المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس السابع بسم الله الرحمن الرحيم [المتن] وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ - شرح مقدمة التفسير لصالح آل الشيخ - جـ ٧

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌الدرس السابع بسم الله الرحمن الرحيم [المتن] وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ

‌الدرس السابع

بسم الله الرحمن الرحيم

[المتن]

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ صَحِيحُهُ وَلَا تُفِيدُ حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ فِيهِ هُوَ كَالْمَعْرِفَةِ لِمَا يُرْوَى مِن الْحَدِيثِ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ فَهَذَا مَوْجُودٌ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَكَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْمَغَازِي أُمُورٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ، وَالنَّقْلُ الصَّحِيحُ يَدْفَعُ ذَلِكَ؛ بَلْ هَذَا مَوْجُودٌ فِيمَا مُسْتَنَدُهُ النَّقْلُ وَفِيمَا قَدْ يُعْرَفُ بِأُمُورِ أُخْرَى غَيْرِ النَّقْلِ.

فَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الدِّينِ قَدْ نَصَبَ اللَّهُ الْأَدِلَّةَ عَلَى بَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ صَحِيحٍ وَغَيْرِهِ.

ص: 1

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي التَّفْسِيرِ أَكْثَرُهُ كَالْمَنْقُولِ فِي الْمَغَازِي وَالْمَلَاحِمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ: التَّفْسِيرُ وَالْمَلَاحِمُ وَالْمَغَازِي. وَيُرْوَى لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ أَيْ إسْنَادٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ مِثْلُ مَا يَذْكُرُهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إسْحَاقَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ والواقدي وَنَحْوِهِمْ فِي الْمَغَازِي.

فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْمَغَازِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَهْلُ الشَّامِ، ثُمَّ أَهْلُ الْعِرَاقِ.

فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَعْلَمُ بِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ. وَأَهْلُ الشَّامِ كَانُوا أَهْلَ غَزْوٍ وَجِهَادٍ فَكَانَ لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِالْجِهَادِ وَالسِّيَرِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا عَظَّمَ النَّاسُ كِتَابَ أَبِي إسْحَاقَ الفزاري الَّذِي صَنَّفَهُ فِي ذَلِكَ وَجَعَلُوا الأوزاعي أَعْلَمَ بِهَذَا الْبَابِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ.

وَأَمَّا التَّفْسِيرُ فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ ; لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمُجَاهِدِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَطَاوُوسِ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَمْثَالِهِمْ.

وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ ذَلِكَ مَا تَمَيَّزُوا بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ.

ص: 2

وَعُلَمَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي التَّفْسِيرِ مِثْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الَّذِي أَخَذَ عَنْهُ مَالِكٌ التَّفْسِيرَ وَأَخَذَهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَخَذَهُ [عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ.

والْمَرَاسِيلُ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهَا وَخَلَتْ عَنْ الْمُوَاطَأَةِ قَصْدًا أَوْ الِاتِّفَاقِ بِغَيْرِ قَصْدٍ كَانَتْ صَحِيحَةً قَطْعًا.

فَإِنَّ النَّقْلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ صِدْقًا مُطَابِقًا لِلْخَبَرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَذِبًا تَعَمَّدَ صَاحِبُهُ الْكَذِبَ أَوْ أَخْطَأَ فِيهِ؛ فَمَتَى سَلِمَ مِنْ الْكَذِبِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ كَانَ صِدْقًا بِلَا رَيْبٍ.

فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ جَاءَ مِنْ جِهَتَيْنِ أَوْ جِهَاتٍ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُخْبِرَيْنِ لَمْ يَتَوَاطَآ عَلَى اخْتِلَاقِهِ وَعُلِمَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا تَقَعُ الْمُوَافَقَةُ فِيهِ اتِّفَاقًا بِلَا قَصْدٍ عُلِمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ.

