الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح نخبة الفكر (11)
شرح قول المصنف: "وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفع أنواع الإجازة، وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك.
ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم فهم المتفق والمفترق، وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف، وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه، وكذا إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة، ويتركب منه ومما قبله أنواع منها: أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين، أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك.
خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً، ومراتب الجرح وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال أو وضاع أو كذاب، وأسهلها لين، أو سيء الحفظ، أو فيه مقال، ومراتب التعديل وأرفعها الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، وتقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من واحد على الأصح، والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قبل مجملاً على المختار".
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
ومثل (عن) في الحكم (أن) فهي محمولة على السماع بالشرطين المذكورين، وحكى بعضهم أن السند المؤنن منقطع، حكاه ابن الصلاح عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، فذكر عن الإمام أحمد أنه يفرق بين (أن) و (عن) فيحمل (عن) على الاتصال و (أن) على الانقطاع، ومثله عن يعقوب بن شيبة؛ لأن الإمام أحمد قال في خبر عن محمد بن الحنفية عن محمد بن الحنفية -انتبهوا- عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث، قال: هذا متصل، محمد بن الحنفية عن عمار، في طريق آخر قال: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: منقطع، فدل على أن الإمام أحمد يفرق بين (أن) و (عن)، ومثله يعقوب بن شيبة، لكن الحافظ العراقي قال:
كذا له -يعني ابن الصلاح-، ولم يصوّب صوبه
هل سبب الانقطاع هنا هو تفريق الصيغة بين (أن) و (عن)؟ هل هذا سبب الانقطاع؟ أو أنه في الطريق الأول حينما قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه يحكي قصة لم يشهدها يحكيها عن صاحبها الذي حصلت له، في الطريق الثاني عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم، محمد بن الحنفية تابعي فيحكي القصة التي لم يشهدها، في الطريق الأول يحكيها عن صاحبها التي حصلت له فهي متصلة، في الطريق الثاني يحكيها عن نفسه يحكي القصة عن نفسه والقصة لم يشهدها، ولذا قال الحافظ العراقي:
. . . . . . . . .
…
كذا له ولم يصوّب صوبه
يعني ما أدرك علة التفريق -يعني ابن الصلاح- أظن هذا ظاهر، ظاهر الفرق بينهما؟ حينما يقول: عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي عليه الصلاة والسلام؟ نعم، لما أحكي لكم قصة حصلت لي قبل خمس وثلاثين سنة مثلاً، فتنقلونها عني، متصلة وإلا منقطعة؟ فتقولون: عن فلان أنه حصل له كذا، متصلة، لكن لما تنقلون مباشرة أني أنا حصل لي في الوقت السابق قصة لم تحضروها ويمكن ما أدركتموها نعم، تصير متصلة وإلا منقطعة؟ منقطعة، هذا هو السر في تفريق الإمام أحمد بين (عن) و (أن) في هذا المثال، ولا يعني أنه يفرق باستمرار بين الصيغتين، ومثل السند المعنعن والمؤنن (قال) إذا روى بها التلميذ عن شيخه فهي محمولة على الاتصال بالشرطين المذكورين، كما يقول الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . أمّا الّذي
…
لشيخه عزا بقال فكذي
عنعنة كخبر المعازفِ
…
لا تصغ لابن حزم المخالفِ
وهذا تقدمت الإشارة إليه.
وقال الحافظ -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها".
من طرق التحمل عند جماهير العلماء الإجازة، وهي الإذن في الرواية المفيد للإخبار الإجمالي عرفاً، الإذن في الرواية، يأذن الشيخ للطالب أن يروي عنه صحيح البخاري، المفيد للإخبار الإجمالي، إخبار إجمالي بأحاديث الكتاب، وليس بإخبارٍ تفصيلي في كل حديث حديث على حدة، وهي أنواع كثيرة:
أن يجيز معين بمعين وهي أرفعها، يجيز فلان بن فلان بكتاب كذا معين يجيز شخص معين بكتاب معين، أن يجيز شخصاً معيناً في غير معين، أجزت لفلان أن يروي عني مروياتي، الصورة الثالثة: أن يجيز غير معين بوصف العموم: أجزت من قال: لا إله إلا الله، الإجازة للمجهول أو بالمجهول، الإجازة المعلقة بشرط، أجزتك إن قبلت أو إن قبل زيد، الإجازة للمعدوم: أجزت من يولد لك، أجزت من يولد، وبعضهم يتسامح في إجازة المعدوم إذا كان تابعاً لموجود، أجزتك وأجزت من يولد لك، أو أجزتك وولدك ما تناسلوا، هذه إجازة لمعدوم لكنها تابعة لموجود، الإجازة للطفل الذي لا يميز، إجازة ما لم يسمعه المجيز: أجزتك ما سأسمعه، الآن المسموع مجاز به، لكن أجزتك ما سمعت وما أسمعه، هذا إجازة ما لم يسمعه المجيز، إجازة المجاز، إجازة المجاز يعني شخص يروي بالإجازة فيجيز، والإجازة في أصلها ضعف، والخلاف فيها معروف عند أهل العلم، يعني مجرد ما يقول لك: اروِ عني صحيح البخاري تروي عنه، الجمهور قبلوا ذلك تخفيفاً على الطلاب؛ لأنه ليس كل طالب يتيسر له أن يجلس ويقرأ على الشيخ، أو يسمع من لفظ الشيخ، لا سيما بعد أن كثرت الكتب، كثرت المصنفات، وكثر الطلاب، وتباعدت الأقطار وضعفت الهمم، يعني تصورن أن شخص عنده رواية بصحيح البخاري كل من جاءه بيقرأ عليه صحيح البخاري تيسر له وإلا لا؟ ما يتيسر؛ لأنه إذا قرأ عليه هذا الطالب ثم جاء طالب آخر في أثناء القراءة إن تابع من النصف فمشكل فاته الأول، إن طلب الإعادة من الأول مشكل، نعم، فأذنوا بالرواية إجازة تخفيفاً على الطلاب، وتيسيراً على الشيوخ، نعم، فالإجازة بأصلها ضعف، فإذا أجاز شخصاً معين بكتاب معين هذا هو الأصل، لكن إذا أجاز بوصف العموم، أجزت من قال: لا إله إلا الله هي ضعيفة وتزداد ضعف بهذا التوسع، أجاز لمعدوم أجاز لمجهول، أجاز بمجهول، أجاز طفل لا يميز، أجاز ما لم يسمعه، كل هذه الصور ضعيفة، إجازة المجاز، إجازة المجاز يعني شخص يروي بالإجازة فيجيز، وثاني يروي بالإجازة فيجيز، وهكذا تتسلسل الرواية بالإجازة.
وأطلقوا المشافهة فيما تحمل بطريق الإجازة المتلفظ بها، أجازني أو عن فلان مشافهة، هو يروي عنه بالإجازة، لكنه شافهه بقوله: أجزتك، فيتوسع الطالب في الصيغة فيقول: عن فلان مشافهة، فالسامع يظن مشافهة أنه سمع منه لفظ الحديث، وكذا أطلقوا المكاتبة في الإجازة المكتوب بها، إذا كتب له: أذنت لك بالرواية، فقال: عن فلان مكاتبة أو كتابة، ولا شك أن في هذا نوع من التدليس؛ لأن السامع يظن أن هذا الطالب كتب إليه الشيخ بالحديث وهو كتب له بالإجازة لا بالحديث، وهو موجود في عبارات كثير من المتأخرين بخلاف المتقدمين، فإنهم إنما يطلقون المشافهة بما تحمل بطريق السماع، والمكاتبة بما كتب به الشيخ إلى الطالب، سواءً أذن له في روايته أم لا.
قال الشيخ: "واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية وهي أرفع أنواع الإجازة" المناولة مقرونة بالإجازة، يعني يعطيه الكتاب، يقول: خذ هذا صحيح البخاري اروه عني، مناولة مقرونة بالإجازة، فمن طرق التحمل عند الجمهور:"المناولة المقرونة بالإجازة"، وهي أن يناول الشيخ الطالب الكتاب من مرويه ويأذن له بروايته عنه، ويمكنه منه بهبة أو إعارة أو نحوها، فإذا اقترنت المناولة بالإجازة صارت أعلى من الإجازة، أعلى من الإجازة مجردة، وإن خلت المناولة عن الإجازة لم تصح، إذا قال: هذا صحيح البخاري خذ يا ولدي استفد منه، ولا أذن له بالرواية عنه فالأكثر على أنها لا تصح الرواية بها، مناولة مجردة عن الإجازة، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وإن خلت عن إذن المناولة
…
قيل: تصحّ والأصحّ باطلة
قال الحافظ: "وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك".
من طرق التحمل: الوجادة، وهي مصدر وجد يجد، مولد غير مسموع من العرب، لما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع، للتفريق بين مصادر وجد، للتمييز بين معاني مختلفة، فقالوا: وجد ضالة وجداناً ومطلوبه وجوداً، وفي الغضب وجد موجدة، والغناء وجد وجداً، وفي الحب وجداً، تختلف المصادر للفعل الواحد وجد، الفعل الواحد وجد الماضي، والمصادر مختلفة تبعاً للمعاني، يعني مثل فعل رأى، تختلف مصادر هذا الفعل تبعاً لمعانيها، فإذا رأى ببصره قال: رأى رؤيةً، وإذا رأى في النوم قال: رأى رؤيا، نعم، وإذا رأى بعقله قيل: رأى رأياً، فالرؤية والرؤيا والرأي كلها مصادر رأى، تختلف مصادرها باختلاف معانيها.
