الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي ذِكْرِ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَةِ أَخْلاقِهِ وَسِيرَتِهِ وَأَدَبِهِ وَخَفْضِ جَنَاحِهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
1 -
(47) أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
⦗ص: 144⦘
الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأسدي بقراءتي عليه، قلت له: أخبركم جدك
⦗ص: 145⦘
أبو القاسم الحسين، أنبأنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ السُّلَمِيُّ الْمِصِّيصِيُّ، أنبا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، ثنا أَبُو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ -وَهُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ- وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْخَصِيبِ، قَالا: أنبا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، ثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيُّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ، مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَأَلْتُ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
2 -
(48) قَالَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى: وَثنا بِهِ سُفْيَانُ بن وكيع، ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي أبو جعفر، إملاء عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنٍ لأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ -وَكَانَ وَصَّافًا - عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ.
فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلأَلأُ وَجْهُهُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.
أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعَرِ إن انفرفت عقيصته فرق (1)، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه إذا [هو] وَفْرَةٍ (2).
⦗ص: 147⦘
أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَاسِعَ الْجَبِينِ، أَزَجُّ الْحَوَاجِبُ، سَوَابِغُ فِي غَيْرِ قرْنٍ (3)، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يَدُرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعَرْنَيْنِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الأَسْنَانِ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الفضة، معتدل الخلق،
⦗ص: 148⦘
بادنٌ متماسكٌ، سواء البطن والصدر، عريض [الصدر](4)، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعَرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ.
أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبَ الرَّاحَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِرَ أَوْ سَائِلَ الأَطْرَافِ. خُمْصَانَ الأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ قُلْعًا، يخطو تكفياً ويمشي [هوناً](5) ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا.
خَافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ.
⦗ص: 149⦘
يَسُوقُ أَصْحَابَهُ يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلامِ.
قَالَ: قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهِ.
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاصِلَ الأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ راحةٌ، لا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، طويل السكت (6)، يَفْتَتِحُ الْكَلامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فصل لا فضول ولا تقصير، دمث لَيْسَ بِالْجَافِي وَلا الْمُهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ، وَإِنْ دَقَّتْ، لا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَّاقًا وَلا يَمْدَحُهُ.
وَلا تغضبه الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تُعُدِّيَ الْحَقُّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ، لا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلا ينتصر لها.
وإذا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وإذا تحدث اتَّصَلَ بِهَا يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ رَاحَتِهِ الْيُسْرَى.
وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل الغمار -ولعله: حب الغمام-.
(1) في المخطوطة: انفرق .. ..
(2)
في المخطوطة: ذا وفرة.
(3)
في المخطوطة: فرق.
(4)
زيادة على المخطوطة.
(5)
زيادة من الشمائل.
(6)
في هامش المخطوط تصحيح: السكوت. وعليها: صح.
3 -
(49) قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ رضي الله عنه زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ. وَوَجَدْتُهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَالَ الْحُسَيْنُ رضي الله عنه: سَأَلْتُ أَبِي رضي الله عنه عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟
فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ. وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ: جزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة وَلا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا.
فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ في [جزء] الأمة: إيثار أهل الفضل [بإذنه] وَقِسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ: فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ، وَالأُمَّةُ فِي مَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمُ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ:((لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ (1) الْغَائِبَ وَأَبْلِغُوا حَاجَةَ من لا يستطع إِبْلاغَهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلا ذَلِكَ، وَلا يقبل من أحد غيره.
⦗ص: 151⦘
يدخلون [رواداً](2) وَلا يَتَفَرَّقُونَ إِلا عَنْ ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدِّلَةً.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ يَصْنَعُ فِيهِ؟
فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَزِّنُ لِسَانَهُ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ.
وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتِرَسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يطوي عن أحدٍ بشره و [لا] خلقه.
وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحْسِنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ.
مُعْتَدِلَ الأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، لا يَغْفَلُ مَخَافَةَ أَنْ يغفلوا أو يميلوا لكل ذلك عنده عتاد، وَلا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ وَلا يُجَاوِزُهُ.
⦗ص: 152⦘
الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعْمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحَسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا عَلَى ذِكْرٍ، وَلا يُوطِنُ الأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْقَوْمِ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ.
وَيُعْطِي جُلَسَاءَهُ كُلا بِنَصِيبِهِ، لا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ.
مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لحاجةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها [أو بميسور من القول].
قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطَةً وَخِلْقَةً، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً.
مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حلمٍ وحياءٍ، وَصَبْرٍ وأمانةٍ، لا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ، وَلا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، ولا تثنى فلتاته، متعادلون يتفاضلون (3) فِيهِ
⦗ص: 153⦘
بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعُونَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ؟
فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ ولا غليظٍ ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مشاح (4).
يتغافل عما لا يشتهيه ولا يؤيس منه [راجيه] وَلا يُجِيبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثلاثة: الْمِرَاءِ، وَالإِكْثَارِ، وَمَا لا يَعْنِيهِ.
وَتَرَكَ النَّاسَ من ثلاثة: كَانَ لا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلا يُعَيِّرُهُ، وَلا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ.
لا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رؤوسهم الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم (5).
⦗ص: 154⦘
يضحك مما يضحكون [منه](6)، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُ، وَيَقُولُ:((إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا، فَأَرْفِدُوهُ)).
وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا عَنْ مُكَافِئٍ، وَلا يَقْطَعُ عَلَى أحدٍ حَدِيثَهُ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ.
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟
فَقَالَ: كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّدَبُّرِ، وَالتَّفَكُّرِ.
فَأَمَّا تَدَبُّرُهُ: فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ: فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى.
وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ، وَكَانَ لا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلا يَسْتَفِزُّهُ.
وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ: أَخْذِهِ بِالْخَيْرِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا يُصْلِحُ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامِ بِهِمْ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمُ الدنيا والآخرة.
(1)[[من طبعة أحمد البزرة والمخطوط، وفي المطبوع: منهم]]
(2)
في المخطوطة: فرادى، والمثبت .. .. .
(3)
في المخطوطة: متفاضلون، والمثبت .. ..
(4)
في المخطوطة: مياح، وفوقها علامة التضبيب.
(5)
في المخطوطة: أوليتهم.
(6)
[[ليست في المطبوع، وتم استدراكها من طبعة أحمد البزرة والمخطوط]].
4 -
(50) حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
⦗ص: 155⦘
الْحَنْظَلِيُّ أنبا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثنا عُمَرُ -مَوْلَى غَفْرَةَ- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ محمد بن الْحَنَفِيَّةِ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه إذا نعت النبي صلى الله عليه وسلم [قال]:
⦗ص: 156⦘
لم يكن بالطويل المتمغط (1)، ولا القصير الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلا وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلا الْمُكَلْثَمِ. وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنِ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، أَجْرَدُ، ذُو مسربةٍ.
شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا [يَمْشِي](2) فِي صببٍ، فَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا.
⦗ص: 157⦘
بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ.
أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً وَأَوْفَى النَّاسِ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عَشِيرَةً.
مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ. يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صلى الله عليه وسلم.
(1) في المخطوطة: بالجعد المتمغط.
(2)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: ينحط]]
5 -
(51) أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنبا
⦗ص: 158⦘
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَخْمَ الرَّأْسِ، عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ والقدمين، أهدب الأَشْفَارِ، مُشْرَبَ الْعَيْنَيْنِ حُمْرَةً.
إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَعَدٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا صلى الله عليه وسلم.
6 -
(52) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حيان الرقي: حدثني ليث بن الحارث: حدثنا النضر بن شميل: حدثنا صَالِحُ بْنُ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طاوِيَ الحَشى، ضَليعَ الفمِ، شثنَ القَدمينِ صلى الله عليه وسلم.
7 -
(53) حدثني محمد بن عثمان بن حمد الأنصاري وأحمد بن محمد التميمي قالا: حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ البيساني (1): حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عمرَ رضي الله عنه قالَ: أقبلَ قومٌ مِن اليهودِ إِلَى أَبِي بكرٍ الصديقِ رضي الله عنه فَقالوا له: يَا أَبَا بكرٍ صِفْ لَنَا صاحبَكَ.
فقالَ: معاشِرَ يهودَ، لَقَدْ كنتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغارِ كَإِصْبَعَيَّ هاتَينِ، وَلَقَدْ صَعدتُ مَعَهُ جبلَ حِراءَ، وإنَّ خِنصري لَفِي خنصرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنَّ الحديثَ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم شديدٌ، وَهَذَا عليُّ بنُ أَبِي طالبٍ.
