السلام على الكافر، فإذا سلم على المسلم بقول:"السلام عليكم" وجب على المسلم أن يرد عليه بقوله: " وعليكم " فقط، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم ". متفق عليه"3". لكن لا يجوز أن يبدأ الكافر بالسلام عليه،
ينظر: المقاصد الحسنة، رقم "1044"، السلسلة الصحيحة، رقم "445".
"1" ينظر: التعليق السابق، وينظر: قصة إهداء عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما لجاره اليهودي واستدلاله بالحديث الآتي في سنن الترمذي "1943"، وقد توسعت في تخريجه في رسالة اليهود تحت رقم "129"، وينظر: فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 3/1040، 1047، 1056.
"2" صحيح البخاري "6015"، وصحيح مسلم "2625".
"3" صحيح البخاري "6258"، وصحيح مسلم "2163" من حديث أنس. وروى البخاري "6257"، ومسلم "2164" عن ابن عمر مرفوعاً:" إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم. فقولوا: وعليكم ".
وبعض أهل العلم يرون أن يرد على الكافر السلام بمثل ما قال، لعموم قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]، وقالوا: إن هذا الحديث وارد في حق اليهود الذين كانوا يقولون: "السام عليكم" ويقصدون بـ"السام": الموت، قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة 1/157: "العدل في
لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ". رواه مسلم"1".
ويجوز للمسلم أن يتلطف بالكافر، فيناديه بكنيته، ويسأله عن حاله
التحية يقتضي أن يرد عليه نظير سلامه". وينظر في هذه المسألة أيضاً: مصنف عبد الرزاق كتاب أهل الكتاب 6/10 - 13، 117، وكتاب أهل الكتابين 11/372، المصنف لابن أبي شيبة كتاب الأدب فصل في أهل الذمة يبدأون بالسلام 8/438 - 440، وفصل في رد السلام على أهل الذمة 8/442-444، تفسير ابن جرير "تفسير الآية 86 من النساء"، فتح الباري: الاستئذان باب التسليم في مجلس فيه أخلاط، والبابان بعده 11/39 - 46، الشرح الكبير مع الإنصاف 10/452 - 454، وينظر التعليق الآتي.
"1" صحيح مسلم "2167"، وتتمة الحديث:" فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه "، قال أهل العلم: المراد: أن لا يوسع لهم في الطريق بحيث يضيِّق على نفسه، فلا يؤثرهم على نفسه ويجعلهم في منزلة أعلى منه، أما أذاهم في الطريق أو غيره فهو محرم. ينظر: شرح النووي 14/147، شرح الطيبي 9/11، أحكام أهل الذمة 1/218، إكمال المعلم 5/435، 436، فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 2/39.
وقال شيخنا محمد بن عثيمين كما في المرجع السابق 3/34، 38: "ولا يجوز كذلك أن يبدؤا بالتحية كأهلاً وسهلاً وما أشبهها؛ لأن في ذلك إكراماً لهم وتعظيماً لهم، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا فإننا نقول لهم مثل ما يقولون؛ لأن الإسلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه
…
وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأ"، وينظر 3/41، 47 من هذا المرجع
وحال أولاده، ويهنئه بمولود ونحوه، ويبدأه بالتحية ك"أهلاً" ونحوها إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك، كترغيبه في الإسلام، وإيناسه بذلك ليقبل الدعوة إلى الإسلام ويستمع لها"1"، أو كان في ذلك مصلحة للمسلم بدفع ضرر عنه أو جلب مصلحة مباحة له، ونحو ذلك"2".
كما يجوز للمسلم أن يعزِّي الكافر في ميَّته إذا رأى مصلحة شرعية في ذلك، لكن لا يدعو لميتهم بالمغفرة؛ لأنه لا يجوز الدعاء لموتى الكفار بالرحمة والمغفرة"3".
وعلى وجه العموم فإنه يجوز للمسلم أن يتلطف بالكافر بالقول وبالفعل الذي ليس فيه إهانة للمسلم عند وجود مصلحة شرعية في
"1" ينظر: مصنف عبد الرزاق 6/42، 122، و11/391، المغني 13/251، الفروع 6/269 - 272، أحكام أهل الذمة 1/161، 162، الشرح الكبير مع الإنصاف 10/453 - 457، فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 3/1040 - 1042، فتاوى اللجنة الدائمة 3/312، فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/34 - 37.
