الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
[المتن]
فَصْلٌ
[فِي أنّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ]
يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا.
وَ [قَدْ] قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي: حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ كَعُثْمَانِ بْنِ عفان وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا; وَلِهَذَا كَانُوا يَبْقَوْنَ مُدَّةً فِي حِفْظِ السُّورَةِ.
وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ الرَّجُلُ إذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَلَّ فِي أَعْيُنِنَا.
وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حِفْظِ الْبَقَرَةِ عِدَّةَ سِنِينَ قِيلَ: ثَمَانِ سِنِينَ ذَكَرَهُ مَالِكٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]، وَقَالَ:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد: 24]، وَقَالَ:{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] ، وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ بِدُونِ فَهْمِ مَعَانِيهِ لَا يُمْكِنُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] ، وَعَقْلُ الْكَلَامِ مُتَضَمِّنٌ لِفَهْمِه.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ فَهْمُ مَعَانِيهِ دُونَ مُجَرَّدِ أَلْفَاظِهِ فَالْقُرْآنُ أَوْلَى بِذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ كِتَابًا فِي فَنٍّ مِنَ الْعِلْمِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَلَا يَسْتَشْرِحُوهُ فَكَيْفَ بِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِصْمَتُهُمْ وَبِهِ نَجَاتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؟.
وَلِهَذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ [قَلِيلًا] جِدًّا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الصَّحَابَةِ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ.
وَكُلَّمَا كَانَ الْعَصْرُ أَشْرَفَ كَانَ الِاجْتِمَاعُ والائتلاف وَالْعِلْمُ وَالْبَيَانُ فِيهِ أَكْثَرَ، وَمِنْ التَّابِعِينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ التَّفْسِيرِ عَنْ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ: إذَا جَاءَك التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُك بِهِ.
وَلِهَذَا يَعْتَمِدُ عَلَى تَفْسِيرِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي التَّفْسِيرِ يُكَرِّرُ الطُّرُقَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّابِعِينَ تَلَقَّوْا التَّفْسِيرَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَمَا تَلَقَّوْا عَنْهُمْ عِلْمَ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَتَكَلَّمُونَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ كَمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي بَعْضِ السُّنَنِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ. ا. هـ
[الشرح]
الحمد لله، هذه الكلمات اشتملت على مسائل:
الأولى: أن الله جل جلاله أمر عباده أن يتدبروا القرآن فقال {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} وقال {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} ، وهذا فيه حث وأمر لتدبر القرآن، وقال {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} ، ومعلوم أنّ التدبر لا يمكن أن يحصل إلا بفهم المعاني، وفهم معاني القرآن هو التفسير، فتنتج من هذه المقدمات أنّ التفسير مأمور به.
ولهذا تكون عناية أهل العلم بالتفسير بأنه مأمور به في قوله تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] ، فالذي يعرض عن التفسير معناه يعرض عن التدبر؛ لأنه لا يمكن أن يتدبر إلا بعقل المعاني، وعقل المعاني لا يمكن أن يكون إلا بمعرفة أقوال المفسرين في ذلك.
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن للناس معاني القرآن، بينه للصحابة وهم كانوا يأخذون من ذلك ما يحتاجون إليه، فربما كان البيان واقعا عمّا يفهمونه فيكون في مجرى التأكيد، وربما كان البيان عما لا يعلمونه فيكون علما جديدا لا يأخذونه من اللغة، وهذا لاشك وقع كثيرا؛ ولكن المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الأحاديث التي فيها التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلة جدا بالنسبة إلى التفسير المنقول عن الصحابة. (1) وذكر أن الصحابة بينوا لمن بعدهم تفسير القرآن، وتفسيرهم له إنما هو في مجموعة مأخوذ من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يتكلمون في ذلك باجتهاد والاستنباط، وأعظمهم في ذلك عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما فإنه قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلم الكتابة فقال عليه الصلاة والسلام في دعائه له «اللهم علمه الكتابة» وقال «اللهم علمه الحكمة» وقال «اللهم علمه التأويل» ، وهذا مما يعتني به أهل العلم لأن ابن عباس رضي الله عنه ظهرت فيه قوة فهمه بالتفسير، وقد أثني عليه في ذلك ابن مسعود حيث قال ابن مسعود رضي الله عنه: نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس.
(1) انتهى الشريط الأول.
