الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الحادي عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
[إضافة إلى ما سبق]
نعم صحيح، نذكر إضافة على ما ذكرنا، تنبيه جيد من الأخ، يعني استشكال جيد، وهو أنّ التفسير الإشاري أضف إلى شروطه أن لا يكون معه نفي المعنى الظاهر، وهذا معلوم؛ لأنه هو إشارة فيقول في الآية إشارة؛ لكن للإيضاح اشترط هذا الشرط يعني اجعله رابعا للشروط، وهو أن لا يكون فيه نفي للمعنى الأصلي، وأظن ابن القيم ذكر هذا الشرط لكن ما استحضره جيدا الآن.
إذن نفي المعنى الأصلي ليس مرادا عند من صحح التفسير الإشاري، فإذا توفرت الشروط التي منها ما أضفنا الآن وهو أن المعنى الأول مثبت وإنما هذا معنى ثاني زيادة وهو ما أشارت إليه الآية.
في الحديث الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة ما يعني شيخ الإسلام أن ينفي دخول الملائكة البيت الذي هو بيت السكن إذا كان فيه كلب أو صورة هو لا يريد أن ينفي ذلك، لا، هو يقول: هذا مثبت وفيه إشارة إلى الشيء الآخر.
فإذن المعنى الظاهر من الآية أو من الحديث هذا مراد ومثبت عند من صحّح التفسير الإشاري بشروطه المعتبرة.
فإذن هي أربعة شروط:
الأول: أن لا ينافي اللغة.
الثاني: أن يدل عليه دليل صحيح.
الثالث: أن لا يكون ثَم دليل يبطله.
الرابع: أن يكون المعنى الأول مثبتا عند من فسر التفسير الإشاري. ويفسر بالتفسير الإشاري زيادة على المعنى الأول.
ابن القيم ذكره في التبيان في أقسام القرآن وذكره الشروط فيها، وأظن هذا الشرط منها لكن الآن ما أستحضره جيدا.
نعم يمكن.. التفسير الإشاري ليس ضروريا بعض الآيات ما يكون فيها إشارة لكن، هذا الآن بعض الزهاد من السلف جاءت عنه عبارات في التفسير الإشاري لكنها عبارات صحيحة، لهذا صحّح شيخ الإسلام وابن القيم وجماعة من العلماء صححوا التفسير الإشاري بشروطه، والتفسير الإشاري ليس مقصودا، قد يتوفر وقد لا يتوفر، وإذا جهله المرء ليس هو من العلم المرغوب فيه إنما هو من اللطائف.
نعم؛ فيه سؤال ثاني؟
هو ما فيه شك الذي يخرج عن تفاسير الصحابة والتابعين، خروجه عنها ابتداع، فأول من خرج عن هذه التفاسير أحدث بدعة في الدين، تبعه عليها أناس، قد يكون هو خرج عنها باجتهاد؛ لكن الاجتهاد أخطأ فيه، فِعله وهو خروجه عن تفاسير الصحابة والتابعين إبداع، كونه اجتهد في تفسير الآية فأخطأ هذا له أجر المجتهد أو يُغفر له لأنه مجتهد، يوصف بأنه مبتدع، يجتمع في حقه الجهتان جهة العقوبة والإثم لابتداعه وجهة المغفرة له لخطئه؛ لأنها جهتان.
التفسير الخروج عن تفاسير الصحابة هذا القدر بدعة لاحظ الخروج، قبل أن يتكلم في تفسير الآية، خرج عن تفاسير الصحابة والتابعين بدينه ورام شيئا جيدا هذا ابتداع، هذا يؤزر عليه، الآن اجتهاده في بعض الآية هذا قد يكون صوابا وقد يكون خطأ فهو إذا كان أخطأ في ذلك فقد يغفر له ويكون من جملة المجتهدين.
اتضح لك ولا ما اتضح لك؟ اتضح لكم الفرق، هذه يرددها شيخ الإسلام كثيرا، مثل ذكره في المولد في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، قال في المولد: وإن كان بعض من يعمل الموالد أو يحضرها يؤجر على ذلك. ذكر هذه العبارة التي يحتج بها أهل الموالد. نعم لكن المولد في نفسه بدعة، والحضور فيه بدعة؛ لكن قد يؤجر إذا قام في قلبه محبة نبي صلى الله عليه وسلم في موطن المولد، فهو عنده جهتان: الله جل وعلا حكم عدل أسرع الحاسبين، والملائكة تكتب.