"2" الفتح: الاستئذان باب من لم يسلم على من اقترف ذنباً 11/41، الفروع 6/271، شرح النووي لصحيح مسلم 14/144، 145، فتاوى اللجنة الدائمة 3/312، الولاء والبراء ص359 - 363، الموالاة والمعاداة 2/725 - 737، وينظر كلام الألوسي الآتي عند الكلام على بر الكافر بالهدية - إن شاء الله تعالى-.
"3" تنظر المراجع المذكورة في التعليقين السابقين.
ذلك"1".
"1" قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء 1/420، 421: "إن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا، شرع ذلك.
ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل، أو يجب عليه، أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمورهم، لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد. فأما في دار الإسلام والهجرة، التي أعزّ الله فيها دينه، وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية، ففيها شرعت المخالفة. وإذا ظهر أن الموافقة والمخالفة تختلف لهم باختلاف الزمان والمكان ظهرت حقيقة الأحاديث في هذا".
وقال الحافظ ابن القيم في أحكام أهل الذمة: فصل: قالوا: لا نتكنى بكناهم 2/188: "مدار هذا الباب وغيره مما تقدم على المصلحة الراجحة، فإن كان في كنيته وتمكينه من اللباس وترك الغيار - أي تركه يلبس ما يريد ولا يُلزم بأن تغاير ثيابه ثياب المسلمين - والسلام عليه أيضاً ونحو ذلك تأليفاً له ورجاء إسلامه وإسلام غيره كان فعله أولى كما يعطيه من مال الله لتألفه على الإسلام، فتألفه بذلك أولى، ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناس على الإسلام بكل طريق تبين له حقيقة الأمر وعلم أن كثيراً من هذه الأحكام التي ذكرناها من
ويدل على جواز ذلك قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] ، والتقيَّة إظهار الموالاة مع إبطان البغض والعداوة لهم"1"، وعليه فيحرم أن يتكلم معهم بكلام يقصد به الموادة لهم - أي كسب محبتهم - من غير تحقيق مصلحة شرعية"2".
وهناك أمور يباح أو يستحب للمسلم أن يتعامل بها مع الكفار، منها:
1-
يجوز استعمالهم واستئجارهم في الأعمال التي ليس فيها ولاية
الغيار وغيره تختلف باختلاف الزمان والمكان والعجز والقدرة والمصلحة والمفسدة".
"1" ينظر: تفسير هذه الآية في تفاسير ابن جرير والبغوي والجصاص، صحيح البخاري مع شرحه لابن حجر: أول كتاب الإكراه 12/311 - 314، الدواهي المدهية ص92 - 99، وينظر قول الألوسي الآتي عند الكلام على برِّ الكافر بالهدية -إن شاء الله تعالى-.
"2" قال شيخنا محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه 3/43: "كل كلمات التلطف التي يقصد بها الموادة لا يجوز للمؤمن أن يخاطب بها أحداً من الكفار، وكذلك الضحك إليهم لطلب الموادة بينهم لا يجوز"، كما لا يجوز للمسلم أن يشيع جنائز الكفار، إلا أن يكون الميت من أقاربه. ينظر: أحكام أهل الذمة 1/159، 160، والمرجع السابق 3/40.
على مسلم وليس فيها نوع استعلاء من الكافر على المسلم، فيجوز أن يعمل عند المسلم في صناعة أو بناء أو في خدمة، فقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط في الهجرة"1"، واستعمل يهود خيبر في أرضها ليزرعوها ولهم نصف ما يخرج منها"2"، أما الأعمال التي فيها ولاية على المسلمين أو فيها اطلاع على أخبارهم فلا يجوز توليتهم إياها"3""4".
"1" رواه البخاري "2263".
"2" رواه البخاري "2285"، ومسلم "1551".
"3" وعليه فلا يجوز أن يعمل كاتباً يصرف أمور المسلمين أو يطلع على أخبارهم، ولا قابضاً للأموال منهم ولا مصرفاً لشيء من أمور المسلمين.