فابن عباس رضي الله عنه كانت له مدرسة في مكة في التفسير، أخذ عنه التفسير جماعة من أصحابه، ومنهم من لازمه في التفسير وأطال الملازمة وهو مجاهد بن جبر أبو الحجاج التابعي الإمام المعروف؛ فإنه عرض على ابن عباس التفسير من القرآن ثلاث مرات يوقفه عند كل آية لا يعلم معناها ويسأله عن معناها، ومن أصحاب ابن عباس من تلامذته في التفسير عطاء بن رباح، ومنهم سعيد بين جبير، ومنهم طاووس بن كيسان اليماني وجماعة، فهؤلاء مدرسة، تلامذة ابن عباس أخذوا التفسير عن ابن عباس، كلهم في الغالب يقولون فيما قال ابن عباس، أو إذا استنبطوا على وفق أصول ابن عباس رضي الله عنهما فيما قال لهم.
أما مجاهد بخصوصه فكما قال شيخ الإسلام هنا ورواه ابن جرير فيما أذكر وغيره أن سفيان الثوري (إذَا جَاءَك التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُك بِهِ) لم؟ لأن مجاهدا عرض القرآن عن ابن عباس عدة مرات فهو في مظنة من حفظ التفسير تماما، وربما فسر القرآن بدون أن يعزوه لابن عباس وربما عزاه لابن عباس.
ولهذا أهل العلم يجعلون الصحيفة الصادقة في التفسير وهي صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يجعلونها أصح المرويات عن ابن عباس في التفسير، وهي التي قال فيها الإمام أحمد رحمه الله تعالى: إن بمصر صحيفة في التفسير عن ابن عباس، لو رحل إليها رجل ما كان كثيرا. وهي ليست بالطويلة اعتمدها البخاري في صحيحه.
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي صحيفة أخذها علي بالوجادة يعني ليس بالسماع؛ لأن علي بن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس، وقال العلماء: علي بن أبي طلحة قد أخذها بالسماع عن مجاهد. قال الحافظ ابن حجر: فإذا علمت الواسطة لم يضر أن تكون وجادة. لأن الذي نقل ذلك عن ابن عباس هو جاهد وعلي بن أبي طلحة يروي هذه الصحيفة عن مجاهد، ولهذا تجد أن ابن جرير أكثر ما يروي عن ابن عباس ما وجد إلى ذلك سبيلا أن يقول في طريق معاوية عن علي عن ابن عباس يعني علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
ومجاهد يعتني به العلماء كثيرا، فإذا وجد من مجاهد وتفسيره موجود مطبوع تفسير مجاهد، إذا وجد عن مجاهد -يعني التفسير المجموع- عن مجاهد التفسير فإنهم يعتمدونه لأنه أصح أو أقوى من يتكلم في التفسير من التابعين وذلك لكثرة ما أخذ عن ابن عباس رضي الله عنه.
إذن نخلص من هذا إلى أن الصحابة ربما اختلفوا في التفسير، وذلك راجع إلى تنوع نظرهم واستنباطهم واستدلالاتهم.
التابعون كذلك ربما اختلفوا، وذكر لك رحمه الله أنه كلما كان الزمن أشرف كان الاجتماع والائتلاف أكثر وأعظم، لأن شرف الزمان بشرف أهله، وإذا عقل أهل الزمان وعلموا فإنهم يكونون أحرص ما يكونون على الاجتماع في الدين وعلى الاجتماع في أمورهم؛ لأن الخلاف في أمور الدين بل وفي الأمور جميعا ليس محمود.
قال: كلما كان الزمن أشرف كان الاجتماع والائتلاف أعظم وأوسع. وهذا خذه فيما بعد ذلك من الزمن، كلما نزل الزمن تجد أن الاختلاف في التفسير يكثر، لهذا يعتد أهل العلم الأثريون في التفسير على تفاسير الصحابة وعلى تفاسير التابعين؛ لأنهم في الغالب يكونون مجتمعين على ذلك.
نعم قد يكون ثم إجماع منهم في بعض الآي وقد يكون ثم اختلاف بينهم، وسيأتي بيان أنواع الاختلاف، وأنواع الاجتماع في ذلك.
وذكر هنا تفسير الإمام أحمد، وهذا تفسير مفقود لا يعلم وقد ذُكر أنه كبير، ذُكر أنه كبير جدا كما ذكر أن الإمام أحمد يكرر الطرق عن مجاهد في تفسيره. هكذا؟ أعد العبارة:
[المتن]
وَلِهَذَا يَعْتَمِدُ عَلَى تَفْسِيرِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي التَّفْسِيرِ يُكَرِّرُ الطُّرُقَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.