وهنا الوجادة والوجدان والوجود والموجدة والوُجد والوَجد مصادر للفعل وجد تختلف ألفاظها تبعاً لاختلاف معانيها، وحقيقة الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه، ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه، يجد بخط شيخ لا يشك فيه، هذه وجادة، نعم، وجادة، اشترطوا الإذن في الوجادة يعني إذا قلت مثلاً: كل كلام تجدونه بخطي ارووه عني، هذا ماشي، لكن إذا وجدتم بخطي كلام أو بخط فلان ممن تعرفونه كلام لا مانع أن تقول: وجدنا بخط فلان، لكن لا على سبيل الرواية، فالوجادة منقطعة وإن كان فيها شوب اتصال، لماذا؟ لأنك قد تجد بخط شخص بينك وبينه قرون، قد نجد بخط شيخ الإسلام مثلاً، إحنا نعرف خط شيخ الإسلام أو بخط ابن القيم، أو بخط ابن حجر، أو بخط ابن الصلاح، أو بخط السخاوي، هل نستطيع أن نروي ونحكم بالاتصال لمثل هذه الوجادة؟ لا، لكن إذا وجدنا بخط فلان الذي لا نشك أنه خطه ونقول: وجدنا بخط فلان، كثيراً في المسند ما يقول: حدثنا عبد الله قال: "وجدت بخط أبي" فليس للواجد حينئذ أن يروي هذه الأحاديث إلا إذا كان مأذوناً له بروايتها، ومجازاًُ فيها لكن له أن يقول: وجدت بخط فلان أو قرأت بخط فلان، والوجادة المجردة عن الإذن من باب المنقطع إلا أن فيه شوب اتصال بقوله: وجدت بخط فلان قاله ابن الصلاح، هذا من حيث الرواية وأما بالنسبة للعمل وجوازه اعتماداً على ما يوثق به منها فقد حكى بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم عدم العمل بذلك.
وحكي عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بذلك، يعني أنت وجدت بخط شيخ الإسلام كلام يتضمن حكم شرعي هل تقول: أنا لا أعمل بهذا الحكم حتى يصير لي رواية متصلة بما يؤلفه أو يكتبه شيخ الإسلام؟ نعم، أو نقول: تعمل به ما دام تجزم أن هذا خط شيخ الإسلام؟ ومن باب التوسع في هذه المسألة نقول: هل لك أن تعمل بحديث في كتاب ليست لك به رواية؟ منهم من منع ذلك، فلا يجوز لك أن تعمل بحديث ولو في البخاري وأنت ليست لك به رواية، وليس لك أن تنقل من كتاب ليست لك به رواية.
قلت: ولابن خير امتناعُ
…
نقل سوى مرويه إجماعُ
نقل الإجماع على ذلك أنك لا تعمل ولا تنقل من كتاب ليست لك به رواية، لكن عمل الأمة بأسرها على خلاف ذلك، بل نقل ابن برهان الإجماع على وجوب العمل بما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ولو لم تكن لك به رواية، وهذا ظاهر، يعني نقول لك هذا الحديث في صحيح البخاري يوجب عليك كذا، تقول: لا، ما يوجب عليّ حتى تكون لي به رواية؟ لا، أو لا أعمل بهذا الحديث الذي تضمن أمر من الأمور الشرعية حتى تكون لك به رواية ولا تنقله محتجاً به، ولا للاستدلال ما تنقل حديث من صحيح البخاري ولا تستدل به ولا تعمل به حتى تكون لك به رواية.
قلت: ولابن خير امتناعُ
…
نقل سوى مرويه إجماعُ
هو نقل الإجماع على ذلك لكن هو منقوض بالإجماع الذي نقله ابن برهان على وجوب العمل، ووجوب الاستدلال بالحديث وإن لم تكن لك به رواية إذا صح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
من طرق التحمل التي ذكرها أهل العلم: الوصية بالكتاب، وحقيقتها: أن يوصي الراوي بكتاب يرويه عند موته أو سفره لشخص، فروي عن بعض السلف أنه جوز الرواية بمجرد الوصية، والصواب كما قال الحافظ: أنها إن خلت عن الإجازة أنه لا عبرة بها، يعني شخص من أهل العلم حضرته الوفاة وقال: بدلاً من أن تباع بالحراج يشتريها من لا يستفيد منها، أو تبقى عند الورثة وهم لا يحتاجونها أوصي بها إلى طالب العلم الفلاني يستفيد منها -إن شاء الله- مأجور بهذه النية، لكن هل لفلان الموصى له أن يروي عن الشيخ هذه الكتب ولم يأذن له بروايتها؟ لا بد من اقتران الوصية بالكتب من الإذن بالرواية التي هي الإجازة إن خلت الوصية عن الإجازة لا عبرة بها وإن عمل بعض السلف بها.
ومن طرق التحمل: الإعلام، والمراد به: إعلام الراوي للطالب بأن هذا الكتاب أو هذا الحديث سماعه من فلان أو روايته مقتصراً على ذلك، يقول: أنا أروي صحيح البخاري عن فلان، أو أروي حديث: الأعمال بالنيات عن فلان، هل لهذا السامع أن يروي عن هذا الشيخ؟ فإن خلا الإعلام عن الإجازة فلا عبرة به كما قال الحافظ، وإن حكى ابن الصلاح جواز الرواية به عن كثيرين كابن جريج وطوائف من المحدثين والفقهاء والظاهرية، ثم قال ابن الصلاح: والمختار ما ذكر عن غير واحد من المحدثين وغيرهم من أنه لا تجوز الرواية بذلك وأما العمل فإنه يجب عليه العمل بما ذكره له إذ صح إسناده وإن لم تجز له روايته عنه؛ لأن ذلك يكفي فيه صحته في نفسه، تكفي صحة الخبر وإن لم تكن لك به رواية في وجوب العمل.
وأما الإجازة العامة كأن يقول: أجزت لجميع المسلمين أو لمن قال: لا إله إلا الله، أو لمن أدرك حياتي، وكذا الإجازة للمجهول كالمبهم والمهمل، والمعدوم كأن يقول: أجزت لمن سيولد لفلان تبعاً أو استقلالاً، كأن يقول: أجزت لفلان ومن سيولد له فإنه لا عبرة بذلك كله على الأصح في جميع ذلك وإن جوز ذلك بعضهم، والسبب في ذلك: أن أصل الإجازة في أصلها ضعف، وفي الاستدلال لها غموض، كما قال ابن الصلاح:"وتزداد ضعفاً بهذا التوسع" نعم.
أحسن الله إليك: "ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم فهم المتفق والمفترق، وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف، وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه، وكذا إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة، ويتركب منه ومما قبله أنواع منها: أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين، أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك".
نعم يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم فهم المتفق والمفترق" لا شك أن الأسماء تتفق كثيراً، محمد ومحمد ومحمد ومحمد عشرة، ثم قد تتفق آباؤهم محمد بن عبد الله ومحمد بن عبد الله خمسة، ثم في الثالث يتفق ثلاثة: محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن، ثم يتفق في النسبة اثنان محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، لكن هذا شخص وهذا شخص، هذا هو المتفق والمفترق يتفق في الاسم ويفترق في الذوات، المتفق والمتفرق هو أن تتفق الرواة وأسماء آبائهم فصاعداً، يعني كثيراً ما يتفق الأسماء ثلاثية أقل من ذلك أن تتفق رباعية وقد تتفق خماسية لا سيما في الأسر الكبيرة، نعم، تتفق الأسماء وتفترق الأشخاص، فالمتفق والمتفرق هو أن تتفق الرواة وأسماء آبائهم فصاعداً وتختلف أشخاصهم، سواءً في ذلك اتفق اثنان منهم أو أكثر، وكذا إذا اتفق اثنان فصاعداً في الكنية والنسبة، مثال ذلك: الخليل بن أحمد، الخليل بن أحمد ستة أشخاص كل منهم يقال له: الخليل بن أحمد، أولهم: النحوي البصري المعروف، صاحب العروض، الخليل بن أحمد، والثاني: أبو بشر المزني بصري أيضاً، روى عنه العباس العنبري وغيره، والثالث: أصبهاني روى عنه روح بن عبادة وغيره، والرابع: أبو سعيد السجزي القاضي الفقيه الحنفي حدث عنه ابن خزيمة وغيره، والخامس: أبو سعيد البستي القاضي المهلبي روى عنه السجزي المذكور، والسادس: أبو سعيد البستي أيضاً الشافعي روى عن أبي حامد الإسفرائيني وغيره، هؤلاء الستة اسم كل واحد منهم الخليل بن أحمد، وفات الخطيب الأربعة الأخيرة من هؤلاء قاله ابن الصلاح.
ومن أمثلته: أحمد بن جعفر بن حمدان، أحمد بن جعفر بن حمدان ثلاثي، أربعة كلهم في عصر واحد، أحدهم القطيعي، والثاني: السقطي، والثالث: دينوري، والرابع: طرسوسي، ومحمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري رباعي اثنان كلاهما في عصر واحد، ومثال ما اتفق من ذلك في الكنية والنسبة معاً أبو عمران الجوني اثنان، وأبو بكر بن عياش ثلاثة، وعكس صالح بن أبي صالح أربعة.
