الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السادس
بسم الله الرحمن الرحيم
[المتن]
وَمَنْ قَالَ: لَا رَيْبَ لَا شَكَّ. فَهَذَا تَقْرِيبٌ، وَإِلَّا فَالرَّيْبُ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَحَرَكَةٌ، كَمَا قَالَ:«دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» . وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ: مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ. فَقَالَ: «لَا يَرِيبُهُ أَحَدٌ» ، فَكَمَا أَنَّ الْيَقِينَ ضُمِّنَ السُّكُونَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فَالرَّيْبُ ضِدُّهُ ضُمِّنَ الِاضْطِرَابَ وَالْحَرَكَةَ.
وَلَفْظُ (الشَّكِّ) وَإِنْ قِيل: إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ هَذَا الْمَعْنَى; لَكِنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. (1)
وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: ذَلِكَ الْكِتَابُ هَذَا الْقُرْآنُ فَهَذَا تَقْرِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَالْإِشَارَةُ بِجِهَةِ الْحُضُورِ غَيْرُ الْإِشَارَةِ بِجِهَةِ الْبُعْدِ وَالْغَيْبَةِ، وَلَفْظُ (الْكِتَابِ) يَتَضَمَّنُ مِنْ كَوْنِهِ مَكْتُوبًا مَضْمُومًا مَا لَا يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ (الْقُرْآنِ) مِنْ كَوْنِهِ مَقْرُوءًا مُظْهَرًا بَادِيًا.
فَهَذِهِ الْفُرُوقُ مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ:{أَنْ تُبْسَلَ} [الأنعام: 70]، أَيْ تُحْبَسَ وَقَالَ الْآخَرُ: تُرْتَهَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. لَمْ يَكُنْ مِنْ اخْتِلَافِ التَّضَادِّ وَإِنْ كَانَ الْمَحْبُوسُ قَدْ يَكُونُ مُرْتَهَنًا وَقَدْ لَا يَكُونُ إذْ هَذَا تَقْرِيبٌ لِلْمَعْنَى كَمَا تَقَدَّمَ.
(1) انتهى الشريط الثاني.
وَجَمْعُ عِبَارَاتِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا نَافِعٌ جِدًّا؛ فَإِنَّ مَجْمُوعَ عِبَارَاتِهِمْ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ عِبَارَةٍ أَوْ عِبَارَتَيْنِ، وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافٍ مُحَقَّقٍ بَيْنَهُمْ كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ.
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَامَّةَ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ عُمُومُ النَّاسِ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَعْلُومٌ؛ بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ كَمَا فِي عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَمَقَادِيرِ رُكُوعِهَا وَمَوَاقِيتِهَا وَفَرَائِضِ الزَّكَاةِ وَنُصُبِهَا وَتَعْيِينِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْمَوَاقِيتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ثُمَّ [إنَّ] اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَفِي الْمُشَرَّكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ رَيْبًا فِي جُمْهُورِ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ بَلْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ هُوَ عَمُودُ النَّسَبِ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْكَلَالَةِ؛ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَمِنْ نِسَائِهِمْ كَالْأَزْوَاجِ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي الْفَرَائِضِ ثَلَاثَ آيَاتٍ مُفَصَّلَةٍ ذَكَرَ فِي الْأُولَى الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ الْحَاشِيَةَ الَّتِي تَرِثُ بِالْفَرْضِ كَالزَّوْجَيْنِ وَوَلَدِ الْأُمِّ وَفِي الثَّالِثَةِ الْحَاشِيَةَ الْوَارِثَةَ بِالتَّعْصِيبِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَاجْتِمَاعُ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ نَادِرٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
[الشرح]
الحمد لله، هذا تتمة ما سبق الكلام عليه من أسباب اختلاف التنوع الذي يقع في تفاسير السلف رضوان الله عليهم ورحمة الله عليهم، من أسبابه أنّ الكلمة تكون لها معنى أصلي، ويكون لها معنى ضُمِّن فيها يكون التفسير برعاية المعنى المضمن.
مثل ما ذكر في (الريب) فإن (الريب) فُسِّر بأنّه الشك؛ لكن هذا كما قلنا إن الترادف لا يوجد في القرآن؛ بل لا يوجد في اللغة على التحقيق، بمعنى أن الكلمة معناها كلمة أخرى مطابقة دون زيادة كلمة مكان كلمة، نقول: هذا غير موجود.