[الشرح]
تفسير الإمام أحمد هذا لا نعرف له ذكرا، وقد أنكره بعض العلماء كالذهبي في تذكرة الحفاظ وفي السير أنكر كبره، وابن القيم نقل نقولا كثيرة عنه -يعني عن الإمام أحمد في التفسير- لا أدري هي عن هذا الكتاب أم عن غيره في كتاب بدائع الفوائد. نعم
[المتن]
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّابِعِينَ تَلَقَّوْا التَّفْسِيرَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَمَا تَلَقَّوْا عَنْهُمْ عِلْمَ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَتَكَلَّمُونَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ كَمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي بَعْضِ السُّنَنِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ.
[الشرح]
الاستنباط والاستدلال في التفسير لا يجوز إلا بشروط جمعها أهل العلم في الآتي:
الأول: أن يكون عالما بالقرآن؛ لأنه إن فسر بغير علم بالقرآن ربما جهل أن هذه الآية قد بُينت في موضع آخر قد فسرتها آية أخرى.
الثاني: أن يعلم السنة حتى لا يفسر القرآن بما بعارض السنة.
الثالث: أن يكون عالما بلغة العرب؛ لأنه إذا كان عالما بلغة العرب؛ لأنه إذا كان عالما بلغة العرب أمكنه الاستنباط، وإذا كان غير عالم بلغة العرب في مفرداتها ونحوها وبلاغتها ونحو ذلك لحقه من النقص في التفسير بقدر ذلك، فإن كان يجهل المفردات أصلا وتراكيب الكلام والنظم فإنه لا يجوز له أن يتعاطى التفسير أصلا.
الرابع: أن يكون عالما بأدوات الاجتهاد وآلات العلوم وهي أصول فقه وأصول لغة وأصول الحديث.
أما أصول الفقه فلأن فيه تقرير القواعد أصول التفسير.
واما أصول اللغة فلأن بها معرفة كيف يفسر وعلى مقتضى اللغة، وقد يكون اللفظ له دلالة في اللغة؛ لكنه نقل إما دلالة شرعية أو دلالة عرفية، فإذا لم يعلم ترتيب الحقائق في أصول اللغة لغوية عرفية شرعية دخله الخطأ، وهكذا في أصول اللغة من الاشتقاق ونحو ذلك.
أما أصول الحديث حتى يميز الغلط من الصواب في المنعقول عن الصحابة، لهذا غلّط العلماء الفيروز آبادي صاحب القاموس في كتاب جمعه في التفسير عن ابن عباس وسمّاه تنوير المقباس -بالباء- تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، جمعه من أوْهى الطرق في التفسير عن ابن عباس؛ طريق السُّدِّي الصغير محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي سعيد أو عن ابن صالح عن ابن عباس وهذه طريق أوهى الطرق عن ابن عباس.
فلأجل عدم علمه بأصول الحديث وكيفية إثبات الأسانيد فإنه جهل ذلك ونسب لابن عباس ما هو منه براء.
نعم هاهنا تنبيه مهم وهو أنه ليست قواعد مصطلح الحديث منطبقة دائما على أسانيد المفسرين، لهذا يخطئ كثيرون من المعاصرين في نقدهم لأسانيد التفسير على طريقة نقدهم لأسانيد الحديث؛ بل تجد أحدهم يتعّجب من ابن جرير وابن كثير والبغوي بل ابن أبي حاتم ونحو ذلك من إيرادهم التفاسير عن الصحابة والتابعين بالأسانيد التي هي على طريقة مصطلح الحديث ربما كانت ضعيفة؛ لكنها على طريقة مصطلح الحديث الذي اعتمده المفسرون تكون صحيحة.
مثال ذلك حديث السّدي، السدي صاحب تفسير، له تفسير يفسر باستنباطه ويفسر وينقل عن غيره، يروي التفسير عنه أسباط بن نصر يروي التفسير عنه أسباط بن نصر، السدي فيه ربما كلام، وأسباط بن نصر أيضا فيه كلام ربما ضُعِّف بل جعل ممن اُنتقد على مسلم إيراد حديثه، فيأتي فيقول هذا الإسناد حسن بل ربما يقول هذا ضعيف، وهذا عند العلماء بالتفسير هذا من أجود الأسانيد؛ بل هو أجود أسانيد تفسير السدي، وإن كان أسباط فيه كلام فذلك الكلام فيه في الحديث، أما في العناية بالتفسير فلو به خصوصية خاصة تفسير السدي، وقد نقله عن كتابه وحفظه، ولهذا لما ترجم له العلماء قال راوي تفسير السدي.
