المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   هذا‌ ‌ باب الفاعل (1) : الفاعل اسم (2) أو ما - ضياء السالك إلى أوضح المسالك - جـ ٢

[محمد عبد العزيز النجار]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا‌

‌ باب الفاعل

(1)

:

الفاعل اسم

(2)

أو ما في تأويله أسند إليه فعل

(3)

أو ما في تأويله، مقدم أصلي المحل والصيغة

(4)

.

فالاسم نحو: تبارك الله، والمؤول به

(5)

نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}

(6)

.

والفعل: كما مثلنا، ومنه: أتى زيد، ونعم الفتى

(7)

، ولا فرق بين المتصرف والجامد، والمؤول بالفعل

(8)

نحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُه} ، ونحو:"وجهه" في قوله:

هذا باب الفاعل:

(1)

- معنى الفاعل لغة: من أوجد الفعل، واصطلاحًا: ما ذكره المصنف.

(2)

- أي صريح ظاهر، أو ضمير بارز، أو مستتر.

(3)

- أي سواء كان على وجه الإثبات، أو النفي، أو التعليق، أو الإنشاء، نحو: لم يخرج محمد، وإن حضر علي، وهل سافر محمود؟

(4)

- يراد بأصالة الصيغة: عدم تحويلها إلى صيغة المبني للمجهول، كما سيذكره المصنف.

(5)

- أي بالاسم، وذلك لوجود سابك ملفوظ به أو مقدر، والسابك في باب الفاعل يكون:"بأن" المفتوحة، "وأن" الناصبة للفعل، و"ما" لا غير أما "كي" و "لو"، فلا.

(6)

- أن معمولاها في تأويل مصدر فاعل يكف، أي إنزالنا، ومثال "أن":{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} ، أي خشوع قلوبهم، ومثال:"ما": يسر المرء ما ذهب الليالي، أي ذهاب الليالي، ولا يقدر من هذه الحروف الثلاثة إلا "أن" خاصة، نحو: ما راعني إلا يسير، أي: إلا أن يسير، ولا تقدر أن المشددة، ولا "ما"، لعدم وروده.

(7)

- هذان مثالان ذكرهما الناظم، ليشير إلى أنه لا فرق بين الفعل المتصرف، والفعل الجامد.

(8)

- والصفة المشبهة، كمثاله أيضًا "زيد منير وجهه"، أي ينير، وأمثلة المبالغة نحو أسفاك

ص: 1

أتى زيد منيرًا وجهه، ومقدم، رافع لتوهم دخول نحو: زيد قام، وأصلي المحل، مخرج لنحو: قائم زيد، فإن المسند -وهو قائم- أصله التأخير؛ لأنه خبر

(1)

. وذكر الصيغة مخرج لنحو: ضرب زيد "بضم أول الفعل وكسر ثانيه"، فإنها صيغة مفرعة من "ضرب" بفتحهما

(2)

.

اللص؟، واسم التفضيل، نحو: ما رأيت امرأ أحب إليه الأقدام من محمد، والمصدر نحو:

ألا إن ظلم نفسه المرء بين

وكذلك اسمه، نحو: سررت من عطاء الكتاب محمد، واسم الفعل نحو: هيهات الإنصاف بين الناس، والظرف نحو: أعندك مهاجر؟ والجار والمجرور نحو: أفي الفوز شك؟ ويلاحظ أن العامل في الفاعل في الظرف والجار والمجرور متعلقهما.

(1)

أي: عن زيد، وقدم قائم لفظا فقط، وليس تقديمه على سبيل الأصالة.

(2)

وإلى ما سبق يشير الناظم بقوله:

الفاعل الذي كمرفوعي "أتى

زيد" منيرًا وجهه""نعم الفتى"

وقد اكتفى عن التعريف بذكر مثالين مستوفيين الشروط التي ذكرها المصنف.

"فزيد" فاعل لفعل متصرف وهو أتى، و"وجهه" فاعل لمنيرا، وهو وصف مشبه للفعل؛ لأنه اسم فاعل، "والفتى" فاعل لفعل جامد وهو "نعم"، والفعل في الأمثلة مقدم على الفاعل، فهو أصلي المحل والصيغة.

هذا: والصحيح أن الفاعل لا يكون جملة، اللهم إلا إذا كانت الجملة مقصودا لفظها وحكايتها؛ لأنها تكون حينئذ بمنزلة المفرد، فترفع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية، ويرى بعض العلماء: جواز وقوع الجملة فاعلًا؛ اسمية كانت أو فعلية، وبعضهم يجيز وقوعها فاعلًا إذا كانت فعلية معلقة بفعل قلبي، وأداة التعليق الاستفهام كقوله تعالى:{وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِم} .

"الفاعل" مبتدأ، "الذي" اسم موصول خبر، "كمرفوعي" متعلق بمحذوف صلة الذي، "أتى زيد" الجملة من الفعل والفاعل في محل جر مضاف إليه، "منيرًا" حال من زيد، وهو اسم فاعل، "وجهه" فاعل بمنير مضاف إلى الهاء، "نعم الفتى" فعل وفاعل.

ص: 2

وله أحكام:

أحدها: الرفع

(1)

، وقد يجر لفظً

(2)

، وقد يجر لفظًا بإضافة المصدر، نحو:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاس}

(3)

، أو اسمه، نحو:"من قبله الرجل امرأته الوضوء"

(4)

، أو بمن أو بالباء الزائدتين

(5)

، نحو:{أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ} ، {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .

الثاني: وقوعه بعد المسند، فإن وجد ما ظاهره أنه فاعل تقدم، وجب تقدير الفاعل ضميرًا مستترًا، وكون المقدم إما مبتدأ في نحو: زيد قائم

(6)

، وإما فاعلًا

(1)

ورافعه: الفعل، أو ما هو في تأويله على الصحيح، وقد ينصب شذوذا إذا فهم المعنى، سمع من كلام العرب: خرق الثوب المسمار، كسر الزجاج الحجر، برفع أولهما، ونصب ثانيهما.

(2)

ولكنه في محل رفع، ويجوز في تابعه حينئذ الجر، حملا على اللفظ، والرفع بالنسبة للمحل.

(3)

"الله" مضاف إليه، وهو فاعل يدفع، من إضافة المصدر إلى فاعله، "الناس" مفعوله.

(4)

"من قبله" جار ومجرور خبر مقدم، "الرجل" مضاف إليه"، من إضافة اسم المصدر وهو "قبلة" لفاعله، "امرأته" مفعوله ومضاف إليه، "الوضوء" مبتدأ مؤخر، وهذه القولة للسيدة عائشة رضي الله عنها.

(5)

أو اللام كذلك، نحو:{هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُون} ، وشرط جر الفاعل بمن الزائدة: أن يكون نكرة بعد نفي، أو شبهة، فإن عطف على المجرور بها معرفة، تعين رفعها نحو: ما جاءني من رجل، ولا محمد، وكذلك يجب الرفع إن كان المعطوف عليه نكرة، وأداة العطف "لكن" أو"بل"؛ لأن المعطوف بهما بعد النفي والنهي يكون مثبتًا فلا يجر؛ لأنه بمنزلة المجرور بمن.

هذا: وجر الفاعل بالباء الزائدة قد يكون واجبًا؛ كفاعل أفعل في التعجب، نحو:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} ، وقد يكون جائزًا ولكنه كثير في فاعل، نحو:{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} ، ويقل في غير ذلك.

(6)

ففي قام ضمير مستتر عائد على زيد، وهو الفاعل، وزيد مبتدأ، والجملة خبر.

ص: 3

محذوف الفعل في نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ؛ لأن أداة الشرط مختصة بالجمل الفعلية

(1)

، وجاز الأمران

(2)

في نحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} ، {أَنْتُمْ تَخْلُقُونَه} ، والأرجح الفاعلية

(3)

.

وعن الكوفي جواز تقديم الفاعل تمسكًا بنحو قول الزباء

(4)

:

ما للجمال مشيهًا وئيدا

(5)

(1)

" فأخذ" لفاعل لفعل محذوف يفسر المذكور، أي وإن استجارك أحد استجارك، وليس "أحد" مبتدأ، جملة "إن استجارك" خبر، لما ذكر المصنف.

(2)

أي الابتدائية والفاعلية.

(3)

"بشر" مبتدأ، وجملة "يهدوننا" خبر، أو فاعل لمحذوف يفسره يهدوننا، ورجحت الفاعلية؛ لأن الغالب في همزة الاستفهام دخولها على الفعل، وكذلك يقال في الآية الثانية.

الخلاصة: أنه إذا تقدم على الفعل ما ظاهره أنه فاعل، فإن لم يتقدمه شيء أعرب المتقدم مبتدأ، وأضمر الفاعل مستترًا في الفعل، وإن وقع بعد أداة تختص بالفعل، كأدوات الشرط، والتحضيض أعرب فاعلًا لمحذوف يفسره المذكور، وإن بعد أداة يغلب دخولها على الفعل، كهمزة الاستفهام جاز الأمران، والفاعلية أرجح.

(4)

هي بنت عمرو بن الظرب بن حسان، ملكة الجزيرة، وقصتها مع جذيمة الأبرش ملك العراق -الذي قتل أباها، ومع قصير بن سعد مولى جذيمة، الذي احتال لقتلها حين قتلت جذيمة خدعة، لتأخذ بثأر أبيها- معروفة مشهورة.

(5)

صدر بيت من الرجز، وعجزه:

أجندلا يحملن أم حديدا

وبعده:

أم صرفانا باردًا شديدا

أم الرجال جثما قعودا

اللغة والإعراب: الجمال، جمع جمل، وئيدا: ثقيلًا بطيئا، وهو صفة مشبهة من التؤدة، وهي التمهل والتأني، جندلًا، الجندل ما يقله الرجل من الحجارة، صرفانا، الصرفان: النحاس والرصاص، جثما: جمع جاثم، أي لاصقين بالأرض، "ما" اسم

ص: 4

وهو عندنا ضرورة، أو مشيها مبتدأ حذف خبره، أي يظهر وئيدا، كقولهم: حكمك مسمطًا"، أي حكمك لك مثبتًا، قيل: أو مشيها بدل من ضمير الظرف

(1)

.

الثالث: أنه لا بد منه

(2)

؛ فإن ظهر في اللفظ نحو: قام زيد، والزيدان قاما، فذاك، وإلا فهو ضمير مستتر راجع: إما لمذكور، كـ"زيد قام كما مر".

أو لما دل عليه الفعل كالحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن

(3)

"، أي ولا يشرب هو، أي الشارب

(4)

.

استفهام مبتدأ، "للجمال" جار ومجرور خبر، "مشيها" أعربه الكوفيون فاعلًا مقدما بوئيدا، الواقع حالا من الجمال، والتقدير: أي شيء ثابت للجمال حال كونها وئيدا مشيها.

المعنى: واضح بعد هذا البيان.

الشاهد: تقدم الفاعل، وهو "مشيها" على عامله، وهو "وئيدا" المشبه للفعل على مذهب الكوفيين، ولا يصح جعله مبتدأ؛ لأنه لا خبر له في اللفظ إلا وئيدا، وهو منصوب، وقد أجاب البصريون بما ذكره المصنف، وهذا على رواية الرفع، وقد ورد بجر "مشيها"، على أنه بدل اشتمال من الجمال، ووئيدا حال من المشي، كما ورد بنصب "مشيها"، على أنه مفعول مطلق لمحذوف، أي تمشي مشيها، ووئيدا حال من المصدر، والجملة حال من الجمال، وعلى الروايتين فلا شاهد فيه.

(1)

أي الذي هو فاعل الاستقرار المحذوف، وقد انتقل إلى الجار والمجرور -وهو للجمال- بعد حذف الاستقرار، وتظهر نتيجة الخلاف بين المذهبين في التثنية والجمع، فتقول على مذهب الكوفيين: المحمدان قام، والمحمدون قام بالإفراد فيهما، وعند البصريين: لا بد من الضمير المطابق في قام، والراجح مذهب البصريين.

(2)

أي لا يمكن حذفه والاستغناء عنه؛ لأنه جزء أساسي في الجملة، لا تستغني عنه لتكملة معناها على عامله، وقد يحذف لداع كما سيأتي بعد.

(3)

حديث ذكره مسلم في صحيحه، في "كتاب الإيمان" وذكره البخاري، في "كتاب الأشربة"، وفيه:"ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن".

(4)

- "ففي" يشرب" ضمير مستتر هو الفاعل، يعود إلى الشارب، ويدل عليه لفظ "يشرب" بالالتزام؛ لأن الشرب يستلزم شاربا، وحسن الحذف لتقدم نظيره وهو لا يزني الزاني، ولا يسرق السارق.

ص: 5

أو لما دل عليه الكلام، أو الحال المشاهد

(1)

، نحو:{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي} ، أي إذا بلغت الروح

(2)

، ونحو قولهم: إذا كان غدا فأتني

(3)

، وقوله:

فإن كان لا يرضيك حتى تردني

(4)

(1)

أي بأن تكون هنالك قرينة تعرف من السياق، أو الحال الواقعة.

(2)

ففي "بلغت" ضمير مستتر هو الفاعل، عائد على الروح المفهومة من سياق الكلام.

(3)

قوله منسوب لبعض العرب، وكان يحتمل أن تكون تامة و"غدا" ظرف متعلق بها.

وأن تكون ناقصة، فيكون "غدا" خبرها، والضمير المستتر المرفوع بكان، تدل عليه الحال الواقعة المشاهدة وقت التكلم كما بين المصنف.

(4)

صدر بيت من الطويل، لسوار بن المضرب السعدي، وقد كان هرب من الحجاج، خوفًا على نفسه، وعجزه.

إلى قطري لا إخالك راضيا

اللغة والإعراب: قطري: هو قطري بن الفجاءة التميمي، رأس من رءوس الخوارج في عهد الدولة الأموية، لا إخالك: أي لا أظنك، "إن كان" شرط وفعله، وفاعل كان أو اسمها ضمير مستتر يعود على معلوم من المقام كما أوضح المصنف، "لا يرضيك"، الجملة في محل نصب حال من فاعل "كان" المستتر إن جعلت تامة -وخبرها- إن كانت ناقصة "لا إخالك" لا نافية، "إخال" فعل مضارع، والفاعل أنا، والكاف مفعول أول، "راضيًا" مفعول ثان، والجملة جواب الشرط.

المعنى: إذا كان ما تشاهد مني ومن حالي وفراري من ذلك الخارجي لا يرضيك حتى تردني إليه، فإني لا أظنك ترضى أصلًا؛ لأني معتزم عدم الرجوع إليه، ورضاك معلق على عودتي.

الشاهد: حذف مرفوع "كان" و"يرضيك"، وهو ضمير يعود على الحال المشاهدة

ص: 6

أي إذا كان هو، أي ما نحن الآن عليه من سلامة، أو فإن كان هو، أي ما تشاهده مني، وعن الكسائي إجازة حذفه تمسكًا بنحو ما أولناه

(1)

.

والواقعة للمتكلم والسامع؛ لأنه ليس في الكلام ما يصلح أن يكون مرجعًا لهذا الضمير إلا ذلك، وإلى حكمي الفاعل الثاني والثالث يشير الناظم بقوله:

وبعد فعل فاعل فإن ظهر

فهو وإلا فضمير استتر

أي أنه لا بد للفعل من فاعل بعده، فإنه ظهر فهو المطلوب، وإلا فهو ضمير مستتر، أما الحكم الأول وهو الرفع فمفهوم من قوله:"كمرفوعي أتى".

(1)

أي في الحديث والآية والبيت

إلخ، هذا: وقد أشرنا قريبا إلى أن الفاعل قد يحذف لداع يقتضي الحذف، ومن ذلك:

أ- أن يكون عامله مبنيًا للمجهول، فإن الفاعل يحذف وجوبًا، ويحل محله نائب الفاعل.

ب- إذا كان الفاعل واو جماعة، أو ياء مخاطبة، والفعل مؤكد بنون التوكيد، نحو:{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّه} ، انتبهن يا فاطمة، فقد حذفت واو الجماعة في الأول، وياء المخاطبة في الثاني لالتقاء الساكنين كما تقدم إيضاح ذلك.

ج- أن يكون عامله مصدرًا نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} .

د- أو يكون فاعل "أفعل" في التعجب إذا دل عليه متقدم، نحو:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} .

هـ- أن يحذف جوازا مع عامله لداع بلاغي، إذا دل عليهما دليل، نحو: من قابلت؟ فتقول: صديقًا، أي قابلت صديقا، وغير ذلك كثيرًا مما هو مذكور في كتب النحو.

وهناك أفعال لا تحتاج إلى فاعل مذكور أو محذوف، مثل:"كان" الزائدة، والفعل التالي لفعل آخر، نحو: حضر حضر محمد، والأفعال التي تتصل بها "ما" الكافة، مثل: طالما، وقلما، وكثر ما

إلخ، على قول.

* "وبعد" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم "فعل" مضاف إليه، "فاعل" مبتدأ مؤخر"، فإن شرطية، "ظهر" فعل الشرط، وفاعله يعود على فاعل، "فهو" مبتدأ والفاء للربط، والخبر محذوف، أي فهو المطلوب، والجملة جواب الشرط، "وإلا" الواو عاطفة، و"إن" شرطية، و"لا" نافية، وفعل الشرط محذوف، أي وإلا يظهر "فضمير" الفاء للربط "ضمير" خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو ضمير، والجملة جواب الشرط، "استتر" فعل ماض، والفاعل هو، وبالجملة صفة لضمير.

ص: 7

الرابع: أنه يصح حذف فعله إن أجيب به نفي كقولك: "بلى زيد، لمن قال: ما قام أحد

(1)

، أي بلى قام زيد، ومنه قوله:

تجلدت حتى قيل لم يعر قلبه

من الوجد شيء قلت: بل أعظم الوجد

(2)

أو استفهام محقق

(3)

، نحو: نعم زيد، جوابًا لمن قال: هل جاءك؟ ومنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه} .

أو مقدرة كقراءة الشامي

(4)

، وأبي بكر: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال

(1)

فزيد فاعل لفعل محذوف، يدل عليه مدخول النفي، وهو قام، والجملة فعلية.

(2)

بيت من الطويل، لم ينسبه النحاة لقائل.

اللغة والإعراب: تجلدت: تكلفت الجلد والصبر على الهموم، لم يعر: لم يغش ولم ينزل، الوجد: الشوق والحب: تجلدت" فعله وفاعل، "حتى" حرف غاية. "يعر" مضارع مجزوم بلم، "قلبه" مفعول يعر" ومضاف إليه، "من الوجد" جار ومجرور متعلق بيعر، "شيء" فاعله، "بل" حرف للإضراب، "أعظم" فاعل لفعل محذوف، أي بل عراه أعظم، "الوجد" مضاف إليه.

المعنى: تكلفت الصبر والجلد على بعد المحبوبة وهجرها، ولم أظهر شيئا من الحب والشوق إليها، حتى أعتقد الناس أن حبها لم يتمكن من قلبي، والحقيقة أن ما حل بقلبي من الشوق، والمحبة أعظم ما يتصور.

الشاهد: ارتفاع "أعظم" بفعل محذوف، مجاب به على الكلام، منفي سابق، وهو قولهم:"لم يعر قلبه من الوجد شيء"، والمراد النفي بالجملة الفعلية، فإن كان النفي بالجملة الاسمية، فلا يترجح كون المرفوع فاعلًا.

(3)

أي أم أجيب به استفهام محقق، أي ملفوظ به ظاهر الأداة، وإن كان في حيز شرط لا يوجد مدلوله في الخارج نحو:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم}

الآية.

(4)

هو أبو عمران، عبد الله بن عامر بن زيد، إمام أهل الشام، كان تابعيًا جليلًا، أم

ص: 8

رِجَالٌ}

(1)

، وقوله:

ليبك يزيد ضارع لخصومه

(2)

أي يسبحه رجال، ويبكه ضارع، وهو قياسي وفاقا للجرمي

(3)

،. . . . . . . . . . .

المسلمين سنوات كثيرة بالجامع الأموي، في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز وقبله وبعده، وكان يأتم به وهو أمير المؤمنين، وجمع له بين الإمامة والقضاء، ومشيخة الإقراء بدمشق، وقد أجمع الناس على قراءته، وتوفي بدمشق يوم عاشوراء سنة 118 هـ.

(1)

"يسبح" مضارع مبني للمجهول، له "نائب" فاعل "رجال" فاعل لفعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام المقدر، كأنه لما قيل:{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} ، قيل: من يسبحه؟ فقيل: يسبحه رجال، ففي الكلام استفهام ضمني، أو مقدر أشعر به، "يسبح" المبني للمفعول.

(2)

عجز بيت من الطويل، أنشده سيبويه ونسبه للحارث بن نهيك، وقيل للبيد بن ربيعة، يرثي يزيد بن نهشل، وقيل لغيرهما، وصدره:

ومختبط مما تطيح الطوائح

اللغة والإعراب: ضارع: ذليل خاشع، مختبط: هو المحتاج الذي يطلب معروفك، من غير أن تكون له وسيلة يمت بها إليك، تطيح: تهلك، الطوائح: جمع طائح أو طائحة، "لبيك" اللام لام الأمر، ويبك مضارع مبني للمجهول مجزوم بها بحذف الألف، "يزيد" نائب فاعل، "ضارع" فاعل لفعل محذول دل عليه مدخول الاستفهام المقدر، أي يبكيه"، لخصومه" متعلق به، "ومختبط" معطوف على ضارع"، "مما" من جارة، وما مصدرية، والجار والمجرور متعلق بمختبط.

المعنى: ليبك يزيد، ويندبه شخصان، فقير ذليل مهضوم الحق لا يجد له نصيرا، وطالب معروف يدفع به مصائب الدهر، وليس له وسيلة يتقرب بها.

الشاهد: رفع "ضارع" على أنه فاعل لفعل محذوف، واقع في جواب استفهام مقدر، كأنه حين قال: ليبك يزيد، قيل: فمن يبكيه؟ فقال: ضارع. وروى ليبك يزيد ضارع، ببناء "يبك" للمعلوم، ونصب "يزيد" على أنه مفعول، ورفع "ضارع" على الفاعلية، وإذًا لا شاهد فيه.

(3)

هو أبو عمر، صالح بن إسحاق الجرمي البصري، مولى جرم بن زبان، وجرم من قبائل

ص: 9

وابن جني

(1)

.

ولا يجوز في نحو: يوعظ في المسجد رجل، لاحتماله للمفعولية

(2)

، بخلاف: يوعظ في المسجد رجال زيد

(3)

،

اليمن، قال الخطيب: كان فقيهًا، عالمًا بالنحو واللغة، دينا ورعًا، قدم بغداد، وأخذ عن الأخفش ويونس والأصمعي وأبي عبيدة، وحدث عنه المبرد، وقال فيه:"كان الجرمي أثبت القوم في كتاب سيبويه، وناظر الفراء وأفحمه، وانتهى إليه علم النحو في زمانه، وكان يلقب بالنباح، لكثرة مناظرته في النحو، ورفع صوته فيه، وله كتاب "الأبنية" ومختصر في النحو"، وغريب سيبويه، مات سنة 225 هـ.

(1)

هو أبو الفتح، عثمان بن جني، الموصلي مولدًا ونشأة، وأبوه جني، كان مملوكًا روميًا لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي، وفي ذلك يقول:

فإن أصبح بلا نسب

فعلمي في الورى نسبي

كان إماما في العربية، ومن أحذق أهل الأدب، وأعلمهم بالنحو والصرف، وصنف في ذلك كتبًا فاق بها على المتقدمين وأعجز، المتأخرين، ولم يتكلم أحد في التصريف والإعراب أدق منه كلامًا، قرأ الأدب على أبي علي الفارسي، وأخذ عنه ثم فارقه وقعد للإقراء بالموصل، فاجتاز بها شيخه أبو علي، فرآه في حلقته والناس حوله، فقال له: تزببت وأنت حصرم، فترك حلقته وتبعه ولازمه، وقد عاصر المتنبي وناظره، وكان المتنبي يعجب به وبذكائه وحذقه، ويقول فيه:"هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس"، وخدم أبو الفتح البيت البويهي "عضد الدولة وأولاده" وكان يلازمهم، وله مصنفات كثيرة منها كتاب "الخصائص"، وقد طبعته دار الكتب" و"اللمع"، و"المحتسب" في تخريج القراءات الشاذة، وقد طبع حديثًا، وشرح ديوان المتنبي"، ولما مات المتنبي رثاه بقصيدة مطلعها:

غاض القريض وأذوت نضرة الأدب

وصوحت بعد ري دوحة الكتب

وتوفي أبو الفتح في آخر صفر سنة 392 هـ، ودفن ببغداد في خلافة القادر بالله.

(2)

فيكون مرفوعًا على أنه نائب فاعل، فيحصل لبس بين كونه فاعلًا لفعل محذوف، أو نائب فاعل، فلهذا لا يجوز أن يكون فاعلًا.

(3)

فإنه يجوز أن يكون "زيد" فاعلًا لفعل محذوف، لعدم الاحتمال المتقدم؛ لأن الفعل قبله قد استوفى نائب فاعله، ونائب الفاعل لا يتكرر كالفاعل.

ص: 10

أو استلزمه ما قبله

(1)

، كقوله:

غداة أحلت لابن أصرم طعنة

حصين عبيطات السدائف والخمر

(2)

أي وحلت له الخمر؛ لأن أحلت يستلزم حلت.

أو فسره ما بعده

(3)

، نحو:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِين} ، والحذف في هذه واجب

(4)

.

(1)

أي استلزم الفعل الرافع للفاعل -ما ذكر قبله من فعل.

(2)

بيت من الطويل، من قصيدة للفرزدق.

اللغة والإعراب: طعنة: اسم مرة من الطعن، وهو الضرب بالرمح وغيره: عبيطات: جمع عبيطة، وهي القطعة من اللحم الطري غير النضيج، وعبط الذبيحة واعتبطها: نحرها وهي سمينة فتية، من غير داء ولا كسر، السدائف: جمع سديف، وهو شحم السنام ونحوه مما غلب عليه السمن، "غداة" منصوب على الظرفية بما قبله، "طعنة" فاعل أحلت، "لابن أصرم" متعلق بأحلت ومضاف إليه، ممنوع من الصرف، "حصين" بدل أو عطف بيان من أصرم"، عبيطات" مفعول أحلت، "السدائف" مضاف إليه، "والخمر" بالرفع فاعل لفعل محذوف، أي وحلت له الخمر.

المعنى: كان لحصين بن أصرم قريب قتل، فحرم على نفسه أكل اللحم الطري وشرب الخمر حتى يأخذ بثأر قريبه، فلما أدرك ثأره حل له ما حرمه على نفسه، فهو يقول: غداة أباحت طعنة حصين لخصمه وإدراكه ثأره، أكل اللحم الطري وشرب الخمر.

الشاهد: رفع "الخمر" على أنه فاعل لمحذوف، يدل عليه الفعل السابق ويستلزمه، وهو "أحلت" كما ذكرت المصنف، وروى بنصب "طعنة" على أنه مفعول به، وإن كان فاعلًا في المعنى، ورفع "عبيطات والخمر" على الفاعلية والعطف، على حد:"خرق الثوب المسمار".

(3)

"أي فسر" الفعل الرافع للفاعل ما بعده من فعل كما في الآية المذكورة.

(4)

لأن استجارك المذكور مفسر للمحذوف، ويغني عنه، فهو كالعوض، ولا يجمع بين

ص: 11

الخامس: أن فعله يوجد

(1)

؛ مع تثنية وجمعه، كما يوجد مع إفراده، فكما تقول: قام أخوك، كذلك تقول: قام أخواك، وقام إخوتك، وقام نسوتك

(2)

، قال الله تعالى:{قَالَ رَجُلَانِ} ، {قَالَ الظَّالِمُونَ} ، {وَقَالَ نِسْوَةٌ} .

المفسر والمفسر، والعوض والمعوض عنه، وهناك أساليب أخرى يجب فيها حذف الفعل: كالاختصاص والتحذير والإغراء، والمصدر النائب عن فعله، والأمثال وما جرى مجراها

إلخ، وسيِأتي توضيح كل ذلك وغيره في مكانه، وإلى الحكم الرابع المتقدم يشير الناظم بقوله:

ويرفع الفاعل فعل أضمرا

كمثل "زيد" في جواب من "قرأ"

أي أن الفاعل يرفع بفعل مضمر -أي غير مذكور- مع فاعله، نحو قول السائل من قرأ؟ فيجاب:"زيد"، فزيد: فاعل لفعل محذوف يدل عليه "قرأ" المذكور، أي قرأ زيد، واكتفى بهذا المثال عن التفضيل الذي أوضحه المصنف.

(1)

وكذلك ما هو بمنزلة الفعل، كاسم الفاعل وغيره، مما سبق بيانه في أول الباب.

(2)

أي بتوحيد الفعل فيه، وفيما قبله؛ لأنه لم يوحد، وقيل: قاما، وقاموا، وقمن، لتوهم أن الاسم الظاهر مبتدأ مؤخر، وما قبله فعل وفاعل خبر مقدم.

وقد أشار الناظم إلى هذا الحكم بقوله:

وجرد الفعل إذا ما أسندا

لاثنين أو جمع كـ"فاز الشهدا"

أي لا تلحق بآخر الفعل الذي آخره مثنى أو جمعًا علامة تثنية أو جمع، مثل: فاز الشهداء، فالفاعل جمع تكسير، والفعل مجرد من علامة الجمع، وإلا لقال:

* "الفاعل" مفعول يرفع مقدم، "فعل" فاعله مؤخر، "أضمرا" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى فعل، والجملة من الفعل ونائب الفاعل صفة لفعل، "كمثل" الكاف زائدة، و"مثل" خبر لمبتدأ محذوف، "زيد" فاعل لمحذوف، أي قرأ زيد، "في جواب" متعلق بمحذوف حال من زيد، "من اسم استفهام مبتدأ، "قرأ" الجملة خبر.

* "الفعل" مفعول جرد، "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، "ما" زائدة، "أسندا" ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى الفعل، والألف للإطلاق، والجملة فعل الشرط، وجوابه محذوف، "لاثنين" متعلق بأسند، "أو جمع" معطوف على اثنين، "كفاز الشهداء" الكاف جارة لقول محذوف، والجملة في محل نصب بذلك المحذوف والمجرور.

ص: 12

وحكى البصريون على طيئ، وبعضهم عن أزد شنوءة

(1)

نحو: ضربوني قومك، وضربتني نسوتك، وضرباني أخواك

(2)

:

قال:

ألفيتا عيناك عند القفا

(3)

وقال:

يلومونني في اشتراء النخيـ

ـل أهلي فكلهم ألوم

(4)

(1)

أزد، بفتح الهمزة. ويقال: أسد بالسين -وهو أفصح- أبو حي من اليمن، وشنوءة: بفتح الشين، وضم النون، وفتح الهمزة، وقد تشدد الواو، سميت القبيلة، لشنآن بينهم.

(2)

أي بإلحاق علامة الجمع والتأنيث والتثنية بالفعل، ويعبر بعض النحويين عن هذه اللغة بلغة:"أكلوني البراغيث"؛ لأن البراغيث فاعل أكلوني.

(3)

صدر بيت من السريع، لعمرو بن ملقط، الشاعر الجاهلي، وعجزه:

أولى فأولى لك ذا واقيه

اللغة والإعراب: ألفيتا: وجدتا، أولى فأولى لك: كلمة تقال عند التهديد والوعيد، وهي -كما قال الأصمعي والمبرد- اسم فعل معناه: قاربك ما يهلكك، ذا: اسم بمعنى صاحب، واقية: مصدر بمعنى الوقاية، كالعافية "ألفيتا" فعل ماض للمجهول، والتاء علامة التأنيث، والألف علامة التثنية، "عيناك" نائب الفاعل، ومضاف إليه، "عند القفا" عند طرف متعلق بألفيتا، والقفا: مضاف إليه، "أولى" مبتدأ، "فأولى" معطوف عليه للتأكيد "لك" خبر المبتدأ، أو "أولى" خبر لمبتدأ محذوف، أي دعائي أولى" ذا واقيه" ذا حال من الكاف في عيناك، وواقية: مضاف إليه.

المعنى: يصف الشاعر رجلًا بالجبن والفرار من القتال، فيقول له: وجدت عيناك عند قفاك من كثرة نظرك والتفاتك الشديد إلى الخلف عند الفرار، لتنظر الأعداء وتقيك منهم خشية أن يتبعوك، ثم يدعو عليه بنزول الكوارث، فيقول له: حلت بك المصائب، وقاربك ما يهلكك.

الشاهد: إلحاق علامة التثنية بالفعل "ألفى" مع أنه مسند إلى اسم ظاهر مثنى، وهو "عيناك".

(4)

بيت من المتقارب، ينسبه بعضهم إلى أمية بن أبي الصلت، وروي فكلهم يعذل، ولعل

ص: 13

وقال:

نتج الربيع محاسنا

ألقحنها غر السحائب

(1)

هذا هو الصواب، للروي.

اللغة والإعراب: يلومونني: اللوم: العذل والتعنيف، وهو فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو حرف دال على جماعة من الذكور، والنون للوقاية، والياء مفعول، "في اشتراء" جار ومجرور متعلق بيلوم، "النخيل" مضاف إليه، "أهلي" فاعل يلوم، "فكلهم" الفاء عاطفة، و"كلهم" مبتدأ ومضاف إليه، "يعذل" الجملة خبر.

المعنى: يعتب علي أهلي ويعنفونني لشراء النخيل، ولا يحق لهم، فكلهم أكثر ملومية.

الشاهد: في "يلومونني"، حيث وصل به واو الجماعة، مع أن فاعله اسم ظاهر مذكور وهو "أهلي"، وهذه لغة طيئ، وقيل: لغة أزد شنوءة.

(1)

بيت من مجزوء الكامل، لأبي فراس الحمداني، من قصيدة إلى سيف الدولة الحمداني، وهذا البيت للتمثيل لا للاستشهاد؛ لأن أبا فراس من المولدين.

اللغة والإعراب: نتج: بالبناء للمعلوم، أو للمجهول، ويقال: نتجت الناقة، بالبناء للمجهول، إذا ولدت، الربيع: المراد هنا المطر الذي ينزل وقت الربيع، محاسنًا: جمع لا واحد له من لفظه، مثل ملامح، وقيل: جمع حسن على غير قياس، ألحقنها، الإلقاح: أصله الإيلاد، من ألقح الفحل الناقة إلقاحا، أحبلها، ثم استعير للشجر، غر: جمع غراء، أي بيضاء، السحائب: جمع سحابة، "الربيع"

فاعل أو نائب فاعل نتج، على الروايتين "محاسنًا" مفعول أول أو ثان، "

ألحقنها" فعل ماض والنون علامة جمع النسوة، والهاء مفعول، "غر السحائب" فاعل ومضاف إليه.

المعنى: أنبت المطر الذي ينزل في زمن الربيع نباتًا حسنًا، وكسا الأرض حلة ناضرة، بوساطة تلك السحب الغراء آثارها، وما أنتجته من نبات حسن.

الشاهد: وصل نون النسوة بالفعل "ألقح" مع أنه مسند إلى اسم ظاهر بعده، وهو غر السحائب، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وقد يقال سعدا وسعدوا

والفعل للظاهر بعد مسند

* "سعد وسعدوا" سعدا: نائب فاعل، يقال: وسعدوا معطوف عليه، قصد لفظهما "والفعل" مبتدأ "للظاهر بعد" متعلقان بمسند الواقع خبرا للمبتدأ، والجملة حال.

أي قد يقال في بعض اللغات: "سعدا وسعدوا"، بزيادة علامة التثنية والجمع على أنها مجرد علامة، والفعل مسند للفاعل الظاهر بعده.

ص: 14

والصحيح: أن الألف والواو والنون في ذلك أحرف، دلوا بها على التثنية والجمع

(1)

، كما دل الجميع

(2)

بالتاء في نحو: قامت على التأنيث

(3)

، لا؛ لأنها ضمائر الفاعلين، وما بعدها مبتدأ على التقديم والتأخير، أو تابع على الإبدال من الضمير

(4)

، وأن هذه اللغة

(5)

، لا تمتنع من المفردين أو المفردات المتعاطفة، خلافًا لزاعمي ذلك

(6)

، لقول الأئمة

(7)

: إن ذلك لغة لقوم معينين، وتقديم الخبر، والإبدال لا يختصان بلغة قوم أو بأعيانهم، ولمجيء

(8)

قوله:

وقد أسلماه مبعد وحميم

(9)

(1)

أي طيئ وأزد شنوءة ومن إليهما، قصدوا بهذه الأحرف الدلالة على التثنية والجمع تذكيرًا أو تأنيثًا.

(2)

أي جميع العرب.

(3)

والجامع بينهما: الفرعية عن الغير، فالمثنى والجمع فرع الإفراد، والمؤنث فرع المذكر، والفرق بين الاثنين أن لحاق علامة التأنيث لغة جميع العرب، ويجب أحيانا، أما لحاق الثانية فلغة قوم، ولا يجب مطلقًا.

(4)

أي أن ما بعدها تابع لها، على الإبدال من الضمير بدل كل من كل.

(5)

هذا معطوف على قوله: والصحيح أن الألف والواو

إلخ، أي الصحيح أيضا أن هذه اللغة، وهي إلحاق علامة التثنية والجمع.

(6)

أي لمن زعم أن الظواهر مبتدآت، ولمن زعم أنها أبدال، ولمن زعم امتناع هذه اللغة مع المتعاطفات بغير "أو".

(7)

هذا التعليل لبيان أن الصحيح أن اللواحق أحرف لا ضمائر.

(8)

هذا تعليل للصحيح من أن هذه اللغة لا تمتنع مع المتعاطفات بغير "أو".

(9)

عجز بيت من الطويل، لعبد الله بن قيس الرقيات، يرثي مصعب بن الزبير، وكان مشايعًا للزبيرين، وصدره.

ص: 15

وقوله:

وإن كانا له نسب وخير

(1)

تولى قتال المارقين بنفسه

اللغة والإعراب: المارقين: الخارجين عن الدين، أسلماه: خذلاه وأسلماه إلى أعدائه، مبعد: أجنبي بعيد الصلة، حميم: صديق أو قريب. "تولى" فعل ماض، وفاعله ضمير يعود إلى مصعب، "قتال المارقين" مفعول تولى، ومضاف إليه، "بنفسه" متعلق بتولى، أو توكيد للفاعل، والباء زائدة، "وقد" الواو للحال، "أسلماه" فعل ماض، والألف علامة التثنية والهاء مفعول "مبعد" فاعل، "حميم" معطوف عليه.

المعنى: أن مصعبًا تولى بنفسه قتال الخارجين بالعراق، على أخيه عبد الله بن الزبير ولم يركن إلى غيره في ذلك، وقد تجشم المصاعب، وخذله البعيد والقريب، وأسلماه لعدوه.

الشاهد: وصل ألف التثنية بالفعل "أسلماه" مع إسناده للفاعل الظاهر مع العطف.

(1)

عجز بيت من الوافر، لعروة بن الورد العبسي، المعروف بعورة الصعاليك، وصدره:

وأحقرهم وأهونهم عليه

وهذا البيت من قصيدة يمدح فيها الغنى، ويذم الفقر، وقبله:

ذريني للغنى أسعى فإني

رأيت الناس شرهم الفقير

وبعده:

يباعده القريب وتزدريه

حليلته وينهره الصغير

اللغة والإعراب: ذريني: دعيني واتركيني، خير: كرم وشرف: "وأحقرهم وأهونهم" معطوفان على "شرهم" في البيت قبله، "عليه" على للتعليل والضمير المجرور يعود على الفقر المفهوم من لفظ الفقير، وروي: عليهم، "وإن" شرطية. "كانا" فعل الشرط والألف حرف دال على التثنية، "له" خبر كان مقدم، "نسب" اسمها مؤخر، و"خير" معطوف على نسب، وجواب الشرط محذوف مفهوم مما قبله.

المعنى: يقول للائمته: اتركيني أسعى وأجد في تحصيل الغنى والمال، فإني رأيت الفقير شر الناس وأذلهم، وأحقرهم شأنًا، وأهونهم عليهم، لأجل فقره، وإن كان شريف الأصل كريمًا، حسن الأخلاق، كريم السجايا.

الشاهد: لحوق علامة التثنية -وهي الألف- للفعل "كانا"، مع أنه مسند إلى ظاهر مع العطف بالواو، فهو في معنى المثنى.

ص: 16

السادس: أنه إن كان مؤنثًا أنت فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي

(1)

، وبتاء المضارعة في أول المضارع، ويجب ذلك في مسألتين:

إحداهما: أن يكون ضميرًا متصلًا

(2)

، كهند قامت، أو تقوم، والشمس طلعت، أو تطلع، بخلاف المنفصل

(3)

، نحو: ما قام، أو يقوم إلا هي، ويجوز تركها في الشعر

(4)

إن كان التأنيث مجازيًا، كقوله:

ولا أرض أبقل إبقالها

(5)

(1)

سواء كان جامدا أو متصرفًا، تاما أم ناقصا، وجوبا أو جوازًا، كما سيأتي، وسواء في ذلك التأنيث الحقيقي أو المجازي، ومثل الماضي: الوصف: نحو: أقائمة زينب، وفي هذا يقول الناظم:

وتاء تأنيث تلي الماضي إذا

كان لأنثى كأبت هند الأذى

أي إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث، لحقته تاء ساكنة، تدل على أن الفاعل مؤنث، سواء في ذلك المؤنث الحقيقي والمجازي، ولم يتعرض الناظم للمضارع.

(2)

أي مستترا، عائدا على منؤث حقيقي التأنيث أو مجازيه، وقد مثل لهما المصنف، وإنما وجب التأنيث في هذا، لئلا يتوهم أن هنالك فاعلا مذكرا منتظرا، كأن يقال: هند قام أبوها -والشمس طلع قرنها.

(3)

أي فلا يجب التأنيث معه، لعدم التوهم المذكور، والأفصح الشائع في الأساليب عدم تأنيث الفعل.

(4)

أي مع اتصال الضمير.

(5)

عجز بيت من المتقارب، لعامر بن جوين الطائي، أي الخلعاء الفتاك، يصف سحابه

* "وتاء تأنيث" مبتدأ ومضاف إليه، "تلي الماضي" الجملة خبر المبتدأ، "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، "كان" فعل ماض ناقص واسمها يعود إلى "الماضي"، وخبرها محذوف، أي مسندًا، "لأنثى" جار ومجرور متعلق بذلك الخبر، "كأبت هند الأذى" الكاف جارة لقول محذوف، والجملة في محل نصب لذلك القول المحذوف.

ص: 17

وقوله:

فإن الحوادث أودى بها

(1)

غزيرة المطر، وأرضا مخصبة، بسبب ما نزل بها من الغيث، وصدره:

فلا مزنة ودقت ودقها

اللغة والإعراب: مزنة: هي السحابة البيضاء والمثقلة بالماء، ودقت: أمطرت، والودق: المطر، أبقل: أنبتت البقل، والبقل، ما نبت في بزره، لا في أرومة ثابتة، "فلا" نافية تعمل عمل ليس، "مزنة" اسمها مرفوع، "ودقها" مفعول مطلق لودقت، والجملة خبر لا، ويجوز جعل لا مهملة، و"مزنة" مبتدأ، وجملة "ودقت" خبر، "ولا أرض" لا نافية عاملة عمل إن، "أرض" اسمها، وجملة أبقل خبرها.

المعنى: ليس هنالك سحابة أمطرت مطرا غزيرا نافعا كهذه السحابة، وليست هنالك أرض أنبتت بقلًا عظيما كهذه الأرض.

الشاهد: في "أبقل"، حيث حذف منه تاء التأنيث للضرورة، مع أن فاعله ضمير مستتر، عائد على مجاز التأنيث، وينبغي تأنيث فعله، ويروى أبقلت أبقالها -بكسر التاء، للتخلص من الساكنين، ووصل همزة القطع من "إبقالها". قبل: وهو تخلص من ضرورة، للوقوع في ضرورة أخرى.

(1)

عجز بيت من المتقارب، للأعشى ميمون بن قيس، وصدره:

فإما تريني ولي لمة

اللغة والإعراب: لمة: هي شعر الرأس الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا زاد عن ذلك وبلغ المنكبين، فهو "جملة"، الحوادث: النوازل والكوارث، جمع حادثة. "أودى بها" ذهب بها وأهلكها وأبادها، "إما" إن شرطية مدغمة في "ما" الزائدة، "تريني" فعل وفاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول، وترى هنا بصرية. "ولى" الواو للحال، و"لي" خبر مقدم "لمة" مبتدأ مؤخر، "فإن" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"إن" حرف توكيد ونصب، "الحوادث" اسمها، "أودى" ماض، وفاعله يعود على الحوادث، الجملة خبر إن، والجملة من إن ومعموليها جواب الشرط.

ص: 18

الثانية

(1)

: أن يكون متصلًا

(2)

حقيقي التأنيث، نحو:{إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَان} وشذ قول بعضهم: "قال فلانة"

(3)

، وهو رديء لا ينقاس

(4)

.

المعنى: يقول لمحبوبته: إن رأيتي فيما مضى وأنا شاب لي لمة تنزل إلى أذني، فلا تعجبي اليوم من منظري، فإن حوادث الدهر وكوارثه ذهبت بها وأزالتها، يريد: أنه أصبح أصلع الرأس، وذلك دليل الضعف، وأمارة الكبر والعجز.

الشاهد: تجريد الفعل "أودى" من علامة التأنيث للضرورة، مع أنه مسند إلى ضمير عائد إلى مؤنث وهو الحوادث، وقد سوغ ذلك أن الحوادث مجازي التأنيث، ولا يقال: إنه لا ضرورة في هذا البيت؛ لأنه لو قال: أودت بها؛ لاستقام الوزن؛ لأن القافية مؤسسة، والألف في أودى ملتزمة في أبيات القصيدة، وتسمى عند العروضيين:"حرف الردف" وتركها في بعض الأبيات عيب غير مقبول.

(1)

أي المسألة الثانية التي يجب فيها التأنيث.

(2)

أي اسمًا ظاهرًا متصلًا بعامله مباشرة، وقد أشار الناظم إلى حالتي الوجوب بقوله:

وإنما تلزم فعل مضمر

متصل أو مفهوم ذات حر

أي أن علامة التأنيث تلزم في الفعل الذي يكون فاعله ضميرا متصلا عائدا على مؤنث، لا فرق في ذلك بين المؤنث الحقيقي والمجازي، وكذلك إذا كان الفاعل اسمًا ظاهرا متصلا به، دالا على مؤنث حقيقي، وهذا قوله:"مفهم ذات حر"، والحر: الفرج: وأصله حرح، حذفت لام الكلمة تخفيفًا.

(3)

"فلانة" ليس دالا على مؤنث، كفاطمة وزينب مثلا، ولكنه يدل على لفظ مؤنث.

(4)

فيقتصر فيه على السماع وهو قليل، وقد أشار الناظم إلى هذا، وإلى جواز ترك التاء في مجازي التأنيث في المسألة الأولى، بقوله:

والحذف قد يأتي بلا فصل ومع

ضمير ذي المجاز في شعر وقع

* "وإنما" أداة حصر، "فعل" تلزم، "مضمر" مضاف إليه، "متصل" نعت لمضمر. "أو مفهم" معطوف على "مضمر -أي أو فعل اسم ظاهر مفهم، بشرط اتصال ذلك الظاهر بعامله، "ذات مفعول به لمفهم، "حر" مضاف إليه.

* "والحذف" مبتدأ، "قد يأتي" الجملة خبر المبتدأ، "بلا فصل" جار ومجرور متعلق بيأتي، "ومع" الواو عاطفة أو استئنافية، و"مع" ظرف متعلق بوقع. "ضمير" مضاف إليه، "ذي المجاز" مضاف إليه أيضًا، "ذي" بمعنى صاحب،

ص: 19

وإنما جاز في الفصيح، نحو: نعم المرأة، وبئس المرأة؛ لأن المراد الجنس

(1)

، وسيأتي أن الجنس يجوز فيه ذلك

(2)

.

ويجوز الوجهان في مسألتين:

أي: وقد تحذف التاء من الفعل الذي فاعله مؤنث ظاهر حقيقي، من غير فصل وذلك قليل: وكذلك تحذف من الفعل الذي فاعله ضمير يعود على مؤنث مجازي، وهذا الحذف قليل مخصوص بالشعر.

(1)

فالمرأة لا يراد بها واحدة معينة، وإنما هي رمز لجنس المرأة ممثلًا في الفاعل.

(2)

أي يجوز فيه ترك التاء؛ لأن فيه معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي التأنيث، ولا يلزم في هذه الصورة أن يكون الفاعل اسمًا ظاهرا، فقد يكون ضميرا مفسرا بنكرة بعده، نحو: نعم فتاة زينب، وإلى هذا يشير الناظم بقوله:

والحذف في "نعم الفتاة" استحسنوا

لأن قصد الجنس فيه بين

أي أنه يجوز في نعم وأخواتها إذا كان فاعلها مؤنثها، إثبات التاء وحذفها وإن كان مفردا مؤنثا حقيقيا؛ لأن فاعلها مقصودا به استغراق الجنس، والحذف جنس والإثبات أحسن منه.

هذا: ويجب التأنيث أيضًا:

أ- إذا كان الفاعل ضمير جمع تكسير لمذكر غير عاقل، نحو: الأيام بك ابتهجت، أو ابتهجن.

ب- أو كان الفاعل ضمير جمع تكسير أو سلامة لمؤنث، نحو: الجنود فرحت، أو فرحن، والتلميذات فرحت، أو فرحن.

"في شعر" متعلق بوقع وفاعل وقع يعود إلى الحذف، والجملة معطوفة على "قد يأتي"، أي: وقد وقع ذلك الحذف في الشعر.

* "والحذف" مفعول مقدم لاستحسنوا: "في نعم الفتاة" متعلق بالحذف -أو باستحسنوا، وهو مقصود لفظه؛ "لأن" اللام جارة، وأن حرف توكيد ونصب، "قصد الجنس" اسمها ومضاف إليه، "فيه" متعلق بقوله:"بين" الواقع خبرا لأن، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق باستحسنوا.

ص: 20

إحداهما: المنفصل

(1)

، كقوله:

لقد ولد الأخيطل أم سوء

(2)

وقوله: "حضر القاضي اليوم امرأة"، والتأنيث أكثر، إلا أن كان الفاصل "إلا" فالتأنيث خاص بالشعر

(3)

، نص عليه الأخفش، وأنشد على التأنيث.

(1)

أي المؤنث الحقيقي الظاهر، المنفصل من فعله بفاصل.

(2)

صدر بيت من الوافر، لجرير الشاعر الأموي المشهور، يهجو الأخطل وعجزه:

على باب استها صلب وشام

اللغة والإعراب: الأخيطل: تصغير الأخطل الشاعر المشهور واسمه غياث بن غوث، استها: دبرها، صلب: جمع صليب، وهو للنصارى، شام: جمع شامة، وهي الخال والعلامة:"لقد" اللام موطئة للقسم وقد للتحقيق، الأخيطل: مفعول مقدم لولد، "أم سوء" فاعل ومضاف إليه، "على باب" جار ومجرور خبر مقدم، "استها" مضاف إليه، "صلب" مبتدأ مؤخر، و"شام" معطوف على صلب.

المعنى: أن الذي ولد الأخطل امرأة سيئة، لم تتحصن بالعفة، فهو سليل الفجور.

الشاهد: تجرد الفعل "ولد" من تاء التأنيث على أن فاعله مؤنث حقيقي التأنيث، وقد تقدم وجوب تأنيث الفاعل إذا كان فاعله مؤنثا حقيقيا، ظاهرًا كان أو مضمرا، وجاز ذلك؛ لأنه فصل بين الفعل والفاعل، فبعد الفعل بالفصل عن فاعله، وضعفت عنايته به، وإلى هذا يشير الناظم بقوله:

وقد يبيح الفصل ترك التاء في

نحو أتى القاضي بنت الواقف

أي أن الفصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي يبيح تجريده الفعل من علامة التأنيث، نحو: أتى القاضي بنت الواقف، فيجوز أنت، وهو أجود.

(3)

التخصيص بالشعر مذهب الجمهور، ومثل "إلا" في الفصل "غير" أو"سوى" وإن كان مذكرا، لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، ويلاحظ أن لفظ "غير" و"سوى" هو الذي يعرب فاعلًا.

* "وقد" حرف تقليل، "الفصل" فاعل يبيح:"ترك التاء" مفعول ومضاف إليه، "في نحو" متعلق بيبيح "القاضي" مفعول أتى، مقدم على الفاعل وهو بنت، "الواقف" مضاف إليه والجملة في محل جر بإضافة نحو إليها.

ص: 21

ما برئت من ريبة وذم

في حزبنا إلا بنات العم

(1)

وجوزه ابن مالك في النثر

(2)

، وقرئ:{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَة} ، {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}

(3)

.

(1)

بيت من الزجر لم نقف على قائله.

اللغة والإعراب: برئت تخلصت وسلمت، ريبة: هي التهمة والشك، ذم: عيب، "ما" نافية، "برئت" فعل ماض، والتاء علامة التأنيث، "من ريبة" جار ومجرور متعلق ببرئت، و"ذم" معطوف عليه، "إلا" حرف استثناء، "بنات العم" فاعل برئت ومضاف إليه.

المعنى: لم تسلم امرأة من التهمة والشك والعيب في حربنا إلا بنات الأعمام.

الشاهد: لحوق تاء التأنيث وهو "برئت"؛ لأن الفاعل حقيقي التأنيث مع وجود الفصل بإلا بالضرورة، وكان الحذف واجبًا؛ لأن الفاعل في الحقيقة ليس الاسم المؤنث المذكور بعد إلا، وإنما هو مذكر محذوف، أي ما برئ أحد إلا بنات العم، وهذا رأي الأخفش ومن تبعه.

(2)

أي أجاز الإثبات على قلة، والأحسن الحذف، وعليه فما جاء في البيت جار على أحد الوجهين الجائزين، وإن يكن مرجوحا، وفي ذلك يقول الناظم:

والحذف مع فصل بإلا فضلا

كـ"ما زكا إلا فتاة ابن العلا"

أي أن الحذف مع الفصل بإلا مفضل على التأنيث عند الناظم نثرا ونظما، نحو: ما زكا إلا فتاة ابن العلا، أي ما صلحت إلا فتاة الرجل المعروف بابن العلا، ويجوز على قلة ما زكت.

(3)

أي برفع "صيحة" بكان، وضم التاء من "ترى" ورفع "مساكنهم" على النيابة عن الفاعل، وهاتان القراءتان ليستا سبعيتين.

* "والحذف" مبتدأ، "مع" ظرف حال من فاعل فضلا، "فضل" مضاف إليه. "بإلا" متعلق بفضل، "فضلا" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى الحذف، والجملة خبر المبتدأ، "كما" الكاف جارة لقول محذوف، "ما" نافية، "زكا" فعل ماض، "إلا" أداة استثناء ملغاة، "فتاة" فاعل زكا. "ابن العلا" مضاف إليه.

ص: 22

الثانية: المجازي التأنيث: نحو: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}

(1)

، ومنه

(2)

: اسم الجنس، واسم الجمع، والجمع

(3)

؛ لأنهن في معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي، فلذلك جاز التأنيث، نحو

(4)

: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح} ، و {قَالَتِ الأَعْرَابُ} ، وأورقت الشجر، والتذكير، نحو

(5)

: أورق الشجر: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} ، {وَقَالَ نِسْوَة} ، وقام الرجال، وجاء الهنود، إلا أن سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح، أوجبت التذكير في نحو: قام الزيدون، والتأنيث في نحو: قامت الهندات

(6)

.

(1)

يجوز في غير القرآن: وجمعت.

(2)

أي من مجازي التأنيث.

(3)

المراد جمع تكسير؛ لأن جمع المذكر السالم يجب تذكير فعله، كما أن جمع المؤنث السالم المستوفي للشروط، يجب تأنيث فعله على الأصح.

(4)

مثل المصنف لاسم الجمع فجمع التكسير، فاسم الجنس.

(5)

الأمثلة على هذا الترتيب: لاسم الجنس، فاسم الجمع المذكر، فاسم الجمع المؤث، فجمع التكسير المذكر، فجمع التكسير المؤنث، وإنما جاز الأمران مع المؤنث المجازي؛ لأن التأنيث في غير حقيقي، فالعناية به ضعيفة، وأيضا فهذا المؤنث في معنى المذكر.

(6)

وفي جمع التكسير يقول الناظم:

والتاء مع جمع سوى السالم من

مذكر كالتاء مع إحدى اللبن

أي أن التاء في فعل كل جمع -سوى جمع المذكر السالم- يجوز إثباتها وحذفها، كالتاء مع الظاهر المجازي للتأنيث، كلبنة، تقول: كسرت اللبنة، وكسر اللبنة، واللبن: الطوب النيئ الذي لم يحرق بالنار.

* "والتاء" مبتدأ، "مع" ظرف متعلق بمحذوف حال منه، أو من الضمير في الخبر، "جمع" مضاف إليه. "سوى" نعت لجمع، "السالم" مضاف إليه، "من مذكر" جار ومجرور متعلق بالسالم، "كالتاء" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "مع" ظرف متعلق بمحذوف حال من التاء، "إحدى اللبن" مضاف إليه.

ص: 23

خلافا للكوفيين فيهما

(1)

، وللفارسي في جمع المؤنث

(2)

، واحتجوا بنحو:{إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل}

(3)

، {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَات}

(4)

.

وقوله:

فبكى بناتي شجوهن وزوجتي

(5)

وأجيب بأن البنين والبنات لم يسلم فيهما لفظ الواحد

(6)

، وبأن التذكير في "جاءك"

(1)

فقد أجازوا تذكير الفعل وتأنيثه مع جمعي التصحيح، ومع اسمي الجنس أيضًا.

(2)

فقد أجاز فيه الأمرين ووافقه الناظم فلم يستثنه.

(3)

فقد أنث الفعل وهو "آمنت" مع جمع التصحيح المذكر وهو "بنو".

(4)

فقد ذكر الفعل وهو "جاء" مع جمع التصحيح المؤنث.

(5)

صدر بيت من الكامل لعبدة بن الطبيب، من شعراء الجاهلية وعجزه:

والظاعنون إلي ثم تصدعوا

اللغة والإعراب: "شجوهن"، الجو: الحزن والهم -من شجاه الأمر- يشجوه إذا أحزنه، "زوجتي"، الأفصح أن يقال:"زوج" للرجل والأنثى، وجمعه أزواج، تصدعوا: تفرقوا وانشعب شملهم، "بناتي" فاعل بكى، "شجوهن" مفعول لأجله ومضاف إليه، "زوجتي" معطوف على بناتي، وكذلك "الظاعنون"، "ثم" حرف عطف، "تصدعوا" فعل وفاعل.

المعنى: أن بناتي بكين علي من الحزن، وكذلك زوجتي، والذين وفدوا علينا ليشاركونا أحزاننا وهمومنا من المحبين، ثم انصرفوا بعد ذلك وتفرقوا كل لشأنه.

الشاهد: تجريد "بكى" من علامة التأنيث، مع أن الفاعل جمع مؤنث، وهو حجة للكوفيين والفارسي، وفي البيت شاهد آخر في قوله:"شجوهن"، فإن مفعول لأجله وهو معرفة بالإضافة للضمير، وفي هذا رد على من يقول: إنه لا يكون إلا نكرة، كالجرمي وغيره.

(6)

أي لا تغيير شكله، إذ الأصل "بنو" فحذفت لامه وزيد عليه واو ونون في التذكير، وألف تاء في التأنيث، والكلام في الجمعين إذا لم يحدث فيها تغيير، أما تغير منهما كبنين وبنات، فيجوز فيهما الوجهان اتفاقًا.

ص: 24

للفصل، أو؛ لأن الأصل: النساء المؤمنات، أو؛ لأن "أل" مقدرة باللاتي وهي اسم جمع.

السابع: أن الأصل فيه أن يتصل بفعله

(1)

، ثم يجيء المفعول، وقد يعكس، وقد يتقدمهما المفعول، وكل من ذلك جائز وواجب

(2)

.

فأما جواز الأصل فنحو: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} ، وأما وجوبه في مسألتين:

إحداهما: أن يخشى اللبس

(3)

، كضرب موسى عيسى، قال أبو بكر، والمتأخرون،

هذا: ولم يذكر المصنف ولا الناظم حكم إسناد الفعل إلى المثنى، وحكمه حكم المفرد، فإن كان لمذكر وجب تذكير الفعل، نحو: قال المحمدان، وإن كان لمؤنث وجب التأنيث، تقول: قامت الهندان.

(1)

ذلك؛ لأنه منزل منزلة جزئه، ألا ترى أن علامة الرفع تتأخر عنه في الأفعال الخمسة؟

(2)

فجملة الصور ستة، أشار إليها الناظم إشارة مختصرة بقوله:

والأصل في الفاعل أن يتصلا

والأصل في المفعول أن ينفصلا

وقد يجاء بخلاف الأصل

وقد يجي المفعول قبل الفعل

أي أن الأصل في تكون الجملة العربية وترتيب كلماتها: أن يتصل الفاعل بعامله، وأن ينفصل عنه المفعول بسبب وقوع الفاعل فاصلًا بينهما، وقد لا يراعى هذا الأصل، فيتقدم المفعول على الفاعل، وقد يجيء المفعول قبل الفعل وفاعله.

(3)

فلا يمكن تمييز الفاعل من المفعول، وذلك كأن يكون كل منهما اسمًا مقصورا كما مثل المصنف، أو مضافا لياء المتكلم، نحو: أكرم صديقي أخي، وكذلك المبنيات وأسماء الإشارة، وليست هنالك قرينة تعين المراد وتميز الفاعل من المفعول، فإن وجدت قرينة لفظية أو معنوية لم يكن الترتيب واجبا، فاللفظية مثل: أكرمت يحيى ليلى، والمعنوية مثل: أزعجت ليلى الحمى.

* "والأصل" مبتدأ"، في "الفاعل" متعلق به، "أن يتصلا" أن: مصدرية، وفاعل يعود على الفاعل والألف للإطلاق، وأن ومنصوبها في تأويل مصدر خبر المبتدأ، وإعراب الشطر الثاني كذلك، "وقد" حرف تقليل، "يجاء" مضارع مبني للمجهول. "بخلاف" جار ومجرور في موضع نائب فاعل "يجاء" الأصل مضاف إليه.

"المفعول" فاعل يجي، "قبل" ظرف متعلق بمحذوف حال من المفعول، "الفعل" مضاف إليه.

