الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح نخبة الفكر (10)
شرح قول المصنف: "فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول العلو المطلق، والثاني النسبي، وفيه الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، وفيه البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك، وفيه المساواة وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف، ويقابل العلو بأقسامه النزول فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج، وإن روى عمن دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء، وفي عكسه كثرة، ومنه من روى عن أبيه عن جده وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو السابق واللاحق، وإن جحد الشيخ مرويه جزماً رد أو احتمالاً قبل في الأصح، وفيه من حدث ونسي، وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل، وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم عن ونحوها، فالأولان: لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع: لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فكالخامس، والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كـ (عن)، وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، وقيل: يشترط ثبوت لقائمها ولو مرة وهو المختار، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفع أنواع الإجازة، وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك .. "
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
عمره مائة سنة وقامته قصيرة هل تقول: جاء الطويل القصير؟ وأن تنظر إليه من زاويتين إلى قامته فتقول: القصير، وإلى عمره فتقول: الطويل، لا شك أن هذا تنافر لفظي مثله مثلما تقول: المتصل المقطوع، هذا تنافر لفظي، فمنهم من يمنع إطلاق المتصل على المقطوع الذي أضيف إلى التابعي فمن دونه لوجود هذا التنافر ومنهم من ينظر إليه مع انفكاك الجهة، فيقول: لا مانع من أن يقال: هو مقطوع باعتبار الإضافة إلى التابعي فمن دونه، وهو متصل باعتبار أن إسناده ليس فيه انقطاع.
قال الحافظ رحمه الله: "ويقال للأخيرين: الأثر" يعني أنه يقال للأخيرين -وهما الموقوف والمقطوع-: الأثر، وهو في الأصل ما ظهر على الأرض من مشي الشخص، وهو في الأصل ما ظهر على الأرض من مشي الشخص، قال زهير:
والمرء ما عاش ممدود له أثرُ
…
لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثرُ
قال ابن الصلاح: "وهو موجود في اصطلاح الفقهاء الخرسانيين"، تعريف الموقوف بالأثر، قال أبو القاسم الفوراني:"منهم الفقهاء يقولون: الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم وقد وجد ذلك في كلام الأئمة كثيراً، ففي الرسالة للإمام الشافعي: وجهة العلم الكتاب والسنة والآثار"، وقال في الرسالة أيضاً:"وأما القياس فإنما أخذناه استدلالاً بالكتاب والسنة والآثار" وظاهر تسمية الإمام البيهقي كتابه المشتمل على الأنواع الثلاثة معرفة السنن والآثار، ومثله تسمية الطحاوي كتابيه:(شرح معاني الآثار) و (مشكل الآثار) يؤيد ما رآه المحدثون، كما عزاه إليهم النووي من إطلاق الأثر على الموقوف والمرفوع، فالأثر شامل لما يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام، وما يروى عن الصحابة والتابعين، ويؤيده انتساب بعض المحدثين إلى الأثر كالحافظ العراقي يقول:
يقول راجي ربّه المقتدرِ
…
عبد الرّحيم بن الحسين الأثري
وفي الجامع للخطيب البغدادي من حديث عبد الرحيم بن حبيب الفاريابي عن صالح بن بيان عن أسد بن سعيد الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعاً: ((ما جاء عن الله فهو فريضة، وما جاء عني فهو حتم وفريضة، وما جاء عن أصحابي فهو سنة، وما جاء عن أتباعي فهو أثر، وما جاء عن من دونهم فهو بدعة)) والخبر باطل لا أصل له، والفاريابي هذا رمي بالوضع.
والمسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، المسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، المسند: مبتدأ خبره مرفوع صحابي أي ما رفعه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسند ظاهره الاتصال بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله عن من فوقه بطريق معتبر، قال ابن حجر:"فقولي مرفوع كالجنس"، مرفوع كالجنس، يعني يشمل المحدود وغير المحدود، "وقولي صحابي كالفصل يخرج ما رفعه التابعي فإنه مرسل" يعني وليس بمسند، أو من دونه فإنه معضل أو معلق، وقولي:"ظاهره الاتصال، يخرج ما ظاهره الانقطاع، ويدخل فيه الاحتمال وما يوجد فيه حقيقة الاتصال من باب أولى".
ويفهم من التقييد بالظهور أن الانقطاع الخفي كعنعنة المدلس والمعاصر الذي لم يثبت له اللقاء لا يخرج الحديث عن كونه مسنداً لإطباق الأئمة الذين خرجوا المسانيد على ذلك، وهذا التعريف موافق لتعريف الحاكم فإنه قال في المعرفة:"المسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه وكذا شيخه عن شيخه متصلاً إلى صحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" فعلى هذا يشترط لتسمية الخبر مسنداً الرفع مع الاتصال، وذهب ابن عبد البر في التمهيد إلى أن المسند المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، المسند المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقد يكون متصلاً كمالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو منقطعاً كمالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو وإن كان منقطعاً لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس فهو مسند؛ لأنه قد أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالمسند والمرفوع شيء واحد، والانقطاع يدخل عليهما جميعاً، ويلزم من ذلك شموله المرسل والمعضل، قال ابن حجر في النكت:"وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلة بين المرسل والمسند فيقولون: أسنده فلان وأرسله فلان"، وذهب الخطيب إلى أن المسند ما اتصل إسناده ولو كان موقوفاً على الصحابي أو غيره، وقد عزاه في الكفاية لأهل الحديث، ثم قال:"إلا أن أكثر استعمالهم له فيما أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة".
على هذا يكون المسند فيه ثلاثة أقوال:
المسند المرفوع، المسند هو المرفوع سواءً كان متصل أو منقطع، ما رفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام دون ما يضاف إلى غيره، سواءً كان متصلاً أو منقطعاً، وهذا قول ابن عبد البر، أو هو المرفوع مع الاتصال، وهذا ما يراه الحاكم، والمرفوع إذا كان متصلاً، والمرفوع إذا كان متصلاً وهو قول الحاكم، ابن عبد البر يرى أن المسند هو المرفوع سواءً كان متصلاً أو منقطعاً، والخطيب يرى أن المسند ما اتصل إسناده، سواءً كان مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو موقوفاً على غيره، قال الحافظ العراقي:
والمسند المرفوع أو ما قد وصل
…
لو مع وقف وهو في هذا يقل
والثالث الرّفع مع الوصل معا
…
شرط به (الحاكم) فيه قطعا
سم.
"فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم" وصحبه وصحبه إن أضفت الآل فأضف الصحب، ذكرنا سابقاً أن الاقتصار على النبي صلى الله عليه وسلم يتأدى به الطلب في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] فإذا اقتصرنا فلنقتصر على النبي عليه الصلاة والسلام، وإن أضفنا الآل فلنضف الصحب؛ لأن الآل أوصى بهم النبي عليه الصلاة والسلام، كما في الأحاديث الصحيحة، والصحب لهم حق على الأمة فمن طريقهم وصلنا الدين، وهم الذين نصروا الدين، وهم الذين نشروه، وهم الذين حفظوه، وهم الذين أدوه وبلغوه، فإذا زدنا على النبي عليه الصلاة والسلام الآل فلنضف الصحب، لا سيما وأن الاقتصار على الآل صار شعاراً لبعض طوائف المبتدعة كالروافض، فلا نقتصر على الآل دون الأصحاب، كما أننا لا نقتصر على الأصحاب دون الآل؛ لأنه صار شعاراً لقوم آخرين من المبتدعة كالنواصب، فإذا أضفنا الآل فلنضف الصحب أو نقتصر على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قل عدده
…
"فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول العلو المطلق، والثاني النسبي، وفيه الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، وفيه البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك، وفيه المساواة وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف، ويقابل العلو بأقسامه النزول".
نعم، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-:"فإن قل عدده" يعني إن قل عدد رجال الإسناد "فإما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول هو العلو المطلق، والثاني النسبي"، رجال الإسناد الموصل إلى المتن يتفاوتون من حديث إلى آخر قلة وكثرة، فبعض الأحاديث تروى بأسانيد قليلة، رجالهم عددهم قليل، وبعضها بأسانيد تطول ويكثر الرواة فيها، فالأول يسمى عند أهل العلم بالعالي، والثاني يسمى بالنازل، فالعالي ما قل عدد رواته، ما قَلَّت فيه الوسائط بين المصنف وبين النبي عليه الصلاة والسلام، والنازل: ضده ما كثر عدد رواته وكثرت الوسائط فيه بين المصنف والنبي عليه الصلاة والسلام، والمراد بقلة الرواة هنا بالنسبة إلى أي سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه بعدد أكثر، وقد عظمت رغبة المتأخرين في العلو حتى غلب ذلك على كثير منهم، بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه من الثبوت والفهم والاستنباط، وإنما كان العلو مرغوباً فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز، وكلما قلت قلت" قاله الحافظ، يعني ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أنه أخطأ فإذا كان عدد الرواة قليلاً كان الاحتمال قليلاً، وإذا كان عدد الرواة كثيراً كان هذا الاحتمال كثير.