وفائدة معرفة هذا النوع خشية أن يظن الشخصان شخصاً واحداً، عكس ما تقدمت في المهمل؛ لأنه يخشى أن يظن الواحد اثنين هنا إذا جاءك أحمد بن جعفر بن حمدان وهم أربعة، هؤلاء الأربعة مروا عليك كل واحد منهم اسمه أحمد بن جعفر بن حمدان فتظنهم واحد، وهذا يحصل كثيراً لمن يحقق الكتب، فإذا مر هذا الاسم وضع علامة واحد وترجم قد يترجم لغير المقصود، لغير المراد الوارد في السياق.
من الطرائف في بحث لطالبة تنقل عن تفسير القرطبي، والقرطبي كثيراً ما يقول: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس يقول، هي تعرف أن ابن القيم كثيراً ما يقول: سمعت شيخنا أبا العباس يعني شيخ الإسلام، فترجمت لشيخ الإسلام وقالت: هذا رأي شيخ الإسلام، أين أنتِ من شيخ الإسلام؟ نعم القرطبي المفسر قبل شيخ الإسلام فضلاً عن شيخه أبو العباس، أبو العباس القرطبي أيضاً شيخه صاحب (المفهم) وكثيراً ما يقول: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس، ظنته أبو العباس بن تيمية، وهذا من هذا؛ لأنه يظن الأشخاص شخص واحد، فالعناية بهذا الباب مهمة جداً لئلا تنسب الأقوال إلى غير أصحابها؛ ولئلا يحكم على راوي بأنه ثقة وهو في الحقيقة ضعيف أو بالعكس، فالعناية بهذا الأمر في غاية الأهمية.
وفائدة معرفة هذا النوع خشية أن يظن الشخصان شخصاً واحداً عكس ما تقدم في المهمل؛ لأنه يخشى أن يظن الواحد اثنين، وصنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً، ولخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه أشياء كثيرة قاله في النزهة، نعم، هذا المعلق الذي علق على النزهة يتتبع الحافظ في كل كتبه التي لخصها من كتب الآخرين اسمه: أبو عبد الرحيم محمد كمال الدين الأدهمي، هذا معلق على النزهة، وهو من المعاصرين لكن ما هو معاصر لنا الآن؛ لأنه ذكر أنه قرأ صحيح البخاري على شيخه فلان سنة ألف وثلاثمائة وست عشر، سنة ألف وثلاثمائة وست عشر يعني قديم شوي، يعني ممكن متوفى من نصف قرن أو أكثر، نعم.
الحافظ كثيراً ما يلخص كتب الآخرين، لخص التهذيب، لخص المشتبه للذهبي، لخص كذا ولخص كذا، هذا المعلق يتتبعه ويشدد عليه في النكير، يقول هنا:"وقد صنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً وقد لخصته" فجاء المعلق يقول: "الكلام عليه كالكلام على ما سبق من أمثاله وهو قريب العهد منك، وإنني ليؤلمني كثيراً وما أدري كيف يطاوعهم دينهم أن يفعلوا ما فعلوه؟ وماذا يكون اعتذارهم أمام صاحب الكتاب الأصلي بحضرة الحق عز وجل يوم القيامة؟ وقد بلغنا أن الصدر الشهيد لما عمد إلى كتاب الإمام محمد المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة صاحب الإمام أبي حنيفة ولخصه، بأن حذف منه الأدلة التي ذكرها فيه مؤلفه، ورأى الإمام محمداً في المنام فقال له: "قطّعك –بالتشديد- الله كما قطعت كتابي، فما لبث أن قتل شر قتلة"، لا شك أن الحافظ محفوظ، يعني كتبه تلغي الأصول تماماً، فكتابه التلخيص ألغى البدر المنير، حتى أن البدر المنير رغم أهميته وحاجة طلاب العلم إليه إلى الآن لم يطبع كامل؛ لأنه طلع التلخيص الحبير والتلخيص لا شيء بالنسبة لأصله، فهذه الملخصات إن لم يضف إليها الملخِص من علمه ودرره كما فعل الحافظ في تهذيب التهذيب فلا قيمة لها، نعم قد يكون الهدف من التلخيص تقريب الأصل للمتعلمين ويبقى الأصل كما هو، وما كان لله بقي، فلا ضير حينئذٍ، لكن إلغاء الكتب الأصلية بهذه الطريقة يعني من إنصاف الملخِص والمختصِر أن يشيد بالكتاب الأصلي، يعني مما يؤسف له أن الحافظ المزي -رحمة الله عليه- وهو إمام لخص الكمال للحافظ عبد الغني، الكمال هو أصل الأصول في رجال الكتب الستة، ومع ذلكم إلى الآن لم يطبع، لماذا؟ لأن الحافظ المزي اعتنى بالكتاب وزاد عليه وأضاف إليه إضافات، لا شك أن تهذيب الكمال أفضل من الكمال، يعني إذا قارنا بين الكتابين، لكن يبقى أن الأصل له فضل السبق، وله المنة على من جاء بعده، والمنة -أولاً وأخراً- لله سبحانه وتعالى الذي وفق الجميع لسلوك هذا الطريق.
يبقى أن نقول لطالب العلم: من وسائل التحصيل التلخيص، يعني كثير من طلاب العلم لا يستوعب إذا قرأ، نعم، نقول: من وسائل تحصيل العلم التلخيص، إيش المانع أن تمسك قلم وتمسك تفسير ابن كثير وبدل ما هو كتاب كبير جداً تلخصه؟ تلخص فوائده، وتقتصر منه على ما يعنيك على فهم كتاب الله، ستفهم القرآن، وتفهم ابن كثير معاً، تأتي إلى تفسير الطبري وتقول: في روايات مكررة وأسانيد أنا لست بحاجة إليها وتلخص، تأتي إلى تفسير القرطبي تقول: فيه استطرادات كثيرة وأدلة ومذاهب لست بحاجة إليها فتلخص، نقول: هذه وسيلة من وسائل التحصيل، لكن يبقى أن هذا الملخَص لا ينشر في الوقت الراهن ما دمت طالباً، نعم إذا تمكنت فيما بعد وتأهلت للتأليف والتصنيف وأعدت النظر في هذا الملخص، ورأيته ينفع الناس لا مانع من نشره، فالتلخيص يقرب العلوم إلى القراء لا شك، وهو أيضاً وسيلة من وسائل التحصيل، من الطرائف: أن المسعودي في تاريخه (مروج الذهب) في أول الكتاب وفي آخره: من اختصره أو نقل منه أو حذف منه أو نسبه إلى غيرنا أو فعل أو فعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فلذلك بقي الكتاب ما اختصر ولا استفيد منه، والحمد لله أن الأمة ليست بحاجته، في أول الكتاب وفي آخره يقول هذا الكلام، الله المستعان.
على كل حال هذه مسألة يستفاد منها بقدر الحاجة.
يقول: "وصنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً ولخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه أشياء كثيرة قاله في النزهة.
قال رحمه الله: "وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف" انتهينا من المتفق والمفترق، المتفق والمتفرق خلاصته تتفق الأسماء إن كانت ثلاثية أو رباعية أو خماسية في الأسماء في الألقاب في الأنساب، نعم في الكنى، تتفق، قد تتفق ثلاثية وهذا كثير، تتفق رباعية والأمثلة ما تقدم، لكن الأشخاص مختلفون، نعم، تعرفون الناس يعانون من هذا، والأحوال تعاني أحياناً تطلب الاسم أكثر من ثلاثي رباعي من أجل ألا يحصل الاتفاق مع هذا الافتراق، وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً، تأتلف تتفق خط وتختلف نطق مثل عَبيدة وعُبيدة مثلاً فهو المؤتلف والمختلف، المؤتلف والمختلف: أن تتفق الأسماء في الخط وتختلف في النطق سواءً كان مرجع الاختلاف النقط أم الشكل، قال ابن الصلاح:"وهذا فن جليل من لم يعرفه من المحدثين كثير عثاره، ولم يعدم مخجلاً، وهو منتشر لا ضابط في أكثره يفزع إليه وإنما يضبط بالحفظ تفصيلاً".
سلمة بن كُهيل أنا سمعت واحد من الكبار يقرأه: سلمة بن كهبل، نعم، ألا يخجل مثل هذا أن ينطق مثل هذا النطق لكن هو ليست له عناية بهذا الشأن، فمثل هذا كما قال:"فن جليل من لم يعرفه من المحدثين كثير عثاره، ولم يعدم مخجلاً" يضحك عليه الصغار من أهل العناية، "وهو منتشر لا ضابط له في أكثره يفزع إليه، وإنما يضبط بالحفظ تفصيلاً".
ومعرفة هذا النوع من مهمات هذا الفن حتى قال علي بن المديني: "أشد التصحيف ما يقع في الأسماء" ووجه بعضهم بأنه شيء لا يدخله القياس ولا قبله شيء يدل عليه ولا بعده، يعني ما يفهم من السياق، أسماء الرجال لا تفهم من السياق، ولا يستدل عليها بما قبلها ولا ما بعدها، بخلاف المتون أحياناً الكلام تستدل عليه بما قبله وما بعده ويستقيم، لكن يبقى الكلام في الرجال.