ص: 25

كالجزولي

(1)

، وابن عصفور، وابن مالك، وخالفهم ابن الحاج

(2)

، محتجًا بأن العرب تجيز تصغير عمر، وعمرو

(3)

، وبأن الإجمال من مقاصد العقلاء

(4)

، وبأنه يجوز: ضرب أحدهما الآخر

(5)

، وبأن تأخير البيان لوقت الحاجز جائز عقلًا باتفاق، وشرعًا على الأصح

(6)

، وبأن الزجاج نقل أنه لا خلاف في أنه يجوز في نحو: {فَمَا زَالَت

(1)

هو أبو موسى، عيسى بن عبد العزيز الجزولي، و"جزولة": بطن من البربر" كان إمامًا في العربية لا يشق له غبار، مع جودة التفهيم وحسن العبارة، لزم ابن بري بمصر لما حج وعاد، وتصدر للإقراء بالمرية "بلد الأندلس" وغيرها، وأخذ عنه العربية جماعة، منهم: الشلوبين، وابن معط، وولي خطابة مراكش. وله حواش على الجم الزجاجي، ومات سنة 607 هـ.

(2)

وذلك في نقده على المقرب لابن عصفور، وابن الحاج هو: أبو العباس، أحمد بن محمد الأزدي الأشبيلي، المعروف بابن الحاج، كان عالمًا بالعربية، محققًا حافظًا للغات، قيل: إنه برع في لسان العرب حتى لم يكن في زمنه من يفوقه أو يدانيه، قرأ على الشلوبين وغيره، وله مصنفات كثيرة، منها: مختصر خصائص ابن جني: ومختصر المستصفى، وله نقود على الصحاح، وإيرادات على المقرب لابن عصفور، وأمالي على كتاب سيبويه، وكان يقول: إذا مت يفعل ابن عصفور في كتاب سيبويه ما شاء، وأمات رحمه الله سنة 647 هـ.

(3)

أي على "عمير" مع وجود اللبس.

(4)

هذا القول مبني على أنه لا فرق بين اللبس والإجمال، والحق أن بينهما فرقا كبيرا، فاللبس: تبادر فهم غير المراد، أما الإجمال فهو: احتمال اللفظ للمراد وغيره، من غير تبادر لأحدهما، والأول مضر وليس من مقاصد البلغاء، بخلاف الثاني، وتصغير عمرو وعمر على

عمير، وضرب أحدهما على الآخر من الثاني.

(5)

لأنه لا يبعد أن يقصد الإنسان ضرب أحدهما من غير تعيين، فيأتي باللفظ المحتمل.

(6)

أما عقلًا؛ فلأنه لا يمتنع أن يتكلم الإنسان بالمجمل، ويتأخر البيان إلى وقت الحاجة، وأما شرعًا؛ فلأن المقصود بالبيان تمكين المكلف من امتثال، ولا حاجة لذلك، ولا حاجة لذلك إلا عند تعيين الامتثال.

ص: 26

تِلْكَ دَعْوَاهُم}، كون "تلك" اسمها و"دعواهم" الخبر، والعكس

(1)

.

الثانية: أن يحضر المفعول بـ"إنما"، نحو: إنما ضرب زيد عمرًا

(2)

، وكذا الحصر بـ"إلا" عند الجزولي وجماعة، وأجاز البصريون والكسائي والفراء، وابن الأنباري

(3)

، تقديمه على الفاعل

(4)

، كقوله:

ولما أبى إلا جماحا فؤاده

(5)

(1)

أي فلم يبالواب التباس الاسم بالخبر، فكذلك التباس الفاعل بالمفعول، قال الأشموني: وما قاله ابن الحاج ضعيف؛ لأنه ما استدل به -في غير الآية- من باب الإجمال، وما نحن فيه من باب الإلباس، والثاني ضار دون الأول كما بينا، أما في الآية، فإن التباس الفاعل بالمفعول ليس كالتباس اسم زال بخبرها؛ لأن المبتدأ عين الخبر في الماصدق، فالحكم على أحدهما كالحكم على الثاني، أما الفاعل فغير المفعول فجعل أحدهما الآخر غير مقبول، على أنهم لا يسلمون للزجاج ما نقله.

(2)

فيجب تقديم الفاعل على المفعول في هذه الصورة؛ لأنه لو أخر انقلب المعنى.

(3)

هو الإمام أبو بكر، محمد بن القاسم الأنباري النحوي اللغوي، كان من أعلم الناس بالنحو، والأدب، وأكثرهم حفظًا، قيل: إنه كان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهدًا في القرآن، وكان يملي من حفظه لا من كتاب، وكان مع حفظه ثقة زاهدا متواضعا دينا من أهل السنة، أخذ عن ثعلب، وروى عنه الدارقطني وجماعة، وكان يملي في ناحية من المسجد وأبوه في ناحية أخرى، وقد أملى كتبا كثيرة، منها: كتاب الأضداد، وأدب الكاتب، والمقصور والممدود، والمذكر والمؤنث، والكافي في النحو: وشرح شعر الأعشى، والنابغة، وزهير، وكان ممن يرى القياس في النحو، ويقول: النحو كله قياس، ومن أنكر القياس فقد أنكر النحو، وكان ذا يسار وحال واسعة، ولم يكن له عيال، وكان مع هذا شحيحًا، وتوفي ليلة النحر من ذي الحجة سنة 327 هـ، ودفن ببغداد.

(4)

أي تقديم المفعول المحصور بإلا على الفاعل بشرط أن تتقدم معه "إلا".

(5)

صدر بيت من الطويل ينسب إلى دعبل الخزاعي، وعجزه:

ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل

ص: 27

وقوله:

فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها

(1)

اللغة والإعراب: أبي: امتنع، جماحًا: مصدر من جمح الفرس -إذا أسرع إسراعًا لا يرده شيء، والجموح من الرجال: الذي يركب هواه ولا يمكن ردعه، ولم يسل: مضارع، سلا: بمعنى صبر وتعزى، "لما" ظرف بمعنى حين معمول لتسلي في قوله بعد:

تسلى بأخرى غيرها فإذا التي

تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي

أبى: فعل ماض: "إلا" أداة حصر، "جماحًا" مفعول أبي، "فؤاده" فاعل ومضاف

إليه، "ولم يسل" لم حرف نفي وجزم، و"يسل" مضارع مجزوم بلم بحذف حرف العلة، "عن ليلى" متعلق بيسل، "بمال" متعلق به كذلك، "ولا أهل" معطوف على مال.

المعنى: أن هذا المحب حين تعلق قلبه بليلى وهام بها، ولم يصرفه عن التمادي في هواها زينة الدنيا من المال والأهل أراد أن يتسلى بغيرها فلم يغنه ذلك، بل زادته الأخرى، إغراء بليلى وتعلقا بها؛ لأنها دون ليلى في الحسن والجمال.

الشاهد: جواز تقديم المفعول المحصور بإلا وهو "جماحا" على الفاعل وهو "فؤاده"؛ لأنه لا لبس، إذ يتعين كون المحصور بعد إلا، بخلاف المحصور بإنما؛ لأنه لا دليل على أن المحصور هو تاليها.

(1)

عجز بيت من الطويل، ينسب إلى قيس بن الملوح -المعروف بمجنون ليلى، وصدره:

تزودت من ليلى بتكليم ساعة

اللغة والإعراب: "تزودت": اتخذت زادًا، والزاد: طعام يتخذ للسفر، وهو فعل وفاعل، "من ليلى" متعلق به، وهو مجرور بفتحة مقدرة على الألف نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف لألف التأنيث المقصورة، "ما" نافية، "زاد" فعل ماض، "إلا" أداة حصر، "ضعف"، مفعول مقدم. "ما" اسم موصول مضاف إليه، "بي" متعلق بمحذوف صلة، "كلامها" فاعل زاد ومضاف إليه.

المعنى: اتخذت من تكليم ليلى، ساعة زادا أتبلغ به، وأطفئ جذوة حبي لها، فلم يفدني ذلك، ولم يشف غلتي، بل زاد كلامها ما بي من وجد ولوعة.

الشاهد: تقديم المفعول المحصور بإلا وهو "ضعف" على الفاعل وهو كلامها.

ص: 28

وقوله:

وتغرس إلا في منابتها النخل

(1)

(1)

عجز بيت من الطويل لزهير بن أبي سلمى، مع قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان، والحارث بن عوف بالكرم وشرف العنصر، وصدره:

وهل ينبت الخطي إلا وشيجه

اللغة والإعراب: الخطيي: الرمح المنسوب إلى الخط، "والخط": جزيرة ترفأ إليها سفن الرماح بالبحرين: "وشيجه": جمع وشيجة -وهي العروف الملتفة من شجر الرماح، "هل" حرف استفهام للإنكار بمعنى النفي، "الخطي": مفعول مقدم لينبت، "إلا" أداة حصر، "وشيجه" فاعل مؤخر ومضاف إليه، "تغرس" مضارع للمجهول، "إلا" أداة حصر، "في منابتها" متعلق بتغرس، "النخل" نائب فاعل لتغرس.

المعنى: أن الرماح المشهورة بالجودة والصلاة، لا تتخذ إلا من شجرها الأصيل، ولا ينبت النخل إلا في المواطن الصالحة لإنمائه، يريد: أن الكريم لا يأتي إلا من عنصر كريم.

وقبل هذا البيت:

فما كان من خير أتوه فإنما

توارثه آباء آبائهم قبل

الشاهد: تقديم الجار والمجرور والمحصور بإلا وهو "منابتها" -وهو بمنزلة المفعول- على نائب الفاعل وهو "النخل" وهو بمنزلة الفاعل، وكذلك تقديم المفعول، وهو "الخطي" على الفاعل وهو "وشيخه"، وقد أشار الناظم إلى ماتقدم بقوله:

وآخر المفعول إن لبس حدر

أو أضمر الفاعل غير منحصر

وما "بإلا" أو"بإنما" انحصر

أخر وقد يسبق إن قد ظهر

* "المفعول" مفعول أخر، "إن" شرطية، "لبس" نائب فاعل لفعل محذوف يفسره حذر، "حذر" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى "لبس" والجملة مفسرة، "أو" عاطفة، "الفاعل" نائب فاعل أضمر، "غير" حال من قوله: الفاعل، "منحصر" مضاف إليه وسكن للوقف، و"ما" اسم موصول مفعول مقدم لأخر، "بإلا" متعلق بانحصر الآتي، أو"بأنما" معطوف على بإلا، "انحصر" فعل ماض وفاعله يعود على "ما" والجملة صلة الموصول، وقد حرف تقليل، "إن" شرطية، "قصد" فاعل لمحذوف يفسره ما بعده، "ظهر" الجملة مفسرة لا محل لها من الإعراب.

أي يجب تقديم الفاعل على المفعول، إذا خيف التباس أحدهما بالآخر كما ذكرنا، وكذلك إذا كان الفاعل ضميرا متصلا بعامله غير محصور، نحو: ضربت محمدا، وسيذكر المصنف ذلك بعد، وإذا انحصر الفاعل أو المفعول بإلا أو بإنما وجب تأخيره، وقد يتقدم المحصور إذا ظهر المقصود، وذلك إذا كان الحصر بإلا.

ص: 29

وأما توسط المعمول جوازًا، فنحو:{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُر} ، وقولك:"خاف ربه عمر"

(1)

، وقال:

كما أتى ربه موسى على قدر

(2)

(1)

" ربه" مفعول مقدم، و"عمر" فاعل مؤخر، والضمير في "ربه" عائد على "عمر"، وهو متأخر لفظًا متقدم رتبة، والمراد: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(2)

عجز بيت من البسيط لجرير، من قصيدة يمدح فيها سيدنا عمر بن عبد العزيز: وصدره:

جاء الخلافة أو كانت له قدرا

اللغة والإعراب: قدرًا: أي مقدرة في الأزل، على قدر: أي على تقدير من الله، "جاء" فعل ماض والفاعل يعود على سيدنا عمر، "الخلافة" مفعول، "أو" حرف عطف بمعنى الواو، ويروى بدلها "إذا"، "كانت" فعل ماض ناقص والتاء للتانيث واسمها يعود على الخلافة له، "له" متعلق بقدر الواقع خبرًا لكان، "كما" الكاف جارة، "ما" مصدرية "ربه" مفعول مقدم لأتى ومضاف إليه، و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، "موسى" فاعل مؤخر يأتي، "على قدر" متعلق بأتى.

المعنى: تولى عمر الخلافة وكان بتقدير الله سبحانه، فانتشل المسلمين من الظلم وأقام بينهم صرح العدل، كما أتى موسى ربه، وكلمه بقضائه وقدره، فأبان للخلق طريق الحق، قال تعالى:{ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} .

الشاهد: تقديم المفعول وهو "ربه" على الفاعل وهو "موسى"، وقد أعاد الضمير المتصل بالمفعول المتقدم على الفاعل المتأخر، وهذا شائع في كلام العرب؛ لأن الضمير عاد على متأخر لفظًا، إلا أنه متقدم رتبة، ويسمى هذا المتقدم حكمًا.

قال الناظم مشيرًا إلى ذلك:

وشاع نحو "خاف ربه عمر

وشذ نحو "زان نوره الشجر

أي شاع في الأساليب العربية عود الضمير من المفعول المتقدم على فاعله المتأخر، نحو:"خاف عمر ربه"، وشذ عود الضمير من الفاعل على مفعوله المتأخر، نحو:"زان نوره الشجر"، لأن يكون عائدًا على متأخر لفظا ورتبة، وهذا ممنوع لا يقاس عليه.

ص: 30

وأما وجوبه في مسألتين:

إحداهما: أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول، نحو:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} ، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُم}

(1)

، ولا يجيز أكثر النحويين نحو:"زان نوره الشجر"، لا في نثر، ولا في شعر، وأجازه فيهما الأخفش، وابن جني، والطوال

(2)

، وابن مالك، احتجاجًا بنحو قوله:

"جزى ربه عني عدي بن حاتم"

(3)

(1)

فـ"إبراهيم" مفعلو مقدما وجوبا لابتلى، و"ربه" فاعل مؤخر ومضاف إليه، و"الظالمين" مفعول مقدما وجوبا "ومعذرتهم" فاعل مؤخر ومضاف إليه، وإنما وجب تقديم المفعول فيهما، لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

(2)

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي، من أهل الكوفة وأحد أصحاب الكسائي والفراء، حدث عن الأصمعي وقدم بغداد وأقرأ فيها، وكان حاذقًا بارعًا في إلقاء المسائل العربية، ولم يشتهر له تصنيف، ومات سنة 343 هـ.

(3)

صدر بيت من الطويل لأبي الأسود الدؤلي، يهجو عدي بن حاتم الطائي وعجزه:

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

اللغة والإعراب: العاويات: الصائحات -من عوى الكلب- إذا صاح، وقد فعل: أي أنه سبحانه وتعالى استجاب دعاءه، "ربه" فاعل جزى ومضاف إليه، والضمير يعود على "عدي" الواقع مفعولًا، "ابن حاتم" مضاف إليه. "جزاء الكلاب" مفعول مطلق.

* "نحو" فاعل شاع: "ربه" منصوب على التعظيم بخاف والضمير عائد على "عمر" الواقع فاعلا لخاف، وهو إن تأخر لفظا إلا أنه متقدم رتبة، والجملة في محل جر بإضافة "نحو" إليها "نوره" فاعل زان، وضميره عائد على الشجر المتأخر لفظا ورتبة؛ لأنه مفعول زان.

ص: 31

والصحيح جوازه في الشعر فقط.

الثانية: أن يحصر الفاعل بإنما، نحو:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}

(1)

. وكذا الحصر بـ"إلا" عند غير الكسائي، واحتج بقوله:

ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم

ولا جفا قط إلا جبأ بطلا

(2)

لجزى ومضاف إليه، "العاويات" صفة للكلاب، و"قد" الواو للحال، وقد للتحقيق، "فعل" فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي، والفاعل يعود على "ربه"، و جزاء الكلاب العاويات: هو الضرب والرمي بالحجارة، وقيل: إنه دعا عليه بالأبنة؛ لأن الكلاب تتعاوى عند طلب السفاد، وهذا وإن عده العلماء من الكنايات الجميلة في الهجاء، إلا أن عدي بن حاتم صحابي جليل لا يقال فيه مثل ذلك الهجاء، وإن صح فلعله كان في زمن الجاهلية قبل أن يسلم.

الشاهد: اشتمال الفاعل المتقدم وهو ربه، على ضمير يعود على المفعول المتأخر، وهذا شاذ عند الجمهور، ولهذا يقول الناظم:

وشذ نحو "زان نوره الشجر"

(1)

"العلماء" فاعل محصور فيه الخشية، فوجب تأخيره، أي ما يخشى الله من عباده إلا العلماء.

(2)

بيت من البسيط لم نقف على قائله.

اللغة والإعراب: لئيم: المراد به الشحيح البخيل، بدليل مقابلته بذي الكرم. جفًا: من الجفاء، وهو البعد وعدم الصلة، جبأ: جبان، بطلا: شجاعا، "ما" نافية، "إلا" أداة حصر، "لئيم" فاعل عاب. "فعل ذي كرم" مفعول عاب ومضاف إليه، "ولا" الواو عاطفة ولا زائدة للتوكيد، "قط"، ظرف لاستغراق الماضي مبني على الضم في محل نصب بحفا "إلا أداة حصر"، "جبأ" فاعل جفا. "بطلا" مفعول.

المعنى: لا يعيب عمل الكرام إلا الأشحاء اللئام، ولا يبتعد عن الأبطال الشجعان إلا الجبناء؛ لأنه لا تآلف بين أصحاب الصفات المتنافرة.

الشاهد: تقديم الفاعل المحصور بإلا في صدر البيت وعجزه، وهو حجة للكسائي والجمهور، لا يرون تقديم المحصور بإلا، إلا إذا كان مفعولًا كما سبق، ويعربون "فعل ذي

ص: 32

وقوله:

وهل يعذب إلا الله بالنار

(1)

وقوله:

فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا

(2)

.

كرم"، و"بطلا" مفعولين لمحذوف يدل عليه المذكور.

(1)

عجز بيت من البسيط ليزيد بن الطثرية القشيري، وصدره:

نبئتهم عذبوا بالنار جارهم

اللغة والإعراب: نبئت: أخبرت، جارهم: الجار من يجاورك في المسكن -أو من أجرته واستجار بك من ظلم، "نبئت" فعل ونائب فاعل وهو المفعول الأول، "هم" مفعول ثان، "عذبوا" فعل وفاعل "بالنار" جار ومجرور متعلق به. "جارهم" مفعول عذبوا ومضاف إليه، وجملة عذبوا مفعول ثالث لنبئ، "وهل" الواو عاطفة، وهل حرف استفهام إنكاري بمعنى "ما"، إلا "أداة حصر. "الله" فاعل يعذب. "بالنار" متعلق بيعذب.

المعنى: أخبرت وأعلمت أن هؤلاء الناس يعذبون جيرانهم، أو من استجار بهم بالنار، وذلك بدل أن يغيثوه ويكرموه وهذا عمل شائن؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا المولى سبحانه وتعالى، ويروى: جارتهم -بدل جارهم.

الشاهد: تقديم الفاعل المحصور بإلا

وهو "الله" على الجار والمجرور وهو "بالنار" وهو بمنزلة المفعول، وهذا حجة الكسائي ويمنعه الجمهور، ويقولون: إن قوله: "بالنار" متعلق بفعل محذوف يدل عليه

المذكور كما سبق، أي لا يعذب إلا الله يعذب بالنار، وهو تكلف لا داعي له.

(2)

صدر بيت من الطويل لذي الرمة غيلان بن عقبة، وقد استشهد به سيبويه، وعجزه:

عشية آناء الديار وشامها

اللغة والإعراب: هيجت: آثارت، "آناء" ويروى: أنآء -جمع نؤى، وهو الحفيرة التي تحفر حول الخباء لتمنع عنه المطر، شامها: الشام: جمع شامة، وهي العلامة، "يدر" مضارع مجزوم بلم بحذف حرف العلة، "إلا" أداة حصر، "الله" فاعل، "ما" اسم موصول مفعول يدر، "هيجت" الجملة صلة ما والعائد محذوف، أي هيجته لنا، "عشية" ظرف متعلق بهيجت وهو منون وقد حذف تنوينه للضرورة، أو نقلت حركة همزة آناء إلى عشية ثم حذفت الهمزة، "آناء الديار" فاعل هيجت ومضاف إليه، "وشامها" الواو عاطفة،

ص: 33

وأما تقدم المفعول جوازًا، فنحو:{فَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} .

وأما وجوبًا ففي مسألتين:

إحداهما: أن يكون مما له الصدر

(1)

، نحو:{فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ} ، {أَيّمَا تَدْعُو}

(2)

.

الثانية: أن يقع عامله بعد الفاء

(3)

، وليس له منصوب غيره مقدم عليها، نحو:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}

(4)

، ونحو:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}

(5)

، بخلاف: أما اليوم

وشامها معطوف على آناء.

المعنى: لا يعلم إلا الله -سبحانه- ما أثارته في نفوسنا آثار ديار المحبوبة ورسومها من الشوق واللوعة والحنين إليها.

الشاهد: تقديم الفاعل المحصور بإلا على المفعول، وهو حجة للكسائي، ويمنعه الجمهور ويقولون: إن "ما" اسم موصول مفعول لمحذوف يدل عليه المذكور، والتقدير: فلم يدر إلا الله درى ما هيجت لنا.

(1)

أي اسما له الصدر في جملته، كأن يكون اسم استفهام، أو اسم شرط. كما مثل المصنف، وكذلك إذا كان مضافا لاسم له الصدارة، نحو: صديق من قابلت؟ وصاحب أي صديق تكرم أكرم.

(2)

فـ"أي" مفعول مقدم لتنكرون، و"أيا" اسم شرط مفعول مقدم لتدعو، و"ما" صلة و"تدعو" مضارع مجزوم بأيا.

(3)

أي فاء الجزاء، وذلك في جواب "أما" الظاهرة أو المقدرة، ويشترط ألا يفصل بين أما والفاء بشيء آخر.

(4)

مثال لأما المقدرة أي: وأما ربك فكبر.

(5)

مثال لأما الظاهرة، وإنما وجب تقديم المفعول ليكون فاصلا؛ لأن الفعل - وبخاصة المقرون بفاء الجزاء- لا يلي "أما"، ولا يقال إن ما بعد فاء الجزاء لا يعمل فيما قبلها، فكيف عملت هنا في المفعول؟ لأنا نقول: هذا ممنوع إذا كانت الفاء في موضعها الأصلي، وهي هنا مؤخرة من تقديم، وكان حقها أن تدخل على المفعول المتقدم.

ص: 34

فاضرب زيدًا

(1)

.

تنبيه: إذا كان الفاعل والمفعول ضميرين، ولا حصر في أحدهما، وجب تقديم الفاعل، كضربته، وإذا كان المضمر أحدهما، فإن كان مفعولًا وصله وتأخير الفاعل، كضربني زيد

(2)

، وإن كان فاعلًا وجب وصله وتأخير المفعول أو تقديمه على الفعل، كضربت زيدًا، وزيدا ضربت

(3)

، وكلام الناظم يوهم امتناع التقديم؛ لأنه سوى بين هذه المسألة ومسألة: "ضرب موسى عيسى

(4)

". والصواب ما ذكرناه

(5)

.

(1)

فإنه لا يجب تقديم المفعول، لوجود الفاصل بالظرف.

(2)

لأنه لو قدم الفاعل في هذه الحالة لوجب انفصال الضمير مع إمكان اتصاله وذلك ممنوع.

(3)

وذلك أيضا خوفا من ارتكاب الانفصال مع إمكان الاتصال.

(4)

أي في وجوب تأخير المفعول فيهما عن الفاعل، حيث يقول:

وأخر المفعول إن لبس حذر

أو أضمر الفاعل غير منحصر

وهذا يقتضي أنه لا يجوز: زيدًا ضربت، كما لا يجوز: عيسى ضرب موسى -بتقديم المفعول على الفعل.

(5)

أي: من جواز نحو: زيدًا ضربت لعدم اللبس، وامتناع نحو: عيسى ضرب موسى، لئلا يتوهم أن "عيسى" مبتدأ و"ضرب" وضميره خبر، وموسى مفعول.

هذا: ويمتنع تقديم المفعول على عامله إذا كان مفعولًا "لأفعل" في التعجب، نحو: ما أجمل الصدق! أو مفعولا لفعل مؤكد بالنون، نحو: خالفن هواك، أو كان عامله مسوقا بقد، أو سوف، نحو: قد يدرك المتأني بعض حاجته، سوف أعمل الخير ما استطعت، أو بلفظ "قلما" أو"ربما" وغير ذلك من المواضع وخلاصة ما تقدم:

1 أنه يجب تقديم الفاعل على المفعول في ثلاث مسائل:

أ- أن يخشى اللبس بينهما.

ب- وأن يكون المفعول محصورا فيه.

ج- وأن يكون كل من الفاعل والمفعول ضميرين متصلين.

2 ويجب توسط المفعول في ثلاث مسائل أيضًا:

ص: 35

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أ- أن يكون الفاعل ملتبسًا بضمير المفعول.

ب- وأن يكون الفاعل محصورًا فيه.

ج- وأن يكون المفعول ضميرا متصلا والفاعل اسما ظاهرًا.

3 -

ويجب تقديم المفعول على عامله في مسألتين:

أ- أن يكون له صدر الكلام.

ب- وأن يكون معمولا لما بعد الفاء بشرطه المتقدم، فتنبه يا فتى.

4 ويجب تأخير الفاعل إذا كان المفعول ضميرا متصلا، والفاعل اسما ظاهرا، ويلاحظ: أن المواضع التي يتقدم فيها الفاعل وجوبا، وهي عينها المواضع التي يتأخر فيها المفعول وجوبًا، والمواضع التي يجب فيها تقديم المفعول على عامله، هي المواضع التي يتأخر فيها الفاعل وجوبًا ويمتنع تقديمه عليه، ولا يجوز تقديم الفاعل على عامله مطلقًا.

خاتمة:

لا يجيز الجمهور عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وخالفهم الأخفش وابن مالك وغيرهما في ذلك، وهنالك مواضع يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة، لحكمة بلاغية لا ينكرها الجميع، وهي:

1 الضمير المرفوع بنعم وبئس، نحو: نعم رجلا محمدا، وبئس رجلا أبو جهل، بناء على أن المخصوص مبتدأ لخبر محذوف، أما على أنه مبتدأ وخبره الجملة قبله، فهو مما عاد فيه الضمير على متقدم رتبة، وسيأتي إيضاح ذلك في موضعه.

2 الضمير المرفوع بأول المتنازعين المعمل ثانيهما، نحو: جفوني ولم أجف الأخلاء، وسيأتي القول في ذلك، وخلاف البصريين والكوفيين فيه.

3 ضمير الشأن والقصة، كما تقدم في باب المبتدأ والخبر، نحو قوله -تعالى-:{فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .

4 الضمير المجرور برب، نحو: ربه رجلا. ويجب أن يكون بعده نكرة تميزه وتفسره، وأن يكون هو مفرد مذكرا، فيقال: ربه امرأة لا ربها.

5 الضمير الواقع مبتدأ، والمخبر عنه باسم ظاهر يفسره غير ضمير الشأن، نحو: {إِنْ

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}، والضمير فيه راجع إلى الموصوف -وهو الحياة بقطع النظر عن الصفة.

6 الضمير المبدل منه الظاهر المفسر له، نحو: أكرمته محمدا.

فائدة:

هنالك أفعال لا تحتاج إلى فاعل مطلقًا، منها:"كان" الزائدة مثل: الفقر - كان- مذلة.

والفعل المؤكد لفعل قبله توكيدا لفظيا، نحو: ظهر ظهر الحق. والأفعال التي تتصل بها "ما" الكافة، مثل: طالما، قلما، كثرما. وقد أشرنا سابقًا إلى أن "ما" تكفها عن العمل، وبعض المحققين يعرب "ما" مصدرية، والمصدر منها ومن صلتها في محل رفع فاعل، وذلك التزاما للأصل، الذي يقضي بأن يكون لكل فعل أصلي فاعل، ففي مثل: طالما أديت الواجب، يكون التقدير: طال أداؤك الواجب وهكذا

إلخ.

ص: 37

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 يقول الموضح في تعريف الفاعل: إنه اسم أو ما في تأويله، أسند إليه فعل أو ما في تأويله، اشرح ذلك موضحًا بالأمثلة.

2 اذكر ثلاثة من أحكام الفاعل المتفق عليها بين النحاة، ووضح ذلك بأمثلة من إنشائك، في جهاد أهل فلسطين لتحرير وطنهم.

3 قد يحذف الفعل جوازا، وقد يجب، متى يكون ذلك؟ هات أمثلة موضحة من إنشائك، في الحث على الثبات والتضحية، لتخليص الوطن من المعتدين.

4 بين حكم الفعل إذا أسند إلى مؤنث حقيقي، أو مجازي، أو مثنى، أو جمع، أو اسم جنس، ومثل لما تقول.

5 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، بين موضع الشاهد، ورأيك فيه:

قال تعالى:

{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} .

{قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} .

{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} .

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

{إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} .

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} .

في الحديث النبوي: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار".

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

إن امرأ غره منكن واحدة

بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور

رأين الغواني الشيب لاح بعارضي

فأعرضن عني بالخدود النواضر

إن يغنيا عني المستوطنا عدن

فإنني لست يوما عنهما بغني

كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد

ورقى نداده ذا الندى في ذرى المجد

كفى بالمرء عيبا أن تراه

له وجه وليس له لسان

6 اشرح قول ابن مالك الآتي، والأصل الذي يقوم عليه:

ص: 38

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والحذف في نعم الفتاة استحسنوا

لأن قصد الجنس فيه بين

7 اشرح البيت الآتي شرحا أدبيًا، وأعربه وبين ما فيه من شاهد:

وما نفعت أعماله المرء راجيًا

عليها ثوابا من سوى من له الأمر

8 اذكر المواضع التي يجب فيها تأخير المفعول، والتي يجب فيها تقديمه على عامله، وبين السبب، ووضح بالأمثلة.

9 يقول النابغة الذبياني من قصيدة يعنذر فيها للنعمان بن المنذر:

ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه

إذا فلا رفعت سوطي إلي يدي

اشرح هذا البيت ثم أعربه، وبين ما فيه من شاهد في هذا الباب.

10 -

بين فيما يأتي: الفعل، والفاعل، والمفعول، وحكم كل، من حيث التقديم والتأخير، والتأنيث والتذكير:

كان عمرو بن بحر -الملقب بالجاحظ- إماما كبيرا في اللغة، وقد منحه الله علما وأدبًا، وأحاط باللغة العربية، وتمكن منها، حتى دعاه العلماء:"إمام المتكلمين" فأما الفكاهة فقد برز فيها، وإنما كان يقول الصدق، وألم عقله وفكره بجيمع العلوم المعروفة في زمنه، عربية كانت أو غير عربية، وما أفاده إلا جده وحبه للإطلاع، وإنه لحابس نفسه على عمله، وساعده على ذلك حريته وثاقب بصيرته، وله مصنفات كثيرة، أشهرها: الحيوان، والبيان والتبيين، والبخلاء، والمحاسن والأضداد، وتوفي بالبصرة وقد نيف على التسعين من عمره، فاجعله قدوتك، وإياك أخاطب أيها الصديق، فما فاز إلا المجدون.

ص: 39

هذا‌

‌ باب النائب عن الفاعل:

قد يحذف الفاعل للجهل به، كسرق المتاع، أو لغرض لفظي، كتصحيح النظم

(1)

، في قوله:

علقتها عرضا وعلقت رجلًا

غيري وعلق أخرى ذلك الرجل

(2)

أو معنوي، كأن لا يتعلق بذكره غرض

(3)

، نحو:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} ، {وَإِذَا

هذا باب النائب عن الفاعل:

(1)

وكالإيجاز في العبارة، نحو: قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ، وكالمماثلة بين حركات الحروف الأخيرة في السجع، نحو: من طابت سريرته حمدت سريرته.

(2)

بيت من البسيط للأعشى ميمون بن قيس، من لاميته المشهورة التي مطلعها:

ودع هريرة إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعًا أيها الرجل

اللغة والإعراب: علقتها: أحببتها وتعلقت بها، عرضًا: أي من غير قصد وتعمد، "علقت" فعل للمجهول والتاء نائب فاعل وهي المفعول الأول، "ها" مفعول ثان، "عرضا" مفعول مطلق لبيان نوع العامل، و"علقت" التاء للتأنيث ونائب الفاعل يعود على هريرة المذكورة في مطلع القصيدة، وهو المفعول الأول:"رجلا" مفعول ثان. "غيري" ظرف صفة لرجل منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، "وعلق" ماض للمجهول، "أخرى" مفعول ثان مقدم. "ذلك" ذا: نائب فاعل وهو المفعول الأول، "الرجل" بدل من اسم الإشارة.

المعنى: حبب الله إلي هريرة، وعلقت بها حين اعترضتني من غير قصد ولا تعمد عني لرؤيتها، وحببها في رجل غيري، وحبب إلى ذلك الغير امرأة أخرى، فكل تعلق قلبه بشخص لم يعبأ به، ولم يلتفت إليه.

الشاهد: بناء الأفعال الثلاثة، وهي "علق" في البيت للمجهول، وحذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى، وذلك من أجل تصحيح النظم.

(3)

أي أن يعرف السامع أنه ليس هناك قصد ولا تعلق بذكره.

ص: 40

حُيِّيتُم}، {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا}

(1)

.

فينوب عنه في رفعه، وعمديته، ووجوب التأخير عن فعله، واستحقاقه للاتصال به، وتأنيث الفعل لتأنيثه

(2)

، واحد من أربعة:

الأول: المفعول به

(3)

، نحو:{وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ}

(4)

.

الثاني: المجرور

(5)

، نحو:{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِم} وقولك: سير بزيد

(1)

فإنه ليس الغرض إسناد هذه الأفعال إلى فاعل مخصوص، بل إلى أي فاعل كان، ومن الأغراض المعنوية، العلم به نحو:{وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} ، والخوف منه، نحو: قتل فلان، من غير ذكر القاتل خشية ضرره، أو الخوف عليه من أن يناله مكروه، وكإبهامه، أو تعظيمه بعد ذكر اسمه على الألسنة صيانة له، أو تحقيره أو إهماله، نحو: قتل الحسين.

(2)

أي إن كان مؤنثًا حقيقا غير مجرور في اللفظ بالباء الزائدة، وفعله كلمة "كفى"، نحو: كفى بهند شاعرة، وكذلك في وجوب ذكره، وإغنائه عن الخبر في نحو: أمضروب التلميذان، وفي تجريد العامل من علامة التثنية والجمع على اللغة الفصحى.

(3)

وذلك هو الأصل في النيابة، وسيأتي بيان مفصل عنه، وفيه يقول الناظم:

ينوب مفعول به عن فاعل

فيما له كنيل خير نائل

أي ينوب المفعول به عن الفاعل عند حذفه، فيعطى ما كان للفاعل من أحكام، نحو: نيل خير نائل، فخير نائل: مفعول قام مقامه الفاعل ومضاف إليه، والأصل: نال المستحق خير نائل -أي عطاء، فحذف الفاعل وهو "المستحق"، وأقيم المفعول مقامه بعد حذفه، وتغير الفعل على نحو ما سنبين بعد.

(4)

الأصل: أغاض الله الماء -أي أنقصه، وقضى الله الأمر، ففعل بهما ما بيناه.

(5)

يشترط أن يكون حرف الجر متصرفًا لا يلتزم طريقه واحدة في الاستعمال، كـ"مذ" ومنذ"، فإنهما لا يجران إلا الأسماء الدالة على الزمان، و "حتى" المختصة بالظاهر، و

* "ينوب مفعول" فعل وفاعل، "به" متعلق بمفعول، "عن فاعل" جار ومجرور متعلق بينوب، و"ما" اسم موصول، "له" متعلق بمحذوف صلة -أي في الذي استقر له "كنيل" الكاف جارة لقول محذوف، "نيل" ماض مبني للمجهول. "خير نائل" نائب فاعل ومضاف إليه.

ص: 41

وقال ابن درستويه والسهيلي وتلميذه الرندي

(1)

: النائب ضمير المصدر

(2)

، لا المجرور؛ لأنه لا يتبع على المحل بالرفع

(3)

؛ ولأنه يقدم، نحو:{كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}

(4)

؛ ولأنه إذا تقدم لم يكن مبتدأ، وكل شيء ينوب عن الفاعل، فإنه إذا تقدم كان مبتدأ

(5)

؛ ولأن الفعل لا يؤنث له في نحو: مر بهند

(6)

، ولنا

(7)

قولهم: "سير بزيد

"رب" فإنها تجر النكرات فقط، وحروف القسم، فإنها لا تجر إلا مقسمًا به، وكحروف الجر التي للاستثناء -وهي: خلا وعدا وحاشا- فإنها لا تجر إلا المستثنى به، وكذلك يشترط ألا يكون حرف الجر دالًا على التعليل، كاللام والباء ومن، ومن، إذا أتي بها للتعليل، فلا يصح وقوع شيء من ذلك مع مجروره -نائب فاعل.

(1)

هو أبو علي، عمر بن عبد الحميد الرندي، نسبة إلى "رندة" حصن أو قرية من قرى الأندلس، كان أستاذا في النحو من تلاميذ السهيلي، وله شرح على جمل الزجاجي، وهو مقرئي كتاب سيبويه.

(2)

أي المفهوم من الفعل المستتر فيه، والتقدير عندهم: ولما سقط هو -أي السقوط، وسير هو -أي السير.

(3)

أي على محل المجرور، إذا ناب عن الفاعل، فلا يقال: مر بزيد الظريف - برفع الظريف، كما لا يقال: مر بزيد ومحمد- برفع محمد، ولو كان المجرور نائبا عن الفاعل لجاز في نائبه الرفع، كما جاز في تابع الفاعل المجرور بالمصدر في قول الشاعر:

طلب المعقب حقه المظلوم

برفع "المظلوم" على محل "المعقب".

(4)

فلو كان "عنه" هو النائب لما تقدم على عامله وهو "مسئولا"، كما لا يتقدم الفاعل -وهو الأصل- على عامله.

(5)

تقول: الزيت كيل، ورمضان صميم، كما أن الفاعل إذا تقدم كان مبتدأ، نحو: محمد قام.

(6)

أي: وكل مؤنث ينوب عن الفاعل يؤنث له الفعل، تقول: ضربت زينب. هذه أربع شبه جعلتهم يقولون: إن المجرور ليس هو النائب عن الفاعل.

(7)

أي معشر الجمهور من الأدلة على نيابة المجرور عن الفاعل -في لسان العرب.

ص: 42

سيرًا"

(1)

، وأنه إنما يراعى في محل يظهر في الفصيح

(2)

، نحو: لست بقائم، ولا قاعدًا، بخلاف نحو:"مررت بزيد الفاضل" بالنصب، أو"مر بزيد الفاضل"

(3)

بالرفع، فلا يجوزان؛ لأنه لا يجوز: مررت زيدًا

(4)

، ولا مر زيد

(5)

، والنائب في الآية ضمير راجع إلى ما رجع إليه اسم "كان" وهو المكلف

(6)

، وامتناع الابتداء لعدم التجرد

(7)

. وقد أجازوا النيابة في "لم يضرب من أحد"

(8)

مع امتناع: من أحد لم يضرب، وقالوا في {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}: إن المجرور فاعل على امتناع كفت بهند

(9)

.

(1)

أي بنصب "سيرا" فقد أنابوا المجرور وهو "بزيد"، ولم ينيبوا المصدر لإبهامه، فضميره أولى بالمنع؛ لأنه أشد إبهاما منه.

(2)

هذا رد أول للشبهة الأولى، وهو: أن المحل الذي يراعى في الإتباع، هو المحل الذي يظهر إعرابه في فصيح الكلام، وهو المجرور بحرف زائد، كما مثل المصنف، فإنه يصح حذف الجر في الفصيح وظهور الإعراب، فتقول في المثال: لست قائمًا ولا قاعدا.

(3)

أي مما هو مجرور بحرف جر أصلي.

(4)

أي لا يجوز في فصيح الكلام: أن يحذف الجار، ويتعدى الفعل نفسه، وينصب "زيدا" على المفعولية.

(5)

أي بالرفع على النيابة عن الفاعلية بعد حذف الجار، وعلى هذا: فلا تجوز مراعاة المحل.

(6)

هذا رد للشبهة الثانية، وهو: أن "عنه" في الآية ليس هو النائب عن الفاعل، وإنما النائب ضمير راجع إلى ما رجع إليه اسم كان، وهو المكلف المعلوم من السياق، أي مسئولا هو -أي المكلف المذكور.

(7)

ردا للشبهة الثالثة، أي إنما امتنع الابتداء بالمجرور، لعدم تجرده من العوامل اللفظية، ولولا ذلك لجاز.

(8)

أي؛ لأن "من" زائدة، والجر بحرف جر زائد، كعدم الجر.

(9)

هذا ردا للشبهة الرابعة، وهي: أن الفعل لا يؤنث له في "مر بهند" فقد امتنع أن يقال: "كفت بهند" بالتأنيث، مع أن الفاعل في الآية مجرور بحرف جر زائد، فما بالك إذا كان مجرورًا بحرف جر أصلي؟

ص: 43

الثالث: مصدر مختص

(1)

، نحو:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَة}

(2)

، ويمتنع نحو: سير سير، لعدم الفائدة

(3)

، فامتناع سير

(4)

على إضمار السير أحق

(5)

خلافًا لمن أجازه، وأما قوله:

وقالت متى يبخل عليك ويعتلل

(6)

(1)

أي مفيد معنى زائدا على معناه المبهم -وهو الحدث المجرد، ليكون في الإسناد إليه فائدة، ويكون ذلك بتقييده بوصف أو إضافة عدد، وكالمصدر اسمه، ويشترط كذلك: أن يكون لك منهما متصرفا- أي لا يلازم النصب على المصدرية، كمعاذ وسبحان؛ لأن وقوع أحدهما نائب فاعل يخرجه عن النصب الواجب له.

(2)

"نفخة" نائب فاعل، وهو مصدر مختص؛ لأنه موصوف بواحدة، ومنصرف؛ لأنه وقع مرفوعًا.

(3)

لأن معناه المبهم مستفاد من الفعل، فكأنه جاء بتأكيد معنى فعله، وذلك غير مقصود من الإسناد.

(4)

أي بالبناء للمجهول، على أن يكون نائب فاعله ضمير المصدر المستفاد من الفعل والتقدير: سير هو -أي السير.

(5)

أي أولى بالمنع؛ لأن ضمير المصدر أكثر إبهامًا من الظاهر، أما على إضمار ضمير يعود على سير مخصوص مفهوم من غير العامل -فجائز.

(6)

صدر بيت من الطويل، لامرئ القيس الكندي، من قصيدته التي بارى فيها عنترة الفحل، وتحاكما إلى أم جندب، فحكمت لعلقمة، والقصة معروفة. وعجزه:

يسؤك وإن يشكف غرامك تدرب

اللغة والإعراب: يبخل عليك، المراد: أنهم لا ينيلونه ما يريد، يعتلل: يعتذر، والاعتلال: الاعتذار: يسؤك يحزنك ويغضبك، غرامك، الغرام شدة الحب. تدرب: تعتد من الدربة وهي الاعتياد، "متى" اسم شرط جازم مبتدأ، "يبخل" مضارع للمجهول فعل الشرط. "عليك" جار ومجرور نائب فاعل"، "يعتلل" معطوف على يبخل، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه عائد على مصدر هذا الفعل، "يسؤك" مضارع جواب الشرط وجملتا الشرط خبر المبتدأ، "وإن يكشف" شرط وفعله، "غرامك" نائب فاعل يكشف، "تدرب"

ص: 44

فالمعنى: ويعتلل الاعتلال المعهود، أو اعتلال، ثم خصصه:"بعليك" أخرى محذوفة للدليل، كما تحذف الصفات المخصصة

(1)

، وبذلك يوجه:{وَحِيلَ بَيْنَهُم}

(2)

، وقوله:

فبالك من ذي حاجة حيل دونها

(3)

جواب الشرط مجزوم، وحرك للروي.

المعنى: أن المحبوبة قالت: إذا ضنت عليك بالوصل، وهجرتك واعتذرت عن مقابلتك أحزنك ذلك وأغضبك، وإن وصلتك اعتدت ذلك وأكثرت منه، ولم تستطع الصبر، وربما عرف أمرك فتكون فضيحة، فهي لا تقطع وصله لئلا ييأس، ولا تصدأ كثيرا، لئلا يعتاد ذلك، ويطلبه كل حين.

الشاهد: في "يعتلل"، فإن نائب فاعله ضمير مصدر مختص بأل العهدية، أو بوصف محذوف مدلول عليه بالجار والمجرور -وهو- "عليك" المذكور مع الفعل السابق، كما بينه المصنف، وليس للضمير عائدا على مصدر مبهم من الفعل -أي يعتلل اعتلال، كما يقول به جماعة من النحاة؛ لأن نيابة المصدر المبهم ممنوعة عند الجمهور.

(1)

أي للموصوفات إذا دل عليها دليل، نحو قوله -تعالى-:{فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} ، أي نافعًا، بدليل:{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُه} .

(2)

أي فيكون الضمير عائدا على مختص بالعهد أو الصفة، والتقدير: وحيل هو -أي الحول المعهود، أو حول بينهم، إلا أن الصفة هنا مذكورة.

(3)

صدر بيت من الطويل، لطرفة بن العبد البكري، وعجزه:

وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله

اللغة والإعراب: حيل: حجز ومنع من الحيلولة. يهوى: يريد ويحب، نائله: مدركه وواصل إليه من نال إذا أصاب، "فيا لك" الفاء عاطفة، يا "للتنبيه" أو للنداء، والمنادى محذوف، واللام للاستغاثة، والضمير في محل جر باللام، أو في محل نصب على النداء، وقد يقصد بهذا الأسلوب التعجب، "من ذي حاجة" جار ومجرور متعلق بمحذوف، ومضاف إليه: أي استغيث بك من أجل ذي حاجة "حيل" ماض للمجهول، ونائب الفاعل ضمير يعود على المصدر، والتقدير: حيل هو -أي الحول المعهود، أو حول

ص: 45

وقوله: يغضي حياء ويغضى من مهابته

(1)

موصوف بقوله: "دونها"، ودونها، ظرف متعلق بحيل، أو بمحذوف صفة للمصدر، أو حال من ضمير حيل، "وما" نافية، "كل" اسمها، "ما" الثانية: اسم موصول مضاف إليه، "يهوى امرؤ" الجملة صلة والعائد محذوف -أي يهواه، "هو نائله" مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة خبر ما.

المعنى: أتعجب أو أستغيث بك من أجل صاحب حاجة حيل بينه وبين إدراكها والوصول إليها، وليس كل ما يريده الإنسان، ويطمع فيه يدركه ويصل إليه.

الشاهد: في "حيل دونها" فإن نائب فاعله ضمير مستتر يعود على مصدر مقترن بأل العهدية، أو موصوف بلفظ "دونها" كما تقدم في الشاهد السابق، وليس "دونها" نائب الفاعل؛ لأن "دون" ظرف غير متصرف لا يفارق النصب على الظرفية، وليس كذلك نائب الفاعل ضمير يعود على مصدر مبهم من الفعل -أي حيل حول، كما ذهب إليه ابن درستويه، ومن تبعه؛ لأنه غير مختص.

(1)

صدر بيت من الطويل، ينسبه كثير إلى الفرزدق، يمدح زين العابدين علي بن الحسين بن سيدنا علي، وعجزه:

فما يكلم إلا حين يبتسم

وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

اللغة والإعراب: يغضي من الإغضاء -وهو تقارب بين جفني العين حتى يقربا من الانطباق مهابته: هيبته وجلاله، يبتسم، الابتسامة: أول الضحك، "يغضي" مضارع وفاعله يعود على زين العابدين، "حياء" مفعول لأجله، "ويغضي" مضارع للمجهول، ونائب الفاعل ضمير يعود على المصدر المعهود المفهوم من الفعل، أو الموصوف، "فما" الفاء للتفريغ وما نافية، "إلا" حرف استثناء ملغاة، "حين" ظرف متعلق بيكلم، "يبتسم" الجملة في محل جر بإضافة حين إليها.

المعنى: أن زين العابدين رجل محتشم شديد الحياء، يكاد يطبق جفنيه أمام محدثه

ص: 46

ولا يقال النائب عن المجرور، لكونه مفعولا له.

الرابع: ظرف متصرف مختص

(1)

، نحو: صيم رمضان، وجلس أمام الأمير

(2)

، ويمتنع نيابة نحو: عندك ومعك، ومن ثم، لامتناع رفعهن

(3)

، ونحو: مكانًا، وزمانا، إذا لم

من الحياء، ويغمض الناس جفونهم أمامه من هيبته وجلاله، فلا يكلمه أحد إلاحين يبتسم، ليهدي من روعه.

الشاهد: في قوله: "يغضي من مهابته"، فإن نائب فاعله ضمير مستتر يعود إلى المصدر المعهود، أو الموصوف بوصف محذوف -أي يغضي الإغضاء المعهود، أو إغضاء حادثا من مهابته، وليس قوله "من مهابته" نائب فاعل كما يقول الأخفش؛ لأن "من" الجارة هنا للتعليل، وقد يشترط في صحة نيابة الجار ألايكون للتعليل كما سبق، هذا، ولا تجوز نيابة المفعول لأجله، ولا الحال، ولا التمييز؛ لأن كل واحدة منها بمنزلة جواب عن سؤال مقدر، فكأنه من جملة أخرى غير الفعل والفاعل، ولهذا السبب منعت نيابة الجار الذي يدل على التعليل؛ لأن مجروره مبني على سؤال مقدر، هذا تعليل النحاة، والعلة الحقيقة محاكاة العرب.

(1)

الظرف الكامل التصرف هو: ما يفارق النصب على الظرفية، وشبهها هو الجر بمن، وينتقل بين حالات الإعراب المختلفة، من رفع إلى نصب، إلى جر، على حسب حالة الجملة كيوم، وزمان، وقدام، وخلف،

إلخ أما غير المتصرف مطلقا وهو: ما يلازم النصب على الظرفية وحدها، مثل:"قط، وعوض"، وناقص التصرف وهو ما يخرج عن النصب على الظرفية إلى الجر بمن، كـ"عند، ومع، وثم"، فلا يصلح كل منهما للنيابة عن الفعل؛ لأنه لا يفيد الفائدة المطلوبة من الإسناد، ولا يصح إخراجه عن وضعه العربي. والمختص من الظروف: ما خصص بما يزيل عن معناه الإبهام، كأن يكون مضافا أو موصوفًا، أو معرفا بالعلمية، نحو: اليوم جميل، أو غير ذلك مما يزيد معناه ويخرجه من الإيهام.

(2)

- فـ"رمضان" ظرف زمان، و"أمام" ظرف مكان، وهما متصرفان، والأول مختص بالعلمية، والثاني بالإضافة.

(3)

لعدم تصرفهن كما بينا قريبًا.

ص: 47

يقيد

(1)

.

ولا ينوب غير المفعول به مع وجوده

(2)

، وأجازه الكوفيون مطلقًا

(3)

، لقراءة أبي جعفر

(4)

: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون}

(5)

، والأخفش بشرط تقدم النائب

(6)

، كقوله:

(1)

وذلك لعدم الفائدة، فإن قيدا بوصف يخصصهما، نحو: جلس مكان حسن، وصيم زمان طويل، جازت نيابتهما.

وإلى نيابة المجرور والمصدر، والظرف، يشير الناظم بقوله:

وقابل من ظرف أو من مصدر

أو حرف جر بنيابة حري

أي أن اللفظ القابل للنيابة: من ظرف، أو من مصدر، أو مجرور الجر، حري: أي حقيق وجدير بالنيابة.

(2)

أي: لأن الأصل وغيره فرع عنه، فإذا وجد مع المفعول به مصدر، أو ظرف، أو جار ومجرور -تعين المفعول به للنيابة، ما عدا المفعول المنصوب على نزع الخافض على الصحيح، فلا تجوز نيابته مع وجود المنصوب بنفس الفعل.

(3)

أي أجاز الكوفيون أن ينوب غير المفعول به، مع وجوده، سواء تقدم النائب عن المفعول به، أم تأخر عنه.

(4)

هو أبو جعفر، يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، أحد أصحاب القراءات العشر، كان تابعيًا جليلا ثقة، وكان إمام أهل المدينة في القراءة، وإليه انتهت رياسة القراء بها، ولم يكن أحد أقرأ للسنة منه، وتوفي سنة 130 هـ.

(5)

فبنى "يجز" للمفعول، و"بما" نائب فاعل، وهو مجرور مع وجود المفعول به مقدما وهو "قومًا".

(6)

نحو ضرب في داره محمدا، فإن تقدم المفعول به تعين للنيابة.

* "وقابل" مبتدأ، من ظرف "حال من الضمير" في قابل -أو صفة له، أو من مصدر" معطوف عليه، أو حرف جر" معطوف على مصدر ومضاف إليه. "بنيابة" جار ومجرور متعلق بجر، الواقع خبر للمبتدأ قابل.

ص: 48

ما دام معنيا بذكر قلبه

(1)

وقوله:

لم يعن بالعلياء إلا سيدا

(2)

(1)

عجز بيت من الزجز، لم نقف على قائله، وصدره:

وإنما يرضي المنيب ربه

اللغة والإعراب: المنيب: اسم فاعل من أناب -إذا رج، والإنابة: الرجوع إلى الله -تعالى- بفعل الطاعات وترك المعاصي، معنيًا: مهتما مولعًا، وهو اسم مفعول -من عني بالبناء للمجهول لزومًا، "إنما" أداة حصر، "المنيب" فاعل يرضي، "ربه" مفعوله ومضاف إليه. "ما" مصدرية ظرفية. "دام" فعل ماض وناقص واسمها يعود على المنيب، "معنيًا" خبر دام، "بذكر" جار ومجرور نائب فاعل "معنيًا"؛ لأنه اسم مفعول، "قلبه" مفعول ومضاف إليه.

المعنى: إنما يصلح توبة الإنسان، وينال ثوابهما ويرضي مولاه، مادام قلبه ذاكرا ربه، متعلقا به، نادما على ما فرط منه، مقلعا عن المعاصي.

الشاهد: إنابة الجار والمجرور -وهو "بذكر"- عن الفاعل، مع وجود المفعول به، متأخرًا وهو "قلبه".

(2)

صدر بيت من الرجز، لرؤبة بن العجاج، وعجزه:

ولا شفى ذا الغني إلا ذو هدى

اللغة والإعراب: يعن: يهتم ويولع، وماضيه عنه -بالبناء للمجهول دائمًا. العلياء: المنزلة الرفيعة: شفى: أبرأ، والمراد: هدى -مجازا، الغي: الضلال والجري مع هوى النفس، "يعن" مضارع للمجهول مجزوم بحذف الألف. "بالعلياء" جاء ومجرور في محل رفع نائب فاعل، "إلا" أداة استثناء ملغاة. "سيدا" مفعول به، "ذا الغي" مفعول شفى ومضاف إليه، "إلا" ملغاة "ذو هدى"، فاعله ومضاف إليه.

المعنى: لا يهتم بالخصال الحميدة -التي تورث صاحبها عزا ورفعة- إلا السيد الطموح الشريف النفس، ولا يهدي الضال -ذي النفس المريضة، ويبعده عن طريق الضلالة وسيئ الفعال -إلا من هداه الله، ووفقه لعمل الخير.

الشاهد: نيابة الجار والمجرور وهو "بالعليا" -مع وجود المفعول به- وهو "سيدا".

ص: 49

مسألة: وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع

(1)

، واجب نصبه لفظا، إن كان غير جار ومجرور، كضرب زيد يوم الخميس أمامك ضربا شديدا

(2)

، ومن ثم نصب المفعول الذي لم ينب في نحو: أعطى زيد دينار، وأعطي دينار زيدا، أو محلا إن كان جارا ومجرورا، نحو:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}

(3)

، وعلة ذلك: أن الفاعل لا يكون إلا واحدًا، فكذلك نائبه.

وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

ولا ينوب بعض هذي إن وجد

في اللفظ مفعول به وقد يرد

أي لا يصح إنابة شيء من المذكورات، وهي: الظرف، والمصدر، والمجرور - مع وجود مفعول به- في الكلام، وقد ترد في الكلام إنابة غير المفعول مع وجوده، كما ذكر المصنف، والرأي السديد -كما يرى الباحثين- هو اختيار: ما يوضح الغرض، ويبرز المعنى المراد، سواء أكان مفعولًا، أم غير مفعول، أول أو غير أول، متقدمًا على غيره أم غير متقدم.

(1)

أي بأن يكون معمولًا له.

(2)

فقد رفع زيد على النيابة عن الفعل، ونصب الظرفان والمصدر.

(3)

"نفخة" مرفوعة على النيابة عن الفاعل، و"في الصور" جار ومجرور في محل نصب.

وقد أشار الناظم إلى هذه المسألة بقوله:

وما سوى النائب مما علقا

بالرافع النصب له محققا

أي إذا وجد في الكلام مفعول وغيره يصلح للنيابة، فغير النائب عن الفاعل- مما هو

* "ولا" نافية: "بعض" فاعل ينوب، "هذي" مضاف إليه، "إن شرطية"، وجد مفعول به" الجملة من الفعل، ونائب "الفاعل" فعل الشرط، وجوابه محذوف يدل على السياق، و"قد" حرف تقليل، "يرد" مضارع وفاعله يعود إلى نيابة بعض هذه الأشياء.

* "وما" اسم موصول مبتدأ أول"، "سوى النائب" متعلق بمحذوف صلة. "مما" ما: اسم موصول والجار والمجرور بيان لما الأولى، "علقا" ماض للمجهول، والجملة من الفعل ونائب الفاعل المستتر صلة ما -المجرورة محلا بمن "بالرافع" متعلق بعل. ق "النصب" مبتدأ ثان "له" خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني وخبره خبر الأول، وهو "ما" في أول البيت "محققًا" حال من ضمير "له" الواقع خبرًا.

معمول للفعل ومعناه متعلق به -حكمه وجوب النصب لفظًا، أو محلًا، كما بين المصنف، أما النائب فمرفوع.

ص: 50

فصل: وإذا تعدى الفعل لأكثر من معمول، فنيابة الأول جائزة اتفاقا

(1)

، ونيابة الثالث ممتنعة اتفاقا، نقله الخضراوي

(2)

، وابن الناظم، والصواب أن بعضهم أجازه إن لم يلبس، نحو: أعلمت زيدا كبشك ثمينًا

(3)

.

وأما الثاني: ففي باب "كسا"

(4)

، إن ألبس، نحو: أعطيت زيدا عمرا، امتنع اتفاقًا

(5)

، وإن لم يلبس، نحو: أعطيت زيدًا درهما، جاز مطلقًا

(6)

، وقيل يمتنع مطلقًا

(7)

، وقيل إن لم يعتقد القلب

(8)

،

معمول للفعل ومعناه متعلق به -حكمه وجوب النصب لفظًا، أو محلًا، كما بين المصنف، أما النائب فمرفوع.

(1)

والأفضل اختياره للنيابة، وإن كان أظهر، وأبين للمراد، وإلا فيختار ما هو أقدر على ذلك.

(2)

هو أبو عبد الله، محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي الأنصاري الخزرجي الأندلسي، من أهل الجزيرة الخضراء، كان إمامًا في العربية، عاكفًا على التعليم، أخذ عن ابن خروف، ومصعب، والرندي، وعنه أخذ الشلوبين. وكان شاعرا ناثرا متصرفا في الأدب، وله مصنفات، منها: فصل المقال في أبنية

الأفعال، والإفصاح بفوائد الإيضاح، والنقض على الممتع لابن عصفور، وتوفي بتونس في جمادى الآخرة 646 هـ.

(3)

فتقول: أعلم زيدا كبشك سمين.

(4)

هو كل فعل نصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ولم ينصب أحدهما بإسقاط الجار.

(5)

أي للإلباس، سواء تقدم أو تأخر؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون آخذا ومأخوذا، ولا يتبين أحدهما إلا بالإعراب.

(6)

الإطلاق يفسره ما بعده، أي سواء أعتقد القلب أم لا، وسواء أكان الثاني نكرة والأول معرفة أم لا؛ لأن "زيدًا" هو الآخذ دائما، و"درهما" هو المأخوذ.

(7)

فتعيين نيابة الأول؛ لأنه فاعل في المعنى.

(8)

أي تمتنع نيابة الثاني، إن لم يعتقد القلب في الإعراب، وهو كون المرفوع منصوبا، والمنصوب مرفوعا، فإن اعتقد القلب جاز، ويكون النائب في الحقيقة هو الأول؛ لأن نيابة الثاني مع اعتقاد القلب مجاز صوري، كما أن كلا من رفعه ونصب الأول مجاز، فهو من إعطاء المرفوع إعراب المنصوب والعكس -عند أمن اللبس، نحو: كسر الحجر.

ص: 51

وقيل: إن كان نكرة، والأول معرفة

(1)

. وحيث قيل بالجواز، فقال البصريون إقامة الأول أولى

(2)

، وقيل إن كان نكرة

(3)

، فإقامته قبيحة، وإن كانا معرفتين استويا في الحسن

(4)

.

وفي باب "ظن"

(5)

: قال قوم يمتنع مطلقًا

(6)

، للإلباس في النكرتين والمعرفتين، ولعود الضمير على المؤخر إن كان الثاني نكرة؛ لأن الغالب كونه مشتقًا، وهو حينئذ شبيه بالفاعل؛ لأنه مسند إليه، فرتبته التقديم

(7)

، واختار الجزولي والخضراوي، وقيل: يجوز إن لم يلبس

(8)

، ولم يكن جملة

(9)

، واختبار ابن طلحة

(10)

، وابن عصفور، وابن مالك.

(1)

أي تمتنع حينئذ نيابة الثان، فلا يقال: أعطى درهم زيدا، ويتعين أعطى زيد درهما، وعلة ذلك أن المعرفة أحق بالإسناد إليها من النكرة.

(2)

أي؛ لأنه فاعل في المعنى.

(3)

أي إن كان الثاني نكرة والأول معرفة.

(4)

وكذلك إذا كانا نكرتين.

(5)

وهو كل فعل يتعدى إلى مفعولين، والثاني منهما خبر في الأصل عن الأول.

(6)

الإطلاق يوضحه ما بعده، أي سواء ألبس من لم يلبس، كان جملة أم لا، كان نكرة والأول معرفة أم لا.

(7)

نحو: ظن قائم محمدا، ففي قائم ضمير مستتر يعود على محمد وهو متأخر لفظا ورتبة؛ لأنه مفعول غير نائب عن فاعل، وقائم متقدم الرتبة؛ لأنه نائب.

(8)

أي يجوز نيابة الثاني إن لم يلبس، نحو: ظن قائم محمدا، ويمتنع إن ألبس: نحو: ظن علي محمدًا -إذا كان مفعولا ثانيًا.

