الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
[المتن]
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحرَّاني رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ بِرَحْمَتِك
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ مُقَدِّمَةً تَتَضَمَّنُ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةً تُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ. وَمَعْرِفَةِ تَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ وَالتَّمْيِيزِ فِي مَنْقُولِ ذَلِكَ وَمَعْقُولِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَأَنْوَاعِ الْأَبَاطِيلِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الدَّلِيلِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْأَقَاوِيل؛ فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ فِي التَّفْسِيرِ مَشْحُونَةٌ بِالْغَثِّ وَالسَّمِينِ وَالْبَاطِلِ الْوَاضِحِ وَالْحَقِّ الْمُبِينِ.
وَالْعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ عَنْ مَعْصُومٍ، وَإِمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ، وَمَا سِوَى هَذَا فَإِمَّا مُزَيَّفٌ مَرْدُودٌ وَإِمَّا مَوْقُوفٌ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ بَهْرَجٌ وَلَا مَنْقُودٌ.
[الشرح]
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
هذا شروع في شرح هذه المقدمة النفيسة التي كتبها شيخ الإسلام والمسلمين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى.
وقد ذكر لك فيما سمعت أن العلم نوعان لا ثالث لهما.
إما أن يكون نقلا عن معصوم؛ يعني عن معصوم من الخطأ، وذلك هو الكتاب والسنة والإجماع، فإن الكتاب والسنة إنما هي من الله جل وعلا، والإجماع كذلك معصوم من الخطأ؛ ذلك أنه قد جاءت عدة أحاديث يعضد بعضها يعضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الأمة لا تجتمع على ضلالة.
فالحجة المعصومة الكتاب والسنة والإجماع.
قال (وَإِمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ) العلم إما نقل عن معصوم، وإما اجتهاد من أحد المتأهلين للاجتهاد عليه دليل معلوم، وهذا فيه إخراج للدليل المتوهَّم لأن بعض المتعصبين للعلماء يقولون: لابد أن يكون ثَم دليل عند العالم على هذه المسألة لكنه لم ينقل إلينا، وإنما نحن متعبدون بما دلّت عليه الأدلة؛ لأن هذا هو العلم.
وقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه الجامع أن العلماء أجمعت على أن المقلد لا يسمى عالما، وإنما الذي يسمى عالما الذي يأخذ القول بدليله.
والعلم القول الذي عليه دليل معلوم، إما النقل المعصوم أو القول عليه دليل معلوم؛ يعني عالم يجتهد ثم يكون لقوله دليل:
إما منه بأن يتكلم بالدليل، يُعطف كلامه بالدليل وهذا سنستفيد منه في التفسير.
وإما أن يكون الدليل واضحا لكلامه لا يكون كلامه عليه دليل يعلمه العلماء فيقولون دليل ابن عباس مثلا كذا، دليل علي في تفسيره كذا أو في غير التفسير، مثل ما ذكرنا في تفسير ابن عباس لما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وجماعة بأنه كان يقرأ {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127] ، {وَيَذَرَكَ وَإِلَهَتَكَ} ما دليله؟ قال ابن عباس لأنه كان يُعبد ولا يَعبد، واستدل له العلماء بهذا القول من اجتهاد ابن عباس القراءة الصحيحة التي نقلها هو استدلوا لها بقول الله تعالى مخبرا عن قول فرعون {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] .
فإذن العلم بالتفسير:
إما أن يكون نقلا عن معصوم وهذا أن تكون الآية مفسرة بالقرآن، القرآن مفسر بالقرآن، أو القرآن مفسر بالسنة، مثلا آية أُطلق في موضع وبُيِّن في موضع كما قال جل وعلا {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} [النحل: 118] ، ما هو الذي حرم عليهم هو المذكور في آية الأنعام {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] ، وليس المذكور في سورة النساء في قوله {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا} [النساء: 160] ، ذلك لأن هذا كان كالتفسير لما قبله {حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} والأنعام متقدمة على ذلك.
في القرآن إجمال في موضع وبيان في موضع آخر، وهذا كثير، مثلا في قوله تعالى في سورة طه في قصة موسى {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 46] ، فتناك فتونا ما هذا الفتون؟ {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} ما هذه الفتون التي هي جمع فتنة التي فتن بها موسى عليه السلام؟ تبينها قصة موسى بأنواع ما حصل له من الابتلاء، وهذا هو الذي فهمه ابن عباس وساق عليه الحديث المعروف عند أهل التفسير في حديث الفتون الطويل.
المقصود أنّ القرآن قد يجمل في موضع ويبين في موضع، يطلق في موضع يقيد في موضع إلى آخره، هذا علم نقل عن معصوم.