قال ابن الصلاح: "طلب العلو سنة، ولذلك استحبت الرحلة في الحديث"، قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-:"طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف"، وقد روينا أن يحيى بن معين قيل له في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: "بيت خالي وسند عالي" هذه أمنيته، بيت خالي وسند عالي، بيت خالي ليخلو بربه، ويأنس بمناجاته وذكره، وسند عالي هذه غايته في هذه الدنيا، مش يتمنى .. ، يتمنى طول عمر، يتمنى قصور وضياع ومزارع، يتمنى أرصدة، لا، لا يتمنى هذا كله؛ لأن الدنيا لا شيء، لا تزن عن الله جناح بعوضة، والغنى الحقيقي غنى النفس، والله المستعان.
قال الحافظ: فإن كان في النزول مزية ليست في العلو كأن يكون رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه أو الاتصال فيه أظهر فلا تردد في أن النزول أولى، ونقل ابن كثير عن بعض المتكلمين أنه كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر فيكون الأجر على قدر المشقة، قال ابن كثير:"وهذا لا يقابل ما ذكرناه" معنى هذا الكلام عن بعض المتكلمين يقول: إن الإسناد النازل أفضل من الإسناد العالي، لماذا؟ لأنك وأنت تبحث في حديث رجاله ثلاثة مثلاً وكل واحد من هؤلاء الرواة يحتاج إلى ربع ساعة أنت في ساعة إلا ربع تنتهي من الحديث، صح وإلا لا؟ بينما لو كان الحديث تساعي تحتاج في تسعة كل واحد ربع ساعة نحتاج إلى ساعتين وربع، نعم، نحتاج إلى ساعتين وربع، فهذا أكثر مشقة، فهو أفضل والأجر على قدر النصب، نقول: لا، هذا أمر لا يعنيك وأنت من المتكلمين، أنت لا تفهم الصنعة، هؤلاء الثلاثة الذين روي من طريقهم كل واحد يحتمل أنه أخطأ من هؤلاء الثلاثة، وكل واحد من أولئك التسعة يحتمل أنه أخطأ، فاحتمال الخطأ في النازل أقوى من احتمال الخطأ في العالي، فالعلو أفضل، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت إذا نظرت إلى السند فوجدته برجال عدده أقل فهو عالي، وفي الغالب أن هؤلاء الثلاثة قد طالت أعمارهم، وإذا نظرت إلى الإسناد النازل وجدت أن رجاله أكثر، وفي الغالب أن أعمارهم المدد بينهم قصيرة
فإن قل عدد رجال السند وانتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك العدد القليل بالنسبة إلى أي سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه فهو العلو المطلق، يعني إذا كان العلو بين المصنف والنبي عليه الصلاة والسلام هذا علو مطلق، لكن إذا كان العلو بين المصنف وبين إمام من أئمة الحديث كشعبة مثلاً، فهو علو نسبي فإن اتفق أن يكون مع العلو سند صحيح كان الغاية القصوى وإلا فصورة العلو فيه موجودة ما لم يكن موضوعاً فهو كالعدم.
وإن قل عدد رجال السند وانتهى إلى إمام من أئمة الحديث ذي صفة علية كالحفظ والضبط والإتقان والفقه والتصنيف وغير ذلك كشعبة ومالك وسفيان الثوري والشافعي والبخاري ومسلم وغيرهم فهو العلو النسبي وهو ما يقل العدد فيه إلى ذلك الإمام، ولو كان العدد من ذلك الإمام إلى منتهاه كثيراً.
وأعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، ففي البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً، غالبها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، أعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، في البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً، وغالبها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وليس في مسلم ولا حديث ثلاثي، وكذلك أبو داود والنسائي، ابن ماجه فيه شيء يسير وكذلك الترمذي، وفي المسند أكثر من ثلاثمائة حديث ثلاثي لقدم مؤلفه وهي مجموعة شرحها السفاريني في مجلدين كبيرين، شرح ثلاثيات المسند، وكثير من أحاديث الموطأ ثنائيات وثلاثيات لتقدم الإمام مالك على الإمام أحمد أيضاً.
في سنن أبي داود حديث اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ كيف؟ السند أمامنا موجود، ولا نعرف أن نحسب كم عدد الرواة؟! حديث أبي برزة في الحوض اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ أبو داود يروي أصل الخبر عن ثلاثة، يرويه عن أبي برزة بواسطة اثنين، فالقصة ثلاثية، لكن الخبر الذي هو المقصود المرفوع في الحوض رباعي؛ لأن الواسطة بين أبي برزة وبين الراوي عنه رجل مبهم، فهو رباعي وليس بثلاثي، وإن زعم بعضهم أنه ثلاثي لأن القصة ثلاثية.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وفيه الموافقة" في العالي الموافقة، "وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه"، وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، تصل إلى محمد بن بشار من غير طريق البخاري، تصل إلى قتيبة بن سعيد من غير طريق مسلم وهكذا.
"وفيه البدل، وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك"، تصل إلى غندر -محمد بن جعفر- من غير طريق البخاري، ومن غير طريق محمد بن بشار وهكذا.
"وفيه المساواة وهو استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين" المساواة يعني في البخاري حديث تساعي وعند الحافظ العراقي أحاديث تساعيات ساوى فيها البخاري هذه مساواة، لكن هل هو عالي عند البخاري وإلا نازل؟ تساعي؟ نازل جداً، عالي عند الحافظ العراقي وإلا نازل؟ عالي جداً؛ لأن البخاري رحمه الله مات سنة مائتين وستة وخمسين، والعراقي مات سنة ثمانمائة وستة، بينهم خمسة قرون ونصف، ويروي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام بواسطة تسعة، والعراقي يروي الحديث بواسطة تسعة، هذا عالي بالنسبة للعراقي وهذا نازل بالنسبة للبخاري.
"وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف" فكأن الإمام العالم المتأخر صافح ذلك الإمام القديم؛ لأنه ساوى تلميذ ذلك المصنف القديم فكأنه صافحه، لما عرف الحافظ العلو ووضح المراد به، وذكر قسميه المطلق والنسبي، ذكر أقسام ثاني نوعيه وهو النسبي، فأول هذه الأقسام: الموافقة، وعرفها ابن الصلاح بقوله: هي أن يقع لك الحديث عن شيخ مسلم فيه مثلاً عالياً بعدد أقل من العدد الذي يقع لك ذلك الحديث عن ذلك الشيخ إذا رويته عن مسلم عنه، ومثل له الحافظ بما إذا روى البخاري عن قتيبة عن مالك حديثاً فلو رويناه من طريقه، يعني لو رويناه من طريق البخاري كان بيننا وبين قتيبة ثمانية، هذا كلام الحافظ، ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة مثلاً لكان بيننا وبين قتيبة سبعة، فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه.
هذه الأنواع يعتني بها كثير من الذين يصنفون في التراجم والسير، والحافظ الذهبي يعتني بذلك كثيراً في سير أعلام النبلاء وفي تاريخ الإسلام وفي تذكرة الحفاظ، ويذكر من أحاديث المترجم ما يقع له عالياً، يعتني بذلك كثيراً.
والثاني: البدل وهو كما قال ابن الصلاح: أن يقع لك هذا العلو عن شيخ غير شيخ مسلم، هو مثل شيخ مسلم في ذلك الحديث، ومثاله في الحديث السابق: أن يقع ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى إلى القعنبي عن مالك فيكون القعنبي بدلاً فيه من قتيبة، قال ابن الصلاح:"وقد يرد البدل إلى الموافقة فيقال فيما ذكرناه: إنه موافقة عالية في شيخ شيخ مسلم، ولو لم يكن ذلك عالياً فهو أيضاً موافقة وبدل، لكن لا يطلق اسم الموافقة والبدل لعدم الالتفات إليه".
أقول: هذه أمور تكميلية وليست من صميم علم الحديث، أقول: هذه أمور تكميلية وليست حاجية.
والثالث: المساواة وهي أن يقع بين الراوي من المتأخرين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما وقع من العدد بين مسلم أو البخاري إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال ابن حجر: كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفساً وقد وجد، وجد عند النسائي حديث يرويه النسائي عن النبي عليه الصلاة والسلام بواسطة أحد عشر رجلاً، وهو أطول إسناد عنده، بل أطول إسناد في الكتب الستة، حديث يتعلق بفضل سورة الإخلاص، قال ابن حجر:"كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفساً فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقع بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفساً، فنساوي النسائي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص".
