المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الطهارة (24) - شرح مختصر الخرقي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ كتاب الطهارة (24)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: مختصر الخرقي -‌

‌ كتاب الطهارة (24)

شرح قول المؤلف: "ويمسح على ظاهر القدم، فإن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه، والرجل والمرأة في ذلك سواء .... "

الشيخ: عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: نريد تفصيلاً لحديث القلتين هل هو مأخوذ به أم لا؟ وما الدليل على أن العبرة بخروج الماء عن طهوريته بتغير لونه أو طعمه أو رائحته؟

أما حديث القلتين فهو مختلف في صحته عند أهل العلم، وهو مضعف بالاضطراب في متنه وسنده، وصحح من قبل جمع من أهل العلم، وممن صححه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر وغيرهما، وعلى كل حال من صححه كشيخ الإسلام عمل بمنطوقه دون مفهومه؛ لأن مفهومه معارض بحديث أبي سعيد ((أن الماء طهور لا ينجسه شيء)) وممن صححه ممن يعمل بمنطوقه ومفهومه الحنابلة والشافعية، يعملون به منطوقاً ومفهوماً، فيجعلونه الحد الفاصل بين القليل والكثير، الذي ينجس بمجرد الملاقاة، هذا هو الحد الفاصل عندهم، والحنفية يفرقون بين القليل والكثير أيضاً، لكن بتفريق آخر على تفصيل تقدم ذكره، فمنهم من يرى أن القليل عشرة بعشرة فما دون، والكثير ما زاد على ذلك، ومنهم من يرى أن القليل إذا حرك طرفه تحرك طرفه الآخر، والكثير ما لم يتأثر طرفه الآخر، وعلى كل حال المرجح في هذه المسألة مذهب مالك، وأن الماء لا يتأثر مطلقاً إلا بالتغير كما تقدم تفصيله، وذكرنا أن الغزالي تمنى أن لو كان مذهب الشافعي كمذهب مالك؛ لأنه أيسر على الناس، وأسهل في التطبيق، والشريعة بعيدة عن مثل هذا التعسير، الذي حصل بسبب التفريق بين القليل والكثير، وجعله حد فاصل، ومن راجع كتب الحنابلة والشافعية، وفروع هذه المسألة عرف أن في هذه المسألة عسر، وتطبيقها شديد، فمذهب مالك هو المتجه في هذه المسألة.

قد يقول قائل: هل نرجح مذهب مالك لأنه أيسر، وعلى هذا فاليسر هو المختار دائماً؟

ص: 1

نقول: لا، العبرة بالدليل، والحديث محتمل، ومضعف من قبل جمع من أهل العلم، وضعفه ظاهر بالنسبة لاضطرابه في سنده ومتنه، وعلى فرض التسليم بصحته، مفهومه معارض بمنطوق أقوى منه، وإن كان المنطوق عاماً والمفهوم خاصاً إلا أن المنطوق أقوى في الجملة، وعلى كل حال المتجه في هذه المسألة هو قول مالك، وأن الماء لا يتأثر إلا بالتغير.

يقول: وما الدليل على أن العبرة بخروج الماء عن طهوريته بتغير لونه أو طعمه أو رائحته؟

الاستثناء الموجود في حديث أبي أمامة ((أن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو رائحته)) هذا ضعيف باتفاق الحفاظ، إلا أن الحكم مجمع عليه، إلا أن الحكم إجماع على أن الماء إذا تغير لونه أو طعمه أو رائحته بالنجاسة فهو نجس؛ لأن النجاسة موجودة حقيقة لا حكماً، فالذي يرى تغير الماء بلون نجاسة، أو تغير الرائحة برائحة نجاسة، أو تغير الطعم بطعم نجاسة هذا يباشر النجاسة قطعاً، فالنجاسة موجودة، فالإجماع قائم على هذا، والرواية ضعيفة بالاتفاق.

إذا صلى شخص المغرب ثم أتى إلى مسجد يصلون المغرب هل يصلي معهم ثلاثاً أو أربعاً أو اثنتان؟ وكذلك إذا أراد أن يتصدق على شخص لم يصل المغرب أو العشاء كم يصلي معه؟

لا يصل وتر؛ لأن الوقت ليس بوقت للوتر، فإما أن يتصدق عليه بأن يكون إماماً له ويصلي اثنتين، ويأتي هذا المتخلف بالركعة الثالثة بعد ما يسلم هذا الإمام، أو يصلي معه ثلاثاً، ثم يشفعها برابعة.