ص: 3

مِثْلُ شَخْصٍ يُحَدِّثُ عَنْ وَاقِعَةٍ جَرَتْ وَيَذْكُرُ تَفَاصِيلَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَيَأْتِي شَخْصٌ آخَرُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَاطِئْ الْأَوَّلَ فَيَذْكُرُ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ تِلْكَ الْوَاقِعَةَ حَقٌّ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَذَّبَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَتَّفِقْ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَأْتِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِتِلْكَ التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَمْنَعُ الْعَادَةُ اتِّفَاقَ الِاثْنَيْنِ عَلَيْهَا بِلَا مُوَاطَأَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَتَّفِقُ أَنْ يَنْظِمَ بَيْتًا وَيَنْظِمَ الْآخَرُ مِثْلَهُ أَوْ يَكْذِبَ كِذْبَةً وَيَكْذِبَ الْآخَرُ مِثْلَهَا. أَمَّا إذَا أَنْشَأَ قَصِيدَةً طَوِيلَةً ذَاتَ فُنُونٍ عَلَى قَافِيَةٍ وَرَوِيٍّ، فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّ غَيْرَهُ يُنْشِئُ مِثْلَهَا لَفْظًا وَمَعْنًى مَعَ الطُّولِ الْمُفْرِطِ؛ بَلْ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ إذَا حَدَّثَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ فُنُونٌ، وَحَدَّثَ آخَرُ بِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاطَأَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ يَكُونَ الْحَدِيثُ صِدْقًا.

وَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُعْلَمُ صِدْقُ عَامَّةِ مَا تَتَعَدَّدُ جِهَاتُهُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهَا كَافِيًا إمَّا لِإِرْسَالِهِ وَإِمَّا لِضَعْفِ نَاقِلِهِ.

[الشرح]

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

ص: 4

فبعد أن قرّر شيخ الإسلام أن العلم قسمان، إما نقل عن معصوم أو قول عليه دليل معلوم، إما نقل مصدق أو قول محقق يعني محقق بالأدلة، تكلّم على النقل المصدق وصلة ذلك في التفسير، وقال: إن النقل الذي ينقل في التفسير كثير ليس بنقل صحيح. وهذا واقع فإن النقول التي تكون في كتب التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد أو عن الصحابة كثير منها ليس بذي أسانيد جيدة؛ بل إما أن تكون ضعيفة لضعف أحد رواتها أو ضعيفة لجهالة بعض الرواة أو أن تكون ضعيفة بالإرسال أو نحو ذلك.

وبين أن كلمة الإمام احمد في هذا وهي قوله: ثلاثة ليس لها أصول التفسير والملاحم والمغازي. أنها كما رُويت باللفظ الآخر ثلاثة ليس لها إسناد؛ ويعني بالإسناد الإسناد المتصل الذي يعتمد على مثله، وأن أكثر الأسانيد التي نُقلت به تلك الأمور التفسير والمغازي والملاحم أنها أسانيد إما مرسلة وإما غير صحيحة.

ثم ذكر طبقات الناس في العلوم فقال مثلا في المغازي: أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة، ولهذا تكون روايات أهل المدينة في المغازي تكون عند أهل العلم أكثر قدرا من رواية غيرهم، مثل كلام ابن إسحاق ومثل مغازي ابن شهاب الزهري ومثل مغازي عقبة بن نافع ومثل مغازي عروة بن الزبير، ونحو ذلك من المغازي التي جمعت، ثم يليهم في ذلك أهل الشام، ثم يلي أهل الشام في ذلك أهل العراق فكل له خصوصية.

مثل السير: السير أهل الشام أعلم بها، ولهذا قال هنا أن سير الفزاري وهو كتاب جليل في السير مطبوع؛ يعني السير أحوال أحكام الحروب، أحكام المغازي من حيث هي أحكام، لا من حيث هي أخبار، فقال أن أهل الشام في ذلك أقعد؛ لأنهم قريبوا لجنب، الثغور بجنبهم، والروم بجنبهم والكفار قريبون منهم، وهم أهل الجهاد وأهل القتال، فلذلك يحتاجون إلى معرفة أحكام السير أكثر من احتياج غيرهم، ولهذا صار مثل سير الفزاري يعتمد عليها وكذلك مثل سير الأوزاعي نحو ذلك.