فأتَوا عَلِيًّا فَقالوا: يَا أَبَا الحسنِ، صِفْ لَنَا ابنَ عمِّكَ فقالَ عليٌّ رضي الله عنه:
لَمْ يكنْ حَبيبي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالطويلِ الذاهبِ طُولا، وَلا بالقصيرِ المُترددِ، كانَ فوقَ الرَّبعَةِ، أبيضَ اللونِ، مُشربَ الحُمرةِ، جَعْد ليسَ بالقَططِ، يفرقُ شعرَهُ إِلَى أُذنِه صلى الله عليه وسلم.
⦗ص: 160⦘
وكانَ حَبيبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم صَلْتَ الجَبينِ، واضحَ الخدَّينِ، أَدعجَ العينِ، دقيقَ المَسربةِ، برَّاقَ الثَّنايا، أَقنى الأنفِ، كأنَّ عنقَه إبريقُ فضةٍ، كأنَّ الذهبَ يَجري فِي تَراقيه.
كانَ لِحبيبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم شعراتٍ مِن لبتِهِ إِلَى سرَّتِهِ، كأنهنَّ قضيبُ مسكٍ أسودُ، لَمْ يكنْ في جسدِهِ ولا في صدِرِه شعراتٌ غيرُهنَّ، بينَ كَتفيهِ كدَارةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، مكتوبٌ بالنورِ سطرانِ:
السطرُ الأَعلى: لا إلهَ إِلا اللهُ.
وَفِي السطرِ الأسفلِ: محمدٌ رسولُ اللهِ.
وكانَ حَبيبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم شَثْنَ الكفَّينِ والقدمِ، إِذَا مَشى كأنَّما ينقَلعُ مِن صخرٍ، وَإِذَا انحدَرَ كأنَّما ينحدرُ مِن صَببٍ، وإِذا التفتَ التفتَ بمجامعِ بدنِهِ، وَإِذَا قامَ غمرَ الناسَ، وَإِذَا قعدَ عَلا الناسَ، فإِذا تكلَّمَ أَنصتَ لَهُ الناسُ، وَإِذَا خطَبَ بَكى الناسُ.
وكانَ حَبيبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم أَرحمَ الناسِ بالناسِ، كانَ لليتيمِ كالأبِ الرَّحيمِ، وللأَرملةِ كالزَّوجِ الكريمِ.
وكانَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم أَشجعَ الناسِ قَلْبًا، وأَبذلَه كَفًّا، وأَصبحَه وَجهاً، وأَطيبَه رِيحًا، وأَكرمَه حَسَبًا، لَمْ يكنْ مثلُه وَلا مثلُ أهلِ بيتِهِ في الأوَّلينَ والآخِرينَ.
كانَ لِباسُه العبا، وطعامُهُ خبزُ الشعيرِ، ووسادتُهُ الأَدمُ، محشوةٌ بليفِ النخلِ، سَريرُه أمُّ غيلانَ مرملٌ بالشريطِ.
كانَ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم عمامتانِ، إِحداهُما تُدعى: السحابُ، والأُخرى: العُقابُ.
وكانَ سيفُه ذَا الفَقارِ، ورايتُهُ الغبراءُ، وناقتُهُ العضباءُ، وبغلتُهُ (دلدل)(2)، حمارُهُ يعفورٌ، فرسُهُ مرتجزٌ، شاتُهُ بركةٌ، قضيبُه الممشوقُ، لواؤُهُ الحمدُ، إِدامُه اللبنُ، قِدرُهُ الدباءُ، (تحيتُهُ)(3) الشكرُ.
⦗ص: 161⦘
يَا أهلَ الكتابِ كانَ حَبيبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم يَعقلُ البعيرَ، ويَعلفُ الناضحَ، ويَحلبُ الشاةَ، ويَرقعُ الثوبَ، ويَخصفُ النعلَ صلى الله عليه وسلم.