ولهذا يكون ثم تقريب وإفهام للمعنى بأحسن عبارة تدل عليه.
ففي قوله {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] ، فُسِّر بأنَّ الريب الشك، فسر بأنه الشك اكنهذا كما قلنا إن الترادف لا يوجد في القرآن لا ريب فيه لاشك فيه، وفسر قوله تعالى {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} [البقرة: 22] ، يعني إن كنتم في شك، {وَلَا يَرْتَابَ} [المدثر: 31] ، قال ولا يشك، ونحو ذلك. هذا تقريب لكلمة الريب، فإن الريب هنا شك معه اضطراب وعدم هدوء، اضطراب شديد وعدم هدوء، وهذا زيادة عن معنى الشك.
فيقول هنا: إذا فسّرها بعض السلف بكلمة واحدة، وفسرها آخرون بزيادة عن تلك الكلمة أو بكلمة أخرى، فإنه قد يكون من أسباب ذلك أنه رُعي المعنى المقارب كما فُسِّر الريب بالشك أو رُعي المعنى الذي يكون أكثر قُرْبًا مثل الريب الذي هو الشك الذي فيه تردد واضطراب، أو يكون برعاية ما ضمن بالكلمة من معنى. مثل قولهم {أَنْ تُبْسَلَ} ، يعني أن تحبس، أو {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} [الأنعام: 70] ؛ يعني أن ترتهن النفس بما كسبت، لاشك أن هذا وهذا من باب اختلاف التنوع، وليس من باب اختلاف التضاد.
إذا تقرر هذا فإن اختلاف التنوع الذي ذكره شيخ الإسلام فيما سبق وأطال فيه، هذا له فوائد منها وقد ذكرها:
أن يكون المعنى يشمل ذلك كله؛ يعني يشمل المعنى التقريبي ويشمل المعنى الأكثر قربا ويشمل الكلمة التيس ضمنت فيكون هذا عدة للمفسر، فإن المفسر إذا رأى أن هذه الكلمة فسرت بكذا وفسرت بكذا وفسرت بكذا، فإنه يفسرها بحسب احتياج الناس لما يناسب الكلمة، فإن اختلاف السلف في التفسير يستفيد منه المفسر كثيرا؛ لأنه يكون أحيانا في رحاب بعض تفاسير رعاية لمعنى بعض الأفراد، وفي التفسير الآخر رعاية لمعنى بعض الأفراد، فإذا نُص على هذا الفرق ولم يستفد العموم كان في هذا فائدة للمفسر في التنصيص عليها بخصوصه لحاجته في الإصلاح أو لحاجته في التنبيه أو لغير ذلك من مقاصد المفسرين.
وهذا الذي ذُكر له أمثلة مثل ما ذكر في تفاسير في اختلاف في الفقهيات في الفروع فإن اختلافهم:
قد يكون من اختلاف التضاد وهو الأكثر.
وقد يكون من اختلاف التنوع وهو الأقل.
بعكس التفسير.
التفسير في اختلافهم لتفسير القرآن هذا الأكثر فيه الغالب أنه اختلاف تنوع مثل ما ذكر والأقل بل النادر جدا أن يكون اختلاف تضاد.
ووجود الاختلاف لما ذكر شيخ الإسلام الفقهيات يقول: وجود الاختلاف في الفقهيات بين السلف لا يعني أن لا يؤخذ بقول السلف لما رجح من أقوالهم، كذلك اختلافهم في التفسير لا يعني أن يقال إنهم اختلفوا فلا نأخذ بشيء من أقوالهم؛ بل يرى المفسر بمثل ما رأوا ويأخذ من حيث أخذوا، فإن هذا ليس بصحيح مطلقا بل الأفضل أن تتبع تفاسيرهم؛ لأنهم أهل الدراية بالقرآن، واختلافهم في التفسير لا يعني عدم أخذ أقوالهم في التفسير كما اختلافهم في الفقهيات لا يعني عدم أخذ أقوالهم في الفقهيات؛ بل الأئمة منهم من نزع إلى بعض الأقوال التي اختلف فيها أو التي اختلف إليها الصحابة من الأقوال المختلفة المتضادة، وذلك مصير منهم إلى أنّ الأخذ بأحد الأقوال أنه صحيح؛ لأنه إذا ترجّح عند الإمام ما يُستدل به لذلك القول فإنه يأخذ به.