يعني مثل ما مثلنا البخاري عنده حديث تساعي: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هذا فيه تسعة بين البخاري والنبي عليه الصلاة والسلام، والحافظ العراقي وهو بعد البخاري بخمسة قرون ونصف عنده أحاديث تساعية فهذه مساواة.
والرابع: المصافحة: وهي أن تقع تلك المساواة مع تلميذ المصنف فتكون كأنك لقيت مسلماً أو البخاري في ذلك الحديث وصافحته به لكونك قد لقيت شيخك المساوي لمسلم، قال ابن الصلاح:"فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك وهكذا"، ثم قال:"اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعلُ أنت في إسنادك" يعني لولا وجود التساعي في البخاري ما علا الحافظ العراقي؛ لأن المسألة نسبية هذا عالي بالنسبة للعراقي وهذا نازل بالنسبة للبخاري، لولا نزول البخاري في هذا الحديث التساعي لما علا الحافظ العراقي فيه، ثم ذكر ابن الصلاح أنواعاً من العلو منها:
العلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي، ومثل له بما يرويه عن شيخ أخبره به عن واحد عن البيهقي الحافظ عن الحاكم أبي عبد الله أعلى من روايتي لذلك عن شيخ أخبرني به عن واحد عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم وإن تساوى الإسنادان في العدد لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن خلف، يعني علو ناشئ وناتج عن تقدم وفاة الراوي؛ لأن البيهقي مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ومات ابن خلف سنة سبع وثمانين أكثر من ثلاثين سنة، يقرب من ثلاثين سنة الفرق بينهما، فتقدم وفاة البيهقي تورث علو، يعني عن كونك تروي مسألة عن شيخ تقدمت وفاته جداً بحيث لم يدركه كثير من أقرانك، والشيخ هذا يروي عن شيخ يروي عنه شيخ آخر تأخرت وفاته فأدركه زملاؤك ورفقاؤك أنت أعلى منهم؛ لأنك أدركت شيخاً تقدمت وفاته.
العلو المستفاد من تقدم السماع: مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد وسماع أحدهما من ستين سنة وسماع الآخر من أربعين سنة، فإذا تساوى السند إليهما في العدد فالإسناد إلى الأول الذي تقدم سماعه أعلى.
قال رحمه الله: "ويقابل العلو بأقسامه النزول" مقابل العلو السابق المرغوب فيه النزول، فكل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول تدرك من التفصيل السابق، قال الحافظ:"خلافاً لمن زعم أن العلو قد يقع غير تابع للنزول"، وقال ابن الصلاح:"وأما قول الحاكم أبي عبد الله لعل قائلاً يقول: النزول ضد العلو فمن عرف العلو عرف ضده وليس كذلك، فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة" إلى آخر كلامه، فهذا ليس نفياً لكون النزول ضداً للعلو على الوجه الذي ذكرته، بل نفياً لكونه يعرف بمعرفة العلو، وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو فإنه قصر في بيانه وتفصيله رحمه الله، وليس كذلك ما ذكرناه نحن في معرفة العلو فإنه مفصل تفصيلاً مفهماً لمراتب النزول والعلم عند الله تبارك وتعالى.
ثم إن النزول حيث ذمه من ذمه كقول علي بن المديني وأبي عمرو المستملي: "النزول شؤم" وكقول ابن معين: "الإسناد النازل قرحة في الوجه" فهو محمول على ما إذا لم يكن مع النزول ما يجبره كزيادة الثقة برجاله على العالي، أو كونهم أحفظ أو أفقه، أو كونه متصلاً بالسماع، وفي العالي حضور أو إجازة أو مناولة أو تساهل من بعض رواته في الحمل ونحو ذلك، فإن العدول حينئذ إلى النزول ليس بمذموم ولا مفضول؛ لأن العبرة، العبرة في الأسانيد بنظافة الأسانيد، بثقة الرواة، وشدة الاتصال، فإذا تساوى الإسنادان العالي والنازل في ثقة الرواة وتمام الاتصال قدم العالي، لكن إذا تميز النازل بزيادة في ثقة رواته قدم على العالي؛ لأنه كما قلنا: إن العلو تكميلي، أقول: تكميلي، قد يصح السند وهو نازل، وقد يضعف السند وهو عالي.
يقول الحافظ العراقي في شرح ألفيته: "قد روينا عن وكيع قال: الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، أحب إليكم الواسطة باثنين أو بخمسة؟ نعم، فقلنا: الأعمش عن أبي وائل أقرب، الأعمش عن أبي وائل أقرب، فقال: الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه، يعني هؤلاء أئمة، أولئك شيوخ، لكن هؤلاء أئمة، روينا عن ابن المبارك قال: "ليس جودة الإسناد قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال، ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال، وروينا عن السلفي قال:"الأصل الأخذ عن العلماء، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق، كما روينا عن نظام الملك قال: "عندي أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بلغت رواته مائة" كما روينا عن السلفي من نظمه:
ليس حسن الحديث قرب رجال
…
عند أرباب علمه النقادِ
بل علو الحديث بين أولي الحفظ
…
والإتقان صحة الإسنادِ
وإذا ما تجمعا في حديث
…
فاغتنمه فذاك أقصى المرادِ
قال ابن الصلاح: "هذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب، والله أعلم".
وكما ذكرنا أعلى حديث في البخاري الثلاثيات، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً، وأنزل ما فيه التساعي، أنزل حديث في البخاري:((ويل للعرب من شر قد اقترب)) وفي السنة حديث فضل سورة الإخلاص عند النسائي، ففيه ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهذا أنزل إسناد، ستة في طبقة واحدة يروي بعضهم عن بعض، نعم.
سم.
"فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج، وإن روى عمن دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء، وفي عكسه كثرة، ومنه من روى عن أبيه عن جده".
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج" الأقران هم المتقاربون في السن والإسناد، يعني الزملاء يتضح الأقران هنا في الدراسة في هذه الأيام في الدراسة النظامية، يعني الذين هم في سنة واحدة من الدراسة هم أقران، متقاربون في السن، يعني إن زاد واحد سنة أو نقص سنة هذا لا يفرق، لكن في الدراسة سابقاً في المساجد يوجد من عمره سبعون سنة، ويوجد من عمره عشر سنوات في حلقة الشيخ، هؤلاء نقول لهم: أقران؟ نعم، لا، هم زملاء صحيح، لكن ليسوا بأقران، فالأقران هم المتقاربون في السن والإسناد، قاله ابن الصلاح، وزاد العراقي في شرح ألفيته غالباً، قال الحاكم:"إنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما"، وقال ابن الصلاح: "وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن، وعلى هذا يمكن أن يسمى أقران وإن كان بينهم بون في أعمارهم.
والمدبج يعني إذا روى زيد عن عمرو وهم أقران نقول: هذه رواية أقران، روى زيد عن عمرو هذه رواية الأقران، فإن روى عمرو عن زيد أيضاً هذا المدبج، يعني كل واحد من الأقران يروي عن الثاني، عمرو يروي عن زيد وزيد يروي عن عمرو، هذا يسمونه إيش؟ المدبج، لكن رواية زيد عن عمرو أقران، رواية عمرو عن زيد أقران وهكذا.
والمدبج بضم الميم وفتح الدال وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم إذا روى كل من القرينين عن الآخر هذا يسمى عند أهل العلم المدبج، وهو أخص من الأقران فكل مدبج أقران وليس كل أقرن مدبجاً، فعلى هذا فإن رواية القرين عن قرينة تنقسم إلى قسمين:
الأول: أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الآخر عنه فيما يعلم، ومثاله: رواية سليمان التيمي عن مسعر وهما قرينان، قال الحاكم: لا أحفظ لمسعر عن سليمان رواية، يعني سليمان التيمي يروي عن مسعر بن كدام ومسعر لا يروي عن سليمان، هذه رواية أقران، قال العراقي:"وقد يجتمع جماعة من الأقران في حديث واحد كحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن يحيى بن معين عن علي بن المديني هؤلاء كلهم أقران، عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة عن عائشة قالت: "كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعورهن حتى تكون كالوفرة" فأحمد والأربعة بعده خمستهم أقران، خمسة أقران يروي بعضهم عن بعض، ويلزم من هذا العلو وإلا النزول؟ يلزم منه النزول، وصنف في رواية الأقران أبو الشيخ الأصبهاني.
