المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاحتجاج بالقدر على المعاصي مشابهة للمشركين - شرح لمعة الاعتقاد للمحمود - جـ ٩

[عبد الرحمن بن صالح المحمود]

فهرس الكتاب

- ‌شرح كتاب لمعة الاعتقاد [9]

- ‌الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌لا يكون شيء إلا بعلم الله ومشيئته

- ‌لا يخرج شيء عن مشيئة الله تعالى

- ‌كتابة الله عز وجل كل شيء في اللوح المحفوظ

- ‌إرادة الله عز وجل الكونية

- ‌خلق الله عز وجل لكل شيء ومنها أفعال العباد

- ‌الأرزاق والآجال مقدرة من عند الله عز وجل

- ‌تنزيه الله عز وجل عن الظلم، وإثبات أن كل فعله لحكمة

- ‌الأدلة من القرآن الكريم على القضاء والقدر

- ‌الأدلة من السنة على القضاء والقدر

- ‌لا تعارض بين القدر والشرع

- ‌إلزام من يحتج على المعصية بالقدر

- ‌قيام الحجة على الإنسان حتى لا يحتج بالقدر على المعاصي

- ‌لا يحاسب المرء على ما هو خارج عن إرادته

- ‌زعم التعارض بين القدر والشرع وهم

- ‌الاحتجاج بالقدر على المعاصي مشابهة للمشركين

- ‌منازعة القدر بالقدر

- ‌مسألة تكليف ما لا يطاق

- ‌الأسئلة

- ‌معنى قوله عليه السلام: (من أحب أن يبسط له في رزقه)

- ‌حكم نسبة الشر إلى الله عز وجل

- ‌شرح حديث: (لا يرد القدر إلا الدعاء)

- ‌الفرق بين الإرادة والمشيئة

- ‌وجوب تعظيم الله عز وجل وعدم قياسه بخلقه

- ‌حكم قول (لو) فيما فات

- ‌حكم الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي

- ‌حكم الحلف برب المصحف

- ‌القرآن كلام الله وإن كتب على الورق

- ‌نصيحة لمن يتخيل ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته

- ‌القول الحق في دوران الشمس

- ‌أنواع الشهداء

- ‌مكان عقل الإنسان

الفصل: ‌الاحتجاج بالقدر على المعاصي مشابهة للمشركين

‌الاحتجاج بالقدر على المعاصي مشابهة للمشركين

وهذه الشبهة ليست جديدة، بل هي شبهة قديمة؛ فهي شبهة المشركين الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام، فقالوا كما حكى الله عنهم:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:148]، فنقول: صحيح أنه لو شاء الله ما أشركتم، لكن هل لكم حجة في هذا؟! ولماذا لا تؤمنون كما آمن غيركم ممن كانوا على الشرك؟! ولو جاء إنسان وقال: لو شاء الله أن يهديني لهداني، فنقول له: سبحان الله العظيم! إن طريق الهداية واضح.

أيها المشركون! هذا رسول الله يدعوكم ليلاً ونهاراً، وأنتم تقولون: لو شاء الله ما أشركنا! إذاً: هذه حجة باطلة، ولذا فإن الذي يحتج بالقدر على المعاصي هو شبيه بهؤلاء المشركين؛ لأنه يقع في المعصية، ويخالف أمر الله، ويقع فيها بإرادته، ثم يحتج بالقضاء والقدر! وهذه شبه شيطانية واضحة تمام الوضوح، والمؤمن هو الذي يعلم أنه لا حجة له على ربه، ولذا فإن من القضايا والأسس في باب القضاء والقدر: أن تعلم أن الله عدل لا يظلم أبداً، قال عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:44] ، فالله سبحانه وتعالى لا يظلم العبد مثقال ذرة، وإنما أنت الذي تظلم نفسك، فأنت الذي فعلت المعصية، والله سبحانه وتعالى غني عنك.

والآن لو نظرنا إلى العباد لوجدنا بعضهم يظلم بعضاً؛ لأن الظالم يحب السيطرة، أو يريد مالاً، أو نحو ذلك.

أما ربنا جل وعلا فليس بحاجة إلى العباد؛ كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6]، وقال عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58]، وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] .

ويقول ربنا تبارك وتعالى -كما في الحديث القدسي الصحيح-: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك مما عندي شيئاً) .

فالله غني عن العالمين، وهو سبحانه وتعالى أيضاً لا يظلم، وقد حرم على نفسه الظلم، كما في الحديث الصحيح:(يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) ؛ فكيف تخطر ببال الإنسان هذه الشبهة، بحيث تشغله في قلبه ونفسه؟! نسأل الله السلامة والعافية، وهكذا يوحي بعضهم إلى بعض بها؛ ليسهل وييسر العصيان والخروج عن طاعة الرحمن، فيجب أن تجزم وأن تقطع أن فعلك للمعاصي إنما هو بإرادة منك، فلا تلومن إلا نفسك، والله غني عنك.

وبهذا أيها الإخوة يتبين أنه لا حجة في القضاء والقدر لأحد أبداً.

ص: 17