ما حكم الصلاة في (الدسوس) القفازات للرجال؟ وهل هي من قبيل المكروهات؟

نعم الفاصل بين الأعضاء السبعة عدا الخفين والركبتين لأنهما عورة، فيبقى عندنا الوجه والكفان يكره أن يفصل بينهما وبين الأرض، بل السنة أن يباشر الأرض، وإذا وجدت حاجة فأهل العلم يقررون أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، إذا وجد برد فإنه حينئذٍ يضع حائلاً بين يديه والأرض، وبين جبهته والأرض ولو كان متصلاً به؛ لأنه يطلقون الكراهة في الحائل المتصل، وفي حديث عبد الجبار بن وائل بن حجر أنه جاء في وقت الشتاء، في وقت شديد البرد فوجدهم يصلون وأيديهم تحت الثياب، فإذا وجدت الحاجة زالت الكراهية.

ص: 2

يقول: من سافر ليترخص فلا يحل له فهل من لبس الخف في الصيف مثلاً ليتخفف من الغسل هل يحل له المسح؟

من لبس الخف في الصيف مثلاً ليتخفف من الغسل فهل يحل له المسح؟ ما دامت القدمان غطيتا بالخف فالمسح جائز، وليس غسل الرجلين بأسهل أو بأشد من لبس الخفين مع عدم قيام الحاجة الداعية إليهما، فلا يتصور أن إنساناً يلبس الخف من أجل أن يتخفف من الغسل لمجرد المسح، فملازمة الخف ولبس الخف أشق من غسل الرجلين لا سيما في الصيف، يذكر هو يقول: من لبس الخف في الصيف مثلاً ليتخفف من الغسل فهل يحل؟ نعم يحل له المسح.

يقول هذا من الجزائر: ما أفضل الشروح على موطأ مالك ومختصر خليل؟

أفضل الشروح على موطأ مالك التمهيد والاستذكار لابن عبد البر، والمنتقى للباجي، وشرح الزرقاني طيب جامع بين الشروح باختصار، وجيد فيه فوائد، وشرح ابن العربي (القبس) مطبوع ومتداول، وفيه نكات ولطائف، وهناك شروح كثيرة، لكن أهمها الثلاثة الأول: التمهيد والاستذكار والمنتقى للباجي، أما. . . . . . . . . الحطاب.

يقول: هل نظم الشاطبي المقرئ الضرير للتمهيد لابن عبد البر موجود؟ هذا من الجزائر?

هذا النظم لمقاصد التمهيد في خمسمائة بيت، لا شك أن الشاطبي بارع في النظم، لكن خمسمائة بيت بالنسبة للتمهيد في أربعة وعشرين مجلدة، يعني بمعدل المجلد بعشرين بيت، ما تنظم صفحة بعشرين بيت، فإن كان نظم تجريد التمهيد، وأيضاً مقاصد التجريد؛ لأنه في مجلد مطبوع، ما أدري ما حال هذا النظم؟ لكنه ذكر في ترجمة الشاطبي، وهو بارع يمكن أن يأتي بشيء لا نتصوره، ولا أعرف له وجوداً.

يقول هذا: أنا من ليبيا وهنا في هذه الفترة من الشباب من يوجه هجمة شرسة على بعض المشايخ، ثم قال -ذكر بعض المشايخ- الحاجة للسؤال ملحة، ما رأيك فيما يثار اليوم للتفريق بين منهج

إلى آخره.

ص: 3

المقصود أن الكلام في الناس وأعراض المسلمين كما يقول ابن دقيق العيد: حفرة من حفر النار، يقول: وقف على شفيرها العلماء والحكام، ما داموا على شفيرها هم مضطرون للكلام في الناس فكيف بمن عافه الله من هذه المسألة وهذه المشكلة؟! لأن الذي يتكلم في الناس ولو لحاجة لا يكاد أن يسلم، فإما أن يزيد أو ينقص، فمن أبتلي ونصب لهذا الأمر فليستعن بالله، ويتحرى الإنصاف، ومن عافه الله فالسلامة لا يعدلها شيء، وأهم ما على الإنسان أن يحافظ على مكتسباته، فإذا كان يوثق الأموال بالغلق والأبواب خشية اللصوص فكيف بما ينجيه يوم القيامة من الحسنات التي تعب على كسبها وتحصيلها ثم بعد ذلك فرقها على فلان وعلان ممن لا يرتضيهم؟! لأن الذين يرتضيهم لا يأتيهم من حسناته شيء، لماذا؟ لأنه لا يغتابهم، إنما يغتاب أناس لا يرتضيهم، وحسناته تذهب إلى هؤلاء الأشخاص الذين لا يرتضيهم.