كذلك تفسر السنة القرآن. الإجماع، الإجماع على أن تفسير هذه الآية هو كذا، وهذا سيأتينا له أمثلة إن شاء الله تعالى.
الدليل المعلوم يعني عالم يفسر القرآن باجتهاده؛ لكن دليله له دليل صحيح، تفسيره صحيح عن اجتهاد نعم؛ لكن له دليله لم يخرج عن الأدلة، يعني بمعنى أن قوله ليس باطلا.
القسم الثالث قول ليس بنقل عن معصوم وليس بقول له دليل معلوم، فهذا القسم الثالث ليس من العلم وهو ما يوقف فيه -كما ذكر- ليس معروف بأنه منقود ولا أنه بهرج، يعني لا يعرف أنه صحيح ولا أنه فاسد ليس عليه دليل، لا نعرف دليلا عليه فهذا إذا لم يدل الدليل على بطلانه ينسب إلى قائله دون أن يعتمد عليه، وهذا مهم فيما سيأتينا إن شاء الله تعالى في هذه الرسالة من تفسير. نعم
[المتن]
وَحَاجَةُ الْأُمَّةِ مَاسَّةٌ إلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسُنُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ التَّرْدِيدِ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِر، َ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَمَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ. قَالَ تَعَالَى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه: 123-126] .
وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15-16] .
وَقَالَ تَعَالَى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [إبراهيم: 1-2] .
وَقَدْ كَتَبْتُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ مُخْتَصَرَةً بِحَسَبِ تَيْسِيرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إمْلَاءِ الْفُؤَادِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ.
[الشرح]
هذه الجمل تضمّنت في أولها وصف القرآن بأنواع من الأوصاف معروفة عند العلماء بأنها في حديث علي -يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذه الأوصاف التي سمعتم رُويت عن علي مرفوعة وموقوفة بوصف القرآن بأنه حبل الله المتين وصراطه القويم، من حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى آخره، من تركه من جبار قسمه الله ومن ابتغى العزة في غيره أذله الله، إلى آخره.
والصواب أنها موقوفة على علي ولا يصح رفعها كما صحح ذلك الحفاظ كابن كثير وكشيخ الإسلام وجماعة.
القرآن وُصف بأنه نور وذلك لأن الله جل وعلا هو النور، من الأسماء، من أسماء الله جل وعلا النور وكلامه نور ودينه نور، ولاشك أنّ النور إنّما يكون مع حامله بقدر إفادته منه، ولهذا كان مهما أن نفهم القرآن حتى يعظم النور فليس كل حافظ للقرآن معه ذلك النور؛ بل العالم بالقرآن المهتدي به، الوقّاف عند حدوده، المحل لحلاله، المحرم لحرامه، معه من النور في قلبه وفي بصيرته بقدر ما حَمَل من النور من نور القرآن، ونور القرآن عظيم جدا {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ} وهو النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يهدي إلى النور وهو الإسلام، وجاء بالنور وهو القرآن، فالله جل وعلا النور وكتابه نور ورسوله نور والإسلام دينه نور، {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} [الأنعام: 122] فالنور هنا هو الإسلام.
فإذا كان كذلك وكان الكتاب هو النور، لاشك أنه تعظم الحاجة إلى العناية بتفهيم القرآن وبتفسير القرآن ومعرفة معاني القرآن، حتى إذا تُلي القرآن علم العبد معانيه، ولهذا من جهل الناس بالقرآن وعدم معرفتهم به أنهم ربما سَكَبَت عيونهم الدمعة مرات تلو مرات بغير القرآن وقلما يكون عند تلاوة القرآن.
والله جل وعلا وصف الذين يتلون الكتاب حق التلاوة الذين يعلمون معاني القرآن بأنهم {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] ، القرآن له سلطانه على قلوب محبيه لاشك؛ لكن هذا إنما يكون عند من له فهم في القرآن، له معرفة، له علم به، وبقدر ما عنده وما يفتح الله جل وعلا عليه من أمور الإيمان يوفق إلى ذلك، فسبيل النور هذا والصفة في هذه الآيات التي استدل بها شيخ الإسلام رحمه الله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، إنما يكون بفهم القرآن.
وهذه المقدمة منه تبين لك أن الاهتمام بتفسير القرآن من أهم المهمات، لفهم معاني القرآن، ولا يكون ذلك إلا بفهم أصول التفسير، فإن معرفة معاني القرآن مبنية على مقدمات هي من أصول التفسير في كثير منها.
فأصول التفسير التي سيأتي بيانها يحتاج إليها المتلقي للتفسير والمفسر جميعا.
نختم بهذا ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وأما الأسئلة التي جاءت فنجمعها مرة إن شاء الله ونجيب عليها جميعا.
(( (( (
أعدّ هذه المادّة: سالم الجزائري