ص: 5

التفسير مثل هذه العلوم التي ذُكرت له مدارس من جهة المدن:

من أحسنها مدرسة التفسير بمكة؛ فإنها أقوى المدارس في التفسير، وذلك لأنهم أخذوا التفسير عن ابن عباس، فابن عباس رضي الله عنهما مكث في مكة سنين طويلة منذ أن ترك عيا رضي الله عنه في أواخر خلافته إلى أن توفي ابن عباس أو إلى قريب من وافته كان في مكة، ثم في آخر عمره ذهب إلى الطائف؛ يعني أن مدرسته كانت في مكة قوية في التفسير، وكان يفسر القرآن كثيرا في المسجد الحرام وفي بيته وفي سوقه، ويُسأل عن ذلك وعن أخبار عنه بذلك مروية مسندة في غير ما كتاب.

ولهذا صار أهل مكة تميّزوا بمعرفة التفسير؛ بل أكثر التفسير المسند -يعني المنقول بالأسانيد ليس المسند الاصطلاحي أعني المنقول بالأسانيد- أكثره يكون عن أهل مكة، تجد أنه يروى عن ابن عباس عن مجاهد عن أبي الشعثاء عن طاووس عن عكرمة ونحو ذلك من التفسير أكثر من غيرهم، وأهل العلم يفرحون بالتفسير إن جاء عن أهل مكة؛ لأنهم في الغالب أخذوه عن ابن عباس رضي الله عنه.

يقول: إنّ هذا كله من الأقوال المنقولة. وهذه كلها ليست بمرفوعة، إنما أكثرها يكون موقوفة أو إذا كان مرفوعا كان مرسلا، إذا كان كذلك فليس مجيء الحديث والأسانيد على هذا النحو ليس موجبا لأي منقولة ليست بصدق؛ لأن النقل الصحيح لا يقبل إلا إذا كان نقلا صدق فيه قائله أو القول كان قولا حققه صاحبه.

وهنا تكلم عن الصدق كيف يحصل على الصدق في النقل، الصدق في الإسناد، فذكر أن الصدق يكون بتحقيق الأمرين معا:

أن يحقق أن لا يكون صاحبه تعمد الكذب فيه.

الثاني أن يحقق أن يكون صاحبه لم يخطئ فيه.

لأنه إذا لم يتعمد الكذب ولم يخطئ فليس ثم إلا الثاني يعني أن يكون صادقا فيه.

ص: 6

ثم قال: إن الصدق بهذا المعنى يمكن أن يكون بالنقل المتعدد الذي تكون أفراده غير كافية لإثبات الصدق، ومثّل له برواية مرسلة مثلا رواية في التفسير أو في الحديث أو في الأحكام تكون مرسلة يرسلها سعيد بن المسيب ويأتي ورواية أخرى مثلا في الأحكام يرسلها عامر بن شراحيل الشعبي، ثم مثلا رواية ثالثة في الأحكام يرسلها قتادة، ونحو هؤلاء، فهؤلاء ينظر فيهم هل يقال أنهم تواطؤوا جميعا على هذا؛ يعني اجتمعوا أو اخرجوا هذه الرواية جميعا؟ فإذا كانوا تواطؤوا عليها، هذا يحتمل أن يكون ثم خطأ أو كذب في ذلك، وإما أن يقال أنهم لم يتواطؤوا عليها وهذا هو الظن بهم، ولذلك تكون رواية الشعبي مثلا عاضدة لرواية السعيد بن المسيب، ورواية قتادة عاضدة لرواية الشعبي ورواية سعيد، ويكون الجميع من تحصيل هذه المراسيل: العلم بأن النقل هذا نقل صحيح مصدق؛ لأنه يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب ويستحيل أيضا أن يجتمعوا على خطأ، إلا إذا قيل الثلاثة أخذوا من فك واحد فهذا يكون من الخطأ؛ لأنهم أخذوا عن شخص واحد؛ لكن فإذا كان ما أخذوه متعد مثل الأمثلة التي ذكرته فإن سعيد بن المسيب في المدينة وعامر بن شراحيل الشعبي في الكوفة، وقتادة في البصرة، فيبعد أن يأخذ هذا عن هذا أو يأخذ الجميع عن شخص واحد، فمعنى ذلك أنه يُشعر التعدد بأن النقل مصدق.