(9)

لأن الفاعل ونائبه لا يكونان جملة -لا اسمية ولا فعلية على الأصح، كما أوضحنا لك قريبًا.

(10)

هو أبو بكر، محمد بن أبي طلحة الأموي الإشبيلي، كان إمامًا في العربية عارفًا يعلم

ص: 52

قيل يشترط أن يكون نكرة والأول معرفة، فيمتنع ظن قائم زيد

(1)

.

وفي باب "أعلم"

(2)

: أجازه قوم إذا لم يلبس، ومنعه قوم، منهم الخضراوي والأبدي

(3)

وابن عصفور؛ لأن الأول مفعول صحيح

(4)

، والأخيران مبتدأ وخبر شبها بمفعولي أعطى؛ ولأن السماع إنما جاء بإقامة الأول، قال:

"ونبئت عبد الله بالجو أصبحت"

(5)

الكلام، تأدب على أبي إسحاق بن ملكون، ودرس العربية، والآداب بإشبيلية أكثر من خمسين سنة، وكان ذكيًا عدلا ذا مروة، مقبولا عند القضاة والحكام، كان يميل إلى مذهب ابن الطراوة، ويثني عليه، ومات سنة 618 هـ، ودفن بإشبيلية.

(1)

لأن هذا يؤدي إلى الإخبار بالمعرفة عن النكرة، وذلك ممنوع في الغالب.

(2)

هو كل فعل ينصب ثلاثة مفاعيل، أصل الثاني والثالث منها مبتدأ وخبر.

(3)

هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحيم الأبدي، نسبة إلى "أبدة" بلدة بالأندلس، كان نحويا جليلًا من أعرف أهل زمانه بالخلافات النحوية، درس كتاب سيبويه، ووقف على غوامضه ووقائعه، وكان يقرئه، ثم انتقل إلى غرناطة وأقرأ بها.

قال فيه أبو حيان: "كان الأبدي أحفظ من رأيناه بعلم العربية، وكان على إمامته في العلم غاية في الفقر، وتوفي سنة 608 هـ".

(4)

أي مفعول حقيقة، وليس أصله مبتدأ وخبر؛ ولأن أصله الفاعلية، فهو أحق مما كان ملتبسا به، أما الثاني والثالث، فالمفعول في الحقيقة النسبة بينهما، وإطلاق المفعولية عليهما مجاز.

(5)

صدر بيت من الطويل، ينسب للفرزدق، وعجزه:

كراما مواليها لئيما صميمها

اللغة والإعراب: نبئت: أخبرت، عبد الله: ليس المراد به شخص معين، ولكنه علم القبيلة، وهي بنو عبد الله بن دارم، أخي مجاشع بن دارم، وهو رهط الفرزدق، بالجو: الجو: أرض باليمامة، ويطلق على أمكنة أخرى. كراما: أشرافا، جمع كريم، والمراد به كريم النسب، مواليها: جمع مولى، والمراد هنا: العبيد والأتباع. صميمها: الصميم: الخالص من كل شيء والمراد رؤساء القبائل وسادتها، "نبئت" فعل ونائب فاعل.

ص: 53

وقد تبين أن في النظم أمورًا، وهي: حكاية الإجماع على جواز إقامة الثاني من باب "كسا" حيث لا لبس

(1)

، وعدم اشتراط كون الثاني من باب "ظن" ليس جملة

(2)

، وإيهام أن إقامة الثالث غير جائزة بإتفاق، إذ لم يذكره مع المتفق عليه

(3)

، ولا مع المخلف

"عبد الله" مفعول ثان، ومضاف إليه، "بالجو" متعلق بمحذوف، صفة لعبد الله، "أصبحت" اسم أصبح يعود على عبد الله، "كراما" خبرها، والجملة مفعول ثالث لنبئ، "مواليها" فاعل كراما، ومضاف إليه. "لئيما" خبر بعد خبر. "صميمها" فاعل لئيما.

المعنى: أخبرت أن قبيلة عبد الله -بالجو- انعكست فيها الأمور، فصار عبيدها وضعافها وأنباعها أشرافًا وسادة، وصار عظماؤها وساداتها لئاما أخساء، تابعين لغيرهم.

الشاهد: في نبئت، حيث أناب المفعول الأول، وهو "تاء المتكلم" عن الفاعل، ولم ينب الثاني والثالث، وإلى ما سبق يشير الناظم بقوله:

وباتفاق قد ينوب الثان من

باب "كسا" فيما التباسه أمن

في باب "ظن" و"أرى" المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا القصد ظهر

أي أن النحاة اتفقوا على جواز إنابة المفعول الثاني من باب "كسا" إذا أمن اللبس، واشتهر المنع في إنابة الثاني من باب "ظن" و"أعلم" والناظم لا يوافق على المنع إذا ظهر القصد، واتضح المعنى المراد بإنابة الثاني، ولم يتعرض الناظم للمفعول الثالث، لما ينصب فعله ثلاثة مفاعيل، وأن حكمه كالثاني على الصحيح؛ لأن الثالث في باب "أعلم" هو الثاني، في باب "علم".

(1)

- حيث يقول:

وباتفاق قد ينوب الثان من

باب كسا .... إلخ

(2)

إذ يقول:

في باب ظن وأرى المنع اشتهر

(3)

أي: وهي نيابة الأول.

* "وباتفاق" متعلق بينوب: "الثان" فاعل ينوب "من باب" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الثان، "كسا" مضاف إليه مقصود لفظه، "فيما" ما: اسم موصول، والجار والمجرور متعلق بينوب، "التباسه" مبتدأ مضاف إلى الهاء "أمن" مضاف للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى الالتباس، والجملة خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول، "في باب" متعلق باشتهر "ظن" مضاف إليه

مقصود لفظه، "وأرى" معطوف على ظن "المنع" مبتدأ، اشتهر الجملة خبر،

"ولا" نافية، "منعا" مفعول أرى، "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "القصد" فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والجملة في محل جر بإضافة إذا. "ظهر" الجملة تفسيرية لا محل لها.

ص: 54

فيه

(1)

، ولعل هذا هو الذي غلط ولده حتى حكى الإجماع على الامتناع.

فصل: يضم أول فعل المفعول مطلقًا

(2)

، ويشركه ثاني الماضي المبدوء بتاء زائدة

(3)

، كتضارب وتعلم، وثالث المبدوء بهمز الوصل، كانطلق واستخرج واستحلى

(4)

، ويكسر ما قبل الآخر من الماضي، ويفتح من المضارع

(5)

.

(1)

أي: وهو نيابة الثاني.

(2)

أي سواء كان ماضيا أو مضارعًا.

(3)

سواء أكانت للمطاوعة، أم لغيرها، كمثال المصنف: تقول فيهما: ضورب وتعلم، والمطاوعة في فعل هي: قبول فاعله التأثر بأثر واقع عليه من فاعل ذي علاج محسوس لفعل آخر يلاقيهه في الاشتقاق، مثل علمته فتعلم -وحطمت الحجر فتحطم.

(4)

تقول فيها: انطلق باللص، واستخرج بالذهب، واستحلي الطعام.

(5)

هذا إن لم يكن مكسورا من قبل في الماضي، ومفتوحا في المضارع، وقد يكون الكسر مقدرًا، كصيم رمضان، وعد المال، وكذلك الفتح، نحو يصام، وإلى هذا التغيير الذي يطرأ على الفعل -يشير الناظم بقوله:

فأول الفعل اضممن والمتصل

بالأخر أكسر في مضي كوصل

واجعن مضارع منفتحا

كينتحي المقول فيه ينتحى

والثاني التالي تاء المطاوعة

كالأول اجعله بلا منازعة

وثالث الذي يهمز الوصل

كالأول اجعلنه كاستحلي

* "فأول" مفعول أول لا ضممن، "الفعل" مضاف إليه. "اضممن" فعل أمر مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، "والمتصل" مفعول مقدم لا كسر، "بالآخر" متعلق بالمتصل "أكسر" فعل أمر، والفاعل أنت "في مضي" متعلق باكسر" أو حال "كوصل" الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف، والجملة مقول القول، "وأجعله" فعل أمر والهاء مفعول أول، "من مضارع" متعلق بمحذوف حال من الهاء "منفتحا" مفعول ثان لا جعل، "كينتحي" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، "المقول" بالجر صفة لينتحي المقصود لفظه، "فيه" متعلق بالقول، "ينتحي" نائب فاعل للمقول، قصد لفظه، وهو من الانتحاء -بمعنى القصد والميل، "والثاني" مفعول أول لمحذوف يفسره اجعل المذكور، "التالي" صفة للثاني، "تا" مفعول التالي، وقصره الضرورة. "المطاوعة" مضاف إليه، "كالأول" ثان لأجله، والهاء مفعوله الأول.

ص: 55

وإذا اعتلت عين الماضي وهو ثلاثي، كقال وباع

(1)

، أو عين افتعل وانفعل، كاختار وانقاد، فلك كسر ما قبلها بإخلاص

(2)

، أو إشمام الضم فتقلب ياء فيهما

(3)

، ذلك إخلاص الضمن فتقلب واوًا

(4)

، قال:

أي أن أول الفعل المبني للمجهول، يضم في الماضي والمضارع، والحرف المتصل بالآخر يكسر في الماضي، مثل: وصل، فإن أصله وصل، ويصير مفتوحا في المضارع، مثل: ينتحي، فإنه يصير ينتحى، واجعل الحرف الثاني مضمومًا كالأول، إذا كان الأول تاء المطاوعة، ولا نزاع في هذا، وكذلك الحرف الثالث من الفعل المبدوء بهمزة الوصل يضم كالأول، مثل: استحلى بالبناء للمجهول، وأصله: استحلي.

(1)

مثالان للواوي واليائي.

(2)

وحينئذ تسلم الياء، وتقلب الواو ياء، تقول: قيل الصدق -وبيع المتاع. وهذه أفصح الحالات.

(3)

الإشمام هو: النطق بحركة صوتية تجمع بين الضمة والكسرة بالتوالي، سريعا، وينشأ عن ذلك ياء، وقد يسمى "روما".

(4)

أي تقلب الألف واوا، وإلى هذه الأوجه الثلاثة في فاء الثلاثي المعتل العين أشار الناظم بقوله:

وأكسر أو أشمم "فا" ثلاثي أعل

عينا وضم جا كـ"بوع" فاحتمل

أي اكسر أو أشمم فاء الماضي الثلاثي المعل العين، وقد جاء فيه الضم عند العرب فاحتمل قبوله وجاز القياس عليه، وكذلك أشار إلى ما كان على وزن "افتعل" أو"انفعل" من معتل العين بقوله:

"بلا" متعلق باجعل، و"لا" بمعنى:"غير إعرابها على ما بعدها، "منازعة" مضاف إليه، وسكن للوقف، "وثالث" مفعول لمحذوف يفسره اجعلنه، "الذي" مضاف إليه، "بهمز الوصل" متعلق بمحذوف صلة الذي، ومضاف إليه. "كالأول" مفعول ثان لأجعله، والهاء مفعول الأول، "كاستحلى" خبر لمبتدأ محذوف.

* "فا" مفعول تنازعه الفعلان قبله، "ثلاثي" مضاف إليه، "أعل" الجملة من الفعل، "ونائب الفاعل صفة لثلاثي "عينا" تمييز، "وضم" مبتدأ، "جا" فعل ماض قصر للضرورة، وفاعله يعود على ضم، والجملة خبر المبتدأ "كبوع" متعلق بمحذوف حال من فاعل جاء، "فاحتمل" معطوف على جاء.

ص: 56

ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت

(1)

وقال:

حوكت على نيرين إذ تحاك

(2)

وما لفا باع لما العين تلي

في اختار وانقاد وشبه ينجلي

أي ما ثبت لفاء الثلاثي المعل العين، مثل: باع وصام، من الأوجه الثلاثة المتقدمة، يثبت مثله للحرف الذي تليه عين الفعل الذي على وزن، "افتعل" و"انفعل" معل العين، نحو: اختار، وانقاد، وشبههما الذي ينجلي ويتضح، وهو: افتعل" و"انفعل"، إذا كانا صحيحين مضعفي اللام، نحو: امتد -وانصب.

(1)

بيت من الراجز، لرؤبة بن العجاج:

اللغة والإعراب: معنى المفردات واضح. "ليت" حرف تمن، "هل" حرف استفهام معناه النفي، "شيئا" معناه النفي "شيئا" مفعول ينفع مقدم، أو مفعول مطلق، أي نفعا "ليت" الثانية فاعل ينفع مقصود لفظها، والجملة اعتراضية لا محل لها، "ليت" الثالثة مؤكدة للأولى، "شابا" اسم ليت الأولى، "بوع" ماض للمجهول "ونائب" فاعله يعود على شبابا، والجملة خبر ليت، "فاشتريت" معطوف على بوع.

المعنى: أتمنى -والتمني لا يفيد شيئا- أن يعود الشباب ويباع فأشتريه، وهيهات أن يعود، فإن ما مضى لا يرجع.

الشاهد: في بوع، فإنه ثلاثي معتل العين، فلما بني للمجهول، أخلص ضم فائه، فقلبت ألفه واوًا، وإخلاص الضم لغة جماعة من العرب.

(2)

صدر بيت من الرجز، ينسب كذلك لرؤبة، وعجزه:

تختبط الشواك ولا تشاك

اللغة والإعراب: حوكت: نسجت -من حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكة. نيرين: مثنى نير، وهو مجموع القصب والخيوط، تختبط: تضرب بعنف وشدة. لا تشاك. لا يؤثر فيها الشوك، "حوكت" ماض للمجهول. ونائب الفاعل يعود على الحلة، أو الرداء؛ لأنه

* "وما" اسم موصول مبتدأ "لفا" بالقصر متعلق بمحذوف صلة ما "باع" مضاف إليه قصد لفظه "لما" ما: اسم موصول والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "العين" مبتدأ "تلي" الجملة خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره صلة ما في "اختار" متعلق بتلي "وانقاد وشبه" معطوفان على اختار "ينجلي" الجملة نعت لشبه.

ص: 57

وهي قليلة وتعزى لفقعس ودبير

(1)

، وادعى ابن عذرة

(2)

امتناعها في افتعل وانفعل

(3)

، والأول قول ابن عصفور، والأبدي وابن مالك، وادعى ابن مالك امتناع ما ألبس من كسر، كخفت وبعت، أو ضم كعقت

(4)

، وأصل المسألة: خافني زيد، وباعني

يذكر ويؤنث، "على نيرين" متعلق بحوكت، "إذا" ظرف زمان لحوكت، "تحاك" مضارع مبني للمجهول أيضًا.

المعنى: أن هذا الرداء على نيرين، وما ينسج بهذه الطريقة يكون أصفق وأحكم في النسج، فاكتسب متانة وصلابة، حتى إذا ضرب بها الشوك لا يدخل فيها، ولا يحدث بها أثرًا أو ضررًا.

الشاهد: في "حوكت" حيث أخلص فيه الضم، فقلبت ألفه واوا، ويروى "حيكت"، فيكون شاهدا على إخلاص الكسر وقلب الألف ياء، ولعل هذا أقرب ليخالف الشاهد السابق.

(1)

فقعس ودبير: حيان من فصحاء قبيلة بني أسد، وإخلاص الضم لغتهما، أما الكسر فلغة بني تميم.

(2)

هو الإمام البارع أبو الحكم بن عبد الرحمن بن عذرة، الأنصاري الأوسي الخضراوي، كان نحويا نبيلًا حاذقا ثابت الذهن، وقاد الفكر، أخذ عن أبي العلاء، إدريس القرطبي وابن عصفور وغيرهما، وله تصانيف كثيرة، منها:"الإعراب في أسرار الحركات في الإعراب".

والمفيد في أوزان الرجز والقصيد، وتوفي بعد سنة 644 هـ.

(3)

أي وما كان على مثالهما مما زاد على الثلاثة.

(4)

أي بالبناء للمفعول فيها جميعها، وفي ذلك يقول الناظم:

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لباع قد يرى لنحو حب

* "إن" شرطية: "بشكل" متعلق بخفيف. "لبس" نائب فاعل خفيف، وهو فعل الشرط، "يجتنب" مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى شكل، وهو جواب الشرط. "وما" اسم موصول مبتدأ. "لباع" متعلق بمحذوف صلة. "قد" للتقليل، "يرى" مضارع للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى "ما"، والجملة خبر المبتدأ "لنحو" متعلق بيرى، "حب" مضاف إليه مقصود لفظه.

أي إذا خيف اللبس بين الفعل المبني والفاعل، والمبني للمفعول، بسبب شكل من الأوجه الثلاثة، يجتنب ذلك الوجه من الشكل، ويعدل إلأى شكل آخر لا لبس فيه.

ص: 58

لعمرو، وعاقني عن كذا، ثم بنيتهن للمفعول

(1)

، فلو قلت: خفت وبعت بالكسر، وعقت بالضم، لتوهم أنهن فعل وفاعل، وانعكس المعنى، فتعين ألا يجوز فيهما إلا الإشمام، أو الضم في الأولين، والكسر في الثالث، وأن يمتنع الوجه الملبس

(2)

، وجعلته المغاربة مرجوحا لا ممنوعا، ولم يلتفت سيبويه للإلباس، لحصوله في نحو: مختار وتضار

(3)

، وأوجب الجمهور ضم فاء الثلاثي المضعف

(4)

، نحو: شد ومد، والحق قول بعض الكوفيين: إن الكسر جائز، وهي لغة بني ضبة

(5)

، وبعض تميم، وقرأ علقمة

(6)

: {رُدَّتْ إِلَيْنَا} ، {وَلَوْ رُدُّوا}

(7)

، بالكسر، وجوز ابن مالك الإشمام أيضا، وقال المهاباذي

(8)

.

....

(1)

أي بعد حذف الفاعل، وأبدلت ياء المتكلم ياء، لاشتراكها في الدلالة على المتكلم.

(2)

وهو الكسر في الأولين، والضم في الثالث.

(3)

أتى بمثالين للاسم والفعل، فـ"مختار": يحتمل أن يكون وصف للفاعل، فتكون ألفه منقلبة عن ياء مكسورة، وأن يكون وصفا للمفعول، فتكون منقلبة

عن ياء مفتوحة، ومع هذا قلبوا الياء ألفًا، واكتفوا بالفرق التقديري. و"تضار" يحتمل البناء للفاعل، فتكون راؤه الأولى قبل الإدغام مكسورة. والبناء للمفعول، فتكون مفتوحة، ومع ذلك أدغمت الراء، واكتفى بالفرق التقديري، ومع هذا فالاجتناب أولى وأرجح.

(4)

هو ما كانت عينه ولامه من جنس واحد، وسيبسط القول فيه قريبا.

(5)

هم بطن من بطون عامر بن إلياس بن مضر.

(6)

هو علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، كان فقيهًا كبيرًا، ومن القراء بالكوفة، أخذ القرآن عن ابن مسعود، وسمع من عمر وعلي وأبي الدرداء وعائشة، وكان من أحسن الناس صوتا بالقراءة، وتوفي سنة 62 هـ.

(7)

الأولى: من الآية 65، من سورة يوسف، والثانية: من الآية 28، من سورة الأنعام.

(8)

هو أحمد بن عبد المهاباذي الضرير، نسبة إلى مهاباذ، وهي قرية بين "قم"

ص: 59

من أشم في قيل وبيع، أشم هنا

(1)

.

و"أصبهان"، كان من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني، وله: شرح على اللمع، لابن جني.

(1)

أي في المضعف، فما ثبت في فاء المعتل من الكسر الخالص، والضم الخالص، والإشمام يثبت في فاء المضعف، وفي هذا يقول الناظم:

وما لباع قد يرى لنحو حب

أي ما ثبت من الأحكام لفاء الفعل "باع"، وغيره من الماضي الثلاثي المعتل الوسط عند بنائه للمجهول -قد يثبت لنحو:"حب"، من كل فعل ماض ثلاثي مضعف، حيث يجوز في فائه الأوجه الثلاثة، بشرط أمن اللبس، فإن خيف اللبس في أحدها وجب تركه.

فوائد:

أ- لا يبنى للمجهول فعل جامد ولا ناقص على الصحيح، وجوزه سيبويه والكوفيون.

ب- لا يجوز إنابة الحال، والمستثنى، والمفعول معه، وله؛ لأن ذلك يخرجه عن مهمته الخاصة.

ج- إذا قلت: زيد في مرتب محمد عشرون جنيهًا، تعين رفع "عشرين" على النيابة مع وجود المفعول، فإن قدمت محمدا، فقلت: محمد زيد في مرتبه عشرون، جاز رفع العشرين على النيابة، وجاز نصبه على المفعولية، ونائب الفاعل ضمير يعود على المبتدأ، وهو الرابط.

د- ورد عن العرب أفعال ماضية ملازمة للبناء المجهول، اعتبرها العلماء كذلك في الصورة اللفظية، لا في الحقيقة، ولهذا يعربون المرفوع بها فاعلا لا نائب فاعل، ومن أشهرها:

هزل، زكم، دهش، شده "بمعنى دهش"، شغف بكذا: أولع به، أغري به، أهرع "بمعنى أسرع" عنى بكذا" "اهتم به"، نتج، جن، سل، حم، امتقع لونه، زهي، فلج، وحكم المضارع منها حكم الماضي، ولكن لا يعامل مضارعها معاملة الماضي، إلا فيما ورد عن العرب، فهو مقصور على السماع، ومما سمع: يهرع، يعني، يولع، يستهتر به.

تتمة: بمناسبة ذكر المصنف إسناد الفعل المعتل الآخر "الأجوف" و"المضعف" إلى ضمير المتكلم، رأينا، استكمالًا للموضوع، أن ننتقل هذا ما كتبناه بهذا الشأن، ولخصناه في كتابنا "التوضيح والتكميل لشرح ابن عقيل" في هذا المكان:

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أولًا: الأجوف: هو ماكانت عينه حرفًا من حروف العلة: واوًا أو ياء أو ألفا منقبلة عن الواو، أو الياء، مثال الأول: حول، قاول، تحاورا، ومثال الثاني: حيد وغيد، ومثال الثالث: بايع، تسابقا، ومثال الرابع: قام، انقاد، استقام، باع، أذاع، استخار.

أ ويجيء مجره على ثلاثة أوزان:

أ- علم يعلم، واويا أو يائيا، نحو: خاف، غيد.

ب- نصر ينصر، ولا يكون إلا واويًا، نحو: ذاب يذوب.

ج- ضرب يضرب، ولا يكون إلا يائيا، نحو: عاش يعيش، وإذا أسند إلى ضمير رفع متحرك كسرت فاؤه، إن كان من باب "علم" أو"ضرب"، تقول: خفت، خفنا، خفن، بعت، بعنا، بعن، وإن كان باب "نصر" ضمت الفاء، نحو: قلت، قلنا، قلن، ويلاحظ أن العين حذفت؛ لأن القاعدة العامة في الأجوف: أنه إذا سكن آخره حذفت عينه، وإذا تحرك آخره بقيت عينه، نحو: قام، باين.

ب أما المزيد: فيأتي على وزن "فاعل"، كحاول وبايع، و"فعل" كسول وصير، و"تفاعل" كتفاوتا وتباينا، و"تفعل" كتقول وتطيب، و"أفعال" كاعوار وأبياض، و"أفعل" كأسود وأبيض، و"افتعل" واوي العين كاشتور، ويجب إذا أتى على وزن من هذه الأوزان، تصحيح عينه، وبقاؤها على حالها، كما يجب تصحيح عين المجرد الذي على وزن "فَعِلْ" بكسر العين إذا كان الوصف منه على وزن "أفعل" فيما دل على حسن أو قبح، نحو: حول فهو أحول، وغيد فهو أغيد، والأغيد: الوسنان المائل العنق، أما إذا أتى على وزن "أفعل" كأجاب، وأهاب، أو"انفعل" كانقاد، وانماح، أو"استفعل"، كاستقام، واستراح، أو"افتعل" يأتي الغين نحو: ابتاع، واكتال، فيجب في هذه الأحوال إعلال عينه كالأمثلة، كما يجب إعلال المجرد الذي على وزن "فعل" بالفتح، أو"فعل"بالكسر، الذي ليس الوصف منه على "أفعل"، كخاف ومات.

وإذا أسند هذا الماضي إلى الضمائر اتبع ما يأتي:

أ- الصيغ التي يجب فيها تصحيح العين، لا يحذف منها شيء عند الإسناد للضمير، سواء أكان الضمير ساكنًا أو متحركًا، تقول: غيد، حولا، غيدت، حولت، غيدوا، حولوا،

ص: 61

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تقاولا، تمايلا

إلخ.

ب الصيغ التي يجب فيها الإعلال، تبقى على حالها، إذا أسندت إلى ضمير ساكن، أو اتصلت بتاء التأنيث، تقول: أجابا، أهابا، باعا، قالا، ابتاعا، انقادوا، استقاموا، باعت، قالت: وإذا أسندت لضمير رفع متحرك، وجب حذف العين، تخلصا من التقاء الساكنين.

حكم المضارع:

أ- الصيغ التي يجب التصحيح في ماضيها، لا يتغير شيء مطلقا في المضارع، تقول: غيد يغيد، بايع يبايع، تهاون يتهاون

إلخ.

ب- الصيغ التي يجب في ماضيها الإعلال، يعل فيها المضارع:

بالقلب ألفًا في صيغتي "انفعل"، و"استفعل"، تقول: انقاد ينقاد، واختار يختار، أصلهما: يتقود ويختور، تحركت الواو أو الياء بعد فتحة فقلبت ألفا.

أو بالنقل، في مثل: قال يقول: وباع يبيع، أصلهما يقول، ويبيع، نقلت الضمة من الواو والكسرة من الياء إلى الساكن قبلهما.

أو بالنقل والقلب في مثل: خاف يخاف، واستقام يستقيم، أصلهما: يخوف ويستقوم، نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها، ثم قلبت الواو ألفا في يخاف، لتحركها أصلًا وانفتاح ما قبلها الآن، وياء في يستقيم، لوقوعها ساكنة إثر كسرة، ويبقى المضارع على حاله من التصحيح، أو الإعلال إذا كان مرفوعا أو منصوبا، فإن جزم، حذف حرف العلة فيما يجب إعلاله، تخلصا من الساكنين.

وإذا أسند المضارع من الأجوف إلى ضمير ساكن، بقي على ما استحقه من تصحيح أو إعلال، ولا تحذف عينه ولو كان مجزومًا، تقول: يخافان، ويخافون، وتخافين، ولن يخافا، ولم يخافا

إلخ. أما إذا أسند لضمير متحرك، فيجب حذف عينه، إن كان مما يجب فيه الإعلال، تقول: النساء يقلن، ولن، ولم، يرعن.

حكم الأمر: هو كالمضارع المجزوم، إذا أسند إلى ضمير ساكن، رجعت إليه العين التي حذفت منه عند إسناده للضمير المستتر، تقول: قولًا، خافا، قولوا، بيعي، وإذا أسند إلى ضمير متحرك، حذفت العين، تقول: قلن، خفن، بعن.

ص: 62

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثانيًا: المضعف: وهو نوعان: مضعف الرباع، وهو ما فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثانية من جنس آخر، نحو: زلزل وعسعس، ومضعف الثلاثي، وهو ما كانت عينه ولامه من جنس واحد، نحو: شد وامتد واستمر.

أما الأول: فحكمه عند إسناده إلى الضمائر، كحكم الفعل الصحيح السالم، في أنه لا يحذف منه شيء عند إسناده إلى الضمائر، سواء في ذلك الماضي والمضارع والأمر، غير أنه يجب تسكين آخر إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، تقول: زلزلت، زلزلنا، زلزلن، وإذا اتصل به ضمير رفع ساكن فتح آخره قبل الألف،

تقول: زلزلا، يزلزلون، زلزلا، وضم آخره قبل الواو، نحو: زلزلوا، يزلزلون، زلزلوا، وكسر آخره قبل الياء، نحو: تزلزلين، زلزلي.

وأما الثاني: وهو مضعف الثلاثي، فحكمه عند إسناده للضمائر ما يأتي:

حكم الماضي: إذا أسند إلى ضمير رفع متحرك، وهو: تاء الفاعل، وناء، ونون النسوة، وجب فك الإدغام، تقول: مددت، مددنا، مددن، ويجب الإدغام فيما عدا ذلك تقول: مد محمد، ومدت، ومدا، ومدوا.

حكم المضارع: إذا أسند لنون النسوة وجب الفك، سواء أكان الفعل مرفوعا أم منصوبا أم مجزوما، تقول: هن يحججن، لم يحججن، لن يحججن، وإذا أسند إلى ألف الاثنين أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، وجب الإدغام، تقول: يحجان، يحجون، تحجين، لم ولن، يحجا، يحجوا، تحجي، وكذلك يجب الإدغام إذا أسند إلى اسم ظاهر، أو ضمير مستتر، ولم يكن الفعل مجزوما، فإن جزم الفعل جاز الفك والإدغام، تقول: لم يشد، ولم يشدد. والفك أكثر، قال، تعالى:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر} ، {وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَق} .

حكم الأمر: إذا أسند إلى ضمير رفع متحرك، وهو نون النسوة، وجب الفك، تقول: احججن، امددن، وإذا أسند إلى ضمير رفع ساكن، وجب الإدغام، تقول:

حجا، حجوا، حجي، وإذا أسند إلى ضمير مستتر، جاز الأمران، والفك أكثر، قال تعالى:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} .

هذا: ويحرك آخر الأمر والمضارع والمجزوم عند الإدغام بالفتح، أو بالكسر، أو تحرك اللام بحركة العين، ويسمى ذلك إتباعًا.

ص: 63

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 ما أهم الأسباب التي من أجلها يحذف الفاعل، وينوب عنه غيره؟ مثل لما تقول.

2 ما التغيير الذي يحدث في الفعل -ماضيًا- كان أو مضارعا عند إسناده لنائب الفاعل؟ وضح ذلك.

3 مما ينوب عن الفاعل عند حذفه: الظرف، والجار والمجرور، اذكر شروط كل منهما عند نيابته، مع التمثيل.

4 بم تشكل فاء الثلاثي الأجوف، والمضعف، عند البناء للمجهول؟ وضح القول في ذلك على ضوء ما بين المصنف، ثم ضع ما تقول في جمل مفيدة من إنشائك.

5 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، بين موضع الشاهد، واشرحه:

قال تعالى: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} .

{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} .

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} .

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} .

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} .

{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} .

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} .

6 بين العبارة الآتية: نائب الفاعل، ونوعه، وعامله، وسبب حذف الفاعل.

يعتبر اليوم الخامس من شهر يونيه سنة 1967 من الأيام الأليمة التي لا تنسى، فقد اعتدى فيه على مصر والأردن وسورية، واحتل جزء من أراضيها، بغدر دبر من إسرائيل ومن ورائها الاستعمار، ولم يكن ذلك عن وهن في القدرة العربية، ولكن خدع العرب، وكان إهمال من بعض القيادات أدى إلى نكسة أليمة، وقد استنكر هذا العدوان من جميع الهيئات والشعوب، وتخذت قرارات من هيئة الأمم، تلزم المعتدين بالجلاء عن الأرض التي احتلوها غدرًا، غير أن الاستعمار يداور، ويأتي بحجج واهية، لمساندة المعتدين ولكن العرب بما عرف عنهم من نخوة وإباء، لن يسكتوا عما لحقهم من إهانة، فالجهود تبذل لجمع الكلمة، والوسائل تتخذ لدعم الجيوش، حتى يزال كل أثرها لهذا العدوان

ص: 64

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الغاشم: وتعود فلسطين -كما كانت- عربية صحيحة.

7 هات ست جمل من إنشائك، يكون نائب الفاعل في اثنين منها مصدرا، وفي اثنين ظرفا، وفي اثنين جارا ومجرورا.

8 حول الأفعال الآتية إلى أفعال مبنية للمجهول، وائت بنائب فاعل مناسب:

سعى، استراح، نام، أنقض، مد، يلاحق، يقاوم، أعان، نأى، نال.

9 أعرب البيت الآتي، واشرحه، وبين ما فيه من شاهد:

قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا

فما اعتذارك من قول إذا قيلا

10 ما حكم المفعول الثاني من باب "أعطى"، ومن باب "رأى"؟ ما حكم الثالث من باب "أعلم"، بالنسبة لنيابته عن المفعول، وضح ما تقول بأمثلة.

11 أسند الكلمات: يسر، يعض، يمتد، يهاب -إلى ألف الاثنين، ونون النسوة، وواو الجماعة، وياء المخاطبة، وكذلك الأمر منها.

ص: 65

هذا‌

‌ باب الاشتغال

(1)

:

إذا اشتغل فعل

(2)

متأخر، بنصبه لمحل ضمير اسم متقدم، عن نصبه للفظ ذلك الاسم، كزيدا ضربته، أو لمحله، كهذا ضربته، فالأصل أن ذلك الاسم يجوز فيه وجهان: أحدهما راجع لسلامته من التقدير، وهو الرفع بالابتداء، فما بعده في موضع رفع على الخبرية، وجملة الكلام حينئذ اسمية

(3)

، والثاني مرجوح لاحتياجه إلى التقدير، وهو النصب، فإنه بفعل موافق للفعل المذكور

(4)

هذا باب الاشتغال:

(1)

الاشتغال عند النحاة هو: أن يتقدم اسم واحد، ويتأخر عند عامل مشتغل عن العمل في ذلك الاسم، بالعمل في ضميره مباشرة، أو في سببه، بحيث لو فرغ من ذلك المعمول وسلط على الاسم المتقدم، لعمل فيه النصب لفظا أو محلا، والمراد بسببي الاسم المتقدم: كل شيء له صلة وعلاقة به، من قرابة أو صداقة أو عمل، ومن هذا التعريف يتبين لنا أنه لا بد في الاشتغال من ثلاثة أمور: مشغول أو مشتغل، وهو العامل المتأخر، ومشغول به، للفعل، ثم ترك مكانه للضمير، ويجب أن يتصل الاسم المتقدم بعامله إن كان فعلا، ويجوز الفصل بتوابع الاسم المضاف إليه، أما إذا كان وصفا، فيجوز الفصل.

(2)

أي متصرف، أو اسم بشبهه، وهو هنا: اسم الفاعل، واسم المفعول، وصيغة المبالغة، ولا يكون صفة مشبهة، ولا تفضيلا، ولا وصفا آخر؛ لأن ما بعد الثلاثة لا يجوز أن يسبقها، وأجاز بعضهم الاشتغال مع المصدر واسم الفعل، على القول بجواز تقدم معمولهما عليهما، ومع "ليس"، على رأي من يجيز تقدم خبرها عليها.

(3)

لأنها مصدرة بالاسم الذي جعل مبتدأ.

(4)

إما لفظا ومعنى، كمثال المصنف، فإن التقدير: ضربت زيدا ضربته، أو معنى فقط، نحو محمدا مررت به، فإن تقديره جاوزت محمدا مررت به، أو غير موافق لفظا ومعنى، ولكنه لازم للمذكور، نحو: محمدا ضربت أخاه، فإن ضرب الأخ يستلزم عرفا إهانة محمد.

ص: 66

محذوف وجوبا

(1)

، فما بعده لا محل له؛ لأنه مفسر

(2)

، وجملة الكلام حينئذ فعلية

(3)

.

ثم قد يعرض لهذا الاسم ما يوجب نصبه، وما يرجحه، وما يسوي بين الرفع والنصب، ولم نذكر من الأقسام ما يجب رفعه كما ذكر الناظم

(4)

؛ لأن حد الاشتغال لا يصدق عليها

(5)

، وسيتضح ذلك.

(1)

لأن الفعل المذكور مفسر له، أو كالعوض منه، ولا يجمع بين العوض والمعوض.

(2)

الجملة المفسرة لا محل لها من الإعراب على الصحيح، وقيل: إنها تساير الجملة المحذوفة المفسرة، وتماثلها في محلها من الإعراب وعدمه، كما تماثلها في لفظها ومعناها.

(3)

لأنها مصدرة بالفعل المحذوف، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه بنصب لفظه أو المحل

فالسابق أنصبه بفعل أضمرا

حتما موافق لما قد أظهرا

أي إن شغل ضمير اسم سابق فعلا، عن نصب الاسم السابق لفظا أو محلا، فاصنب الاسم السابق، بفعل مضمر إضمارا حتما في حالة النصب، ويكون ذلك الفعل المضمر موافقا للفعل الظاهر في الجملة، كما أوضحنا.

(4)

أي في قوله:

وإن تلا السابق ما بالابتدا

يختص فالرفع فالتزمه أبدا

(5)

لأنه يعتبر فيه - كما ذكر في التعريف- أن يكون العامل، بحيث لو فرغ للعمل في

* "إن" حرف شرط، "مضمر" فاعل لمحذوف يفسره:"شغل" وهو فعل الشرط، "اسم" مضاف إليه، "سابق" صفة للاسم. "فعلا" مفعول لشغل مقدم، "شغل" ماض، وفاعله يعود إلى مضمر، "عنه ينصب" متعلقان بشغل "لفظه" مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، وضمير "عنه" و"لفظه" يعود إلى اسم سابق، "أو المحل" معطوف على لفظ، و"أل" بدل من الضمير، والباء في "بنصب" بمعنى عن "فالسابق" مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، وهو جواب الشرط، "انصبه" فعل أمر، والفاعل أنت والهاء مفعول، "بفعل" متعلق بانصب، "أضمرا" نائب الفاعل يعود على فعل والجملة نعت له. "حتما" صفة لمصدر محذوف، أي إضمار حتما، "موافق" نعت ثان لفعل. "لما" متعلق به، و "ما" اسم موصول، "قد أظهرا" قد للتحقيق، ونائب الفاعل أظهروا يعود إلى "ما"، والجملة صلة ما.

الاسم المتقدم لنصبه، وما يجب رفعه ليس كذلك.

ص: 67

فيجب النصب: إذا وقع الاسم بعد ما يختص بالفعل، كأدوات التخصيص

(1)

، نحو: هلا زيدا أكرمته، وأدوات الاستفهام غير الهمزة

(2)

، نحو: هل زيدا رأيته؟ ومتى عمر لقيته؟ وأدوات الشرط، نحو: حيثما زيدا لقيته فأكرمه، إلا أن هذين النوعين

(3)

لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر، وأما في الكلام فلا يليهما إلا في صريح الفعل

(4)

، إلا إن كانت أداة الشرط "إذا" مطلقا

(5)

، أو"إن" والفعل ماض

(6)

، فيقع في الكلام، نحو: إذا زيدا لقيته أو تلقاه فأكرمه، وإن زيدا لقيته فأكرمه، ويمتنع في الكلام: إن زيدا تلقه فأكرمه

(7)

، ويجوز في الشعر، وتسوية الناظم بين إن وحيثما مردودة

(8)

.

(1)

التخصيص هو: الحث وطلب الشيء بقوة وشدة، تظهر في نبرات الصوت، ومثله العرض، وهو طلب الشيء برفق وملاينة: نحو: ألا محمدا سامحته.

(2)

وإنما تكون أدوات الاستفهام مختصة بالفعل، إذا وجد بعدها فعل في جملتها، فإن لم يوجد، فلا اختصاص، نحو: أين المهرب؟، متى العمل؟ أما الهمزة فتدخل على الاسم، وإن كان الفعل في حيزها؛ لأنها أم الباب فتوسع فيها، ونصب الاسم الواقع بعد "هل" إذا وقع بعدها فعل، هو مذهب سيبويه، أما الكسائي، فيجيز أن يليها الاسم والفعل، وعلى ذلك يجوز الرفع والنصب، غير أن النصب أرجح.

(3)

وهما: أدوات الاستفهام غير الهمزة، وأدوات الشرط.

(4)

فلا يجوز في الكلام أن يقال: متى أو حيثما محمد لقيته فأكرمه.

(5)

أي: سواء أكان الفعل ماضيا أم لا، ومثل "إذا"، "لو"، نحو: لو الخيانة امتنعت لأمن الناس.

(6)

أي الفعل المفسر، سواء كان ماضيا لفظا ومعنى، نحو: إن علما تعلمته فاعلمه به. أو معنى فقط، كالمضارع الداخلة عليه "لم"، التي تقلب زمنه إلى المضي، نحو: إن محمدا لم تجده فانتظره.

(7)

لأن "إن" لما جزمت المضارع لفظا قوي طلبها له، فلا يليها غيره، بخلاف ما إذا لم تجزمه لفظا، إما لمضيه، وإما لجزمه بغيرها، فإنه يضعف طلبها له فيليها غيره.

(8)

لأن الاشتغال بعد "حيثما" لا يقع إلا في الشعر، أما بعد "إن"، فإن كان بعدها ماض وقع

ص: 68

ويترجح النصب في ست مسائل:

إحداها: أن يكون الفعل طلبا، وهو الأمر، والدعاء ولو بصيغة الخبر، نحو: زيدًا أضربه، واللهم عبدك ارحمه، وزيدا غفر الله له

(1)

.

وإنما وجب الرفع في نحو: زيد أحسن به؛ لأن الضمير في محل رفع

(2)

.

وإنما اتفق السبعة عليه في نحو: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} ؛ لأن تقديره عند

الاشتغال في النثر والشعر، وإن وقع مضارع مجزوم بها، اختص الاشتغال بالشعر، ويجاب عن الناظم بأن الغرض من التسوية بينهما: إنما هو في وجوب النصب؛ وفي مطلق الاختصاص بالفعل، وعبارته تنطلق بذلك، إذ يقول في هذا الموضع:

والنصب حتم إن تلا السابق ما

يختص بالفعل كان وحيثما

أي أن نصب الاسم السابق واجب، إذ وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل، كأدوات الشرط، وأدوات الاستفهام -غير الهمزة- كما بينا.

(1)

النصب في الأولين بفعل محذوف من لفظ المذكور، وفي الثالث من معناه، أي ارحم زيدا غفر الله له، ومثل الأمر النهي، نحو: خادم لا تؤاخذه.

وقد قيل في علة ترجيح النصب إذا كان الفعل طلبًا: أن الأصل في الطلب أن يكون بالفعل، فرجح النصب ليكون الكلام على تقدير فعل، فيجيء على الأصل في الطلب، وأيضا: فلو رفع الاسم لأعرب مبتدأ، ويكون خبره الجملة الطلبية، وذلك قليل؛ لأن جملة الخبر تحتمل الصدق والكذب غالبًا، والطلبية ليست كذلك.

(2)

أي على الفاعلية، والباء زائدة، على أنه لو كان محل هذا الضمير النصب، لميكن من باب الاشتغال أيضا؛ لأن فعل التعجب جامد، لا يعمل فيما قبله، فلا يفسر عاملًا، وقد اشترط في المشغول أن يكون صالحا للعمل فيما قبله.

* "والنصب حتم" مبتدأ وخبر، "إن" شرطية، "تلا السابق" الجملة فعل الشرط، والجواب محذوف، يدل عليه ما قبله، أي إن تلا السابق ما يختص بالفعل، فالنصب واجب. "ما" اسم موصول، أو نكرة موصوفة مفعول "تلا. "يختص بالفعل" الجملة صلة ما، أو صفة. "كإن" جار ومجرور متعلق بمحذوف، خبر لمبتدأ محذوف "وحيثما" معطوف على إن المجرورة محلا بالكاف.

ص: 69

سيبويه: مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني

(1)

، ثم استؤنف الحكم، وذلك؛ لأن

الفاء لا تدخل عنده في الخبر في نحو هذا

(2)

، ولذا قال في قوله:

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

(3)

(1)

فحذف المبتدأ وهو "حكم" وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم حذف الخبر المقدم، وهو "مما يتلى"، وعلى ذلك فليس قوله "فاجلدوا" خبرا، بل هو كلام مستأنف.

(2)

أي من كل ترغيب لم يكن المبتدأ فيه موصولا بفعل أو بظرف، أو موصوفا، بأحدهما وصله أل غير ذلك.

(3)

صدر بيت من الطويل، استشهد به سيبويه، ولم ينسب لقائل، وعجزه:

"وأكرومة الحيين خلو كما هيا"

اللغة والإعراب: خولان: اسم قبيلة من مذحج باليمن، فتاتهم، الفتاة: الشابة من النساء: أكرومة: كريمة، من الكرم، كأضحوكة من الضحك، وأعجوبة من العجب، وأحدوثة من الحديث. الحيين: تثنية حي، وهو البطن من بطون العرب، والمراد هنا: حي أبيها وحي أمها، خلو: خالية من الأزواج "وقائلة" الواو واو رب، قائلة مبتدأ، "خولان" خبر لمبتدأ محذوف، أي هذه خولان. "فانكح" الفاء للاستئناف، "فتاتهم" مفعول انكح ومضاف إليه، "وأكرومة" مبتدأ والواو للحال، "الحيين" مضاف إليه، "خلو" خبر "كما" جار ومجرور خبر ثان، والكاف بمعنى على، و "ما" اسم موصول، "هي" مبتدأ خبره محذوف، والجملة صلة ما، والتقدير: على الذي هي عليه، ويجوز أن تكون "ما" زائدة، و"هي" ضمير مجرور المحل بالكاف، والجار والمجرور خبر ثان لأكرومة، أي كحالها المعروف.

المعنى: رب قائلة لي: هذه قبيلة خولان المعروفة بعرافة النسب والكرم والصفات الحميدة، فتزوج منها ولا تخش رفضا، ففيها الفتاة الكريمة الأبوين الخالية من الأزواج.

الشاهد: في "خولان"، فقد جعلها سيبويه خبر لمبتدأ محذوف، ولم يجعلها مبتدأ، وجملة "فانكح فتاتهم" خبر، بل جعلها مستأنفة؛ لأن الفاء عنده لا تدخل على خبر المبتدأ الخاص، كأسماء الأعلام؛ لأن دخولها على خبر المبتدأ لشبه المبتدأ بالشرط في العموم، والخبر بالجواب، فإذا زال الشبه لم تتحقق علة الجواز.

ص: 70

إن التقدير: هذه خولان، وقال المبرد: الفاء لمعنى الشرط

(1)

، ولا يعمل الجواب في الشرط، فكذلك ما أشبههما، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا، فالرفع عندهما واجب، وقال ابن السيد

(2)

، وابن بابشاذ

(3)

: يختار الرفع في العموم

(4)

، كالآية، والنصب في الخصوص، كزيدا اضربه.

الثانية: أن يكون الفعل مقرونًا باللام، أو بلا الطلبيتين، نحو: عمرا ليضربه بكر،

(1)

لأن المبتدأ -وهو "الزانية"- فيه أل موصوفة، والموصول فيه عن الشرط، وهو التعليق أو العموم، إذ التقدير: من زنت ومن زنى، فاجلدوا

إلخ، لهذا تدخل الفاء في خبره كما تدخل في جواب الشرط.

(2)

هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، نزيل بلنسية، كان عالما باللغات والآداب، متجرا فيهما، انتصب لإقراء علوم النحو، واجتمع إليه الناس، للانتفاع بعلمه، وكانت له يد في العلوم القديمة، وقد صنف كثيرا من الكت، ومن تصانيفه:"شرح أدب الكاتب"، و"شرح الموطأ"، و"سقط الزند" و"ديوان المتنبي"، و"الحلل في شرح أبيات الجمل"، والمسائل المنثورة في النحو، مات في رجب سنة 521 هـ، ودفن ببلنسية، ومن شعره:

أخو العلم حي خالد بعد موته

وأوصاله تحت التراب رميم

وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى

يظن من الأحياء وهو عديم

(3)

هو أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي المصري، وأحد الأئمة الأعلام في فنون العربية، دخل بغداد تاجرا في اللؤلؤ، وأخذ من علمائها، ثم رجع مصر، واستخدم في ديوان الرسائل، يتأمل ما يخرج من الكتب إلى الأقطار، ويصلح ما بها من خطأ في الهجاء أو النحو أو اللغة، علاوة على تصدره للإقراء بجامع عمرو بن العاص، ثم تزهد وانقطع في غرفة بجامع عمرو، للعبادة والمطالعة، وجمع في أثناء ذلك مقدارا كبيرا من المسائل النحوية، تداولها الخلف عن السلف، وكان النحويون يسمونها:"تعليق الغرفة"، وله شرح على "الجمل" للزجاجي، و"المحتسب في النحو"، و"بابشاذ" كلمة أعجمية معناها الفرح والسرور، أي أنه من باب السرور وطريقه. وتوفي رجب 469 هـ.

(4)

أي في الاسم المنظور فيه إلى العموم، لشبهه بالشرط، مثل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَة

ص: 71

وخالدا لا تهنه

(1)

، ومنه زيدا لا يعذبه الله؛ لأنه نفي بمعنى الطلب

(2)

، ويجمع المسألتين في قول الناظم:"قبل فعل ذي طلب"، فإن ذلك صادق على الفعل الذي هو طلب، وعلى الفعل المقرون بأداة الطلب.

الثالثة: أن يكون الاسم بعد شيء، الغالب أن يليه فعل، ولذلك أمثلة، منها همزة الاستفهام

(3)

، نحو:{أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} ، فإن فصلت الهمزة فالمختار الرفع، نحو: أأنت زيدا تضربه؟

(4)

إلا في نحو: أكل يوم زيدا تضربه؟ لأن الفصل بالظرف كلا فصل، وقال ابن الطراوة: إن كان الاستفهام عن الاسم فالرفع، نحو: أزيد ضربته أم عمرو

(5)

، وحكم بشذوذ النصب في قوله:

أثعلبة الفوارس أم رياحًا

عدلت بهم طهية والخشابا

(6)

فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}.

(1)

وذلك إجراء الأمر باللام مجرى الأمر بغيرها، وإجراء للنهي "بلا" مجرى "النفي" بـ"ما" ويقتصر النفي على "ما"، و"لا"، و"إن" كما سيأتي.

(2)

فزيدا: منصوب بفعل محذوف، تقديره يرحم الله زيدا؛ لأن عدم التعذيب رحمة، فهو خبر معناه الطلب.

(3)

أي بشرط اتصالها بالاسم المشتغل عنه: أما بقية أدوات الاستفهام، فيجب نصب الاسم الواقع بعدها كما تقدم.

(4)

لأن الاستفهام حينئذ داخل على الاسم، لا على الفعل، وهذا إذ لم يجعل الضمير فاعلا لفعل محذوف، وقد برز وانفصل بعد حذفه، وإلا وجب النصب بالفعل المحذوف؛ لأن الاستفهام حينئذ يكون عن الفعل، وإلى هذا ذهب الأخفش.

(5)

لأن الاستفهام عن تعيين المعفول، أما الفعل وهو الضرب فمحقق، فلا تعلق للهمزة به، ومقتضى تعبيره: أن الرفع واجب، بدليل قوله: واحكم بشذوذ

إلخ، قال الصبان: والحق عدم الوجوب.

(6)

بيت من الوافر، من قصيدة جرير التي مطلعها:

أقلي اللوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت لقد أصابا

ص: 72

وقال الأخفش: أخوات الهمزة كالهمزة

(1)

، نحو: أيهم زيدا ضربه؟ ومن أمة الله ضربها؟

(2)

، ومنها النفي بما، أو لا، أو إن

(3)

، نحو: ما زيد رأيته، وقيل: ظاهر مذهب

وفيها يمدح قبيلتي: ثعلبة ورياح، ويذم قبيلتي طهية والخشاب.

اللغة والإعراب: ثعلبة ورياح: قبيلتان من بني يربوع من حنظلة، الفوارس: جمع فارس، وهو أحد ألفاظ جمع فيها "فاعل" -وصفا لمذكر عاقل- على ""فواعل" ومنها: هوالك، جمع هالك، ونواكس، جمع ناكس، وحواج، جمع حاج.

عدلت: سويت وجعلتهم يعد لونهم في سمو المنزلة، أو ملت. هية: حي من بني تميم، الخشاب: حي من بني مالك بن حنظلة، "أثعلبة" الهمزة للاستفهام، وثعلبة: منصوب بفعل محذوف من معنى العامل المذكور، أي: أحقرت ثعلبة، أو أهنته؟. "الفوارس" نعت لثلعبة باعتباره معناه، "أم متصلة"، "رياحا" معطوف على ثعلبة، "طهية" مفعول لعدلت، إن كانت بمعنى سويت، وبنزع الخافض، والباء للبدل، إن كانت بمعنى ملت، أي ملت بدلهم إلى طهية والخشاب.

المعنى: أتسوي بين قبيلتي ثعلبة الفوارس أو رياح هاتين القبيلتين المعروفتين بالفضل والنبل، وبين تينك القبيلتين الوضيعتين اللتين لا وزن لهما: طهية والخشاب.

الشاهد: نصب "ثعلبة" الواقع بعد همزة الاستفهام، مع أن المستفهم عنه الاسم، وهذا النصب بفعل مقدر يدل عليه المذكور، تقديره: أأهنت أو أظلمت مثلا، وهو شاذ على رأي ابن الطراوة، الذي يوجب الرفع إن كان الاستفهام عن الاسم، وراجح عند سيبويه وأنصاره؛ لأنه لا فرق عندهم في ترجيح النصب بين أن يكون الاستفهام عن الاسم، أو الفعل.

(1)

أي في ترجيح النصب، ففي المثال المذكور:"أيهم" مبتدأ و"زيدا" منصوب بفعل محذوف يفسره المذكور، والجملة خبر "أيهم".

(2)

من "اسم استفهام مبتدأ، "أمة الله" منصوب بفعل محذوف، يفسره المذكور، ومضاف إليه، والجملة خبر.

(3)

قيد النفي بههذ الثلاثة؛ لأن، لم ولما ولن مختصة بالفعل، ولا يليها الاسم إلا في الضرورة، ويجب نصبه عند ذلك.

ص: 73

سيبويه اختيار الرفع، وقال ابن الباذش، وابن خروف يستويان

(1)

.

ومنها "حيث"، نحو: حيث زيدا تلقاه أكرمه، كذا قال الناظم

(2)

، وفيه نظر

(3)

.

(1)

أي يستوي الرفع والنصب مع هذه الأحرف، لدخولها على الأسماء والأفعال، بخلاف غيرها من أحرف النفي.

والباذش هو: أبو جعفر، أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي، المعروف بابن الباذش النحوي، كان إماما في النحو مقرئا نقادا عارفا بالآداب والإعراب، أخذ النحو عن أبيه الإمام أبي الحسن بن الباذش، وقد كان أوحد زمانا إتقانا ومعرفة بالعربية ومشاركة في غيرها، حسن الخط مع دين وفضل وزهد، وبعد عن أهل الدنيا، وقد شرح كتاب كتاب سيبويه والإيضاح، وتوفي سنة 528 هـ، وصلى عليه ابنه أبو جعفر، ولأبي جعفر: كتاب الإقناع في القراءات، قيل: إنه لم يؤلف مثله، وتوفي سنة 540 هـ. وابن خروف هو: أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد نظام الدين، ابن خروف النحوي الأندلسي، كان إمامًا في العربية، أخذ النحو عن محمد بن طاهر الأنصاري المعروف بالخدب، وكان خياطًا يقسم ما يكسبه نصفين بينه وبين أستاذه، لم يتخذ بلدا موطنا، بل كان يتنقل في البلاد، طلبا للرزق، ولم يتزوج قط، وله تصانيف كثيرة، منها: كتاب شرح الجمل للزجاجي، وشرح سيبويه، وقد حمله إلى صاحب المغرب فأعطاه ألف دينار، وتوفي بإشبيلية 606 هـ، عن خمس وثمانين عاما، وكان قد ضعف عقله، وله في نيل مصر الأبيات المشهورة:

ما أعجب النيل ما أحلى شمائله

في ضفتيه من الأشجار أدوضاح

من جنة الخلد فياض على ترع

تهب فيها هبوب الريح أرواح

ليست زيادته ماء كما زعموا

وإنما هي أرزاق وأرواح

(2)

أي في شرح الكافية، ونص قوله:"ومن مرجحات النصب" تقدم. "حيث" مجردة من "ما" نحو: حيث تلقاه زيدا فأكرمه؛ لأنها تشبه أدوات الشرط، فلا يليها في الغالب إلا فعل، فإن اقترنت بـ"ما" صارت أداة شرط، واختصت بالفعل، وقد وافقه ابن هشام في المغني على ذلك.

(3)

يقول صاحب التصريح: إن هذا النظر الذي أبداه الوضح على رأي الناظم -في ترجيح نصب الاسم إذا وقع بعد "حيث" عجيب؛ لأنه وافق الناظم على ذلك في المغني، حيث

ص: 74

الرابعة: أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول "بأما" مسبوق بفعل غير مبني على اسم

(1)

: كقام زيد وعمرًا أكرمته، ونحو:{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} بعد: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ}

(2)

، بخلاف نحو: ضربت زيدًا، وأما عمرو فأهنته، فالمختار

قال: وإضافة "حيث" إلى الفعلية أكثر، ومن ثم ترجح النصب في نحو: جلست حيث زيدا أراه، ولعل وجه النظر في قوله:"أكرمه" في المثال الذي ذكره، فإنه ربما يوهم أنه جواب "حيث" مع أن "حيث" المجردة من "ما" لا جواب لها عند البصريين، ومن جعل لها جوابا من الكوفيين، يوجب النصب بعدها، فلا يكون راجحا، وإلى المواضع الثلاثة المتقدمة أشار الناظم بقوله:

واختير نصب قبل فعل ذي طلب

وبعد ما إبلاؤه الفعل غلب

أي يختار النصب على الرفع -مع جواز الأمرين- حين يقع الاسم السابق قبل فعل دال على الطلب، سواء أكان بنفسه، أم بلام الأمر الداخلة على المضارع، وكذلك إذا وقع الاسم بعد أدة يغلب أن يليها ويقع بعدها الفعل، كهمزة الاستفهام، والنفي بـ"ما" أو"لا" أو"إن" أو"حيث"، كما ذكره المصنف.

(1)

المراد ببنائه على اسم قبله: أن يكون ذلك الفعل خبرًا عن ذلك الاسم السابق.

(2)

ذكر مثالين، لبيان أنه لا فرق في الفعل بين أن يكون رافع للفاعل، كالمثال الأول، أو ناصبا للمفعول كالآية، وإنما ترجح نصب المعطوف فيهما وهو:"عمرًا، والأنعام"؛ لأنه معه يكون من عطف جملة فعلية على مثلها، وتناسب المتعاطفين خير من تخالفهما، وإلى هذا الموضع يشير الناظم بقوله:

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقر أوَّلًا

أي كذلك يختار النصب، إذا وقع الاسم المشتغل عنه، بعد عاطف يعطف جملة على

* "نصب" نائب فاعل اختير، "قبل" ظرف متعلق باختير "فعل" مضاف إليه. "ذي طلب" نعت لفعل، ومضاف إليه، "وبعد" معطوف على قبل، "ما" اسم موصول، أو نكرة موصوفة مضاف إليه، "إيلاؤه" مصدر مبتدأ، والهاء مضاف إليه مفعوله الأول، "الفعل" مفعوله الثاني، "غلب" فعل ماض، وفاعله يعود على إيلاء، والجملة خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره صلة ما المجرورة محلا بالإضافة، أو صفة.

* "وبعد" معطوف على "بعد" السابق. "عاطف" مضاف إليه. "بلا" فصل جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لعاطف، "على معمول" متعلق بعاطف، "فعل" مضاف إليه، "مستقر" صفة لعاطف، "أولا" ظرف لمستقر.

جملة، استقر مكان الفعل في أولها، أي جملة فعلية، ولم يفصل بين العاطف والاسم.

ص: 75

الرفع

(1)

؛ لأن "أما" تقطع ما بعدها عما قبلها، وقرئ:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} بالنصب على حد: زيدا ضربته

(2)

، و"حتى" و"لكن" و"بل" كالعاطف، نحو: ضربت القوم حتى زيدا ضربته.

الخامسة: أن يتوهم في الرفع أن الفعل صفة: نحو: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه}

(3)

، وإنما لم يتوهم ذلك مع النصب

(4)

؛ لأن الصفة لا تعمل في الموصوف، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا.

ومن ثم

(5)

وجب الرفع إن كان الفعل صفة، نحو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي

(1)

أي لوجود الفصل بين العاطف والاسم بأما، فأصبح ما بعدها مستأنفا مقطوعا عما قبلها، وهذا ما لم يرجح النصب مرجح، كوقوع الاسم قبل فعل ذي طلب، كأكرم محمدًا، وأما عمر فأهنه.

(2)

"ثمود" منصوب بفعل محذوف يفسره "هدينا"، والتقدير: وأما ثمود فهدينا هديناهم. ولا يقدر الفعل قبل ثمود، لئلا يفصل بين "أما" و"الفاء" بجملة تامة، وذلك ممنوع، ولا يقال: إن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، فلا يفسر عاملًا؛ لأن الفاء هنا ليست في محلها الأصلي، فلا تمنع من العمل.

(3)

فإنه يحتمل مع رفع "كل": أن جملة "خلقناه" خبر عنه، ويحتمل أنها صفة لشيء، والخبر قوله:"بقدر"، وهذا يوهم وجد شيء لا بقدر لكونه غير مخلوقه له تعالى، كأفعال العباد الاختيارية وأفعال الشر، وهذا رأي المعنزلة، ولا يرتضيه أهل السنة، أما النصب فنص في عموم خلق الأشياء، خيرها وشرها بقدر، وهو المقصود عند أهل السنة، كما هو الحال عند إعراب "خلقنا" خبرا عن كل، ولا يمكن جعل الفعل وصفا.

(4)

أي انصب "كل" على أنه مفعول بفعل محذوف يفسره "خلقناه".

(5)

أي ومن أجل أن الصفة لا تعمل فيما قبلها، فلا تفسر عاملًا.

ص: 76

الزُّبُرِ}

(1)

، أو صلة، نحو: زيد الذي ضربته

(2)

، أو مضافا إليه، نحو: زيد يوم تراه تفرح

(3)

، أو وقع الاسم بعدما يختص بالابتداء كإذا الفجائية

(4)

، على الأصح، نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، أو قبل ما لا يرد ما قبله معمولًا لما بعده، نحو: زيد ما أحسنه! أو إن رأيته فأكرمه، أو هل رأيته؟ أو هلا رأيته

(5)

.

(1)

إنما وجب الرفع لتأتي الوصفية التي يستقيم بها المعنى؛ لأن النصب يقتضي أنهم فعلوا في الزبر -أي صحف الأعمال- كل شيء مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئا، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة، وليس هذا هو المقصود، بل المعنى أن كل شيء مفعول لهم ثابت في صحائف أعمالهم، صغيرًا كان أو كبيرًا.

(2)

فيجب رفع "زيد"؛ لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول.

(3)

فـ"زيد" مرفوع وجوبا؛ لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف.

(4)

ومثلها "ليتما"، أو واو الحال، إذ كان الواقع بعد الاسم المصحوب بالواو مضارعا مثبتا، نحو: خرجت ومحمد يضربه علي، فلا يجوز: ومحمدا بالنصب؛ لأن الجملة المضارعية المثبتة الواقعة حالًا، يمتنع فيها الربط بالواو كما سيأتي.