جويرية بن أسماء يأتي الطالب ويقول: جويرية بن أسماء، يأتي ويعدل يقول: بنت أسماء، ما يمكن يصير هذا؟ ما يقول: هذا خطأ؟ جويرية بن أسماء بن فلان، فيعدل: بنت فلان بنت فلان، ما هو بصحيح، جويرية رجل وأسماء رجل، فالذي لا يعرف مثل هذه الأمور يقع في إشكالات كبيرة، رأيت فهرس لكتاب من الكتب الكبيرة فوضع واثلة بن الأسقع مع النساء، واثلة مع النساء، مثل جويرية بن أسماء وين يبي يضعه؟ نعم أين يوضع جويرية بن أسماء إذا كان واثلة بن الأسقع مع النساء؟ فلا بد من العناية بالرجال.
ما يمكن ضبطه من ذلك على قسمين: عام وخاص، فمن القسم الأول: سلاّم بالتشديد وسلام، قال ابن الصلاح:"جميع ما يرد عليك من ذلك فهو بالتشديد –سلَاّم- إلا خمسة، سلام والد عبد الله بن سلام الصحابي، وسلام والد ابن محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري، لكن قال صاحب المطالع، من صاحب المطالع؟ هذا يرد كثيراً في الشروح، وجهله مما يقبح بطالب العلم، يعني في شرح النووي كثيراً وفي فتح الباري: حكى صاحب المطالع، قال صاحب المطالع، من صاحب المطالع؟ هذا مطالع الأنوار، مطالع الأنوار على صحاح الأخبار لابن قرقول كتاب من أعظم الكتب لكن مع الأسف أنه ما طبع إلى الآن، لكن قال صاحب المطالع: "إن منهم من خففه ومنهم من ثقل وهو الأكثر"، وقال ابن الصلاح: "التخفيف أثبت" سلام بن ناهض المقدسي وسماه الطبراني سلامة، سلام جد محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي، سلام بن أبي الحقيق، وأما البقية كلهم سلاّم بالتشديد.
من ذلك عُمارة وعِمارة كلهم بالضم إلا أبي بن عِمارة، وكَريز وكُريز، وحِزام وحرام، والسْفر والسَفر، وإثْل وأثَل، وغنام وعثام، وقُمير وقَمير، ومسوَر ومسوَّر، والحمال والجمال، قال ابن الصلاح:"وقد يوجد في هذا الباب ما يؤمن فيه من الغلط، ويكون اللافظ فيه مصيباً كيفما قال" يعني أينما وجهت صحيح، أينما صرفت الكلمة صحيح مثل: عيسى بن أبي عيسى الحنَّاط، يعني لو قلت: الخياط صحيح، لو قلت: الخباط صحيح؛ لأنه حناط وخياط وخباط، نعم، إلا أن شهرته بالنون.
القسم الثاني: الخاص، ضبط ما في الصحيحين أو هما معاً مع الموطأ من ذلك على الخصوص، فمن ذلك بشار بالشين المنقوطة والد بندار محمد بن بشار، وسائر ما في الكتابين يسار بالياء آخر الحروف والسين المهملة، وفيهما سيار بن سلامة، سيار بن أبي سيار وردان، وجميع ما في الصحيحين والموطأ مما هو على صورة بسر فهو بالشين المنقوطة بشر وكسر الباء إلا أربعة فإنهم بالسين المهملة وضم الباء وهم: عبد الله بن بسر المازني صحابي، وبسر بن سعيد، وبسر بن عبد الله الحضرمي، وبسر بن محجن الديلي، وقيل فيه: بشر بالشين وبالأول قال الأكثر، وجميع ما فيه على صورة بشير بالياء المثناة من تحت قبل الراء فهو بالشين منقوطة والباء الموحدة مفتوحة إلا أربعة اثنين بضم الباء وهما: بُشير بن كعب العدوي وبُشير بن يسار، والثالث: بالياء يسير بن عمرو بالياء ويقال قسير، الرابع: قطن بن نسير بالنون، قطن بن نسير بالنون، وجميع ما فيها من البراء فإنه بتخفيف الراء إلا أبا معشر البرَّاء وأبا العالية البرّاء فإنهما بتشديد الراء، والبرّاء الذي يبري الأعواد والسهام.
وخِراش كله بالخاء المعجمة إلا والد ربعي بن حراش بالحاء المهملة، وزعم المنذري في مختصر سنن أبي داود أنه بالخاء المعجمة، وحُصين كله بضم الحاء إلا أبا حَصِين عثمان بن عاصم الأسدي، وجميعه بالصاد إلا حضين بن المنذر أبا ساسان فإنه بالضاد المعجمة، وعُبيدة في الكتب الثلاثة كله بالضم إلا عَبيدة السلماني، وعَبيدة بن حميد، وعَبيدة بن سفيان، وعامر بن عَبيدة الباهلي، السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين نسبة إلى بني سلمة، وأهل العربية يفتحون اللام منه في النسب كما في النمَري والصدَفي وبابهما، وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام على الأصل وهو لحن، والله أعلم.
السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين نسبة إلى بني سلِمة، النسب بفتح اللام والأصل سلِمة، وأهل العربية يفتحون اللام منه في النسب كما في النمَري، سلَمي نسبة إلى بني سلِمة سلَمي، والنسبة إلى النمِر بكسر الميم نمَري ومثله الصدَفي وبابهما، وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام سلِمي على الأصل وهو لحن، لحن، الصواب سلَمي كما يقوله أهل العربية لا سلِمي، وهذا في نظائره مكسور الثاني إذا نسب إليه يفتح؛ لئلا تتوالى كسرات في النسب، وعلى هذا إذا نسبنا إلى الملِك نقول: ملِكي وإلا ملَكي؟ ملَكي، وملِكي لحن، وإن سمع في بعض الأحيان من بعض أهل العناية، لكنه لحن، الصواب بالفتح، صنف في هذا النوع الحافظ الدارقطني وذيل على كتابه الخطيب البغدادي، كما صنف فيه عبد الغني بن سعيد، ثم جمع الجميع الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتابه:(الإكمال)، قال ابن حجر:"وكتابه من أجمع ما جمع في ذلك"، الإكمال لابن ماكولا، "وهو عمدة كل محدث بعده"، واستدرك عليه أبو بكر بن نقطة ما فاته في مجلد ضخم، ثم ذيل عليه منصور بن سليم في مجلد لطيف، وكذلك ابن الصابوني، وجمع الذهبي في ذلك كتاباً مختصراً جداً، قال ابن حجر:"أعتمد فيه على الضبط بالقلم فكثر فيه الغلط والتصحيف المباين لموضوع الكتاب"، ثم صنف الحافظ ابن حجر كتاباً في توضحيه سماه:(تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) نعم.
هنا يقول: "وجمع الذهبي في ذلك كتاباً مختصراً جداً أعتمد فيه على الضبط بالقلم فكثر فيه الغلط والتصحيف المباين لموضوع الكتاب، وقد يسر الله تعالى بتوضيحه في كتاب سميته: (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) وهو مجلد واحد فضبطته بالحروف على الطريقة المرضية وزدت عليه شيئاً كثيراً مما أهمله أو لم يقف عليه ولله الحمد على ذلك" صحيح الحافظ أجاد في هذا الكتاب، المعلِق الذي يستدرك على الحافظ يقول: يعني أنه عمد إلى تلك المصنفات ولخصها وجعل منها كتاباً باسمه وقوله: (تبصير المنتبه) لا وجه له، لا وجه لهذه التسمية لأن المنتبه لا يحتاج إلى من يبصره أي ينبه، وإنما التنبيه يكون للغافل، وقوله: على الطريقة المرضية، جملة لا معنى لها وإنما أتى بها ليخفف من اعتراض من يعترض عليه، أو يبرر عمله الذي عمله، عرفنا أن هذا متحامل على الحافظ، له تعليقات لطيفة وجميلة، لكن هو متحامل على الحافظ، رحم الله الجميع.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه"، اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه، "وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة ويتركب منه ومما قبله أنواع: منها أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك"، إذا اتفقت الأسماء خطاً ونطقاً واختلفت الآباء نطقاً مع ائتلافها خطاً أو عكسه بأن تختلف الأسماء نطقاً وتأتلف خطاً، وتتفق الآباء خطاً ونطقاً فهذا النوع يقال له: المتشابه، ومثال الأول: محمد بن عَقيل بفتح العين ومحمد بن عُقيل بضمها، الأول: نيسابوري، والثاني: فريابي، وهما مشهوران وطبقتهما متقاربة، ومثال الثاني: شريح بن النعمان وسريج بن النعمان الأول بالشين المعجمة والحاء، والثاني بالسين المهملة والجيم.
وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في اسم الأب والاختلاف في النسبة، ومثله إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة، وصنف الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً سماه:(تلخيص المتشابه).
ويتركب من هذا النوع المتشابه مع ما قبله أنواع كثيرة منها: أن يحصل الاشتباه في الاسم واسم الأب مثلاً إلا في حرف أو حرفين فأكثر من أحدهما أو منهما وهو على قسمين:
الأول: ما وقع فيه الاختلاف بالتغيير مع أن عدد الحروف ثابت في الجهتين فمحمد بن سنان ومحمد بن سيار ومحمد بن حنين ومحمد بن جبير، ومعرف بن واصل، ومطرف بن واصل، وأحمد بن الحسين، وأحيد بن الحسين وحفص بن ميسرة، وجعفر بن ميسرة، كل هذه أسماء متقاربة في الصورة، ويحصل فيها التصحيف كثيراً.