وغالب ما يكون التفسير لا تكون أسانيده في تلك القوة، فتجد الأسانيد ضعيفة، فمثلا الذي ينظر فيما ذكرت لكم من قبل لا يُنظر إلى أسانيد التفسير من جنس النظر إلى أسانيد الحديث؛ لأن أسانيد التفسير مبناها على المسامحة وأن بعضها يعضد بعضها إذا ترجّح عند الناظر أن النقل ليس فيه خطأ ولا تعمد كذب.

ص: 7

فإننا نجد رواية عن ابن عباس بإسناد ضعيف أو مجهول رواية أخرى عن ابن عباس بإسناد ضعيف أو مجهول، فنحمل هذه على هذه سيما إذا تعددت المخارج عن ابن عباس وكانت الطرق غير صحيحة يعضد هذا هذا، وكذلك عن التابعين وكذلك الأعظم عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كانت مرسلة من وجه ومرسلة من وجه آخر، فإننا نعضد هذه بتلك يعني أن التفسير فيه مسامحة، والفقهاء كثير منهم يجعلون المراسيل يقوي بعضها بعضا إذا تعددت مخارجها، إذا تعددت المخارج فبعضها بقوي بعضا، وهذا هو الصحيح الذي عليه عمل الفقهاء وعمل الأئمة الذين احتاجوا إلى الروايات المرسلة في الأحكام والاستنباط.

إذن فهذا القسم الأول، وهو أن يكون النقل عن معصوم، يكون النقل مصدقا، إذا كان النقل مصدقا صح، والنقل المصدق لا تنظر إليه كنظرك المصدق إلى الحديث، لا، التفسير فيه نوع تسامح؛ لأنه يكفي فيه ما ذكر أن يظن عدم تعمد الكذب وعدم وقوع الخطأ ولا يشدد فيه التشدد في الأحكام. هذا باب واسع.

[المتن]

لَكِنْ مِثْلُ هَذَا لَا تُضْبَطُ بِهِ الْأَلْفَاظُ وَالدَّقَائِقُ الَّتِي لَا تُعْلَمُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ فَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى طَرِيقٍ يَثْبُتُ بِهَا مِثْلُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَالدَّقَائِقِ؛ وَلِهَذَا ثَبَتَتْ بِالتَّوَاتُرِ غَزْوَةُ بَدْرٍ بِالتَّوَاتَر وَأَنَّهَا قَبْلَ أُحُدٍ بَلْ يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ حَمْزَةَ وَعَلِيًّا وَعُبَيْدَةَ بَرَزُوا إلَى عُتْبة وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ، وَأَنَّ عَلِيًّا قَتَلَ الْوَلِيدَ وَأَنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ قَرْنَهُ ثُمَّ يُشَكُّ فِي قَرْنِهِ هَلْ هُوَ عتبة أَوْ شَيْبَةُ.

وَهَذَا الْأَصْلُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ فَإِنَّهُ أَصْلٌ نَافِعٌ فِي الْجَزْمِ بِكَثِيرِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَمَا يُنْقَلُ مِنْ أَقْوَالِ النَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

ص: 8

وَلِهَذَا إذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَجْهَيْنِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَنْ الْآخَرِ جُزِمَ بِأَنَّهُ حَقٌّ، لَا سِيَّمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ نَقَلَتَهُ لَيْسُوا مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ وَإِنَّمَا يُخَافُ عَلَى أَحَدِهِمْ النِّسْيَانُ وَالْغَلَطُ.

فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ الصَّحَابَةَ كَابْنِ مَسْعُودٍ وأبيّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُمْ كَمَا يَعْلَمُ الرَّجُلُ مِنْ حَالِ مَنْ جَرَّبَهُ وَخَبَرَهُ خِبْرَةً بَاطِنَةً طَوِيلَةً أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَسْرِقُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَيَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيَشْهَدُ الزُّورَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ مِثْلَ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ وَالْأَعْرَجِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَمْثَالِهِمْ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِي الْحَدِيثِ فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُمْ مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سيرين أَوْالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَوْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَوْ عُبَيْدَةَ السلماني أَوْ عَلْقَمَةَ أَوْ الْأَسْوَدِ أَوْ نَحْوِهِمْ.