فعلى الإنسان أن يحافظ، لا يأتي مفلساً يوم القيامة، فتوزع حسناته على خصومه، فإذا لم يبق لهم شيء انتهى من الحسنات، وإن بقي لهم شيء أخذت من سيئاتهم وألقيت عليه فطرح في النار -نسأل الله السلامة والعافية-، فعلى الإنسان أن يحافظ على مكتسباته، فإذا كان التفريط بالدراهم والدنانير جنون فكيف بمن يفرط بما هو أمس الحاجة إليه يوم يجعل الولدان شيباً؟!

يقول: الحاجة للسؤال ملحة ثانياً: ما رأيك فيما يثار اليوم من التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في الحديث؟

ص: 4

ذكرنا في مناسبات كثيرة، وأيضاً في مقدمة شرح النخبة بيان لهذا الأمر، وقلنا: إن المتأخرين عالة على المتقدمين، يعني لولا جهود المتقدمين ما صار للمتأخرين أي ذكر في هذا الباب؛ لأن المسألة مسألة رواية، فالمتأخرون عالة على المتقدمين، والأصل في الباب المتقدمون، لكن من يخاطب بهذا الكلام؟ المخاطب المتأهل، الذي يستطيع أن يميز بين أقوال أهل العلم المتقدمين؛ لأنهم يتكلمون بإشارات، لا يتكلمون ببسط العبارات، إنما يتكلمون بإشارات، فمن تأهل لذلك هذا فرضه، مثل الاجتهاد في الأحكام، أما من لم يتأهل لذلك فلا بد له من التعلم والتمرين على طريقة المتأخرين؛ لأنها هي المنضبطة، وأيضاً المتقدمون الذي ينادى بتقليدهم أقوالهم متعارضة في كثير من المسائل، ماذا يفعل المبتدئ في هذه الأقوال المتعارضة وليست لديه أهلية للتوفيق بين هذه الأقوال المتعارضة؟ لا شك أن نداء المبتدئين بهذا الأمر وتقليد المتقدمين ونبذ قواعد المتأخرين هذا تضييع، يعني مثل من يقول لطالب في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة ما عنده شيء من مبادئ العلوم يقول له: اجتهد من الكتاب والسنة، هذا تضييع، لا بد أن يتفقه على طريقة أهل العلم، وهنا لا بد أن يدرك من علوم الحديث ما أدركه غيره وسار عليه، حتى هؤلاء الذين ينادون بنبذ قواعد المتأخرين متى وصلوا إلى هذه المرحلة؟ بعد أن تربوا على قواعد المتأخرين، يعني هل يستطيع طالب علم أن يتربى من البداية على أحكام الأئمة؟ ماذا يصنع هذا المبتدئ إذا قال أبو حاتم: مرسل وقال أحمد: موصول؟. . . . . . . . . السلم الذي وضعوه لطبقات المتعلمين، ثم بعد ذلك إذا تأهل وأكثر من التمرين والتخريج والأسانيد وغيرها، وجمع الطرق، وتأهل فرضه محاكاة الأئمة، كما فعل الذهبي، وكما فعل ابن رجب، وكما فعل ابن حجر، وغيرهم من أهل العلم، تربوا على الجادة، ثم بعد ذلك حاكوا الأئمة، ولذلك تجد ابن حجر حينما قعد القواعد في النخبة، ومشى عليها برهة من الزمن، وأكثر من التخريج، تجده في النتائج يخرج عن النخبة؛ لأنه وجد نتيجته تختلف مع حكم الإمام أحمد، أو مع حكم علي بن المديني، أو مع حكم البخاري، أو أبي حاتم، أو غيرهم، فلا بد من التأهل قبل، ثم بعد

ص: 5

ذلك يصنع ما شاء.