هذا مع كونها متضادة وهذا هو الأصل فيها، أما الاختلاف في التفسير بين السلف فالأصل فيه أنه اختلاف تنوع، ولهذا يعظم قدره ويتحتّم الأخذ به، ولا ينبغي الخروج عنه في أقوال التفاسير ولأنهم هم أدرى باللسان والبيان والتفسير بالرأي يعني بغير الأثر ذكرنا شروطه فيما سبق.
[المتن]
وَالِاخْتِلَافُ قَدْ يَكُونُ لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ أَوْ الذُهُولِ عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْغَلَطِ فِي فَهْمِ النَّصِّ وَقَدْ يَكُونُ لِاعْتِقَادِ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ فَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّعْرِيفُ بِجُمَلِ الْأَمْرِ دُونَ تَفَاصِيلِهِ.
[الشرح]
هذا الاختلاف في الفقهيات هذه الجملة بينها شيخ الإسلام وفصلها في كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام وهذه جملة أشار بها إلى جماع الأسباب اختلاف الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى أبو حنيفة رحمه الله ومالك رحمه الله والشافعي رحمه الله وأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، هذه أسباب الاختلاف، ولا يريد أنها أسباب اختلاف في التفسير لا أسباب الاختلاف الفقهي. نعم
[المتن]
فَصْلٌ
[فِي نَوْعَيْ الاخْتِلَافِ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْتَنَدِ إِلَى النَّقْلِ وَإِلَى طُرُقِ الاسْتِدْلَالِ]
الِاخْتِلَافُ فِي التَّفْسِيرِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
مِنْهُ مَا مُسْتَنَدُهُ النَّقْلُ فَقَطْ.
وَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
إذْ الْعِلْمُ:
إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ.
وَإِمَّا اسْتِدْلَالٌ مُحَقَّقٌ.
وَالْمَنْقُولُ:
إمَّا عَنْ الْمَعْصُومِ.
وَإِمَّا عَنْ غَيْرِ الْمَعْصُومِ.
[الشرح]
هذه الجملة مر الكلام عليها في أول الرسالة، وأن العلم قسمان:
إما نقل عن معصوم وإما قول عليه دليل معلوم، إما نقل مصدق أو قول محقق، ويعبر عنها شيخ الإسلام في بعض كتبه أو بحث محقق.
يعني أن القول يكتسب الصحة إذا كان عليه دليل معلوم، ويكتسب الصحة إذا كان نقلا عن معصوم، إذا كان القول بنقل مصدق إما من الكتاب أو السنة فهذا اكتسب صوابا وصحة، وإما أن يكون القول صوابه جاء من جهة أنه بحث محقق؛ بحث صاحبه فيه وتوصّل إلى هذه النتيجة وذلك الحكم من طريق بحث محقق مدقق، فهذا أحد طريقي الوصول إلى القول الصحيح.
الآن يأتي إلى تفصيل هذه الجملة. نعم
[المتن]
النَّوْعُ الْأَوَّلُ الخِلَافُ الوَاقِعُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَالْمَقْصُودُ بِأَنَّ جِنْسَ الْمَنْقُولِ - سَوَاءٌ كَانَ عَن الْمَعْصُومِ أَوْ غَيْرِ الْمَعْصُومِ وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ - فَمِنْهُ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَالضَّعِيفِ.
وَمِنْهُ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِيهِ، وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي مِن الْمَنْقُولِ، وَهُوَ مَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى الْجَزْمِ بِالصِّدْقِ مِنْهُ؛ عَامَّتُهُ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ فُضُولِ الْكَلَامِ.
وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ [تعالى] نَصَبَ عَلَى الْحَقِّ فِيهِ دَلِيلًا.
فَمِثَالُ مَا لَا يُفِيدُ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ اخْتِلَافُهُمْ فِي لَوْنِ كَلْبِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ.
وَفِي الْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ قَتِيلُ مُوسَى مِنَ الْبَقَرَةِ.