ص: 9

وَإِنَّمَا يُخَافُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْغَلَطِ؛ فَإِنَّ الْغَلَطَ وَالنِّسْيَانَ كَثِيرًا مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ وَمِنْ الْحُفَّاظِ مَنْ قَدْ عَرَفَ النَّاسُ بُعْدَهُ عَنْ ذَلِكَ جِدًّا كَمَا عَرَفُوا حَالَ الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ وقتادة وَالثَّوْرِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ لَا سِيَّمَا الزُّهْرِيُّ فِي زَمَانِهِ وَالثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: إنَّ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَلَطٌ مَعَ كَثْرَةِ حَدِيثِهِ وَسَعَةِ حِفْظِهِ.

والْمَقْصُودُ أَنَّ الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ إذَا رُوِيَ مَثَلًا مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ غَلَطًا كَمَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا; فَإِنَّ الْغَلَطَ لَا يَكُونُ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِهَا فَإِذَا رَوَى هَذَا قِصَّةً طَوِيلَةً مُتَنَوِّعَةً وَرَوَاهَا الْآخَرُ مِثْلَمَا رَوَاهَا الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ امْتَنَعَ الْغَلَطُ فِي جَمِيعِهَا كَمَا امْتَنَعَ الْكَذِبُ فِي جَمِيعِهَا مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ.

وَلِهَذَا إنَّمَا يَقَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي بَعْضِ مَا جَرَى فِي الْقِصَّةِ مِثْلِ حَدِيثِ اشْتِرَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْبَعِيرَ مِنْ جَابِرٍ؛ فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ طُرُقَهُ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ.

ص: 10

وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَإِنَّ جُمْهُورَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِمَّا يُقْطَعُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَهُ مِنْ هَذَا النَّحْوِ; وَلِأَنَّهُ قَدْ تَلَقَّاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى خَطَأٍ؛ فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ كَذِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ; وَالْأُمَّةُ مُصَدِّقَةٌ لَهُ قَابِلَةٌ لَهُ لَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَصْدِيقِ مَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ..

[الشرح]

ص: 11

هذا بحث استطرادي ليس بصلة قوية بأصول التفسير، وإنما يريد منه تقرير ما ذكر سابقا من معنى النقل المصدق وأنه قد يعرض عن النقل المصدق الخطأ؛ يعني ثم احتمال الخطأ في رواية الراوي الذي يروي التفسير لا يعني أنّ تفسيره غير مقبول؛ لأن الذي يُرد أن يكون ممن تعمد الكذب وأكثر الذين يروون التفسير فإنهم لا يتعمدون الكذب خاصة من الصحابة فالتابعين، فكثير من تبع التابعين، هؤلاء لا يتعمدون الكذب، أما الخطأ فقد يجوز على أحدهم أن يخطئ، والخطأ والنسيان عرضة لابن آدم؛ لكن هذا الخطأ والنسيان في القصص الطوال، إذا نقل تابعي قصة طويلة في التفسير أو صحابي نقلها ثم نقلها الآخر، فإن العلم بحصول أصل هذه القصة يحصل باتفاق النقلين؛ لكن قد تختلف ألفاظ هذا وألفاظ هذا فيكون البحث في بعض الألفاظ، من جهة الترجيح؛ يعني هل يرجح هذا على هذا إذا اختلفت الروايتان، أما أصل القصة فقد اجتمعوا عليه، مثل ما ذكر من المثال في قصة بيع جابر جمله على النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الرواية وما فيها من الاختلاف من حيث الشروط والألفاظ وبعضها مطولة وبعضها مختصرة، عند أهل العلم هذه الحادثة معلومة يقينا أن جابرا باع جمله على النبي صلى الله عليه وسلم (1) بثمن، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى المدينة ردّ عليه الجمل والثمن، وهذا علم حصل لأن من نقلها كثير، وتفاصيل القصة اختلفوا فيها.

(1) انتهى الوجه الأول من الشريط الثالث.

