المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: في الإيمان - شرح مقدمة سنن ابن ماجه - جـ ٨

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: في الإيمان

‌باب: في الإيمان

حدثنا علي بن محمد الطنافسي قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون أو سبعون باباً، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله، والحياء شعبة من الإيمان)).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان ح وحدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا جرير عن سهيل جميعاً عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء، فقال:((إن الحياء شعبة من الإيمان)).

حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا سعيد بن مسلمة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)).

ص: 16

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خلص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار! فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل)) قال أبو سعيد: فمن لم يصدق هذا فليقرأ: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [(40) سورة النساء].

حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا حماد بن نجيح وكان ثقة عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً".

حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا علي بن نزار عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من هذه الأمة ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: في الإيمان

ص: 17

وبقية المؤلفين في السنة يجعلون الإيمان كتاب، كتاب مستقل، يفتتحون به الكتب، فالبخاري مفتتح بعد بدء الوحي الذي هو كالمقدمة للكتاب؛ لأن الكتاب موضوعه وحي السنة {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] ثم بعد ذلك بعد هذا الذي هو كالمقدمة لأنه ليس بكتاب، بدء الوحي ليس بكتاب، كالمقدمة للكتاب، ابتدأ البخاري بعد ذلك بكتاب الإيمان، ومسلم بعد المقدمة بدأ بكتاب الإيمان، وابن ماجه رحمه الله قال: باب في الإيمان، والمسألة اصطلاح، لكن الإيمان شأنه عظيم، ينبغي أن يفرد بكتاب تام لا يلحق بغيره، والإيمان مرتبة من مراتب الدين كما سيأتي في حديث جبريل حينما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان، ويأتي بيانه وبيان أركانه -إن شاء الله تعالى-.

والأصل في الإيمان أنه التصديق {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا} [(17) سورة يوسف] أي مصدق، هذه حقيقته اللغوية، والشرع إذا جاء بحقيقة شرعية فإنه لا يلغي الحقيقة اللغوية وإنما يزيد عليها، يزيد عليها قيود تناسبه، كما هو الشأن في الصلاة والزكاة وغيرها، فالصلاة في اللغة: الدعاء، والصلاة في الشرع: دعاء وزيادة، الزكاة في اللغة: النماء، والزكاة الشرعية نماء وزيادة، وهكذا، والصوم في اللغة: الإمساك، وهو في الشرع إمساك من نوع مخصوص، ويأتي تعريفه في حديث جبريل -إن شاء الله تعالى-.

قال رحمه الله: "حدثنا علي بن محمد الطنافسي" الطنافسي الطنافس: جمع طنفسة، والنسبة إلى الجمع عند أهل العلم شاذة، يعني إذا أردت أن تنسب إلى جمع ترده إلى مفرده، اللهم إلا إذا كان الجمع أشهر من المفرد، كما في الأنصار، نعم تقول: أنصاري، الأنصار جمع ناصر، فلما كانت النسبة إلى الجمع أو كان الجمع أشهر من المفرد نسب إليه.

ص: 18

قال: "حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة" كم عدد الرواة؟ السند سباعي، فهو نازل "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون أو سبعون)) " على الشك؛ لأنه جاء في البخاري: ((بضع وستون)) وجاء في مسلم: ((بضع وسبعون)) فالبخاري من شدة تحريه واحتياطه أخذ بالأقل، وترجح عند مسلم:((الإيمان بضع وسبعون)) وهنا جاء على التردد بين الستين والسبعين.

ص: 19

((باباً أدناها)) يعني الإيمان أبواب، تبلغ هذه العدة، أدناها وأقلها شأناً وأقلها مقداراً ((إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله، والحياء شعبة من الإيمان)) أرفعها وأعلاها قول: لا إله إلا الله، كلمة التوحيد التي بها يعصم الدم والمال، وبها يدخل في الدين، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان، من هذه الشعب، وهذه الأبواب وهذه الشعب التي تبلغ هذه العدة بضع ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى السبع كما قال بعضهم هذه الأبواب وهذه الشعب لم يأتِ بيانها بخبر ملزم، يعني بالتحديد، يعني ما ألحق بهذا الحديث من طريق صحيح حصر لهذه الشعب، وإن كان العلماء التمسوا وتحروا ما جاء وصفه بكونه من الإيمان في نصوص الكتاب والسنة، فجمعوا هذه العدة، وللبيهقي كتاب اسمه: شعب الإيمان، ولأبي عبد الله الحليمي قبل البيهقي كتاب اسمه: المنهاج في شعب الإيمان، يحرصون على أن يجمعوا مثل هذه التي جاءت الإشارة إليها، كما هو الشأن في الأسماء الحسنى مثلاً:((إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة)) ولم يأتِ في خبر صحيح إحصاء هذه التسعة والتسعين، مع أنها الأسماء الحسنى أكثر بدليل قوله عليه الصلاة والسلام:((أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) فجمعوا الأسماء الحسنى اجتهدوا، فأثبتوا ما صح عن الله وعن نبيه عليه الصلاة والسلام فيما سمى الله به نفسه، فصنفوا في الأسماء الحسنى، وحرصوا أن تكون العدة موافقة لهذا العدد، وجاء عند الترمذي بيان هذه الأسماء ملحقة بالحديث الصحيح:((إن لله تسعة وتسعين اسماً)) في البخاري وغيره، لكن تعداد الأسماء ضعيف، وأبو حاتم ابن حبان له جزء مفرد جمع فيه شعب الإيمان التي معنا، وحرص أن تكون من الكتاب والسنة مما وصف بكونه من الإيمان، فبلغت هذه العدة التي جاءت في هذا الحديث بضع وستون أو بضع وسبعون، و (أو) هنا للشك، في البخاري: الستين، وفي مسلم: السبعين.