فأولا الحضور المولد في نفسه بدعة، وحضوره في مكان البدعة هذا ذنب. هنا يأتي انتهى هذا تأثيم مجال التأثيم أو العمل الذي أثم عليه انتهى.
يأتي ما قام في قلبه من المحبة ومن تعظيم الرسول، هذا يؤجر عليه.
لهذا قال شيخ الإسلام: قد يؤجر من يحضر تلك؛ يعني لما قام في قلبه من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن ليس معنى ذلك أنه لا يأثم من جهة أخرى.
كذلك في هذا الموطن، شيخ الإسلام له مثل هذا في مواطن كثيرة تحل الإشكال باختلاف الجهات أراد أنه يجمع في المكلف الجهتان: جهة التأثيم لابتداعه، وجهة الأجر أو المغفرة لخطئه في نفسه أو جهة الأجر إذا قام في قلبه بعض الإيمان.
نعم، ارفع صوتك،،
لا الابتداع له جهة، وقد يجتهد في شيء له الاجتهاد فيه هذا مجتهد من جنس الذين يجتهدون في مسائل الفروع ونحو ذلك؛ لكن إذا اجتهد في مسائل الصفات، اجتهد في آيات الصفات، هل هذه ما يجتهد فيها؟ فسرها يغير تفاسير الصحابة والتابعين لها هل هذا مما يعذر فيه؟ أو هو قد أحدث رأيا وفسّر القرآن برأي خارج عن تفاسير الصحابة؟ هنا الجهة منفكة يؤزر على ابتداعه، وأمّا فعله في نفسه فجعله في نفسه وتفسيره للآية هذا قد يكون معذورا وقد لا يكون معذورا، قد تكون شبهة قامت عنده أو غير ذلك.
لهذا شيخ الإسلام عذر بعض العلماء مثل البيهقي مثل الخطابي قال: إنهم اجتهدوا في مسائل الصفات؛ لكن ما عذر غيرهم فهناك من يعذر في هذه المسائل ومن لا يعذر، وليس معنى أنه يعذر أنه لا يؤاخذ على بدعته، فهو مبتدع من الجهة الأولى، ثم التأثيم في المسألة الثانية مرفوع عنه؛ يعني بَدَل يتراكب عليه الإثم من الجهتين هو يأثم من جهة واحدة وقد يكون يأثم من جهة الابتداع ومن الجهات الأخرى، فأما اسم المبتدع فيطلق عليه اسم المبتدع فالذين حرفوا القرآن عن ظاهره وفسروا مثلا آيات الرحمة بأنها الأنعام أو فسروا قوله تعالى {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ، {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أي يدي الرحمن جل وعلا هما قدرتاه ونحو ذلك تفسير مبتدع وصاحبه مبتدع في نفسه، ويؤزر على ابتداعه هذا؛ لكن الجهة الثانية وهي خطؤه في تفسير الآية هل يعذر عليه أم لا؟ هذه مسألة أخرى هذه ننبه إليها في كلام شيخ الإسلام.
وهذا التفصيل لا يذكر أئمة السلف، أئمة السلف ليس عندهم هذا التدقيق عندهم أنه أخطأ في البداية ابتدع في البداية فما ترتب على الأمر المبتدع له حكمه، هذا كلام أئمة السلف فإذا كان مبتدعا في الاجتهاد في الصفات فهو مبتدع في أوله، وما ترتب على ابتداعه فهو مأزور عليه.
شيخ الإسلام يختلف عن هذا في مواضع كثيرة يفصل بين المقامين، مثل هذا الموضع يفصل بين المنشأ وبين النتيجة، فيقول هو مبتدع الحكم عند الجميع واحد أنه مبتدع فيؤزر على بدعته الأولى، وأما اجتهاده في بعض الموارد إذا كانت قامت عنده شبهة فقد يعذر يعني عند الله حل وعلا وقد لا يعذر. واضح الكلام؟ لأن المسألة مشتبهة ودقيقة فشيخ الإسلام له طريقة في ذلك حتى نفهم كلامه وحتى لا يستدل عليك أحد بكلام شيخ الإسلام ويناقض به قول السلف، لا، شيخ الإسلام يعمل بهاتين منفكتين، والسلف جعلوا النتيجة مترتبة على الأصل.