والثاني: ما وقع فيه الاختلاف بالتغيير مع نقصان بعض الأسماء عن بعض في عدد الحروف نحو عبد الله بن يزيد وعبد الله بن زيد عبد الله بن يحيى عبد الله بن نجي، يحيى ونجي قريبة في الصورة، ومن ذلك أن يحصل الاتفاق في الخط والنطق ويحصل الاختلاف والاشتباه في التقديم والتأخير إما في الاسمين أو في أحدهما، مثال ذلك: ما كان ذلك في الاسمين معاً: الأسود بن يزيد ويزيد بن الأسود، عبد الله بن يزيد ويزيد بن عبد الله، نصر بن علي وعلي بن نصر، كعب بن مرة مرة بن كعب، ومثال ما كان ذلك في أحد الاسمين: أيوب بن سيار وأيوب بن يسار، صنف الخطيب البغدادي كتاباً سماه:(رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب) بهذا نعرف قدر الخطيب -رحمه الله تعالى- الذي لم يترك باب من أبواب علوم الحديث إلا وصنف فيه مصنفاً، ومع ذلك يعتب على الخطيب ويقال: إن الخطيب أساء إلى علوم الحديث وأدخل فيه ما ليس منه، والله المستعان.
هذا سؤال يعني يمكن أن يجاب عليه، هذا يسأل عن الموقظة للحافظ الذهبي رحمه الله، وهل من حفظ النخبة ينصح بقراءة الموقظة وحضور شرحه؟ وكذا هل تغني النخبة عن البيقونية؟
نعم النخبة تغني عن البيقونية، لكن لا يمنع أن يحفظ طالب العلم البيقونية أربعة وثلاثين بيت، ما تكلفه شيء لا سيما إذا كان ما هو بحافظ منظومات أخرى؛ لأن النظم مفيد ومهم، فيبدأ بالبيقونية، والنخبة يحفظها ويقرأ شرحها، ويعتني بها، وإن حفظ نظمها للصنعاني لا بأس، أما بالنسبة للموقظة للحافظ الذهبي فهي كتاب نفيس فيه تحريرات للحافظ -رحمة الله عليه- الذهبي، وهي ليست شاملة لكل علوم الحديث في كل ما يحتاجه طالب علوم الحديث، لكن هي مجرد انتقاء لمسائل تحدث عنها الحافظ الذهبي بدقة وتحرير -رحمة الله عليه-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم.
أحسن الله إليك: "خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً، ومراتب الجرح وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال أو وضاع أو كذاب، وأسهلها لين، أو سييء الحفظ، أو فيه مقال، ومراتب التعديل وأرفعها الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، وتقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من واحد على الأصح، والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قبل مجملاً على المختار".
يكفي، يكفي.
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً" هذه خاتمة ختم بها الحافظ -رحمه الله تعالى- مسائل الكتاب، والخاتمة خبر مبتدأه محذوف تقديره: هذه خاتمة، ومن المهم لمن له أنس وارتياح لعلم الحديث معرفة أشياء تهم طالب الحديث ويقبح به جهلها فمن ذلك:
أولاً: معرفة طبقات الرواة وهي جمع طبقة، وهي في الاصطلاح: عبارة عن جماعة من أهل زمان اشتركوا في سن ولقاء المشايخ والأخذ عنهم، وقد يكون الشخص من طبقتين باعتبارين أي على حيثيتين مختلفتين، كأنس بن مالك وغيره من أصاغر الصحابة فإنه من حيث ثبوت الصحبة يعد في طبقة العشرة مثلاً، هو صحابي مثلهم ومن حيث صغر السن يعد في طبقة من بعدهم، فمن نظر إلى الصحابي باعتبار الصحبة جعل الجميع طبقة واحدة كما صنع ابن حبان في الثقات وابن حجر في التقريب، ومن نظر إليهم باعتبار قدر زائد كالسبق إلى الإسلام أو شهود المشاهد الفاضلة جعلهم طبقات، وإلى ذلك جنح ابن سعد صاحب الطبقات، قال ابن حجر:"وكتابه أجمع ما جمع في ذلك، ومثل ذلك طبقة التابعين بالاعتبارين المذكورين".
فائدة: جعل ابن سعد طبقات الصحابة خمساً، وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة وهكذا، قال السخاوي: منهم من يجعل كل طبقة أربعين سنة، وجعل الحافظ ابن حجر طبقات رواة الكتب الستة اثنتي عشرة طبقة، الأولى: الصحابة على اختلاف مراتبهم، وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية من غيره، الثانية: طبقة كبار التابعين كابن المسيب فإن كان مخضرماً صرحت بذلك –هذا كلام الحافظ-، الثالث: الطبقة الوسطى من التابعين كالحسن وابن سيرين.
الرابعة: طبقة تليها جل روايتهم عن كبار التابعين كالزهري وقتادة.
الخامس: الطبقة الصغرى منهم الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش.
السادسة: طبقة عاصروا الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج.
السابعة: كبار أتباع التابعين كمالك والثوري.
الثامنة: الطبقة الوسطى منهم كابن عيينة وابن علية.
التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين كيزيد بن هارون والشافعي وأبي داود الطيالسي وعبد الرزاق.
العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلق التابعين كأحمد بن حنبل.
الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك كالزهري والبخاري.
الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة الذين تأخرت وفاتهم قليلاً كبعض شيوخ النسائي.
ومعرفة طبقات الرواة فن مهم جداً، من فوائده: سد باب الكذب على الدجالين، وكشف خبيئة المدلسين، وإزاحة الستار عن حقيقة العنعنة، وإمكان الاطلاع على وصل الحديث أو إرساله، والأمن من تداخل الاسمين إن اتفقا في الاسم واختلفا في الطبقة وهكذا، نعم معرفة الطبقات في غاية الأهمية، تحدد إمكان سماع الراوي عن من يروي عنه.
ثانياً: من المهم معرفة مواليد الرواة ووفياتهم؛ لأنه بمعرفتهما يحصل الأمن من دعوى المدعي للقاء بعضهم وهو في نفس الأمر ليس كذلك، معرفة المواليد والوفيات يعني معرفة تواريخ الرواة، وعرفنا أن كثير من الرواة افتضح لما ادعى الرواية عن شيخ ثم سئل عن مولده فتبين أنه ولد بعد وفاة ذلك الشيخ فافتضح، قال ابن الصلاح:"روينا عن سفيان الثوري أنه قال: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ"، وروينا عن حفص بن غياث أنه قال:"إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين"، يعني احسبوا سنه وسن من كتب عنه، وهذا نحو ما روي عن إسماعيل بن عياش قال:"كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث فقالوا: ههنا رجل يحدث عن خالد بن معدان فأتيته فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال: سنة ثلاث عشرة -يعني ومائة-، فقلت: أتزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين؟ سمعت منه بعد موته بسبع سنين؟ قال إسماعيل: "مات خالد سنة ست ومائة"، روينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: "لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي وحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين، فقلت لأصحابنا: سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة".
من المهم أيضاً معرفة بلدان الرواة وأوطانهم، قال ابن الصلاح:"وذلك مما يفتقر حفاظ الحديث إلى معرفته في كثير من تصرفاتهم، ومن مظان ذكره الطبقات الكبرى لابن سعد وكتب تواريخ البلدان كتاريخ بغداد للخطيب وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ نيسابور للحاكم وغيرها، وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى القبائل، فلما جاء الإسلام وغلب عليهم سكنى القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان، كما كانت العجم تنتسب، وأضاع كثير منهم أنسابهم، فلم يبق لهم غير الانتساب إلى الأوطان، فلان المكي، فلان المدني، فلان الطائفي وهكذا، بعد أن كانوا فلان القرشي، فلان المخزومي، فلان الخزرجي، فلان .. ، بعد أن كانوا ينتسبون إلى القبائل صاروا ينتسبون إلى البلدان فأضاع كثير منهم الأنساب، ومن انتقل من بلد إلى بلد وأراد الجمع بينهما في الانتساب فليبدأ بالأول ثم بالثاني المنتقل إليه، وحسن أن يدخل على الثاني كلمة "ثم" فيقال: فلان بن فلان المصري ثم الدمشقي وهكذا.
ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضاً، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة أيضاً، قال الحافظ:"وفائدته الأمن من تداخل الاسمين إذا اتفقا لكن افترقا نسبةً".
قال: "من المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم" وهذا انتهينا منه "وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالة" من المهم بل من أهم المهمات لمن يتصدى لهذا الشأن معرفة كل وصف قام بالرواة من الأوصاف المؤثرة في قبول أخبارهم أو ردها من العدالة والجرح والجهالة، قال الحافظ:"ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً وتجريحاً وجهالة" لأن الراوي إما أن تعرف عدالته، أو يعرف فسقه، أو لا يعرف فيه شيء من ذلك، وكلام الحافظ هنا يدل على أن الجهالة ليست بجرح، ليست بجرح، فليست بقسم من أقسامه، بل قسيم له، فعلى هذا هي عدم علم بحال الراوي، ويدل على ذلك كلام أبي حاتم الرازي في بعض الرواة، بل في كثير من الرواة حينما يقول:"فلان مجهول أي لا أعرفه"، وكثيراً ما يقول: مجهول فقط أو لا أعرفه فقط، لكن يشكل على هذا أن من رتب ألفاظ الجرح والتعديل جعلوا لفظ (مجهول) من ألفاظ الجرح، فعلى هذا هي جرح، على كلام الحافظ وكلام أبي حاتم هي عدم علم بحال الراوي، ومقتضى صنيع من أدخل لفظ (مجهول) في ألفاظ الجرح أنها تجريح، ويترتب على ذلك الحكم على الخبر المروي من طريق من وصف بمجهول، فمقتضى كونه جرحاً أن يضعف الخبر بسببه ابتداءً، ومقتضى كونه عدم علم بحال الراوي أن يتوقف في الحكم على الخبر حتى تتبين حال الراوي، وهذا أشرنا إليه سابقاً في المجهول وأنواعه.
ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ومراتب الجرح وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال، أو وضاع، أو كذاب، وأسهلها لين، أو سيء الحفظ، أو فيه مقال" مراتب الجرح والتعديل أول من رتبها وهذبها وأدرج فيها الألفاظ المستعملة من قبل أئمة هذا الشأن الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في تقدمة كتابه (الجرح والتعديل) فأجاد وأحسن رحمه الله، وجعل ابن أبي حاتم المراس في القسمين أربعاً أربعاً، أربعاً في قسم التعديل، وأربعاًَ في قسم التجريح، وتبعه على ذلك ابن الصلاح والنووي وابن كثير، ثم جاء الذهبي والعراقي فزادا في كل قسم مرتبة، فصارت المراتب خمساً خمساً، ثم جاء الحافظ ابن حجر فزاد في التقريب مرتبة في كل قسم فصارت المراتب ستاً ستاً، لكنه نسخ مراتب القسمين جميعاً وأدرج مراتب الجرح بعد مراتب التعديل، فصارت المراتب اثنتي عشرة مرتبة سيأتي ذكرها قريباً -إن شاء الله تعالى-.
وقريب من صنيع الحافظ ما فعله السخاوي في فتح المغيث والسيوطي في التدريب، لكن الحافظ هنا اقتصر على ذكر أسوأ مراتب الجرح وأسهلها، وترك ما بين ذلك من المراتب فقال في النخبة وشرحها:"وأسوأها ما دل على المبالغة فيه، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأكذب الناس، وكذا قولهم: إليه المنتهى في الوضع، أو هو ركن الكذب أو نحو ذلك، ثم دجال، أو وضاع، أو كذاب؛ لأنها وإن كانت فيها نوع مبالغة لكنها دون التي قبلها" دجال وضاع كذاب، دون أكذب الناس، وإليه المنتهى في الوضع، وأسهلها -أي الألفاظ المستعملة في الجرح- قولهم: لين، أو سيء الحفظ، أو فيه أدنى مقال، قال في النزهة:"وبين أسوأ الجرح وأسهله مراتب لا تخفى، فقولك: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث أشد من قولهم: ضعيف، أو ليس بالقوي، أو فيه مقال"، هذا ما صنعه الحافظ في مراتب التجريح ذكر الأشد والأسوأ والأدنى، وترك ما بينهما من المراتب؛ لأن الكتاب مختصر شديد الاختصار، ألف للحفظ فلا يستوعب فيه كل شيء كما هو معروف.
مراتب التعديل: "وأرفعها -كما قال الحافظ- الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ".
من المهم أيضاً معرفة مراتب التعديل وأرفعها عند الحافظ في النخبة وشرحها كما هنا الوصف بما دل على المبالغة في ذلك، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأوثق الناس، أو أثبت الناس، أو إليه المنتهى في التثبت، ثم ما تأكد بصفة من الصفات الدالة على التعديل أو صفتين كثقة ثقة، أو ثبت ثبت، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط، أو نحو ذلك، نعم، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط كذا قال، لكن قوله: أو عدل ضابط ليس فيه تأكيد؛ لأن عدل ضابط تساوي ثقة فقط مرة واحدة؛ لأن الثقة من جمع بين العدالة والضبط، ففي كلامه رحمه الله نظر، "وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، ويروى حديثه ويعتبر به ونحو ذلك، وبين ذلك مراتب لا تخفى" وما تركه الحافظ من مراتب ألفاظ القسمين يمكن استكماله من مقدمة التقريب، وقدمته على غيره -يعني اعتنيت بمراتب التعديل والجرح عند الحافظ لصلته بالكتاب المشروح، لصلة التقريب بالنخبة؛ لأن كلها من كلام رجل واحد، فتكميل كلام الرجل الواحد بكلامه أولى من تكميله بكلام غيره، مع أنه لا يمنع .. ، لا يمنع من الإشارة إلى كلام غيره -إن شاء الله تعالى-، قدمته على غيره، قدمت ما في التقريب على غيره لصلته بالكتاب المشروح، ولعناية الناس به واعتمادهم عليه، فقال:
المرتبة الأولى: الصحابة، فأصرحُ بذلك لشرفهم، هنا قال: المرتبة الأولى: أوثق الناس ما جاء بأفعل التفضيل أوثق الناس، وفي التقريب قال: المرتبة الأولى الصحابة فأصرحُ بذلك لشرفهم.
الثانية: من أكد مدحه إما بأفعل كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظاً كثقة ثقة أو معنى كثقة حافظ.
المرتبة الأولى في النخبة: أوثق الناس، والثانية: ما تأكد بصفة، جعلهما مرتبة واحدة هي الثانية عنده في التقريب وجعل الأولى للصحابة.
الثالثة: من أفرد بصفة كثقة، أو متقن، أو ثبت، أو عدل، لكن في قوله: عدل وإلحاقه بهذه المرتبة نظر؛ لأن العدالة واحدها لا تكفي فليست مقارنة لثقة إلا إذا قيل: عدل ضابط تساوي ثقة.
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به أو ليس به بأس.
الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق سيئ الحفظ أو صدوق يهم أو له أوهام أو يخطئ أو تغير بأخرة، ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم مع بيان الداعية من غيره.
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث، وفي هذه المرتبة إشكال كبير تأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-.
لا مانع أن نقدم الكلام على هذه المرتبة السادسة من ليس من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث.
أولاً: الأحكام في التقريب على الرواة وليست على المرويات، على الرواة وليست على المرويات فيحكم على الراوي بغض النظر عنه هل توبع أم لا؟ فأصحاب هذه المرتبة ليس لهم من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله –يعني من أقوال الأئمة- أو من مخالفة الثقات، ليس له من الحديث إلا القليل مقل من الرواية، لم يثبت فيه من أقوال أهل العلم أو من مخالفته للثقات ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول، يكفي، متى يصير مقبول؟ حيث يتابع وإلا فلين الحديث، الآن ما الفرق عندنا بين لين مقبول؟ هما واحد في الأصل، لين ومقبول واحد لا فرق بينهما إلا أن المقبول توبع واللين لم يتابع.
إذاً إذا وجدنا وصف لراوٍ من الرواة في التقريب بأنه لين وهي من مراتب التجريح، إذا توبع طلع إلى مراتب التعديل صار مقبول صح وإلا لا؟ طيب، الضعيف إذا توبع إيش يصير؟ يصير مقبول، الضعيف إذا توبع يصير مقبول، إذاً ما الفرق بين لين وضعيف؟ لو عندنا ثلاثة رواة، ثلاثة رواة واحد وصف بمقبول، والثاني بلين، والثالث: بضعيف، من يحرر لي الفرق بين هؤلاء الرواة؟ الضحاك بن حمرة مقبول، الضحاك المعافري ضعيف، الضحاك بن نبراس لين، كلهم في التقريب هكذا، ما الفرق بين الرواة الثلاثة؟ ما الفرق بينهم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب الآن النظر في التقريب وظيفة من درس وانتهى وإلا وظيفة من أراد أن يدرس؟ من أراد أن يدرس إيش يدريك أنه توبع أو ما توبع الآن؟ نعم، افرض أنك بحثت عنه وجدته ما توبع، وجدت له حديث وجدته ما توبع، إيش يصير؟ هذا الذي قيل عنه في التقريب: مقبول، وورد حديث من طريقه بحثت عنه في طرقه في جميع دواوين السنة ما وجدت له متابع، إيش يصير؟ لين، إذاً الحكم في التقريب على الرواة لا على المرويات.