يقول: ما هو الضابط في ذكر اسم المخالف من عدم ذكره أثناء التحذير من مخالفته؟

في بداية الأمر يحذر من المخالفة، ويناصح المخالف سراً، والمخالفة تعلن، ويحذر منها، ويناصح المخالف، إن زاد شره ولم يرتدع بالمناصحة السرية، وأصر وعاند، لا مانع أن يذكر بمخالفته بقدر الحاجة بحيث لا يزاد في قدحه أو في النيل من عرضه أكثر من الحاجة؛ لأن الأصل المنع، وأذن في ذكره والتصريح باسمه للحاجة، والحاجة يقتصر عليها بقدرها.

يقول: هذا من الإمارات إذا أردت أن أمسح على شرابي (الجوربين) هل أمسح عليهما سوياً أم أبدأ باليمنى ثم اليسرى؟

منهم من يرى أن تمسحهما معاً في آن واحد كالأذنين، والصواب أن البدل له حكم المبدل، ما دامت الرجل اليمنى تغسل قبل اليسرى، ثم تغسل اليسرى البدل تمسح الرجل اليمنى، ثم تمسح الرجل اليسرى.

يقول: إذا مسحت على جواربي ستة أوقات فما حكم الصلاة السادسة؟ هل أعيد الصلاة السادسة ثم أرتب الصلوات التي وقعت بعدها أم أعيد السادسة فقط؟

الصلوات الخمس المأذون بالمسح فيها هذه صحيحة ما فيها إشكال، الكلام في السادسة الزائدة على اليوم والليلة، هذه لا بد من إعادتها؛ لأنك مسحت في مدة لم يؤذن لك فيها بالمسح، فلا بد من إعادتها، ثم تصلي الصلوات التي بعدها.

يقول: أنا مقيم في مدينة الجبيل، وفي إجازتي أسافر إلى قريتي التي نشأت فيها، ولا أذهب إلا في العطل والإجازات، وأمضي عادة أكثر من أربعة أيام، وأعمل برخص السفر، وأخذ بالرأي الذي يقول: لك أن تأخذ برخص السفر ما دمت مسافراً سواء قلت الأيام أو كثرت، كما فعل ابن عمر في خراسان، وذلك لأن الجماعة في القرية يفيدونني في الصلاة

إيش يفيدونني؟

طالب: يقدمونني.

هذه كتابته.

فإنني أتم الصلاة بهم، وأصلي بهم، وأمسح على الخفين يوم وليلة، وفي أحد الأيام نسيت الخفين، ولم أخلعهما لمدة يومين، وأنا أمسح عليهما، فقلت في نفسي: ما دام لي رخصة المسح ثلاثة أيام لأنني مسافر فالصلوات التي صليتها بهذا المسح صحيحة، ولا يلزمني أن أنزع الخفين بعد مضي يوم وليلة، وأنا الآن لا أدري هل لي خمس صلوات أو أكثر؟ وأسأل عن صحة الصلاة التي صليتها بذلك الوضوء ليطمئن قلبي.

ص: 6

أولاً: إذا كان لك في هذه القرية بيت مسكن، وأهلك موجودون هناك فأنت من أهلها، لا يجوز لك أن تترخص بمجرد وصولك أنت مقيم ولست بمسافر، لك أن تترخص بين الجبيل وبين هذه القرية في الطريق إن كانت المسافة مسافة قصر تترخص، أما ما دمت في الجبيل فلا؛ لأنها بلدك التي استوطنت بها، وبالنسبة للقرية هي بلدك الأصلي، ولك بيت، ولك أهل هناك، فلا يجوز لك أن تزيد على المسح يوم وليلة، إذا لم يكن لك بها أحد، انتقلت مع أهلك إلى الجبيل ورجعت إلى هذه البلدة للزيارة فليست ببلد لك، ولا بيت لك به، ولا أهل، فلك أن تترخص، على كل حال إذا كان كما ذكرت أنك نشأت فيها، وتقضي الإجازات هناك، فإن كان لك أهل وبيت فلا يجوز لك أن تمسح أكثر من يوم وليلة، وعلى هذا يلزمك الإعادة.