نعم، نعم، يعني هذا متّجه، الكلام الذي تفضّل به الأخ عبد العزيز متجه؛ يعني يريد أن يقول في عصر شيخ الإسلام كثرت الشبه، صنّف الناس وأعظموا الشبهة والاستدلالات، ولما كثرت الشبه شيخ الإسلام ذكر هذا التفريق، وأما في عهد السلف فكان قربهم عصر النبوة وقرب عهدهم من كلام الصحابة والتابعين والمخالف قليل، المخالف والخارج عن تفاسير السلف قليل ونادر سواء في الصفات أو في الإيمان أو في القدر نادر، فهم خرجوا مبتدعين، وما ظهرت لهم الحجج وما ظهرت لهم الأدلة، مثل ما ظهرت الشبه بعد ذلك، فكانت الشبه والأدلة عندهم محصورة، ورد عليهم الأئمة في ردود كثيرة، وبعد ذلك تنوعت الشبه كثيرا ولهذا راجت الشبه على بعض الأئمة المشهورين مثل النووي ونحوه من علماء المسلمين. اقرأ
[المتن]
فَصْلٌ
[في أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ]
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ:
أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ، فَمَا أُجْمِلَ فِي مَكَانٍ فَإِنَّهُ قَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمَا اُخْتُصِرَ مِنْ مَكَانٍ فَقَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
فَإِنْ أَعْيَاك ذَلِكَ فَعَلَيْك بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ؛ بَلْ قَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنْ الْقُرْآنِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64] ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» يَعْنِي السُّنَّةَ.
وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ كَمَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ؛ لَا أَنَّهَا تُتْلَى كَمَا يُتْلَى.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةِ كَثِيرَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ.
َالْغَرَضُ أَنَّك تَطْلُبُ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَمِنَ السُّنَّةِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: بِمَ تَحْكُمُ؟
قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟
قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟
قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي.
قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَسَانِدِ وَالسُّنَنِ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ.
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فهذا الفصل هو الذي من أجله أنشئت هذه الرسالة الموسومة بالمقدمة في أصول التفسير، فأحسن طرق التفسير كما ذكر العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هي تفسير القرآن بالقرآن؛ لأن القرآن الكريم كلام الله جل وعلا وكلام الله يفسر بعضه بعضا وتفسير الآية بعضها ببعض يكون على أنحاء:
الأول منها أن يكون في الآية بيان لمعنى اللفظ المشكِل فيها أو لمعنى الكلمة المشكلة فيها، فإذا كانت الآية في نفسها ما يدل على المعنى، فالمصير إليه أولى من طلب شيء خارج، وهذا الذي يسمى تفسير بالدليل المتّصل، والدليل المتصل معتبر عند الأصوليين في تقييد المطلق وفي تخصيص العام وفي تبيين المجمل، وأشباه ذلك، فاعتباره في تفسير الآي ظاهر؛ لأن الآية فيها ما يبين المعنى المراد.
الثاني أن يكون الدليل ليس في الآية، أن تكون الآية ليست متصلة أو تكون آية أخرى، ويكون ما أشكل في موضع فسر في موضع آخر، وهذا يكون باعتبار دلالة اللفظ ودلالة السياق تارة أخرى، بمعنى أنه يكون هناك إشكال في لفظ الآية وفي تفسيرها فيطلب في موضع آخر فيتحرر المقصود من الموضع الآخر إما بلفظه تفسر لفظه، أما بالسياق يحدد المراد من الآية الأخرى.
قد نأتي ببعض الأمثلة.
الثالث أن يكون التفسير بما يسمى لغة القرآن؛ بمعنى أن يكون مورد هذا اللفظ المختلَف فيه المطلوب أن يفسر، المطلوب تفسيره، أن يكون مورده في القرآن بهذا المعنى، فإذا استقرئت الآيات وُجد أنها في كل موضع المعنى هو هذا، فتفسير اللفظة في الموضع المشتبه لما جرى عله ما يسمى بلغة القرآن أولى من تفسيرها بأمر خارج عن ذلك.
الرابع من تفسير القرآن بالقرآن أن يكون تفسير الآية راجعا لما يفهم من آيات كثيرة في معنى هذه الآية، معناه أنه ليس دليلا متصلا ولا منفصلا ولا عرفا لغويا ولكن يفهم المفسر من مجموعه فهمه لآيات أن يكون هذا تفسير هذه الآية.