وينظر: مصنف عبد الرزاق 6/108، 109، صحيح البخاري مع الفتح: الإجارة باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام 4/442، المذمة في استعمال أهل الذمة لابن النقاش، مختصر الفتاوى المصرية ص512، 513، النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمة والكفار للورداني ص99 - 110، القول المبين ص97 - 100، التدابير الواقيه من التشبه بالكفار 2/560 - 571.
"4" ينظر ما سبق عند النوع السابع من الولاية المحرمة، وقال الحافظ ابن القيم في أحكام أهل الذمة 1/187: "ولما كانت التولية - أي توليتهم تصريف أمر من أمور المسلمين - شقيقة الولاية كانت توليتهم نوعاً من توليهم وقد حكم تعالى
2-
يستحب للمسلم الإحسان إلى المحتاج من الكفار، كالصدقة على الفقير المعوز منهم، وكإسعاف مريضهم"1"، لعموم قوله تعالى:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] ، ولعموم حديث " في كل كبد رطبة أجر" رواه البخاري ومسلم "2".
3-
تستحب صلة القريب الكافر، كالوالدين والأخ بالهدية والزيارة ونحوهما، لكن لا يتخذه المسلم جليساً، وبالأخص إذا خشيت فتنته وتأثيره على دين المسلم، قال الله تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26]، وقال تعالى في حق الوالدين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً
بأن من تولاهم فإنه منهم، ولا يتم الإيمان إلا بالبراء منهم، والولاية تنافي البراءة، فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً، والولاية إعزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبداً، والولاية وصلة، فلا تجامع معاداة الكفار أبداً".
"1" ينظر: آخر الأموال لأبي عبيد ص727-729، ومجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز ابن باز 3/1022، 1047، مجموع فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/44، وينظر: ما سبق نقله عن الفروق للقرافي عند الكلام على تحريم أذى الكفار بالكلام ونحوه.
"2" صحيح البخاري "2363"، وصحيح مسلم "2244".
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15]"1".
4-
يجوز برهم بالهدية ونحوها لترغيبهم في الإسلام، أو في حال دعوتهم، أو لكف شرهم عن المسلمين، أو مكافأة لهم على مسالمتهم للمسلمين وعدم اعتدائهم عليهم، ليستمروا على ذلك، أو لما يشبه هذه الأمور من المصالح الشرعية، قال الله تعالى:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، والبر هو: الاحسان إليهم بالمال
"1" وفي معنى هذه الآية: الآية "8" من سورة العنكبوت، وينظر: مصنف عبد الرزاق كتاب أهل الكتاب 6/33 - 36، وكتاب أهل الكتابين 11/352، 353، أحكام أهل الذمة 1/158، مجموع فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/18.
وقد روى البخاري في الهبة باب الهدية للمشركين "2620"، ومسلم "1003" أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت أبي بكر أن تصل أمها، وهي مشركة. وروى البخاري في الباب السابق "2619"، ومسلم "2068" أن عمر بن الخطاب أهدى إلى أخيه حلة وهو مشرك، وذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت في صحيح البخاري "1020، 4821، 4822" أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لقريش لما أصابهم الجهد وذكَّره أبو سفيان بأنه يأمر بصلة الرحم، فسقوا الغيث سبعة أيام متواصلة، فشكا الناس كثرة المطر، فقال:" اللهم حوالينا ولا علينا ".
أو غيره، والقسط هو: العدل"1""2"، أما إذا كانت الهدية من باب الصداقة أو المحبة ونحوهما فهي محرمة.
5-
يستحب إكرامه عند نزوله ضيفاً على المسلم"3"، كما يجوز
"1" قال العلَاّمة محمود الألوسي في تفسيره روح المعاني في تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] : "وعدَّ قوم من باب التقية مداراة الكفار والفسقة والظلمة وإلانة الكلام لهم والتبسم في وجوههم والانبساط معهم وإعطاءهم لكف أذاهم وقطع ألسنتهم وصيانة العرض منهم، ولا يعد ذلك من باب الموالاة المنهي عنها، بل هو سنة وأمر مشروع". وينظر: مختصر التحفة الاثني عشرية ص317، 318 للألوسي أيضاً، وإرشاد أولي الألباب ص54 - 60.