هذا يقول: يقول ابن حجر في النخبة: رواية المبتدع، ثم البدعة -هذا من فرنسا- إما بمكفر أو بمفسق، فالأول: لا يقبل صاحبها الجمهور، والثاني: يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار، وبه صرح الجوزقاني شيخ النسائي، فما هو القول الصحيح في رواية المبتدع؟

ص: 7

المبتدع الذي خلع ربقة الإسلام ببدعته، الذي بدعته مكفرة فهؤلاء ذكر الحافظ الذهبي في مقدمة الميزان أنه لا تصح الرواية عنهم، فالخبر المروي من طريقهم لا يقبل، يقول: ولا يوجد في كتب الأئمة من هذا النوع أحد، أما الذي لا يكفر ببدعته فإنه تقبل روايته ما لم يكن داعياً إلى بدعته، وأما النوع الأول أصحاب البدع المغلظة المخرجة من الملة فهؤلاء لا تقبل روايتهم ولا كرامة، النوع الثاني: من لم يكفر ببدعته فإنه تقبل روايته ما لم يكن داعية إلى البدعة، ولم يرو ما يؤيد بدعته، وكتب السنة لا شك أنها طافحة -بما في ذلك الصحيحين- من الرواية عن المبتدعة، بل روى الإمام البخاري عن عمران بن حطان الخارجي المعروف، وهو داعية إلى بدعته، من الدعاة، ابن حجر اعتذر عن الإمام البخاري بأعذار، منها: أن ما رواه مما تحمله قبل ابتداعه، أو تُحمل عنه بعد توبته من البدعة، ومع ذلك يقول ابن حجر: إن الخوارج أبعد المبتدعة بل أبعد الطوائف عن الكذب؛ لأنهم يرونه كبيرة مخرجة من الملة، فيبتعدون عنه فهم أصدق الناس لهجة، ولا مانع من الرواية عن المبتدع ولو كان داعية إذا عرف بصدق اللهجة، حتى شيخ الإسلام يشهد للخوارج أنهم من أصدق الناس لهجة، والعيني يرد على ابن حجر بقوله: وأي صدق في لهجة مادح قاتل علي، الرجل ينصر ما يراه الحق، فالذي ينصر ما يراه الحق هو في حد ذاته صادق ليس بكاذب، وعلى كل حال بالنسبة للخوارج أمرهم أيسر من غيرهم في باب الرواية؛ لأنهم يتقون الكذب ويحذرونه ويخشونه؛ لأن شأنه عظيم عندهم، بخلاف الروافض فإنهم لا يتحاشونهم، ويشهدون بالزور لموافقيهم، لا سيما الخطابية منهم، كما قال الشافعي رحمه الله.

يقول: من المعلوم أن المرأة ليست كالرجل في الإسلام شهادتها بنصف شهادة الرجل، وإرثها نصف إرث الرجل فكيف تتساوى مع الرجل في العقوبة كالسارق والسارقة والزاني والزانية والقاتل والقاتلة؟

ص: 8

التكليف العام النساء شقائق الرجال، فلعيهن مثل ما على الرجال من العقوبات، ولهن مثل ما للرجال من الأجور، وقرن النساء بالرجال في كثير من المواقف في كثير من النصوص، لكن استثنى من ذلك خمس مسائل: مسألة الإرث النصف، والشهادة والدية والعتق والعقيقة، هذه المسائل الخمس المرأة فيها على النصف من الرجل، والبقية المرأة والرجل سواء.

يقول: اقتربت من زوجتي في نهار رمضان ولم أباشرها، فقط مداعبات بسيطة فأنزلت، فما حكم هذا الأمر؟ هل صيامي صحيح؟ وهل يلزمني كفارة أم لا؟

أولاً: أنت عصيت وبطل صومك، وعليك القضاء، وأما الكفارة فلا، وعليك أن تتوب من هذا الذنب العظيم الذي اقترفته، ولا تعود إليه ثانية.

يقول: هل صح عن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله- أنهما قالا: بجواز نسبة ابن الزنا لأبيه إن أقر به؟

أنا لا يحضرني قول شيخ الإسلام وابن القيم في هذه المسألة، لكن الحديث الصحيح:((الولد للفراش، وللعاهر –للزاني- الحجر)) ليس له ولد، إنما له الحجر فقط.

بقي من باب المسح المسألة الأخيرة أظنها قرئت.