والثاني: أن يروي كل من القرينين عن الآخر وهو المدبج، وبذلك سماه الدارقطني وجمع فيه كتاباً حافلاً في مجلد، ومثاله في الصحابة رواية أبي هريرة عن عائشة ورواية عائشة عن أبي هريرة، وفي التابعين رواية الزهري عن أبي الزبير ورواية أبي الزبير عنه، وفي أبتاعهم رواية مالك عن الأوزاعي ورواية الأوزاعي عنه، قال الحافظ في النزهة:"وإذا روى الشيخ عن تلميذه صدق أن كلاً منهما يروي عن الآخر؛ فهل يسمى مدبجاً؟ فيه بحث، والظاهر لا"، المدبج رواية القرين عن قرينه والعكس، يروي كل واحد منهما عن الآخر، لكن إذا روى التلميذ عن شيخه الجادة، لكن إذا روى الشيخ عن تلميذه هل يسمى مدبج أيضاً؟ يقول الحافظ:"الظاهر لا؛ لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر على ما سيأتي".
والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه فيقتضي أن يكون ذلك مستوياً من الجانبين فلا يجيء فيه هذا، قال السيوطي:"من فوائد معرفة الأقران ألا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال (عن) بالواو" فائدة معرفة رواية الأقران إذا نظرت إلى الإسناد السابق الإمام أحمد عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن يحيى بن معين عن علي بن المديني عن عبيد الله بن معاذ، يعني تعرف أن الأقران يروي بعضهم عن بعض، ما تأتي إلى (عن) هذه تظنها أنها واو، غلط الناسخ وكتبها (عن)، فتقول: روى الإمام أحمد وأبو خيثمة زهير بن حرب ويحيى بن معين وعلي بن المديني وعبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة ما تظن هذا؟ اللي ما يعرف يقول: كيف خمسة زملاء يروي بعضهم عن بعض؟ هؤلاء الخمسة كلهم يروون عن شخص واحد، الذي لا يعرف أن الأقران يروي بعضهم عن بعض قد يصحح، قال السيوطي:"من فوائد معرفة الأقران ألا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال (عن) بالواو".
قال الحافظ: "وإن روى عن من دونه فالأكابر عن الأصاغر ومنه الآباء عن الأبناء وفي عكسه كثرة ومنهم من روى عن أبيه عن جده"، إذا روى الراوي عن من دونه في السن أو في المقدار فليعلم أن هذا النوع يسمى رواية الأكابر عن الأصاغر، قال ابن الصلاح:"ومن الفائدة فيه: أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر وأفضل من الراوي نظراً إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك فيجهل بذلك منزلتهما، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم".
قال الحافظ العراقي في شرح ألفيته: "والأصل في هذا الباب رواية النبي عليه الصلاة والسلام عن تميم الداري، النبي عليه الصلاة والسلام روى عن تميم الداري حديث الجساسة، وهو في صحيح مسلم، هذه من رواية الأكابر عن الأصاغر، قال ابن الصلاح: "ثم أن ذلك –يعني رواية الأكابر عن الأصاغر- يقع على أضرب منها: أن يكون الراوي أكبر سناً وأقدم طبقة من المروي عنه كالزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري في روايتهما عن مالك، ومنها: أن يكون الراوي أكبر قدراً من المروي عنه بأن يكون حافظاً عالماً والمروي عنه شيخاً راوياً فحسب كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار وأحمد بن حنبل وأسحق بن راهويه في روايتهما عن عبيد الله بن موسى، ومنها: أن يكون الراوي أكبر من الوجهين جميعاً كرواية كثير من العلماء والحفاظ عن أصحابهم وتلاميذتهم كالحافظ عبد الغني في روايته عن الصوري، وكرواية البرقاني عن الخطيب ورواية الخطيب عن بن ماكولا، ويندرج تحت هذا النوع ما يذكر من رواية الصحابي عن التابعي كرواية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار، وكذلك رواية التابعي عن تابع التابعي وهكذا، ومن جملة هذا النوع وهو أخص من مطلقه، رواية الآباء عن الأبناء، الآباء عن الأبناء لا شك أن الآباء هم الأكابر، والأبناء هم الأصاغر، فرواية الآباء عن الأبناء داخلة في رواية الأكابر عن الأصاغر، لكنها مع نوع خصوصية، يعني بعيد أن يروي الأب عن ابنه لكنه موجود، وصنف فيه الخطيب كتاباً روى فيه من حديث العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في المزدلفة، وقال ابن الصلاح: "وروينا عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل -وهما ثقتان- أحاديث منها: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((أخروا الأحمال فإن اليد معلقة والرجل موثقة)) قال الخطيب: لا يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما نعلمه إلا من جهة بكر وأبيه، وعكس ذلك رواية الأصاغر عن الأكابر، هذه الجادة هذا هو الغالب رواية الأصاغر عن الأكابر، والجادة المسلوكة وأمثاله كثيرة جداً، لا يمكن أن يحاط بها لأنها الأصل في الرواية أن
الصغير يروي عن الكبير.
ومنه رواية الأبناء عن الآباء: وصنف فيه أبو نصر الوائلي الحافظ، قال ابن الصلاح: "وأهمه ما لم يسم فيه الأب والجد وهو نوعان: أحدهما: رواية الابن عن الأب عن الجد، نحو: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وله بهذا نسخة كبيرة أكثرها فقهيات جياد، وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد احتج أكثر أهل الحديث بحديثه حملاً لمطلق الجد فيه على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب، والاختلاف في هذه النسخة معروف عند أهل العلم، منهم من قال: لا يحتج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة للاختلاف في مرجع الضمير في الجد هل يرجع إلى عمرو فيكون الجد محمد وعلى هذا يكون الخبر مرسل؟ أو يرجع إلى شعيب وحينئذ يكون الجد عبد الله بن عمرو؟ وقد صرح شعيب في المراد بالجد قال: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، ولذا الذي يراه جمع من أهل التحقيق أن الرواية بهذا الإسناد حسنة ليست. . . . . . . . . على الصحيح وليست مردودة لوجود مثل هذا الخلاف.
ونحو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده روي بهذا الإسناد نسخة كبيرة حسنة، وجده معاوية بن حيدة القشيرى، وقد اختلف في الاحتجاج بهذه السلسلة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لا للخلاف في الضمير فالجد من هو؟ بهز بن حكيم بن معاوية، الجد هو معاوية وليس حيدة؛ لأن حيدة ليس بمسلم فلا يختلف في المراد بالجد، لكن لأهل العلم كلام في بهز نفسه.
طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، وجده عمرو بن كعب اليامي، ويقال: كعب بن عمرو، ومسألة الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وطلحة بن مصرف عن أبيه عن جده معروفة عند أهل العلم، وجمع الحافظ صلاح الدين العلائي من المتأخرين مجلداً كبيراً في معرفة من روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقسمه أقساماً، فمنه ما يعود الضمير في قوله: عن جده على الراوي، ومنه ما يعود الضمير فيه على أبيه، بين ذلك وحققه وخرج في كل ترجمة حديثاً من مرويه.
وأكثر ما وقع فيه ما تسلسلت فيه الرواية عن الآباء أربعة عشر أباً، فلان ابن فلان عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه .. إلى آخره، أربعة عشر أباً، وصنف فيه ابن قطلوبغا كتاباً سماه:(من روى عن أبيه عن جده) وطبع محققاً، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
"وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو السابق واللاحق".
عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو السابق واللاحق، السابق اسم فاعل من السبق، وللاحق مثله، والمراد به: أن يشترك اثنان في الرواية عن شيخ ويتقدم موت أحدهم عن الآخر بحيث يتباين وقت وفاتيهما تبايناً شديداً، فيحصل بينهما أمد بعيد، وإن كان المتأخر منهما غير معدود من معاصري الأول وذوي طبقته فالمتقدم يقال له السابق والمتأخر يقال له: اللاحق.