وقوله: على الأصح -يشير إلى ما يراه بعضهم، من أن "إذا" الفجائية تدخل على الأسماء والأفعال مطلقا، أو على الأسماء، وعلى الأفعال المقترنة بقد.

(5)

فيجب رفع "زيد" في هذه الأمثلة؛ لأن ما بعد "ما" التعجبية، و"إن" الشرطية، و"هل" الاستفهامية، و"هلا" التخضيضية لا يعمل فيما قبله، فلا يفسر عاملا، ومثلها، أداة العرض، ولام الابتداء و"ما" النافية و"كم" الخبرية، والحروف الناسخة، والموصول، والموصوف، وأدوات الاستثناء.

وفيما تقدم من مواضع وجوب الرفع يقول الناظم:

وإن تلا السابق ما بالابتدا

يختص فالرفع التزمه أبد

كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد

ما قبل معمولا لما بعد وجد

* و"إن" شرطية، "ما" اسم موصول مفعول تلا. "بالابتداء" متعلق بيختص، وجملة "يختص" صلة ما. فالرفع الفاء واقعة في جواب الشرط، "الرفع" مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، والتقدير: فالتزم الرفع التزمه، والجملة جواب الشرط، "أبدا" منصوب على الظرفية، "كذا" جار ومجرور متعلق بمحذوف، مفعول مطلق

ص: 77

تنبيهان:

الأول: ليس من أقسام مسائل الباب ما يجب فيه الرفع، كما في مسألة "إذا" الفجائية، لعدم صدق ضابط الباب عليها

(1)

، وكلام الناظم يوهم ذلك

(2)

.

الثاني: لم يعتبر سيبويه إبهام الصفة مرجحًا للنصب

(3)

، بل جعل النصب في الآية مثله في زيدا ضربته، قال: وهو عربي كثير.

السادسة: أن يكون الاسم جوابا لاستفهام

(4)

منصوب، كزيدا ضربته، جوابا لمن قال: أيهم ضربت؟ أو: من ضربت؟

(5)

أي إن وقع الاسم السابق المشتغل عنه، بعد أداة تختص بالابتداء، كإذا الفجائية وغيرها مما ذكر، فالتزم في ذلك رفع الاسم السابق، وكذلك يجب رفع الاسم السابق: إذا وقع الفعل المشتغل بالضمير، بعد لفظ لا يرد ما قبله معمولا لعامل بعده، كأدوات الشرط، والاستفهام، وغير ذلك مما أوضحناه.

(1)

إذ من جملة الضابط المذكور: أن يكون الفعل، بحيث لو فرع من الضمير، لنصب الاسم السابق، وذلك ممتنع مع إذا الفجائية وما ذكر معها.

(2)

فقد جعله من جملة أقسام هذا الباب.

(3)

أي كما في الآية السابقة: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر} ؛ لأن الإبهام يدفعه المقام فلا ينظر إليه.

(4)

أي مستفهم به منصوب.

(5)

فيترجح نصب "زيدا"؛ لأنه جواب لمستفهم به منصوب لفظا في المثال الأول، ومحلًّا في الثاني، وإنما ترجح النصب، ليطابق الجواب السؤال، ومثل المنصوب: المضاف إلى منصوب

لمحذوف يدل عليه السابق، أي: التزم الرفع التزاما مشابها لذلك الالتزام، "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، "الفعل" فاعل لمحذوف يفسره تلا، "ما" اسم موصول مفعول تلا، "يرد" مضارع مجزوم بلم. "ما" اسم موصول فاعله، والجملة صلة ما الواقعة مفعولا. "معمولا" لتلا، "قبل" ظرف متعلق بمحذوف، صلة ما الثانية، الواقعة فاعلا. "معمولا" حال من فاعل يرد. "لما" متعلق بمعمول، "بعد" ظرف متعلق بوجد، وجملة "وجد" من الفعل، ونائب الفاعل صلة ما المجرورة محلا باللام.

ص: 78

ويستويان في مثل الصورة الرابعة، إذا بني الفعل على اسم

(1)

، غير "ما" التعجبية، وتضمنت الجملة الثانية

(2)

ضميره، أو كانت معطوفة بالفاء

(3)

، لحصول المشاكلة

(4)

، رفعت أو نصبت، وذلك نحو: زيد قام، عمرو أكرمته لأجله، أو فعمرًا أكرمته

(5)

، بخلاف ما أحسن زيدا وعمروا أكرمته عنده، فلا أثر للعطف

(6)

، فإن لم يكن في الثانية ضمير للأول، ولم يعطف بالفاء: فالأخفش، والسيرافي يمنعان النصب، وهو المختار

(7)

.

باعتبار ما كان، نحو: كتاب محمد استعرته، جوابا لمن قال: كتاب من استعرت؟ هذا ولم يشر الناظم إلى المسألتين: الخامسة والسادسة من مواضع ترجيح النصب.

وقد ذكر الأشموني من مواضع ترجيح النصب: أن يقع اسم الاشتغال بعد شبيه بالعاطف على الجملة الفعلية، نحو: أكرمت القوم حتى محمدا أكرمته، وما سافر علي، لكن محمدا عاتبته، فـ"حتى" و"لكن" حرفا ابتداء أشبها العاطفين، ولم يعتبرا عاطفين هنا، لدخولهما على الجمل، والعاطف منهما إنما يدخل على المفرد.

(1)

أي بأن أخبر بالفعل السابق عن اسم.

(2)

أي المعطوفة على الجملة ذات الوجهين: الاسمية الصدر، الفعلية العجز.

(3)

أي المفيدة للربط والسببية.

(4)

أي بين المعطوف، والمعطوف عليه.

(5)

فيجوز في "عمرو" الرفع والنصب على السواء؛ وذلك لأن "زيد قام" جملة ذات وجهين، وهي جملة كبرى؛ لأنها تتضمن جملة صغرى، هي "قام" المبنية على المبتدأ، فإن نظر إلى صدرها فهي اسمية، فيرفع "عمرو" ليعطف جملة اسمية على مثلها، وكلاهما لا محل له من الإعراب، وإن نظر إلى عجزها، نصب، ليعطف جملة فعلية على مثلها، ومحلها الرفع على الخبرية، والرابط بين الجملتين: إما الضمير في "لأجله"، أو الفاء؛ لأنها للسببية فتقوم مقام الضمير.

(6)

أي على الجملة الصغرى، أي أنه لا يصح العطف عليها؛ لأنه لا يلزم عليه تسلط "ما" التعجبية على الجملة المعطوفة، وهذا لا يصح، لعدم قصد التعجب بها، فالرجح الرفع على العطف على مجموع الجملة الاسمية.

(7)

أي بناء على أن العطف على الصغرى؛ لأن المعطوف على الخبر خبر، ولا بد فيه من

ص: 79

والفارسي وجماعة يجيزونه

(1)

، وقال هشام: الواو كالفاء.

وهذه أمور متممات لما تقدم:

أحدها: أن المشتغل عن ااسم الساب كما يكون فعلا، كذلك يكون اسما، لكن بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون وصفا

(2)

، الثاني: أن يكون عاملًا

(3)

. الثالث: أن يكون صالحًا للعمل فيما قبله

(4)

. .... ....

....

رابط، وهو مفقود هنا، فإن عطف على الكبرى ترجح الرفع.

وإلى ما تقدم أشار الناظم بقوله:

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم، فاعطفن مخيرا

أي إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية، هي خبر عن مبتدأ، فأنت بالخيار، بين العطف على ما قبله عطف على جملة فعلية مثلها، أو عطف جملة اسمية على اسمية، مراعاة للصدر والعجز.

(1)

أي يجيزون النصب مع العطف على الجملة الصغرى، ويكون ذلك مستثنى مما يحتاج إلى رابط، واستدلوا على ذلك بإجماع القراء على نصب:{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} ، وهي معطوفة على "تسجدان" من قوله تعالى:{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَان} ، وليس فيها ضمير يعود على النجم والشجر، ويبرر الاستثناء: أنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل.

(2)

فخرج ما يعمل عمل الفعل، وليس بوصف، كاسم الفعل، نحو: زيد دراكه، فلا يجوز نصب "زيد"؛ لأن أسماء الأفعال لا تعمل فيما قبلها، فلا تفسر عاملا، والمراد بالوصف هنا: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة، كما أسلفنا.

(3)

احترز بذلك من الوصف الذي لا يعمل، كاسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي، نحو: محمد أنا مكرمه أمس، فلا يصح نصب محمد؛ لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملًا.

(4)

لا يكون مقرونا بأل، ولا صفة مشبهة، ولا أفعل تفضيل، ولا مصدر ولا حرفا من

* "إن" شرطية، "تلا" فعل ماض فعل الشرط، "فعلا" مفعول 5، "مخبرا" نعت لفعل. "به عن اسم" متعلقان بمخبرا، "فاعطفن" جواب الشرط. "مخيرا" حال من فاعل اعطفن.

ص: 80

وذلك نحو: زيدا أنا ضاربه الآن أو غدا، بخلاف نحو: زيد عليكه، وزيد ضرباه إياه؛ لأنهما غير صفة

(1)

، نعم يجوز النصب عند من جوز تقديم معمول اسم الفعل، وهو الكسائي، ومعمول المصدر الذي لا ينحل بحرف مصدري

(2)

، وهو المبرد والسيرافي، وبخلاف نحو: زيد أنا ضاربه أمس؛ لأنه غير عامل على الأصح، وزيد أنا الضاربه، ووجه الأب زيد حسنه

(3)

؛ لأن الصلة والصفة المشبهة لا يعملان فيما قبلهما.

الثاني: لا بد في صحة الاشتغال من علقه

(4)

بين العامل والاسم السابق، وكما

الحروف الناسخة، ولا فعلا جامدا، كعسى وليس، وفعل التعجب وغير ذلك من كل ما لا يصلح أن يتقدم عليه معموله، نعم: لا يجوز الاشتغال في المصدر وفي اسم الفعل، وفي ليس، عندي من يجيز تقديم معمول الأولين، وخبر ليس، كما بين المصنف.

(1)

أي؛ لأن الأول اسم فعل، والثاني مصدره، وهما لا يعملان فيما قبلهما، "فزيد" واجب الرفع على أنه مبتدأ، وخبره: الفعل النائب عن اسم الفعل، والمصدر.

(2)

وهو الواقع بدلا من اللفظ بفعله، كضربا النائب عن فعله، أما المنحل إلى حرف مصدري، فلا يجوز عمله النصب فيما قبله اتفاقا؛ لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول فلا تفسر عاملًا.

(3)

فزيد مبتدأ، وما بعده جملة اسمية خبر، و"وجه الأب" مبتدأ ومضاف إليه، وما بعده جملة اسمية خبر كذلك، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل إن لم يك مانع حصل

أي أن الوصف العامل الذي شرحناه، يجري في هذا الباب مجرى الفعل، ويساويه فيما تقدم، إن لم يحصل مانع يمنع الوصف من العمل، كاقترانه بالألف واللام كما بينا.

(4)

أي ارتباط وعلاقة وصلة.

* "في ذا الباب": متعلق بسو، والباب بدل من ذا، أو عطف بيان، "وصفا" مفعول سو، "ذا" بمعنى صاحب، نعت لوصف. "عمل" مضاف إليه، "بالفعل" متعلق بسو. "إن" شرطية "يك" مضارع مجزروم بلم على النون المحذوفة للتخفيف، "مانع" فاعل يك وهو فعل شرط، "حصل" الجملة صفة لمانع، وجواب الشرط محذوف، أي فسو الوصف بالفعل.

ص: 81

تحصل العلقة بضميره المتصل بالعامل، كزيدا ضربته، كذلك تحصل بضميره المنفصل من العامل بحرف الجر، نحو: زيد مررت به، أو باسم مضاف، نحو: زيدا ضربت أخاه

(1)

. أو باسم أجنبي أتبع بتابع مشتمل على ضمير الاسم، بشرط أن يكون التابع نعتا له

(2)

، نحو: زيد ضربت رجلا يحبه، أو عطفا بالواو

(3)

، نحو: زيدًا ضرب عمرًا وأخاه، أو عطف بيان، كزيدا ضربت أخاه

(4)

، فإن قدرت الأخ بدلًا بطلت

(1)

فإن الرابطة بين العامل والاسم السابق، هي الهاء في أخاه، وهي مضاف إليه، وإلى ذلك يشير النظم بقوله:

وفصل مشغول بحرف جر

أو بإضافة كوصل يجري

أي أن الحكم إذا فصل بين العامل، والضمير المشغول به العائد إلى الاسم السابق، بحرف جر أو إضافة، يجري كما إذا اتصل الضمير بالفعل، فتكون الأحوال الستة التي ذكرها المصنف.

(2)

أي لذلك المتبوع الأجنبي، وهي "رجلا" في مثال المصنف.

(3)

أي لما في الواو في معنى الجمع، ولكن بشرط ألا يعاد معه العامل؛ لأنه يصبح من جملة أخرى فلا يحصل به الربط.

(4)

فالرابطة بين العامل والاسم السابق، هي الهاء في "أخاه" في المثالين، وهي منفصلة من العامل، بالمعطوف، وقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله:

وعلقة حاصله بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع

أي أن العلاقة التي تتم وتحصل بين العامل والتابع المشتمل على ضمير الاسم السابق، كالعلاقة التي تتم بينه وبين الاسم الواقع بعد العامل مباشرة، أي أن الأجنبي إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق، جرى مجرى السببي.

* "وفصل" مبتدأ، "مشغول" مضاف إليه، "بحرف جر" متعلق بفصل ومضاف إليه، "أو بإضافة" معطوف على "قوله: بحرف جر، "كوصل" متعلق بيجري، وفاعل يجري عائد على فصل الواقع مبتدأ، والجملة من يجري وفاعله خبر المبتدأ.

* "وعلقة" مبتدأ، "حاصلة" نعت له، "بتاعب" جار ومجرور متعلق بحاصلة. "كعلقة" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، "بنفس" متعلق بمحذوف صفة لعلقة، وهو مضاف إلى الاسم "الواقع" صفة للاسم.

ص: 82

المسألة، رفعت أو نصبت

(1)

، إلا إذا قلنا عامل البدل والمبدل منه واحد، صح الوجهان

(2)

.

الثالث: يجب كون المقدر في نحو: زيدًا ضربته

(3)

، من معنى العامل المذكور، ولفظه، وفي بقية الصور من معناه دون لفظه

(4)

، فيقدر: جاوزت زيدا مررت به

(5)

، وأهنت زيدا ضربت أخاه

(6)

.

الرابع: إذا رفع فعل ضمير اسم سابق، نحو: زيد قام أو غضب عليه

(7)

، أو ملابسًا لضميره، نحو: أزيد قام أبوه؟ فقد يكون ذلك الاسم واجب الرفع بالابتداء، كخرجت فإذا زيد قام، وليتما عمرو قعد، إذا قدرت:"ما" كافة

(8)

، أو بالفاعلية، نحو:

(1)

لأن البدل على نية تكرار العامل، فيصبح الأخ من جملة ثانية، وتخلو الجملة الأولى من رابط عيود على المتبدأ إن رفعت، وعلى المشتغل به إن نصبت.

(2)

أي: لوجود الرابطة بينهما.

(3)

أي مما يكون فيه العامل متعديا، وناصبا لضمير الاسم السابق بنفسه.

(4)

تشمل بقية الصور: أن يكون العامل متعديا ناصبا لاسم ظاهر مضاف إلى ضمير عائد على الاسم الساق، كمثال المصنف: زيدا ضربت أخاه، أو يكون العامل لازما ناصبا للمشغول به بحرف جر والمجرور ضمير الاسم السابق، كمثال المصنف أيضًا: زيدا مررت به، أو اسم ظاهر مضاف إلى ضميره، نحو: زيدا مررت بغلامه، فيقدر: لابست زيدا مررت بغلامه، ولا يقدر جاوزت؛ لأنك لم تجاوز زيدا ولم تمرر به، وإنما حدث ذلك لغلامه.

(5)

لأن "مررت" لا تصل إلى الاسم بنفسها.

(6)

لأن الضرب لم يقع على زيد، وإنما حصلت له إهانة من جراء ضرب الأخ.

(7)

مثل بمثالين، للإشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون الضمير المرفوع على الفاعلية، كالمثال الأول، أو النيابة عن الفاعل كالثاني؛ لأن الهاء في عليه في موضع رفع نائب فاعل غضب.

(8)

فإن قدرت "ما" زائدة غير كافة، كان الرفع جائزا لا واجبا، لجواز الإعمال والإلغاء حينئذ، قال الصبان: ومثل الكافة في وجوب الرفع: المصدرية، إلا أن الرفع بعدها يكون على الفاعلية بفعل محذوف يفسره المذكور؛ لأنه يجب أن يليها فعل ظاهر أو مقدر على المشهور.

ص: 83

{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}

(1)

، وهلا زيد قام.

وقد يكون راجح الابتدائية على الفاعلية، نحو: زيد قام، عند المبرد، ومتابعيه

(2)

.

وغيرهم يوجب ابتدائيته لعدم تقدم طالب الفعل

(3)

.

وقد يكون راجح الفاعلية على الابتدائية، نحو: زيد ليقم

(4)

، ونحو: قام زيد وعمرو قعد

(5)

، ونحو:{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} ، {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}

(6)

.

وقد يستويان، نحو: زيد قام وعمرو قعد عنده

(7)

.

(1)

لأن أدوات الشرط تختص بالأفعال، كما "أن" إذا الفجائية تختص بالأسماء، فالضابط في الصورة الأولى: أن يكون الاسم المرفوع واقعًا بعد أداة تختص بالدخول على الأسماء، كـ"إذا" الفجائية، و"ليت" المكفوفة بما، وضابط الثانية: أن يقع الاسم بعد أداة لا يليها إلا الفعل، كأدوات الشرط عند البصريين.

(2)

فإنهم يجيزون الرفع بفعل مقدر يفسره المذكور، ويكون من باب الاشتغال. وكذلك يجيزه الكوفيون، بل إن جواز الاشتغال عندهم أقيس وأولى؛ لأنهم يجيزون تقدم الفاعل على رافعه كما سبق بيانه في موضعه.

(3)

أي من نفي أو استفهام.

(4)

إنما رجحت الفاعلية؛ لأن الابتدائية تستلزم الإخبار بالجملة الطلبية، وفي جواز ذلك خلاف.

(5)

ترجحت الفاعلية، طلبا للتناسب بين المتعاطفين.

(6)

ترجحت الفاعلية؛ لأن الغالب أن يلي همزة الاستفهام الفعل.

(7)

فالرفع على الابتدائية مراعاة للجملة الكبرى، وعلى الفاعلية مراعاة للصغرى، وفي كل مشاكلة المعطوف عليه.

ص: 84

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تتمة:

يشترط في الاسم المشغول عنه: أن يكون قابلا للإضمار، فلا يصح الاشتغال عن حال، أو تمييزه، أو مصدره مؤكد، أو مجرور بما لا يجر المضمر، كحتى والكاف، وأن يكون مفتقرا لما بعده، فليس من الاشتغال نحو: في الدار فأكرمه، وأن يكون واحدا لا متعددا، وأن يكون مختصا لا نكرة مخصة، ليصح رفعه بالابتداء، فليس من الاشتغال قوله -تعالى-:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} ، بل رهبانية معطوف على ما قبله بتقدير مضاف، أي: وابتدعوها صفة.

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف الاشتغال، واشرحه، وبين أركانه، موضحا ذلك بأمثلة من عندك.

2 متى يجب نصب الاسم المشغول عنه، ومتى يترجح النصب؟ اشرح مواضع كل، مع التمثيل.

3 يرى صاحب الموضح: أنه ليس من باب الاشتغال ما يجب فيه الرفع، فما حجته؟ وضح ذلك على ضوء ما بين المصنف.

4 ما الشروط اللازمة في العامل المشغول؟ وماذا يشترط في الاسم المشغول عنه؟ اشرح ذلك بأمثلة.

5 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، بين مواضع الشاهد، وإعرابه.

قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} .

{أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُه} .

{إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ} .

{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} .

لا تجزعي إن منفس أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلك تهديك القرون الأوائل

فارسا ما غادروه ملحما

غير زميل ولا نكس وكل

الملحم: الذي يحيط به الأعداء من كل جانب، زميل: جبان، نكس: ضعيف. وكل: عاجز.

6 اجعل جملة: "ما سئمت العمل من أجل الوطن" اشتغالية، مرة يجب فيها نصب المشغول عنه، وأخرى يجب رفعه ووضح سبب ما تقول.

7 اجعل لفظ "الجهاد" مشغولا عنه في ثلاث جمل مختلفة، يكون في إحداها واجب النصب، وفي الثانية واجب الرفع، وفي الثالثة يجوز الأمران، مع توضيح السبب في كل.

8 كون ثلاث جمل من إنشائك، يكون المشغول عنه في إحداها واجب النصب، وفي الثانية واجب الرفع، وفي الثالثة جائز الأمرين.

ص: 86

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

9 بين فيما يأتي: المشغول عنه، وحكمه، وموقعه من الإعراب، مع ذكر السبب.

من الأمانة خانها فانبذه، الصديق لا تهمل صحبته، الحق إذا عرفته فلا تحد عنه. أينما أستاذك قابلته فاحترمه، النظام لو اتبعته استرحت. ليتما الصناعة تخصها الأمانة بالعناية، متى صديقك أغضبته فلا تكف عن مصالحته، دخلت المعهد فإذا الناقوس يدقه الحارس، إن خادمك أكرمته أخلص في خدمتك، هلا صديقًا ترجو منه الإخلاص والوفاء، الدين ما أحوجنا إليه في هذا الوقت. هل تجربة استفدت؟

10 أعرب ما تحته خط في البيتين الآتيين، ثم اشرحهما شرحا أدبيا:

إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها

هوانا بها كانت على الناس أهونا

فنفسك أكرمها وإن ضاق مسكن

عليك بها فاطلب لنفسك مسكنا

ص: 87

هذا‌

‌ باب التعدي واللزوم:

الفعل ثلاثة أنواع:

أحدها: ما لا يوصف بتعد ولا لزوم، وهو:"كان"، وأخواتها

(1)

، وقد تقدمت.

الثاني: المتعدي، وله علامتان: إحداهما: أن يصح أن يتصل به "هاء" ضمير غير المصدر

(2)

، الثانية: أن يبنى منه اسم مفعول تام

(3)

، وذلك كضرب. ألا ترى أنك تقول: زيد ضربه عمرو، فتصل به "هاء" ضمير غير المصدر، وهو زيد؟ وتقول: هو مضروب، فيكون تاما، وحكمه أن ينصب المفعول به، كضربت زيدا، وتدبرت الكتب، إلا أن ناب عن الفاعل

(4)

، كضرب زيد وتدبرت الكتب.

هذا باب التعدي واللزوم:

(1)

أي في حال اعتبارها ناقصة، فإن منصوبها خبر، أما في حالة التمام، فتارة تكون لازمة وتارة تكون متعدية، وعلى كل تتصل بها هاء غير المصدر. ومثلها في هذه الحالة: أمثال مسموعة تصلح للأمرين: فتستعمل في المعنى الواحد لازمة ومتعدية، نحو: شكرت الله على نعمه، وشكرت له، ونصحت الرجل، ونصحت له.

ويرى بعض النحاة أن مثل هذه الأفعال ينظر فيها إلى الاستعمال الذي يعديها بحرف الجر، فتجعله هو الأصل، وما يأتي منها متعديًا بنفسه يكون فرعا عن اللازم بحذف حرف الجر، وإيصال الفعل إلى ما كان مجرورا، ويسمى هذا "الحذف والإيصال"، ويرى آخرون العكس، على اعتبار زيادة حرف الجر عند من يعديها به.

(2)

أي هاء تعود على اسم سابق غير مصدر، ولا ظرف، ويكون هذا الاتصال لا على سبيل التوسع بحذف الجار، وعلى وجه لا يكون خبرا، وبذلك يخرج، نحو اليوم صمته، مما اتصلت فيه الهاء بالفعل القاصر على طريق التوسع بحذف الجار، ونحو: الصديق كنته.

(3)

أي مستغن في تأدية المعنى المراد منه عن جار ومجرور بإطراد، وذكر بإطراد، لإخراج نحو: تمرون الديار، فإنه يصح أن يصاغ منه اسم مفعول، فيقال: الدار ممرورة، ولكن ليس هذا مطردا فلا يكون لفظ "مر" متعديًا.

(4)

أي إلا إن كان المفعول نائب فاعل فحينئذ يرفع، وقد اقتصر الناظم على العلامة الأولى

ص: 88

الثالث: اللازم، له واثنتا عشرة علامة، وهي:

ألا يتصل به "هاء" ضمير غير المصدر، وألا يبنى منه اسم مفعول تام، وذلك كخرج، ألا ترى أنه لا يقال: زيد خرجه عمرو، ولا هو مخروج، وإنما يقال: الخروج خرجه عمرو

(1)

، وهو مخروج به أو إليه

(2)

.

وأن يدل على سجية

(3)

، وهي ما ليس حركة جسم، من وصف ملازم، نحو: جبن، وشجع.

أو على عرض

(4)

، وهو ما ليس حركة جسم، من وصف غير ثابت، كمرض،

فقال:

علامة الفعل المعدى أن تصل

"ها" غير مصدر به نحو عمل

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل نحو تدبرت الكتب

أي أن علامة الفعل المتعدي إلى المفعول، أن تصل به هاء تعود على غير امصدر مثل "عمل"، تقول في محمد عمل الخير مثلا: محمد عمله، وهو ينصب المفعول به، إلا إذا ناب المفعول عن الفاعل فإنه يرفع بالنيابة، تقول في تدبرت الكتب، أي تأملتها، تدبرت الكتب برفع الكتب على أنها نائب فاعل.

(1)

فيتصل بخرج "هاء" ضمير المصدر، وهو الخروج.

(2)

فيبنى منه اسم مفعول ناقص يحتاج إلى حرف الجر.

(3)

أي طبيعة وسليقة وصفة تلازم صاحبها، ولا تكاد تفارقه إلا لسبب قاهر.

(4)

أي معنى طارئ ليس له طول ثبات ولا دوام، ويزول بزوال سببه.

* "علامة الفعل" مبتدأ ومضاف إليه، "المعدى" "نعت للفعل. "أن تتصل" أن: حرف مصدري ونصب، و"تصل" منصوب بها وسكن للضرورة، وهو في تأويل مصدر خبر المبتدأ "ها" مفعول تصل، "غير" مضاف إليه "مصدر" مضاف إليه أيضا، "به" متعلق بتصل. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف، "عمل" مضاف إليه مقصود لفظه، "مفعوله" مفعول به لانصب مضاف إلى الهاء. "إن" شرطية. "ينب" مضارع مجزوم بلم فعل الشرط، وفاعله يعود على مفعوله، وجواب الشرط محذوف، أي فانصبه به. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف، "تدبرت الكتب" الجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل جر مضاف إليه، مقصود لفظها.

ص: 89

وكسل، ونهم إذا شبع

(1)

.

أو على نظافة، كنظف، وطهر ووضؤ

(2)

.

أو على دنس، نحو: نجس، وقذر

(3)

.

أو على مطاوعة فاعله لفاعل فعل متعد لواحد

(4)

، نحو: كسرته فانكسر، ومددته فامتد، فلو طاوع ما يتعدي فعله لاثنين، تعدى لواحد، كـ"علمته الحساب فتعلمه"، أو يكون موازنًا لـ"افعلل"، كاقشعر واشمأز، أو لما ألحق به

(5)

، وهو "افوعل"، كاكوهد الفرح إذا ارتعد.

أو لافعنلل، كاحرنجم

(6)

، أو لما ألحق به

(7)

، وهو "افعنلل" بزيادة إحدى اللامين، كاقعنسس الجمل، إذا أبى أن ينقاد، و"افعنلى" كاحرنبى

(8)

" الديك إذا انتفش للقتال.

(1)

النهم: اشتداد الشهوة للأكل، أو ألا تمتلئ عين الأكل ولا يشبع، وقد عد الناظم هذا من أفعال السجايا، فلعله يرد أن ذلك صار سجية له.

(2)

الوضاءة: الحسن وبابه ظرف، ويجوز في ظهر، فتح العين.

(3)

يجوز في "نجس" كسر العين وضمها، وفي قذر الكسر والضم والفتح.

(4)

المطاوعة: قبول فاعل فعل، أثر فاعل فعل آخر، يلاقيه اشتقاقا.

(5)

الإلحاق: جعل كلمة أنقص من أخرى، على وزنها، لتصير مساوية لها في عدد الحروف والحركات، فتجري مثلها في التكسير والتصغير والنسب

إلخ، وسيأتي لذلك مزيد إيضاح في الجزء الثالث إن شاء الله "باب أبنية المصادر".

(6)

احرنجم الرجل: أراد شيئا ثم عدل عنه، واحرنجمت الإبل: اجتمعت متزاحمة.

(7)

هو كل فعل في وسطه نون زائدة، بعدها حرفان أحدهما زائد للإلحاق، بالتضعيف، أو من حروف سألتمونيها.

(8)

في "احرنبي"، بعد النون، حرفان أحدهما وهو الألف الأخيرة من حروف سألتمونيها، وقد اقتصر الناظم على وزنين هما:"افعلل" و"افعنلل"، وأشار إلى اللازم والعلامات المتقدمة له، بقوله:

ص: 90

وحكم اللازم أن يتعدى بالجار، كـ"عجبت منه"، ومررت به، وغضبت عليه.

وقد يحذف ويبقى الجر شذوذا، كقوله:

أشارت كليب بالأكف بالأصابع

(1)

ولازم غير المعدى وحتم

لزوم أفعال السجايا كنهم

كذا "افعلل" والمضاهي "اقعنسسا"

وما اقتضى نظافة أو دنسا

أو عرضا أو طاوع المعدى

لواحد كمده فامتدا

أي أن اللازم، هو الذي ليس متعديا، وحتم لزوم الأفعال التي تدل على السجايا وعدم تعديتها، وكذلك ما كان على وزن "افعلل"، والفعل الذي يشابه "افعنلل"، في وزنه. ومن اللازم أيضًا: ما دل على نظافة، أو دنس أو عرض، أو كان مطاوعًا لفعل متعد لواحد، مثل: مد الحبل فامتد، مثلا.

(1)

عجز بيت من الطويل للفرزدق، من قصيدة يهجو فيه جريرا، وصدره:

إذا قيل أي الناس شر قبيلة

اللغة والإعراب: كليب: هو ابن يربوع قبيلة جرير. بالأكف: الباء بمعنى مع، أي مع الأكف، "إذا": ظرف وفيه معنى الشرط. "قيل" ماض للمجهول فعل الشرط، "أي الناس" مبتدأ ومضاف إليه، "شر قبيلة" خبر ومضاف إليه، والجملة نائب فاعل قيل، وهي مقول القول، "أشارت" جواب الشرط، "كليب" مجرور بإلى محذوفة، "بالأكف" جار ومجرور حال من الأصابع الواقعة فاعلا لأشارت.

المعنى: إذا سأل سائل عن شر القبائل وأحقرها، أشارت الأصابع مع الأكف إلى

* "ولازم" خبر مقدم. "غير المعدى" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "لزوم" ناب فاعل حتم. "أفعال السجايا" مضاف إليه، "كنهم" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، "كذا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر "مقدم. "افعلل" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه، "والمضاهي" معطوف على افعلل، وهو اسم فاعل "افعنسسا" مفعوله، أي والذي شابه اقعنسس، أو فاعله، أي والذي ضاها اقعنسس، "وما" اسم موصول معطوف على المضاهي، "اقتضى نظافة" الجملة لا محل لها صلة ما، "أو عرضا" معطوف على نظافة. "أو طاوع المعدى" معطوف على اقتضى والمعدى مفعول طاوع، "لواحد" متعلق بالمعدى، "كمده" متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك كائن كمده، "فامتدا" الفاء عاطفة. "امتد" فعل ماض وفاعله هو.

ص: 91

أي: إلى كليب.

وقد يحذف وينصب المجرور، وهو ثلاثة أقسام:

سماعي جائز في الكام المنثور، نحو: نصحته وشكرته

(1)

، والأكثر ذكر اللام، نحو:{وَنَصَحْتُ لَكُمْ} ، {أَنْ اشْكُرْ لِي} .

(2)

.

وسماعي خاص بالشعر، كقوله:

كما عسل الطريق الثعلب

(3)

كليب، وأبي المسؤلون النطق باسمها لحقارتها والتعفف عن ذكر اسمها.

الشاهد: جر "كليب" بحرف جر محذوف شذوذا، وروي "كليب" بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي هي كليب، فيكون قد جمع بين الإشارة والعبارة وإذا لا شاهد فيه.

(1)

مثله: كلت له: ووزنت له، وفي التنزيل:{وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} .

(2)

الأولى من الآية 79 من سورة الأعراف، والثانية من الآية 14 من سورة لقمان.

(3)

جزء بيت من الكامل، من شعر ساعده بن جؤية الذهلي، يصف رمحا بالليونة، وهو بتمامه:

لدن بهز الكف يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب

اللغة والإعراب: لدن: لين ناعم، ويعسل: يضطرب ويتحرك، متنه، المراد: ظهر الرمح وصدره، "لدن" خبر لمبتدأ محذوف، أي هو لدن "بهز الكف"متعلق بيعسل، أو بلدن، ومضاف إليه، والباء للسببية "متنه" فاعل يعسل ومضاف إليه، "فيه" متعلق بيعسل. "كما" الكاف جارة. و"ما" مصدرية "عسل" فعل ماض، "الطريق" منصوب بحرف جر محذوف، أي في الطريق. "الثعلب" فاعل عسل، و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف.

المعنى: أن هذا الرمح لجودته، شديد الليونة، يتحرك ويضطرب متنه بسبب هزه باليد، كما يضطرب الثعلب في الطريق خوفا من أن يدرك.

الشاهد: حذف حرف الجر، وهو "في" ونصب الاسم الذي كان مجرورا به، وهو "الطريق"، وذلك خاص بالشعر.

ص: 92

وقوله: *آليت حرق العراق اليوم أطعمه*

(1)

أي في الطريق وعلى حب العراق.

وقياسي، وذلك في أن، وأن وكي

(2)

، نحو:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، ونحو:{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} ، ونحو:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} ،

(1)

صدر بيت من البسيط، لجرير بن عبد المسيح، المعروف بالمتلمس، وعجزه:

والحب يأكله في القرية السوس

وكان قد ترك العراق كراهة وزهدا في المقام بها.

اللغة والإعراب: أليت: حلفت، حب العرق، الحب: اسم جنس جمعي، يشمل الحنطة والشعير وغيرهما. أطعمه: أشوقه. السوس، دود يقع في الطعام، وفي الصوف "آليت" فعل وفاعل والتاء للمتكلم، وقيل للمخاطب، وهو النعمان بن المنذر ملك الحيرة، أو عمرو بن هند الملك، وكان الشاعر قد هجاه

فطرد من العراق. "حب العراق" منصوب بحرف جر محذوف ومضاف إليه، أي على حب العراق، "أطعمه" فعل مضارع مرفوع والفاعل أنا والهاء مفعوله، وقبله نفي مقدر، أي لا أطعمه، "والحب" الواو للحال والحب "مبتدأ، "السوس" فاعل يأكل والجملة خبر المبتدأ.

المعنى: أقسمت ألا آكل شيئا من خيرات العراق، والحال أن خيره كثير وحبه وفير، وخزائنه مملوءة به، ولكثرته يأكله السوس.

الشاهد: حذف حرف الجر، وهو "على" الذي يتعدى به "الفعل""آلى"، ونصب الاسم الذي كان مجرورا وهو "حب"، وهو ضرورة خاصة بالشعر، ومع ذلك فهو كثير في الشعر العربي.

(2)

أي حين يكون المجرور مصدرا مؤولا من حرف مصدري من أحد هذه الأحرف المصدرية الثلاثة، مع صلته، وقد سبق الكلام عليها، وإنما كان الحذف قياسا في هذه، لطولها بالصلة؛ ولأن دخول الحرف في الظاهر على موصول حرفي غير مستساغ، وقد اختلف في محلها بعد الحذف، والأقيس أنها في محل نصب وإليه ذهب المصنف، وأجازه الخليل وسيبويه، ولكنهما جعلا أقوى منه، أن يكون الحل جرًا.

ص: 93

أي بأنه، ومن أن جاءكم، ولكيلا، وذلك إن قدرت "كي" مصدرية

(1)

، وأهمل النحويون هنا ذكر "كي"

(2)

، واشترط ابن مالك في "أن" و"أن"، أمن اللبس

(3)

، فمنع الحذف في نحو: رغبت في أن تفعل، أو عن أن تفعل، لإشكال المراد بعد الحذف

(4)

، ويشكل عليه:{وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ} ، فحذف الجر، مع أن المفسرين اختلفوا في المراد

(5)

.

(1)

" كي" المصدرية لا بد أن تسبقها لام الجر التي للتعليل، لفظا أو تقديرا.

(2)

أي مع تجويزهم أن تكون "كي" مصدرية واللام مقدرة قبلها في مثل: جئت كي تكرمني، أي لكي تكرمني.

(3)

وقد أشار لذلك في النظم كما سيأتي.

(4)

فإنه لا يتضح المراد بعد الحذف، ولا يدري أهو على "عن" أو"في"، والمعنيان مختلفان، وليست هنالك قرينة تزيل هذا اللبس.

(5)

أي: وكان اختلافهم بسبب اللبس، فبعضهم قدر "في" وبعضهم قدر "عن" واستدل كل على ما ذهب إليه، ويجيب الناظم بأن الحذف هنا لقرينة كانت عند النزول يفهم منها المراد، أو أن الحذف مقصود به الإبهام على السامع، ليرتدع بذلك من يرغب فيهن لجمالهن ومالهن، ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن.

وقد أجاز بعض المفسرين التقديرين، وفيما سبق من حكم اللازم، يقول الناظم:

وعد لازما بحرف جر

وإن حذف فالنصب للمنجر

نقلا وفي "أن" و"أن يطرد

مع أمن لبس كعجبت أن يدوا

* "وعد" فعل أمر والفاعل أنت، "لازما" مفعوله به، "بحرف" بعد. "جر" مضاف إليه. "وإن"شرطية. "حذف" ماض للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل يعود على حرف جر. "فالنصب للمنجر" مبتدأ وخبر، والفاء واقعة في جواب الشرط، "نقلا" حال من اسم مفعول مفهوم من حذف، أو مفعول مطلق، وفي "أن" جار ومجرور متعلق بيطرد. "وأن" معطوفة على أن، "يطرد" مضارع فاعله يعود إلى الحذف. "مع أنه لبس" ظرف متعلق بيطرد ومضاف إليه، "كعجبت" الكاف جارة لقول محذوف. "أن" مصدرية. "يدوا" مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون، وواو الجماعة فاعل، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بمن محذوفة.

ص: 94

فصل: لبعض المفاعيل الأصالة في التقدم على بعض: إما بكونه مبتدأ في الأصل

(1)

، أو فاعلا في المعنى

(2)

، أو مسرحا

(3)

، لفظا أو تقديرا، والآخر مقيد لفظا أو تقديرا، وذلك كـ"زيدا" في ظننت زيدا قائما

(4)

، وأعطيت زيدا درهما

(5)

، واخترت زيدا للقوم، أو من القوم

(6)

.

ثم قد يجب الأصل، كما إذا خيف اللبس، كأعطيت زيدا عمرا

(7)

، أو كان الثاني محصورا

(8)

، كما أعطيت زيدا إلا درهما، أو ظاهرا والأول ضمير

(9)

: نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر} .

(1)

كما في باب ظن، ويجوز العكس، ولكن مراعاة الأصل أحسن.

(2)

كما في باب أعطى.

(3)

أي مطلقا، لم يتقيد بحرف من حروف الجر.

(4)

تقدم "زيدا"؛ لأنه مبتدأ في الأصل، والمبتدأ متقدم على الخبر.

(5)

تقدم "زيدا" على درهما؛ لأن زيدا فاعل في المعنى؛ لأنه الآخذ.

(6)

تقدم "زيدا"؛ لأنه غير مقيد بجار لفظا وتقديرا، فالرابطة بينه وبين الفعل أقوى؛ لأنه يتعدى إليه بنفسه و"القوم" مقيد تقديرا في الأول ولفظا في الثاني.

(7)

فيتعين أن يكون المقدم هو المفعول الأول؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون آخذا ومأخوذا، فلا بد من التقديم ليكون المتقدم هو الآخذ.

(8)

أي واقعا عليه الحصر؛ لأنه لو تقدم لفسد الحصر وزال الغرض منه، ولا مانع من تقديمه معه إلا؛ لأن المحصور فيه هو الواقع بعد إلا مباشرة.

(9)

أي يكون الثاني اسمًا ظاهرا، والأول ضميرا متصلًا؛ لأنه لو تأخر لانفصل، ولا يعدل عن الاتصال إلا في مسائل ليس هذا منها، ولا مانع من تقديم الثاني على الأول والفعل معا، نحو: الكتاب منحتك.

ص: 95

وقد يمتنع

(1)

، كما إذا اتصل الأول بضمير الثاني، كأعطيت المال مالكه

(2)

، أو كان محصورا، كما أعطيت الدرهم إلا زيدا

(3)

. أو مضمرا، والأول ظاهر، كالدرهم أعطيته زيدا، والقوم اخترتهم عمرًا

(4)

.

(1)

أي الأصل، فيجب تأخير ما أصله التقديم.

(2)

لأنه لو قدم الأول وهو "مالكه" لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة، فإن كان الثاني هو المشتمل على ضمير يعود إلى الأول، جاز الأمران، تقول: أدخلت محمدا مدرسته، أو أدخلت مدرسته محمد.

(3)

لأن المحصور فيه واجب التأخير، ويجوز تقديمه مع "إلا" على المفعول الأول وحده دون عامله.

(4)

لأن التقديم يستلزم انفصال الضمير، ومعروف أنه إذا أمكن الاتصال لا يعدل عنه إلا الانفصال، إلا في مواضع ليس هذا منها.

والخلاصة: أنه يجب التزام الترتيب بتقديم الأول في ثلاثة مواضع، وتجب مخالفته في ثلاثة أخرى، ويجوز الأمران في غير ذلك.

وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بإيجاز، فقال:

والأصل سبق فاعل معنى كـ"من"

من "ألبسن من زاركم نسج اليمن"

ويلزم الأصل لموجب عرى

وترك ذاك الأصل حتما قد يرى

* "والأصل" مبتدأ، "سبق فاعل" خبر ومضاف إليه. "معنى" منصوب على نزع الخافض، أو تمييز. "كمن" جاز ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، "من" حرف جر، ومجرورة قول محذوف، والجار والمجرور حال من، "ألبسن" فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة وفاعله أنت، "من" اسم موصول مفعوله الأول، "زاركم" الجملة لا محل لها صلة، "نسج مفعول ثان لألبسن"، "اليمن" مضاف إليه وسكن للوقف. "الأصل" فاعل يلزم. "لموجب" متعلق بيلزم، "عرى"، أي عرض، الجملة نعت لموجب. "وترك" مبتدأ "ذاك" ذا اسم إشارة مضاف إليه والكاف حرف خطاب. "الأصل" بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة "حتما" حال من نائب فاعل يرى، "قد" حرف تقليل، "يرى" مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى ترك، والجملة خبر المبتدأ.

أي إذا تعدى الفعل إلى مفعولين، أحدهما فاعل في المعنى، فالأصل أن يتقدم الفاعل في المعنى على غير، مثل: ألبسن من زاركم نسج اليمن، فـ"من" مفعول، وهي بمنزلة الفاعل؛ لأن مدلولها هو اللابس، و"نسج" مفعول ثان، ويجوز أن يتقدم غيره، فتقول: ألبسن نسج اليمن من زاركم، ويلزم مراعاة الأصل بسبب موجب عرا، أي حل: كما أن ترك مراعاة الأصل قد يكون واجبًا.

ص: 96

‌فصل: ويجوز حذف المفعول لغرض:

إما لفظي، كتناسب الفواصل

(1)

، في نحو:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ، ونحو:{إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} ، وكالإيجاز في نحو:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} .

وإما معنوي، كاحتقاره في نحو:{كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ} ، أي الكافرين، أو استهجانه

(2)

، كقول عائشة رضي الله عنها

(3)

: "ما رأى مني ولا رأيت منه"، أي العورة.

وقد يمتنع حذفه، كأن يكون محصورا

(4)

، نحو: إنما ضربت زيدا، أو جوابا، كضربت زيدا جوابا لمن قال: من ضربت؟

(5)

(1)

المراد بالفواصل: نهاية الجمل المتصلة اتصالا معنويا، ومنها: رءوس الآي التي ذكرها المصنف، فقد حذف مفعول "فلا" ليكون مناسبا في وزنه لكلمة "سجا" قبلها، وحذف مفعول "يخشى"، ولم يقل "يخشاه"، لتنتهي الجملة بكلمة مناسبة في وزنها لكلمة "تشقى" التي انتهت بها الجملة السابقة.

(2)

أي استقباح التصريح يذكره، وغير ذلك من المواضع والأغراض التي يحذف فيها الفاعل كما تقدم.

(3)

تعني بذلك النبي عليه الصلاة والسلام.

(4)

لأن الحذف ينافي الحصر.

(5)

لأن الجواب هو المقصود من السؤال، وكذلك يمتنع حذف المفعول المتعجب منه بعد "ما" أفعل" في التعجب، نحو: ما أحسن الصراحة، وفي باب التنازع، إذا علمت ثاني العاملين في المتنازع فيه، وكان الأول يحتاج إلى منصوب، نحو: أكرمت وأكرمني علي؛ لأننا لو

ص: 97

‌فصل: وقد يحذف ناصبة إن علم،

كقولك لمن سدد سهما: القرطاس، ولمن تأهب لسفر: مكة، ولمن قال: من أضرب؟ شر الناس، بإضمار: تصيب، وتريد، واضرب.

وقد يجب ذلك، كما في باب الاشتغال، كزيدا ضربته

(1)

، والنداء، كيا عبد الله

(2)

وفي الأمثال

(3)

، نحو: الكلاب على البقر

(4)

، أي أرسل، وفيما جرى مجرى الأمثال

(5)

، نحو:{انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} ، أي وأتوا، وفي التحذير بإياك، وأخواتها

(6)

، نحو إياك:

أعلمنا الأول في الضمير لعاد على متأخر من غير ضرورة، وإلى بعض مواضع الحذف وامتناعه، أشار الناظم بقوله:

وحذف فضلة أجز إن لم يضر

كحذف ما سبق جوابا أو حصر

أي أجز حذف الفضلة -وهو المفعول به- إن لم يضر حذفها، ومن ذلك: ما سيقت جوابا لسؤال، أو وقعت محصورة على النحو الذي بيناه.

(1)

لأن يجمع بين المفسر والمفسر كما بينا.

(2)

لأن حرف النداء عوض عن العامل المحذوف وجوبا، ولا يجمع بين العوض والمعوض.

(3)

أي المسموعة عن العرب بالنصب، والأمثال: جمع مثل، وهو كلام يشبه مضربه بمورده، أي يشبه ما يستعمل فيه بما وضع له في الأصل، فإذا ورد الفعل في المثل محذوفا، لا يذكر؛ لأن الأمثال لا تغير.

(4)

المراد بالبقر: بقر الوحش، ومعناه: اترك الناس وشأنهم، واسلك أنت طريق السلامة.

(5)

أي في كثرة الاستعمال، وحسن الاختصار، وهو كل كلام اشتهر وشاع، وجرى على الألسنة فصار كالمثل، وهو يستعمل فيما وضع له، بخلاف المثل فإنه يستعمل في غير ما وضع له، للمشابهة بين ما وضع له، وما يستعمل فيه، على طريق الاستعارة التمثيلية.

(6)

وهي ضمائر الخطاب المنفصلة.

* "وحذف" معفول به لأجز، "فضلة" مضاف إليه، "إن" شرطية، "لم يضر" فعل الشرط وفاعله يعود إلى حذف، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، أي فأجزه. "كحذف" خبر لمبتدأ محذوف. "ما" اسم موصول مضاف إليه، وجملة "سبق" من الفعل ونائب الفاعل صلة، ونائب الفاعل هو المفعول الأول. "جوابا" مفعول ثان. "أو حصر" معطوف على ما سبق.

ص: 98

والأسد

(1)

، أي إياك باعد واحذر الأسد، وفي التحذير بغيرها، بشرط عطف أو تكرار، نحو: رأسك السيف، أي باعد واحذر، ونحو: الأسد الأسد، وفي الإغراء بشرط أحدهما

(2)

، نحو: المروءة والنجدة ونحو: السالح السلاح، بتقديم الزم.

(1)

فإياك مفعول منصبو محلا بفعل محذوف وجوبا، يقدر متأخرا، لئلا يتصل الضمير المنفصل، و"الأسد" لفعل محذوف وجوبا، يقدر متقدما، وإنما وجب الحذف لينتبه السامع بسرعة، ويبتعد عن الهلاك.

(2)

أي العطف، أو التكرار، ووجب الحذف، لقيام العطف أو التكرار مقام العامل، وفي حذف الناصب للفضلة يقول الناظم:

ويحذف الناصبها إن علما

وقد يكون حذفه ملتزما

أي يجوز حذف ناصب الفضلة -المفعول به- إن كان الناصب معلوما ومعروفا بقرينة تدل عليه وقد يكون الحذف لازما لا بد منه، كما ذكرنا.

خاتمة:

ننقل هنا ما حررناه في هذا الموضع، في كتابنا:"التوضيح والتكميل لشرح ابن عقيل"، صفحة 375، ففيه غناء عن التغيير:

أولا: يصير المتعدي لازما أو في حكم اللازم بما يأتي:

1 التضمين لمعنى فعل لازم، نحو قوله -تعالى-:{فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، فإن "يخالف" متعد في الأصل بنفسه، ولكنه ضمن معنى "يخرج" اللازم، فعدى بحرف الجر وهو "عن"، ومثله قوله تعالى:{وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ، فتعدوا بمعنى تتجاوز متعد بنفسه، ولكنه ضمن معنى "تنصرف" الذي يتعدى بحرف الجر وهو "عن"، أي تنصرف وتبعد. والتضمين: أن يؤدي فعل أو ما في معناه، مؤدى فعل آخر، أو ما في معناه فيعطي حكمه في التعدي واللزوم.

وقد قرر مجمع اللغة العربية أنه قياسي بشروط ثلاثة.

* "ويحذف" مضارع للمجهول. "الناصب" نائب فاعل، وهو اسم فاعل وفاعله مستتر و"ها" مفعوله عائد على الفضلة، "إن" شرطية، "علما" ماض مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل يعود على الناصب، والألف للإطلاق، وجواب الشرط محذوف، وباقي الإعراب واضح.

ص: 99

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أ تحقيق المناسبة بين الفعلين، فلا يحمل الفعل معنى بعيدا عن معناه الوضعي، ولهذا لا يجوز: أكلت إلى الفاكهة على تضمين أكل، معنى "مال".

ب وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس، وأشهر القرائن: حرف الجر الذي يتعدى به الفعل، ولم يك من حقه أن يتعدى به.

ج ملاءمة التضمين للذوق العربي ولا يلجأ للتضمين إلا لغرض بلاغي.

2 تحويل الفعل الثلاثي إلى صيغة "فعل"، إما بقصد المبالغة في قصد الفعل والتعجب منه، نحو: فهم محمد أي ما أفهمه، أو بقصد المدح والذم، نحو: سبق السباح، وقنع الغنى، ومنع الاقدر وحبس، عند الذم بمعنى المعوبة.

3 مطاوعة المتعدي لواحد، لآخر لازم، نحو: هدمت الحائط فانهدم.

4 ضعف العامل عن العلم، إما بتأخيره عن المعمول نحو:{لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ، وإما بكونه فرعا في العمل كالمشتق، نحو:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} . وتسمى لام الجر هنا: لام التقوية؛ لأنها تساعد ما قبلها على الوصول للمفعول.

5 ضرورة الشعر، كقوله:

تبلت فؤادك في المنام خريدة

تسقي الضجيع ببارد بسام

تبلت فؤادك: أصابته بالمرض وذهبت به بسبب الحب، خريدة: امرأة حسناء. الضجيج: المضاجع، ببارد بسام: بريق بارد، بسام محله، فقد عدي تسقي -وهو ينصب مفعولين بنفسه- إلى الثاني بالياء، لضرورة الشعر.

ثانيا: يصير اللازم متعديا بالأشياء الآتية:

1 إذا دخلت عليه همزة النقل، تلك الهمزة التي تنقل معنى الفعل إلى مفعوله، ويصير بها الفاعل مفعولا، وهي قياسية في اللازم، وقيل فيه: وفي المتعدي إلى واحد، وقد قرر مجمع اللغة العربية: أن تعدية الفعل الثلاثي اللازم -بالهمزة- قياسية.

2 إذا ضعفت عينه ما لم تكن همزة، نحو: نومت الطفل، ومنه:{نزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَاب} ، والتضعيف سماعي في اللازم، وفي المتعدي لواحد، على أرجح الأقوال.

3 إذا دل على مفاعلة: نحو: جالست الأدباء وماشيت العلماء.

4 إذا كان على وزن "استعفل" للطلب، أو النسبة إلى الشيء، نحو: استعنت بالله.

ص: 100

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واستخرجت الماء، واستحسنت التسامح، واستقبحت التمادي في الظلم.

5 صوغ الفعل على "فعلت" بالفتح "أفعل" بالضم، لقصد الغلبة، نحو: أكرمت عليا أكرمه، أي غلبته في الكرم وشرفت الفارس أشرفه.

6 التضمين كما تقدم، نحو:{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاح} ، أي لا تنووا، فقد عدى "تعزم" إلى المفعول به مباشرة للتضمين، مع أنه "عزم" لا يتعدى إلا بعلى.

7 إذا سقط معه الجار توسعا، نحو:{أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُم} ، أي عن أمره:{وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد} ، أي عليه، وهذا مقصور على السماع.

تنبيهات:

أ يمتاز التضمين عن بقية وسائل التعدية، بأنه قد ينقل الفعل اللازم إلى أكثر من مفعول، نحو: لا آلوك نصحا، فقد عدي "ألا" بمعنى قصر -وهو لازم- إلى مفعولين، لتضمنه معنى "امنع"، أي لا أمنعك.

ب التعدية بحرف الجر ليست مقصورة على الثلاثي اللازم، بل تشمل كذلك المتعدي لواحد أو أكثر، فإنه يتعدى لغيره بالجار، كما وضحه الصبان.

ج الكلمات التي سمع عن العرب نصبها على حذف حرف الجر، لا يجوز القياس عليها، كم لا يجوز أن تنصب إلا مع الفعل الذي وردت معه مسموعة، مثل: توجهت مكة، وذهبت الشام، وذلك منعا للخلط والإفساد، وقد أشير إلى هذا قبل.

ص: 101

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف كلا من الفعل المتعدي واللازم، واذكر علامة كل منهما، مع التمثيل.

2 اذكر ثلاثة من أنواع الأفعال التي لا تكون إلا لازمة، وائت بأمثلة موضحة.

3 كيف يمكن أن يتعدى الفعل اللازم؟ ومتى ينقاس حذف الجار؟ مثل لما تقول.

4 اذكر المواضع التي يجب فيها تقديم المفعول الأول على الثاني، والتي يمتنع فيها ذلك.

5 اشرح قول الناظم:

وحذف فضلة أجز إن لم يضر

كحذف ما سبق جوابا أو حصر

6 فيما يأتي شواهد لبعض موضوعات هذا الباب، بين موضع الشاهد

قال تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} .

{أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُم} .

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} .

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} .

{إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} .

{وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} .

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} .

{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} .

في الأمثال: أحشفا وسوء كيلة، مرحى لك وأهلا وسهلا.

ما في الحياة لأن تعا

تب أو تحاسب متسع

ومنا الذي اختير الرجال سماحة

وخيرا إذا هب الرياح الزعازع

وما زرت ليلى أن تكون حبيبة

إلي ولا دين بها أنا طالبه

7 اذكر موضعين يجب فيهما حذف عامل المفعول، وآخرين يمتنع فيهما الحذف، ومثل لما تقول.

8 قد يحذف المفعول، فلم؟ أذكر ثلاثة من أغراض ذلك، وهات أمثلة من إنشائك.

9 بين في الأساليب الآتية: العامل، مذكورا أو محذوفا، والمعمول، ونوع الأسلوب:

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمار بن ياسر وهو يعذب فقال: "صبرا آل ياسر، فإن

ص: 102

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موعدكم الجنة"، وشاهد عمر بن الخطاب يوما في الجنود هزالا وتغير ألوان، سأل قائدهم: ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟ فأجابه: وخومة المدائن. أتفرقا أبناء العروبة، والمستعمرون يتربصون بكم الدوائر؟ فالوفاق الوفاق. والعمل العمل، وإياكم والتهاون، فالحياة جهاد وكرامة، وويل المقصرين من سوء العقابة، والله ما قلت إلا حقا، التجديد والتطرو في أساليب الدفاع، فإن القادة منا -معشر العرب- مغرمون بالتمسك القديم، ولكن التطور سنة الحياة.

10 أعرب البيت الأتي واشرحه، وبين سبب العامل فيه، وهو للبحتري:

وإذا عز معشر زال يوما

منع السيف عزهم أن يزولا

11 اذكر ثلاثة من الأشياء التي يصير بها الفعل المتعدي لازما، ومثلها مما يصير بها اللازم متعديا، ومثل لما تقول.

12 ما الأغراض التي يحول بها الفعل الثلاثي إلى "فعل"؟ وضح ما تقوله بأمثلة من عندك.

ص: 103

هذا‌

‌ باب التنازع

(1)

في العمل:

ويسمى أيضًا باب الإعمال، وحقيقته أن يتقدم فعلان

(2)

متصرفان، أو اسمان يشبهانهما

(3)

، أو فعل متصرف واسم يشبهه، ويتأخر عنهما غير سببي مرفوع

(4)

، وهو مطلوب لكل منهما من حيث المعنى

(5)

.

مثال الفعلين: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}

(6)

، ومثال الاسمين قوله:

هذا باب التنازع في العمل:

(1)

التنازع معناه لغة: التجاذب، واصطلاحا ما ذكره المصنف.

(2)

أي مذكوران، فلا تنازع بين عاملين محذوفين، أو محذوف أحدهما، وقد يكون التنازع بين أكثر من عاملين كما سيأتي.

(3)

أي في العمل لا في التصرف بدليل التمثيل بقوله -تعالى-: {هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} ، فإن "ها" اسم فعل جامد، والمراد بالاسم المشبه هنا: اسم الفاعل واسم المفعول، والمصدر اسمه، واسم الفعل.

(4)

أو غير مرفوع؛ لأنه يلزم عليه إسناد أحدهما على السببي، والآخر إلى ضميره، فيكن رافع ضمير السببي حاليا من رابط يربطه بالمبتدأ، نحو: زيد قام وقعد أخوه، يحمل على أن السببي، وهو "أخوه" مبتدأ ثان، والعاملان قبله مع ضميريهما خبران عنه، وهذا الشرط لم يذكره النحاة.

(5)

سواء كان الطلب على جهة التوافق في الفاعلية أو المفعولية، أو مع التحالف فيهما.

هذا: ولا بد أن يكون بين العاملين نوع من الارتباط، إما بالعطف مطلقا، نحو: أشكر وأحمد الله، أو بأن يكون المتأخر جوابا في المعنى عن السابق، نحو قوله تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} ، أو معمولا له. نحو قوله سبحانه:{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} . أو يكون العاملان خبرين عن اسم، نحو: المعلم مؤاخ معاقب المهمل، أو غير ذلك من عوامل الربط.

(6)

فـ"آتوني" يطلب "قطرا" على أنه مفعول ثان، وأفرغ" يطلبه على أنه مفعول أول. وقد أعمل الثاني فيه، وأعمل الأول في ضميره، وحذف؛ لأنه فضلة. لو أعمل الأول في "قطرا" لذكر ضميره في الثاني وقيل: أفرغه، والقطر: النحاس المذاب.

ص: 104

عهدت مغيثًا مغنيا من أجرته

(1)

ومثال المختلفين: {هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}

(2)

.

وقد تتنازع ثلاثة، وقد يكون التنازع فيه متعددا، وفي الحديث:"تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين"، فتنازع ثلاثة في اثنين: ظرف، ومصدر

(3)

.

(1)

صدر بيت من الطويل، لم نقف على قائله، وعجزه:

فلم أتخذ إلافناءك موئلا

اللغة والإعراب: عهدت: أي عهدك الناس وعرفوك، مغيثا: منجدا، وهو اسم فاعل من الإغاثة، وهي النجدة، مغنيا: اسم فاعل من الإغناء، وهو ضد الإقفار، أجرته: أي حميته من عدوه أو كنت له جارا، فناءك الفناء: ساحة الدار والمراد بالجوار والقرب موئلا: ملجأ، وهو اسم مكان من وأل إليه، أي لجأ:"عهدت" فعل للمجهول، والتاء نائب فاعل: مغيثا مغنيا حالان من التاء. "من" اسم موصول مفعوله، تنازعه كل من مغيثا ومغنيا، فأعمل الثاني لقربه. "جرته" فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول. "إلا" حرف استثناء ملغاة، "فناءك" مفعول أول لأتخذ ومضاف إليه، "موئلا" مفعول ثان له.

المعنى: عرفت بإغاثة المظلوم ونجدته، وإغناء من يستجير بك ويلجأ إليك، فلهذا لم ألجأ إلى أحد سواك، ولم أتخذ غير جوارك موئلا ألجأ إليه.

الشاهد: تقدم العاملين الاسمين المشبهين للفعل وهما: مغيثا ومغنيا، وقد تأخر عنهما معمول واحد، وهو "من"، وهما صالحان للعمل، فأعمل الثاني لقربه، وأعمل الأول في ضميره ثم حذف؛ لأنه فضلة، ولو ذكره لقال: عهدت مغيثة.

(2)

"هاؤم" اسم فعل بمعنى أخذ والميم علامة الجمع، والأصل هاكم، أبدلت الكاف واو، ثم الواو همزة "اقرءوا" فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل، "كتابيه" مفعول تنازعه الفعلان، فاعمل الثاني لقربه، وحذف من الأول: هاؤموه.

(3)

الظرف قوله: "دبر" ونائب المصدر "ثلاثا"، وهو مفعول مطلق مبين للعدد، وقد أعمل الأخير لقربه، فنصب "دبر" على الظرفية، و"ثلاثا" على المفعولية المطلقة لنيابته عن المصدر، وأعمل الأولين في ضميرهما وحذفهما؛ لأنهما فضلتان، والأصل: تسبحون الله فيه إياها، ولو أعمل الأول لأضمر عقب الثاني والثالث فيه إياها، ولو أعمل الثاني لأضمر ذلك عقب الثالث.