الثاني: اللين وجدت له متابع طلع صار مثل زميله مقبول، الضعيف وجدته متابع ارتقى حديثه إلى درجة القبول، إذاً هذه المرتبة فيها إشكال، أنا لم يتحرر لي الفرق بين مقبول ولين وضعيف، يظهر الفرق وإلا ما يظهر؟ لأن المقبول هذا إذا لم يتابع رجع لين، اللين إذا توبع صار مقبول، إذاً كيف نصف واحد بأنه لين والثاني مقبول؟ والقاعدة تشملهما من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول حيث يتابع، هل نستطيع أن نقول: إن الحافظ كل من حكم عليه بأنه مقبول في التقريب أن جميع مروياته توبع عليها؟ ومن حكم عليه بأنه لين جميع مروياته لم يتابع عليها؟ هل نستطيع أن نقول هذا الكلام؟ هذا أقرب ما يقال، نعم، نقول: أقرب ما يقال أن الحافظ تتبع أحاديث هؤلاء فمن حكم عليه بمقبول وجد أنه توبع على جميع أحاديثه، ومن حكم عليه بلين أنه لم يتابع على أي حديث من أحاديثه، هذا أقرب ما يقال في مثل هذا الكلام، لكن هل نستطيع أن نقول: إن ابن حجر أحاط بكل مرويات الرواة؟ ألا يمكن أن يوجد حديث لمن وصف بأنه مقبول لم يتابع عليه لم يطلع عليه الحافظ؟ أو العكس من قيل فيه: لين وتوبع عليه؟ إذاً الأحكام في الكتاب ينبغي أن تكون للرواة، لا شك أن المروي له أثر في الراوي؛ لأنه لا يعرف ضبط الراوي إلا من خلال مروياته، وأنه وافق الثقات، إذا وافقهم حكم عليه بأنه ضابط، وإذا خالفهم حكم عليه أنه ليس بضابط، لكن الأصل في هذا الكتاب أنه للرواة، يعني إذا وجدنا راوي ضعيف دعنا من مقبول ولين، إذا وجدنا راوٍ ضعيف حكم عليه بأنه ضعيف، وجدت رواية أخرى متابعة لهذا الراوي ألا يطلع إلى درجة القبول؟ يطلع إلى درجة القبول، فهذه المرتبة فيها إشكال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ يعني صدوق سيء الحفظ؟ صدوق يهم؟ له أوهام يخطئ؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف أن هؤلاء .. ، حتى الصدوق -على ما سيأتي- أقول: فيه خلاف على ما سيأتي.
السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ: مستور أو مجهول الحال.
الآن الست كلها تعديل عند ابن حجر إلى لفظ مقبول كلها تعديل، السابعة إلى الثانية عشرة كلها تجريح عنده
إذاً السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ مستور أو مجهول الحال، تقدم أن المستور عند ابن حجر هو من عرفت عدالته الظاهرة دون الباطنة ما تقدم هذا؟ نعم، تقدم هذا، وهو المستور، عندكم في النخبة، "متى توبع السيئ الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل المدلس". . إلى آخره، نعم، "أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور" إذاً هنا المستور عنده بإزاء مجهول الحال، الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف، بلفظ ضعيف.
التاسعة: من لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ مجهول، والمراد به مجهول العين.
العاشرة: من لم يوثق البتة ومع ذلك ضعف بقادح، ضعف مع ذلك بقادح وإليه الإشارة بمتروك أو متروك الحديث أو واهي الحديث أو ساقط.
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب والوضع، هذه مراتب الجرح والتعديل عند الحافظ ابن حجر، وقد رتبها على سبيل التدلي من أعلى مراتب التعديل إلى أسوأ مراتب الجرح، والحكم في أهل هذه المراتب الاحتجاج بأهل المراتب الثلاث بلا خلاف، الثلاث الأولى: الصحابة، من جاء بأفعل التفضيل أو أكد بتكرار اللفظ، والثالثة من أفرد بلفظ بصفة كثقة أو متقن أو ثبت، هؤلاء يحتج بهم بلا خلاف.
واختلف في أهل المرتبة الرابعة وهم من قيل فيه صدوق، من قصر عن درجة الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به، هذا مختلف فيه، الصدوق مختلف في روايته، فذهب ابن أبي حاتم وابن الصلاح ومن تبعه إلى أنه لا يحتج به ابتداءً، بل يكتب حديثه وينظر فيه، لماذا؟ لا يحتج بحديث الصدوق ابتداءً بل صرح أبو حاتم حينما وصف راوٍ بأنه صدوق قيل له: أتحتج به؟ قال: لا، نعم، إذاً الصدوق عند هؤلاء عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح ومن تبعهم لا يحتج به، بل يكتب حديثه وينظر فيه؛ لأن هذا اللفظ لا يشعر بشريطة الضبط.
حجة من رد حديث الصدوق: قال: صدوق وإن كانت مبالغة في الصدق وعدم الكذب إلا أنه لا يشعر بشريطة الضبط، ومن تمام الثقة أن يكون ضابطاً، يعني مما يشترط لصحة الخبر أن يكون راويه متصفاً بالضبط، كيف صدوق لا يشعر بشريطة الضبط؟ اتصور أنه في يوم عيد مثلاً وشخص جالس في منزله فطرق الباب للتهنئة، فقال لولده: افتح، فتح الباب قال يا أبت: فلان، هو صحيح فلان، طرق الباب ثانية قال: افتح وشوف من هو؟ فتح وقال: فلان، صحيح، فتح إلى تمام المائة، هذا صدوق وإلا كذاب الولد؟ نعم، ما أخطأ ولا مرة، كل مرة يقول: الطارق فلان، مائة مرة، مائة رجل طرقوا الباب في يوم العيد، وكلهم أخبر عنهم على مقتضى الواقع، يستحق الوصف بصدوق وإلا لا؟ مبالغة في الصدق، يعني ما أخطأ ولا كذب ولا مرة، هذا صدوق، الولد صدوق، صيغة مبالغة، صح وإلا لا؟ طيب من الغد يسأله أبوه يا ابني من الذي جاء أمس؟ من طرق الباب أمس؟ وعددهم مائة، فيقول: فلان، وفلان، يعد اثنين ثلاثة وينسى الباقي، هذا ضابط وإلا لا؟ هو صدوق لكنه ليس بضابط، تنظير مطابق وإلا غير مطابق؟ الآن صدوق ما كذب ولا مرة، في مائة واقعة ما كذب ولا مرة، إذاً يستحق الوصف بصدوق، لكن من الغد قال له أبوه: من الذي جاءوا أمس؟ من الذي جاءوا للتهنئة أمس يوم العيد؟ قال: زيد وعمرو وعبيد وما أدري إيش؟ عد ثلاثة أربعة خمسة ونسي أكثر من تسعين هذا ليس بضابط وإن استحق الوصف بالمبالغة بالصدق إلا أنه ليس عنده ضبط؛ لأن لفظ صدوق لا يشعر بشريطة الضبط، هذه حجة من يقول: إن الصدوق لا يحتج به، أظنه ظاهر.
وذهب آخرون إلى الاحتجاج بحديث الصدوق هذا الذي عليه العمل عند المتأخرين، الذهبي، ابن حجر، العراقي، السخاوي، السخاوي جعل لفظ صدوق من المراتب التي لا يحتج بها إلا بمتابع، السيوطي، الألباني، كل من يصحح ويضعف يجعل الصدوق يحتج به، وإن كان لا يجعله من درجة الصحيح يجعله من درجة الحسن لوجود الخلاف القوي فيه، ما حجتهم؟ لأن العدول من صادق إلى صدوق من صادق إلى صدوق يدل على ملازمة الراوي، هذه صيغة مبالغة، يدل على ملازمة الراوي للصدق وأن الكذب لا يقع في كلامه وإلا لم يستحق الوصف بما يدل على المبالغة، طيب الضبط الذي أشار إليه أولئك ينتفي بمثل هذا الكلام؟ ينتفي؟ ينتفي؟ هو مستحق الوصف بالمبالغة في الصدق، الكذب لا يقع في كلامه وإلا لم يستحق الوصف بما يدل على المبالغة، والكذب كما هو معروف يطلق على المقصود وغير المقصود، الكذب يطلق على المقصود ويطلق على الخطأ كيف يستحق الوصف بصدوق وهو يخطئ؟ لأن الذي لا يضبط يكثر الخطأ في حديثه، يكثر الخطأ في حديثه، والكذب يطلق على الخطأ كما هو معروف، مخالفة الكلام للواقع وإن لم يكن مقصوداً، على ما سبق تقريره في الكذاب، في الوصف بالكذب، ما تقدم لنا هذا؟ تقدم، إذاً هذا الشخص لا يستحق الوصف بالمبالغة إلا وقد برئ من وصف الكذب، لا المقصود ولا غير المقصود، فلا يقع الكذب المخالف للواقع في كلامه لا عن قصد ولا عن خطأ، وصفه بصيغة المبالغة صدوق مشعر بشريطة الضبط، لماذا؟ لأنه لا يقع الكذب في كلامه لا عمداً ولا خطأً، إذاً هو ضابط، هذه حجة من يقول بقبول رواية الصدوق، والمسألة دقيقة تحتاج إلى شيء من الانتباه، وهي الآن ظاهرة وإلا ليست ظاهرة؟ هاه؟ ظاهرة؟ إذاً الذي عليه العمل عند المتأخرين قاطبة أن الصدوق يحتج به وحديثه من قبيل الحسن؛ لأن هذا آخر درس نريد أن نكمل الكتاب فلا نستطيع أن نفصل أكثر من هذا.
قال رحمه الله: "وتقبل التزكية، تقبل التزكية من عارف بأسبابها ولو من واحد على الأصح"، ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- هنا بعض القواعد المتعلقة بالجرح والتعديل، فذكر أن تزكية الرواة والمراد بها ما يشمل الجرح والتعديل يعني تقبل التزكية والتزكية تشمل الجرح والتعديل، الأصل في التزكية الجرح وإلا التعديل؟ التزكية؟ التعديل نعم، لكن قالوا: تزكية من باب الاكتفاء.