مثل علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، يأتي كثيرون يقولون علي بن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس، فهذا منقطع فالتفسير ضعيف، وتفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هذا الذي اعتمده البخاري فيما يعلقه في التفسير عن ابن عباس في صحيحه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر كما ذكرت لكم آنفا أن الواسطة هي مجاهد وهي وجادة يعرف العلماء هذا.
فليست كل قاعدة عند أهل الحديث تطبق على أسانيد المفسرين بل المفسرون لهم في ذلك خصوصيات يعرفها المتحققون بذلك نعم.
نعم إن أصول المصطلح -مصطلح الحديث- تنطق على أسانيد المفسرين إلى حد ما؛ لكن ليست على إطلاقها، أحيانا يكون بعض الأسانيد ضعيفة على طريقة المحدثين لكن مروية من جهة [الشرف] (1) مثل الإسناد المعروف عن ابن عباس الذي فيه: حدثني أبي عن جدي عن عمه عن أبيه عن جده عن ابن عباس، إسناد يكثر في تفسير ابن جرير، وهذا الإسناد وإن كان ضعيفا من جهة ضعف الرجال لجهالة بعضهم وعدم معرفته؛ لكن اعتمده العلماء لأجل أن الغرض من ذكر هذا جهة [الشرف] .
وهذا إلى تفصيل يعني أن يترك الراوي في الرواية عن أبيه وأنهم رووا التفسير دون نظر إلى أنه هل هو ثقة أو غيره فإنهم تلقوا ذلك وتتابعوا عليه.
(1) أو قال: الشرع.
على كل حال هذا المقام له مزيد تفصيل، أيضا من الشروط، الآن نتكلم عن شروط الاستنباط؟ صحيح.
من الشروط أن يكون عالما بتوحيد الله في ربوبيته وفي ألوهيته وأسمائه وصفاته، فإذا كان جاهلا بالتوحيد لم يجز له أن يفسر، فإن فسر كان من أهل الرأي المذموم، ولذلك جُعلت التفاسير المبتدعة جميعا في تفسير آيات الصفات أو التوحيد من التفاسير بالرأي المذموم لأنهم جهلوا الحق في ذلك أو لم يلتزموه.
أضاف بعضهم إلى الشروط -وهو محل تأمل- العلم بأحوال العرب، العلم بأحوال المشركين وأحوال العرب وأمورهم الدينية والاجتماعية وعلاقاتهم ببعضهم البعض ونحو ذلك.
وأضاف بعضهم العلم بأسباب النزول.
وأضاف آخرون العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن هي داخلة فيما مضى بنحو أو بآخر.
نعم، التابعون اجتهدوا والصحابة اجتهدوا لتوفر ذلك فيهم، فاجتهادهم من الاجتهاد المقبول السائغ، وإن حصل من بعضهم اجتهاد عن غير دليل ولا برهان أو يرده الدليل فإنه يُرد عليه، كما رُدّ على مجاهد بعض تفاسيره فإن كان هو مجاهد رد عليه بعض التفسير؛ وذلك في تفسير قوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79] ، فإنه فسر المقام المحمود بإجلاسه عليه الصلاة والسلام على العرش. وهذا وإن كان أهل السنة يُثبتون الخبر عن مجاهد؛ لأن فيه ردا على أهل التجهّم وأنّ أهل التجهم معاندون مخالفون للتابعين -ونحو ذلك مما بيانه في التوحيد- لكن هذه الخصوصية في التفسير لم تُرْوَ إلا عن مجاهد، وإن كان هو الإمام مجاهد بن حبر رحمه الله لكن لم يدل دليل على هذا الاستنباط؛ بل دل الدليل على خلاف قوله من أن المقام المحمود هو الشفاعة العظمى في يوم القيامة.
لهذا نقول الاجتهاد والاستنباط كثير في الصحابة، كثير في التابعين، كثير فيمن بعدهم، ولا يجوز إلا بشروط وإلا خرج إلى التفسير المذموم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
* * *
أعدّ هذه المادّة: سالم الجزائري