"2" ينظر: تفسير ابن كثير لهذه الآية، وقد استدل الحافظ ابن كثير على تفسير القسط بالعدل بالحديث الذي رواه مسلم "1827" عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً:" إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " وينظر: تفسير هذه الآية في تفسير الطبري، وتفسير البغوي، وتفسير الجصاص، وتفسير ابن العربي، فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز ص1022، الإرشاد للفوزان ص286، 287، التدابير الواقيه من التشبه بالكفار 2/452 - 461، وينظر ما سبق نقله من الفروق للقرافي عند الكلام على تحريم أذى الكفار بالكلام.
"3" يدل لهذا عموم النصوص التي فيها الأمر بإكرام الضيف، وينظر: أحكام أهل الذمة ص194 - 200.
أن ينزل المسلم ضيفاً على الكافر"1"، لكن لا يجوز إجابة المسلم لدعوته، لما في ذلك من الموادة له"2".
6-
يجوز الأكل العارض معهم، من غير أن يتخذ المسلم الكافر صاحباً وجليساً وأكيلاً، فيجوز أن يأكل مع الكافر في وليمة عامة، أو وليمة عارضة، وأن يأكل مع خادمه الكافر"3"، أو في حال كون الكافر ضيفاً عند المسلم أو إذا نزل المسلم ضيفاً عند الكافر، من غير قصد التحبب إليه بذلك، ومن غير قصد للاستئناس به، أما إن جالسه بقصد التحبب إليه من غير تحقيق مصلحة شرعية، أو جالسه
"1" ويدل لهذا: حديث أبي سعيد الذي سبق في الرقى في الباب السابق ونصوص أخرى تنظر في المرجع السابق.
"2" قال في الدواهي المدهية ص59 نقلاً عن الشيخ عبد الباقي المالكي: "وقال ابن عرفة: الأصوب أو الواجب عدم إجابته - أي الكافر- إذا دعا مسلماً لوليمة؛ لأن في إجابته إعزازاً له، والمطلوب إذلاله. وقال ابن رشد: الأحسن أن لا يجيب النصراني في ختان ابنه لاسيما إذا كان ممن يقتدى به، لما فيه من التودد إلى الكفار"، وينظر ما سبق عند الكلام على الأمر الثامن من مظاهر الولاء المحرم غير الكفري.
"3" ينظر: مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 3/1039، 1040، 1045، 1054.
للاستئناس به فذلك محرم، وكبيرة من كبائر الذنوب"1".
7-
يجوز التعامل معهم في الأمور الدنيوية التي هي مباحة في دين الإسلام، فقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود وبايعهم واشترى منهم"2"، كما يجوز للمسلم أن يأخذ عنهم وأن يتعلم منهم ما فيه منفعة للمسلمين من أمور الدنيا مما أصله مباح في دين الإسلام، وقد يكون ذلك مستحباً أو واجباً"3"، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء بعض أسرى بدر ممن لم يكن عنده فداء من المال تعليم أولاد الأنصار الكتابة"4".
8-
يجوز للمسلم أن يتزوج بالكافرة الكتابية فقط إذا كانت
"1" ينظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر "الكبيرة 441".
"2" ومن ذلك ما رواه البخاري "2068"، ومسلم "1603" عن عائشة قالت: اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاماً إلى أجل، ورهنه درعاً له من حديد. وينظر: أحكام أهل الذمة 1/204، القول المبين ص81 - 84، فتاوى اللجنة الدائمة 2/43، و3/303، 304، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 3/1039، 1040.
"3" ينظر: رسالة "من تشبه بقوم فهو منهم" ص21، ورسالة "مخالفة الكفار"ص23، ورسالة "السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار" ص58 - 68، ورسالة "التدابير الواقية من التشبه بالكفار"ص563 - 565.
"4" رواه الإمام أحمد "رقم 2216 تحقيق شاكر" بإسناد حسن.
عفيفة عند الأمن من ضررها على الدين والنفس والأولاد"1"، قال الله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ، والمحصنة هي العفيفة عن الزنى، وإن كان الأولى للمسلم أن لا يتزوج بكافرة؛ لأن ذلك أسلم له ولذريته"2"، ولذلك عاتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض من تزوج
"1" ينظر المراجع الآتية بعد تعليقين.