(1)[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: النيسابوري]]
(2)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: ذلول]]
(3)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: تحية]]
((حديث أم مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)
8 -
(54) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ الصَّيْدَلانِيُّ
⦗ص: 163⦘
وَأَبُو حُرَيْشٍ الْكُوفِيُّ بِمِصْرَ: قالا: ثنا مكرم بن محرز بن مهدي (1) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ بْنِ خُوَيْلِدِ بن خليفة الكعبي (2) ثُمَّ الْخُزَاعِيُّ، مِنْ وَلَدِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَاسْمُهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامِ (3) بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده حبيش بن خالد أَخِي أُمِّ مَعْبَدٍ (4) -وَحُبَيْشٌ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ بَطْنِ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
⦗ص: 164⦘
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ -مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيُّ دَلِيلُهُمَا مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ وَكَانَتِ امْرَأَةً بَرِزَةً جَلِدَةً، تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ وَتُسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا.
وَإِذَا الْقَوْمُ مُرْمِلُونَ مُسْنِتُونَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَاةٍ فِي كَسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟.
قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ.
قَالَ: ((هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟)).
قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: ((أَتَأَذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟))
قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، نَعَمْ إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلِبْهَا.
فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ، وَدَعَا اللَّهَ لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَتْ (5) عَلَيْهِ، وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ وَدَعَا بِإِنَاءٍ يَرْبِضُ (6) الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهَا ثَجًّا، حَتَّى عَلاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رُوِيَتْ، ثُمَّ سَقَى أْصَحَابَهُ حَتَّى رُوُوا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ ثَانِيًا بَعْدَ بدءٍ حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ، فَغَادَرَهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ بَايَعَهَا وَارْتَحَلُوا عَنْهَا.
فَقَلَّ مَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يسوق أعنزاً عجافاً يتساوكن هزلاً ضُحًى مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ (7)، فَلَمَّا رَأَى اللَّبَنَ أَبُو مَعْبَدٍ عَجِبَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللبن يا أم معبد والشاء (8) عَازِبٌ حُيّل وَلا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ؟.
قَالَتْ: لا وَاللَّهِ إِلا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ.
⦗ص: 165⦘
قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ، مُتَبَلِّجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخُلُقِ، لَمْ تعبه ثجلة (9)، ولم تزر به صقلة، قسيم، وسيم، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ غَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَهْلٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، وَفِي عُنُقِهِ صَدْعٌ، أَزِجٌ، أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وإن تكلم سماه وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُمْ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُمْ وَأَحْلاهُمْ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ، فَصْلٌ لا نزرٌ وَلا هدرٌ.
كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نظم يتحدرن من ريقه، لا ييأس من طول ولا تقتحمه عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، وَهُوَ أنضر الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ مُتَّزَرًا.
لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند.
قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ وَلأَصْحَبَنَّهُ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلا.
فَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ الناس خير جزائه
…
رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلاهَا بِالْهُدَى وَاغْتَدَتْ بِِه
…
فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رفيق محمد
فيال قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمْ
…
بِهِ مِنْ فِعَالٍ (10) لا يُجَازَى وَسُؤْدِدِ
⦗ص: 166⦘
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شاتها وإنائها
…
فانكموا إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بشاةٍ حَائِلٍ فتحلبت
…
عليه صريحاً ضرة الشاة مزبد
فغادرها رتاً لَدَيْهَا لحالبٍ
…
يُرَدِّدُهَا فِي مصدرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
قَالَ مُكْرِمٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ لَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ شَبَّبَ بِجَوَابِ الْهَاتِفِ:
لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ
…
وَقَدَّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ
…
وَحَلَّ علَى قومٍ بنورٍ مُجَدَّدِ
هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلالَةِ رَبُّهُمْ
…
وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يَرْشُدِ
فَهَلْ يَسْتَوِي ضَلالُ قومٍ تَسَفَّهُوا
…
عَمَايَتُهُمْ هادٍ بِهِ كُلَّ مُهْتَدِ
وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبَ
…
رِكَابُ هُدًى حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ
نَبِيٌّ يَرَى مَا لا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ
…
وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مشهد
(1) في المخطوطة: معبد والصواب مهدي.
(2)
في المخطوطة: الربعي .. ..
(3)
في المخطوطة: حزام بن حكيم عن هشام، والصواب ما أثبتناه.
(4)
في المخطوطة: خالد بن أخي أم معبد.
(5)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: فتفاحت]]
(6)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: يريض]]
(7)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: قائل]]
(8)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: والشاة]]
(9)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: نحلة]]
(10)
[[من طبعة أحمد البزرة، وهو الموافق للمخطوط، وفي المطبوع: مغال]]