الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71] أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: نستهل اليوم بإذن الله شرح هذا الكتاب العظيم الجليل: الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ الإسلام ابن تيمية، ونشرح مختصر الكتاب لا أصله للعلامة الشيخ محمد بن مهدي بن محمد البعلي الحنبلي.
وقبل أن نبدأ فهناك مقدمتان لابد لنا أن نقدمها بين يدي هذا الكتاب، أولاً: هناك أمر عظيم يخص أعظم البشرية وأكرم رسول، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الناس، وأعظمهم مكانة عند الله جل في علاه، وكفى فخراً لهذه الأمة أن رسولها هو أعظم الرسل على الإطلاق.
ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، والنبي صلى الله عليه وسلم أقسم الله بعمره، ولم يقسم بعمر ولا بحياة أحد على الإطلاق إلا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم لعظم حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولعظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:((لَعَمْرُكَ)) يا محمد! {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]؛ إظهاراً لمكانة وعظم حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولمكانة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا فقد أمره الله على الأنبياء بأسرهم، فإنه حينما أسري به صلى إماماً بالرسل، وحين عرج به فرض عليه أفضل الفرائض ألا وهي: الصلاة، وقد أوحى إليه وحياً فيه أعظم ما يكون وهو كتاب الله، ويوم القيامة يبين الله جل وعلا ويظهر كرامته ومكانته فيجعل الناس تستشفع به يوم القيامة.
إذاً: الناس سيذهبون إليه إظهاراً من الله جل في علاه لكرامة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يبلغها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما يقول: أنا لها، أنا لها، ثم يأتي يسجد تحت العرش، فالله جل وعلا يوحي إليه بمحامد لم يكن يعلمها قبل ذلك، فيحمد الله بها ثم يقول له:(يا محمد! -بأبي هو وأمي- ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع)، إظهاراً لكرامة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غرو ولا عجب، فما من نبي أرسله الله لقومه فمنحه فضلاً أو شرفاً أو فضيلة يتفضل بها على قومه إلا ومنحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا موسى عليه السلام أفضل ما فضل الله به موسى على البشر أجمعين أنه اصطفاه بكلامه وبرسالاته، كما قال آدم عليه السلام:(أنت موسى الذي خط الله لك التوراة بيده، واصطفاك بكلامه)، وقال الله تعالى:{إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144]، فهذه من أفضل الفضائل لموسى عليه السلام، وللنبي صلى الله عليه وسلم حظ منها لمكانته عند الله جل في علاه، فإن الله كلم موسى بحجاب دون واسطة، وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم بحجاب دون واسطة أيضاً؛ لأنه لما عرج به تكلم مع الله دون واسطة ودون وحي، وفرض الله عليه خمسين صلاة، ثم تكلم مع موسى فقال موسى: أمتك لا تستطيع أن تصبر على ذلك، فرجع يعاود الكلام مع الله ويكلمه الله جل في علاه.
ويوسف عليه السلام: من أفضل ما منح الجسد فكان من أجمل الناس، حتى إن النساء قطعن أيديهن عندما رأينه، والنبي صلى الله عليه وسلم أوتي من الجمال مثل ما أوتي يوسف عليه السلام، فعندما رأى البراء النبي صلى الله عليه وسلم قال:(نظرت إلى رسول الله -بأبي هو وأمي- ونظرت إلى القمر ليلة البدر، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل من القمر ليلة البدر).
ولما منح الله جل في علاه إبراهيم أبو الأنبياء الخلة، وهو أعظم الرسل على الإطلاق دون النبي صلى الله عليه وسلم -هذا عند أهل التحقيق- أيضاً منح الله جل في علاه نبينا صلى الله عليه وسلم الخلة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لو كنت متخذاً من البشر خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن صاحبكم خليل الرحمن)، وأما الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه:(الخلة لإبراهيم والرؤيا لمحمد)، فلا يصح عن ابن عباس، بل الخلة لإبراهيم ولمحمد صلى الله عليه وسلم.
أيضاً: منح عيسى عليه السلام أنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله، وهذه حدثت لنبينا صلى الله عليه وسلم كما حدثت مع عيسى عليه السلام.
وإظهاراً لشرف النبي وعظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله جل في علاه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ خشبة وهزها -هذه لموسى وعيسى- فتحولت سيفاً معجزة من الله جل في علاه لنبينا صلى الله عليه وسلم فأخذها، أما موسى فلم يأخذ العصا حين تحولت إلى حية، فتحولت الخشبة سيفاً في يد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:(من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام الزبير فقال: أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكته النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعطه إياه، ثم هز السيف مرة ثانية، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، حتى قام أبو دجانة رضي الله عنه وأرضاه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السيف)، وكان نظر النبي صلى الله عليه وسلم دقيق جداً، فهو يعلم أنه سيأخذه بحقه.
وأيضاً عيسى عليه السلام كان يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة سقطت عين صاحب من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على خده، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فوضعها مكانها، فكان يرى بها أفضل من العين الأخرى، وأيضاً في قصة قتل سلام بن أبي الحقيق اليهودي لما كسرت ركبة عبد الله بن أنيس، أخذها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليها فبرئت، وهذه أيضاً لعيسى عليه السلام وحباها الله لنبينا صلى الله عليه وسلم، فكل خصال الخير كانت لرسول الله لعظم مكانته عند ربه جل في علاه.
فالأمة لها أن تفخر -ولا غرو لها- بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيد هذه البشرية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رسول هذه الأمة، فله حق عظيم على هذه الأمة.