"2" قال في الشرح الكبير 20/348: "لأنه ربما مال إليها قلبه، ففتنته، وربما كان بينهما ولد، فيميل إليها"، وقال الشيخ محمد حسنين مخلوف في القول المبين في حكم المعاملة بين الأجانب والمسلمين ص106، 107: "إن كان الميل القلبي إلى غير المسلم وموادته لا من حيث دينه وعقيدته بل لقرابة أو مودة حادثة لأسباب اقتضتها ميلاً طبيعياً خارجًا عن حد القصد والاختيار كميل الصائم في اليوم القائظ إلى جرعة من الماء البارد، وكالميل إلى الصور الجميلة والأشكال الرائعة، فذلك معفو عنه لخروجه عن حد القصد والاختيار، والمنهي عنه شرعاً من الموالاة: الميل القلبي والانعطاف النفسي الذي يدخل تحت طاقة التكاليف دون الميل الطبيعي الذي تقتضيه وسائله الضرورية ولا صلة له أصلاً بالدين والعقيدة. ومن ذلك ميل الزوج المسلم إلى زوجته غير المسلمة فهو معفو عنه. نعم يجب أن لا يبلغ هذا الميل القلبي مبلغ الإيثار، لأنه قد يدفع إلى استحسان طريقته، والرضا بديانته وعقيدته وذلك كفر بواح. قال تعالى:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} والتوسع في الميل إلى هذا
بكافرة، وأمره أمر ندب بطلاقها"1".
أما بقية الكافرات غير الكتابيات فلا يجوز للمسلم أن يتزوج بواحدة منهن بإجماع أهل العلم، لقوله تعالى:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ، فإن تزوج بها فالنكاح باطل"2".
الحد لا شك أنه يجر إلى بلاء عظيم. وكذلك يجب أن لا يفضي الميل إلى تملق وتَزلفٍ وانقياد وخضوع قولاً أو عملاً، لأن في ذلك ذلة وهوانا لا يليقان ممن أعزه اللَّه بالإسلام".
"1" ينظر: سنن سعيد بن منصور: النكاح 1/193، 194، مصنف عبد الرزاق 6/78، 79، 84، تفسير ابن جرير لآية "221" من البقرة 4/366، 367، سنن البيهقي 7/172.
"2" وفي نكاح المجوسية ومن يزعم التمسك بصحف إبراهيم وشيت وزبور داود خلاف عن أفراد من أهل العلم والصواب تحريمه وبطلانه، أما بقية الكافرات فلا خلاف في تحريم نكاحهن، وبطلانه عند وقوعه. ينظر الشرح الكبير مع الإنصاف 20/349، 350، 355، تفسير ابن جرير، وتفسير ابن العربي، وتفسير الجصاص، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الشوكاني لهذه الآية وللآية الخامسة من سورة المائدة، سنن البيهقي 7/170 – 173، أحكام أهل الذمة 1/228، 302 – 313، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز
"جمع الطيار 3/1050"، فتاوي اللجنة الدائمة 3/299، 300، اختلاف الدارين ص161 – 178.
أما المسلمة فلا يجوز لأي كافر كتابي أو غيره أن يتزوج بها بإجماع المسلمين"1".
9 – يجوز للمسلمين أن يستعينوا بالكفار في صد عدوان على المسلمين، وذلك بشرطين أساسيين:
الأول: الاضطرار إلى إعانتهم"2".
الثاني: الأمن من مكرهم وضررهم، بحيث يكونون جنوداً مرؤوسين عند المسلمين، وتحت إشرافهم ومتابعتهم بحيث لا يمكن أن يحصل منهم أي ضرر على المسلمين"3".
"1" حكى هذا الإجماع ابن جرير في تفسير الآية السابقة 4/367.
"2" وقد حمل بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم للمشرك الذي أراد الاشتراك معه في الغزو " ارجع فلن استعين بمشرك " رواه مسلم "1817" على أن ذلك كان في حال عدم الحاجة إليه، وقال بعض أهل العلم: إنه منسوخ، لأنه صلى الله عليه وسلم استعان ببعض المشركين في غزوة حنين، كصفوان بن أمية. وأيضاً روى ابن أبي شيبة 12/395 بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه غزا بقوم من اليهود فرضخ لهم. وتنظر أكثر المراجع الآتية.