وَفِي مِقْدَارِ سَفِينَةِ نُوحٍ وَمَا كَانَ خَشَبُهَا.
وَفِي اسْمِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ. وَنَحْوُ ذَلِكَ.
فَهَذِهِ الْأُمُورُ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهَا النَّقْلُ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا مَنْقُولًا نَقْلًا صَحِيحًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَاسْمِ صَاحِبِ مُوسَى أَنَّهُ الْخِضْرُ - فَهَذَا مَعْلُومٌ. (1)
وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، - كَالْمَنْقُولِ عَنْ كَعْبٍ وَوَهْبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَأْخُذُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - فَهَذَا لَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُ وَلَا تَكْذِيبُهُ إلَّا بِحُجَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ فَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِحَقِّ فَتُكَذِّبُوهُ وَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِبَاطِلِ فَتُصَدِّقُوهُ» .
وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَمَتَى اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَقْوَالِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ.
(1) يعني أنه أيضا فيه لفظ في الصحيح أنه الخِضْر؛ لكن المشهور أنه الخَضِر، سُمي بذلك لأنه جلس على حشيشة يابسة بيضاء فاهتزت تحته خضراء، قيل له الْخَضِر لأجل ذلك.
وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى. وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ. وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ صَحِيحُهُ وَلَا تُفِيدُ حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ فِيهِ هُوَ كَالْمَعْرِفَةِ لِمَا يُرْوَى مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
[الشرح]
يريد شيخ الإسلام رحمه الله بما سمعتم أن يبين أن النقل على قسمين؛ يعني الأقوال في التفسير المنقولة على قسمين:
إما أن تكون منقولة عن النّبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لاشك أنه نقل مصدَّق يجب المصير إليه إذا صحّ السند بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإما أن يكون النقل عن الصحابة رضوان الله عليهم وعن التابعين.
فالنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام هذا نقل عن معصوم.
والنقل عن أفراد الصحابة رضوان الله عليهم ليس بنقل عن معصوم؛ بل هو نقل عن غير المعصوم.
ولهذا إذا أجمع الصحابة في التفسير على قولٍ فإنه يصير هذا القول نقلا عن معصوم؛ لأن إجماع الصحابة لا يكون إلا على حق، فلا يجتمعون على ضلالة لإخبار النبي عليه الصلاة والسلام بذلك عن أمته في الحديث الذي قد يكون حسنا بقوله «لا تجتمع أمتي على ضلالة» يعني أنّ إجماع الصحابة مأخوذ به، وهذا نقل الإجماع منه في التفسير في عدة في آيات كثيرة والذي يعتني بهذا كثيرا ابن جرير رحمه الله تعالى يعبّر عن ذلك بقوله يقول وإنما قلنا ذلك لإجماع الحجة من أهل التأويل على هذا.
وما أجمعوا عليه يجب المصير إليه؛ لأنه نقل عن معصوم، والمعصوم ليس هو الصحابة بالنظر إلى أفرادهم وإنما هم الصحابة بالنظر إلى إجماعهم.
القسم الثاني النقل عن أفراد الصحابة وعن أفراد التابعين، فهذا من العلوم أن هؤلاء ليسوا بمعصومين فأقوالهم فيها القوة وفيها الضعف خاصة إذا اختلفوا، فإن بعض الأقوال تجده قوية وبعض الأقوال تجده أضعف، والأكثر في اختلاف الصحابة -كما ذكرنا سالفا- أنه اختلاف تنوع فلا يوصف القول بقوة ولا ضعف، وإنما يقال هؤلاء رأوا الجهة فسروا العام بأحد أفراده، فسروا المشترك بأحد معنييه، فسروا المجمل بما يبينه، فسروا الكلمة بما تضمنته، فسروا الفعل بما عدي به يعني بالتضمين ونحو ذلك من الأنواع التي اختلف ذكرها، وهي أحد أنواع الاختلاف أو هي أنواع اختلاف التنوع الذي جرى عند الصحابة رضوان الله عليهم في تفسيرهم لكلام الله جل وعلا.
أما كلام التابعين فمن المعلوم أنه ليس بقول أحدهم حجة على أحد، كذلك قول أحد التابعين لا يؤخذ حجة مطلقا؛ بل إنما يكتسب القوة إذا كان إما مدللا عليه، وإما أن يكون أخذه عن الصحابي.