ص: 105

وقد علم مما ذكرته

(1)

أن التنازع لا يقع بين حرفين

(2)

، ولا بين حرف وغيره، ولا بين جامدين

(3)

، ولا بين جامد وغيره

(4)

، وعن المبرد إجازته في فعلي التعجب، نحو: ما أحسن وأجمل زيدا، وأحسن به وأجمل بعمرو

(5)

، ولا في معمول متقدم

(6)

، نحو أيهم ضربت وأكرمت أو شتمته، خلافا لبعضهم

(7)

، ولا في معمول متوسط، نحو: ضربت زيدا وأكرمت

(8)

، خلافا للفارسي، ولا في نحو:

فهيهات هيهات العقيق ومن به

(9)

(1)

أي في تعريف التنازع من أن حقيقته: أن يتقدم فعلان

إلخ.

(2)

أي: لضعف الحرف؛ ولأنه لا يضمر فيه، وصحة الإضمار شرط في المتنازعين.

(3)

لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل والمعمول، والجامد لا يفصل بينه وبين معموله لضعفه.

(4)

ينبغي أن يقيد ذلك مما إذا كان الجامد هو الفعل، وكان متقدما فإن كان الجامد غير الفعل، نحو:{هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} جاز، وكذلك إذا تأخر، نحو: أعجبني، ولست مثل محمد.

(5)

أعمل الثاني في المثالين، وجاء في المثال الثاني مع الأول المهمل بالضمير المجرور الباء، ولم يحذفه؛ لأنه فاعل وهو عمدة وهو الصحيح، ويجب حذفه عند القائلين بأنه فضلة، وتقول في المثالين على إعمال الأول، ما أحسن وأجمله زيد، وأحسن به لعمرو.

(6)

لأن الثاني لا يأتي إلا بعد أن يكون الأول قد أخذ معموله المتقدم.

(7)

هو بعض المغاربة، حيث أجاز التنازع في المتقدم مستدلا بقوله تعالى:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، ولا دلالة له في ذلك؛ لأن الأول أخذ المعمول، ومعمول الثاني محذوف لدلالة الأول عليه.

(8)

لأن الأول استقل بالمعمول قبل مجيء الثاني، وقد اشترطنا في التعريق تقدم العاملين.

(9)

صدر بيت من الطويل: لجرير الشاعر الأموي، وعجزه:

وهيهات خل بالعقيق نواصله

ص: 106

خلافا له وللجرجاني

(1)

؛ لأن الطالب للمعمول إنما هو الأول، وأما الثاني فلم يؤت به للإسناد، بل لمجرد التقوية، فلا فاعل له، ولهذا قال:

أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس

(2)

اللغة والإعراب: هيهات اسم فعل ماض بمعنى بعد، العقيق: مكان بالحجاز: خل خليل وصديق، نواصله: نصله، من المواصلة والوصال:"هيهات" الثانية توكيد للأولى، العقيق فاعل الأولى، و"من" اسم موصول معطوف على العقيق، "به" جاز ومجرور متعلق بمحذوف صلة من، "خل" فاعل هيهات الثالثة، "بالعقيق" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المفعول في "نواصله"، وهو فعل مضارع والفاعل نحن والهاء مفعول، والجملة صفة لخل.

المعنى: بعد عنا كثيرا ذلك الموضع ومن يقطن به من الأحباب والأصدقاء، وبعد الصديق والحبيب الذي كنا نتصل به ويتصل بنا، ونصله ويصلنا.

الشاهد: في "هيهات هيهات العقيق"، فهو ليس من قبيل التنازع؛ لأن العامل هو الأول، وإنما جيء بالثاني لتقوية الأول وتوكيده، كأن الشارع استشعر التردد أو التشكك في بعد هذا الكان، فأتى بهيهات الثانية ليؤكد البعد، وعلى ذلك فليس المعمول مطلوبا لهما معا، وإنما هو مطلوب في المعنى الأول لا غير.

(1)

هو أبو بكر، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني النحوي، كان من كبار أئمة النحو والبلاغة يجرجان، أخذ النحو عن محمد بن الحسين بن عبد الوارث، المعروف بالفضل، وهو ابن أخت الفارسي، ولم يأخذ عن غيره؛ لأنه لم يخرج من بلده، وقرأ ونظر في تصانيف النحاة، وشدت إليه الرحال، وكان رحمه الله ضيق العطن، لا يستوفي في الكلام على ما يذكره مع قدرته على ذلك، وله تصانيف كثيرة، منها: شرح الإيضاح والجمل، وإعجاز القرآن. ومات سنة 484 هـ، ومن شعره:

كبر على العلم يا خليلي

ومل إلى الجهل ميل هائم

وعش حمارا تعش سعيدا

فالسعد في طالع البهائم

(2)

عجز بيت من الطويل، لم نقف على قائله، وصدره:

فأين إلى أين النحاة ببغلتي

اللغة والإعراب: البغلة: أنثى البغال، والواحد بغل. "فأين" الفاء عاطفة، وأين اسم

ص: 107

ولو كان من التنازع لقال: "أتاك أتوك"

(1)

أو: أتوك أتاك"

(2)

، ولا في نحو:

"وعزة ممطول معنى غريمها"

(3)

استفهام متعلق بمحذوف، أي فأين أذهب. "إلى أين" جار ومجرور خبر مقدم، "النحاة" مبتدأ مؤخر، "أتاك" فعل ومفعول، "أتاك" الثانية توكيد له "اللاحقون" فاعل أتاك الأولى.

"احبس" فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر للتخلص من الساكنين، والفاعل أنت، "احبس" الثانية تكيد والمفعول محذوف، أي احبس نفسك.

المعنى: أين أذهب؟ وإلى أين مكان أنجو ببغلتي؟ وقد جاء الذين يلاحقونني ويطلبوني فلا مفر من أن يستسلم الإنسان للقدر ويقف حيث هو، وليكن ما يكون، والظاهر أن الشاعر كان فارا من قوم يلاحقونه، فخاطب

نفسه بذلك.

الشاهد: في "أتاك أتاك اللاحقون"، فهو ليس من باب التنازع، وقد بين المصنف سبب ذلك، والعامل هو الأول، أما الثاني فلمجرد تقوية الأول وتأكيده، من باب تأكيد الفعل للفعل.

(1)

أي على إعمال الأول.

(2)

أي إذا أعمل الثاني، وقيل المرفوع في البيتين فاعل بالعاملين؛ لأنهما لاتحاد لفظهما ومعناهما، كأنهما عامل واحد.

(3)

عجز بيت من الطويل، لكثير بن عبد الرحمن، ألمعروف بكثير عزة، وصدره:

قضى كل ذي دين فوفى غريمه

اللغة والإعراب: الغريم: المدين الذي عليه الدين، وهو أيضا: الذي له الدين ويستحقه، وهو المراد هنا، ممطول: اسم مفعول من المطل، وهو التسويف في قضاء الدين معنى: اسم مفعول منعناه الأمر يعنيه، إذا شق عليه وسبب له العناء والتعب، "كل" فاعل قضى "ذي دين" مضاف إليه، "فوفى" الفاء عاطفة ووفى فعل ماض. "غريمه" مفعول "وعزة" الواو للحال، وعزة مبتدأ، ممطول معني" خبران مقدمان لغريمها الواقع مبتدأ ثانيا ومضاف إليه، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول.

المعنى: أن كل مدين وفي ما عليه من دين لصاحب الدين، إلا عزة، فإنها تماطل غريمها وتتعبه ولا توفيه حقه، يقصد بذلك أنها لا تعطف على محبها ولا تصله.

ص: 108

بل "غريمها" مبتدأ، وممطول، و"معنى" خبران، أو"ممطول""خبر و"معنى" صفة له، أو حال من ضميره

(1)

، ولا يمتنع التنازع في نحو: زيد ضرب وأكرم أخاه؛ لأن السببي منصوب

(2)

.

فصل: إذا تنازع العاملان جاز إعمال أيهما شئت باتفاق

(3)

، واختار الكوفيون الأول لسبقه والبصريون الأخير لقربه

(4)

.

وتتعبه ولا توفيه حقه، يقصد بذلك أنها لا تعطف على محبها، ولا تصله.

الشاهد: أن هذا ليس من التنازع، وإن كان ظاهرا أن كلا من ممطول، ومعنى يطلبان "غريمها" على أنه نائب فاعل؛ لأن شرط التنازع عند الناظم والمصنف: ألا يكون المتنازع فيه سببيا مرفوعا، ولو جعل من باب التنازع، كان "غريمها" سببًا؛ لأنه اسم ظاهر مضاف إلى ضميره عزة، وهو مرفوع؛ لأنه نائب فاعل حينئذ، ولهذا خرجه المصنف كما ترى.

(1)

أي المستتر فيه، والمرفوع على النيابة عن الفاعل، العائد إلى غريمها، وغريمها وخبره، خبر عزة.

(2)

أي بأحد العاملين، والرابط هو الضمير المستتر، أو المضاف إليه السببي، وقيل: بامتناع التنازع السببي المنصوب كالمرفوع؛ لأنك لو أعملت الأول أو الثاني، فلا بد من ضمير يعود على السببي، وضمير السببي لا يتقدم عليه، قال ابن خروف: لأنه لو تقدم لكان عوضا عن اسمين: مضاف ومضاف إليه، وهذا لا سبيل إليه، فالوجه امتناع التنازع في السببي مطلقا: مرفوعا أو منصوبا، قال صاحب التصريح:"ولا يقع التنازع في الاسم المرفوع بعد "إلا" على الصحيح كقول الشاعر:

ما صاب قلبي وأضناه وتيمه

إلا كواعب من ذهل بن شيبانا

لأنه لو كان من باب التنازع، لزم إخلاء العامل الملغي من الإيجاب، ولزم كذلك في مثل: ما قام وقعد إلا أنا، إعادة ضمير غائب على حاضر.

(3)

أي من البصريين والكوفيين، فقد سمع عن العرب إعمال كل منهما. والخلاف بينهما إنما هو المختار، لا في أصل الجواز.

(4)

ما جاء من التنازع في آي القرآن الكريم، وفي الحديث الشريف، جاز على إعمال العامل

ص: 109

فإن أعلمنا الأول في المتنازع فيه، أعملنا الأخير في ضميره

(1)

، نحو: قام وقعدا، أو: وضربتهما، أو مررت بهما، أخواك، وبعضهم يجيز حذف غير المرفوع؛ لأنه فضلة، كقوله:

بعكاظ يعشي الناظريـ

ـن إذا هم لمحوا شعاعه

(2)

الأقرب إلى المعمول، وهذا يرجح إلى رأي البصريين:

وفيما تقدم يقول الناظم:

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

والثان أولى عند أهل البصرة

واختار عكسا غيرهم ذا أسره

أي إن وجد عاملان يتطلبان عملا في اسم ظاهر، وكانا قبله، فلواحد منهما العمل دون الآخر، وإعمال الثاني أولى عند البصريين لقربه، واختار غيرهم - وهم الكوفيون- العكس، وهوإعمال الأول لسبقه. ومعنى ذا أسرة: صاحب رابطة علمية قوية.

(1)

سواء أكان مرفوعا، أم منصوبا، أم مجرورًا، وقد مثل المصنف لذلك، ولما كان المعمول المتناع فيه هو مرجع الضمير، كان لا بد من المطابقة بينهما مطابقة تامة، في الإفراد والتذكير، وفروعهما، وقبل هذا البيت.

سائل بنا في قومنا

وليكف من شر سماعه

قيسا وما جمعوا لنا

في مجمع باق شناعه

(2)

بيت من الكامل، لعاتكة بنت عبد الملطب عمة النبي، تصف سلاح قومها.

اللغة والإعراب: عكاظ: موضع بناحية مكة. كانت تقام فيه سوق للعرب في الجاهلية كل سنة، تمكث شهر ذي القعدة، يتبايعون فيه، ويناشدون الأشعار ويتفاخرون،

* "إن" شرطية. "عاملان" لمحذوف يفسره ما بعده. "اقتضيا" فعل وفاعل والجملة مفسرة، "في اسم" متعلق باقتضى، أو بعمل مقدم عليه. "عمل" مفعول به لاقتضى، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. "قبل" ظرف متعلق باقتضى، أو بمحذوف في محل نصب حال من عاملان، "فللواحد" الفاء للربط، والجار والمجرور خبر مقدم، "منهما" جار ومجرور حال من الواحد. "العمل" مبتدأ مؤخر، والجملة جواب الشرط، والثاني أولى" مبتدأ وخبر. "عند" ظرف متعلق بأولى، "أهل البصرة" مضاف إليه، "عكسا" مفعول اختار، "غيرهم" فاعله ومضاف إليه، "ذا" حال من غيرهم "أسرة" مضاف إليه، والأسرة بفتح الهمزة: الجماعة القوية.

ص: 110

ولنا

(1)

: أن في حذفه تهيئة العامل للعمل، وقطعه عنه

(2)

، والبيت ضرورة.

وإن أعملنا الثاني: فإن احتاج الأول لمرفوع، فالبصريون يضمرونه لامتناع حذف العمدة؛ ولأن الإضمار قبل الذكر قد جاء في غير هذا الباب، نحو: ربه رجلا، ونعم رجلا

(3)

، وفي الباب

(4)

، نحو: ضربوني وضربت قومك، حكاه سيبويه، وقال الشاعر:

جفوني ولم أجف الأخلاء إنني

(5)

فلما جاء الإسلام، هدم ذلك كله، يعشى: مضارع أعشاه، إذا أصابه بالعشا، وهو

ضعف البصر ليلا، والمراد هنا ضعف البصر مطلقا، لمحوا: من اللمح، وهو سرعة إبصار الشيء. شعاعه: ضوؤه وبريقه، "بعاظ" متعلق بمجمع في البيت قبله، وهو ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث، "يعشى" فعل مضارع، "الناظرين" مفعول به، "إذا" فجائية. "هم" مبتدأ، "لمحوا" فعل ماض وفاعل، والجملة خبر المبتدأ، "شعاعه" فاعل يعشى ومضاف إليه، ويجوز أن يعرب "هم" فاعل لمحذوف، ويفسره "لمحوا"، وتكون الجملة مفسرة.

المعنى: أن سلاح قومها حين عرض بعكاظ، كان ضوؤه وشدة لمعانه وبريقه، يضر بصر الناظرين، إذا نظروا إليه، وروي: يعشى، أي يغطي، كأن البرق واللمعان عم الجيمع.

الشاهد: تنازع "يعشى" ولمحوا" العمل في "شعاعه"، وقد أعمل الأولى، ورفع شعاعه على أنه فاعل، وأعمل الثاني في ضميره فنصبه على أنه مفعول، ثم حذف؛ لأنه فضلة، ولو ذكره لقال: إذا هم لمحوه شعاعه، وهذا الحذف لضرورة الشعر عند البصريين.

(1)

أي معشر البصريين، من الأدلة على امتناع حذف غير المرفوع.

(2)

فقد هيئ "لمحوا" للعمل في "شعاعه"، ثم قطع عن العمل فيه، برفعه على الفاعلية ليعشى من غير داع، بخلاف حذف الفضلة مع الأول، ففيه الفرار من الإضمار قبل الذكر، مع أنه فضلة.

(3)

فـ"رجلًا" فيهما تمييزللمجرور برب، والمرفوع فاعلا بنعم، والتمييز رتبته التأخير، فقد عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وهو التمييز.

(4)

أي: وجاء كذلك الإضمار قبل الذكر في هذا الباب الذي نحن فيه، كمثال المصنف.

(5)

صدر بيت من الطويل، لم يعرف قائله، وعجزه:

ص: 111

والكسائي وهشام والسهيلي يوجبون الحذف

(1)

، تمسكا بظاهر قوله:

تعفق بالأرطى لها وأرادها

رجال. . . . . . . . . . .

(2)

إذا لم يقل: تعففوا ولا أرادوا.

لغير جميل من خليلي مهمل

اللغة والإعراب: جفوني: من الجفاء، وهو ترك المودة، الأخلاء: جمع خليل وهو الصديق، جميل: أمر حسن. مهمل تارك، وهو اسم فاعل من أهمل الأمر، إذا لم يعبأ به، ولم يلق إليه بإلا، "جفوني" فعل ماض وواو الجماعة العائدة على الأخلاء -بعده- فاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول، "ولم أجف" جازم ومجزوم. "الأخلاء مفعول أجف "إنني" إن واسمها، والنون للوقاية، "لغير جميل" جار ومجرور متعلق بمهمل، الواقع خبرا؛ لأن ومضاف إليه، "من خليلي" جار ومجرور صفة لجميل المنفي.

المعنى: هجرني الأصدقاء وقطعوا مودتي وصلتي، وتتبعوا عوراتي، ولم يقوموا بواجب الصداقة، من البر والوفاء. أما أنا فلم أقابلهم بالمثل؛ لأني أهمل وأترك ما ليس بحسن من أفعال أصدقائي.

الشاهد: إعمال العامل الثاني، وهو "لم أجف" في الأخلاء، فنصبه على أنه مفعول به، وإعمال العامل الأول، وهو "جفوني" في ضميره، وهو واو الجماعة، ولزم على ذلك عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وهو جائز في هذا الباب.

(1)

أي حذف الضمير المرفوع، فرارا من الإضمار قبل الذكر.

(2)

جزء من بيت الطويل، لعلقمة بن عبدة، يمدح الحارث بن جبلة الغساني، وهو بتمامه:

تعفق بالأرطى لها وأرادها

رجال فبذت نبلهم وكليب

اللغة والإعراب: تعفق: استتر. الأرطى شجر له نور وثمر، كالعناب مر تأكله الإبل، الواحدة: أرطأة، فبذت. فغلبت. نبلهم سهامهم. كليب: جمع كلب، كعبيد جمع عبد، "بالأرطى" جار ومجرور متعلق بالفعل تعفق، "لها" متعلق به أيضا، واللام للتعليل، والضمير للبقرة الوحشية، التي يستتر لاصطيادها الرجال "رجال" فاعل أرادها، "نبلهم" مفعول بذت ومضاف إليه. "وكليب" معطوف على رجال.

ص: 112

والفراء يقول: إن استوى العاملان في طلب المرفوع فالعمل لهما

(1)

، نحو: قام وقعد أخواك، وإن اختلفا

(2)

أضمرته مؤخرا

(3)

، كضربني وضربت زيدا هو:

وإن احتاج الأول لمنصوب لفظا أو محلا

(4)

: فإن أوقع حذفه في لبس، أو كان العامل من باب "كان" أو من "باب "ظن" وجب إضمار المعول مؤخرا، نحو: استعنت واستعان على زيد به

(5)

، وكنت وكان زيد صديقا إياه

(6)

، وظنني وظننت زيدا قائما

المعنى: استتر واختفى وراء هذه الشجرة، لاصطياد تلك البقرة الوحشية، وأراد اصطيادها رجال بالنبال، وكلاب صيد، فغلبتهم وفرت، ولم يتمكنوا من اصطيادها.

الشاهد: إعمال ثاني العاملين، وهو "أراد" في رجال، وإعمال الأول، وهو تعفق في ضميره، وحذفه مع أنه نائب فاعل على رأي الكسائي ومن معه، فرارا من الإضمار قبل الذكر، ويمكن أن يجاب: بأن في تعفق ضميرا مستترا يعود إلى رجال، وهو وإن كان جمعا، فهو في تأويل المفرد، فصح استتار ضميره مفردا.

وهذا البيت من القصيدة المشهورة التي مطلعها:

طحا بك قلب في الحسان طروب

بعيد الشباب عصر حان مشيب

(1)

لأنهما -ومطلوبهما واحد- كالعامل الواحد، فأخواك في المثال فاعل لقام وقعد، وإن اختلفا لفظا ومعنى.

(2)

أي في طلب المعمول، وإن كان أولهما يطلب مرفوعا.

(3)

إنما أخر هربا من الإضمار قبل الذكر، ولم يحذف فرارا من حذف الفاعل، وإلى هنا انتهى كلام الفراء.

(4)

المنصوب لفظا هو: ما يصل إليه العامل بنفسه، ومحلا: ما يصل إليه بواسطة حرف جر.

(5)

"استعان" الأول يطلب زيدا مجرورا بالباء، والثاني يطلبه فاعلا، فأعلمنا الثاني، وأضمرنا ضمير زيد مجرورا بالباء مؤخرا، ولم نحذفه؛ لأن حذفه يوقع في لبس؛ لأنه لا يعلم، إن كان زيد مستعانا به أو عليه، وإضماره مقدما يلزم عليه الإضمار قبل الذكر، من غير ضرورة.

(6)

فـ"كنت وكان" تنازعا "صديقا" على الخبرية، فأعلمنا الثاني فيه، والأول في ضميره مؤخرا، ولم يحذف؛ لأنه عمدة.

ص: 113

إياه

(1)

، وقيل في باب "ظن"، و"كان" يضمر مقدما

(2)

، وقيل: يظهر

(3)

. وقيل يحذف وهو الصحيح؛ لأنه حذف لدليل

(4)

. وإن كان العامل من غير بابي "كان" و"ظن" وجب حذف المنصوب

(5)

، كضربت وضربني زيد، وقيل يجوز إضماره، كقوله:

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

(6)

وهذا ضرورة عند الجمهور

(1)

فـ"ظني" يطلب "زيدا قائما"، فاعلا، ومفعولا ثانيا، "وظننت" يطلبهما مفعولين، فأعملنا الثاني، وأضمرنا الفاعل مستترا في الأول مقدما، وأضمرنا المفعول الثاني مؤخرا، ولم نحذفه؛ لأنه عمدة في الأصل.

(2)

أي كالمرفوع، وذلك؛ لأنه مرفوع في الأصل.

(3)

فيقال في المثال السابق: ظنني قائما، وظننت زيدا قائما.

(4)

فإن المفسر يدل عليه والحذف اختصار جائز في بابي "كان" و"ظن" كما تقدم، وليس هنالك ما يدعو إلى الإضمار قبل الذكر، ولا إلى الفصل بين العامل الأول المهمل والمعمول إذا أضمر مؤخرا، وشرط الحذف: أن يكون المحذوف مثل المثبت، إفراد وتذكيرا وفروعهما.

(5)

أي لفظا ومحلا؛ لأنه فضلة مستغنى عنه. وقال صاحب التسهيل: "الحذف أولى وليس بواجب".

(6)

صدر بيت من الطويل، لم نقف على قائله، وعجزه:

جهارًا فكن في العيب أحفظ للود

وبعده:

وألغ أحاديث الوشاة فقلما

يحاول واش غير إفساد ذي عهد

اللغة والإعراب: جهارا: عيانا ومشاهدة. الغيب: كل ما غاب واستتر عنك، ود ومودة ومحبة، "إذا" شرطية، "كنت" فعل الشرط، والتاء اسمها. "ترضيه" مضارع والفاعل أنت، والهاء مفعول، عائدة على "صاحب" الآتي، والجملة خبر كان، "ويرضيك" فعل ومفعول. "صاحب" فاعل يرضيك، "جهارا" منصوب على الظرفية، أي في الجهر. "فكن" الفاء واقعة في جواب "إذا"، وكن فعل أمر، واسمها أنت، في "الغيب" متعلق بمحذوف

ص: 114

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حال من اسم كن، "احفظ" خبر كن. "للود" متعلق به.

المعنى: إذا كان بينك وبين أحد صداقة، وكلاكما راض عن هذه الصداقة، عامل على بقائها، فكن في حال بعده وغيبته عنك، أكثر حفظا للمودة والصداقة.

الشاهد: إعمال العامل الثاني، وهو "يرضيك: في "صاحب"، وقد أعمل الأول في ضميره، وذكر ولم يحذف للضرورة عند الجمهور، مع أنه فضلة وفيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

ومجمل القول: أنناإذا أعملنا الثاني، لا نعمل الأول في ضمير معموله، إلا في ثلاث حالات، يجب في كل منها الإتيان بضمير مطابق للمعمول، ومتأخر عنه، وهي:

أ أن يكون المعمول المتأخر مرفوعا، كأن يكون فاعلا مطلوبا للعاملين، فجيب إلحاق الضمير المناسب بالأول، والكسائي ومن معه يوجبون حذفه، على النحو الذي ذكره المصنف، نحو: أكلت وتمهلت المريضة.

ب أن يكون المصنف اسما منصوبا أصله عمدة، كمفعولي "ظن" وأخواتها، وخبر "كان" فلا يحذف، بل يضمر متأخر عن المعمول، وقيل: يضمر متقدما، وقيل: يحذف على النحو المبسوط في كلام المصنف، نحو: أظنهما، ويظن محمدحا حامدا ومحمودا مخلصين إياهما، وكنت وكان الصديق أخا إياه.

ج أن يكون الضمير مجرورا لفظا، ولو حذف أوقع حذفه في لبس، فيبقى ويضمر متأخر عن المعمول، نحو: استعنت واستعان علي محمد به، وإلى ما تقدم من أحكام التنازع الناظم بإجمال فقال:

وأعمل المهمل في ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما

كيحسنان ويسيء ابناكا

وقد بغى واعتديا عبداكا

ولا تجئ مع أول قد أهملا

بمضمر لغير رفع أوهلا

بل حذفه الزم إن يكن غير خبر

وأخرنه إن يكن هو الخبر

* "في "ضمير" متعلق بأعمل، "ما اسم موصول مضاف إليه. "تنازعاه" الجملة صلة، "ما" اسم موصول مفعول التزم، وجملة "التزما" من الفعل ونائب الفاعل صلته، والألف للإطلاق، كيحسنان، الكاف جارة لقول

ص: 115

مسألة:

(1)

إذا احتاج العامل المهم إلى ضمير، وكان ذلك الضمير خبرا عن اسم، وكان ذلك الاسم مخالفا في الإفراد والتذكير، أو غيرهما للاسم المفسر له، وهو المتنازع فيه، وجب العدول إلى الإظهار، نحو: أظن ويظناني أخا الزيدين أخوين، وذلك؛ لأن الأصل: أظن ويظنني الزيدين أخوين، فأظن: يطلب "الزيدين أخوين" مفعولين

(2)

، ويظنني يطلب الزيدين فاعلا، وأخوين مفعولا، فأعلمنا الأول، فنصبنا

أي إذا أعمل أحد العاملين، وأهمل الآخر، فأعمل المهمل في ضمير الاسم المتنازع فيه، والتزم ما التزمه النحاة، وذكر الناظم مثالين: أولهما الإعمال المتأخر في الاسم الظاهر، والمتقدم في ضميره، والثاني لإعمال المتقدم في الاسم المتنازع فيه، وإعمال المتأخر في ضميره، وكلاهما يحتاج للاسم الظاهر فاعلا له، ثم ذكر أنه إذا كان الأول هو المهمل، ومعموله غير مرفوع، وهو المراد بقوله: لغير رفع أوهلا، أي أعد لغير الرافع، فلا تجئ به، بل احذفه إن كان غير عمدة في الأصل، وأضمر مؤخرا إن كان عمدة، وإن كان الطالب هو الثاني، وجب الإضمار، ولا يجوز الحذف.

(1)

خلاصة هذه المسألة: أنه لا يصح مجيء الاسم المتنازع فيه مع العامل المهمل، ولا حذفه، وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر، وذلك إذا كان العامل المهمل محتاجا إلى مفعول به، هو عمدة في الأصل، لا يجوز حذفه، ولو أضمرناه لكان غير مطابق لمرجعه الاسم الظاهر، وسيوضح المصنف ذلك بالمثال.

(2)

أي: وأصلهما المبتدأ والخبر، فلا يسوغ أن يحذف واحد منهما.

محذوف، و"يحسنان" فعل وفاعل، "ابناكا" فاعل يسيء مرفوع بالألف؛ لأنه مثنى، وكاف المخاطب مضاف إليه. "عبداكا". فاعل بغى ومضاف إليه. "ولا" نافية، "تجيء" مضارع مجزوم بلا. "مع" ظرف متعلق بتجئ "أول" مضاف إليه. "قد أهملا" نائب الفاعل يعود إلى أول، والجملة في محل جر صفة له، "بمضمر" متعلق بتجئ. "لغير" متعلق بأوهل، "رفع" مضاف إليه. "أوهلا" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى مضمر، والجملة صفة له. ومعنى أوهل: أعد وجعل أوهلا له، "بل" حرف عطف ومعناها هنا: الانتقال "حذفه" مفعول ألزم مقدم ومضاف إليه. "إن يكن" وشرط فعله. "غير" خبر يكن"، وأخرنه" أمر مؤكد بالنون الخفيفة، والهاء مفعولة. "إن يكن" شرط وفعله" واسم يكن يعود إلى مضمر. "هو" ضمير فصل. "الخبر" خبر يكن، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

ص: 116

الاسمين وهما: "الزيدين أخوين"، وأضمرنا في الثاني ضمير الزيدين وهو الألف

(1)

، وبقي علينا المفعول الثاني يحتاج إلى إضماره، وهو خبر عن ياء المتكلم

(2)

، والياء مخالفة لأخوين الذي هو مفسر للضمير الذي يؤتى به، فإن الياء مفرد والأخوين تثنية، فدار الأمر بين إضماره مفردا ليوافق المخبر عنه

(3)

، وبين إضماره مثنى ليوافق المفسر

(4)

، وفي كل منهما محذور، فوجب العدول إلى الإظهار، فقلنا:"أخا"، فوافق المخبر عنه، ولم يضره مخالفته لأخوين؛ لأنه اسم ظاهر لا يحتاج إلى ما يفسره

(5)

، هذا تقدير ما قالوا.

والذي يظهر لي: فساد دعوى التنازع في الأخوين، لكونه مثنى، والمفعول الأول مفرد

(6)

.

وعن الكوفيين أنهم أجازوا فيه وجهين: حذفه، وإضماره

(7)

، على وفق المخبر عنه.

(1)

أي ألف التثنية في "يظناني" وبذلك استوفى فاعله، ومفعوله الأول، وهو ياء المتكلم.

(2)

أي يحسب الأصل، أما الآن فهي مفعول أول ليظن.

(3)

أي: وهو الياء؛ لأن أصلهما مبتدأ خبر، فتقول: أظن ويظناني إياه.

(4)

وهو أخوين. فيقال: أظن ويظناني إياهما.

(5)

إجمال القول: أننا إنما أظهرنا المفعول الثاني ليظناني، وقلنا "أخا"، ولم نضمره؛ لأننا لو أضمرناه مفردا، لطباق المفعول الأول، وهو ياء المتكلم في الإفراد، وخالف يعود عليه، وهو "أخوين"، فلا يطابق لمفسر المفسر في التثنية، ولو أضمرناه مثنى، لطابق ما يعود إليه وخالف المفعول الأول، مع أنه خبر عنه في الأصل، ولا بد من المطابقة بين المبتدأ والخبر، وكلاهما ممنوع عند البصريين، فلما تعذر الإضمار أظهرنا، ولم نحتج إلى مفسر، وكذلك الحكم لو أعلمنا الثاني، نحو: يظناني وأظن الزيدين أخوين أخا.

(6)

فهو غير مطابق لمفعوله الأول، وهو الياء. وعلى ذلك فلم يتوجه العاملان إليه، وقد عمل كل منهما في ظاهر، فلا تكون المسألة من باب التنازع.

(7)

أي مقدما، فيقولون على الحذف: أظن ويظناني الزيدين أخوين، ويحذفون "أخا"، لدلالة

ص: 117

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أخوين عليه، ويقولون على الإضمار: أظن ويظناني إياه الزيدين أخوين، وإن أعملنا الثاني فالحكم كذلك، ولكن يضمر مؤخرا.

وقد أشار الناظم إلى تلك المسألة -التي يحل فيها الظاهر محل الضمير- بقوله:

وأظهر أن يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسرا

نحو أظن ويظناني أخا

زيدا وعمرا أخوين في الرخا

أي ائت بمفعلو الفعل المهمل اسما ظاهرًا، إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسره، لكونه خبرا في الأصل لا يطابق المفسر، ثم ذكر الناظم المثال الذي ذكره المصنف وأوضحناه، والرخا: سعة الرزق، وقصر للنظم.

خاتمة:

أ لا يأتي التنازع في التمييز والحال؛ لأن كلا منهما لا يضمر لوجوب تنكيره.

ب يجب إعمال الأول إذا وقعت بعده "لا"، نحو: أكرمت لا أهنت السائل؛ لأن "لا" تجعل الحكم لما قبلها مثبتًا، فما بعدها لا يطلب المعمول، كما يجب إعمال الثاني، في نحو: أكرمت بل أهنت السائل؛ لأن "بل" تجعل الحكم لما بعدها، فما قبلها مسكوت عنه، فلا يطلب المعمول.

ج كما يكون المعمول اسما ظاهر، يكون ضميرا، بشرط أن يكون منفصلا، مرفوعا، أو منصوبا، أو متصلا مجرورا، نحو: محمد إنما سافر ورجع، وما زرت وصافحت إلا إياه وسررت وفرحت به.

د لا تنازع في مثل: ما قام وقعد إلا محمد؛ لأن الإضمار في المهمل بدون "إلا" يعكس المعنى المراد من الإثبات على وجه الحصر، إلى النفي، والإضمار معها يؤدي إلى خلاف المسموع، وما ورد ما ظاهره جواز ذلك، كقول الشاعر:

ما صاب قلبي وأضناه وتيمه

إلا كواعب من ذهل بن شيبانا

فيؤول على أنه من الحذف لدليل، لا من باب التنازع.

* "وأظهر" فعل أمر وحرك بالكسر، للتخلص من الساكنين "اسم يكن""خبرا" لغيرها متعلق بخبرا، "ما" اسم موصول مضاف إليه. "يطابق المفسرا" الجملة صلة ما. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "أظن" مضارع فاعله أنا، "ويظناني" فعل وفاعل مفعول أول، "أخا" مفعول ثان ليطناني "زيدا" مفعول أول لأظن "وعمرا" معطوف عليه، "أخوين" مفعول ثاني لأظن. "في الرخا" تنازع فيه كل من "أظن"، و"يظناني".

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف التنازع، وبين ما يشترط في العامل في هذا الباب، ومثل لما تقول.

2 إذا أعملت الأول في الاسم المتنازع فيه، فما حكم العامل الثاني، من حيث العمل؟ والعكس؟ مثل ووضح.

3 أشرح قول الناظم الآتي، وأت بمثال من إنشائك:

وأظهر إن يكن ضميرا خبرا

لغير ما يطابق المفسرا

4 يستشهد مما يأتي في هذا الباب، وبين موضع الشاهد، وموقع إعراب ما تحته خط:

قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} .

{آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} .

{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} .

طلبت فلم أدرك بوجهي فليتني

قعدت ولم أبغ النوى عند سائب

كساك ولم تستكسه فاشكرن لهم

أخ لك يعطيك الجزيل وناصر

هوينني وهويت الغانيات إلى

أن شبت فانصرفت عنهن آمالي

جئ ثم حالف وف بالقوم إنهم

لمن أجاروا ذوو عز بلا هون

5 بين فيما يأتي:

أ العامل وحكمه.

ب المتنازع فيه.

ج الحكم من حيث الإضمار والحذف، وعلل لما تقول.

زرت وزارني صديقي، قابل وحادثهم الضيوف الكرماء، ولا تستقبل وتجامل اللئام، هل غرس وقطع البستاني الأشجار؟ عاتبت وشكرت أخاك عند مقابلتي إياه، أخذ وفر اللص ولم أمسك به. رغبت فيهم ورغب عني زملائي؛ لأن يهجروك. وتباعد البخلاء، خير من أن تداري، ويعتدون الجهلاء. خذ ودونك هذا الكتاب.

6 أعمل في الجمل الآية: العامل الأول، وأهمل الثاني، وأعط كلا حكمه:

أقبلا وحييت زميلاك إكراما لك، تألموا ونصحت إخوانك بالمثابرة، والجد في العمل، خلا وسكنت منزلي منذ شهرين، وودعت بالأمس ابني إلى السودان. أتعبتني وأخذت

ص: 119

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الكثير من وقتي هذه التطبيقات.

7 أعمل في الجمل الآتية: العامل الثاني، وأهمل الأول، وأعط كلا ما يستحقه:

زارني وسراني صديقاك بأخبار نجاحهما، نصحني وأطعتهم الأطباء، فشفيت من آلامي باع واشترى المسافرون، وعادوا إلى وطنهم مسرورين، أعطيت وبخلوا الزملاء، دارت ورجعن إلى نصابها الأمور.

8 -

أعرب البيت الآتي، واشرحه، وبين ما فيه من شاهد:

ما جاد رأيا ولا أبدى محاولة

إلا امرؤ لم يضع دنيا ولا دينا

9 هناك حالة لا يصح فيها مجيء الضمير لتعويض الأخير المهمل، وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر، اذكر هذه الحالة، واشرحها بمثال من عندك.

10 ذكرنا أن لا بد أن يكون بين العاملين، أو العوامل نوع من الارتباط، اشرح ذلك، ووضحه بأمثلة.

ص: 120

هذا‌

‌ باب المفعول المطلق:

أي الذي يصدق عليه قولنا: "مفعول" صدقا غير مقيد بالجار

(1)

.

وهو: اسم يؤكد عامله

(2)

، أو يبين نوعه، أو عدده، وليس خبرا ولا حالا، نحو: ضربت ضربا، أو ضرب الأمير، أو ضربتين، بخلاف نحو: ضربك ضرب أليم

(3)

، ونحو:{وَلَّى مُدْبِرًا}

(4)

.

وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرًا.

هذا باب المفعول المطلق:

(1)

أي: بخلاف بقية المفاعيل، فإن منها ما هو مقيد بحرف جر، كالمفعول به، أو له، أو فيه، أو بظرف: كالمفعول معه.

(2)

أي ما يفيد ما أفاده العامل من الحدث لا غير، أو المراد: المصدر الذي تضمنه العامل، وذلك ليتحد المؤكد والمؤكد؛ لأن الفعل يدل على الزمان والحدث، والمصدر يدل على الحدث لا غير.

(3)

فإن "ضرب" الثاني ليس مفعولا مطلقا، وإن بين النوع بالوصف بعده، وإنما هو خبر عن ضربك.

(4)

فإن "مدبرا" وإن كان توكيدا للعامل، وهو "ولى"؛ لأنه بمعناه -لكنه ليس مفعولا مطلقًا، بل هو حال من فاعل "ولى".

وقد أشار الناظم إلى هذه المعاني الثلاثة، التي يفيدها المفعول المطلق بقوله:

توكيدا أو نوعا يبين أو عددا

كسرت سيرتين سير ذي رشد

أي أن المصدر يفيد عامله وتقريره، أو يبين نوعه، أو يبين عدد مراته، ولا بد من إفادة التوكيد مع هذين، ثم ذكر الناظم مثلا لذلك، فـ"سيرتين" لبيان العدد مع التوكيد، و"سير ذي رشد"، لبيان النوع مع التوكيد.

* "توكيدا" مفعول مقدم ليبين"، "أو نوعا" معطوف عليه. "يبين" مضارع فاعله يعود على المصدر. "أو عدد" معطوف على "نوعا"، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. "كسرت" الكاف جارة لقول محذوف، "سيرتين" مفعول مطلق يبين العدد، "سير ذي رشد" مفعول مطلق يبين النوع، مضاف إلى ما بعده، وسكن للوقف.

ص: 121

والمصدر: اسم الحدث الجاري على الفعل

(1)

.

وخرج بهذا القيد نحو: اغتسل غسلا، وتوضأ وضوءا، وأعطى عطاء، فإن هذه أسماء مصادر

(2)

.

وعامله: إما مصدر مثله

(3)

، نحو:{فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} ، أو ما اشتق منه، من فعل

(4)

، نحو:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ، أو وصف

(5)

، نحو:

(1)

أي المشتمل على حروف الفعل.

(2)

لأنها لم تجر على أفعالها، لنقصان حروفها عن أحرف الأفعال. وقياس مصادرها الاغتسال -والتوضؤ- والإعطاء، وإلى معنى المصدر يشير الناظم بقوله:

المصدر اسم ما سوى الزمان من

مدلولي الفعل كأمن من أمن

أي أن المصدر اسم يدل على شيء غير الزمان، من المدلولين الذين يدل عليهما الفعل، وهما الحدث والزمان، وما سوى الزمان من المدلولين، هو الحدث المجرد وحده، ومثل الناظم بـ"أمن" من الفعل "أمن"؛، فالأمن يدل على المعنى المجرد، الذي هو أحد شيئين يدل عليهما "أمن"، وهما: الحدث والزمن الماضي، وسمي المصدر مصدرًا؛ لأن فعله صدر عنه، وهو أيضا مصدر، وأصل المشتقات على الصحيح، والفرق بين المصدر واسمه: أن المصدر يدل الحدث المجرد بنفسه، أما اسم المصدر فيدل على الحدث بوساطة المصدر، فمدلوله لفظ المصدر، وسيأتي إيضاح ذلك في "باب المصدر".

(3)

سواء كان من لفظه ومعناه، كما مثل المصنف، أو من معناه فقط، نحو: يعجبني إيمانك تصديقًا.

(4)

بشترط أن يكون متصرفا تاما، وغير ملغي عن العمل، فخرج الفعل الجامد، كفعل التعجب، والناقص، مثل كان، والملغي، مثل: ظن عند إلغائها، فلا يقال: ما أحسن محمد حسنا، ولا كان علي مسافرا كونا، ولا علي قائم ظننت ظنا.

(5)

أي متصرف بعمل عمل الفعل، كاسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة، دون أفعل

* "المصدر اسم" مبتدأ وخبر "ما" اسم موصول مضاف إليه. "سوى" ظرف مضاف إلى "الزمان" متعلق بمحذوف صلة ما. "من مدلولي" جار ومجرور متعلق بما تعلق به سوى، أو أحال من ضمير الصلة، "الفعل" مضاف إليه. "كأمن" متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، "من أمن" متعلق بمحذوف أيضًا، صقة لأمن المصدر.

ص: 122

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}

(1)

.

وزعم بعض البصريين أن الفعل أصل للوصف

(2)

، وزعم الكوفيون أن الفعل أصل لهما

(3)

.

التفضيل، والصفة المشبهة.

(1)

هذا مثال لاسم الفاعل، ومثال اسم المفعول: اللص مضروب ضربا أليمًا، وأمثلة المبالغة محمد شراب شربا، وأجاز المصنف عمل الصفة المشبهة كاسم الفاعل، تقول: الحزين حزنا مفرطا يسيء إلى نفسه.

(2)

الذي زعم هذا: هو الفارسي واختاره عبد القاهر، فيكون فرع الفرع.

(3)

أي للمصدر والوصف، والصحيح كما أسلفنا: أن المصدر أصل للفعل والوصف؛ لأن من شأن الفعل أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة. والفعل والوصف مع المصدر كذلك؛ لأنه يدل على مجرد الحدث، وكل منهما يدل على الحدث وزيادة، فالفعل يدل على الحدث والزمان، والصفة تدل على الحدث والموصوف.

وإليه ما تقدم يشير الناظم بقوله:

بمثله أو فعل أو وصف نصب

وكونه أصلًا لهذين انتخب

أي أن المصدر قد ينصب بمصدر مثله، أو بفعل، أو بوصف، والمختار أنه أصل للفعل والوصف.

هذا: ولما كان المصدر لا يكون إلا اسم معنى، كان الاشتقاق من أسماء الأعيان والجواهر غير مقيس، ويقتصر فيه على السماع، وقد يحدث المجمع اللغوي هذه المسألة ورأى أن العرب قد اشتقت كثيرا من أسماء الأعيان، كالذهب والفضة، والدينار، والدرهم، فقالوا: مذهب، ومفضض، ومدنر، ومدرهم، وقالوا: هذا الشيء مترب، ومموه، ومرمل، من التراب، والماء، والرمل.

فرأى أنه من الخير والتيسير، ألا نقف جامدين أمام تطور العلوم والاصطلاحات الكميائية

* "بمثله" متعلق بنصب الآتي، "أو فعل أو وصف" معطوفان على مثل "نصب" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على المصدر، "وكونه" مبتدأ والهاء اسم كان مضاف إليه، من إضافة مصدر الناقص إلى اسمه. "أصلًا" خبر كان الناقصة. "لهذين" متعلق بأصلا، أو بمحذوف صلة له. "انتخب" ماض للمجهول، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 123

‌فصل: ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق ما يدل على المصدر

(1)

، من صفة، كسرت أحسن السير

(2)

، واشتمل الصماء

(3)

، وضربته ضرب الأمير اللص، إذ الأصل: ضربا مثل ضرب الأمير اللص، فحذف الموصوف ثم المضاف أو ضميره

(4)

، نحو عبد الله أظنه جالسا

(5)

، ونحو:{لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا}

(6)

، أو إشارة إليه

(7)

، كضربته ذلك الضرب

(8)

، أو مرادف له نحو: شنئته بغضا، وأحببته

والطبيعة والطيبة والحيوية. وقرر إجازة الاشتقاق في لغة العلوم عند الحاجة، فيقال: منحس، من النحاس، ومقصدر، من القصدير، ومكهرب من الكهرباء، ومنشى، من النشا

إلخ.

(1)

أي عند حذفه وهذه الصور الآتية، للمفعول المطلق المبين لنوع عامله.

(2)

الأصل: سرت السير أحسن السير، فحذف الموصوف ودلت عليه إضافة الصفة إلى مثله، ونابت منابه.

(3)

الأصل الشملة الصماء، فحذف الموصوف ونابت الصفة منابه، والشملة الصماء أن يجلل المرء جسده بثوبه، ويضم طرفيه كما يفعل الإعراب بأكسيتهم، فيرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يرده ثانية من خلفه اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعًا.

(4)

أي الضمير العائد على مثل المصدر المحذوف، وقوله:"أو ضميره" معطوف على قوله "من صفة".

(5)

فـ"عبد الله" أول. ومضاف إلي لأظن و"جالسا" مفعوله الثاني، والهاء في أظنه ضمير المصدر المفهوم من أظنه، أي الظن، وهو نائب عنه في الانتصاب على المفعولية المطلقة، أي أظن ظنا، فهو نائب عن مصدر مؤكد.

(6)

تقديره: لا أعذاب هذا التعذيب الخاص أحدا، فالضمير هنا نائب عن مصدر نوعي.

(7)

أي إلى المصدر، سواء كان اسم الإشارة متبوعا بالمصدر كمثال المصنف، أم لا، كضربته ذلك والغالب أن يكون بعده مصدر مثل المحذف.

(8)

اسم الإشارة وهو "ذلك"، مفعول مطلق نائب عن المصدر.

ص: 124

مقة

(1)

، وفرحت جذلًا، وهو بالذال المعجمة مصدر جذل بالكسر، أو مشارك له في مادته وهو ثلاثة أقسام: اسم مصدر، كما تقدم، واسم عين

(2)

، ومصدر لفعل آخر، نحو:{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتًا}

(3)

، {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}

(4)

، والأصل: إنباتا، وتبتلا، أو دال على نوع منه، كـ"قعد القرفصاء"، ورجع القهقري

(5)

، أو دال على عدده، كـ"ضربته عشر ضربات"

(6)

، {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة} ، أو آلته

(7)

، كضربته سوطًا أو عصا

(8)

.

(1)

" بغضا" مفعول مطلق نائب عن شنأ المرادف للبغض، و"مقة" مفعول مطلق نائب عن محبة، والمقة: المحبة، وهي مصدر ومقه، كورثه، أحبه فهو وامق.

(2)

أي ذات مجسمة.

(3)

فـ"نبات" اسم عين للشيء النابت من زرع وغيره، وقد ناب عنه "إنباتا" الذي هو مصدر أنبت.

(4)

فـ"تبتيلا" مصدر للفعل "بتل" وقد ناب عن التبتل، الذي هو مصدر للفعل "تبتل" ولم يعتبر "التبتل" اسم مصدر للفعل بتل؛ لأن حروفه تزيد على حروف مصدر هذا الفعل، واسم المصدر -على الصحيح- لا بد أن تقل حروفه عن حروف مصدر الفعل الذي يجري على مقتضاه في الاشتقاق.

(5)

أي قعد قعود القرفصاء، ورجع رجوع القهقري، وهي الرجوع إلى الخلف، والقرفصاء: نوع من القعود، وهو أن يجلس الشخص على إليتيه وفخذاه ملتصقان ببطنه، يحيط بهما ذراعاه، أو ينكب على ركبتيه ويلصق بطنه بفخذيه، وكفاه تحت إبطه، وكذلك القهقري: نوع من الرجوع، وهما نائبان عن المصدر؛ لأنهما من غير لفظ العامل، أما إذا استعملا فعليهما المشاركين لهما في المادة وهما "قرفص" و"قهقر" فهما مصدران أصليان.

(6)

فـ"عشر" نائب عن المصدر، والأصل ضربته ضربا عشر ضربات، فحذف المصدر وناب عنه عدده.

(7)

أي الآلة التي تستخدم لإيجاد معنى المصدر وتحقيقه.

(8)

الأصل: ضربته ضربا بسوط أو عصا، أو ضرب سوط أو عصا، فحذف المصدر، وأقيمت

ص: 125

أو "كل"، نحو:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}

(1)

، وقوله:

يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

(2)

أو"بعض"، كـ"ضربته بعض الضرب".

الآلة مقامه، ويشترط أن تكون الآلة معهودا استخدامها في إحداث معنى المصدر، فلا يصح: ضربته شجرة.

(1)

"كل" مفعول مطلق نائب عن مصدر محذوف، أي ميلا كل الميل.

(2)

عجز بيت من الطويل، لقيس بن الملوح، المعروف بمجنون ليلى، وصدره:

وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما

اللغة والإعراب: الشتيتين: المتفرقين مثنى شتيت، يريد المحبين المتباعدين اللذين لا يقدران على الاجتماع، "بعد" ظرف متعلق بيجمع، "ما" مصدرية. "يظنان" مضارع مرفوع بثبوت النون والألف العائدة على الشتيتين فاعل "وما"، وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بإضافة "بعد" إليه، "كل" مفعول مطلق نائب عن المصدر، "الظن" مضاف إليه. "أن"، مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، "لا" نافية للجنس. "تلاقيا" اسمها والألف للإطلاق وخبرها محذوف، والجملة خبر أن، وجملة أن واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي ظن.

المعنى: يمني نفسه بقرب اجتماعه بليلى وعدم اليأس من ذلك، فيقول: إنه سبحانه وتعالى قادر على أن يجمع شمل المتباعدين، بعد أن يكون عندهما ظن محقق، أنه لا يمكن التلاقي والاجتماع.

الشاهد: نصب لفظ "كل" على أنه مفعول مطلق نائب عن المصدر، والأصل: ظنا كل الظن.

ويشترط في نيابة، "كل" و"بعض" عن المصدر: أن يضاف كلا منهما إلى مثل المصدر المحذوف، كما في البيت والآية، ومثل "كل" و"بعض": ما يؤدي معناهما من الألفاظ الدالة على العموم أو على البعضية، مثل:"جميع"، و"عامة" و"نصف" و"شطر".

ومما ينوب عن المصدر: "ما" الاستفهامية" في نحو: ما تزرع حديقتك؟ أي، أي زرع تزرع حديقتك، و"ما" الشرطية، نحو: ما شئت فاعمل، أي: أي شئته فاعمله.

وهذه الأشياء التي ذكرناها، منها ما ينوب عن المصدر المؤكد غالبا، وهي: المرادف، واسم

ص: 126

مسألة: المصدر المؤكد لا يثنى ولا يجمع باتفاق، فلا يقال: ضربين ولا ضروبا؛ لأنه كماء، وعسلٍ

(1)

، والمختوم بتاء الوحدة، كضربة بعكسه

(2)

باتفاق، فيقال: ضربتين وضربات؛ لأنه كتمرة وكلمة، واختلف في النوعي، فالمشهور الجواز

(3)

، وظاهر مذهب سيبويه المنع، واختاره الشلوبين.

المصدر، والمشارك في المادة، وما ينوب عن المبين للنوع أو العدد، وهي: الوصف، والضمير، والإشارة، والعدد والآلة، وكل، وبعض، وما في معناهما، وكلها تتلخص في شيء واحد، وهو وجود ما يدل عليه عند حذفه، وفي ذلك يقول الناظم:

وقد ينوب عنه ما عليه دل

كجد كل الجد وافرح الجذل

أي ينوب عن المصدر عند حذفه، كل شيء يدل عليه، وقد مثل الناظم بنائبين، هما: لفظ "كل" مضافا إليه المصدر، والمرادف وهو الجذل، بمعنى الفرح.

(1)

أي مقصود به معنى الجنس، فهو يدل بنفسه على القليل والكثير، فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية، في التثنية والجمع. وأيضًا فهو بمنزلة تكرار الفعل، والفعل لا يثنى، ولا يجمع. ومثله في ذلك ما ينوب عنه.

(2)

أي يثنى ويجمع.

(3)

أي جواز تثنية وجمعه، وذلك إذا اختلفت أنواعه، وقد جاء في القرآن الكريم:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ} ، ومثله المبين للعدد، ويجوز تقديمها على العامل، ولا يعملان شيئا فليس لها فاعل ولا مفعول.

ويرى ابن مالك المنع في المؤكد، والجواز في غيره، وفي ذلك يقول:

وما لتوكيد فوحد أبدا

وثن واجمع غيره وأفردا*

أي أن المصدر الدال على التوكيد يجب توحيده، أي إفراده، فلا يثنى ولا يجمع.

أما غيره فثنه إن شئت، واجمعه، أو اجعله مفردا.

* "قد" حرف تحقيق، "عنه" متعلق بينوب، والضمير عائد على المصدر المتأصل في المفعولية، وهو ما كان من لفظ عامله، "ما" اسم موصول فاعل ينوب. "عليه" متعلق بدل، وجملة "دل" صلة ما. "كجد" الكاف جارة لقول محذوف. "كل" مفعول مطلق نائب عن المصدر، "الجد" مضاف إليه.

* "وما" اسم موصول مفعول لواحد بعده، "لتوكيد" متعلق بمحذوف صلة ما، "فوحد" الفاء زائدة و"وحد" فعل أمر، "أبدا" ظرف، "غيره" مفعول تنازعه كل من ثن واجمع، فاعمل الثاني، وحذف ضميره من الأول؛ لأنه فضلة. "وأفردا" فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، المقلوبة ألفًا للوقف، والفاعل أنت.

ص: 127

‌فصل: اتفقوا على أنه يجوز لدليل مقالي

(1)

، أو حالي، حذف عامل المصدر غير المؤكد

(2)

، كأن يقال: ما جلست؟ فتقول: بلى جلوسا طويلا، أو بلى جلستين

(3)

، وكقولك لمن قدم من سفر: قدوما مباركا

(4)

.

وأما المؤكد، فزعم ابن مالك أنه لا يحذف عامله؛ لأنه إنما جيء به لتقويته وتقرير معناه، والحذف مناف لهما

(5)

، ورده ابنه بأنه قد حذف جوازًا، في نحو:

(1)

الدليل المقالي: الذي يكون مرجعه إلى القول والكلام، أما الحالي: فهو الذي يعمد على المشاهدة أو نحوها، مما يحيط بالشخص، ويجعله يفهم أمرا مستنبطا مما حوله، ولا شأن له بالقول والكلام.

(2)

وهو المبين للنوع أو العدد.

(3)

فـ"جلوسا" مصدر نوعي، لوصول بالطول، حذف عامله جوازا، لدليل مقالي، وهو "ما جلست؟ "، والتقدير:"بلى جلست جلوسا طويلا" و"جلستين" مصدر عددي حذف عامله لذلك، والتقدير: بلى جلست جلستين".

(4)

فـ"قدوما" مصدر نوعي حذف عامله لدليل حالي، وهو المشاهدة، والتقدير: قدمت قدوما مباركا، ومثال حذف عامل العددي لدليل حالي: أن ترى خيل السباق، وهي تدور في الملعب، فتقول: دورتين: والتقدير: دارت دورتين.

(5)

ومن أجل ذلك لا يصح تثنيته، ولا جمعه، ولا أن يرفع فاعلا، أو ينصب مفعولا، أو يتقدم على عامله، أو يحذف عامله؛ لأن الحذف مناف لتلك الحكمة، مناف للغرض من الإتيان بالمصدر المؤكد، وفي هذا يقول الناظم:

وحذف عامل الموكد امتنع

وفي سواه لدليل متسع

أي أنه يمتنع حذف عامل المصدر المؤكد، متسع للحذف في غيره، كالمبين للنوع أو العدد، وذلك عند وجود دليل يدل على المحذوف.

* "وحذف" مبتدأ، وما بعده مضاف إليه. "امتنع" فاعله يعود على حذف، والجملة خبر المبتدأ، وفي "سواه" ومجرور خبر مقدم، "لدليل" متعلق بمتسع الواقع مبتدأ مؤخرا.

ص: 128

أنت سيرا

(1)

، ووجوبا في: أنت سيرا سيرا، وفي نحو: سقيا ورعيا

(2)

، وقد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه

(3)

، وهو نوعان:

ما لا فعل له، نحو:"ويل زيد"

(4)

، و"يحه".

بله الأكف

(5)

(1)

أي مما وقع فيه المصدر خبرا عن اسم عين، غير مكرر ولا محصور.

(2)

أي إذا كان مكررا، نحو: أنت سيرا سيرا، أو محصورا، نحو: ما أنت سيرا، وإنما أنت سيرا، أو غير ذلك، نحو: سقيا ورعيا، وحمدا وشكرا، وإنما وجب الحذف في ذلك، لقيام التكرار والحصر مقام العامل، ويجاب عن الناظم بأن هذه المصادر ليست من المؤكد الآن، بل المصدر فيها نائب مناب الفعل وعوض منه، بدليل أنه يمتنع الجمع بينهما، ولا شيء من المؤكدات يمتنع الجمع بينه، وبين المؤكد.

(3)

هذا كالاستثناء من قوله: "وحذف عامل المؤكد امتنع"، فهو من قسم المصدر المؤكد؛ لأن الذي ينوب عن العامل المحذوف هو المصدر المؤكد، ويرى بعض الباحثين: أن الأفضل اعتبار المصدر النائب عن فعله قسما مستقلا، زائدا على الأقسام الثلاثة المتقدمة؛ لأن كثيرا من المصادر النائبة عن عاملها قد يكون مؤكدا لعامله، والأصل في المؤكد ألا يعمل، ولا يحذف عامله، والنائب هنا يعمل، ويحذف عامله، فيقع التعارض بين حكم المؤكد هنا، وحكمه في ناحية أخرى.

(4)

هو وما بعده: مصدر نائب عن فعله، مضاف إلى المفعول.

(5)

لعله يشير بهذا إلى بيت من الكامل، لكعب بن مالك الصحابي، من قصيدة قالها في غزوة الخندق، يصف شدة فتك السيوف بالأعداء، وهو بتمامه:

تذر الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكف كأنها لم تخلق

اللغة والإعراب: تذر: تترك، الجماجم: جمع جمجمة، وهي عظم الرأس المشتمل على الدماغ، ضاحيا: بارزا للشمس، هاماتها: جمع هامة، وهي الرأس. "تذر" فعل مضارع فاعله يعود على السيوف. "ضاحيا" حال من الجماجم، "هاماتها" فاعل ضاحيا ومضاف إليه. "بله" مصدر نائب عن فعل من معناه. "الأكف" مضاف إليه، وروي "الأكف"

ص: 129

فيقدر له عامل من معناه

(1)

، على حد: قعدت جلوسا.

وما له فعل وهو نوعان: واقع في الطلب

(2)

، وهو الوارد دعاء، كسقيا، ورعيا، وجدعا

(3)

، أو أمرا أو نهيا، نحو: قياما لا قعودا

(4)

، ونحو:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} ، وقوله:

فندلا زريق المال ندل الثعالب

(5)

كذا أطلق ابن مالك، وخص ابن عصفور الوجوب بالتكرار، كقوله:

بالنصب، على أن "بله" اسم فعل أمر بمعنى اترك، والأكف مفعوله.

المعنى: أن هذه السيوف شديدة الفتك بالأعداء، تترك رءوسهم -بعد فصلها عن أجسامهم- معرضة للشمس على أرض المعركة، أما الأكف فليس لها أثر، كأنها لم تخلق.

الشاهد: جر الأكف، على أن "بله" مصدر ليس له فعل من لفظه "والأكف" مضاف إليه، وروي "الأكف"، على أنه "بله" اسم فعل أمر، و"الأكف" مفعوله، كما بينا.

(1)

فيقدر في ويل زيد، أحزن الله زيدا ويله، أو أهلكه، أو عذبه، وفي ويح زيد، رحم الله زيدا ويحه. وفي بله الأكف، اترك ترك الأكف؛ لأنه بله بمعنى ترك، ومثل "ويل" في معنى الهلاك والعذاب. "ويب"، ويب اللص، أي أهلكه الله. ومثل "ويح" في الترحم وإظهار الشفقة "ويس".

(2)

أي في أسلوب إنشائي مقصود به الطلب، سواء كان طلب فعل أو ترك، أو إقرار للشيء، أو عدم إقراره.

(3)

"سقيا ورعيا" دعاء بالخير أي سقاك الله سقيا، ورعاك رعيا، و"جدعا" دعاء بالشر، والجدع: قطع ظرف الأنف، أو الشفة، أو الأذن، ونحو ذلك، ومثله: بعد، وسحقا، وبؤسا.

(4)

أي قم قياما لا تقعد قعودا، فقياما وقعودا منصوبان بفعل محذوف وجوبا. ولا يجوز حذف المضارع المجزوم بلا الناهية، إلا في هذه الصورة.

(5)

عجز بيت من الطويل، لمحمد بن عبد الله الأنصاري، وقيل لأعشى همدان يهجو لصوصا، وصدره:

على حين ألهى الناس جل أمورهم

ص: 130

فصبرا في مجال الموت صبرا

(1)

وقبل هذا البيت:

يمرون بالدهنا خفافا عيابهم

ويرجعن من دارين بجر الحقائب

اللغة والإعراب: الدهنا: موضع بنجد: وهو ممدود، وقصر للشعر، عيابهم: جمع عيبة، وهي الوعاء يوضع فيه الزاد والثياب، كالحقيبة، دارين: موضع بالبحرين، مشهور بالمسك، ويقال: مسك داري: بجر: جمع أبجر، وهو العظيم البطن، وإضافته للحقائب من إضافة الصفة للموصوف، الحقائب جمع حقيبة، وهي العيبة، ألهى الناس: شغلهم، من الإلهاء، وهو شغلك عن الشيء، جل معظم وأثر، ندلا: الندل: التناول والاختطاف بسرعة وخفة، زريق: اسم قبيلة أو رجل. "على حين" جار ومجرور متعلق بيمرن في البيت قبله. "يروى" بالفتح على البناء، لإضافته لجملة "ألهى"، وبالكسر على الإعراب.