نضرب مثالا على الأخير لقربه ثم نرجع لأمثلة الأولى مثلا في قوله جل وعلا في سورة طه {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 46] ، في قصة موسى عليه السلام {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} ما هي هذه الفتون؟ فسرها ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث الطويل المشهور بحديث الفتون، وذكر معنى الفتون، كل ما جاء في قصة موسى من مواضع مختلفة، فصار تفسير الفتون هو ما حصل له من الافتتان بكل في كل آية في كل موضع من مواضع في القرآن، فجمعها فسُمِّي هذا الحديث الطويل في تفسير الفتون {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} .
مثاله أيضا تفسير شيخ الإسلام في قوله جل وعلا {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان: 45] . أن هذه الآية نفهم من مجموع الآيات في القرآن أم المراد بها ذكر دلائل قدرة الله جل وعلا وعظمته وبديع صنعه، وليس المقصود بالرؤية الرؤية إلى ذات الله جل وعلا، فالظاهر {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ} هذا نفهم هنا أن الرؤية ليس المراد بها ظاهر التفسير، فكيف تفسر الرؤية هنا؟ الرؤية إلى صفات الله جل وعلا الظاهرة وقدرة الله جل وعلا خلقه ونحو ذلك.
تفسير الآية تارة يكون بجزء منها ويصلح مثالا لذلك في قوله في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} قال: أنا من القليل الذي يعلم، كانوا سبعة وثامنهم كلب. أخذ ذلك من السياق المذكور في الآية لأنه قال قبلها {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22] هنا ما جعله من الرجم، فهنا فسر هذه الآية بأنها هذا تفسيرها بدلالة السياق.
لدلالة آية أخرى يعني هذه أمثلة عليها كثيرة، مثلا في قوله {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6] هذا الصراط ما هو؟ فسرته الآيات الأخرى، {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} [الفاتحة: 7] المغضوب عليهم هم اليهود فسرته آيات أخرى {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} ، الضالين النصارى فسرته آيات أخرى وهذا كثير الآية تفسرها آية أخرى.
بقي التمثيل بالثالث وهو لغة القرآن هذا مهم جدا في تفسير القرآن بالقرآن، أن يرعى المفسِّر اللغة في القرآن بمعنى أنه يعتني بما دارت عليه هذه اللفظة في القرآن، تعلمون أن عددا من أهل العلم كتبوا في الأشباه والنظائر أو الوجوه والنظائر، الأشباه والنظائر والوجوه والنظائر أسماء لكتب، وهي موضوع واحد قد تطلق عليه الأشباه والنظائر وقد يطلق عليه الوجوه والنظائر، والأكثر على أن الأشباه لما كان من قبيل التواطؤ، والوجوه لما كان من قبيل ألفاظ المشككة؛ لأن دلالة اللفظ إما أن تكون مطابقة أو موافقة أو تواطؤ تشكك مشترك تراجع، هذه دلالات الألفاظ، في الوجوه والنظائر الاشتباه والنظائر مهمة في هذا الباب، هي تساعد ما في معاني الكلمة في القرآن كله، مثل يأتي ابن الجوزي في كتابه الوجوه والنظائر يقول مثلا هذه الكلمة مثلا باب الاثنين باب الثلاثة؛ يعني الكلمة جاءت على معنيين في باب واحد كلمة لها معنى واحد، هذا بحسب اجتهاده أو حسب نظره في تفسير السلف؛ لكن يأتي المجتهد من أهل العلم يقول لا هذه اللفظة في القرآن جميعا لها معنى واحدا.
من الأمثلة التي اختلف فيها ورجح بالسياق بالمعنى الواحد لفظ (الزينة) في القرآن، لفظ الزينة في قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ؛ فهنا اختلف أهل العلم، هل الزينة يقصد بها البدن أو المراد بها الملابس، فإذا كانت البدن صارت إلا ما ظهر منها يعني ما ظهر من البدن، فيكون هو الوجه والكفان مما يحتاج إلى إظهاره، أو يكون الزينة هنا بمعنى الملابس، فيكون {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني الملابس، الأصل تظهر عادة لأنها لابد أن تظهر بعض الملابس ففسر بهذا وفسر بهذا فغلى شي يرجع تفسر اللفظة بدلالته اللغوية أو بما يسمى لغة القرآن يتطلب النظر في معنى هذه الكلمة في القرآن كله، وإذا نظرنا في القرآن كله وجدنا أن لفظ الزينة يرجع إلى شيء مستجلب خارج عن الذات المزينة.