ص: 9

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:"ويمسح على ظاهر القدم، فإن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه، والرجل والمرأة في ذلك سواء" يمسح على ظاهر القدم دون أسفله، ودون جوانبه، وفي الأثر المروي عن علي رضي الله عنه:"لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" وهو عند أبي داود بسند حسن، جيد، حسن سنده، ثم يقول:"وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخف، فالمسح للخف من أعلاه من الأصابع إلى أن يتجاوز الكعبين، إلى أن يشرع في الساق، ولا يستوعب أيضاً الأعلى بالمسح، وإنما يمسح بأصابعه خطوطاً، وليس المراد بذلك بهذا المسح التنظيف؛ لأن المسح مبناه على التخفيف، نعم قد يزيل هذا المسح يزيل الغبار اللاحق بظهر الخف ليظهر الخف مظهراً مناسباً بين الناس من غير غبار، وأما أسفله الذي يباشر الأرض، يباشر القاذورات فإنه لو مسح لانتشرت النجاسة، وليس بغسل يزيلها، ينتشر القذر الذي فيها، وأما النجاسة لا بد من إزالتها، لكن القذر الذي وطء به وباشر به الأرض لا يمسح بالماء؛ لأنه ينتشر ويزيد، أما بالنسبة لأعلاه فإنه يصيبه من الغبار ما يصيبه فيزيله بالمسح، ولذا قوله رضي الله عنه: "لو كان الدين بالرأي" يعني بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى دليل، هذا الرأي المجرد الذي لا يستند إلى دليل لا عبرة به، ولا دخل له في الدين، والدين دين نص واتباع، ليس بدين آراء واجتهادات مجردة، واحتمالات عقلية مجردة، ابن حجر وغيره نصوا على أن الاحتمالات العقلية التي لا تؤيد بالدليل لا قيمة لها، نعم إذا خلت المسألة من الدليل ينظر فيها بالأقيسة والاجتهادات، وهل معنى هذا أن الدين يلغي العقل؟ لا، الدين لا يلغي العقل، بل لا بد أن يكون العقل تابعاً للنص، والنص يحكم على العقل ولا عكس، ولا شك أن العقل السليم الصريح هو موافق موافقة تامة للنقل الصحيح، وشيخ الإسلام له كتاب عظيم في هذا الباب، موافقة العقل للنقل، موافقة صريح. . . . . . . . . فلا تعارض بين عقل صريح باقٍ على فطرته مع نقل صحيح، نعم قد يوجد التعارض في الظاهر وجوداً نسبياً

ص: 10

عند بعض الناس دون بعض، ومثل هذا يزول بالبحث وبسؤال الأعلم ينتهي، ولا يوجد تعارض بين نصين أو بين نص ورأي صريح، سليم، باقٍ على الفطرة، أما الوجود عند آحاد الناس فإن هذا وجود نسبي يزول بالبحث، والأصل في المسألة النقل، وكونه يبحث عن علل وحكم هذا شيء طيب، لكن يبقى أنه إذا لم يوقف على العلة، أو كان الظاهر من العلة العكس، عكس ما جاء به الدليل، فإن مثل هذا لا أثر له، العبرة بالنص، قول علي رضي الله عنه:"لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى من المسح من أعلاه" يعني الرأي المجرد؛ لأن الإنسان في بادئ الأمر يظن أن المسح للأسفل الذي يباشر الأرض، وعرفنا أن المسح لا يزيل الأثر والقذى الذي لحق بالخف بسبب مباشرته الأرض، وما دام الأمر كذلك فإنه يكتفى بالظاهر، والأصل في المسألة الاتباع، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخف، هذا الأصل، وذكرنا أن الرأي لا يتعارض مع النص، كتاب شيخ الإسلام يعني لو أن بارعاً تصدى لاختصاره، وحذف منه الاستطرادات التي لا يفهمها كثير من أهل العلم، كثير من أهل العلم لا يفهمونها فضلاً عن المتعلمين، يعني أحياناً يمر أكثر من مائة صفحة كأنها طلاسم لقصور القارئ، ما هو لخلل في الكلام، لا، ذكرت أنا في مناسبات أن في المجلد الأول من الرد على ابن مطهر منهاج السنة ما يقرب من ثلاثمائة صفحة كلها لو تلغى من الكتاب ما صار فيه أثر لآحاد المتعلمين الذين لا يستفيدون من مثل هذا الكلام، والمجلد السادس فيه أيضاً أكثر من ثلاثمائة صفحة، أكثر من نصفه، فلا لخلل في كلام شيخ الإسلام، لا، إنما لقصور في كثير من المتعلمين، بالفعل أنا قرأت منهاج السنة في الموضعين ذولي ما تفهم شيء، لماذا؟ لأن المقدمات اللازمة لفهم مثل هذا الكلام ما نعتني بها، نصرف الهمة لما هو أولى منها، المقدمات التي تعيننا على فهم هذا الكلام ما نعتني بها، ولا نهتم بها، ولذا بعض العلماء يطلبون من طلاب العلم النظر في علم الكلام، وفي المنطق لفهم مثل هذا الكلام من شيخ الإسلام، وشيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن مثل هذا العلم كلحم جمل غث على رأس جبل، وقال في موضع آخر: لا يستفيد منه الغبي، ولا يحتاج إليه الذكي،