لو افترضنا أن زيد من الناس جلس للإقراء وطال عمره مكث سبعين سنة يقرئ الناس في بداية جلوسه للإقراء تصور أنه سنة ألف وأربعمائة بدأ يقرئ الناس، حضر عنده شخص في أول جلوسه للناس سنة ألف وأربعمائة، نعم، وحضر عنده سنة كاملة بحيث صار من ألزم طلابه له، ثم مات في هذه السنة سنة ألف وأربعمائة، ثم مكث الشيخ سبعين سنة يقرئ الناس من ألف وأربعمائة إلى ألف وأربعمائة وسبعين، في آخر سنة قرأ عليه شخص، الأول مات سنة كم؟ الطالب الأول مات سنة كم؟ ألف وأربعمائة، والثاني: الذي بدأ الطلب في سنة ألف وأربعمائة وسبعين وهذا مثال نعم، عمّر ولم يمت إلا بعد سبعين سنة، تصور أنه لما قرأ عليه سنة ألف وأربعمائة وسبعين عمره عشرين سنة، وعمر تسعين سنة أضف السبعين إلى السبعين الأولى كم يصير؟ ألف وخمسمائة وأربعين، يكون كم بين وفاة التلميذ الأول والتلميذ الثاني؟ مائة وأربعين سنة، هذا متصور وإلا ما هو متصور؟ يكون بين وفاة الاثنين وهما من طلاب ذلك الشخص مائة وأربعين سنة، وهذا متصور، يعني كيف يقال زملاء قرءا على شيخ واحد وبينهما مائة وأربعين سنة؟ هذا السابق واللاحق، وهذا موجود في الرواة، وصورته ما سمعتم، مثاله: روى الإمام البخاري في تاريخه عن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري، روى الإمام البخاري في تاريخه عن محمد بن إسحاق السراج، وروى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري وبين وفاتيهما، بين وفاة البخاري ووفاة الخفاف مائة وسبعة وثلاثون سنة أو أكثر، وذلك أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين، ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، يعني سبعة وثلاثين ومائة سنة، وهو نظير ما ذكرناه في المثال.
ومثل له الخطيب برواية الزهري عن الإمام مالك وروى عنه أيضاً زكريا بن دويد الكندي وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، كذا مثل الخطيب بابن دويد ولا ينبغي أن يمثل به لأنه كذاب، فالصواب أن آخر أصحاب مالك أحمد بن إسماعيل السهمي مات سنة تسع وخمسين ومائتين وبينه وبين الزهري مائة وخمس وثلاثون سنة، بين وفاته وبين وفاة الزهري مائة وخمسة وثلاثون سنة، وكلاهما أخذ عن الإمام مالك.
يقول الحافظ: "وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك ما بين الراويين فيهم في الوفاة مائة وخمسون سنة، وذلك أن الحافظ السلفي سمع منه أبو علي البرزاني أحد مشايخه حديثاً ورواه عنه ومات على رأس الخمسمائة، ثم كان آخر أصحاب السلفي بالسماع سبطه أبا القاسم عبد الرحمن بن مكي، وكانت وفاته سنة خمسين وستمائة، كم بينهم؟ مائة وخمسين سنة.
ومن فوائد هذا النوع كما قال ابن الصلاح: تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب، تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب، يعني هذه الشخص الذي عمر إلى سنة ألف وخمسمائة وأربعين في المثال الذي ذكرناه إذا روى عنه شخص وعمّر لا شك أنه ينتج عن ذلك علو الإسناد.
وقال السيوطي: "ومن فوائده أيضاً ألا يظن سقوط شيء من الإسناد"، لا يظن سقوط شيء من الإسناد، وهذا في العالي قد يتصور أن الإسناد سقط منه شيء لا سيما مع طول أعمار الرواة.
وقال الصنعاني في شرح نظمه للنخبة: "عد هذا نوعاً من أنواع علوم الحديث قليل الجدوى، عديم الفائدة، وهذه الحلاوة التي ذكرت ما أظن عارفاً يذوقها، ثم إنه ليس اسماً لرتبة معينة كرواية الآباء عن الأبناء، والأكابر عن الأصاغر ونحوها"، وقد صنف الخطيب كتاباً سماه:(السابق واللاحق) طبع محققاً في مجلد.
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن روى عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل"، هذا المهمل يذكر اسم الراوي فقط، حدثنا محمد، كما يقوله البخاري كثيراً، هذا مهمل، عن سفيان هذا مهمل، عن حماد هذا مهمل، أقول: باختصاصه بأحدهما إن روى عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل.
والمهمل: اسم مفعول من الإهمال، وحقيقته عند أهل الحديث أن يروي الراوي عن اثنين متفقي الاسم فقط أو الكنية أو مع اسم الأب أو مع اسم الجد أو مع نسبته ولم يتميزا بما يخص كلاً منهما أو يخص أحدهما فقط، والفرق بين المبهم والمهمل أن المبهم لم يذكر له اسم، المبهم لا يذكر له اسم، حدثني رجل، حدثني فلان، والمهمل ذكر اسمه لكن مع الاشتباه مع غيره.
قال ابن حجر: "ومن أراد لذلك ضابطاً كلياً يمتاز به أحدهما عن الآخر فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل، ومتى لم يتبين ذلك أو كان مختصاً بهما معاً فإشكاله شديد فيرجع فيه إلى القرائن والظن الغالب، إذا كانا ثقتين فالأمر سهل، إذا كانا ضعيفين يعني جميع من في هذه الطبقة ممن اسمه محمد ثقات، الحمد لله، ممن يروي عنهم ذلك الشخص ما في إشكال، وإن كانوا كلهم ضعفاء فالأمر أيضاً مفروغ منه يضعف الخبر لضعف جميع من اسمه هذا.
الإشكال فيما إذا كان بعضهم ثقات وبعضهم ضعفاء، مثال ذلك: ما يقع كثيراً في صحيح البخاري عن محمد غير منسوب، ولذا يختلف فيه الشراح كثيراً، ويرجح بعضهم ما لا يرجحه الآخر، ويحتمل أن يكون الذهلي أو ابن سلام أو غيرهما، كما يقع في صحيح البخاري رواية عن أحمد غير منسوب عن ابن وهب وهو إما أحمد بن صالح المصري أو أحمد بن عيسى، وقد استوعب ذلك الحافظ ابن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري، والذي يضر من ذلك أن يكون أحدهما ضعيفاً، من ذلك قول وكيع: حدثنا النضر عن عكرمة وهو يروي عن النضر بن عربي وعن النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف، أما إذا كانا ثقتين فإن عدم تميز أحدهما عن الآخر فإنه لا يضر كعدم تميز سفيان أو حماد، وهناك ضابط للسفيانين والحمادين ذكره الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في آخر المجلد السابع من سير أعلام النبلاء فليراجع.
ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن جحد الشيخ مرويه جزماً رد، أو احتمالاً قبل في الأصح، وفيه من حدث ونسي".
"إن جحد الشيخ مرويه جزماً رد"، يعني إذا قال الشيخ: أنا لم أحدثك بهذا الحديث -يعني الطالب- قال له: بلى حدثتني في يوم كذا، قال: أبداً، أنا لم أحدثك، فإنه حينئذ يرد؛ لأنه هو الأصل، أو احتمالاً، يقول: والله أنا نسيت، ما أدري والله أنا حدثتك أو ما حدثتك فإنه يقبل؛ لأن الطالب جازم والشيخ شاك.
وفيه من حدث ونسي: إذا روى شيخ عن ثقة حديثاً فجحد الشيخ المروي عنه ونفى ما نسب إليه، قال ابن الصلاح:"المختار أنه إن كان جازماً بنفيه بأن قال: ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان، والجاحد هو الأصل فوجب رد حديث الفرع، قال القاري على المختار: "وهو محكي عن الشافعي، وبالغ بعضهم في ذلك فنقل الإجماع عليه"، وقال ابن حجر: "رد الخبر لكذب واحد منهما لا بعينه"، لكذب واحد منهما لا بعينه، أي لكذب الأصل في قوله: كذب علي أو ما رويت إن كان الفرع صادقاً أو كذب الفرع في الرواية إن كان الأصل صادقاً في قوله: كذب علي، قال ابن الصلاح: "ثم لا يكون ذلك جرحاً له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضاً، وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا، إيش معنى هذا الكلام؟ إذا روى زيد عن عمرو حديثاً فقال عمرو: كذب زيد ما رويته هذا الحديث وليس الحديث من مروياتي جازم بذلك يرد الخبر، يرد الخبر، لماذا؟ لأن أحدهما كاذب، لا بعينه يعني مثل ما يقال في اللعان، "الله يعلم إن أحدكما كاذب فهل من تائب؟ " أحدهما كاذب، .... إذا قذف الزوج زوجته بالزنى ونفت ذلك وتلاعنا لا شك أن أحدهما كاذب إما الزوج وإما الزوجة، لكن لا يحكم بالحد على الزوج إذا لاعن، ويدرأ عن الزوجة الحد باللعان أيضاً، فأحدهما كاذب لكن لا بعينه، ما يدرى هو الزوج أو .... ؟
وهنا إذا قال الشيخ: أنا ما حدثته كذب علي، وقال التلميذ: بلى حدثني، نعم، أحدهما كاذب؛ لأنه لا يجتمع النقيضان، لا يجتمع النقيضان، فأحدهما كاذب قطعاً، لكن هل يكون ذلك جرح في الشيخ أو في الطالب؟ قالوا: هذا ليس بجرح لا في الشيخ ولا في الطالب، نعم؛ لأن هذا الكذب بالنسبة للشيخ والطالب مشكوك فيه، والأصل أنه ثقة، والشك لا يرفع اليقين، ولذا قال ابن الصلاح:"ثم لا يكون ذلك جرحاً له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضاً في ذلك، وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا".