قال الله جل وعلا {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ، وأجمع العلماء في تفسير أن الزينة هي ما تستر به العورة يعني ما يتعلق بالملابس.
قال الله جل وعلا في السماء {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} [الصافات: 6-7] ، {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} جعل هناك سماء جاء شيء وزين هذه السماء وهي الكواكب.
كذلك قال فيما على الأرض {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا} [الكهف: 7] جعل الزينة خارجة عن ذات الأرض فجعل عليها أشياء من الزينة.
تجد في القرآن كلبه أن الزينة شيء خارج عن الذات يُجلب لتزين به الذات، إذا نظرنا في الآية {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] ؛ جعلنا هذا باحتمالين:
إما أن تكون البدن.
وإما أن يكون خارج.
فسرها المحققون بأنها الخارج عن البدن وهي الملابس المعتادة؛ وذلك لأنها هي المجلوبة لتزين بها حتى يستقيم التفسير.
ولكل نوع من الأمثلة ما هو كثير مشهور في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن لأعياك ذلك، فتذهب إلى السنة؛ لأنها شارحة للقرآن أي موضحة له ومبينة له.
وهذا ظاهر بيّن، السنة بيان للقرآن، وبيان السنة للقرآن في طلب التفسير يكون أيضا على أنحاء:
الأول منها أن يكون في السنة تفسير للآية بظهور، كما فسر النبي صلى الله عليه وسلم آيات كثيرة معروفة كتفسير {المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} وتفسير {الضَّالِّينَ} وتفسير الخيط الأبيض والخيط الأسود، وأشباه ذلك من التفسير، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأتفال: 60] قال «ألا إنَّ القوَّة الرَّمي» وما شابه ذلك، وهذا ظاهر بيّن.
النوع الثاني من التفسير بالسنة أن يكون هناك توضيح للمعنى المختلف فيه للسنة، مثل تفسير القرء في آيات الطلاق {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] ، والقرء هنا اُختلِف فيه: هل هو الحيض أم هو الطهر؟ النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر ذلك قال في المرأة «أليست تدع الصلاة أيام أقرائها» قالت: بلى. فقوله «أليست تدع الصلاة أيام أقرائها» دلّ على أن القرء هناك هو الحيض، وذلك من جهتين:
الجهة الأولى: السياق أنها تدع الصلاة أيام القرء، ومعناه الحائض لا تصلي، فصارت القروء هنا بمعنى الحيضات.
والجهة الثانية: هي المختلف فيها بين أهل العلم وذكر الاختلاف ابن [.....] في أول كتابه المهم الإنصاف وأطال عليها أنه هنا قال الأقراء وفي الآية جمع القرء بالقروء، وقال: أنه إذا كان المراد بالقرء هو الطهر فلا يكون جمعه قروء، وإنما يكون الجمع أقراء الطهر، وهنا دل الحديث على أن كلمة الأقراء تصلح للحيض كما أنها تصلح للطهر، فصار هنا لفظ القرء الواحد يُجمع على قروء وعلى أقراء، وهذا ظاهر في تفسير الآية بدليل من السنة ليس المقصود من تفسير الآية ولكن هو يفسر الآية.
الثالث أم السنة تبين المجمل تقيد المطلق تخصص العام وهو نوع من التفسير كما هو معروف.
الرابع أن يكون السنة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم فيها تفسير للآية أو الآيات لوله جل وعلا {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] ، الآية النبي صلى الله عليه وسلم كيف قسم ذلك، وهل قسم بالتساوي أو قسمها بهذا، السنة العملية مفسرة لهذا الأمر، وفي قوله وأتموا الحج والعمرة لله كيف فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته العملية، {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] كيف يكون الذكر عند المشعر الحرام بالسنة العملية.
{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] ، ما معنى هذا فشره بالسنة العملية وهذا كثير بين في هذا الصدد.
إذن حصل في هذا المقال لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن أعظم ما يُعتني به في التفسير تفسير القرآن بالقرآن، هذا أحد الأنحاء التي ذكرت، ثم إن أعيى ذلك فسرتها السنة بأحاديث الأنحاء وأيضا، وقلَّ ما تحتاج إذا طبقت هذين الأصلين تحتاج إلى تفاسير الصحابة بعد ذلك؛ بل ستجد أن تفاسير الصحابة مستقاة من أحد هذين الوجهين أو منهما معا ولابد.
* * *
أعدّ هذه المادّة: سالم الجزائري