ص: 11

يعني بإمكانه أن يفهم النصوص من غير هذا العلم، وهو علم كَل، غث بلا شك، لكن من أراد أن يتصدى للردود على الطوائف المخالفة، وأمن عليه من أن يفتتن ببعض الأقوال مثل هذا يقرأ، وإلا فالنووي وابن الصلاح حرّما النظر في علم الكلام وفي المنطق، ومن أهل العلم من يرى أنه لا بد من قراءته ليتصدى للرد على المخالفين، فدرء تعارض العقل والنقل يعني لو يقتطف منه من الكلام الواضح من كلام شيخ الإسلام ما يجعل في مجلد لطيف انتفع الناس به انتفاعاً عظيماً، بحيث لا يجعل طالب العلم يقتحم غمرات هذا الكتاب العظيم، ولا يمكن أن يستغنى عنه بحال من الأحوال، ابن القيم يقول:

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي

ما في الوجود له نظير ثاني

لكن تجعل طالب العلم يقرأ مثل هذا الكتاب مشكلة، دون تنقيح، وبدون حذف ما لا يفهم منه هذا لا شك أنه يحدث ردة فعل عند بعض طلاب العلم بحيث يترك القراءة بالكلية، فإذا سمع ابن القيم يثني على هذا الكتاب العظيم بادر إلى اقتنائه وقراءته، ثم لا يلبث أن يقرأ فيه يوم أو يومين ثم ينصرف. . . . . . . . .

بالعلل للدارقطني ذهب طالب العلم إلى هذا الكتاب، ثم بعد ذلك ما يفهم منه شيء، فيترك القراءة، لا، طالب العلم عليه أن يبدأ بالأسهل فالأسهل، يعني يترقى، يعني ما يصل السطح ثم يبدأ ينزل، لا، العكس من درجة إلى درجة من درجات السلم حتى يصل إلى المنتهى إلى السطح، أيضاً شيخ الإسلام من كتبه العظيمة وقد تم طبعه -ولله الحمد- ومحقق في ثمانية مجلدات الرد على التأسيس للرازي، تأسيس التقديس، الذي يقول فيه ابن القيم:

وكذلك التأسيس أصبح نقضه

ومن العجيب أنه بسلاحهم

أعجوبة للعالم الرباني

أرداهم نحو الحضيض الداني

هذه الكتب يقرأها طالب العلم، لكن الطالب الذي قرأ قبلها من كتب شيخ الإسلام، وعرف أسلوب شيخ الإسلام، وصار يميز بين الكلام الذي يمكن فهمه والذي لا يمكن فهمه.