ص: 12

فإذن يريد أن الاختلاف في بعض الألفاظ في الأحاديث الطوال لا يعني أن أصل القصة غير صحيح؛ بل كثير من القصص الطوال التي اشتمل عليها أكثر من واحد في النقل في التفسير وفي غيره، فهذا يشعر بأن أصل القصة واقع وصحيح لأنهم لا يجتمعون على الكذب بيقين، ثم إن الخطأ يبعد أن يتفق اثنان في خطإ لم يتواطأ عليه ولم يجتمع عليه، هذا يخطئ وهذا يخطئ في نفس المسألة وفي نفس اللفظة، هذا بعيد، قصة كاملة هذا يخطئ فيها وهدا يخطئ فيها من أصلها قد يخطئ بعضهم في بعض الألفاظ هذا وارد، ولهذا يؤخذ تما اجتمعوا عليه، وأما ما اختلفوا فيه فيطلب ترجيحه من جهة أخرى، وهذا كثير من جهة النقل.

نقف عند هذا.

[الأسئلة]

س 1/ هنا السؤال يقول: حبذا لو كان درس التفسير متأخر لدرس الأصول؛ أصول التفسير متقدم.

ج/ طيب إذن إن شاء الله من الأسبوع القادم يكون درس أصول التفسير هو الأول، ويكون درس التفسير بعده، وذلك لاقتراح ورد؛ لأن ما بين الأذان والإقامة يكثر من يريدون سماع التفسير، أما أصول التفسير فهو للمتخصصين كما ذكر، وهو اقتراح وجيه بارك الله في الجميع.

س2/ هنا سؤال يقول: ما الفرق بين الأحكام والتفسير مع أن التفسير يحتوي على مسائل الاعتقاد والأحكام؟ نأمل المزيد من الإيضاح.

ج/ لا، المقصود من التفسير إذا أُطلق ما لا يدخل فيه الأحكام؛ لأن استنباط آيات الأحكام، استنباط الأحكام من الآيات هذا ليس داخلا في مطلق التفسير؛ يعني إذا أطلقنا التفسير فلا نريد منه فقط آيات الأحكام، آيات الأحكام أو آيات العقائد النقل فيها يحتاج إلى النقل المتبع المعروف في الأحكام وفي العقائد؛ ولكن أكثر التفسير يكون تفسيرا للألفاظ ليس تفسيرا للأحكام أو تفسيرا للعقائد، التفسير للألفاظ.

هذا التفسير للألفاظ ما مرجعه؟

ص: 13

أقوى مرجع له النقل، اللغة مرجع نعم، والنقل نقل الصحابة أو نقل التابعين الذين هم أول الناس لمعرفة اللغة لأجل عدم فشو اللحن بينهم، وقبل فشو اللحن هذا هو المعتمد.

هنا في هذه التفاسير ما الراجح؟

مثل ما مرّ معنا من خلافهم في القرية هل هي أنطاكية أو غيرها؟ هل المرسلون ممن أرسلهم المسيح أو أرسلهم الله جل وعلا؟ هذا خلاف بين السلف في التفسير، هذا الخلاف هو الذي نتكلم عليه، لأنه يرجع إلى دلالة اللفظ دلالة الألفاظ القرآن.

أما آيات الأحكام لاشك أن استنباط الأحكام من الآيات أو استنباط العقائد من آيات العقائد هذا إما أن يؤخذ بظاهرها يعني بدون ضميمة أدلة أخرى من السنة، أو أن تكون محتاجة في بيانها لأدلة من السنة وهذا لابد فيه من رعاية قواعد الأسانيد في العقيدة والأحكام. نعم.

س3/ هو يسأل عن التفسير والمغازي والملاحم؟

ج/ التفسير معروف.

المغازي ما حصل من غزوات للنبي عليه الصلاة والسلام وللصحابة من الفتوح أو غيرها.

والملاحم ما يكون في آخر الزمان أو ما يكون في الأزمة المتوالية من حصول المقاتل العظيمة، هذه جاءت بها أحاديث كثيرة لكن أكثرها ليس لها أصول؛ يعني فيها تسمّح في النقل.

نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

(( (( (

أعدّ هذه المادّة: سالم الجزائري

ص: 14