"3" ينظر: مشكل الآثار 6/407 – 419، مصنف عبد الرزاق 5/188، السنن الكبرى للبيهقي 9/37، المحلى: المسألة 953، ج7 ص334، تفسير الآية 144 من النساء وتفسير الآية 51 من المائدة في تفسيري ابن العربي والجصاص المغني 13/98، 99، النهي عن الاستعانة والاستنصار بأهل الذمة ص111 –
10– يجوز للمسلم أن يذهب إلى الطبيب الكافر للعلاج إذا وثق به"1".
11– يجوز دفع الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم من الكفار، قال الله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60]"2".
12– يجوز للمسلم أن يشارك الكافر في التجارة، لكن بشرط أن
116، فتح الباري: الجهاد باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر 6/179، 180 القول المبين لحسنين مخلوف ص89 – 97، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز ابن باز 3/1058 – 1065، الاستعانه بغير المسلمين للدكتور عبد الله الطريقي، التدابير الواقية عن التشبه بالمشركين ص577 – 588، هذا وإذا تخلف أحد الشرطين السابقين فإنه يحرم الاستعانة بهم، ولكن ذلك لا يصل إلى مرتبة الكفر، لأنه لم يستعن بهم محبة لهم، ولا رغبة في انتصار الكفار على المسلمين، وإنما ليعينوا بعض المسلمين على من عاداهم من المسلمين.
"1" قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مختصر الفتاوى المصرية ص516: "وإذا كان اليهودي أو النصراني خبيراً بالطب ثقة عند الإنسان جازله أن يستطبه، كما يجوز له أن يودعه المال وأن يعامله، وقد استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً مشركاً لما هاجر" وينظر: الاستيعاب "مطبوع بهامش الإصابة: ترجمة الحارث بن الحارث بن كلدة 1/289"، مجموع الفتاوى 4/114، بدائع الفوائد 3/208، التدابير الواقيه من التشبه بالكفار 2/562، 563.
"2" ينظر: تفسير هذه الآية في تفسير ابن جرير، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الشوكاني، الشرح الكبير مع الإنصاف: 7/231 – 236، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز " جمع الطيار 3/1041 ".
يلي المسلم أمرها أو يشرف عليها، لئلا يقع في تعامل محرم عند إشراف غير المسلم على هذه التجارة وتصريفه لها "1".
13 – يجوز قبول الهدية من الكافر، إذا لم يكن فيها إذلال للمسلم ولا موالاة منه للكافر"2" فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من أكثر من مشرك"3"، لكن إن كانت هذه الهدية بمناسبة عيد من أعياد الكفار فينبغي عدم قبولها"4".
14– يجوز للمسلم أن يعمل عند الكافر، ويجوز أن يعمل في عمل
"1" ينظر: أحكام أهل الذمة 1/205.
"2" قال الشيخ محمد حسنين مخلوف في القول المبين ص81: "الاستعانه بغير المسلمين فيما فيه مصلحة دينية أو دنيوية للمسلمين إن كانت بأموالهم ولم تشبها شائبة الإذلال والولاية منهم المنهي عنهما فلا خلاف في جوازها ". أ. هـ مختصراً. وينظر: صحيح البخاري مع الفتح: الهبه باب قبول الهدية من المشرك 6/230، 231، فتاوى اللجنة الدائمة 2/43، و3/303.
"3" روى البخاري "1418" أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية ملك إيلة، وروى البخاري "2616"، ومسلم "2469" أن أكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة. وينظر: الفتح 3/345، 346، جامع الأصول 11/610 – 614.
"4" ففي جواز قبولها حينئذ خلاف بين أهل العلم، وإن كان الكافر يعتقد أن المسلم إذا قبل هديته بهذه المناسبة أنه راض عن عمله هذا فيحرم قبولها. وينظر: فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/33.
يديره بعض الكفار، لكن لا يجوز أن يعمل في خدمة الكافر الشخصية، لما في ذلك من إذلال نفسه له "1".
"1" وقد رعى الأنبياء عليهم السلام الغنم للكفار، وعمل بعض الصحابة كصهيب وغيره في مكة لبعض الكفار. وينظر: صحيح البخاري مع الفتح: الإجارة باب استئجار المشركين 4/ 442، وباب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك 4/ 452، أحكام أهل الذمة 1/ 207 - 213، مجموع فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/ 38، الموالاة والمعاداة 2/ 875، التدابير الواقية من التشبه بالكفار ص 572 - 577.