"الناس" مفعول ألهى. "جل أمورهم" فاعله ومضاف إليه، "فندلا" مفعول مطلق لمحذوف، أي اندل، "زريق" منادى بحذف حرف النداء، "المال" مفعول لندلا"، لتباينه عن الفعل، "ندل الثعالب" مفعول مطلق مبين للنوع، ومضاف إليه، أو منصوب على نزع الخافض، متعلق بمحذوف صفة لندلا، أي مثل ندل الثعالب.

المعنى: أن هؤلاء اللصوص يخرجون للسرقة، فيمرون بالدهنا وحقائبهم فارغة، ثم يسرقون ويرجعون من دارين، وقد امتلأت حقائبهم بما سرقوا، وهم ينتهزون فرصة اشتغال الناس بأمورهم، ومهامهم، ويوصي بعضهم بعضا بسرعة الخطف والحيلة، كما تفعل الثعالب، والثعلب يضرب به المثل في ذلك. فيقال: أخطف من ثعلب.

الشاهد: في وقوله، "ندلا"، فهو مصدر نائب عن فعله، وهو واقع في الطلب؛ لأن معناه، اندل، أي اخطف، هل ينوب هذا المصدر عن الفعل في الدلالة على معناه؟ وفي تحمل ضميره المستتر الذي كان فاعلا له، فيصير بعد الحذف فاعلا للمصدر؟ أي ينوب عن الفعل المحذوف وفاعله معا، فلا يحتاج لفاعل؟ قولان، والأول أحسن؛ لأنه يساير القواعد، والثاني أيسر وأخف.

(1)

صدر بيت من الوافر، لقطري بن الفجاءة، الخارجي المعروف، وعجزه:

فما نيل الخلود بمستطاع

وهذا البيت من قصيدته المشهورة التي، مطلعها:

ص: 131

أي مقرونا باستفهام توبيخي، نحو: أتوانيا وقد جد قرناؤك؟

(1)

وقوله:

ألؤما لا أبا لك واغترابا

(2)

أقول لها وقد طارت شعاعا

من الأبطال ويحك لن تراعي

فإنك لو سألت بقاء يوم

على الأجل المقدر لم تطاعي

الضمير في "لها" يرجع إلى النفس المفهومة من سياق الكلام، شعاعا: متفرقة، يريد بذلك المبالغة في الجزع والفزع، لن تراعي: لن تخافي ولن تجزعي.

اللغة والإعراب: مجال الموت: مكان المعركة الذي يجول فيه الفرسان، الخلود: البقاء المستمر، "صبرًا" مصدر قائم مقام فعل الأمر، أي اصبري، "في مجال الموت" متعلق به، ومضاف إليه، "صبرًا" الثاني توكيد للأول. "فما" الفاء للتفريغ، و"ما" نافية "نيل الخلود" مبتدأ، أو اسم ما على أنها عاملة، والخلود مضاف إليه. "بمستطاع" خبر على زيادة الباء.

المعنى: اصبري أيتها النفس، ولا تيأسي، واثبتي في مواطن القتال، حتى النصر أو الموت الشريف، فإن الفرار لا ينجي، والبقاء المستمر في هذه الحياة الدنيا غير ممكن، فلكل أجل كتاب.

الشاهد: أن تكرار المصدر القائم مقام فعل الأمر -وهو "صبرا"- هو الذي أوجب حذف العامل، على رأي عصفور، ومن تبعه، أما ابن مالك، وغيره: فيرى وجوب الحذف، متى كان المصدر واقعا موقع فعل الأمر، من غير قيد.

(1)

أي: أتتوانى توانيا؟ وهذا توبيخ للمخاطب. وقد يكون التوبيخ للمتكلم، فتوجه صيغة التوبيخ مشتملة على الخطاب، ويريد نفسه بقرينة، كمن يقول لنفسه، أتركا للعمل وأنا محتاج؟ وقد يكون التوبيخ للغائب، نحو: أجبنا وهو صاحب الحق في أرضه.

(2)

عجز بيت من الوافر، لجرير الشاعر الأموي، يهجو خالد بن يزيد الكندي، وصدره:

أعبدًا حل في شعبي غريبًا

اللغة والإعراب: حل: نزل واستقر. شعبي: موضع، أو المراد جبال متشعبة. غريبا: وصف، من الغربة، هي البعد عن الأهل والوطن، ألؤما: اللؤم الخسة والدناءة: لا أبا

ص: 132

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لك: المقصود بهذا الأسلوب هنا الذم، أي أنه مجهول النسب، اغترابا: بعدا عن الوطن، "أعبدا" الهمزة للنداء، و"عبدا" منادى منصوب؛ لأنه شبيه بالمضاف، أو: الهمزة للاستفهام، داخلة على فعل محذوف، تقديره: أتفخر مثلًا، والفاعل أنت، و"عبدا" حال من الفاعل. "حل" فعل ماض وفاعله يعود على "عبدا"، والجملة صفة له "غريبا" حال من الفاعل "ألؤما" الهمزة للاستفهام التوبيخي، و"لؤما" مصدر معمول لمحذوف وجوبا، أي أتلؤم لؤما. "واغترابا" معطوف على لؤما. "لا أبا لك" جملة معترضة بين المتعاطفين، قصد بها الدعاء على المخاطب، "لا" نافية للجنس. "أبا" اسمها منصوب بالألف، "لك" اللام زائدة، والكاف في محل جر بالإضافة، والخبر محذوف.

المعنى: يهجو الشاعر رجلا، فيقول له: أيها الذليل الحقير، الذي حل بهذا المكان وهو عنه غريب، لا أهل له به، ولا عشيرة، بم تفخر؟ لقد جمعت بين الدناءة والاغتراب.

الشاهد: وقوع المصدر -وهو "لؤما واغترابا"- نائبا عن الفعل بعد الاستفهام التوبيخي، فعامله محذوف وجوبا عند جميع النحاة.

هذا: ونيابة المصدر على عامله المحذوف في الأساليب الطلبية، قياسية، بشرط: أن يكون العامل المحذوف فعلا من لفظ المصدر ومادته، وأن يكون المصدر مفردا منكرا، وإلا كان سماعيا، مثل:"ويل" و"ويح"

إلخ.

وفي حذف عامل المصدر النائب عن فعله، يقول الناظم في إيجاز وإجمال:

والحذف حتم مع آت بدلا

من فعله كندلا اللذ كاندلا

أي أن الحذف واجب في عامل المصدر، الآتي بدلا، وعوضا عن فعله، ومغنيا عن التلفظ به، مثل "ندلا" -أي: خطفا- الذي هو بمعنى "اندل"، في الدلالة على الطلب، ولعله يشير بهذا المثال إلى البيت السابق "صفحة 123".

* "والحذف حتم" مبتدأ وخبر. "مع" ظرف متعلق بحتم. "آت" مضاف إليه. "بدلا" حال من الضمير في "آت" من "فعله" متعلق ببدلا، "كندلا" خبر لمبتدأ محذوف، مقصود لفظه، أو حال من الضمير المستتر في آت، "اللذ" اسم موصول صفته لندلا، وهو بسكون الذال، وحذف الياء لغة في الذي "كاندلا" متعلق بمحذوف صلة الموصول، وقد قصد لفظه أيضًا.

ص: 133

وواقع في الخبر

(1)

، وذلك في مسائل:

إحداها: مصادر مسموعة

(2)

كثر استعمالها، ودلت القرائن على عاملها، كقولهم عند تذكر نعمة وشدة: حمدًا وشكرا لا كفرا

(3)

، وصبرا لا جزعًا

(4)

وعند ظهور أمر معجب عجبًا

(5)

، وعند خطاب مرضي عنه أو مغضوب عليه: أفعليه وكرامة ومسرة

(6)

، ولا أفعله ولا كيدا ولا هما

(7)

.

الثانية: أن يكون تفصيلًا لعاقبة ما قبله

(8)

، نحو: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا

(1)

هذا هو النوع الثاني المقابل لقوله سابقًا "واقع في الطلب"، والمراد بالخبر هنا: ما ليس بطلب فيشمل الإنشاء غير الطلبي، كصيغة التعجب، والمدح والذم، وجملة القسم -لا جملة الجواب، ومثل: حمدا وشكرا، وقد جعل النحاة ذلك من قسم الخبر، نظرا لصورة العامل ولفظه، وقيل: إنها أساليب خبرية لفظا ومعنى.

(2)

الأمثلة التي ذكرها المصنف، من الإنشاء غير الطلبي، الذي يراد به إقرار معنى ما، أو عدم إقراره من غير طلب شيء، وقد جرت هذه الأساليب مجرى الأمثال، ولذلك لا تغير كالأمثال، ويقتصر فيها على المسموع على الصحيح، ولا يقاس عليها، ووجوب حذف العامل فيها خاص باجتماعها، مراعاة للمأثور، وإلا لا يكون الحذف واجبًا.

(3)

وهذا من أمثلة سيبويه، والتقدير: أحمد الله حمدًا، وأشكره شكرا، لا أكفره كفرا، قيل: ولا يستعمل كفرا إلا مع حمدا وشكرا.

(4)

أي أصبر ولا أجزع.

(5)

أي أعجب عجبًا.

(6)

أي: وأكرمك كرامة، وأسرك مسرة، ولا تستعمل مسرة إلا بعد كرامة، وكرامة: اسم مصدر أكرم.

(7)

أي لا أكاد كيدا، ولا أهم همًا.

واختلف في "أكاد" هذه، فقيل تامة، والمعنى: ولا مقارب، وقيل ناقصة وخبرها محذوف، أي ولا أكاد أقارب الفعل.

(8)

أي أن يكون المصدر في موضع يوضح ويفصل عاقبة جملة قبله، أي يبين الغاية والغرض من مضمون الجملة قبله، وذلك يكون بوقوعه بعد أداة تفيد التفصيل.

ص: 134

بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}

(1)

.

الثالثة: أن يكون مكررًا، أو محصورًا، أو مستفهما عنه، وعامله خبر عن اسم عين

(2)

، نحو: أنت سيرا سيرا

(3)

، وما أنت إلا سيرا، وإنما أنت سير البريد،

....

(1)

فـ"منا" و"فداء" ذكرا تفصيلا وتوضيحا لعاقبة الأمر بشد الوثاق؛ والتقدير: فإما أن تمنوا منا؛ بإطلاق الأسرى بدون فداء، وإما أن تفدوا فداء؛ والفداء العوض المالي غيره، وهما مصدران منصوبان بالفعلين المحذوفين وجوبا، وقد ناب كل منهما عن فعله في بيان معناه.

وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:

وما لتفصيل كإما منا

عامله يحذف عنا

أي إذا دل هذا المصدر على تفصيل أمر مجمل قبله؛ فإن عامله يحذف وجوبا حيث عن؛ أي عرض. وأشار بقوله: "كإما منا" إلى الآية الكريمة التي ذكرها المصنف.

(2)

أي اسم ذات مجسمة؛ فلا يراد به أمر معنوي؛ كالعلم، والفهم، والنبل

إلخ. وجملة الشرط أربعة:

الأول: أن يكون المصدر مكررا، أو محصورا، أو مستفهما عنه، أو معطوفا عليه أيضا؛ نحو: أنت سيرا وطيرانا.

الثاني: أن يكون عامله خبر لمبتدأ، أو ما أصله المبتدأ.

الثالث: أن يكون هذا المبتدأ اسم عين.

الرابع: أن يكون معنى المصدر مستمرا إلى زمن الحال، لا منقطعا ولا مستقبلا. فإن فقد شرطا من هذه الشروط، كان الحذف جائزا لا واجبا.

(3)

الأول مثال للمكرر، والثاني والثالث للحصر. وإنما وجب حذف العامل فيهما؛ لقيام التكرير مقام العامل، وكذلك الحصر؛ لما فيه من التأكد القائم مقام التكرير.

* "وما" اسم موصول مبتدأ أول. "لتفصيل" متعلق بمحذوف صلة. "كإما" متعلق بمحذوف نعت لتفصيل، "منا" مفعول مطلق حذف عامله وجوبا. "عامله" مبتدأ ثان ومضاف إليه، "يحذف" الجملة خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني وخبره خبر الأول. "حيث" ظرف متعلق بيحذف. "عنا"؛ أي عرض، فعل ماض، وفاعله يعود إلى عامل، والألف للإطلاق، والجملة في محل جر بإضافة حيث إليها.

ص: 135

وأأنت سيرًا؟

(1)

الرابعة: أن يكون مؤكدًا لنفسه أو لغيره، فالأول: الواقع بعد جملة وهي نص في معناه

(2)

، نحو: له علي ألف عرفا، أي اعترافا

(3)

، والثاني: الواقع بعد جملة تحتمل معناه وغيره، نحو: زيد ابني حقا

(4)

،. . . . . . . . . . .

(1)

مثال لدخول الاستفهام على المبتدأ، ووجوب الحذف في ذلك، لقيام الاستفهام في شدة الطلب للفعل، مقام التكرير، ويلاحظ أن الخبر في الجميع خبر عن اسم عين، فلو كان خبرا عن اسم معنى، نحو: إنما سيرك سير الجواد، تعين، رفع المصدر على الخبرية، بخلاف ما إذا كان خبرا عن اسم عين، فإنه يؤمن معه الخبرية؛ لأن المعنى لا يخبر به عن اسم العين إلا مجازا كما سبق.

وقد اقتصر الناظم في هذه المسألة على المكرر والمحصور، فقال:

كذا مكرر وذو حصر ورد

نائب فعل لاسم عين استند

أي كذلك يحذف المصدر وجوبًا، إذا وقع المصدر نائبا عن فعل محذوف استند لمبتدأ اسم عين، أي أخبر به عنه، وكان هذا المصدر مكررا، أو محصورا، ويزاد على ذلك: إذا كان مستفهما عنه، أو معطوفا عليه، كما بينا.

(2)

أي يكون مضمونها كمضمونه، ومعناها الحقيقي كمعناه لا تحتمل شيئا آخر.

(3)

فجملة "له على ألف" نص في الاعتراف لا تحتمل غيره، فمدلول الجملة هو مدلول المصدر، وسمي مؤكدا لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة الجملة التي قبله.

(4)

فجملة "زيد ابني" تحتمل الحقيقة، وتحتمل المجاز على معنى: أنت مثل ابني في الحنو والعطف، وقد صارت نصا بالمصدر وهو "حقا"؛ لأنه أزال الشك ورفع المجاز وأثبت الحقيقة، ولذلك سمي مؤكدا لغيره؛ لأنه جعل ما قبله نصا بعد أن كان محتملا، وأثر فيه فكأنه غيره؛ لأن المؤثر غير المأثر.

* "كذا" متعلق بمحذوف خبر مقدم، "مكرر" مبتدأ مؤخر، "وذو حصر" معطوف على مكرر ومضاف إليه.

"ورد" الجملة نعت للمبتدأ وما عطف عليه، وكان عليه أن يقول: وردا نائبي فعل، واستندا؛ لأنه الجملة نعت للمكرر والمحصور، ولكنه أفرد على معنى ما ذكر، "نائب فعل" حال من فاعل ورد، ومضاف إليه، "لاسم عين" متعلق باستند ومضاف إليه.

ص: 136

وهذا زيد الحق لا الباطل، ولا أفعل كذا ألبتة

(1)

.

الخامسة: أن يكون فعلًا علاجيا

(2)

تشبيهيا، بعد جملة مشتملة عليه وعلى صاحبه

(3)

، كمررت فإذا له صوت صوت حمار، وبكاء بكاء ذات داهية

(4)

.

(1)

فجملة "لا أفعل كذا" تحتمل استمرار النفي وانقطاعه، وكلمة "ألبتة" رفعت احتمال الانقطاع وحققت استمرار النفي، والبت، والقطع، و"أل" فيها لازمة وهمزتها للقطع، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:

ومنه ما يدعونه مؤكدا

لنفسه أو غيره فالمبتدأ

نحو "له على ألف عرفا"

والثاني كـ"ابني أنت حقا صرفا"

أي من المصدر المحذوف عامله وجوبا، ما يسمى المؤكد لنفسه، والمؤكد لغيره، فالمبتدأ، أي النوع الأول، وهو المؤكد لنفسه، نحو:"له على ألف عرفا"، أي اعترافا، فاعترافا مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا، أي اعترف اعترافا، والنوع الثاني وهو المؤكد لغيره، نحو:"أنت ابني حقا"، وقد شرح هذا المثال، ومعنى صرفا، أي خالصا لا شبهة فيه، وهو نعت لحقا، المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبا.

(2)

أي يحتاج في إحداثة إلى علاج بتحريك عضو من الأعضاء، كالضرب والكلام، والمراد: أن معناه مما يطرأ ويتجدد، وليس من الأمور الثابتة، والسجايا الفطرية الملازمة، كالذكاء، والطول، والقصر،. . . . . . . . . . . إلخ.

(3)

جملة الشروط هي: كونه مصدرا، مشعرا بالتجدد، دالا على التشبيه، بعد جملة، مشتملة هذه الجملة على معناه وعلى فاعله المعنوي، ليس فيها ما يصلح للعمل فيه.

(4)

فالمصدر في المثالين فعل علاجي، دال على التشبيه، واقع بعد جملة وهي: له صوت

* "ومنه" خبر مقدم، "ما" اسم موصول مبتدأ مؤخر، "يدعونه" فعل وفاعل ومفعول أول، "مؤكدا" مفعول ثان، والجملة صلة الموصول. "لنفسه" متعلق بيدعو، "أو غيره" معطوف على نفسه "فالمبتدأ" مبتدأ، "نحو" خبر مضاف إلى قول محذوف، "له" خبر مقدم "على" متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر المستتر، "ألف" مبتدأ مؤخر "عرفا" مفعول مطلق، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة نحو، "والثان" مبتدأ أول، "كابني" الكاف جارة لقول محذوف، و"ابني" خبر مقدم "أنت" مبتدأ ثان مؤخر، والجملة خبر المبتدأ الأول، وهي مقول القول المحذوف، أي والثان كقولك: أنت ابني "حقا" مفعول مطلق، "صرفا" نعت له.

ص: 137

ويجب الرفع في نحو: له ذكاء ذكاء الحكماء؛ لأنه معنوي لا علاجي

(1)

، وفي نحو: صوته صوت حمار، لعدم تقدم الجملة، وفي نحو: فإذا في الدار صوت صوت حمار، ونحو: فإذا عليه نوح نوح الحمام، لعدم تقدم صاحبه

(2)

، وربما نصب نحو هذين لكن

وله بكاء، وهذه الجملة مشتملة على اسم بمعناه، وهو المصدر الأول، ومشتملة كذلك على صاحب المصدر، وهو الهاء في أوله، وليس فيها ما يصلح للعمل في المصدر الثاني، فتعين أن يكون منصوبا بفعل محذوف وجوبا، يدل عليه الكلام، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:

كذاك ذو التشبيه بعد جمله

كـ"لي بكا بكاء ذات عضلة"

أي كذلك يجب حذف عامل المصدر، إذا قصد به التشبيه بعد جملة مشتملة على فاعله المعنوي كما بينا، واكتفى بالمثال عن بقية الشروط، نحو: لي بكاء بكاء ذات عضلة: أي لي بكاء أبكي بكاء ذات عضلة، والعضلة: الداهية أو الممنوعة من الزواج، أي بكاء من أصابتها داهية، فبكاء الثانية مصدر، دال على التشبيه، واقع بعد جملة. . . . . . . . . . . إلخ، وهو منصوب وهو منصوب بفعل محذوف وجوبا، ويجوز في هذين المثالين مع استيفاء جيمع الشروط، الرفع، على أن المصدر الثاني بدل من المصدر الأول، أو نعت له؛ لأنه تخصص بالإضافة إلى ما بعده.

(1)

بل هو من الملكات الثابتة وإنما وجب الرفع من غير العلاجي؛ لأن نصب "صوت" وشبهه، إنما كان؛ لأن ما قبله بمنزلة "يفعل" مسندا إلى "فاعل"، فالتقدير في له صوت: هو يصوت، فاستقام نصب ما بعده لاستقامة تقدير الفعل في موضعه، وذلك غير ممكن في له ذكاء.

(2)

أما في المثال الأول، فإن الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور، للمصدر لا لصاحبه، والضمير المجرور في "عليه" في الثاني، عائد على المنوح عليه لا على الناتح، فليس في الجملتين فاعل الفعل المقدر الذي ينصب المصدر.

* "كذلك" كذا خبر مقدم والكاف حرف خطاب "ذو التشبيه" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، "بعد" ظرف متعلق بمحذوف حال، "جملة" مضاف إليه، "كلي" متعلق بمحذوف خبر مقدم "بكا" مبتدأ مؤخر وقصر للضرورة والجملة صفة لجملة، أي بعد جملة كائنة كهذه، وذلك ليكون المثال مشيرا لباقي الشروط، "بكاء" مفعول مطلق، "ذات عضلة" مضاف إليه.

ص: 138

على الحال

(1)

.

تنبيه: مثل: له صوت صوت حمار، قوله:

ما إن يمس الأرض إلا منكب

منه وحرف الساق طي المحمل

(2)

لأن ما قبله بمنزلة: له طي

(3)

، قاله سيبويه.

(1)

أي من الضمير المستكن في الجار والمجرور، لا على أنه مفعول مطلق.

(2)

بيت من الكامل، لأبي كبير الهذلي -عامر بن الحليس- يصف تأبط شرا على الصحيح، "وهو ابن امرأته"، وليس الوصف لفرس، كما يقول بعض النحاة.

اللغة والإعراب: المنكب: مجمع عظم العضد والكتف، المحمل: علاقة السيف.

"ما" نافية مهملة، "إن" زائدة لتأكيد النفي، "الأرض" مفعول يمس، "إلا" أداة استثناء ملغاة.

"منكب" فاعل يمس. "منه" جار ومجرور صفة لمنكب، "وحرف الساق" معطوف على منكب ومضاف إليه، "طي" مفعول مطلق منصوب بمحذوف وجوبا، "المحمل" مضاف إليه.

المعنى: أن هذا الفتى ضامر مدمج الخلق كطي المحمل، إذا اضطجع لا يصل بطنه إلى الأرض، وإنما يمس الأرض منه منكبه وحرف ساقه، وإن له تجافيا كتجافي حمالة السيف.

الشاهد: في "طي المحمل"، فإنه مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا، وهو، وإن لم تسبقه جملة مستوفية للشروط التي ذكرناه، إلا أن الكلام السابق على المصدر، يدل على ما تدل عليه الجملة، كما ذكر المصنف.

(3)

أي: وهذه جملة مشتملة على المصدر وصاحبه.

فائدتان: أ إذا أضيف المصدر، مثلك ويلك، وويحك، وبعدك، يكثر نصبه على المفعولية المطلقة، وقيل مفعول به، ويجوز فيه -على قلة- الرفع على الابتدائية والخبر محذوف، أو العكس، وإذا أفرد جاز الأمران على السواء، وإذا كان معرفا بأل فالأحسن الرفع على الابتداء، تقول: الويل له، ويجوز نصبه على أنه مفعول لفعل محذوف، أما ما يفيد الطلب، نحو: صبر جميل، فيرفع على أنه مبتدأ أو خبر والثاني محذوف، أي صبر جميل أجمل، أو أمري صبر جميل.

ب هناك مصادر مسموعة بالنصب بصيغة التثنية مع الإضافة، مثل: لبيك وسعديك.

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وحنانيك، ودواليك

إلخ، ونصبها بفعل محذوف وجوبا، وهي نائبة عنه، والأصل: ألبي لبيك، وأسعد سعديك، وحن حنانيك، وأداول دواليك.

ومعناها: أجيبك إجابة بعد إجابة، وأساعدك مساعدة بعد مساعدة، وتحنن علي حنانا بعد حنان، واجعل الأمر متداولا بيننا مرة بعد مرة، وهل هي مثناة حقيقة؟ أو المراد مجرد التكثير؟ رأيان وكلاهما، مقبول على حسب ما يقتضيه المقام، ومن المصادر ما هو مفرد منصوب ملازم للإضافة إلا في الضرورة، مثل -سبحان الله، أي براءة له من النقص، ومعاذ الله، أي عياذًا واستعانة به، وريحان الله أي استرزاق الله.

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف المفعول المطلق، وبين الفرق بينه وبين المصدر، ثم بين المصدر واسمه، ووضح ما تقول بالمثال.

2 اذكر أنواع المفعول المطلق، ومثل لكل نوع بأمثلة من إنشائك.

3 اذكر أربعة أنواع، مما ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعولية المطلقة، ومثل لما تقول بأمثلة من عندك.

4 اشرح قول ابن مالك:

وما لتوكيد فوحد أبدا

وثن واجمع غيره وأفردا

5 اذكر ثلاثة من المواضع التي يجب فيها حذف عامل المصدر، وهات أمثلة موضحة.

6 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، بين موضع الشاهد وأعربه:

قال تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} .

{فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} .

{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} .

في الأمثال: لا تخبط عشواء، ولا ترجع القهقري.

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبت كما بات السليم مسهدا

أسجنا وقتلا واشتياقا وغربة

ونأي حبيب إن ذا لعظيم

ويح الشباب من النعومة إنها

أعراض سم للشباب وشيك

أطربا وأنت قنسري

والدهر بالإنسان دواري

7 أعرب البيت الآتي، واشرحه، وبين ما فيه من شاهد:

لأجهدن فإما دفع واقعة

تخشى وإما بلوغ السؤل والأمل

8 ضع في المكان الخالي فيما يأتي: ما يصلح من أنواع المفعول المطلق، وبين نوعه:

تحتفل الهيئات كل عام

بعيد الأسرة، وهو تقليد استحدث

وأحبه الشعب. . . . . . . . . . . لأنه يبعث على تقوية الروابط .... بين أفراد الأسرة، وينمي الصلة

بينها، فيعيش المجتمع

وترفرف عيلهم أعلام السعادة.

9 كن من إنشائك جملتين لكل من الآتي:

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أ مفعول مطلق محذوف عامله وجوبا.

ب مفعول مطلق مبين للنوع.

جـ مصدر واقع في الطلب.

د مفعول مطلق مبين للعدد.

10 بين فيما يأتي: أنواع المفعول المطلق، والمصدر، والعامل، ونوعه، وحكمه:

عجبا لبعض الناس يعيش عيش المترفين، وينصح غيره، نصح المتقشفين، ويذهب في الغواية كل مذهب، وينعي على العاملين بعض الانحراف سهوا أو خطأ، وإذا تحدث سمعت نصحًا، وكان المتحدث اللبق حقا، وتمنت لو قلت ذلك القول، وربما نطقت سمعا وطاعة، وإذا فتشت عنه وجدته المنافق حقا، وصحت في وجهه:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} فيا رب، حنانيك وعبادك المخلصين، وسحقا لأولئك العابثين المنافقين، ومعاذ الله أن تكون من الجاهلين أو المغرورين.

ص: 142

هذا‌

‌ باب المفعول له

(1)

:

ويسمى: المفعول لأجله، ومن أجله

(2)

، ومثاله: جئت رغبة فيك.

وجميع ما اشترطوا له خمسة أمور:

كونه مصدرًا

(3)

، فلا يجوز جئتك السمن والعسل، قاله الجمهور، وأجاز يونس: أما العبيد فذو عبيد

(4)

، بمعنى: مهما يذكر شخص لأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد، وأنكره

(5)

، سيبويه.

وكونه قلبيا

(6)

، كالرغبة، فلا يجوز جئتك قراءة للعلم، ولا قتلًا للكافر، قال ابن الخباز

(7)

، وغيره، وأجاز الفارسي: جئتك ضرب زيد

(8)

، أي لتضرب زيدا.

هذا باب المفعول له:

(1)

هو المصدر الذي يدل على سبب وعلة ما قبله، ويشارك عامله في وقته وفاعله.

(2)

أي لأجل ومن أجل شيء آخر، حصل بسببه المفعول، فالمراد ما فعل لأجله وبسببه فعل.

(3)

لأن المصدر يشعر بالعلية، أما الذوات فلا تكون في الغالب عللا للأفعال.

(4)

أي بنصب "العبيد" على أنه مفعول لأجله مع أنه غير مصدر، وزعم أن هذا لقول العرب، يقولونه إذا وصف شخص آخر بعبيد وغيرهم، كالمنكرين عليه وصف بغير العبيد.

وقال البعض: إنه مفعول لأجله بتقدير مضاف، أي أما تملك العبيد، فالمفعول هو المصدر المحذوف، وهو تملك.

(5)

أي أنكر القياس عليه، وقال: إن رواية النصب لغة ضعيفة.

(6)

أي من أفعال النفس الباطنة، وقيل في سبب اشتراط ذلك إن العلة هي السبب في إيجاد الفعل وسبب الشيء متقدم عليه، وأفعال الجوارح ليست كذلك ولم يشترط بعضهم ذلك، وأجاز: جئتك إكرامًا لي، وجئتك اليوم إكراما لك غدا.

(7)

هو شمس الدين، أحمد بن الحسين الخباز الإربلي الموصلي النحوي، الضرير. كان أستاذ بارعا، علامة زمانه في النحو واللغة والعروض، وله مصنفات مفيدة، منها: النهاية في النحو، وشرح ألفية ابن معطي، ومات بالموصل سنة 637 هـ.

(8)

أي مع أن المصدر ليس قلبيا، وكذلك ليس مشتركا مع العامل في الفاعل؛ لأن فاعل المجيء غير فاعل الضرب، فكأن الفارسي لا يشترط هذين الشرطين.

ص: 143

وكونة علة

(1)

: عرضا كان كرغبة، أو غير عرض كقعد عن الحرب جبنا.

واتحاده بالمعلل به وقتا

(2)

، فلا يجوز تأهبت السفر

(3)

، قال الأعلم والمتأخرون.

واتحاده بالمعلل به فاعلا

(4)

، فلا يجوز جئتك محبتك إياي، قاله المتأخرون أيضا، وخالفهم ابن خروف

(5)

.

(1)

هذا هو الأصل فيه، ومن أجل ذلك: يشترط ألا يكون من لفظ الفعل ولا من معناه، لئلا يصير مصدرا مؤكدا لعامله، أو مبينا لنوعه، أو عدده؛ لأن هذا كله يناقض التعليل.

(2)

أي بأن يتحد وقت الفعل "المعلل" والمصدر "المعلل" سواء حدث الفعل في بعض زمان المصدر، كجئتك طمع، أو في آخره، كحبستك خوفا من فرارك، أو العكس: كجئتك إصلاحًا لحالك.

(3)

لأن زمن التأهب غير زمن السفر، وأيضا فالسفر ليس قلبيا.

(4)

أي: بأن يكون فاعل الفعل وفاعل المصدر واحدا.

(5)

فقد أجاز النصب مع اختلاف الفاعل محتجًا بنحو قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} ، فإن فاعل الإرادة هو الله، وفاعل الخوف والطمع والعباد والمخاطبون، وقد أجيب: بأن الاتحاد في الفاعل تقديري، فإن معنى يريكم، يجعلون ترون، فيكون فاعل الرؤية هو فاعل الخوف والطمع، أو هو على حذف مضاف، أي إرادة الخوف والطمع، وإلى بعض هذه الشروط أشار الناظم بقوله:

ينصب مفعولا له المصدر إن

أبان تعليلا كـ"جد شكرا ودن

وهو بما يعمل فيه متحد

وقتا وفاعلا

أي ينصب المصدر على أنه مفعول له، إن أبان، أي أظهر سبب وعلة ما قبله، مثل: جد.

* "مفعولا" حال من المصدر بعده. "له""المصدر" نائب فاعل ينصب. "إن" شرطية. "أبان" فعل الشرط وفاعله يعود على المصدر، "تعليلا" مفعوله. "كجد" الكاف جارة لقول محذوف، "شكرا" مفعول لأجله. "ودون" فعل أمر من الدين، بفتح الدال -أي أقرض عليك، أو من الدين -بالكسر- بمعنى المجازاة، "وهو" مبتدأ "بما" اسم موصول متعلق بمتحد، "يعمل فيه" الجملة صلة. "متحد" خبر المبتدأ "وقتا" وفاعلا. "تمييزان محولان عن الفاعل، أو منصوبان بنزع الخافض.

ص: 144

ومتى فقد المعلل شرطا منها، وجب -عند من اعتبر ذلك الشرط- أن يجره بحرف التعليل

(1)

، ففاقد الأول نحو:{وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ}

(2)

، والثاني نحو:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}

(3)

، بخلاف:{خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ}

(4)

، والرابع

(5)

نحو:

*فجئت وقد نضت لنوم ثيابها

(6)

(1)

ولا يسمى حينئذ مفعول لأجله، وإنما يجر بحرف التعليل، إلا إذا فقد التعليل منعا للتناقض، وحروف التعليل وهي: اللام، وفي، والباء، ومن. وقد اقتصر على اللام؛ لأنها الأصل.

(2)

"الأنام" علة الوضع، ولكنها ليست مصدرا، فجرت باللام.

(3)

"إملاق" علة القتل، ولكنه ليس قلبيا فخفض بمن.

(4)

أي: لأن الخشية مصدر قلبي، ولذا نصب.

(5)

وهو الاتحاد في الوقت، ولم يذكر فاقد الشرط الثالث، وهو: كونه علة، لإخراجه بقوله: ومتى فقد المعلل، ومثال ما ليس بعلته: قتلته صبرًا، فيجب نصبه على المفعولية المطلقة، ولا يجوز جره باللام؛ لأنه يفيد بذلك التعليل، والمقصود عدمه.

(6)

صدر بيت من الطويل، لامرئ القيس من معلقته المشهورة، عجزه:

لدى الستر إلا لبسة المتفضل

اللغة والإعراب: نضت: خلعت، بتشديد الضاد وتخفيفها، لدى الستر: عند الستار، لبسته المتفضل، ما تلبسه وقت النوم من قميص ونحوه، والمتفضل: المتوشح بثوبه، أو لابس الثوب الواحد. "وقد نضت" الواو للحال، والجملة حالية، والفاعل هي "لنوم" متعلق بنضت، واللام للتعليل، ثيابها. مفعول نضت، ومضاف إليه. "لدى" ظرف منصوب "بنضت"، "الستر" مضاف إليه. "إلا" حرف استثناء. "لبسة" منصوب على الاستثناء، "المتفضل" مضاف إليه.

المعنى: أتيت إلى محبوبتي، وقد خلعت ثيابها استعداد للنوم، ولم يبق عليها سوى ثوب واحد معد للنوم فيه، يزيد بذلك: أنها وليدة نعمة.

الشاهد: في قوله: "لنوم"، حيث جر بلام التعليل؛ لأن زمن النوم متأخر عن زمن خلع الثياب، فلم يتحدا في الوقت.

ص: 145

والخامس نحو:

وإني لتعروني لذكراك هزة

(1)

وقد انتفى الاتحادان في: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}

(2)

.

ويجوز جر المستوفي للشروط

(3)

بكثرة إن كان بأل، وبقلة إن كان مجردًا

(4)

.

(1)

صدر بيت من الطويل، لأبي صخر الهذلي، وعجزه:

*كما انتقض العصفور بلله القطر*

اللغة والإعراب: تعروني: تنزل بي، لذكراك: لتذكري إياك. هزة: رعدة وانتقاضة. انتقض العصفور: ارتعد وارتعش، القطر: المطر، "إني" إن واسمها. "لتعروني" اللام واقعة في جواب قسم محذوف، "لذكراك" اللام للتعليل، وذكراك مجرور بها، والكاف مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، "هزة" فاعل تعروني، "كما" الكاف للتشبيه، و"ما" مصدرية، "انتفض العصفور" فعل وفاعل، وما وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، "بلله القطر" الجملة من الفعل والمفعول والفاعل حال من العصفور بتقدير قد.

المعنى: إني لأضطرب، وتنزل بي، وتغشاني عند تذكرك رعدة ورعشة، كما يضطرب العصفور ويرتعش وينتفض، إذا نزل عليه المطر، وابتل بمائه.

الشاهد: في "لذكراك" حيث جره باللام، وهو علة لعرو الهزة، لاختلاف الفاعل؛ لأن فاعل العرو الهزة، وفاعل الذكرى، هو المتكلم.

وهذا البيت من قصيدته المشهورة التي مطلعها:

عجبت لسعي الدهر بيني وبينها

فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

(2)

ففاعل الإقامة، المخاطب، وفاعل الدلوك -"وهو الميل عن وسط السماء"- الشمس، وزمنهما مختلف؛ لأن زمن الإقامة متأخر عن زمن الدلوك، ولذلك جر باللام، وفي الآية مانع آخر، وهو: أن المصدر ليس قلبيًا.

(3)

يشير بهذا إلى أن الشروط المذكورة هي لجواز النصب، لا لوجوبه، وأن الجر هو الأصل لجوازه مطلقًا.

(4)

وقد أشار الناظم إلى درجة النصب والجر، عند دخولهما في أقسام المفعول لأجله، فقال

ص: 146

وشاهد القليل فيهما قوله:

لا أقعد الجبن عن الهيجاء

(1)

وإن شرط فقد

فاجرره بالحرف وليس يمتنع

مع الشروط كلزهد ذا قنع

وقل أن يصحبها المجرد

والعكس في مصحوب "أل" وأنشدوا

لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء

أي أنه إذا فقد شرط من الشروط المذكورة، فاجرره بحرف التعليل، ولا تنصبه، ولا يمتنع الجر مع استيفاء الشروط، تقول: هذا قنع لزهد. والمثال يدل على جواز تقديم المفعول له على عامله، منصوبا كان أو مجرورا، وقل أن يصحب الحرف المجرد من أل والإضافة، والعكس في المقرون بأل، أي أن الجر كثير، والنصب قليل، كما في قول الشاعر:

لا أقعد عن الهيجاء

أي لا أقعد عن الهيجاء للجبن، ولم يذكر الناظم حكم المضاف، وكلامه يشعر بأن النصب والجر فيه سيان.

(1)

صدر بيت من الرجز، لم نقف على قائله، وعجزه:

ولو توالت زمر الأعداء

اللغة والإعراب: الجبن: الخوف والفزع، الهيجاء: الحرب، تقصر وتمد. توالت: تتابعت وتكاثرت، زمر: جماعات، جمع زمرة وهي الجماعة. "لا" نافية. "الجبن" مفعول له لأقعد. "عن الهيجاء" جار ومجرور متعلق بأقعد، "ولو" شرطية غير جازمة، "توالت"

* "شرط" نائب فاعل لمحذوف هو فعل الشرط، يفسره ما بعده. "فقد" ماض للمجهول، والجملة مفسرة "فاجرره بالحرف" الفاء للربط والجملة في محل جزم جواب الشرط، "وليس" اسمها يعود على الجر بالحرف، وخبرها جملة يمتنع، "مع الشروط" ظرف متعلق بيمتنع ومضاف إليه. "كالزهد" جار ومجرور متعلق بقنع، "ذا" اسم إشارة مبتدأ، وخبره جملة قنع، "قل" فع ماض. " أن يصحبها المجرد" أن ومدخولها في تأويل مصدر فاعله، والضمير في "يصحبها" للحرف المذكور في قوله: فاجرر بالحرف، وأنثه لتأويله بالكلمة. "والعكس" مبتدأ، في "مصحوب أل" متعلق بمحذوف خبر، ومضاف إليه. " وأنشدوا" فعل وفاعل، والضمير للنحاة، "لا" نافية. "أقعد" فعل مضارع. "الجبن" مفعول لأجله، "عن الهيجاء" متعلق بأقعد. "ولو" شرطية غير جازمة. "زمر الأعداء" فاعل توالت ومضاف إليه.

ص: 147

وقوله:

من أمكم لرغبة فيكم جبر

(1)

ويستويان في المضاف، نحو:{يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّه} ، ونحو:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}

(2)

، قيل: ومثله

(3)

: {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ، أي: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم الرحلتين

(4)

، والحرف في هذه الآية واجب عند

فعل الشرط، والتاء للتأنيث، "زمر الأعداء" فاعل ومضاف إليه، وجواب "لو" محذوف دل عليه ما قبله.

المعنى: لا أتوانى عن اقتحام الحرب والنزال خوفا وفزعا، ولو تكاثرت جماعات الأعداء علي، وأتى بعضها تلو البعض.

الشاهد: في "الجبن"، فهو مصدر منصوب على المفعول لأجله، ونصب قليله؛ لأنه بأل.

(1)

صدر بيت من الرجز، ولم ينسب لقائل، وعجزه:

ومن تكونوا ناصرية ينتصر

اللغة والإعراب: أمكم: قصدكم، لرغبة: رغب فيه: أراده وأحبه، ورغب عنه: كرهه ولم يرده. جبر: اغتنى وظفر بما يريد ناصريه: جمع ناصر، وهو المعين، "من" اسم موصول، أو اسم شرط جازم مبتدأ. "أمكم" الجملة صلة، أو فعل الشرط، "لرغبة" متعلق بأمكم. "فيكم" متعلق برغبة. "جبر" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى "من" والجملة خبر أو جواب الشرط، "ومن" اسم شرط جازم مبتدأ، "تكونوا" فعل الشرط ناقص مجزوم بحذف النون، واو الجماعة اسمها، "ناصريه" خبر منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم وهو مضاف إلى الهاء. "ينتصر" الجملة جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ.

المعنى: إن الذي يقصدكم يريد فضلكم ومعروفكم، يظفر بما يريد، والذي تتولون إعانته ونصره على أعدائه، ينتصر لا محالة.

الشاهد: في قوله: "لرغبة" فإنه مصدر قلبي مجرد من أل والإضافة، قد جر بحرف التعليل على قلة، والكثير نصبه.

(2)

ابتغاء: مفعول له منصوب، و"خشية" مجرور بمن التعليلية، وكلاهما مضاف.

(3)

أي في جر المفعول المضاف.

(4)

هما: رحلة الشتاء، وكانت إلى اليمن، ورحلة الصيف، وكانت إلى الشام، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط، أي إن لم يعبدوه لنعمه الكثيرة، فليعبدوه لأجل هاتين الرحلتين، وكانت قريش تحتزم في هاتين الرحلتين، ولا تمس بسوء، وتسود المحبة والألفة الجمع فيهما.

ص: 148

من اشترط اتحاد الزمان

(1)

.

(1)

لأن الزمن غير متحد، فزمن الإيلاف في الحال -وهو سابق زمن الأمر بالعبادة في المستقبل، وكذلك الفاعل غير متحد؛ لأن فاعل الإيلاف هو الله، وفاعل العبادة قريش.

تنبيه: يجوز حذف المفعول لأجله لدليل، تقول: اعبد الله شكرا وأطعه، أي شكرا، كما يجوزحذف عامله، لقرينة تدل عليه، فتقول: طلبا للراحة، في جواب: لم سافرت إلى الإسكندرية بالأمس.

ص: 149

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف المفعول لأجله، وأت بمثالين يوضحانه من إنشائك.

2 ما الشروط اللازمة لجواز نصب المفعول لأجله؟ اذكر أمثلة موضحة لها.

3 ما حكم فاقد هذه الشروط؟ اذكر مثالا لكل منها من إنشائك.

4 ما أحوال المفعول لأجله؟ وما حكم كل حالة؟ وضح بالأمثلة.

5 بين فيما يأتي: الشاهد في هذا الباب، وحكم إعرابه:

قال تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} .

{وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَام} .

{فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} .

{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} .

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} .

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنوا الإغارة فرسانا وركبانا

واختر قرينك واصطفيه تفاخرا

إن القرين إلى المقارن ينسب

6 هات مثالين لمفعول له: يحسن جره، وآخرين لما يترجح نصبه، ثم مثالين لما يستوي فيه الأمران.

7 بين فيما يأتي: المفعول لأجله، وحكمه من حيث النصب والجر، وعلل لما تقول:

الطالب المهذب يغضي حياء من أستاذه.

احرص على ما في يدك مخافة الحاجة.

صالح زميلك إبقاء على الصداقة، وقطع دابر الوشاة.

أذعنت لرأيك حبا في الوئام، لا اقتناعا ولا ملقا.

لا يجنح اللئيم إلى السلم إلا كرها.

البخلاء يتظاهرون بحب الخير، تكلفا ومراوغة وخوفا.

8 أكمل الجمل الآتية بوضع مفعول لأجله مناسب، وبين حكمه:

يقاتل الجندي المخلص

لحماية الوطن، أما غيره فيقاتل

.

ص: 150

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يتسابق الناس إلى التبرع بدمائهم

على المجاهدين.

رضيت بهذا الحكم

للنزاع

للخصومة.

أسعى بين المتخاصمين

بينهم، وابتعد عن الأشرار

منهم.

ص: 151

هذا‌

‌ باب: المفعول فيه، وهو المسمى ظرفا

(1)

الظرف: ما ضمن معنى "في"

(2)

باطراد

(3)

، من اسم وقت، أو اسم مكان، أو اسم عرضت دلالته على أحدهما، أو جار مجراه

(4)

.

فالمكان والزمان كامكث هنا أزمنا

(5)

.

هذا باب المفعول فيه، وهو المسمى ظرفا:

(1)

المفعول فيه، تسمية الكوفيين. أما الظرف، فتسمية البصريين، ويعترض الكوفيون على تسمية البصريين، بأن الظرف في اللغة هو: الوعاء المتناهي الأقطار، وليس اسم الزمان والمكان كذلك، ويجاب بأنهم تجوزوا في ذلك واصطلحوا عليه، ولا مشاحة في الاصطلاح.

(2)

أي وهو الظرفية، ومعنى تضمنها معناها: أنها تشير إليها، وتكون في قوة المقدرة، من غير أن تتضمن لفظها، أو تنوب عنها في أداء معناها أو عملها. وقد لا يصح التصريح بها، وإلا وجب بناء هذه الظروف بما يسمى بالشبه التضميني، كما سبق في باب المعرب والمبني.

(3)

أي باستمرار في جميع الأحوال مع سائر الأفعال، ولا يقتصر على بعضها، ويستثنى من شرط الإطراد نوعان من الظروف المكانية وهما: الظروف الدالة على المقادير، فلا تنصبها إلا أفعال السير ومشتقاتها. والظروف التي تلاقي فعلها في الاشتقاق، فإنها تنصب بما اجتمع معها من المادة، من فعل أو وصف. ويلاحظ أن "في" لا يصح التصريح بها في الظروف التي لا تتصرف مثل "عند".

(4)

أي مجرى الظرف زمانا كان أو مكانا.

(5)

فـ"هنا" اسم إشارة من أسماء المكان، و"أزمنا": جمع زمن من أسماء الزمان. وفيما تقدم يقول الناظم:

الظرف وقت أو مكان ضمنا

"في" باطراد كهنا أمكث أزمنا

* "الظرف وقت" مبتدأ وخبر، "أو مكان" عطف على وقت. "ضمنا" فعل ماض للمجهول وألف الاثنين نائب فاعل -هو المفعول الأول- والجملة نعت لهما. "في" مفعول ثان لضمن قصد لفظه. "باطراد" متعلق بضمنا، "كهنا" الكاف جارة لقول محذوف، و"هنا" ظرف مكان متعلق بامكث، "أزمنا" ظرف زمان متعلق به أيضا.

ص: 152

والذي عرضت دلالته على أحدهما أربعة:

أسماء العدد المميزة بهما، كسرت عشرين يوما

(1)

ثلاثين فرسخا.

وأما أفيد به كلية أحدهما أو جزئيته، كسرت جميع اليوم جميع الفرسخ، أو كل اليوم كل الفرسخ، أو بعض اليوم بعض الفرسخ، أو نصف اليوم نصف الفرسخ

(2)

.

وما كان صفة لأحدهما، كجلست طويلا من الدهر شرقي الدار

(3)

.

وما كان مخفوضا بإضافة أحدهما ثم أنيب عنه بعد حذفه. والغائب في هذا النائب

(4)

أن يكون مصدرا، وفي المنوب عنه

(5)

أن يكون زمانا، ولا بد من كونه معينا لوقت أو لمقدار، نحو: جئتك صلاة العصر، أو قدوم الحاج

(6)

، وأنتظرك حلب الناقة،

أي أن الظرف: هو زمان أو مكان ضمن معنى "في" باطراد نحو: امكث هنا أزمنا، فهنا ظرف مكان، وأزمنا ظرف زمان، وكل منهما تضمن معنى "في"؛ لأن المعنى: امكث في هذا الموضع في أزمن، والألف في ضمنها للتثنية، والمراد منها الوقت والمكان، وكلمة "أو" للتنويع بمعنى الواو.

(1)

فـ"عشرين" مفعول به منصوب نصب ظرف الزمان، لتمييزه بـ"يوما" الذي هو من أسماء الزمان، "وثلاثين" منصوب نصب ظرف المكان، لتمييزه بـ"فرسخا"، وهو من أسماء المكان.

(2)

فكل من: "جميع" و"كل" و"بعض" و"نصف"، مفعول فيه منصوب نصب بظرف الزمان أو المكان، لإضافته إليه، فعرضت لهما الظرفية بسبب ذلك.

(3)

فـ"طويلا" و"شرقي"، مفعول فيهما منصوبان على الزمان والمكان؛ لأنهما صفتان للزمان والمكان، فعرضت لهما الظرفية بسبب ذلك، والأصل: زمانا طويلا، ومكانا شرقي الدار.

(4)

أي المضاف إليه النائب عن المضاف المحذوف.

(5)

وهو المضاف المحذوف.

(6)

فـ"صلاة" و"قدوم" مفعول فيهما منصوبان على الزمان؛ لأنهما نائبان عنه بعد حذفه، والأصل: وقت صلاة العصر، ووقت قدوم الحاج.

ص: 153

أو نحر جزور

(1)

.

وقد يكون النائب اسم عين، نحو: لا أكلمه القارظين، والأصل: مدة غيبة القارظين

(2)

.

وقد يكون المنوب عنه مكانا، نحو: جلست قرب زيد

(3)

، أي مكان قربه.

والجاري مجرى أحدهما: ألفاظ مسموعة، توسعوا فيها فنصبوها على تضمين معنى في كقولهم: أحقا أنك ذاهب؟

(4)

والأصل: أفي حق. وقد نطقوا بذلك، قال:

أفي الحق أني مغرم بك هائم

(5)

(1)

فـ"حلب" و"نحر" مفعول فيهما، كما في سابقه، والأصل: مقدار حلب ناقة، ومقدار نحر جزور.

(2)

فـ"القارظين" منصوب على الزمان، لنيابته عنه بعد حذفه، وهو ليس بمصدر، "والقارظين" مثنى قارظ، وهو جاني القرظ الذي يدبغ به، وهما رجلان من عنزة خرجا يجنيان القرظ، فطالت غيبتهما ولم يرجعا، فضرب برجوعهما المثل، للأمر الميئوس منه الذي لا يكون أبدًا.

(3)

أي مكان قرب زيد، فحذف المضاف، وهو مكان، وأقيم المصدر مقامه، وفيما سبق يقول الناظم:

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزمان يكثر

أي ينوب المصدر عن ظرف المكان قليلا، وتكثر إنابته عن ظرف الزمان. هذا: ولم يذكر الناظم الأشياء التي ذكرها المصنف من غير المصدر، والتي تنوب عن الظرف بنوعيه بعد حذفه وتعرب ظرفًا.

(4)

فـ"أحقا": منصوب على الظرفية الزمانية، متعلق بمحذوف، خبر مقدم. "أنك ذاهب": في تأويل مصدر، مبتدأ مؤخر.

(5)

صدر بيت من الطويل، لفائد بن المنذر القشيري، وعجزه:

* "قد" حرف تقليل. "مصدر" فاعل ينوب، "وذاك" مبتدأ، والكاف حرف خطاب، "في" ظرف الزمان متعلق بيكثر، ومضاف إليه. "يكثر" الجملة خبر المبتدأ، وهو ذاك.

ص: 154

وهي جارية مجرى ظرف الزمان دون ظرف المكان، ولهذا تقع خبرا عن المصدر

(1)

، دون الجثث، ومثله: غير شك، أو جهد رأيي، أو ظنا مني، أنك قائم

(2)

.

وخرج عن الحد

(3)

ثلاثة أمور:

أحدها: نحو: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ} إذا قدر بفي

(4)

، فإن النكاح ليس بواحد مما ذكرنا.

وأنك لا خل هواك ولا خمر

اللغة والإعراب: مغرم، مولع، من أغرم بالشيء، أولع به، هائم: متحير، "أفي الحق" الهمزة للاستفهام الإنكاري، و"في الحق" متعلق: بمحذوف خبر مقدم "أني" مغرم، "أن ومعمولاها في تأويل مصدر مبتدأ وخبر، ويجوز أن تكون أن ومعمولاها في تأويل مصدر فاعل بالظرف أو بالجار والمجرور، لاعتماده على الاستفهام، "بك" متعلق بمغرم. "هائم": خبر ثان؛ لأن "لا خل": "لا" عاملة عمل ليس، وخل اسمها، "هواك": خبرها ومضاف إليه، والجملة: خبر أن "ولا خمر": معطوف على خل، وخبره محذوف، لدلالة ما قبله عليه.

المعنى: ليس غرامي بك وعشقي لك حقا؛ لأنك لا تستقرين على حال، وهواك وحبك غير ثابت، كماء العنب المتردد بين الخلية والخمرية، فلا هو خل صرف، ولا خمر خالص، ومن كان هواه بهذه المثابة، كيف يكون غرام من أغرم بها حقا؟

الشاهد: في قوله: "أفي الحق"، فقد صرح معه بالجر، مما يدل على أن "حقا" ظرف زمان لتضمنه معنى "في"، وليس منصوبا على المفعولية المطلقة، باعتبار أصله كما يقول البعض.

(1)

كما سبق في إعراب "أحقا أنك ذاهب".

(2)

فـ"غير شك"، و"جهد رأيي"، و"ظنا مني": كلمات منصوبة على الظرفية الزمانية، توسعا بإسقاط حرف الجر في، والظرف فيها جميعا خبر مقدم، والمصدر المؤول بعدها من "أنك قائم" مبتدأ مؤخر.

(3)

أي: تعريف الظرف المتقدم أول الباب.

(4)

فإنه يصدق عليه الحد؛ لأنه اسم مضمن معنى "في"، فإن المعنى: ترغبون في نكاحهن، مع أن النكاح ليس بظرف، وإذا قدرنا "عن" خرج عما نحن فيه.

ص: 155

والثاني: نحو: {يَخَافُونَ يَوْمًا} ، ونحو:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه} ، فإنهما ليسا على معنى "في"

(1)

، فانتصابهما على المفعول به، وناصب "حيث" يعلم محذوفا

(2)

؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعًا

(3)

.

والثالث: نحو دخلت الدار، وسكنت البيت، فانتصابهما إنما هو على التوسع بإسقاط الخافض، لاعلى الظرفية، فإنه لا يطرد تعدي الأفعال إلى الدار والبيت، على معنى "في"

(4)

، لا تقول: صليت الدار، ولا نمت البيت

(5)

.

فصل: وحكمه النصب.

وناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه

(6)

، ولهذا اللفظ ثلاث حالات:

(1)

فهما ليس ظرفين -مع أن يوما وحيث من أسماء الزمان والمكان؛ لأن المعنى يخافون نفس اليوم لا أن الخوف واقع فيه، وهو سبحانه وتعالى يعلم المكان المستحق لوضع الرسالة، لا أن العلم واقع فيه.

(2)

ويدل عليه لفظ "أعلم" المذكور، أما ناصب "يوما" فهو يخافون.

(3)

دعوى الإجماع منقوضة بنحو قوله -تعالى-: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} ، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} ، فإن "سبيلا" مفعول به لأهدى، وليس تمييزا؛ لأنه ليس فاعلًا في المعنى، و"من" مفعول به "لأعلم" وكلاهما أفعل تفضيل، وفي إعراب "حيث" في الآية مفعولا به لا ظرفا خروج عن طبيعتها؛ لأنها لا تتصرف وجعلها مفعولا نوع من التصرف.

(4)

أي: بحسب الاستعمال الصحيح، لا بحسب المعنى.

(5)

لأن الدار والبيت من أسماء المكان المختصة التي لها صورة وحدود معلومة، ولا ينصب على الظرفية من أسماء المكان إلا المبهم، كمكان وناحية وجهة

إلخ، أو ما اتحدت مادته ومادة عامله، كما سيذكر المصنف قريبًا.

(6)

سواء كان هذا اللفظ فعلا مطلقا تاما، أو ناقصا متعديا، أو لازما، نحو: جلست أمام المذياع، أم اسم فعل، أم مصدرا، نحو: المشي يمين الطريق أسلم. أم وصفا، سواء كان حقيقيا كاسم الفاعل واسم المفعول، أو وصفا تأويلا، بأن يكون اسما جامدا قصد به

ص: 156

إحداها: أن يكون مذكورا، كامكث هنا أزمنا، وهذا هو الأصل.

والثانية: أن يكون محذوفا جوازًا

(1)

، وذلك كقولك: فرسخين، أو يوم الجمعة، جوابا لمن قال: كم سرت؟ أو متى صمت؟

والثالثة: أن يكون محذوفا وجوبا

(2)

، وذلك في ست مسائل، وهي:

أن يقع صفة

(3)

، كمررت بطائر فوق غصن، أو صلة، كرأيت الذي عندك

(4)

. أو حالا، كرأيت الهلال بين السحاب. أو خبرا، كزيد عندك

(5)

. أو مشتغلا عنه، كيوم الخميس صمت فيه

(6)

. أو مسموعا بالحذف لا غير

(7)

، كقولهم: حينئذ الآن، أي كان ذلك حينئذ واسمع الآن

(8)

.

(1)

أي: إذا دل عليه دليل، ويسمى الظرف الذي حذف عامله جوازا: الظرف اللغو.

(2)

ويسمى هذا: الظرف المستقر.

(3)

أي: أن يكون الظرف صفة "فوق" في المثال: صفة لطائر.

(4)

فـ"عندك" ظرف متعلق بمحذوف صلة للذي.

(5)

فـ"عندك" خبر عن زيد" و"بين" حال من الهلال، والناصب في جميع ما تقدم محذوف وجوبا، تقديره: فعل، كاستقر أو وصف، كمستقر، فيما عدا الصلة فيتعين أن يكون المحذوف فعلا؛ لأن الصلة "لغير أل" لا تكون إلا جملة، والوصف مع مرفوعه ليس جملة، ويستثنى من الظروف: ما قطع معنى الإضافة وبني على الضم، فإنه لا يقع صلة ولا صفة، ولا حالا، ولا خبرا.

(6)

فـ"يوم الخميس" منصوب بفعل محذوف وجوبا، يفسره صمت، وإنما قال: صمت فيه، ولم يقل صمته؛ لأن ضمير الظرف لا ينصب على الظرفية، بل يجب جره بفي.

(7)

جاء في المغني: أن الصيحح أن يقال: "ليس غير" وأنكر صحة قولهم: "لا غير".

(8)

فـ"حين": منصوبة لفظا بفعل محذوف، وهي مضافة إلى "إذ"، و"الآن" مبني على الفتح في محل نصب، وناصبه محذوفه كما قدره المصنف، وهذا مثل يقال لمن ذكر أمرًا.

ص: 157

‌فصل: أسماء الزمان كلها صاحلة للانتصاب على الظرفية، سواء في ذلك مبهمها

(1)

، كحين ومدة ومختصها،

كيوم الخميس، ومعدودها، كيومين وأسبوعين، والصالح لذلك من أسماء المكان نوعان:

أحدهما: المبهم، وهو: ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماه

(2)

، كأسماء

قد تقاد عهده، أي كان ما تقوله واقعا حين إذا كان كذا وكذا

واسمع الآن ما أقول لك، فهما جملتان: اقتطعت "حينئذ" من جملة، واقتطعت "الآن" من أخرى، والمقصود نهي المتكلم عن ذكر ما يقوله، وأمره بسماع ما يقال له، والأحسن في المنقول عنه هنا، وفي المسموع، أن يكون المحذوف فعلا. وفي نصب الظرف وحذف عامله يقول الناظم:

فانصبه بالواقع فيه مظهرا

كان وإلا فانوه مقدرا

أي انصب الظرف بالعامل الذي يقع معناه في هذا الظرف، إن كان مذكورا وإلا فقدره جوازا أو وجوبا على النحو الذي بيناه.

(1)

ظرف الزمان المبهم هو: ما يدل على زمن غير محدد، ولا مقدر بابتداء معين ونهاية معروفة، ولاي قع جوابا لـ"متى" و"كم" أما المختص، فهو ما يدل على زمن مقدر، ويقع جوابا لـ"متى" نحو: يوم الخميس، جوابا لمن قال: متى جئت؟ والمعدود: ما يقع جوابا لـ"كم" نحو: يومين أو أسبوعا، جوابا لمن قال: كم مكثت في الإسكندرية؟ ومن المختص: المعرف بالعلمية كرمضان، أو بالإضافة كزمن الربيع، أو بأل كاليوم، والنكرة الموصوفة كسرت زمنا طويلا، ومن الظروف المبهمة ما له اختصاص من بعض الوجوه، كعشية، وليلة، وصباح، ومساء.

(2)

إضافة صورة إلى مسماه بيانية، أي صورة هي مسماة، والمراد أنه لا تعرف حقيقته بنفسه؛ لأنه ليس له هيئة ولا شكل محسوس ولا حدود تحصره، بل لا بد من إضافة لفظ آخر إليه.

* "فيه" متعلق بالواقع. "مظهرا" خبر كان مقدم، واسمها يعود إلى الواقع فيه. "وإلا" إن: شرطية، و"لا" نافية، وفعل الشرط محذوف، أي وإلا يظهر "فانوه" الفاء واقعة في جواب الشرط، وانوه فعل أمر ومفعول، والجملة في محل جزم جواب الشرط، "مقدرا" حاله من الهاء في انوه.

ص: 158

الجهات، نحوك أمام، ووراء، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت.

وشبهها في الشياع، كناحية وجانب

(1)

، ومكان وكأسماء المقادير

(2)

، كميل، وفرسخ، وبريد

(3)

.

والثاني: ما اتحدت مادته ومادة عامله

(4)

، كذهبت مذهب زيد، ورميت مرمى عمرو، وقوله تعالى:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ}

(5)

.

(1)

يرى كثير من النحاة: أن لفظ "جانب" وما في معناه، كجهة، ووجه، وكنف، وكذلك داخل، وخارج، وظاهر، وباطن، وجوف يمتنع نصبها على الظرفية المكانية لعدم إبهامها، ويوجب جرها بالحرف "في" صريحا، أما المختص من أسماء المكان فلا ينصب على الظرفية، بل يجب جره بالحرف "في" أيضا، إلا في حالتين:

أ أن يكون عامل الظرف المختص هو الفعل "دخل"، أو"سكن" أو"نزل"، فقد ورد عن العرب نصب الظرف المختص مع هذه الثلاثة، تقول: دخلت الدار وسكنت البيت، ونزلت البلد، والأحسن أن يعرب المنصوب مفعولًا به لا ظرفا، ويكن الفعل متعديًا.