وفي شرح القاري: "عدالة الأصل تمنع كذبه فيجوز النسيان على الفرع وعدالة الفرع تمنع كذبه فيجوز النسيان على الأصل، ولم تتبين مطابقة الواقع فلا يكون ذلك قادحاً في واحد منهما"، هذا إذا كان النفي مجزوم به، والإنكار من قبل الشيخ إذا كان مجزوماً به، وإن كان إنكار الشيخ للحديث احتمال لا جزم بأن قال المروي عنه: لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك، المسألة الأولى: الشيخ جازم يقول: أبداً ما عندي حديث بهذا اللفظ، أنا ما رويت حديث فضلاً عن أن أرويه غيري، أنا ما عندي حديث بهذا اللفظ، لكن إذا كان احتمال لا جزم فقال: لا أعرف هذا الحديث، أو لا أذكره أو نحو ذلك فذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه، بل يقبل الخبر عند جمهور أهل الحديث وأكثر الفقهاء؛ لأن ذلك يحمل على نسيان الشيخ، والحكم للذاكر إذ المثبت الجازم مقدم على النافي المتردد.
وقال بعض الحنفية: لا يقبل لأن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث بحيث إذا ثبت أصل الحديث ثبتت رواية الفرع، فكذلك ينبغي أن يكون فرعاً عليه وتبعاً له في التحقق، هم يقولون: ما دام الشيخ شاك وهو الأصل إذن الحديث مشكوك فيه، وهذا الراوي يرويه عن ذلك الشيخ الشاك فيسقط الحديث، ولا يقبل حينئذ من الطالب الذي روى عن شيخ شاك، قال ابن حجر:"وهذا متعقب فإن عدالة الفرع تقتضي صدقه، وعدم علم الأصل لا ينافيه؛ لأن الأصل ما هو بجازم، والفرع الذي هو الراوي جازم، والمفترض فيه أنه ثقة، ولا يجزم إلا بما يتيقن صدقه، "عدم علم الأصل لا ينافيه فالمثبت مقدم على النافي، وأما قياس ذلك بالشهادة ففاسد؛ لأن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل بخلاف الرواية فافترقا، يعني لو جيء بشخص يشهد بدين لزيد على عمرو ثم تعذر عليه الحضور فكلف شخصاً أن يشهد عنه فرعاً عنه يشهد على شهادته، فذهب الفرع إلى القاضي وقال له: أشهد على فلان أنه يشهد بكذا ثم نوقش الأصل، وجد الأصل فنوقش قال: أبداً، أنا لا أشهد ولا حملته، مثل هذا يختلف عن الرواية، لماذا؟ لأن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل بخلاف الرواية، الرواية تسمع من الفرع مع وجود الأصل فافترقا، وبنى الحنفية على أصلهم ردهم حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل
…
)) الحديث، من أجل أن ابن جريج قال: لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه، وكذا حديث ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بشاهد ويمين، فإن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: لقيت سهيلاً فسألته عنه فلم يعرفه، قال ابن الصلاح: والصحيح ما عليه الجمهور؛ لأن المروي عنه بصدد السهو والنسيان، والراوي عنه ثقة جازم، فلا ترد روايته بالاحتمال، ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول: حدثني ربيعة عني، حدثني ربيعة عني، نعم، عن أبي، حدثني ربيعة عني عن أبي، ويسوق الحديث، وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها عمن سمعها منهم، فكان أحدهم يقول: حدثني فلان عني عن فلان
بكذا، وجمع الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً أسماه:(أخبار من حدث ونسي) وقبله الدارقطني، وللسيوطي:(تذكرة المؤتسي في ذكر من حدث ونسي).
وقال ابن الصلاح: "ولأجل أن الإنسان معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الأحياء، منهم الشافعي قال لابن عبد الحكم: "إياك والرواية عن الأحياء"، إياك والرواية عن الأحياء، يعني لا تروي إلا عن الأموات؛ لأنه قد ينسى الشيخ الذي رويت عنه ثم لا يلبث أن ينكر أنه رواك، وأن ما رويته عنه صحيح، أما إذا مات أمنت من هذه المفسدة، لكن من يضمن لك أنك تعمر حتى تبلغ هذه السنة بعد وفاة شيخك؟ من يضمن لك؟ نعم هناك مفسدة إذا أنكر وهذا نادر جداً لا يقابله مصلحة تبليغ العلم، والله المستعان، نعم.
"وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل، وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم عن ونحوها، فالأولان: لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع: لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فكالخامس، والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كـ (عن)، وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، وقيل: يشترط ثبوت لقائمها ولو مرة وهو المختار، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفع أنواع الإجازة، وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك".
نعم، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-:"وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل"، المسلسل: اسم مفعول من التسلسل وهو في اللغة: اتصال الشيء بعضه ببعض، ومنه سلسلة الحديد يعني حلقات متصلة بعضها ببعض، قال ابن الصلاح:"وهو عبارة عن تتابع رجال الإسناد وتواردهم فيه واحداً بعد واحد على صفة أو حالة واحدة وهو من نعوت الأسانيد بخلاف المرفوع ونحوه فإنه من صفات المتن وبخلاف الصحيح ونحوه فإنه من صفاتهما، وينقسم ذلك إلى ما يكون صفة للرواية والتحمل وإلى ما يكون صفة للرواة أو حالهم، ونوعه الحاكم أبو عبد الله إلى ثمانية أنواع، قال ابن الصلاح: "والذي ذكره فيها إنما هو صور وأمثلة ثمانية ولا انحصار لذلك في ثمانية، يعني ليس أنواع ولا أقسام وإنما هي صور وأمثلة قابلة للزيادة.
مثال ما يكون صفة للرواية والتحمل: ما يتسلسل بصيغ الأداء كـ (سمعت)، يعني جميع رجال الإسناد يقول: سمعت فلاناً يقول، سمعت فلاناًً يقول، إلى آخره، يتسلسل بالسماع، إلى آخر الإسناد، أو يتسلسل بحدثنا أو أخبرنا إلى آخره، من ذلك أخبرنا -والله- فلان، قال: أخبرنا -والله- فلان، يعني يقسم على أنه أخبره، كل واحد من الرواة يقسم هذا مسلسل، ومثال ما يرجع إلى صفات الرواة وأقوالهم ونحوها حديث:((اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)) المتسلسل بقولهم: "إني أحبك فقل" الأصل فيه قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إني أحبك)) لمن؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ((إني أحبك يا معاذ، فلا تدع في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)) فصار كل راوٍ من الرواة بعد ذلك يقول: قال معاذ لمن روى عنه: إني أحبك فلا تدع أن تقول، ثم الذي يليه قال: إني أحبك فلا تدع أن تقول، إلى آخره فتسلسل، حديث التشبيك باليد أيضاً مسلسل بالأفعال، قال ابن الصلاح:"وخيرها ما كان فيه دلالة على اتصال السماع وعدم التدليس"، ومن فضيلة التسلسل اشتماله على مزيد الضبط من الرواة، يعني إذا كان كل راوٍ من الرواة يذكر ما اتصف به من روى عنه؛ لأنه يذكر صفة وهيئة موجودة حال الرواية.
وقلما تسلم المسلسلات من ضعف يعني وصف التسلسل لا في أصل المتن، والمناهل المسلسلة مجلد في الأحاديث المسلسلة، لكنه في كثير من هذه الأحاديث ضعف، في كثير من هذه الأحاديث ضعف، وفي كثير من التسلسل الذي يذكرونه فيه نظر، يقول: وقلما تسلم المسلسلات من ضعف، يعني وصف التسلسل لا في أصل المتن، ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده وذلك نقص فيه، وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته على ما هو الصحيح في ذلك، فقد انقطع تسلسله بسماع سفيان، يعني من سفيان إلى يومنا هذا وهو ماشي، المسلسل بالأولية كل شخص عنده رواية أول ما يبدأ بأحاديث المسلسل بالأولية، حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه وهو حديث:((الراحمون يرحمهم الرحمن)) والحالات المذكورة قولية وفعلية، فمن القولية ما تقدم:"إني أحبك"، والفعلية كقوله:"دخلنا على فلان فأطعمنا تمراً"، أو القولية والفعلية معاً كقوله:"حدثني فلان وهو آخذ بلحيته، وقال: "آمنت بالقدر خيره وشره".