ص: 12

يقول المؤلف رحمه الله: "فإن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه" أوجب بعضهم أن يمسح الأسفل مع الأعلى، وأن يعمم الخف بالمسح كالرجل كتعميم الرجل بالغسل، وتعميم الرأس بالمسح، لكن الراجح أنه لا يلزم غسل الأسفل بل ولا يستحب، وإنما اللازم غسل ظاهر القدم "إن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه" لأن المطلوب غسل الأعلى دون الأسفل "والرجل والمرأة في ذلك سواء" فتمسح المرأة كالرجل على الخف يوم وليلة، كما أنها أيضاً تمسح على الخمار المحنك الذي يشق نزعه كالعمامة، يمسح على ما يشق نزعه، لكن كل فيما يخصه، هنا يقول في الخف:"الرجل والمرأة في ذلك سواء" لأن كل منهما محتاج إلى الخف، لكن لو لبست المرأة عمامة أو لبس الرجل خماراً يمسح أو ما يمسح؟ ما يمسح؛ لأن هذا تشبه محرم، فلا تمسح المرأة على العمامة ولا يمسح الرجل على الخمار؛ لأنه في النهاية قال:"والرجل والمرأة في ذلك سواء" قد يقول قائل: إن هذا يشمل الممسوحات، نعم تمسح المرأة على الجبيرة، يمسح الرجل على الجبيرة للحاجة إليهما، والرجل يمسح على الخف، والمرأة تمسح على الخف للحاجة الداعية في الطرفين، أما في حال المخالفة فلا، في حال المخالفة فلا؛ لأن هذا تشبه، ويجرنا هذا الكلام إلى ما قاله بعض أهل العلم في تحريم لبس المرأة العباءة على الكتفين؛ لأنه تشبه بالرجل؛ لأن لبس الرجل على الكتفين، نعم، يلبسونه المشالح على الأكتاف، فهل يقال بمثل هذا فيما إذا لبس الرجل عباءته على الرأس؟ نقول: هذا تشبه بالنساء فيحرم؟

الطالب:. . . . . . . . .

لأن المرأة تقول: ما دام أنا أصلي بالعباءة على الكتف، ولا أبرز لها للرجال، والرأس مغطى بالخمار والعباءة على الكتف؛ لأنه يتعبها لبس العباءة على الرأس، نقول: هذا تشبه، ولا شك أن مثل هذا الكلام يقال من باب الاحتياط، وسد الذريعة؛ لأن لا تخرج بها بين الناس بهذه الحال، لكن إذا أحتاج الرجل في البرد الشديد أن يضع بشته على رأسه، هل نقول: إن هذا تشبه بالمرأة فيمنع أو نقول: إن الرجل له هذا وهذا والمرأة ليس لها هذا؟ ينبغي إذا قلنا: إن تشبه المرأة بالرجال حرام، إذاً نقول: تشبه الرجل بالنساء حرام مثله؟ فهل يطرد هذا أو لا؟

ص: 13

الطالب:. . . . . . . . .

هل يكفي في مخالفة النساء بالنسبة للرجل أن تكون مادة الملبوس غير مناسبة للنساء؟

نفس الشيء يعني إذا عكسناها انعكست، يقول القائل: إن لبس المرأة لمادة مخالفة لما يلبسه الرجال يكفي في المخالفة.

الطالب:. . . . . . . . .

هذا قدر زائد؛ لأنه قد تقول: أنا ألبسها على الكتف، واسعة وفضفاضة ما فيها إشكال؛ لأنها تمنع لوجوه، منها هذا الوجه، ولا بد من هذا الوجه في بعض الحالات، وإذا قلنا بمثل هذا نمنع الرجل من لبس عباءته على الرأس لعدم التشبه بالنساء، ولو أجزناه فتحنا باب لمن يقول: لماذا يمنع في النساء دون الرجال؟ فإذا كان هذا من خصائص الرجال فالثاني من خصائص النساء، لا شك أنا نرى الرجال بكثرة لا سيما في شدة الحر أو شدة البرد يلبسون عباءتهم على الرأس لتقيهم شدة الحر، الشمس، وتقيهم أيضاً البرد، هذا موجود بكثرة، لكن هل هذا يكفي في مقابلة التشبه بالنساء؟ أو نقول: إن هذا من الأمور المشتركة التي لا يقع فيها التشبه؟

الطالب:. . . . . . . . .

هي تمنع لأمور كثيرة معروفة ومدونة، لكن منها مما قيل في ذلك تشبه النساء بالرجال، على كل حال وجود لبس الرجل عباءته على رأسه للحاجة ليس هو الأصل، للحاجة، وينبغي أن يقدر بقدرها، ثم يعود الحكم إلى أنه للنساء، فإذا لبسه للحاجة لا شك أن مثل هذا موجود وجود كثرة بالنسبة للرجال، وليس بوجود قلة بحيث لا يرتب عليه حكم.

أسئلة كثيرة جداً، وعلى هذا نقف على باب الحيض إلى الأسبوع الثاني من الدراسة من الفصل الثاني ....

ص: 14