ب أن يكون الظرف المكاني المختص هو كلمة "الشام"، وعامله الفعل "ذهب"، وكلمة "مكة"، وعامله الفعل "توجه". فقد ورد عن العرب: ذهبت الشام، وتوجهت مكة، فالشام ومكة ظرفان على معنى "إلى" مع هذين الفعلين لا غير.

(2)

يراعى ما بيناه سابقا، وهو أن الظروف الدالة على المقادير لا تتضمن معنى في "بإطراد؛ لأن ناصبها لا بد أن يكون من أفعال السير أو مشتقاتها.

(3)

الميل: ألف باع، والفرسخ: ثلاثة أميال، والبريد: أربعة فراسخ.

وقيل: إن هذه من المختص؛ لأنها معلومة المقدار، وقيل: هي شبيهة بالمبهم.

(4)

أي بأن يكون مبدأ اشتقاقهما واحد، ويصاغ اسم المكان من الثلاثي على وزن "مفعل" أو"مفعل"، ومن غير الثلاثي على وزن مضارعه مع إبدال أوله ميما مضمومة، وفتح ما قبل الآخر، كما سيأتي في موضعه.

(5)

فمذهب، ومرمى، ومقاعد منصوبة على الظرفية، ومادتها عاملها متحدة، فإن اختلفت مادة العامل، وجب الجر بالحرف، نحو: جلست في مرمى الكرة.

ص: 159

وأما قولهم: هو مني مقعد القابلة

(1)

، ومزجر الكلب، ومناط الثريا

(2)

، فشاذ، إذ التقدير: هو مني مستقر في مقعد القابلة، فعامله الاستقرار

(3)

.

(1)

القابلة: المرأة المولدة، وهذه كناية عن القرب، أي هو مني في القرب مقعد القابلة من النفساء.

(2)

هذا كناية عن البعد فيهما، أي هو في مكان بعيد عني كبعد مكان زجر الكلب عن زاجرة، وبعد مكان نوط الثريا، أي تعلقها من الناظر إليها، أو من الدبران، والأول المراد به الذم، والثاني من باب المدح.

(3)

أي ومادة الاستقرار ومخالفة لمادتي: مقعد، ومزجر، ومناط، وإنما استأثرت أسماء الزمان بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية دون أسماء المكان؛ لأن أصل العوامل الفعل، ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان؛ لأنه يدل على الزمان بصيغته، وعلى المكان بالالتزام؛ لأن كل حدث لا بد أن يقع في مكان، ولم ينصب المختص من الأمكنة على الظرفية؛ لأنه يلتبس بالمفعول به كثيرًا.

وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وكل وقت قابل ذاك وما

يقبله المكان إلا مبهما

نحو الجهات والمقادير وما

صيغ من الفعل كمرمى من رمى

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما في أصله معه اجتمع

* "وكل وقت قابل" مبتدأ ومضاف إليه وخبر، "ذاك" مفعول قابل؛ لأنه اسم فاعل وفاعله مستتر فيه، والكاف حرف خطاب، "وما" نافية، يقبله مضارع والهاء مفعوله، وهي عائدة على النصب المفهوم من الفعل. "المكان" فاعل يقبل، "إلا" أداة استثناء تدل على الحصر. "مبهما" حال من المكان، "نحو" خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك نحو، "الجهات" مضاف إليه، "والمقادير" معطوف عليه. و"ما" اسم موصول معطوف على الجهات. "صيغ من الفعل" الجملة من الفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل صلة ما، "كمرمى": خبر لمبتدأ محذوف، "من رمى" متعلق بمحذوف حال من مرمى، والتقدير وذلك كمرمى حال كونه مشتقا من رمى، "وشرط" مبتدأ، "كون" مضاف إليه. "ذا" مضاف إليه من إضافة المصدر إلى اسم الكون، وهو إشارة إلى المأخوذة من مصدر الفعل. "مقيسا" خبر الكون باعتبار النقص، "أن يقع" في تأويل خبر المبتدأ، وفاعل يقع يعود إلى ذا. "ظرفا" حال من فاعل يقع، "لما" متعلق بظرفا، أو بمحذوف صفة له، "في أصله معه" جار ومجرور وظرف متعلقان باجتمع، وجملة "اجتمع" صلة ما.

أي أن كل وقت -أي ظرف الزمان- يقبل النصب على الظرفية، مبهما كان أم مختصًا، أما ظرف المكان فلا يقبل النصب منه إلا المبهم، كالجهات الست، وأسماء المقادير، وما اشتق من المصدر بالشرط الذي ذكره وهو أن يقع ظرفا لما اجتمع معه في أصله، أي ينتصب بما يجامعه في الاشتقاق من أصل واحد.

ص: 160

ولو أعمل في المقعد قعد، وفي المزجر زجر، وفي المناط ناط، لم يكن شاذا.

فصل: في الظرف نوعان:

متصرف، وهو ما يفارق الظرفية إلى حالة لا تشبهها، كأن يستعمل مبتدأ، أو خبرا، أو فاعلا، أو مفعولا، أو مضافا إليه، كاليوم، تقول: اليوم يوم مبارك، وأعجبني اليوم، وأحببت يوم قدومك، وسرت نصف اليوم

(1)

.

وغير متصرف وهو نوعان: ما لا يفارق الظرفية أصلًا، كقط وعوض

(2)

تقول: ما

(1)

وفي الظرف المتصرف يقول الناظم:

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرف في العرف

أي أن المتصرف من ظرف الزمان والمكان هو: ما استعمل ظرفا وغير ظرف، وهذا في عرف النحاة واصطلاحهم.

وهذا الظرف قد يكون معربًا متصرفا، كيوم، وشهر. أو غير متصرف، كغدوة وبكرة، وضحوة، إذا كانت منها علم جنس على وقتها المعين، وقد يكون مبنيا، كأمس، و"إذا" الواقعة مضافا إليه لاسم زمان، نحو: ساعتئذ.

(2)

"قط": ظرف زمان لاستغراق الماضي مبني على الضم، وهي مشتقة من قططت الشيء إذا قطعته، و"عوض" ظرف لاستغراق الزمان المستقبل، مثل "أبدا"، وهي مشتقة من العوض، وسمي الزمان عوضا؛ لأن كل جزء منه يخلف ما قبله فكأنه عوض عنه، وتبنى "عوض" على الحركات الثلاث إن لم تضف، فإن أضيفت أعربت، ولا يستعملان -غالبا- إلا بعد نفي أو شبهه. ومثلهما في عدم التصرف "بين"، و "بينما"، و"يدل" بمعنى مكان، نحو: خذ هذا بدل هذا، و"سحر" إذا أريد به سحر يوم بعينه، والسحر: الثلث الأخير من الليل. والظروف المركبة، كصباح مساء.

* "ما" اسم موصول مبتدأ أول. "يرى": مضارع للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى "ما" وهو المفعول الأول "ظرفا": المفعول الثاني، والجملة صلة، "وغير ظرف" معطوف على "ظرفا" ومضاف إليه، "فذاك ذو تصرف" مبتدأ وخبر مضاف إليه، والجملة خبر "ما" وزيدت الفاء في جملة الخبر؛ لأن المبتدأ الموصول يشبه الشرط في العموم.

ص: 161

فعلته قط، ولا أفعله عوض

(1)

، وما لا يخرج عنها إلا بدخول الجار عليه

(2)

، نحو: قبل، وبعد، ولدن، وعند

(3)

، فيحكم عليهن بعدم التصرف مع أن "من" تدخل عليهن، إذا لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى حالة شبيهة بها؛ لأن الظرف والجار والمجرور، أخوان

(4)

.

(1)

معناهما: ما فعلته في الزمن الماضي، ولا أفعله في الزمن المستقبل.

(2)

وهو "من" خاصة؛ لأنها أم الباب، فلو دخل جار وغيرها على هذه الظروف، كـ"عن" في قوله تعالى:{عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِين} يحكم تصرفه، أما جر "متى" بإلى و"حتى" و"أين بإلى" مع عدم تصرفها، فشاذ قياسًا.

(3)

"عند": اسم لمكان الحضور الحسي والمعنوي، ولا تقع إلا ظرفًا أو مجرورة بمن، و"بعد" ملازم للإضافة. ويتعين نصبه وإعرابه إذا ذكر المضاف إليه، أو حذف ونوي لفظه، أو حذف واستغنى عنه نهائيا، وفي هذه الحالة ينصب منونا، تقول: صفا الجو بعدا.

أما إذا نوي معنى المضاف إليه فيبنى على الضم. ومثل"بعد" في هذا الباب: قبل، وأمام، وقدام ووراء، وخلف، وأسفل، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت.

(4)

أي التوسع فيهما، والتعلق بالاستقرار، إذا وقعا صفة أو صلة أو خبرا، أو حالا. وإلى النوعين المذكورين من غير المتصرف يشير بقوله:

وغير ذي التصرف الذي لزم

ظرفية أو شبهها من الكلم

أي أن الظرف غير المتصرف من الكلمات هو الذي لزم الظرفية وحدها، أو لزم للظرفية وشبهها، هو الجر بمن، كما بين المصنف.

* "وغير ذي التصرف" مبتدأ ومضاف إليه. "الذي" خبر المبتدأ. "لزم" الجملة صلة، "ظرفية" مفعول لزم. "أو شبهها" معطوف على فعل محذوف تقديره: أو لزم ظرفية أو شبهها، والمعنى غير المتصرف قسمان: ما يلزم الظرفية وحدها ولا يفارقها، وما يلزمها أو شبهها، وكلام المتن لا يفيد ذلك إلا بهذا التقدير، ولهذا لا يجوز عطف "أو شبهها" على "ظرفية"، "من الكلم" متعلق بشبهها أو بلزم، أو بمحذوف حال من، "غير ذي التصرف".

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فوائد:

أ "الآن" ظرف مبني على الفتح، وظرفيته غالبة، ولا يخرج عنها إلا نادرا، وهو اسم للوقت الحاضر كله أو بعضه عند النطق به، على حسب المقام، ويرى بعض النحاة: أنه معرب منصوب على الظرفية وليس مبنيا، وهو قول مقبول لسهولته.

ب "صباح مساء"، و"يوم يوم"، و"صباح صباح": ظروف مركبة غير متصرفة مبنية على فتح الجزأين.

المعنى: كل صباح ومساء، وكل يوم، وكل صباح، فإن فقد التركيب، أو أضيف أحد الجزأين إلى الآخر، أو عطف عليه امتنع البناء، ووجب إعرابها وتصرفها.

ج من الظروف غير المتصرفة: حول، حوال، حوالي أحوالي، ومعناها الإحاطة والالتفاف، ولا يقصد في الغالب حقيقة التثنية والجمع.

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف الظرف، واذكر الأسماء التي تستعمل استعمال الظروف، وليست بظروف، ومثل لها.

2 منا الذي ينصب الظرف؟ وما حكم عامله من حيث الذكر والحذف؟ هات أمثلة موضحة من إنشائك.

3 ما الذي ينصب من أسماء المكان على الظرفية؟ ولماذا؟ مثل لما تذكر.

4 اشرح قول الناظم الآتي: موضحا بأمثلة من عندك.

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرف في العرف

وغير ذي التصرف الذي لزم

ظرفية أو شبهها من الكلم

5 يستشهد بما يأتي في هذا الباب، وبين موضع الشاهد، وحكمه في الإعراب:

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} .

{إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} .

{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} .

{لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} .

{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} .

قال عليه الصلاة والسلام حين سمع وجبة، أي سقطة:"هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي إلى النار حين انتهى".

في المثل: لا آتيه الفرقدين.

ألا أبلغ بني خلف رسولا

أحقا أن أخطلكم هجاني

إن الزمان الذي ليلا سعدت به

قد كاد في وضح الأحداث يبكينا

6 في الجمل الآتية أسماء زمان ومكان، ولكن النحويين لا يعدونها ظروفا للزمان أو المكان، فلماذا؟

عطلة المدارس عندنا في الصيف في مصر شهران ونصف شهر، وقد تمتد إلى ثلاثة شهور.

من الخير أن تخرج كل يوم للتريض ساعة، ثم تعود لتقضي وقتك في الاستذكار.

أخذنا من المدرسة حجرة، جعلناها مكانا لاجتماعنا، وكثيرا ما نجتمع فيها في الظهر، وفي المساء.

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

7 أعرب البيت الآتي، واشرحه وبين ما فيه من شاهد:

إذا الشعب يوما أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدر

8 بين فيما يأتي: ظرف الزمان والمكان، المبهم والمختص، المتصرف وغير المتصرف، العامل وحكمه، من حيث الذكر والحذف:

لا تتأخر عن موعد عملك دقيقة، واقص وقتك في العمل الجدي، وانتهز فرصة قدرتك وصحتك، فإن الدهر قلب، يدور يمينا مرة وشمالا أخرى. إذا قدرت على خصمك يوما فاعف عنه، فإن أقبح أعمال المقتدرين الانتقام. إذا انتهيت من الاستذكار مساء فاسترح بعض الوقت قبل أن تذهب إلى المخدع، نوم على جانبك الأيمن، ولا تفكر في شيء أبدا، واستيقظ مبكرا وصل الصبح قبل شروق الشمس، ولا تغفل الواجب طرفة عين، لا تترك ما تحت يدك وتطلب فوق مقدورك، مبلغ علمي أنك ستضع هذه النصائح أمام عينك وتنظر فيها بين حين وآخر.

ص: 165

هذا‌

‌ باب المفعول معه:

وهو: اسم فضلة، تال لواو بمعنى مع

(1)

، تالية لجملة، ذات فعل، أو اسم فيه معناه وحروفه، كسرت والطريق، وأنا سائر النيل

(2)

.

فخرج باللفظ الأول

(3)

، نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، ونحو: سرت الشمس والشمس طالعة، فإن الواو داخلة في الأول على فعل، وفي الثاني على جملة.

وبالثاني

(4)

: نحو: اشترك زيد وعمرو.

وبالثالث

(5)

نحو: جئت مع زيد.

وبالرابع

(6)

: نحو: جاء زيد وعمرو قبله أو بعده

(7)

.

وبالخامس

(8)

نحو: كل رجل وضيعته، فلا يجوز فيه النصب

(9)

خلافا للضميري.

هذا باب المفعول معه:

(1)

أي أن هذه الواو تدل على أن ما بعدها قد صاحب ولازم الاسم الذي قبلها، في زمن وقوع الفعل، سواء شاركه في الحدث أو لا، وقوله:"تال" يدل على أنه لا يجوز الفصل بين الواو والمفعول معه، ولو بشبه الجملة، كما لا يجوز حذفها.

(2)

المثال الأول للجملة ذات الفعل، والثاني لذات الاسم الذي فيه معنى الفعل وحروفه، وهو سائر، وكل منها مستوف للشروط. ومثلهما في العمل: اسم الفعل.

(3)

أي: هو "اسم" ويشترط -على الصحيح- أن يكون صريحًا.

(4)

وهو قوله: "فضلة".

(5)

وهو قوله: "تال الواو".

(6)

وهو قوله: "بمعنى مع".

(7)

فإن التقييد بالقبلية أو البعدية ينافي المعية.

(8)

وهو قوله: "تالية لجملة".

(9)

هذا: إذا قدر الخبر مثنى، كأنه قيل: كل رجل وضيعته مقترنان، أما إذا قدر الخبر مفردا، فيجوز النصب على المعية، عطفا على ضمير الخبر، كأنه قيل: كل رجل موجود وضيعته.

والصيمري هو: أبو محمد عبد الله بن علي، ابن إسحاق الصيمري النحوي، نسبة إلى الصيمرة، وهي بلدة بالبصرة، كان عالما فاضلا. قدم مصر، ونقل عنه أبو حيان كثيرا، وله كتاب جليل في النحو، يسمى:"التبصرة"، يشغل به أهل المغرب، وقد أحسن فيه التعليل لمذهب البصريين.

ص: 166

وبالسادس

(1)

نحو: هذا لك وأباك

(2)

، فلا يتكلم به، خلافا لأبي علي

(3)

. فإن قلت: فقد قالوا: ما أنت وزيدا؟ وكيف أنت وزيدا؟

(4)

قلت: أكثرهم يرفع بالعطف

(5)

، والذين نصبوا قدروا الضمير فاعلًا لمحذوف، لا مبتدأ، والأصل: ما تكون؟ وكيف

(1)

وهو قوله: "ذات فعل" أو اسم فيه معناه وحروفه.

(2)

فإن الجملة السابقة على الواو ليس فيها فاعل، ولا اسم بمعناه وحروفه.

(3)

هو أبو علي الفارسي، "انظر ص 221، جزء أول"، فقد أجاز مثل ذلك، بناء على مذهبه، من الاكتفاء بما فيه معنى الفعل، كالإشارة، والتنبيه، والظرف، ولهذا أجاز في قول الشاعر:

لا تحسبنك أثوابي فقد جمعت

هذا ردائي مطويا وسربالا

أن ينصب "سربالا" على المعية، والجمهور على أنه منصوب بـ"مطويا" لا غير.

وفيما سبق يقول الناظم:

ينصب تالي الواو مفعولا معه

في نحو "سيري" والطريق مسرعه

أن المفعول مع، هو الاسم المنصوب الذي يأتي بعد واو بمعنى مع، واكتفى بالمثال عن الشروط الذي ذكر المصنف، فـ"الطريق" مفعول معه، وهو بعد واو بمعنى مع، أي سيري مع الطريق، وهي مسبوقة بجملة فعلية.

(4)

أي ينصب "زيدا" فيهما بعد "ما" و"كيف" الاستفهاميتين، مع أنه لم يتقدم فعل، ولا اسم فيه معنى الفعل وحروفه.

(5)

أي على أنت، وعل هذا فلا إشكال.

* "تالي" نائب فاعل ينصب. "الواو" مضاف إليه، "مفعولا": حال من تالي. "معه" متعلق بمفعولا، ومضاف إليه. "في نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "سيري" فعل أمر وياء المخاطبة فاعل، والجملة في محل جر بإضافة نحو، "والطريق" الواو بمعنى مع، "الطريق" مفعول معه. "مسرعة" حال من ياء المخاطبة، وسكن للشعر.

ص: 167

تصنع؟ فلما حذف الفعل وحده برز ضميره وانفصل

(1)

.

والناصب للمفعول معه، ما سبقه من فعل أو شبهه

(2)

، لا الواو، خلافا للجراجاني

(3)

، ولا الخلاف

(4)

، خلافا للكوفيين، ولا محذوف، والتقدير: سرت ولابست النيل، فيكون حينئذ مفعولا به، خلافا للزجاج.

(1)

أي لتعذر الاتصال، وقدر سيبويه الفعل المحذوف من لفظ الكون، وجعله ماضيا "ما"، ومضارعا مع "كيف"، فقال: إن الأصل: ما كنت وزيد، وكيف تكون وزيدا؟ وقيل: إن هذا غير مقصود من سيبويه، و"كان" في المثالين: إما ناقصة، وأداة الاستفهام قبلها خبر مقدم، واسمها ضمير المخاطب الذي كان مستتر، فلما حذفت برز وانفصل، وهذا هو الأصح، وإما تامة وفاعلها الضمير المستتر، "وما" الاستفهامية مفعول مطلق متقدم، و"كيف" حال مقد، والتقدير: أي وجود توجد مع زيد، وفي هذا الرأي ضعف، وقد أشار الناظم إلى بذلك قوله:

وبعد "ما استفهام" أو"كيف" نصب

بفعل كون مضمر بعض العرب

أي نصب بعض العرب المفعول معه، بعد "ما" و"كيف" الاستفهاميتين. وجعل النحاة النصب بفعل مقدر من لفظ الكون، كما بين المصنف.

(2)

أي شبهه في العمل، من كل ما ينصب المفعول به من المشتقات، وذلك: اسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر: واسم الفعل، ولهذا لا تصلح الصفة المشبهة، ولا أفعل التفضيل، ولا ما لا يعمل.

(3)

لأنه لو كان الأمر كذلك لا تصل الضمير بها، كما في سائر الحروف العاملة، فكان يقال جلست وك، كما يقال: إنك ولك، وذلك ممتنع.

(4)

أي مخالفة ما بعد الواو لما قبلها؛ لأن هذا أمر معنوي، ولو كان الخلاف يقتضي النصب لجاز: ما قام محمد بل عليا، بنصب علي، وذلك غير جائز بالإجماع، ويؤخذ من قول

* "وبعد" ظرف متعلق بنصب، "ما" مقصود لفظه مضاف إليه. "استفهام" مضاف إليه من إضافة الدال للمدلول. "أو كيف" معطوف على "ما" مقصود لفظه، "نصب" فعل ماض. "بفعل كون" متعلق بنصب ومضاف إليه. "مضمر" نعت لفعل. "بعض العرب"، فاعل نصب ومضاف إليه.

ص: 168

‌فصل: وللاسم بعد الواو خمس حالات:

وجوب العطف: كما في: كل رجل وضيعته، ونحو: اشترك زيد وعمرو، ونحو: جاء زيد وعمرو قبله أو بعده، لما بينا

(1)

.

ورجحانه

(2)

: كجاء زيد وعمرو؛ لأنه الأصل، وقد أمكن بلا ضعف

(3)

.

ووجوب المفعول معه: وذلك في نحو: ما لك وزيدا؟ ومات زيد وطلوع الشمس، لامتناع العطف في الأول من جهة الصناعة

(4)

، وفي الثاني من جهة المعنى

(5)

.

المصنف "والناصب" للمفعول معه ما سبقه من فعل أو شبهه "أن المفعول معه لا يتقدم على عامله، وهذا بالإجماع، ولا يتوسط عند الكثيرين.

وفيما سبق يقول الناظم:

بما من الفعل وشبهه سبق

ذا النصب لا بالواو في القول الأحق

أي هذا النصب للمفعول معه، يمكن بما سبقه من الفعل وشبهه، ولا يكون بالواو في القول الأحق بالاتباع.

(1)

أي من فقد شروط النصب، وعدم تقدم جملة الأول، وعدم الفضلة في الثاني، وعدم المصاحبة في الثالث.

(2)

أي رجحان العطف، ويجوز النصب على ضعف.

(3)

وأيضًا: فإنه أقوى في الدلالة المعنوية على المشاركة؛ لأن العطف يقتضي إعادة العامل تقديرا قبل المعطوف، فكأن العامل تكرر.

(4)

لأنه لا يصح العطف على الضمير المجرور -وهو الكاف في "لك"- إلا بعد إعادة الجار، نحو قوله تعالى:{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .

(5)

لأن العطف يقتضي التشريك في المعنى، وطلوع الشمس لا يقوم به الموت.

* "بما" جار ومجرور خبر مقدم، "من الفعل" متعلق يسبق بعد. "وشبهه معطوف على الفعل، "سبق" فعل ماض فاعله يعود على "ما"، والجملة صلة ما، "إذا" اسم إشارة مبتدأ مؤخر. "النصب" بدل أو عطف بيان أو نعت لذا. "لا" عاطفة بالواو معطوف على "بما"، "في القول" متعلق بالنصب، و"في" بمعنى على، "الأحق" نعت للقول.

ص: 169

ورجحانه

(1)

: وذلك في نحو قوله:

فكونوا أنتم وبني أبيكم

(2)

ونحو: قمت وزيدا، لضعف العطف في الأول من جهة المعنى، وفي الثاني من جهة الصناعة

(3)

.

وامتناعها: كقوله:

علفتها تبنا وماء باردا

(4)

(1)

أي رجحان المفعول معه.

(2)

صدر بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وعجزه:

مكان الكليتين من الطحال

اللغة والإعراب: الكليتان: لحمتان حمراوتان معروفتان، والمفرد: كلية وكلوة، والجمع: كليات وكلى، الطحال: معروف أيضًا، وهو دم متجمد، وجمعه طحل، ككتب "كونوا" فعل أمر من كان الناقصة، مبني على حذف النون والو اسمها، "أنتم" توكيد للواو. و"بني" الواو بمعنى مع و"بني" مفعول معه منصوب بالياء، "أبيكم": مضاف إليه، "مكان": ظرف متعلق بمحذوف، خبر كونوا. "الكليتين": مضاف إليه، "من الطحال": متعلق بمكان.

المعنى: يأمر المخاطبين، ويوصيهم أن يكونوا مع إخوتهم وإخوانهم على وفاق، واتصال تام، كاتصال الكليتين بالطحال.

الشاهد: نصب "وبني" على أنه مفعول على الراجح، ويجوز الرفع بالعطف على اسم كان، لوجود التأكيد بالضمير المنفصل، ولكنه ضعف من جهة المعنى؛ لأنه يقتضي أن بني الأب مأمورن بذلك أيضًا، وهو غير مراد؛ لأن المراد أمر المخاطبين -وحدهم- أن يكونوا مع بني أبيهم متجابين، كالكليتين من الطحال.

(3)

لأنه لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل، إلا بعد توكيده بضمير منفصل، أو بأي فاصل كان، ونحو: أكرمتك ومحمدا، يجوز:"كون محمدا" معطوفا على الكاف، وأن يعرف مفعولًا معه.

(4)

صدر بيت من الكامل، لم نقف على قائله، وعجزه -كما ذكر النحاة-:

حتى شتت همالة عيناها

ص: 170

وقوله:

وزججن الحواجب والعيونا

(1)

اللغة والإعراب: علفتها: قدمت لها العلف، وهو ما يقدم للدواب من الأكل، وجمعه علاف، كجبل وجبال. شتت: بدت، همالة: صيغة مبالغة، من هملت العين إذا فاض دمعها، وكثر نزوله منها. "علفتها": فعل وفاعل ومفعول أول. "تبنا" مفعول ثان، و"ماء" الواو للعطف، و"ماء": مفعول لفعل محذوف، تقديره: وسيقتها. "باردا" صفة لماء، "حتى" حرف غاية. "همالة": حال من عيناها"، الواقع فاعلا لشتت.

المعنى: علفت هذه الدابة تبنا وأشبعتها، وسقيتها ماء باردا، حتى فاضت عيناها بالدموع من الشبع، وتلك عادة الدواب إذا شبعت.

الشاهد: في قوله: "وماء"، فإنه لا يصح أن يعطف على تبنا، عطف مفرد على مفرد، لانتفاء المشاركة، لعدم صحة تسلط العامل عليه؛ لأن الماء لا يعلف. ولا يصح أن تكون الواو للمعية لانتفاء المصاحبة؛ لأن الماء لا يصاحب التبن في العلف، وقد خرجه المصنف.

(1)

عجز بيت من الوافر لعبيد بن حصين، المعروف بالراعي النميري، وصدره:

إذا ما الغانيات برزن يوما

اللغة والإعراب: الغانيات: جمع غانية، وهي المرأة التي استغنت بجمالها عن الحلي والزينة، برزن: ظهرن. زججن الحواجب: دققنها ورققنها في طول. "إذا": ظرف للمستقبل من الزمان، "ما" زائدة. "الغانيات" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، والجملة في محل جر بالإضافة إذا، "برزن": فعل، وضمير النسوة فاعل. "يومًا" ظرف: منصوب ببرزن.

"وزججن": معطوف على برزن، "الحواجب": مفعوله. "والعيونا" مفعول لفعل محذوف تقديره: وكحلن، وبعد هذا البيت.

أنخن جمالهن بذات غسل

سراة اليوم يمهدن الكدونا

ذات عسل: موضع، سراة اليوم: وسطه. يمهدن: يصلحن، الكدونا: جمع كدن، وهو الهودج، أو ثوب للخدر، وهو بفتح الكاف وكسرها.

المعنى: أن تلكم النساء الجميلات، إذا ظهرن من خدورهن متزينات، وقد رققن حواجبهن وكحلن عيونهن، أنخن جمالهن التي يركبنها بهذا الموضع وسط النهار، ليصلحن خدورهن أو هوادجهن.

الشاهد: في قوله"، العيونا" فإنه لا يصح أن يعطف على الحواجب، لعدم المشاركة في التزجيج، ولا تصح المعية، لعدم الفائدة في الإعلام بمصاحبة العيون للحواجب، وقد وجهه المصنف.

ص: 171

أما امتناع العطف، فلانتفاء المشاركة، وأما امتناع المفعول معه، فلانتفاء المعية في الأول، وانتفاء الإعلام بها في الثاني.

ويجب في ذلك إضمار فعل ناصب للاسم على أنه مفعول به، أي: وسقيتها ماء، وكحلن العيونا

(1)

، هذا قول الفارسي والفراء ومن تبعهما.

وذهب الجرمي، والمازني، والمبرد، وأبو عبيدة الأصمعي

(2)

،

(1)

وحينئذ تكون عطف جملة على جملة، لا مفرد على مفرد، وإلى الحالات المتقدمة يشير الناظم بقوله:

والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق

والنصب مختار لدى ضعف النسق

والنصب إن لم يجز العطف يجب

أو اعتقد إضمار عامل نصب

أي إذا أمكن العطف من غير ضعف، فهو أحق من النصيب؛ لأنه الأصل، ويختار النصب على المعية إذا كان في العطف بالحرف ضعف، وإن لم يكن العطف مطلقا، تعين النصب على المعية، أو على إضمار عامل مناسب، وقد أوضح المصنف ذلك.

(2)

الأصمعي: هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب، الأصمعي البصري، نسبة إلى جده أصمع، أحد أئمة اللغة والنحو الغريب والملح والنوادر. روى عن أبي عمرو بن العلاء وغيره، وكان يتمتع بحافظة جيدة، وروي عنه أنه كان يحفظ ست عشر ألف أرجوزة غير دواوين العرب. وكان جيد الإلقاء، حتى قال فيه أبو نواس:"إنه بلبل يطرب الناس بنغماته"، وقال عنه الإمام الشافعي:"ما عبر أحد من العرب بمثل عبارة الأصمعي"، وكان صدوقا في روايته، ومن أعلم الناس بفنه، وأسرعهم جوابا، وكان لا يفتي إلا بما أجمع عليه العلماء، قدم بغداد في أيام الرشيد، واتصل به وبالبرامكة. وله مصنفات كثيرة، منها:

* "والعطف" مبتدأ "إن" شرطية يمكن فعل الشرط "بلا ضعف" متعلق بيمكن، ولا" اسم بمعنى "غير" مجرور بالباء ظهر إعرابه على ما بعده "أحق" خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف "والنصب مختار" مبتدأ وخبر "لدى" ظرف متعلق بمختار "ضعف النسق" مضاف إليه. "والنصب" مبتدأ خبره "يجب" والجملة الشرطية معترضة بينهما كالسابقة "أو اعتقد" معطوف على يجب، "و"أو" للتخيير "إضمار" مفعول اعتقد "عامل" مضاف إليه "تصب" مضارع مجزوم في جواب الأمر، وهو "اعتقد".

ص: 172

واليزيدي

(1)

، إلى أنه لا حذف، وأن ما بعد الواو معطوف، وذلك على تأويل العامل المذكور بعامل يصح انصبابه عليهما، فيؤول: زججن بحسن

(2)

، وعلفتها بأنلتها

(3)

.

كتاب "الأصول"، و"النوادر" و"القلب والإبدال"، و"غريب القرآن". ومات سنة 125 هـ، ومن شعره في جعفر البرمكي.

إذا قيل من للندا والعلا

من الناس قيل الفتى جعفر

وما إن مدحت فتى قبله

ولكن بني جعفر جوهر

وقد تقدمت ترجمة الفراء، والمازني، والمبرد، وأبو عبيدة في الجزء الأول.

(1)

هو أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، مولى بني عدي، وينسب إلى يزيد بن منصور الحميري، خالد المهدي؛ لأنه أدب أولاده. نشأ ببغداد، وأخذ العربية عن أبي عمرو بن العلاء، واللغة والعروض عن الخليل، وكان أحد أكابر القراء الفصحاء العالمين بلغة العرب والنحو، كما كان ثقة صدوقا صحيح الرواية، وقد اتصل بالرشيد، وجعله مؤدبا للمأمون، وصنف مختصرا في النحو، ومات بخراسان سنة 202 هـ، ومن شعره:

إذا نكبات الدهر لم تعظ الفتى

وأفزع منها لم تعظه عواذله

ومن لم يؤدبه أبوه وأمه

تؤدبه روعات الردى وزلازله

فدع عنك ما لا تستطيع ولا تطع

هواك ولا يغلب بحقك باطله

(2)

ولا شك أن التحسين يصح تسلطه على كل من العيون والحواجب.

(3)

والإنالة يصح تسلطها على التبن والماء، ويكون ذلك من باب التضمين، وهو سائع ووارد عن العرب، "انظر صفحة 94 من هذا الجزء".

تنبيه: الفرق بين العطف والمعية: أن العطف يقتضي المشاركة بين المعطوف عليه في معنى العمل، سواء حصلت المشاركة في الزمن أو لا. فإذا قلت: قابلت محمدا وعليا في الحج، فيجب أن تتناولهما المقابلة، وليس بلازم أن تكون شملتهما مع المتكلم في وقت واحد، أما المعية فبالعكس، أي أنه تتحتم المشاركة الزمنية، أما المشاركة المعنوية فقد تكون أو لا تكون، فإذا قلت: سار محمد والنيل، تعينت المشاركة الزمنية، أما المعنوية فلا يمكن؛ لأن النيل لا يشارك في السير.

فائدة: قال الصبان: قال الفارضي: "إذا اجتمعت المفاعيل، قدم المفعول المطلق، ثم المفعول به الذي تعدى إليه الفاعل بنفسه، ثم الذي تعدى إليه بواسطة الحرف، ثم المفعول

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فيه الزماني، ثم المكاني، ثم المفعول، ثم المفعول معه، نحو: ضربت ضربا محمدا بسوط نهارا هنا تأديبا، وطلوع الشمس". والظاهر أن هذا الترتيب أولى، لا أوجب، ومن الخير أن يراعي تقديم الأهم، والمقصود مهما كان.

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف المفعول معه، وذاكر شرط عامله، وهات أمثلة موضحه له من إنشائك.

2 ما الذي ينصب المفعول معه في القول الراجح؟ وما المراد بشبه الفعل؟ مثل لما تقول.

3 هات مثالين لاسم واجب النصب على أنه مفعول معه، وآخرين لاسم يمتنع فيه ذلك ويجب العطف.

4 ما الفرق ين المانع الصناعي والمانع المعنوي؟ هات مثالين موضحين لكل.

5 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، بين الشاهد، وحكم ما بعد الواو.

قال تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} .

{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} .

{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} .

{لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .

قال الشاعر:

فما لك والتلذذ حول نجد

إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ

فدعه ووكل أمره واللياليا

إذا أنت لم تترك أخاك وزلة

إذا زلها أوشكتما أن تفرقا

جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمدعوي

6 وضح فيما يأتي عامل المفعول معه، وأظهره إن كان مقدرا:

ما شأنك والأحرار من الفدائيين؟ عجبت من حرصك وثروتك الواسعة، كيف أنت والمتطوعين بدمائهم وأموالهم فداء للوطن؟ علي مبغض وأخاه الطلاب. ما أنت ورحلة إلى السد العالي؟ لو ترك كل إنسان وشأنه لسادت الفوضى، فنصيحتي لك أن تسير وطريق الدين والقانون.

7 بين موقع إعراب ما تحته خط في البيتين الآتيين، واشرحهما شرحا أدبيا:

فليست حدود الشرق تفضل بيننا

لنا الشرق حد والعروبة موقع

ولو بردى أنت لخطب مياهه

لسالت "بوادي النيل" للنيل أدمع

ص: 175

هذا‌

‌ باب المستثنى

(1)

:

للاستثناء أدوات ثمان:

حرفان وهما: "إلا"عند الجميع، و"حاشا" عند سيبويه

(2)

، ويقال فيها: حاش، وحشا

(3)

.

وفعلان وهما: "ليس"، و"لا يكون".

ومترددان بين الفعلية والحرفية

(4)

، وهما "خلا" عند الجميع و"عدا" عند غير سيبويه

(5)

.

هذا باب المستثنى:

(1)

هو اسم يذكر بعد إلا، أو إحدى أخواتها، يخالف ما قبلها في الحكم، نفيا أو إثباتا، ويقول صاحب التسهيل في تعريفه:"هو المخرج تحقيقا أو تقديرا، من مذكور أو متروك، بإلا أو ما في معناها". "فقول المخرج: جنس يشمل المخرج بالبدل. وبالصفة، وبالشرط، وبالاستثناء وغير ذلك. وقوله: "من مذكور أو متروك" إشارة إلى قسمي: التام والمفرغ، وقوله: "بإلا أما في معناها" يشمل جميع أدوات الاستثناء، ويخرج ما عدا المستثنى، كما تقدم ذكر بعضه.

(2)

وتبعه في ذكر أكثر البصريين، وقيل: تستعمل حرف جر كثيرا، وفعلا ماضيا جامدا متعديا بقلة، لتضمنها معنى "إلا"، وذهب الكوفيون إلى أنها فعل متعد متصرف ينصب ما بعده، ولا تكون حرف جر لتصرفها، وإذا ورد ما بعدها مجرورا، فيكون على تقدير حرف جر، حذف وبقي عمله.

(3)

هل هاتان اللغتان خاصتان بحاشا الخالصة للتنزية، والتي هي اسم مرادف لكلمة "تنزيها"، أو"فعل بمعنى "أنزه"، كما سنبينه بعد؟ أو هما جائزان في حاشا مطلقا؟ ولعل الأول هو الأقرب إلى الصواب، لاتفاقهم على نفي حرفيتها، فتكون أكثر قبولا للتصرف بالحذف.

(4)

أي ما لم تتقدم عليهما "ما" المصدرية، وإلا تعينتا للفعلية، ويلزمان المضي.

(5)

أما هو، فلم يحفظ فيها إلا الفعلية.

ص: 176

واسمان، وهما:"غير" و"سوى" بلغاتها، فإنه يقال: سوى كرضا، وسوى كهدى، وسواء كسماء، وسواء كبناء، وهي أغربها

(1)

.

فإذا استثني "بإلا" وكان الكلام غير تام -وهو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه- فلا عمل لإلا، بل يكون الحكم

(2)

عند وجودها مثله عند فقدها

(3)

، ويسمى استثناء مفرغا

(4)

، وشرطه: كون الكلام غير إيجاب

(5)

، وهو النفي: نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا

(1)

وقل من ذكرها، وقد ذكرها الفارسي.

(2)

أي من الناحية الإعرابية، لا من الناحية المعنوية.

(3)

فيعرب ما بعد "إلا"، وهو المستثنى على حسب ما يقتضيه العامل قبلها، بقطع النظر عن "إلا" فيكون فاعلا ومفعولا ومبتدأ وخبر وغير ذلك، وتكون "إلا" ملغاة.

(4)

لأن ما قبل "إلا" تفرع للعمل الإعرابي فيما بعدها ظاهرا، ومعموله الحقيقي هو المستثنى منه؛ لأن الاستثناء في الحقيقة من عام محذوف، وما بعد إلا بدل من ذلك المحذوف، فالتقدير في مثل: ما قام إلا محمد، ما قام أحد إلا محمد، فلما حذف المستثنى منه أشغل العامل بالمستثنى وسمي استثناء مفرغا، ويجوز التفريغ لجميع المعمولات، إلا المفعول معه، والمصدر المؤكد لعامله، والحال المؤكدة كذلك، فلا يقال: ما سرت إلا والنيل، وإلا ما زرعت إلا زرعا، ولا تعث إلا مفسدا، وذلك لوقوع التناقض، بذكر المعنى منفيا قبل إلا، ومثبتا بعدها، وأما قوله تعالى:{إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} ، فالقرينة تدل على أن المراد: إن نظن إلا ظنا عظيما، فهو مصدر نوعي، فاختلف المنفي والمثبت.

(5)

لأن التفريغ في الإيجاب يدعو إلى الاستبعاد، فإذا قلت: قام إلا محمد كان معناه قام جميع الناس إلا محمد، وهذا بعيد، وليست هنالك قرينة تدل على أن المراد جماعة مخصوصة، وجوز ابن الحاجب التفريغ في الموجب، إذا كان فضلة وحصلت فائدة، نحو: قرأت إلا يوم الخميس، فإنه يجوز أن تقرأ في جميع الأيام إلا يوم الخميس، وأجيب بأن هذا قليل فيمنع طرد للباب، كما اتفق على الجواز في المنفي، وإن لم يستقم المعنى أحيانا، نحو: ما مات إلا محمد، لهذا السبب.

والخلاصة: أن الاستثناء المفرغ يقتضي أن يكون الكلام غير تام، وغير موجب معا.

ص: 177

رَسُولٌ}

(1)

، والنهي، نحو:{وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}

(2)

، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

(3)

، والاستفهام الإنكاري نحو:{فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُون}

(4)

. فأما قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} ، فحمل "يأبى" على لا يريد؛ لأنهما بمعنى

(5)

.

وإن كان الكلام تامًّا، فإن كان موجبًا

(6)

. . . . . . . . . . .

(1)

" محمد": مبتدأ، "إلا": ملغاة. "رسول": خبر، وتقدير المستثنى منه: وما محمد شيء.

(2)

"الحق": مفعول به لتقولوا: وتقدير المستثنى منه: ولا تقولوا على الله شيئا إلا

الحق.

(3)

"التي" مجرور بالباء؛ لأن ما قبل "إلا" هو "تجادلوا" يطلبه كذلك، وتقدير المستثنى منه، ولا تجادلوا أهل الكتاب بشيء إلا بالتي هي أحسن.

(4)

"القوم" نائب فاعل "يهلك"، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي.

(5)

أي معنى يأبى هو "لا يريد"، فهناك نفي معنوي، والمستثنى منه محذوف. وإذا فلا فرق بين أن يكون النفي في اللفظ، أو في المعنى، ومن ذلك قوله تعالى:{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} ؛ لأن المعنى: أنها لا تسهل إلا على الخاشعين، ومثل ذلك النهي نحو قوله تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} ؛ لأن المعنى: لا تولوا الأدبار إلا منحرفين، وقد أشار الناظم إلى الاستثناء المفرغ بقوله:

وإن يفرغ سابق "إلا" لما

بعد يكن كما لو "إلا" عدما

أي إذا تفرغ العامل الذي قبل إلا للعمل فيما بعدها، أعرب الاسم الذي بعدها على حسب ما يقتضيه هذا العامل، وكأن "إلا" غير موجودة.

(6)

الموجب: هو الجملة التي ليس فيها نفي وهو النهي، والاستفهام المتضمن معنى

* "وإن" شرطية، "يفرغ" مضارع للمجهول فعل الشرط. "سابق" نائب فاعل يفزع، "إلا". مقصود لفظه مفعول لسابق. "لما" متعلق بيفرغ" و"ما" اسم موصول. "بعد" ظرف متعلق بمحذوف صلة ما "يكن" جواب الشرط واسمها يعود إلى سابق، أو إلى ما بعد. "كما" الكافة جارة و"ما" زائدة: "لو" مصدرية. "إلا" مقصود لفظه نائب فاعل لمحذوف يفسر عدما. "عدما" ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق ونائب فاعله يعود على "إلا" و"لو"، ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور خبر يكن الناقصة.

ص: 178

وجب نصب المستثنى

(1)

، نحو:{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}

(2)

، وأما قوله:

عادت تغير إلا النؤي والوتد

(3)

فحمل تغير على "لم يبق على حاله"؛ لأنهما بمعنى.

النفي، كالإنكاري، والتوبيخي.

(1)

سواء كان متأخرًا عن المستثنى منه، أم متقدما عليه. متصلا كان الاستثناء أم منقطعا، ويقال في الإعراب:"إلا" حرف استثناء، والمستثنى منصوب على الاستثناء.

(2)

فـ"قليلا" منصوب على الاستثناء وجوبا؛ لأن الكلام موجب ليس فيه نفي أو شبهه، والمستثنى منه مذكور، وهو الواو في "شربوا"، وأما قوله:" {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} برفع لفظ الجلالة، فإن "إلا" في الآية ليست حرف استثناء، وإنما هي اسم بمعنى "غير" صفة للآلهة، ونقل إعرابها إلى ما بعدها، لكونها على صورة الحرف.

(3)

عجز بيت من البسيط للأخطل التغلبي الأموي، وصدره:

وبالصريمة منهم منزل خلق

اللغة والإعراب: الصريمة: اسم موضع، وأصله: المنقطع من الرمل، خلق: بال. عاف: دارس مندثر. النؤي: جدول صغير يحفر حول الخباء لمنع السيل عنه "بالصريمة جار ومجرور خبر مقدم "منهم" متعلق بمحذوف من منزل، الواقع مبتدأ مؤخر، أي متخلفا منهم، "خلق" صفة لمنزل "عاف" صفة ثانية، "تغير" الجملة صفة ثالثة، "إلا" حرف استثناء" النؤي" بدل من فاعل تغير، "والوتد" معطوف عليه.

المعنى: أن بهذا الموضع منزلا باليا، خلفه القوم تغيرت حالة ودرست معالمه ولم يبق منه إلا الحفرة التي كانت حوله، والوتد الذي يربط به الخباء أو الدواب.

الشاهد: رفع "النؤي" على البدلية؛ لأن الكلام ليس تاما موجبا، كما يدل ظاهره، بل هو منفي في المعنى؛ لأن تغير وهو العامل في ضمير المستثنى منه، وهو المنزل -في معنى عامل منفي وهو "لم يبق على حاله"، كما ذكر المصنف.

وذهب بعضهم إلى أن "إلا" هنا حرف استدراك بمعنى لكن، وما بعدها مبتدأ حذف وخبره، ومثل قوله عليه الصلاة والسلام:"كل أمتى معافى إلا المجاهرون"، أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون.

ص: 179

وإن كان الكلام غير موجب: فإن كان الاستثناء متصلا

(1)

فالأرجح اتباع المستثنى للمستثنى منه

(2)

، بدل بعض عند البصريين، وعطف نسق عند الكوفيين

(3)

، نحو:{مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُم} ، {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَك} ، {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}

(4)

، والنصب عربي جيد، وقد قرئ به في السبع في "قليل"، و"امرأتك".

وإذا تعذر البدل على اللفظ، أبدل على الموضع، نحو: لا إله إلا الله، ونحو: ما فيها من أحد إلا زيد، برفعهما

(5)

، وليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به، بالنصب

(6)

؛ لأن "لا"

(1)

هو ما يكون فيه المستثنى بعض المستثنى منه، ويحكم على أحدهما بضد ما يحكم به على الآخر، سواء كان المستثنى منه متعدد الأفراد، والمستثنى أحد تلك الأفراد، نحو: زرت الزملاء إلا محمدا، أو كان المستثنى منه فردا ذا أجزاء، والمستثنى جزء من تلك الأجزاء، نحو: نظفت الحجرة إلا شباكا، وفي الحالتين يكون ما بعد إلا مخالفا في الحكم لما قبلها.

(2)

أي في إعرابه فيكون مثله، مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا.

(3)

لأن "إلا" عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء خاصة، وهي بمنزلة "لا" العاطفة، في أن ما بعدها يخالف ما قبلها.

(4)

"الضالون" بدل من الضمير المستتر في "يقنط"، بدل بعض من كل، و"امرأتك" بالرفع بدل من "أحد" كذلك، و"قليل" بدل من الواو في "فعلوه" أيضا، ولا يعترض بعدم وجود الضمير الرابط؛ لأن "إلا" إلا أغنت عنه، لدلالتها على إخراج الثاني من الأول، وكونه بعضا منه، والجمع عطف نسق عند الكوفيين.

(5)

قيل: لفظ الجلالة بدل من محل الاسم قبل دخول "لا"، أو من محل لا مع اسمها. وفي القولين ضعيف؛ لأن هذا المحل قد زال بدخول الناسخ، والمختار أنه بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، ولا يجوز النصب؛ لأن "لا" الجنسية لا تعمل في معرفة، ولا في موجب، و"زيد" بدل من محل أحد؛ لأن محله رفع بالابتداء، ولا يجوز الخفض على اللفظ؛ لأنه موجب بإلا، و"من" الزائدة لا تعمل في موجب.

(6)

"شيئا" بدل من محلي "بشيء"؛ لأنها في موضع نصب على الخبرية بليس، ولا يجوز

ص: 180

الجنسية لا تعمل في معرفة، ولا في موجب، و"من" و"الباء" الزائدتين كذلك، فإن قلت: لا إله إلا الله واحد، فالرفع أيضا

(1)

؛ لأنها لا تعمل في موجب.

ولا يترجح النصب على الاتباع، لتأخر صفة المستثنى منه عن المستثنى، نحو: ما فيها رجل إلا أخوك صالح، خلافا للمازني

(2)

.

وإن كان الاستثناء منقطعا

(3)

: فإن لم يمكن تسليط العامل على المستثنى، وجب النصب اتفاقا، نحو: ما زاد هذا المال إلا ما نقص

(4)

، إذ لا يقال زاد النقص، ومثله: ما نفع زيد إلا ما ضر، إذ لا يقال: نفع الضر.

(1)

أي على البدل على المحل، ولا يجوز النصب على اللفظ، وإن كان البدل نكرة موصوفة؛ لأنها موجبة لوقوعها بعد "إلا" و"لا" الجنسية لا تعمل في الموجب، كما بين المصنف.

(2)

فقد اختار النصب في هذه الحالة، فتقول: ما فيها رجل إلا أخاك صالح، فرجل مبتدأ، والجار والمجرور قبله خبر، وصالح: نعت لرجل، وأخاك منصوب على الاستثناء مقدم على صفة المستثنى منه.

(3)

المنقطع هو: ما لم يكن فيه المستثنى بعضا من المستثنى منه، فلا بد هو فرد من أفراده ولا جزء حقيقي منه، وإن كان ينبغي أن يكون بينهما اتصال معنوي، وعلاقة، وربط، بحيث يصح أن يقع الحرف "لكن" موقع أداة الاستثناء مع استقامة المعنى، فلا بد أن يكون ما قبل "إلا" دالا على ما يستثنى. ولهذا يجوز: ما قام القوم إلا فرسا، ويمتنع قام القوم إلا ثعبانا، ويشترط ألا يسبقه ما هو نص صريح في خروجه، فلا يصح صهلت الخيل إلا الإبل؛ لأن الصهيل نص قاطع في صوت الخيل، فلا صلة بين المستثنى والمستثنى منه، بخلاف "صوتت" مثلا.

(4)

"إلا" أداة استثناء. "ما" مصدرية. "نقص"، الجملة صلتها، وهي في موضع نصب على الاستثناء، ولا يجوز الرفع على الإبدال من الفاعل؛ لأنه لا يصح تسليط العامل على المستثنى، فلا يقال: زاد النقص.

ص: 181

وإن أمكن تسليطه: فالحجازيون يوجبون النصب

(1)

، وعليه قراءة السبعة:{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّن} ، وتميم ترجحيه وتجيز الاتباع

(2)

، كقوله:

وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير وإلا العيس

(3)

وحمل عليه الزمخشري

(4)

:

(1)

لامتناع الإبدال حقيقة؛ لأن المستثنى ليس به جنس المستثنى منه.

(2)

فترفع "اتباع" على أنه بدل من "علم" باعتبار موضعه، ولا يجوز خفضه على الإبدال من "علم" باعتبار لفظه؛ لأنه معرفة موجبة، و"من" الزائدة لا تعمل فيها كما سلف.

(3)

بيت من الرجز: لعامر بن الحارث الملقب بـ"جران العود" شاعر نميري، ولقب بذلك؛ لأنه اتخذ من جلد العود سوطا يضرب به نساءه.

اللغة والإعراب: أنيس: مؤنس: اليعافير: جمع يعفور، وهو ولد البقرة الوحشية، العيس: هي الإبل التي يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها: أعيس، والأنثى: عيساء وبلدة الواو واو رب، "بلدة" مبتدأ، "ليس بها أنيس" الجملة من ليس واسمها وخبرها صفة لبلدة، وخبر المبتدأ محذوف "إلا" حرف استثناء، "اليعافير" بدل من أنيس، وإلا توكيد للأولى. "العيس" معطوف على اليعافير.

المعنى: كثير من البلدان الموحشة التي لا مؤنس، ولا رفيق فيها، وليس بها إلا أولاد البقر الوحشي، والإبل زرتها، ولم أخش شيئا.

الشاهد: رفع "اليعافير والعيس" على الإبدال على لغة تميم، مع أنه استثناء منقطع تقدم فيه المستثنى منه، فكان ينبغي انتصابه على المشهور.

وقد حملهم على ذلك: أن المقصود هو المستثنى، فكأنه قال: ليس بها إلا اليعافير، أما المستثنى منه، فكأنه غير مذكور فصار كالاستثناء المفرغ، أو أنه توسع في معنى المستثنى حتى جعله نوعا من المستثنى منه، فقدر اليعافير والعيس نوعا من الأنيس، أو توسع في المستثنى نه، فكأن الاستثناء في الحالتين متصل.

(4)

هو أبو القاسم: محمود بن عامر جار الله الزمخشري، نسبة إلى زمخشري، من أعمال خوارزم، كان واسع العلم، غاية في الذكاء وقوة القريحة، متفننا في كل علم، معتزليا، قدم بغداد غير مرة، وأخذ الأدب عن النيسابوري والأصبهاني، وجاور بمكة، فلقب بجار الله.

ص: 182

{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}

(1)

.

وفخر خوارزم، وكانت له رجل من خشب، بسبب خراج أصاب رجله فقطعت، وله مصنفات كثيرة، من أشهرها:"الكشاف في التفسير"، و"المفصل" في النحو"، و"أطواق الذهب"، و"الأحاجي النحوية"، ومات يوم عرفة سنة 538 هـ.

كثر الشك والخلاف وكل

يدعي الفوز بالصراط السوي

فاعتصامي بلا إله سواه

ثم حبي لأحمد وعلي

فاز كلب بحب أصحاب كهف

كيف أشقى بحب آل نبي

(1)

"من" في محل رفع فاعل يعلم. "الغيب" مفعول به، "الله" بدل من "من" على لغة تميم، وهو استثناء منقطع، لعدم دخوله في مدلول "من"؛ لأنه سبحانه لا يحويه مكان، وجعل ابن مالك الاستثناء متصلا، وقدر متعلق الظرف: من يذكر في السموات والأرض لا استقر ونحوه. وذكر في المغني: أنه يجوز أن تعرب "من" مفعولا به ليعلم، لا فاعلا و"الغيب" بدل اشتمال منه، و"الله" فاعل، ويكون الاستثناء مفرغا، وكأنه قيل: لا يعلم الغيب إلا الله.

وقد أشار الناظم في إجمال إلى ما تقدم بقوله:

ما استثنت "إلا" مع تمام ينتصب

وبعد نفي أو كنفي انتخب

اتباع ما اتصل وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال وقع

أي أن ما استثنه "إلا" إذا وقع بعد تمام الكلام الموجب ينصب، سواء كان متصلا أو منقطعا، وإن وقع بعد نفي أو شبهه، فالمختار الاتباع مع المستثنى المتصل، والنصب وحده مع المنقطع، وعند تميم يجوز الإبدال أيضا في المنقطع.

* "ما" موصولة مبتدأ. "إلا" فاعل استثنت مقصود لفظها، والجملة صلة، والعائد محذوف: أي ما استثنته إلا، "مع تمام" ظرف ومضاف إليه متعلق باستثنت، "ينتصب" الجملة خبر المبتدأ. و"بعد" ظرف متعلق بانتخب. "نفي" مضاف إليه، "أو كنفي" معطوفة على نفي، "والكاف بمعنى مثل. "اتباع" نائب فاعل انتخب، "ما" اسم موصول مضاف إليه. "اتصل" الجملة صلة. "ما" اسم موصول مفعول انصب، "انقطع" الجملة صلة ما، "وعن تميم" جار ومجرور متعلق بوقع، "فيه" خبر مقدم. "إبدال" مبتدأ مؤخر، "وقع" فعل ماض وفاعله يعود على إبدال والجملة نعت له، ويجوز أن تكون جملة "وقع" خبر المبتدأ، "وعن تميم فيه" متعلقان بوقع.

ص: 183

‌فصل: وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، وجب نصبه مطلقًا

(1)

، كقوله:

وما لي إلا آل أحمد شيعة

وما لي إلا مذهب الحق مذهب

(2)

وبعضهم يجيز غير النصب

(3)

في المسبوق بالنفي

(4)

، فيقول: ما قام إلا زيد أحد، سمع يونس: ما لي إلا أبوك ناصر، وقال:

(1)

أي سواء أكان متصلا أم منقطعا، ولا يجوز أن يعرب بدلا؛ لأنه يكون تابعا، والتابع لا يتقدم على المتبوع.

(2)

هذا البيت للكميت بن زيد الأسدي، من قصيدة له مشهورة، يمدح فيها بني هاشم، آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومطلعها:

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعاب مني وذو الشوق يلعب

ولم يلهني دار ولا رسم منزل

ولم يتطربني بنان مخضب

اللغة والإعراب: طربت: من الطرب، وهو خفة تعتري القلب من لهو أو حزن نحوهما، البيض جمع بيضاء، وهي المرأة النقية اللون، بنان: البنان: الأصابع أو أطرافها، والمفرد بناته، مخضب: مزين بالخضباب، وهو ما يختضب به، كالنحاء ونحوه، شيعة: أنصار وأعوان، مذهب الحق: طريقه وشرعته، "ما" نافية، "لي" خبر مقدم "إلا" أداة استثناء "آل" منصوب على الاستثناء، "أحمد" مضاف إليه، ممنوع من الصرف، للعملية، ووزن الفعل. "شيعة" مبتدأ مؤخر، وهو المستثنى منه.

المعنى: ليس لي أنصار وأعوان إلا آل النبي عليه السلام وليس لي طريق ومذهب أسلكه، وأهتدي به إلا طريق الحق.

الشاهد: تقدم المستثنى في الصدر والعجز، وهو "آل" و"مذهب"، ونصبه فيهما وجوبا على الاستثناء؛ لأنه لو لم ينصب على الاستثناء لأعرب بدلا، والبدل تابع، والتابع لا يجوز أن يتقدم على المتبوع.

(3)

أي على الاستثناء فيجيز النصب والرفع والجر على البدل للاتباع.

(4)

ومثله: ما في معناه من النهي والاستفهام، كما يدل عليه قول الناظم:

وبعد نفي أو كنفي

إلخ

ص: 184

إذا لم يكن إلا النبيون شافع

(1)

ووجهه: أن العامل فرغ لما بعد "إلا"، وأن المؤخر عام أريد به خاص، فصح إبداله من المستثنى، لكنه بدل كل، ونظيره في أن المتبوع أخر وصار تابعًا:"ما مررت بمثلك أحد"

(2)

.

(1)

عجز بيت من الطويل، لحسان بن ثابت، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدره:

لأنهمو يرجون من شفاعة

اللغة والإعراب: يرجون: يأملون؛ "لأنهم" اللام للتعليل، وأن واسمها، "يرجون" الجملة خبرها، "منه" متعلق به. "شفاعة" مفعوله. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، "يكن" مضارع تامة مجزومة بلم. "إلا" أداة استثناء ملغاة. "النبيون" فاعل يكن، "شافع" بدل كل من فاعل يكن.

المعنى: أن أهل بدر أطاعوا الرسول، ووفوا بعهدهم له؛ لأنهم يرجون أن يشفع لهم يوم القيامة، حين لا شفيع فيه إلا الأنبياء.

الشاهد: رفع المستثنى المتقدم المسبوق بالنفي -وهو "النبيون"- على مذهب الكوفيين.

(2)

قول عن العرب "مثلك" تابع في الأصل لأحد على أنه نعت له، وأصل العبارة: ما مررت بأحد مثلك، فلما قدم النعت على المنعوت أعرب النعت بحسب العوامل، وأعرب "أحد"، وهو المنعوت في الأصل بدلا، وإلى ما تقدم من حالة المستثنى المتقدم، يشير الناظم بقوله:

وغير نصب سابق في النفي قد

يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد

أي أن غير النصب على الاستثناء -وهو البدل- قد يجوز، حين يكون الكلام تماما منفيا -أي غير موجب- ولكن النصب هو المختار، أما إذا كان تاما موجبا، فالنصب واجب

مطلقا كما بين المصنف.

* "وغير" مبتدأ، "نصب" مضاف إليه، وكذلك سابق. "في النفي" متعلق بيأتي، وجملة "قد يأتي" خبر المبتدأ، "ولكن" حرف استدراك. "نصبه" مفعول مقدم لاختر ومضاف إليه. "إن ورد" جملة شرطية، وفعل الشرط، وجواب الشرط محذوف، أي فاختر نصبه.

ص: 185

فصل: وإذا تكررت "إلا": فإن كان التكرار للتوكيد، وذلك إذا تلت عاطفًا

(1)

، أو تلاها اسم مماثل لما قبلها

(2)

، ألغيت، فالأول نحو: ما جاء إلا زيد وإلا عمرو، فما بعد إلا "الثانية" معطوف بالواو على ما قبلها و"إلا" زائدة للتوكيد

(3)

، والثاني كقوله:

لا

تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا

(4)

فالفتى مستثنى من الضمير المجرور بالباء، والأرجح كونه تابعًا له في جره، ويجوز كونه منصوبًا على الاستثناء، و"العلا" بدل من الفتى، بدل كل من كل؛ لأنهما لمسمى واحد، و"إلا" الثانية مؤكدة.

وقد اجتمع العطف والبدل في قوله:

(1)

أي بالواو خاصة، دون غيرها من حروف العطف.

(2)

أي متفق مع ما قبلها في معناه ومدلوله، ومقصود بالحكم برغم اختلاف الألفاظ، كأن يكون بدل كل من كل، أو عطف بيان، وكذلك بقية أنواع البدل، مثل: ما أعجبني إلا محمد، إلا وجهه، إلا عمله، إلا علي.

(3)

أي اللفظي، ولا أثر لها في الحكم الإعرابي مطلقا.

(4)

هذا عجز بيت من كلام الناظم، الذي يبين فيه حكم إلا المكررة للتوكيد، وهو بتمامه:

وألغ "إلا" ذات توكيد كلا

تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا

أي اعتبر "إلا" ملغاة، أي غير موجودة، ولا تؤثر فيما دخلت عليه، إذا كررت وكانت للتوكيد، مثل: لا تمرر بهم إلا الفتى، إلا العلا فالعلا هو الفتى، وهو يدل كل، أو عطف بيان من الفتى، و"إلا" لا أثر لها، ولو حذفت ما تغير الإعراب.

* "إلا" مقصود لفظه مفعول ألغ، "ذت توكيد" حال من إلا ومضاف إليه. "كلا" الكاف جارة لقول محذوف، و"لا" ناهية "إلا" أداة استثناء "الفتى" مستثنى من ضمير بهم "إلا العلا" إلا: توكيد للسابقة، والعلا، أي الشرف، بدل من الفتى، بدل كل من كل؛ لأنهما لمسمى واحد.

ص: 186

مالك من شنجك إلا عمله

إلا رسيمه وإلا رمله

(1)

"فرسيمة" بدل، و"رمله" معطوف، و"إلا" المقترنة بكل منها مؤكدة.