ص: 20

((باباً، أدناها إماطة الأذى عن الطريق)) يعني أقلها شأناً ومقداراً وأقلها أجراً إماطة الأذى عن الطريق، يعني تجد في الطريق شيء يؤذي الناس إما غصن شجرة، أو زجاج أو أي شيء يؤذي الناس فتميطه، وإذا كانت إماطته من الإيمان فوضعه مجانب ومخالف للإيمان، قدح في إيمان الشخص، وبعض الناس يعمد إلى هذه القوارير من الزجاج فيكسرها في طريق الناس، لكن غالب من يفعل هذا السفهاء والجهال من الصغار فلو فعله كبير أثم، وقل مثل هذا فيما يؤذي الناس من البول في طريقهم مثلاً، لا يجوز، وقد جاء التنصيص عليه:((اتقوا الملاعن الثلاثة)) وقل مثل هذا في كل ما يؤذي الناس، إذا كانت السيارة كما يوجد في السيارات القديمة ينزل منها شيء يؤذي الناس، يؤذي المارة زيت مثلاً، تجد كل يوم نازل بقعة عند بابه، وإذا قدم يمين تنزل بقعة، وإن أخر يسار، إن صار على الجهة اليمنى مثل، إن وقف على الجهة اليسرى مثل، هذا لا شك أنه أذى للناس، فهو قادح، وقل مثل هذا في الذي يترك البيارة بعد أن تفيض يتركها تسيل في الشارع في السوق بحيث يتنجس الناس ممن يمر بهذا السوق، هذا لا يجوز بحال، كالبول في الطريق الذي جاء اللعن عليه -نسأل الله السلامة والعافية-، فإماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، وهو صدقة يتصدق بها الإنسان على نفسه، فيصبح على كل سلامى منكم صدقة، السلامى المفاصل، وفي الإنسان ثلاثمائة وستون مفصل، يحتاج كل مفصل إلى صدقة، شكر على هذه النعمة، يعني يتصور الإنسان أن أصبعه لا ينثني الآن الأصبع هذه فيها ثلاث مفاصل، نعم ثلاث عقد، يعني ثلاث مفاصل، وينثني وتستفيد منه، لكن أنت افترض أن عندك هذا الإصبع الصغير لا ينثني، لتتبين نعم الله عليك، والله تتأذى به هذا ما تحسب له حساب، لو كان الإصبع ما ينثني واقف، فضلاً عن اليد كونها كلها واقفة، يعني نعم نتقلب بها لا نحسب لها حساب، وكل نعمة من هذه النعم تحتاج إلى شكر، وشكرها بعدد الصدقات التي تكون في مقابلها، على الإنسان ثلاثمائة وستين صدقة في كل يوم، لكن الله -جل وعلا- رؤوف رحيم، رحيم بخلقه، جعل كلمة سبحان الله عن صدقة، تقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة مائة صدقة، تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله

ص: 21

إلا الله خير عظيم، تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنتهي، فمن يكون يجعل مع ورده ما ثبت من الأذكار يكون قد أدى هذه الصدقات، يعني يكون مع ورده وأذكار الصباح والمساء مثلاً: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، يحصل له الأجر الثابت في هذا الخبر، وأنها حرز من الشيطان، ويحط عنه مائة سيئة، ويرفع بها مائة درجة

إلى آخره، ومع ذلك تحسم من الصدقات، إذا قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، ونزل عنه مائة من الصدقات، وإذا استغفر الله مائة مرة وفعل وكذا، يعني يثبت ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام بحيث لا ينساه، أما أن يعرف أن النبي عليه الصلاة والسلام حث على الاستغفار وعلى التسبيح وعلى التهليل ويتركه مطلقاً ينساه، بينما إذا ربطه بأذكار الصباح والمساء لا سيما من جاء فيه النص:((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة)) حصل له ما حصل، فهذه إذا قيلت في أول النهار صارت حرز من الشيطان إلى آخره، فمثل هذه الأذكار يحرص عليها ليبرأ من عهدة هذه الصدقات، ويشكر هذه النعم، فهذه أمور لا بد منها، ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، يعني يجزئ عن هذه الصدقات ركعتان تركعهما في الضحى، وجاء الحث على صلاة الضحى في أحاديث يوصي بها النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه، ويقولون: أوصانا خليلنا عليه الصلاة والسلام يقول أبو هريرة وأبو الدرداء وأبو ذر: أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث، ما هذه الثلاث؟ هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم صيام ثلاثة أيام من كل شهر، نعم؟ وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، فهذه وصيته عليه الصلاة والسلام لأصحابه، وركعتا الضحى سنة، وإذا كانت تجزئ عن هذه الصدقات الكثيرة فعلى المسلم أن يحرص عليها.

ص: 22

((أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله)) فدل على أن في الإيمان الأعلى والأدنى، فمن كملت له هذه الخصال كمل إيمانه، ومن نقصت نقص بقدرها، فالإيمان يزيد وينقص عند أهل السنة تبعاً لاستكمال شعبه وأجزائه يكمل، وتبعاً للإخلال بشيء منها ينقص.

((والحياء شعبة من الإيمان)) ((والحياء خير كله)) و ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) لكن المقصود به الحياء الخلق الذي يبعث على الانكفاف عما يذم به الإنسان، هذا هو الحياء النافع الذي يكف بسببه عما يعاب به، أما ما يسمى في العرف حياء مما يمنع من أداء ما أوجب الله -جل وعلا- من أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتعليم علم، وما أشبه ذلك، فإن هذا مذموم، ولا يسمى حياء، بل هو خور وخجل، وإن سماه بعضهم حياءً، والحياء شعبة من شعب الإيمان.

نقف على الحديث الثاني.

اللهم صل على محمد

ص: 23