لما حكى ابن عباس تحريك النبي عليه الصلاة والسلام لشفتيه كما في الحديث الصحيح ووصف الراوي عن ابن عباس تحريك ابن عباس لشفتيه يحكي تحريك النبي عليه الصلاة والسلام إلى آخره، هذا تسلسل.
قال الحافظ العراقي: "ومثال التسلسل بصفات الرواة القولية كالحديث المسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه"، وأحوال الرواة الفعلية كالحديث المسلسل بالفقهاء، يعني حديث لا يزال يرويه فقيه عن فقيه عن فقيه هذا مسلسل، حديث ابن عمر مرفوعاً:((البيعان بالخيار)) فقد تسلسل لنا برواية الفقهاء، وكالحديث المسلسل برواية الحفاظ ونحو ذلك.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم (عن)، ونحوها، فالأولان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فهو كالخامس، والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كـ (عن) ".
للتحديث والرواية طرفان: تحمل وأداء، تحمل وأداء، فالتحمل أخذ الحديث عن الشيوخ، والأداء تبليغ الحديث للتلاميذ، التحمل له طرق ثمان: السماع من لفظ الشيخ، القراءة على الشيخ وتسمى العرض، الإجازة، المناولة، المكاتبة، الوصية، الإعلام، الوجادة، السماع من لفظ الشيخ وهذا أرفعها وأعلاها وهو الأصل في الرواية، الثاني: القراءة على الشيخ وهو أيضاً طريق معتبر نقل عليه الإجماع وإن خالف في ذلك بعض أهل التشديد، الإجازة: احتيج إليها لما كثرت المرويات وتفرق الناس وكثر الطلاب، يأذن الشيخ للطالب بالرواية عنه، الرابع: المناولة: يناول الشيخ الطالب الكتاب ويأذن له بروايته عنه، الخامس: المكاتبة: يكتب الطالب للشيخ أن يكتب له بحديث سمعه، ثم يكتب له الشيخ بالحديث، والمكاتبة حصلت بين الصحابة مع التابعين، وبين الصحابة مع بعضهم من معاوية إلى المغيرة والعكس، وحصلت في أثناء الأسانيد إلى شيوخ الأئمة، حيث يقول البخاري: كتب إلي محمد بن بشار، والوصية والإعلام والوجادة، الوصية: يوصي بكتبه عند موته لفلان، فهل لفلان أن يروي عنه بمجرد هذه الوصية؟ والإعلام: هو مجرد ما أن يقول الشيخ يعلم الطالب بأن هذه الكتب من مروياته، فهل يكفي في ذلك أن يروي الطالب عن الشيخ بمجرد هذا الإعلام؟ والخلاف في هذه المسائل طويل جداً يحتاج إلى وقت، والثامن: الوجادة، إذا وجد الطالب بخط شيخه الذي لا يشك فيه، كما يقول عبد الله بن أحمد كثيراً في المسند:"وجدت بخط أبي" هذه وجادة.
ويصح تحمل الحديث قبل وجود الأهلية، فتقبل رواية من تحمل حال الكفر قبل إسلامه وروى بعده، وكذلك تقبل رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده، ومنع قوم تحمل الصبي فأخطئوا بأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن وابن عباس وابن الزبير وأشباههم من غير فرق بينما تحملوه قبل البلوغ وبعده، ولم يزالوا قديماً وحديثاً يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع ويعتدون بروايتهم لذلك.
واختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير فحدد الجمهور في ذلك خمس سنين لأقله، حديث محمود بن الربيع أنه قال:"عقلت مجة من النبي عليه الصلاة والسلام في وجهي وأنا ابن خمس سنين"، فعقل المجة وهو ابن خمس سنين، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه متى يصح سماع الصغير؟ قال ابن الصلاح: التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس فصاعداً سمع، ولمن لم يبلغ خمساً حضر أو أحضر.
قال: والذي ينبغي في ذلك أن يعتبر في كل صغير على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعاً عن حال من لا يعقل فهماً للخطاب ورداً للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان بالخمس، بل ابن خمسين.
الحاصل أن مرد ذلك إلى التمييز، إلى التمييز فإن كان مميزاً يفهم الخطاب ويرد الجواب صح سماعه وإلا فلا، فالمعول عليه التمييز، إذا ميز الصبي لخمس أو قبل خمس صح سماعه، إن لم يميز إلا لست أو سبع كما هو الغالب، لا يصح سماعه إلا إذا ميز.
في مثل طلب العلم ولما كان الناس لهم اختيار متى يبدءون يترك في ذلك إلى التمييز؛ لئلا يبدأ به قبل التمييز فيتأذى ويؤذي، وأما بالنسبة للتشريع العام كالأمر بالصلاة فجُعل للسبع؛ لأن غالب الصبيان يميزون لسبع، يندر من يتأخر عن السبع، لكن لما كان أمر الناس ليس بأيديهم، نعم، جعل الحد الفاصل لقبول الطالب الست، من غير نظر إلى تمييز وإلى غيره، فابن ست سنين يقبل في المدارس، وتجد أن ابن ست سنين أحياناً مستواه فوق مستوى زملائه؛ لأنه ميز قبل ذلك، وتجد أحياناً مستواه منحط عن زملائه ولا يفهم ما يقال؛ لأنه لم يميز بعد، فالتعليم لما كان اختياري متى ما أراد الإنسان أن يتعلم تعلم، متى ما أراد أبوه ورأى عليه علامات النجابة في أوقات مبكرة، ألحقه بحلق العلم، لكن الآن الست، نعم الناس بحاجة إلى ضابط، لكن لو جعلت السبع التي جعلها الشرع قدراً مشتركاً لعموم الصبيان لكان أولى، نعم قد يميز الطالب قبل ذلك فيتأخر في دراسته إذا وجدت عليه علامات النجابة والبلوغ ما المانع أن يدرس تدريساً خاصاً به؟ والله المستعان، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
تعلم الأدب قبل العلم؟ اهتماماً بالأدب، يعني هذا من باب الاهتمام بالأدب، من باب الاهتمام بالأدب، ولا شك أن العلم الشرعي إذا أخذ على وجهه بنية صالحة أنه يعلم الأدب، ويربي الناس، نعم، لا شك.
وأما الأداء فلا يصح إلا بعد توافر شروط القبول من العدالة والضبط كما تقدم في مبحث الصحيح.
إذا علم هذا فلأداء الحديث صيغ كثيرة منها: سمعت وحدثني لمن سمع من لفظ الشيخ وحده، وسمعنا وحدثنا لمن سمع من لفظ الشيخ مع غيره، وأول الصيغ أصرحها، أول هذه الصيغ سمعت وحدثني أصرحها، وأدلها على المراد سمعت؛ لأن الخبر مما يسمع بالأذن، فالذي يدل على المراد سمعت، سمعت بالإفراد، قال الخطيب:"أرفع العبارات في ذلك سمعت، ثم حدثنا وحدثني، فإنه لا يكاد أحد أن يقول: سمعت في أحاديث الإجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه، وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له: حدثنا"، يعني يتجوز فيقول: حدثنا، وروي عن الحسن أنه كان يقول: حدثنا أبو هريرة ويتأول أنه حدث أهل المدينة، وكان الحسن بها إذ ذاك إلا أنه لم يسمع منه شيئاً، قال ابن الصلاح:"ومنهم من أثبت له سماعاً من أبي هريرة لقوله: حدثنا أبو هريرة، ثم يتلو سمعت وحدثني أخبرني، قال ابن الصلاح: "وهو كثير في الاستعمال حتى أن جماعة من أهل العلم لا يكادون يؤدون مروياتهم إلا بلفظ أخبرنا"، قال ابن الصلاح: "وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ"، نعم، جماعة من أهل العلم لا يكادون يؤدون مروياتهم إلا بلفظ: أخبرنا كإسحاق بن راهويه لا يكاد يروي إلا بالإخبار، قال ابن الصلاح: "وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ"، فيما بعد إذا كان طريق التحمل السماع قال الراوي: حدثنا فلان، وإذا كان طريق التحمل العرض على الشيخ والقراءة على الشيخ كانت صيغة الأداء: أخبرنا، وهذا بعد أن شاع الاصطلاح الخاص، وإلا فلا فرق بين السماع والتحديث والإخبار لغة، وفي حكم أخبرني قرأت على فلان، وهما لمن قرأ على الشيخ بنفسه فإن جمع فقال: أخبرنا أو قرأنا كان كالخامس، كان كالخامس يعني أنه قرأ، أو قرئ على الشيخ وهو يسمع، قرأ بحضرة جماعة إذا قال: أخبرنا، أولاً: إذا قال: حدثني فالشيخ حدثه بمفرده، إذا قال الراوي: حدثنا فقد حدثه الشيخ مع مجموعة من الناس، إذا قال: أخبرني، قرأ على الشيخ بمفرده، وإذا قال: أخبرنا قرأ على الشيخ مع وجود جمع، أو سمع قراءة أحد الطلاب على الشيخ بحضوره، أرفع طرق التحمل هو السماع من لفظ الشيخ وهو الأصل في الرواية، وأرفعه ما كان في حال الإملاء،
الإملاء أرفع من الإلقاء بدون إملاء، لما في الإملاء من التثبت والتحفظ من الطرفين، الشيخ والطالب، كل منهما متحفظ، ضابط، الشيخ متحفظ لما يلقيه، والطالب ضابط لما يسمعه.