ولهذا مجاهد مثلا تميز عن أئمة التفسير بأنه أخذ التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه، ولهذا يعتني أئمة السنة بتفسير مجاهد خاصة ويكثرون نقل تفسير مجاهد ويكثرون الأسانيد عن مجاهد خاصة كما قال سفيان الثوري وغيره: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. يعني يكفيك ذلك وذلك؛ لأن مجاهد عرض التفسير عن ابن عباس ثلاث مرات.
يعني أن تفاسير التابعين ليست بقوية في نفسها؛ بل هي قوية في غيرها.
أما الصحابة فهم أقوياء في التفسير في أنفسهم؛ لأنهم شاهدوا التنزيل، ولأنهم يعلمون معاني اللغة العربية أقوى من غيرهم، ولأن عندهم من العلم بالأحكام الشرعية وبما كان في أحوال العرب وعلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون به قولهم له القدر الذي هو أعظم من أقوال من بعدهم.
بالنسبة إلى التفاسير المنقولة عن أهل الكتاب هذه كثرت في التابعين، إذْ أن طائفة من التابعين ينقلون التفسير عن المفسرين من أهل الكتاب أو عن الذين يحكون قَصص الأولين من أهل الكتاب، كما يذكرون في اسم أو لون كلب أصحاب الكهف وفي أسماء أصحاب الكهف وفي أسماء ملوك القرى ونحو ذلك، وهذه كلها لاشك ليست من المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وإنما هي منقولة عن طائفة من أهل الكتاب كما ينقل ذلك عن محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السير في السيرة وفي غيرها وكما يقوله غيره من المفسرين ومن التابعين أو من تبع التابعين.
تفاسير الصحابة النقل فيها عن بني إسرائيل قليل جدا، وفي الغالب أنهم إذا نقلوا النقل فلا يحمل إذا نقلوا النقل الذي فيه يكون فيه ذكر أمور غيبية لا يحمل أنهم نقلوه عن بتي إسرائيل بل يحمل في الغالب مما استثني يحمل على أنه أخذوه تفقها من القرآن أو مما جاء في السنة أو سمعوه من بعض الصحابة أو نحو ذلك، هذا لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: إذا حدثكم بني إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم.
وإذا ذكروا الشيء كتفسيرٍ للقرآن دون بيان أو دليل على أنه من كلام أهل الكتاب فإن في هذا نوعا من التصديق لهم وهذا فيما لم يرد في شرعنا ذكره.
لكن هذا الكلام الذي قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بالنظر إلى الأقوال التي تجدها في التفاسير ربما كان عليها بعض التحفظ، ذلك لأنك تجد في التفاسير كتفسير ابن جرير وكتفسير ابن كثير وابن أبي حاتم وغير تلك التفاسير تجد النقول عن الصحابة في أشياء أشبه ما تكون بالإسرائيلية، وهذا قد يُقال إنه مما لم يصح السند به عنهم؛ يعني أن المنقول عن الصحابة مما قد يكون من آثار بني إسرائيل فيجاب بأحد الجوابين:
الأول أن يكون مما لم يصح به الإسناد عنهم.
الثاني أن يقال إنهم نقلوا التفسير بالاستنباط أو بما فهموه من القرآن والسنة، ويظن الناس أن هذا عن بني إسرائيل، وهذا كثير من الأقوال التي تنسب لابن عباس خاصة، تجد أنها قد يظن أنها من الإسرائيليات ولكنها من باب الاستنباط؛ من مثل حديث الفُتون، ومن مثل نزول القرآن ليلة القدر جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ونحو ذلك من التفسيرات؛ يعني [طبعا] هذا على من كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
يأتي تفصيل لأقوال التابعين في التفسير، والأقوال التي عليها دليل معلوم، وكيف يمكن استنباط الأدلة في التفسير والاعتناء بذلك، وممن اعتنى به فيما يأتي من هذه الرسالة المباركة إن شاء الله تعالى.
في هذا القدر كفاية، وأسأل الله جل وعلا أن ينفعني وإياكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(( (( (
أعدّ هذه المادّة: سالم الجزائري