. . . . . . . . . ومن
…
زكاه عدلان فعدل مؤتمن
وصحح اكتفاؤهم بالواحدِ
…
جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ
قولهم: تقبل التزكية أي والتجريح، لكن من باب الاكتفاء اقتصروا على التزكية، من باب:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [(81) سورة النحل] يعني والبرد، نعم، وذكر أن تزكية الرواة والمراد بها ما يشمل الجرح والتعديل إنما تقبل من الإمام العارف بأسباب الجرح والتعديل، تقبل التزكية من عارف بأسبابها؛ لئلا يعدل أو يجرح بمجرد ما يظهر له ابتداءً من غير ممارسة واختبار، وذكر أنه يكفي على القول الصحيح في التزكية واحد خلافاً لمن شرط التعدد فلا بد حينئذٍ من اثنين على الأقل إلحاقاً للرواة بالشهود، قال ابن الصلاح: "اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لا بد من اثنين؟ فمنهم من قال: لا يثبت ذلك إلا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات، ومنهم من قال -وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره-: إنه يثبت بواحد لأن العدد لم يشرط في قبول الخبر، يعني في الرواية لا يشترط التعدد إذاً في تعديل الراوي وجرحه لا يشترط التعدد؛ لأن هذا فرع عن ذاك، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة، قال الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . ومن
…
زكاه عدلان فعدل مؤتمن
وصحح اكتفاؤهم بالواحدِ
…
جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ
وقال الحافظ: "والفرق بينهما –يعني التزكية والشهادة- أن التزكية تنزل منزلة الحكم، فلا يشترط فيها العدد، يعني إذا أفتاك عالم في حكم مسألة يحتاج أن تذهب إلى غيره لتتأكد وإلا يكفي؟ نعم يكفي واحد، هذا حكم من هذا الإمام على هذا الراوي، كما أنه إذا حكم عليك بوجوب دم في الحج أو بإعادة صلاة أو ما أشبه ذلك يكفي كلامه، فرق بينهما –يعني التزكية والشهادة- أن التزكية تنزل منزلة الحكم فلا يشترط فيها العدد، والشهادة تقع من الشاهد عند الحاكم فافترقا، ولو قيل: يفصل بينما إذا كانت التزكية في الراوي مستندة من المزكي إلى اجتهاده أو إلى النقل عن غيره لكان متجهاً؛ لأنه إن كان الأول فلا يشترط العدد أصلاً؛ إذا كانت ناشئة عن اجتهاد إذا كانت التزكية ناشئة عن اجتهاد عالم وهذه تتصور فيمن بعد الأئمة، في الأئمة في النظر في حال هذا الرجل اجتهد فرأى أنه ثقة، اجتهد فرأى أنه ضعيف، وهذا يظهر في المتأخرين الذين لم يخالطوا الرواة، اجتهد ونظر في أقوال الأئمة فأداه اجتهاده إلى أن هذا الراوي ثقة، أو أداه اجتهاده إلى أن هذا الراوي ضعيف، هل يلزم العدد؟ كالاجتهاد في الأحكام لا يلزم العدد؛ لأنه إن كان الأول أن مرد ذلك إلى الاجتهاد فلا يشترط العدد أصلاً؛ لأنه حينئذ يكون بمنزلة الحاكم، وإن كان الثاني فيجري فيه الخلاف إذا كان ناقل عن غيره، ويتبين أنه –أيضاً– لا يشترط العدد؛ لأن أصل النقل لا يشترط فيه العدد فكذا ما تفرع عنه، ثم قال الحافظ في النزهة: "وينبغي أن لا يقبل الجرح والتعديل إلا من عدل متيقظ" فلا يقبل جرح من أفرط فيه فجرح بما لا يقتضي رد حديثهم حديث المحدث، يعني شخص متشدد يجرح بأدنى شيء، أو متساهل يتغاضى عن أكبر شيء، نعم، فلا بد أن يكون الجرح والتعديل من عدل متيقظ، فلا يقبل جرح من أفرط فيه -يعني الجرح- فجرح بما لا يقتضي رد حديثهم، كما لا تقبل التزكية من أخذ بمجرد الظاهر فأطلق التزكية، وقال الحافظ الذهبي -وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال–: "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة، "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة" كيف يقول الذهبي هذا
ونحن نجد في ترجمة الراوي الواحد أربعة اجتمعوا على تضعيف راوي وعشرة اجتمعوا على توثيقه ونحكم عليه بأنه ثقة؟ فأربعة اجتمعوا على تضعيفه وهو ثقة، نقول: إذا لم يوجد في هذا الراوي إلا قولين فقط فلا يمكن أن يجتمع هذان الإمامان على توثيق ضعيف أو على تضعيف ثقة، أما إذا وجد في الراوي عشرين قول فقد يجتمع خمسة ستة على تضعيفه والباقون على توثيقه أو العكس، وهو إما ثقة أو ضعيف، واجتمع فيه أكثر من قولين، فنفهم كلام الحافظ الذهبي رحمه الله.
ولهذا كان النسائي من مذهبه أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه، ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:"وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل" وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل، "فإنه إن عدل أحداً بغير تثبت كان كالمثبت حكماً ليس بثابت فيخشى عليه أن يدخل في زمرة ((من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب)) وإن جرح بغير تحرز أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً" نعم في مثل هذا لا يرد الاحتياط، لا تقول: أحتاط للسنة وأضعف هذا الراوي فلا أثبت إلا ما أتأكد منه، لا، لأنك إن احتطت من جهة التضعيف فوّت على الأمة العمل بأحاديث تأتي من هذا الرواي، وإن احتطت لتوثيقه وقلت: كون الأمة تعمل بهذه الأحاديث خير من أن تفرط بها جعلت الناس يعملون بأدلة لا يثبت بها شرع، فالاحتياط في مثل هذا لا يرد، والآفة تدخل في هذا تارة من الهوى والغرض الفاسد -وكلام المتقدمين سالم من هذا غالباً– وتارة من المخالفة في العقائد وهو موجود كثيراً قديماً وحديثاً، ولا ينبغي إطلاق الجرح بذلك، فقد قدمنا تحقيق الحال في العمل برواية المبتدعة، وليتقِ الله سبحانه وتعالى من يتصدى لنقد الرجال في أعراض المسلمين فإنها كما قال ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى يعني أعراض المسلمين- حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام، وقف على شفيرها العلماء والحكام.
والجرح مقدم على التعديل كما قال الحافظ: "والجرح مقدم على التعديل إن صدر من عارف بأسبابه"، الجرح مقدم على التعديل إن صدر من عارف بأسبابه "فإن خلا عن تعديل قبل مجملاً على المختار"، إذا وجد في الراوي جرح وتعديل قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد: ضعيف، والتضعيف والتجريح صدر من عارف بالأسباب وهو أحمد إذاً يقدم الجرح على التعديل، فإذا وجد في الراوي جرح وتعديل فقد قال ابن الصلاح: "الجرح مقدم على التعديل؛ لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل، المعدل ينظر إلى الظاهر فيحكم عليه بمجرد ما ظهر له، والجارح يحكم من خلال شيء خفي على المعدل، إذا قال المعدل: هذا الرجل ثقة عدل يصلي يصوم يزكي، يبر والديه، إلى آخر الواجبات، ولا أعرفه ارتكب شيئاً من المحرمات، إذاً هو عدل، يقول الجارح: صدقت في كل ما تقول، يصلي ويصوم ويزكي، ويبر والديه، ويحج، ويفعل الواجبات كلها، ويجتنب المنكرات والموبقات إلا شيء واحد أنا اطلعت عليه يشرب الخمر مثلاً، فيكون هذا الجارح عنده زيادة علم خفيت على المعدل، ولذا قدموا الجرح، فإن كان عدد المعدلين أكثر، جرحه واحد وعدله خمسة ستة، فقد قيل: التعديل أولى، والصحيح والذي عليه الجمهور أن الجرح أولى لما ذكرنا؛ لأن الذي يخفى على الواحد يخفى على الخمسة، فيكون قبول قول الجارح أولى، وهذا قول الأكثر، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وقدّموا الجرح لكن إن ظهر
…
من عدّل الأكثر فهو المعتبر
قال الحافظ: "أطلق جماعة تقديم الجرح على التعديل ولكن محل ذلك إن صدر مبيناً" يعني مفسر، مجروح بكذا، "من عارف بأسبابه؛ لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً، فإن خلا المجروح عن تعديل قبل الجرح فيه مجملاً، غير مبين السبب إن صدر من عارف على المختار؛ لأنه إذا لم يكن فيه تعديل فهو في حيز المجهول وإعمال قول المجرح أولى من إهماله" ومال ابن الصلاح في مثل هذا إلى التوقف.
شخص لم يعدل أصلاً، ما ذكر فيه تعديل، فجاء شخص آخر فقال: هذا ضعيف، ولم يبين سبب التضعيف، هو خلا عن التعديل ليس فيه قول لأحد من أهل العلم بالتعديل، وجد فيه تضعيف لكنه غير مفسر، هذا التضعيف يحتمل أن يكون بغير جارح، ولذا اشترطوا تفسير الجرح، نقول: هذا الرجل في حيز المجهول، لا نعرف عنه عدالة، وإعمال قول الجارح أولى من إهماله، نعم لو تعارض الجرح والتعديل نظرنا وقلنا: إنه لا بد أن يكون الجرح مفسراً، لكن إذا كان غير معدل فإنه يكتفى فيه الجرح ولو كان مجملاً، نعم.
أحسن الله إليك: "فصل: ومن المهم معرفة كنى المسمين، وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس، أو كنيته كنية زوجته، ومن نسب إلى غير أبيه، أو إلى أمه أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده، أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً، ومن اتفق اسم شيخه والراوي عنه، ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة، والكنى والألقاب والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان"
…