والقراءة على الشيخ أحد طرق التحمل المعتبرة عند جمهور العلماء، وشذ من أبى ذلك من أهل العراق، واشتد إنكار الإمام مالك وغيره من المدنيين عليهم في ذلك حتى بالغ بعضهم فرجحها على السماع من لفظ الشيخ، يعني القراءة على الشيخ بعضهم يرجحها على السماع من لفظ الشيخ، الأصل في الرواية السماع من لفظ الشيخ، وهي أرفع طرق التحمل، يليها العرض وهو القراءة على الشيخ، وبعضهم بالغ فقال: هي أرفع من السماع من لفظ الشيخ، وبعضهم يقول: هما سواء كالإمام مالك، كيف يقول قائل: إن العرض على الشيخ أرفع من السماع مع أن الأصل في الرواية السماع من لفظ الشيخ، يقول هذا القائل: إن العرض أرفع من السماع لماذا؟ لأن حال الطالب في حال السماع من لفظ الشيخ أقل من أن يرد على الشيخ إذا أخطأ، يعني إذا كان الشيخ يلقي فإذا أخطأ من يرد عليه؟ نعم، الطالب جاء ليستفيد، فالغالب أنه لا يتمكن من الرد على الشيخ، جاء ليتحمل الأخبار، ليتحمل الأحاديث فإذا أخطأ الشيخ في حال إسماعه للطلاب فإن الطالب لن يجرؤ في الرد عليه، أما في حال العرض والقراءة على الشيخ إذا أخطأ الطالب في القراءة فإن الشيخ لن يتردد في الرد عليه، هذه وجهة نظر من يقول: إن العرض أفضل من السماع، ولا شك أن لها حظ من النظر، لكن يبقى أن الأصل في الرواية السماع، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يلقي على الصحابة وهم يسمعون.
وذهب قوم منهم الإمام البخاري كما صرح به في صحيحه أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه سواء في القوة والصحة، ثم يلي سمعت وحدثنا وأخبرنا أنبأني، والإنباء بمعنى الإخبار من حيث اللغة كما في قوله تعالى:{وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة فاطر] كما أن التحديث مثل الإخبار لغة كما في قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] هذا من حيث الأصل وإلا فالاصطلاح قد خص سمعت وحدثنا بما تحمل بطريق السماع، والإخبار بما تحمل بطريق العرض، وأنبأنا بما تحمل بالإجازة، واستعمل بعضهم (عن) في الإجازة، كما قال الحافظ العراقي:
وكثر استعمال (عن) في ذا الزّمن
…
إجازةً وهي بوصلٍ ما قمن
يقول الحافظ بعد ذلك -رحمه الله تعالى-: "وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من المدلس"، عنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، "وقيل: يشترط ثبوت لقائهما ولو مرة على المختار"، العنعنة هي رواية الحديث بصيغة (عن)، رواية الحديث بصيغة (عن) فيقول الراوي: عن فلان أنه قال، وهي محمولة على الاتصال بشرطين:
الأول: براءة الراوي المعنعن من التدليس، هذا أمر لا بد منه، لا سيما إذا كان الراوي المدلس من الطبقة الثالثة فما دون لا بد أن يصرح بالسماع.
الثاني: ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة على المختار، على ما قرره الحافظ ابن حجر تبعاً لعلي بن المديني والبخاري وغيرهما من النقاد، واكتفى الإمام مسلم بالمعاصرة مع إمكان اللقاء، ونقل الاتفاق على ذلك واشتد نكيره على من اشترط اللقاء في مقدمة صحيحه، نعم، هذه مسألة العنعنة واشتراط اللقاء وعدم اشتراطه، لمحنا سابقاً إلى شيء من هذه المسألة، وقلنا: إن البخاري استفاض عنه اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة ومسلم يكتفي بالمعاصرة، ونقل عليه الإجماع واشتد نكيره على من يشترط اللقاء، وهذا معروف عن البخاري وعلي بن المديني وغيرهما.
وكتب بعض المعاصرين، ألف في ذلك كتاباً وأنكر أن يكون البخاري يشترط اللقاء، ولا شك أن الكاتب هذا له وجهة نظره، لكن العلماء كلهم تتابعوا على نسبة هذا القول للإمام البخاري، وعرفنا أنه لا مانع من ثبوته عن الإمام البخاري لما عرف من شدة تحريه واحتياطه، وإن كان العمل على ما يراه مسلم من الاكتفاء بالمعاصرة، فإذا عرفنا أن هذا الراوي عاصر ذلك الراوي صححنا مرويه ولو بـ (عن)، نعم، وكون البخاري يشترط قدراً زائداً على ذلك لا يعني أنه لا يصحح الأحاديث المروية بالعنعنة؛ لأن الشرط في عرفهم ليس المراد به ما يلزم من عدمه العدم، نعم قد يلزم من عدمه العدم في كتابه الذي احتاط له، لكنه قد يصحح خارج الصحيح ما هو أقل من شرطه في كتابه، فنقل عنه الترمذي وغيره تصحيح أحاديث هي أقل من شرطه في كتابه، وكون الإمام البخاري يحتاط للسنة ولا يخرج في صحيحه إلا ما ثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، هذا هو اللائق باحتياطه وشدة تحريه، وكون الإمام مسلم يشتد نكيره، ويصف القول بأنه قول مخترع، والقائل به مبتدع لا يعني أنه يقصد بذلك البخاري، وذكرنا هذا سابقاً وقلنا: إنه إذا عمل بشرط البخاري شخص مبتدع وأراد من خلال هذا الاشتراط أن ينفي ثبوت بعض السنن، ينفي ثبوت بعض السنن من خلال هذا الشرط، وأردنا أن نرد على هذا المبتدع فلا يعني أننا نرد على إمام احتاط للسنة، ونضرنا ذلك بعدم قبول عمر رضي الله عنه خبر الاستئذان من أبي موسى حتى يشهد له غيره، واستدلال المعتزلة بصنيع عمر رضي الله عنه بأن خبر الواحد لا يقبل، فإذا رددنا على المعتزلة في ردهم قبول خبر الواحد، هل معنى هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب؟ نعم، الذي يحتاط للسنن؟ لا يعني هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب، فنرد على المعتزلة ونشدد النكير عليهم، لما ثبت عندنا من قبول أخبار الآحاد، والنبي عليه الصلاة والسلام يبعث الرسائل مع واحد، نعم ويبعث إلى القبائل واحد يبلغهم الدين، وينقل عنه الأخبار، فلولا أن خبر الواحد مقبول لأرسل النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من واحد، لكنه ثبت أنه يرسل الواحد فخبر الواحد مقبول، فإذا رددنا على المعتزلة وشددنا النكير عليهم في ردهم خبر الواحد فلا
يعني هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب الذي احتاط للسنة، وهذا ظاهر، ظاهر وإلا مو بظاهر؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
انقطاع إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود بعدم اللقاء لا يعني ثبوت العدم، مسلم لا يمكن أن يقول: إن شخص بالصين ولم يثبت أنه حج ولا سافر تصح روايته عن شخص بالأندلس بالعنعنة، هذا لا يقوله مسلم ولا غيره ولو تعاصرا، فأهل العلم قاطبة كما قرر الحافظ ابن رجب يعلون بمثل هذا، بتباعد البلدان والأقطار، نعم، لكن يبقى أنه لا بد من الاحتمال للقاء، مع إمكان اللقاء، أما إذا ثبت عدم اللقاء ولو ثبتت المعاصرة هو منقطع، ما يقول بالاتصال أحد، إذا ثبت عدم اللقاء، لكن الكلام هل يشترط ثبوت اللقاء أو يكفي إمكان اللقاء؟ مسلم يكتفي بإمكان اللقاء، على كل حال هذه المسألة تقدمت فلا حاجة إلى إعادتها، نعم
…