وإن كان التكرار لغير توكيد، وذلك في غير بابي العطف والبدل، فإن كان العامل الذي قيل "إلا" مفرغًا، تركته يؤثر في واحد من المستثنيات

(2)

، ونصبت ما عدا ذلك الواحد

(3)

، نحو: ما قام إلا زيد إلا عمرًا إلا بكرًا، رفعت الأول بالفعل على أنه فاعل، ونصبت الباقي، ولا يتعين الأول لتأثير العامل بل يترجح، وتقول: ما رأيت إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا، فتنصب واحدًا منها بالفعل على أنه مفعول به، وتنصب البواقي بإلا على

(1)

هذا رجز من شواهد سيبويه، ولم ينسبه لأحد.

اللغة والإعراب: شنجك: الشنخ -بالتحريك- الجمل، وسكنت نونه للضرورة.

الرسيم: ضرب من سير الإبل البطيء، الرمل: السير السريع، "ما": نافية. "لك": متعلق بمحذوف خبر مقدم، "من شنجك" جار ومجرور ومضاف إليه، وهو متعلق بما تعلق به الخبر، "إلا" أداة استثناء ملغاة، "عمله" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، "إلا" الثانية للتوكيد.

"رسيمه" بدل من عمله، بدل بعض من كل، "وإلا" الواو عاطفة و"إلا" زائدة للتوكيد، "رمله" معطوف على رسيمه.

المعنى: ليس لك من جملك مأرب إلا رسيمه ورمله، وكلاهما أنت في حاجة إليه.

وروي "شيخك"، وهي الرواية المشهورة، والشيخ: الرجل المسن، وعلى هذا قد يراد بالرسيم والرمل: السعي والهرولة بين الصفا والمروة وفي الطواف، ويكون المعنى: ليس لك مطمع في شيخك، إلا الانتفاع منه بهذين العملين الجليلين.

الشاهد: تكرار "إلا" مرتين في قوله: "إلا رسيمه" على البدلي، وفي قوله: و"إلا رمله" على العطف، وهي في الموضعين ملغاة لا تفيد غير التوكيد.

(2)

أي على حسب ما يطلب، من رفع، أو نصب، أو جر، ويحسن أن يكون عمله في الأول، كما بين المصنف.

(3)

أي وجوبا على الاستثناء.

ص: 187

الاستثناء

(1)

.

وإن كان العامل غير مفرغ، فإن تقدمت المستثنيات على المستثنى منه نصبت كلها

(2)

، نحو: ما قام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا أحد.

(1)

وكذلك تقول: ما مررت إلا بمحمد، إلا محمودا، إلا علينا، فتجر واحدا منها بالباء، وتعلقه بالفعل، وتنصب الباقي، وفيما تقدم يقول الناظم:

وإن تكرر لا لتوكيد فمع

تفريغ التأثير بالعامل دع

في واحد مما "بإلا" استثني

وليس عن نصب سواه مغني

أي إذا تكررت "إلا" لغير توكيد، بأن قصد بها ما قصد بما قبلها من الاستثناء، فإن كان الاستثناء مفرغا، فدع العامل يؤثر في واحد من المستثنيات بإلا، وانصب الباقي، فليس عن نصب غير الواحد غنى، أي مفر.

(2)

أي على الاستثناء وجوبا، سواء كان الكلام تاما موجبا، أما غير موجب. ولا يجوز الإبدال في شيء منها؛ لأنه يكون تابعا، والتابع لا يتقدم على المتبوع، وفي هذا يقول الناظم:

ودون تفريغ مع التقدم

نصب الجميع احكم به والتزم

أي إذا تقدمت المستثنيات، وكان الاستثناء غير مفرغ، بأن يكون الكلام تاما موجبا، أو غير

* "وإن" شرطية، "تكرر" مضارع للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل يعود إلى "إلا"، "ولا" عاطفة، "لتوكيد" معطوف على محذوف، أي: وإن تكرر إلا لتأسيس لا لتوكيد، وكل من المجرور المحذوف والمذكور متعلق بتكرر، أو حال من مرفوعه، "فمع" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"مع" ظرف متعلق بدع، "تفريغ" مضاف إليه، "التأثير" مفعول دع مقدم "بالعامل" متعلق بالتأثير، وجملة "دع" جواب الشرط "في واحد" متعلق بدع.

"مما" متعلق بمحذوف نعت لواحد، وما اسم موصول، "بإلا" متعلق باستثنى الواقع صلة ما، "وليس" فعل ناقص واسمها يعود إلى واحد، "عن نصب" متعلق بمعنى، "سواه" مضاف إليه "مغني" خبر ليس، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة، ويجوز أن يكون "مغني" اسم ليس، وخبرها محذوف، أي وليس مغن عن نصب سواه موجودًا.

* "ودون تفريغ" ظرف ومضاف إليه متعلق باحكم، "مع التقدم" مثل سابقة، "نصب" مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، "الجميع" مضاف إليه، "والتزم" معطوف على احكم ومفعوله محذوف، أي والتزم ذلك الحكم.

ص: 188

وإذا تأخرت، فإن كان الكلام إيجابا، نصبت أيضًا كلها

(1)

، نحو: قاموا إلا زيدا إلا عمرًا إلا بكرًا.

وإن كان غير إيجاب أعطى واحد منها ما يعطاه لو انفراد

(2)

، ونصب ما عداه، نحو: ما قاموا إلا زيد إلا عمرًا إلا بكرًا، لك في واحد منها الرفع راجحًا والنصب مرجوحًا ويتعين في الباقي النصب

(3)

، ولا يتعين الأول لجواز الوجهين، بل يترجح

(4)

، هذا حكم المستثنيات المكررة بالنظر إلى اللفظ

(5)

.

وأما بالنظر إلى المعنى فهو نوعان: ما لا يمكن استثناء بعضه من بعض، كزيد وعمرو وبكر

(6)

، ويمكن، نحو: له عندي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحدًا.

ففي النوع الأول: إن كان المستثنى الأول داخلًا، وذلك إذا كان مستثنى من غير موجب، فما بعده دخل

(7)

، وإن كان خارجًا وذلك إذا كان مستثنى من موجب، فما بعده خارج

(8)

.

(1)

أي ما سبق، من أن جوا الاتباع مختص بغير الإيجاب.

(2)

فيجوز فيه النصب على الاسثناء، أو البدل من المستثنى منه.

(3)

أجاز الأبدي في هذه الصورة، رفع الجميع على الإبدال.

(4)

وذلك لقربه من العامل.

(5)

أي من حيث الإعراب اللفظي.

(6)

فإن كل واحد منها لا يدخل فيه غيره، فلا يستثنى منه شيء.

(7)

أي في الحكم الذي دخل فيه الأول، مثل ما قام أحد إلا محمدًا إلا عليا إلا محمودًا.

فـ"محمدًا" هو المستثنى الأول، وهو داخل في إثبات القيام له؛ لأنه مستثنى من النفي، فيكون علي ومحمود داخلين أيضًا.

(8)

أي أن حكم المستثنيات الأخيرة حكم الأول، دخولًا وخروجا، وفي حكم المستثنيات المكررة المتأخرة يقول الناظم:

ص: 189

وفي النوع الثاني

(1)

اختلفوا: فقيل الحكم كذلك، وإن الجميع مستثنى من أصل العدد

(2)

، وقال البصريون والكسائي: كل من الأعداد مستثنى مما يليه

(3)

، وهو الصحيح؛ لأن الحمل على الأقرب متعين عند التردد، وقيل: المذهبان محتملان.

وعلى هذا: فالمقر به في المثال الأول، ثلاثة على القول الأول، وسبعة على القول الثاني، ومحتمل لهما على الثالث، ولك في معرفة المتحصل على القول الثاني طريقتان:

إحداهما: أن تسقط الأول، وتجيز الباقي بالثاني، وتسقط الثالث، وإن كان معك

وانصب لتأخير وجئ بواحد

منها كما لو كان دون زائد

كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي

وحكمها في القصد حكم الأول

أي انصب المستثنيات كلها في حالة التأخير، وإن كان الكلام موجبا، فإن كان تاما غير موجب، عومل واحد منها بما كان يستحقه لو لم تتكرر "إلا"، فيبدل مما قبله وهو المختار، أو ينصب على قلة، كالمثال الذي ذكره، فيجوز في "علي" الرفع على البدلية من "امرؤ، والنصب على الاستثناء، وما يتكرر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم الأول، فيثبت له ما يثبت للأول من الدخول إن كان الكلام منفيا، أو الخروج إن كان موجبا كما أوضح المصنف.

(1)

وهو ما يمكن استثناء من بعض.

(2)

أي من العدد الأول.

(3)

أي من الذي قبله، والذي قبله مستثنى من الذي قبله، وهكذا

إلى الأول.

* "لتأخير" متعلق بانصب، "منها" متعلق بمحذوف نعت لواحد "كما" الكاف جارة، وما زائدة، "لو" مصدرية أو العكس، "كان" تامة، وفاعلها يعود على واحد. "دون" ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل كان، "زائد" مضاف إليه، و"لو" ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف. "كلم" الكاف جارة لقول محذوف، و"لم" نافية جازمة، "يفوا" مضارع مجزوم وواو الجماعة فاعل، "إلا"حرف استثناء. "امرؤ" بدل من الواو، بدل بعض من كل، "إلا" الثانية حرف استثناء، "على" مستثنى منصوب، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. "وحكمها" مبتدأ والضمير للمستثنيات مضاف إليه، "في القصد" متعلق به. "حكم الأول" خبر المبتدأ ومضاف إليه.

ص: 190

رابع، فإنك تجيز به، وهكذا إلى الأخير

(1)

.

والثانية: أن تحط الآخر مما يليه، ثم باقيه مما يليه

وهكذا إلى الأول

(2)

.

فصل: وأصل "غير" أن يوصف بها

(3)

: إما نكرة، نحو:{صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}

(4)

، أو معرفة كالنكرة

(5)

، نحو:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، فإن موصوفها "الذين"، هم جنس لا قوم بأعيانهم

(6)

.

(1)

فالمستثنى الأول في المثال الذي ذكره المصنف "4" تسقط من "10"، فيكون الباقي "6"، ويجيز بالثاني وهو "2"، ثم يسقط منها الثالث، وهو "1" فيكون الباقي "7".

(2)

وهناك طريقة ثالثة، وهي: جمع الأعداد الفردية ومنها المستثنى منه الأول، ثم الأعداد الزوجية، وتطرح الثانية من الأولى، فباقي الطرح هو المطلوب، ففي المثال المذكور "10+ 2" - "4+1" = 7.

تنبيه: اختلف النحاة في عامل النصب في المستثنى، فقيل "إلا" وقيل العامل الذي قبلها بمساعدتها، وقيل فعل محذوف تقديره "أستثني"، ولعل خير هذه الأقوال أنه منصوب بالفعل الذي قبلها أو بغيره مما يعمل عمله، فإن لم يوجد قبلها فعل أو غيره مما يعمل عمله، نحو: الزملاء إخوة إلا المنحرف، يؤول ما قبلها بما يعمل كأن يقال: في ها المثال: الزملاء منتسبون للإخوة إلا المنحرف.

(3)

وذلك على الرغم من جمودها، لما فيها من معنى اسم الفاعل؛ لأن معناها إفادة المغايرة، والدلالة على أن مجروها مغاير ومخالف للمنعوت في الحكم الذي ثبته له إيجابا أو نفيا، إما في ذاته، نحو: قابلت رجلا غير "علي"، أو في وصف طارئ على الذات، نحو: قابلني بوجه غير الذي عهدته منه، فوصف الوجه مختلف في الحالتين.

(4)

فـ"غير" صفة لصالحا، ولا أثر لإضافتها للموصول؛ لأنها لا تتعرف بالإضافة، لتوغلها في الإبهام.

(5)

وهي المعرفة المراد منها الجنس.

(6)

والمعرف الذي يراد به الجنس قريب من النكرة، وهي في الحالتين مؤولة بالمشتق بمعنى مغاير؛ لأن النعت لا يكون إلا مشتقا أو مؤولا به.

ص: 191

وقد تخرج عن الصفة وتضمن معنى "إلا"

(1)

، فيستثنى بها اسم مجرور بإضافتها إليه، وتعرب هي

(2)

بما يستحقه المستثنى بإلا في ذلك الكلام، فيجب نصبها في نحو: قاموا غير زيد

(3)

، وما نفع هذا المال غير الضرر

(4)

عند الجميع، وفي نحو: ما فيها أحد غير حمار

(5)

، عند الحجازيين، وعند الأكثر في نحو: ما فيها غير زيد أحد

(6)

.

(1)

فتقع في جميع مواقعها، وتجري عليها كل الأحكام التي تجري على المستثنى بإلا، وقد تحمل "إلا" على "غير"، فيوصف بها مع بقائها على حرفيتها، أو صيرورتها اسما وظهور إعرابها على ما بعدها، بشرط أن يكون الموصوف بها: جمعا نكرة، كقوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، أو شبههما. والمراد بشبه الجمع: ما كان مفردًا في اللفظ، دالا على متعدد في المعنى، مثل "غيري" في قول الشاعر:

لو كان غيري سليمى الدهر غيره

وفع الحوادث إلا الصارم الذكر

فقوله: إلا الصارم، صفة لغيري، والمراد بشبه النكرة ما أريد به الجنس كالمعرف بأل الجنسية، وقد أشار إلى ذلك المصنف.

وتخالف "إلا""غير" في أمور، منها: أنه لا يجوز حذف موصوفها، فلا يقال: جاءني إلا محمد، ويقال: جائني غير محمد وتقع بعدها الجمل، أما "غير"، فإنها مختصة بالإضافة إلى المفرد، ولا يجوز مراعاة المعنى في المعطوف المستثنى بها، بخلاف "غير"، فتقول: ما قام القوم غير محمد وعلي، بجر "علي" على لفظ محمد، ورفعه على المعنى؛ لأن المعنى: ما قام "إلا" محمد وعلي، أما "إلا" فلا يجوز إلا مراعاة اللفظ.

(2)

ويجوز بناءها على الفتح في جميع الأحوال بشرط أن تكون مضافة إلى مبني، نحو: ما قام غير هذا، وشأنها في ذلك شأن الأسماء المتوغلة في الإبهام، كغير، ومثل، وأجاز الفراء بناءها على الفتح مطلقا.

(3)

أي مما فيه الكلام تام موجب.

(4)

أي إذا كان الاستثناء منقطعا، ولا يمكن تسليط العامل على المستثنى.

(5)

أي مما فيه الاستثناء منقطع، ويمكن تسليط العامل على المستثنى.

(6)

أي إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه.

والخلاصة: أنه يجب نصب "غير" بالإجماع في صورتين: إذا كان الكلام تاما موجبا،

نحو: قام القوم غير زيد، أو كان الاستثناء منقطعا، ولا يمكن تسليط العامل على المستثنى نحو: ما نفع هذا المال غير الضرر، ويجب النصب عند الحجازيين، إذا كان الاستثناء، منقطعا وأمكن تسليط العامل على المستثنى، نحو: ما في الدار أحد غير حمار، وبنو تميم يجيزون الاتباع في ذلك، وإذا تقدم المستثنى منه، نحو: ما في الدار غير زيد أحد وجب النصب عند الأكثرين.

ص: 192

ويترجح عند قوم في نحو هذا المثال، وعند تميم في نحو: ما فيها أحد غير حمار

(1)

.

ويضعف في نحو: ما قاموا غير زيد

(2)

، ويمتنع في نحو: ما قام غير زيد

(3)

.

فصل: والمستثنى بـ"سوى" كالمستثنى بـ"غير" في وجوب الخفض، ثم قال الزجاجي

(4)

، وابن مالك:"سوى "كـ" غير"

(1)

أي وهو الاستثناء المنقطع الذي يمكن فيه تسليط العامل.

(2)

أي إذا كان الكلام تاما غير موجب.

(3)

أي إذا كان الاستثناء مفرغا.

هذا: وتنصب "غير" بما قبلها من العوامل على الحال، وفيها مع هذا معنى الاستثناء، وإلى "غير" أشار الناظم بقوله:

واستثن مجرورًا بـ"غير معربا

بما لمستثنى بـ"إلا" نسبا

أي استثن بكلمة "غير" مستثنى مجرور دائما، ويكون لفظ "غير" معربا بالإعراب الذي يكون للمستثنى بإلا، فيما إذا حذفت "غير"، وحلت "إلا" محلها.

(4)

هو أبو القاسم، عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي. أصله من نهاوند، ثم انتقل إلى بغداد، ولزم أبا إسحاق إبراهيم الزجاج حتى برع في النحو، وإليه ينسب، ثم رحل إلى الشام وأملى وحدث بدمشق عن الزجاج، ونفطويه، وابن دريد، وابن الأنباري وغيره، وصنف كثيرا من الكتب، ومنها: كتاب الجمل في النحو صنفه بمكة، وكان إذا فرغ من باب منه طاف أسبوعا ودعا الله أن يغفر له، وأن ينفع به قارئه، ولهذا عم النفع به، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية، وله في النحو أيضًا، الإيضاح في النحو، والكافي، وتوفي بطبرية سنة 340 هـ.

* "واستثن مجرورا" فعل أمر وفاعل مستتر، ومفعول، "بغير" متعلق باستثن"معربا" حال من. "غير" لقصد لفظة "بما" متعلق بمعربا، وما اسم موصول. "لمستثنى" متعلق بنسبا "بإلا" متعلق بمستثنى، "نسبا" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على ما والألف للإطلاق، والجملة صلة "ما" الموصولة.

ص: 193

معنى وإعرابًا

(1)

، ويؤيدهما حكاية الفراء "أتاني سواك"

(2)

، وقال سيبويه والجمهور: هي ظرف

(3)

، بدليل وصل الموصول بها؛، كجاء الذي سواك

(4)

، قالوا: ولا تخرج عن النصب على الظرفية إلا في الشعر، كقوله:

(1)

أي فتقع صفة لنلرة أو شبهها، وتقع في الاستثناء متصلا ومنقطعا، وتخرج من النصب إلى الرفع والجر، ويجر ما بعدها بالإضافة

إلخ، وعلى هذا جري الناظم حيث يقول:

ولسوى سوى سواء اجعلا

على الأصح ما "لغير" جعلا

أي اجعل ما "لغير" من الأحكام المتقدمة لسوى وسوى وسواء، على الرأي الصحيح.

(2)

فقد وقعت "سواك" فاعلا لأتى، ووقعت مبتدأ في قول الشاعر:

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشتري

ووقعت كذلك مجرورة بالحرف في قوله عليه الصلاة والسلام: "دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسها"، ووقعت منصوبة على غير الظرفية في قول الشاعر:

لديك كفيل بالمنى لمؤمل

وإن سواك من يؤمله يشقى

(3)

أي للمكان مجازا، ومعناها: مكان أو عوض، ونصبها؛ لأنها في الأصل صفة لظرف المكان، كقوله تعالى:{مَكَانًا سُوًى} أي مستويا، فلما حذف الموصوف قامت الصفة مكانه فنصبت.

(4)

فـ"سواك" هنا ظرف وليست بمعنى "غير"؛ لأن "غير" لا تدخل في مثل هذا إلا وقبلها الضمير، يقولون: جاء الذي هو غيرك، فلما وصلت بغير ضمير ادعى أنها ظرف، والتقدير: جاء الذي استقر مكانك.

* "ولسوى" متعلق باجعلا في موضع المفعول الثاني له "سوى سواء"، معطوفان على سوى بإسقاط العاطف.

"اجعلا" فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة المقلوبة ألفًا. "على الأصح" متعلق بجعلا، "ما" اسم موصول مفعول أول لاجعلا، "لغير" متعلق بجعلا، وهو في موضع المفعول الثاني له، "جعلا" ماض للمجهول ونائب فاعله ضمير مستتر هو المفعول الأول، والجملة صلة "ما" والألف للإطلاق.

ص: 194

ولم يبق سوى العدوا

ن دناهم كما دانو

(1)

وقال الرماني والعكبري

(2)

: تستعمل ظرفا غالبًا، وكـ"غير" قليلًا، وإلى هذا أذهب

(3)

.

فصل: والمستثنى بـ"ليس" و"لا يكون"

(4)

واجب النصب؛ لأنه خبرهما، وفي

(1)

هو لشهل بن شيبان، الملقب بالفند للزماني من قصيدة في حرب البسوس، ومطلعها:

صفحنا عن بني ذهل

وقلنا القوم إخوان

فلما صرح الشر

وأمسى وهو عربان

اللغة والإعراب: العدوان: الظلم الصريح. دناهم: جازيناهم وفعلنا بهم مثل ما فعلوا بنا

"يبق" مضارع مجزوم بلم بحذف الألف، "سوى العدوان" فاعل، ومضاف إليه "دناهم" فعل وفاعل ومفعول، "كما" الكاف حرف تشبيه وجر، "ما" مصدرية وهي ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور في محل نصب صفة لمصدر محذوف، أي دناهم دينا، مماثلا لدينهم إيانا، وجملة دناهم جواب "لما" في البيت المذكور قبله.

المعنى: لما ظهر الشر وانكشف كل شيء كان مستورا، ولم يبق من بني ذهل إلا العدوان الظاهر، جازيناهم وفعلنا بهم مثل ما فعلوا بنا، وكما تدين تدان.

الشاهد: وقوع "سوى" فاعلا لبيق، وخروجها عن الظريفية، وهو عند البصريين خاص بالشعر، وعند الكوفيين جائز في السعة، ومذهبهم أرجح.

(2)

هو أبو البقاء، عبد الله بن الحسين، محب الدين العكبري البغدادي الضرير النحوي، قرأ العربية على ابن الخشاب وغيره حتى حاز قصب السبق، وأصبح إماما يشار إليه، ويقصده الناس من الأقطار، وكان ثقة صدوقا غزير الفضل كثير المحفوظ، دينا حسن الأخلاق متواضعا، أصيب في صباه بالجدري فأضر به، فكانت تحضر إليه المصنفات وتقرأ عليه، فإذا حصل ما يريد أملاه، وقد صنف كتاب كثير، منها: شرح الإيضاح، والتكملة، واللمع، وشرح الحماسة، والمقامات، وله: كتاب اللباب في علل البناء والإعراب، ومات سنة 616 هـ.

(3)

قيل: وهو أعدل الأقوال؛ لأنه لا يحتاج إلى تكلف وتأويل في التخريج.

(4)

هما فعلان ناسخان، ويشترط وجود "لا" النافية قبل يكون، وأن تكون بلفظ المضارع الغائب.

ص: 195

الحديث: "ما أنهر الدم وذكرا اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر"

(1)

، وتقول:"أتوني لا يكون زيدًا".

واسمها ضمير متصل عائد على اسم الفاعل

(2)

المفهوم من الفعل السابق

(3)

، أو البعض المدلول عليه بكله السابق، فتقدر:"قاموا ليس زيدًا": ليس القائم، أو ليس بعضهم وعلى الثاني فهو نظير:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} بعد تقدم ذكر الأولاد

(4)

.

وجملتا الاستثناء

(5)

في موضع نصب على الحال

(6)

، أو مستأنفتان فلا موضع لهما

(7)

.

(1)

هذا حديث في حكم الذبائح، أنهر: أسأل الدم، وقيد الشارع ذلك بقطع الحلقوم والودجين أو المريء، "ما" اسم موصول مبتدأ. "أنهر" فعل ماض وفاعله يعود على ما:"الدم" مفعوله، وجملة "فكلوا منه" خبر ما، "السن" خبر ليس منصوب على الاستثناء من فاعل أنهر، وما بينهما اعتراض، و"الظفر" معطوف على السن.

(2)

أي أو اسم المفعول، كما في نحو: أكرمت القوم ليس محمدا، فإن المرجع فيه اسم مفعول.

(3)

أي من الحدث المفهوم من الكلام السابق. أو من قوة الكلام، إن لم يكن هنالك فعل أو مشتق يرشد إلى ما يرجع إليه الضمير، كالاتصاف بالإخوة في مثل هؤلاء إخوتك ليس عليا، أي ليس المنتسب إليك بالأخوة عليا، وهذا الرأي لسيبويه.

(4)

أي في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} ، فإن الأولاد تشمل الذكور والإناث، فالنون في "كن" اسمها، وهي عائدة على الإناث اللاتي هن البعض المفهوم من الأولاد، و"نساء" خبرها.

(5)

أي جملة "ليس زيدًا" و"لا يكون زيدا.

(6)

ولا تحتاج لوجود "قد" المشروطة في الجملة الماضوية الواقعة حالا؛ لأن هذا في غير الجمل التي أفعالها جامدة كما هنا.

(7)

أي لا علاقة لهما بما قبلهما، من جهة الإعراب، أما من الناحية المعنوية، فبينهما ارتباط.

كما أسلفنا، وهذا رأي جمهور البصريين.

ص: 196

‌فصل: وفي المستثنى بـ"خلا" و"عدا" وجهان:

أحدهما: الجر على أنهما حرفا جر

(1)

، وهو قليل، ولم يحفظه سيبويه في "عدا". ومن شواهده قوله:

أبحنا حيهم قتلًا وأسرًا

عدا الشمطاء والطفل الصغير

(2)

وموضعهما نصب، فقيل هو نصب عن تمام الكلام

(3)

، وقيل؛ لأنهما متعلقان بالفعل المذكور

(4)

.

(1)

ويكون ما بعدهما مجرورا، لفظا، والجار والمجرور متعلقان بما قبلهما من فعل أو شبهه، وقيل: لا يتعلقان بشيبء كما سيأتي، وهذا إذا لم تتقدم عليهما "ما" المصدرية، وإلا وجب اعتبارهما فعلين.

(2)

بيت من الوافر، لم ينسب لقائل.

اللغة والإعراب: أبحنا: أحللنا، من أباح الشيء، إذا أحله، والمراد: استأصلنا.

حيهم: الحي: القبيلة، الشمطاء: العجوز التي خالط البياض سواد شعرها، والرجل أشمط.

"حيهم" مفعول أبحنا ومضاف إليه، "قتلا" تمييز، ويجوز أن يكون "حيهم" منصوبا على نزع الخافض، أي في حيهم، و"قتلا" مفعول به. "الشمطاء" مجرور بـ"عدا".

المعنى: استبحنا القتل والأسر، واستأصلنا هذه القبيلة، ولم نترك إلا العجائز من النساء، والصغار من الأطفال.

الشاهد: جر الاسم الواقع بعد "عدا" على أنها حرف جر.

(3)

أي تمام الجملة قبلهما، فتكون هي الناصبة لمحلهما على الاستثناء، كما قيل في تمييز النسبة: إن العامل فيه النصب هو الجملة قبله، ولا يحتاجان لمتعلق على اعتبارها من أحرف الجر الشبيهة بالزائد.

(4)

أي قبلهما، فيكونان حينئذ في موضع نصب على المفعول به، قيل: والأرجح الأول.

ص: 197

والثاني: النصب على أنهما فعلان جامدان لوقوعهما موقع "إلا"

(1)

، وفاعلهما ضمير مستتر، وفي مفسره، وفي موضع الجملة، البحث السابق

(2)

.

وتدخل عليهما "ما" المصدرية

(3)

فيتعين النصب، لتعين الفعلية حينئذ، كقوله:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

(4)

وقوله:

تمل الندامى ما عداني فإنني

(5)

(1)

لأن الفعل إذا وقع موقع الحرف يصير جامدا، كما أن الاسم إذا وقع موقعه يصير مبنيا، ونصب ما بعدهما على أنه مفعول واضح بالنسبة لعدا؛ لأنه متعد قبل الاستثناء، أما "خلا" فقد ضمنت عند الاستثناء معنى جاوز، فصارت متعدية.

(2)

أي في "ليس" و"لا يكون" وقد تقدم قريبا.

(3)

أي الاستثناء؛ لأنها لا تدخل على فعل جامد، وقيل: لأنهما في الأصل متصرفان، والمنع إنما هو الجامد أصالة.

(4)

صدر بيت من الطويل، للبيد بن ربيعة العامري، وعجزه:

وكل نعيم لا محالة زائل

اللغة والإعراب: ما خلا الله: ما عداه -سبحانه- باطل المراد: فان وهالك. زائل: ذاهب، "ألا" أداة استفتاح. "كل شيء" مبتدأ ومضاف إليه. "ما" مصدرية. "خلا" فعل ماض، والفاعل هو "الله" منصوب على التعظيم. "باطل" خبر كل، "كل نعيم" مبتدأ ومضاف إليه، "لا" نافية للجنس. "محالة" اسمها والخبر محذوف، "زائل" خبر المبتدأ، وجملة "لا" واسمها معترضة بين المبتدأ والخبر.

المعنى: كل شيء في هذه الحياة فان لا بقاء له، إلا المولى سبحانه وتعالى وكل نعيم في الدنيا زائل وذاهب من غير شك، فليعتبر بها المنحرفون.

الشاهد: استعمال "خلا" فعلا لسبقها بما المصدرية، ونصب لفظ الجلالة بعدها.

(5)

تقدم هذا البيت في باب النكرة والمعرفة، "انظر صفحة 103 جزء أول".

الشاهد: فيه هنا استعمال "عدا" فعلا ماضيا، لسبقها بـ"ما" المصدرية، فوجب نصب الاسم بعدها.

ص: 198

ولهذا دخلت نون الوقاية، وموضع الموصول وصلته نصب: إما على الظرفية

(1)

على حذف مضاف، أو على الحالية على التأويل باسم الفاعل

(2)

، فمعنى:"قاموا ما عدا زيد": قاموا وقت مجاوزتهم زيدًا، أو مجاوزين زيدًا وقد يجران على تقدير "ما" زائدة

(3)

.

(1)

أي الزمانية، وهذا هو الصحيح.

(2)

ويكون الحال فيه معنى الاستثناء، ولا يقال إن المصدر المؤول لا يقع حالا، لتعرفه بالضمير المشتمل عليه، والحال لا يكون إلا نكرة؛ لأنا نقول: إن ما معنى مؤول بنكرة، أي متجاوزين وخالين.

(3)

وإلى هذا ذهب الجرمي والكسائي والفارسي، ولم يرتضه ابن هشام؛ لأن "ما" تزاد بعد حرف الجر، نحو:{عَمَّا قَلِيلٍ} ، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} ، أما هنا فلا. وإن كان قد سمع ذلك فهو شذوذ لا يقاس عليه، وقد أشار الناظم إلى هذا، وإلى حكم ما سبق، من "ليس، ولا يكون، وعدا، وخلا"، فقال:

وأستثن ناصبا بـ"ليس" و"خلا"

وبـ"عدا" وبـ"يكون" بعد "لا"

واجرر بسابقي "يكون" إن ترد

وبعد "ما" انصب وانجرار قد يرد

وحيث جرا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان

أي استن بهذه الأدوات، وهي: ليس، وخلا، وعدا، ويكون -المسبوقة بلا النافية- ناصبا المستثنى بها؛ لأنها في هذه الحالة أفعال، وجر المستثنى بالأداتين السابقتين على "يكون" إذا

* "ناصبا" حال من فاعل استثن، "بليس" متعلق باستثن. "وخلا" معطوف عليه، "وبعدا وبيكون" جاران ومجروران معطوفان على ليس، "بعد" ظرف متعلق بمحذوف حال من يكون. "لا" مضاف إليه مقصود لفظه.

"بسابقي" متعلق باجرر "يكون" مضاف إليه مقصود لفظه، "إن" شرطية. "ترد" فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، "وبعد" ظرف متعلق بانصب. "ما" مضاف إليه مقصود لفظه، "وانجرار" مبتدأ "قد يرد" الجملة خبر، "حيث" اسم شرط، على رأي الفراء الذي لا يشترط اقتراتها بما، "جرا" فعل وفاعل فعل الشرط، "فهما حرفان" مبتدأ وخبر جواب الشرط، وعلى رأي غيره: تكون، "حيث" ظرف مكان متعلق بحرفان؛ لأنه في قوة المشتق، وزيدت الفاء لإجراء الظرف مجرى الشرط، كقوله تعالى:{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ} . "كما" متعلق بفعلان. "هما" مبتدأ. "إن نصبا" شرط وفعله، والجواب محذوف "فعلان" خبر المبتدأ، وجملة الشرط وجوابه معترضة بين المبتدأ والخبر.

ص: 199

‌فصل: والمستثنى "بحاشا" عند سيبويه مجرور لا غير

(1)

، وسمع غيره النصب، كقوله: اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ

(2)

، والكلام في موضعها، جارة وناصبة، وفي فاعلها، كالكلام في أختيها

(3)

.

ولا يجوز دخول "ما" عليها

(4)

، خلافا لبعضهم

(5)

، ولا دخول "إلا"، خلافا

شئت، وهما: خلا، وعد، على اعتبارهما حرفي جر، وإذا سبقتهما "ما" المصدرية، فانصب ما بعدهما حتما على اعتبارهما فعلين، وقد ورد الجر قليلا عن بعض العرب في أمثلة مسموعة لا يقاس عليها، وأوله بعضهم على أن "ما" زائدة، وإن جررت بخلا، وعدا فهما حرفا جر، وإن نصبت بهما فهما فعلان بلا خلاف في ذلك.

(1)

أي على اعتبار أنها حرف جر، والصواب أن ذلك هو الكثر فيها.

(2)

هذا كلام منثور وليس بنظم، و"أبو الأصبغ" اسم رجل رمي بالخسة والدناءة، وجعل قرينا للشيطان، لالتحاقه به في قبح الأفعال. "الشيطان" منصوب بحاشا على أنها فعل ماض، و"أبا" معطوف عليه، "الأصبغ" مضاف إليه. وجيء بحاشا هنا للتهكم؛ لأنها إنما يستثنى بها في مقام تنزيه المستثنى عن نقص ما، والمغفرة أمر حسن لا يتنزه أحد عنه، ولكنه بالغ في تقبيح فعل الشيطان، وأبي الأصبغ وخستهما وذمهما، حتى كأن المغفرة تنقص بهما، فيجب أن تتنزه عنهما وألا تتعلق بأمثالهما.

(3)

وهما: عدا، وخلا، وقد شرحناهما قريبا.

(4)

أي سواء كانت مصدرية أو زائدة، وهذا رأي ابن مالك كما ذكر في النظم، إذ يقول:

وكخلا حاشا ولا تصحب "ما" ......

وما ورد مما يفيد غير ذلك، فشاذ عنده.

(5)

فقد أجاز دخول "ما" عليها مستدلا بقوله عليه الصلاة والسلام: "أسامة أحب الناس إلي ما حاشا فاطمة"، ورد بأن جملة "ما حاشا فاطمة"، مدرجة من كلام الراوي، وليست من الحديث، أي أنه عليه الصلاة والسلام لم يستثن فاطمة، فتكون "ما" نافية لا مصدرية، و"حاشا" فعل متعدل متصرف بمعنى أستثني، وكذلك استدل بقول الأخطل:

رأيت الناس ما حاشا قريشا

فإنا نحن أفضلهم فعالًا

وأجيب بأن هذا شاذ، ومفعول رأى الثاني محذوف، أي دوننا، وقيل: رأى، من الرأي فتكتفي بمفعول واحد.

ص: 200

للكسائي

(1)

.

(1)

فقد أجاز دخول "إلا" عليها إذا جرت، ومنعه إذا نصبت، تقول: قام القوم إلا حاشا محمد بالجر.

تكملة: تأتي "حاشا" على ثلاثة أحوال:

أ "استثنائية"، وهي فعل ماض جامد، وقد تأتي حرفا كما سبق في الكلام عليها.

ب "تنزيهية"، تدل على التنزيه الخالص وتبرئة ما بعدها من سوء، والصحيح أنها اسم مرادف لكلمة "تنزيه" التي هي مصدر "نزه"، بدليل إضافتها وتنوينها في قوله تعالى:{حَاشَ لِلَّهِ} ، فقد قرأ ابن مسعود:"حاش الله" بالإضافة على زيادة اللام، كسبحان الله، ومعاذ الله، وقرأ أبو السمال:"حاشا لله" بالتنوين والإضافة، والتنوين من خواص الأسماء، وهي منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا من معناها؛ لأنها مصدر قائم مقام الفعل، وقال بعض النحاة: إنها اسم فعل ماض بمعنى: تنزه، أو بريء، واللام بعدها زائدة، و"الله" مجرور باللام الزائدة في محل فاعل باسم الفعل، وقال الكوفيون والمبرد: إنها فعل.

جـ أن تكون فعلا متعديا متصرفا بمعنى استثني، تقول: حاشيت مال اليتيم أن تمتد إليه يدي أي استثنيته، وتكتب ألفها الأخيرة ياء في هذه الحالة، ومنه الحديث السابق:"أسامة أحب الناس إلي ما حاشى فاطمة "، كما ذكرنا. وقول

الشاعر:

ولا أرى فاعلًا في الناس يشبهه

ولا أحاشي من الأقوام من أحد

ويجوز في نحو: قام الناس حاشاك وحاشاه: كون الضمير منصوبا، وكونه مجرورا، فإذا قلت: حاشاي تعين الجر، وإن قلت: حاشاني تعين النصب، وكذا الشأن في: خلا، وعدا.

فائدة: تأتي "لما" للاستثناء بمعنى إلا، نحو: ناشدتك الله لما فعلت كذا، عمرك الله لما تركت كذا، وهذا مقصور على السماع على الصحيح.

خاتمة في معنى "لاسيما"، وإعراب الاسم الواقع بعدها:

معناها: "سيما" مركبة من كلمتين هما: "سي" بمعنى مثل، ولفظ "ما"، وهي تفيد أن ما بعدها يشترك مع ما قبلها في حكم ما، ولكن نصيب ما بعدها أوفر، ويزيد على نصيب ما قبله، ولذلك كان معناها: لا مثل، أي أن ما بعدها ليس مماثلا لما قبلها، وبسبب هذه

ص: 201

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

1 إذا كان الاسم الواقع بعدها نكرة، نحو: ولا سيما يوم، جاز فيه الرفع والجر والنصب، فالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو، والجملة صلة "ما" على أنها موصولة، أو صفتها على أنها نكرة موصوفة، أي لا مثل الذي هو يوم -أو لا مثل شيء هو يوم، والجر على إضافة "سي" إليه، و"ما" زائدة، أو على أن "ما" نكرة تامة والمجرور بدل منها أو عطف بيان، وعلى الوجهين ففتحة "سي" إعراب؛ لأنه مضاف لما، أو للاسم إذا كانت زائدة، والنصب على أنه تمييز لما، و"ما" نكرة تامة في محل جر بإضافة سي إليها، وقيل: أن النصب على أنها تمييز لسي؛ لأنها مبهمة تحتاج إلى تمييز، و"ما" كافة لسي عن الإضافة، وعلى هذا ففتحته للبناء، وقد روي بالأوجه الثلاثة قول امرئ القيس.

ولا سيما يوم بدارة جلجل

2 وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة: جار الرفع والجر فقط على الاعتبار السابق، وفي جميع الأحوال، فالواو للاستئناف ويجوز أن تكون للعطف، والجملة بعدها معطوفة على ما قبلها أو للحال، "لا" نافية للجنس تعمل عمل إن، و"سي" اسمها بمعنى مثل، وخبرها محذوف دائما تقديره "موجود" أو"حاصل"، والجملة من لا واسمها وخبرها في محل نصب على الحال، والغالب تشديد يائها ودخول "لا" و"الواو" الاعتراضية عليها حتى أوجبه بعضهم، وقد تحذف "الواو" و"لا"، وقد تخفف الياء تحذف الواو، كقول الشاعر:

فه بالعقود وبالأيمان لا سيما

عقد وفاء به من أعظم القرب

ونصبها حينئذ على الحال، و"لاش" مهملة، وقد تستعمل "لاسيما" بمعنى خصوصا، إذا قصد بها تفضيل حالة من أحوال ما قبلها، فتكون في محل نصب على أنها مفعول مطلق لأخص محذوفا مع كونها اسم لا، ولا خبر لها، وحينئذ يؤتى بعدها بالحال مقردة أو جملة، نحو: أحب محمدا ولا سيما مجدا، أو هو مجد، وبالجملة الشرطية، نحو: ولا سيما إن اجتهد، وجواب الشرط يدل عليه الفعل المقدر "بأخص".

ص: 202

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف المستثنى، وبين الفرق بين الاستثناء المتصل والمنقطع، ومثل لكل.

2 ما هو الاستثناء المفرغ؟ وماذا يشترط فيه؟ هات أمثلة موضحة من إنشائك.

3 تختلف حالات إعراب المستثنى، فمتى يجب نصبه؟ ومتى يترجح؟ ومتى يضعف؟ مثل لما تذكر بأمثلة موضحة، وعلل ما تقول.

4 اشرح قول ابن مالك:

واستثن مجرورًا بـ"غير" معربا

بما لمستثنى بـ"إلا" نسبا

وبين الفرق بين "إلا" و"إير" و"سوى"، ووضح ما تقول بالأمثلة:

5 بين حكم المستثنى بخلا وعدا ولا يكون، ووضح ما تقول بأمثلة من إنشائك.

6 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، بين موضع الشاهد، وحكم المستثنى:

قال تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ} .

{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} .

{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} .

{فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} .

{الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} .

{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} .

{لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَك} .

وفي الحديث الشريف: "دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوًا من سوى أنفسها".

لا يدرك المجد إلا سيد فطن

لما يشق على السادات فعال

خلا الله لا أرجو سواك وإنما

أعد عيالي شعبة من عيالكا

لديك كفيل بالمنى لمؤمل

وإن سواك من يؤمله يشقى

لكل جديد لذة غير أنني

وجدت جديد الموت غير لذيذ

فإني والذي يحج له النا

س بجدوى سواك لم أثق

حاشا قريشا فإن الله فضلهم

على البرية بالإسلام والدين

7 هات ثلاث جمل للاستثناء، يكون فيها المستثنى واجب النصب، وأخرى يكون فيها جائز النصب والاتباع للمستثنى منه.

ص: 203

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

8 بين موضع إعراب ما تحته خط في الآتي، وعلل لما تقول:

وما المرء إلا الأصغران لسانه

ومعقوله والجسم خلق مصور

لكل داء دواء يستطب به

إلا الحماقة أعيت من يداويها

وكل أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلا الفرقدان

إذا الخل لم يهجرك إلا ملالة

فليس له إلا الفراق عتاب

9 اشرح البيت الآتي، واعرب ما تحته خط، وهو للمرحوم إسماعيل صبري الشاعر المصري المتوفى سنة 1923، وفي وصف أهرام مصر:

لم يأخذ الليل منها والنهار سوى

ما يأخذ النمل من أركان ثهلان

10 كون جملة من إنشائك، يكون المستثنى فيها منصوبا، مع أن الكلام قبله تام منفي، وأخرى يجب فيها الاتباع.

ص: 204

هذا:‌

‌ باب الحال

(1)

:

الحال نوعان: مؤكدة

(2)

وستأتي، ومؤسسة

(3)

وهي: وصف

(4)

فضلة

(5)

مذكورة لبيان الهيئة

(6)

، كجئت راكبًا، وضربته مكتوفا، ولقيته راكبين

(7)

.

هذا باب الحال:

(1)

يطلق الحال لغة: على الوقت الذي فيه الإنسان، وعلى ما هو عليه من خير أو شر، واصطلاحا: ما ذكره المصنف ولف الحال -من غير تاء- صالح للتذكير والتأنيث، تقول: الحال حسن، أو حسنة، والكثر والأفصح في لفظه التذكير: وفي وصفه وفي ضميره التأنيث.

(2)

وهي التي لا تفيد معنى جديدًا، ويفهم معناها بدون ذكرها، ويدل عليها عاملها أو صاحبها.

(3)

وهي التي تفيد معنى لا يستفاد إلا بذكرها، وتسمى كذلك المبنية؛ لأنها تبين وتوضح هيئة صاحبها، وهذا القسم هو الغالب في الحال، حتى قال المبرد والفراء: إن الحال لا تكون مؤكدة.

(4)

أي صريح أو مؤول، لتدخل الحال الجامدة، والجملة وشبهها "الظرف والجار والمجرور"، لتأول كل بالوصف المشتق، والمراد بالوصف: الاسم المشتق الذي يدل على معنى وذات متصفة به، وهو: اسم الفاعل، واسم المفعول والصفة المشبهة، وأمثلة المبالغة، وأفعل التفضيل.

(5)

المراد بالفضلة هنا: ما ليست ركنا في الإسناد، وإن كانت لازمة لصحة المعنى، نحو قوله تعالى:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ، فإنه لا يكون معنى إذا حذفت كلمة "كسالى"، أوجب ذكرها لعارض كونها سادة مسد العمدة، كالحال التي تسد مسد الخبر في نحو: ضربي العبد مسيئًا.

(6)

أي هيئة صاحبه وصفته وقت وقوع الفعل، من فاعل، أو مفعول به، أو هما معا، أو غير ذلك.

(7)

"راكبا" حال مبنية لهيئة الفاعل، و"مكتوفا" مبنية لهيئة المفعول، و"راكبين" مبنية لهما، قيل: ومجيء الحال من غير ذلك، كالمجرور بالحرف والمضاف إليه، والمبتدأ والخبر، واسم الناسخ، ينبغي أن يؤول بالفاعل أو المفعول، وقيل: بجواز ذلك بدون تأويل، لوروده في الفصيح من كلام العرب.

ص: 205

وخرج بذكر الوصف، نحو "القهقرى" في رجعت القهقرى

(1)

.

وبذكر الفضلة الخبر في نحو: زيد ضاحك.

وبالباقي: التمييز في نحو

(2)

: لله دره فارسا، والنعت في نحو: جاءني رجل راكب، فإن ذكر التمييز لبيان جنس المتعجب منه

(3)

، وذكر النعت لتخصيص المنعوت، وإنما وقع بيان الهيئة بهما ضمنا لا قصدًا، وقال الناظم:

الحال وصف فضلة منتصب

مفهم في حال كذا

فالوصف جنس يشمل الخبر والنعت والحال، وفضله مخرج للخبر، و"منتصب" مخرج لنعتي الموفوع والمخفوض، كجاءني رجل راكب، ومررت برجل راكب، ومفهم في حال كذا

(4)

مخرج لنعت المنصوب، كرأيت رجلًا راكبا، فإنه إنا سيق لتقييد المنعوت، فهو لا يفهم "في حال كذا" بطريق القصد، وإنما أفهمه بطريق اللزوم

(5)

.

وفي هذا الحدد نظر؛ لأن النصب حكم، والحكم فرع التصور

(6)

، والتصور متوقف

(1)

فإنه وإن كان مبنيا لهيئة الفاعل، إلا أنه اسم للرجوع إلى الخلف، لا وصف وتثنى على القهقرين بحذف الألف، والقياس قلبها ياء.

(2)

أي من كل تمييز وقع وصفا مشتقا.

(3)

أي: وهو الفروسية في المثال المذكور.

(4)

هذه العبارة هي معنى قول المصنف: مذكورة للدلالة على الهيئة.

(5)

لأن المقصود الأصلي من النعت، تقييد المنعوت به، ويلزم من ذلك بيان الهيئة عرضا.

(6)

أي تصور المحدود وتعرفه؛ لأنه لا يحكم على شيء إلا بعد تصوره ومعرفته، وقد أدخل الحكم في التعريف.

ص: 206

على الحد فجاء الدور

(1)

.

فصل: للحال

(2)

أربعة أوصاف.

أحدها

(3)

، أن تكون منتقلة لا ثابتة، وذلك غالب لا لازم، كجاء زيد ضاحكا، وتقع وصفا ثابتا في ثلاث مسائل:

إحداها: أن تكون مؤكدة

(4)

، نحو: زيد أبوك عطوفًان، و {يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} .

(1)

وقد أجيب على ذلك: بأن يكفي في الحكم على الشيء تصويره بوجه ما غير الحد.

وفيما سبق من تعريف الحال يقول الناظم:

الحال وصف فضلة منتصب

مفهم "في حال" كفردًا أذهب

أي أن الحال هو: الوصف المشتق الفضلة المنتصب للدلالة على هيئة صاحبه وصفته، مثل: فردا أذهب، ففردا حال بمعنى منفردا، وفيه القيود المذكورة، وكملة "حال" غير منونة؛ لأنها مضافة إلى محذوف، كما أوضحنا في الإعراب.

(2)

أي من حيث هي، بقطع النظر عن كونها مؤكدة، أو مؤسسة.

(3)

هذا الوصف باعتبار ثبات معناها ودوامه، أو عدم ذلك، والمرادبالمنتقلة: التي ليست ملازمة للمتصف بها، بل تبين هيئة صاحبها مدة مؤقتة، وبالثابتة: الملازمة لصاحبها التي لا تفارقه.

(4)

أي لمضمون الجملة التي قبلها، بحيث يتفق معنى الحال ومضمون الجملة، فتلازم صاحبها تبعا لذلك، ويشترط في هذه الجملة: أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاه -وهما المبتدأ والخبر- معرفتين جامدتين، ولا بد أن يتأخر الحال عنهما وعن العامل، كالمثال الأول الذي ذكره المصنف، فإن "عطوفا" حال من الأب والعطف ملازم للأبوة؛ لأن الأبوة من شأنها العطف، وهذا المعنى مستفاء من مضمون الجملة

إلخ.

وقد تكون مؤكدة لعاملها، إما في اللفظ والمعنى، نحو:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} ،

أو في المعنى فقط، كمثال المصنف الثاني، فإن "حيا" حال من ضمير أبعث، والبعث هو الحياة بعد الموت، وهذه مؤكدة لمعنى العامل، وهو "أبعث"؛ لأن البعث من لازمة الحياة، وهو مستفاد بدون ذكر الحال، أو مؤكدة لمعنى صاحبها، نحو:{لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} ، فجميعا حال مؤكدة معنى صاحبها، وهو "من"، ومعنى الجمعية هو معنى العموم المستفاد من "من" بدون ذكر الحال.

* "الحال وصف" مبتدأ وخبر "فضلة منتصب مفهم" نعوت لوصف "في حال" -بدون تنوين- جار ومجرور في محل جر بإضافة مفهم من إضافة الوصف لمفعوله، والمضاف إليه محذوف منوي ثبوته، أي في حال كذا.

"كفردا" الكاف جارة لقول محذوف، و"فردا" حال من فاعل أذهب.

ص: 207

الثاني: أن يدل عاملها على تجدد صاحبها، نحو: خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها، فيديها بدل بعض، و"أطول" حال ملازمة

(1)

.

الثالثة: نحو: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} ، ونحو:{أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}

(2)

، ولا ضابط لذلك، بل هو موقوف على السماع، ووهم ابن الناظم فمثل "بمفضلًا" في الآية، للحال التي تجدد صاحبها

(3)

.

الثاني: أن تكون مشتقة لا جامدة

(4)

، وذلك أيضًا غالب لا لازم.

(1)

أي ليديها؛ لأن ذلك مقارن للخلق والإيجاد فهو ثابت لا يتغير، والعامل، وهو "خلق" يدل على تجدد الصاحب وحدوثه -وهو المخلوق- بعد أن لم يكن، و"خلق" هو العامل في الحال وفي صاحبها.

(2)

أي مما يدل على الدوام بقرائن خارجية، فقائما حال من "الله"، وعاملها "شهد"، و"مفصلا" حال من الكتاب وعاملها أنزل، وهما وصفان ثابتان؛ لأن دوام قيامه تعالى بالعدل لازم، وكذلك تبيين الكتاب للحق والباطل، وهذا معروف من أمر خارج عن الجملة، وهو صفات الخالق سبحانه.

(3)

حجة المصنف: أن "الكتاب" -الذي هو صاحب الحال- قديم، فلا يمكن أن يكون متجددًا حادثا، وأجيب عن ابن الناظم: بأنه أراد بالكتاب اللفظ المقروء لا الصفة النفسية، ولا مانع من القول بتجدده، بدليل وصفة بالإنزال، ولا يتجها الوهم إلا إذا أريد أن الإنزال يدل على تجدد المنزل، وحدوثه وقت الإنزال.

(4)

هذا الوصف بحسب الاشتقاق والجمود، وإنما كان الغالب في الحال أن تكون مشتقة؛ لأنهها صفة لصاحبها في المعنى، والصفة لا تكون إلا مشتقة، وهذا يستلزم وجوب مطابقتها لصاحبها في التذكير والإفراد وفروعهما؛ لأن الاشتقاق يقتضيها تحمل ضمير، وإلى الوصفين المتقدمين أشار الناظم بقوله:

وكونه منتقلا مشتقا

يغلب لكن ليس متسحقا

أي أن الغالب والكثير في الحال: أن تكون منتقلة مشتقة، وليس هذا واجبا.

ص: 208

وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل:

إحداها: أن تدل على تشبيه

(1)

، نحو: كر زيد أسدا، وبدت الجارية قمرًا، وتثنت غصنا، أي شجاعًا، ومضيئة ومعتدلة

(2)

، وقالوا: وقع المصطرعان عدلي عير

(3)

، أي مصطحبين اصطحاب عدلي حمار حين سقوطهما.

الثانية: أن تدل على مفاعلة

(4)

، نحو: بعته يدًا بيد

(5)

، أي متقابضين، وكلمته فاه

(1)

أي أن تقع الحال مشبها بها في جملة، تفيد التشبيه ضمنا لا صراحة.

(2)

فالكلمات "أسدا وقمرا، وغصنا" أحوال منصوبة من الفاعل قبلها، وهي جامدة مؤولة بالمشتق كما ذكر المصنف، وكل منها بمنزلة المشبه به، وليس مشبها به حقيقة؛ لأن التشبيه غير مقصود، وقيل: أنها مستعملة في حقيقتها، والكلام على حذف مضاف، أي مثل: أسد، وقمر، وغصن، وذلك أصرح في الدلالة على التشبيه.

(3)

هذا مثل عربي، يضرب للأمر يتساوى فيه الخصمان، ومعناه: وقعا معا ولم يصرع أحدهما الآخر، والمصطرعان: تثنية مصطرع، وهو من يحاول صرع صاحبه وطرحه على الأرض، عدلي: تثنية عدل، وهو نصف الحمل يكون على أحد جنبي البعير، العير: الحمار، ويغلب على الوحشي، "عدلي" حال جامدة من المصطرعات، وهي مؤولة بالمشتق كما بين المصنف، وقيل: إن "عدلي" مفعول مطلق، أي وقوعا مثل وقوع عدلي عير؛ لأن النيابة إنما تكون بين متضايفين، أو موصوف وصفته.

(4)

سواء كان بلفظها أو بمعانها، والمفاعلة: هي صيغة تقتضي المشاركة من الجانبين.

(5)

"يدا" حال من الفاعل والمفعول معا "بيد" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للحال، أي

* "وكونه" مبتدأ، وهو مصدر كان الناقصة مضاف إليه اسمه، "منتقلا" خبر المصدر الناقص، "مشتقا" خبر ثان.

"يغلب" الفاعل يعود إلى الكون، والجملة خبر المبتدأ "لكن" حرف استدراك. "ليس" فعل ماض ناقص، واسمها يعود على كونه منتقلا

إلخ. "مستحقا" خبر ليس.

ص: 209

إلى في، أي متشافهين

(1)

.

الثالثة: أن تدل على ترتيب، كادخلوا رجلًا رجلًا، أي مترتبين

(2)

.

وتقع جامدة غير مؤولة المشتق في سبع مسائل:

وهي: أن تكون موصوفة

(3)

، نحو:{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ، {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}

(4)

، وتسمى حالًا موطئة

(5)

.

يدا كائنة مع يد، ومعنى الكلمتين جار على صيغة المفاعلة، أي مقايضة، وقيل: إن الحال مجموع اللفظين؛ لأنه هو الدال على المفاعلة، ويجوز رفع "يد" على الابتداء، و"بيد" جار ومجرور خبر، والجملة في محل نصب حال، والرابط محذوف، أي يد منه مع يد مني.

(1)

إعرابه كسابقه، ومثله: كلمته عينه إلى عيني، أي مواجهة أو مقابلة، وجاورته منزله إلى منزلي، وناضلته قوسه عن قوسي، وقيل: لا يقاس على هذا لخروجه على القياس بالتعريف والجمود والتركيب.

(2)

مثله: رجلين رجلين، أو رجالا رجالا، وضابط هذا النوع: أن يذكر المجموع أولا مجملا، ثم يؤتى ببعضه مفصلا مكررًا، مثل: مشي التلاميذ: اثنين اثنين، أو ثلاثة

إلخ، انقضى العام شهرا شهرا، الأسبوع يوما يوما. . . . . . . . . . . وهكذا، فكل هذا منصوب بالعامل والمجموع حال، وقيل: الأول هو الحال، والثاني، توكيد لفظي للأول، أو صفة بتقدير مضاف، أي ذا رجل، أو معطوف عليه بحرف عطف محذوف، وهو "الفاء" أو"ثم" لا غير؛ لأنهما هما اللذان يدلان على الترتيب.

(3)

أي بمشتق كمثال المصنف، أو بشبهه، وهو الظرف والجار والمجرور؛ لأن كلا منهما يتعلق بمحذوف مشتق، نحو قوله تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} ، {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} .

(4)

"قرآنا" حال من القرآن في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} ، و"بشرا" حال من فاعل تمثل، والاعتماد فيهما على الصفة، وهي:"عربيا، وسويا".

(5)

أي ممهدة لما بعدها؛ لأنه هو المقصود، أما هي فغير مقصود بذاتها، وإنما تمهد الذهن وتهيؤه لما تجيء بعدها من الصفة، فهي مجرد وسيلة إلى النعت.

ص: 210

أو دالة على سعر

(1)

، نحو: بعته مدا بكذا

(2)

.

أو عدد، نحو:{فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}

(3)

.

أو طور واقع فيه تفصيل

(4)

، نحو: هذا بسرا أطيب منه رطبًا

(5)

.

أو تكون نوعًا لصاحبها

(6)

، نحو: هذا مالك ذهبًا.

أو فرعا

(7)

، نحو: هذا حديدك خاتما، {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} .

أو أصلا له

(8)

، نحو: هذا خاتمك حديدًا، و {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} .

(1)

أي على شيء له سعر وثمن.

(2)

"مدا" حال من الهاء في بعته، وهي عائدة على الشيء المبيع، "بكذا" متعلق بمحذوف بيان لمد، وهو من الأشياء التي تسعر، ويجوز رفع "مد" على أنه مبتدأ، و"بكذا" متعلق بمحذوف خبر، والجملة في محل نصب حال، والعائد محذوف، أي مدمنه.

(3)

"أربعين" حال من "ميقات"، و"ليلة" تمييز.

(4)

أي أن تدل الحال على أن صاحبها في طور وحال من أحواله مفضل وزائد على نفسه، أو غيره في حالة أخرى.

(5)

"فبسرا" حال من فاعل أطيب المستتر فيه، و"ربطا" حال من الهاء في منه. والمراد أن للبلح أطوارا مختلفة، وهو في طر البسر مفضل على نفسه في طور الرطب.

(6)

أي بأن يكون لصاحبها أنواع متعددة، وهي نوع منها، فـ"ذهبا" في المثال حال من "مالك"، والذهب نوع من المال.

(7)

أي أن يكون صاحبها نوعا معينا، وهي فرع منه، فخاتما حال من حديدك، وهو فرع له.

و"بيوتا" حال من الجبال، وهي فرع منها.

(8)

أي أن تكون الحال هي النوع والأصل، وصاحبها هو الفرع، فحديدا حال من خاتمك، والحديد أصل للخاتم، و"طينا" حال من منصوب خلقت المحذوف، أي خلقته، أو على نزع الخافض، أي من طين، والطين أصل للمخلوق.

وفي الحال الجامدة يقول الناظم في إجمال.

ص: 211

تنبيه: أكثر هذه الأنواع وقوعا: مسألة التسعير، والمسائل الثلاث الأول

(1)

، وإلى ذلك يشير قوله:

ويكثر الجمود في سعر وفي

مبدي تأول بلا تكلف

ويفهم منه: أنها تقع جامدة في مواضع أخر بقلة، وأنها لا تؤول بالمشتق كما لا تؤول الواقعة في التسعير، وقد بينتها كلها.

وزعم ابنه أن الجميع مؤول بالمشتق

(2)

، وهو تكلف، وإنما قلنا به في الثلاث الأول؛ لأن اللفظ فيها مراد به غير معناه الحقيقي، فالتأويل فيها واجب.

الثالث: أن تكون نكرة لا معرفة

(3)

، وذلك لازم

(4)

، فإن وردت بلفظ المعرفة.

ويكثر الجمود في سعر وفي

مبدي تأول بلا تكلف

كبعه مدا بكذا يدا بيد

وكر زيد أسدًا أي كأسد

أي يكثر مجيء الحال جامدة في الأشياء التي تدل على سعر، وفي كل ما يظهر تأولها بمشتق من غير تكلف، وقد مثل لما دل على السعر أو التشبيه، وقد أوضح المصنف المواضع الأخرى، والمد: مكيال معروف لأهل الحجاز والعراق، مقداره، رطل وثلث، أو رطلان.

(1)

وهي ما دل على تشبيه، أو مفاعلة، أو ترتيب.

(2)

وتأويلها في السبع الباقية على معنى: متصفا بصفات البشر، من استواء الخلقة ونحوها، ومسعرا، ومعدودا، ومطورا بطور البسر أو الرطب، ومنوعا ومصوغا، ومتأصلا، أو مصنوعا.

(3)

هذا الوصف من ناحية التنكير والتعريف.

(4)

لأن الغالب فيها أن تكون مشتقة، وأن يكون صاحبها معرفة، فلو عرفت وهي مشتقة

* "في سعر" بيكثر. "وفي مبدي تأول" معطوف على ما قبله، ومضاف إليه "بلا تكلف" متعلق بتأول، و"لا" اسم بمعنى غير مضاف إلى تكلف. "كعبه" الكاف جارة لقول محذوف، و"بعه" فعل أمر ومفعوله.

"مدا" حال من الهاء، "بكذا" متعلق بمحذوف صفة لمد، أي كائنا بكذا، "يدا بيد"، إعرابه كسابقه "أسدا" حال من زيد. "أي" حرف تفسير "كأسد" الكاف اسم بمعنى مثل، عطف بيان على "أسدا" الواقع حالا، و"أسد" مضاف إليه.

لتوهم أنها نعت عند انتصاب صاحبها، وحمل غيره عليه.

ص: 212

أولت بنكرة، قالوا: جاء وحده

(1)

، أي منفردًا، ورجع عوده على بدئه

(2)

، أي عائدًا، وادخلوا الأول فالأول

(3)

، أي مترتبين، وجاءوا الجماء الغفير

(4)

، أي جميعًا، وأرسلها العراك، أي معتركه

(5)

.

(1)

" وحده" حال من فاعل جاء المستتر، وهي معرفة بسبب إضافتها إلى الضمير الواقع مفعولا؛ لأنها مصدر "وحد"، وجامدة مؤولة بمشتق من معناها، كما ذكر المصنف.

(2)

"عوده" حال من الفاعل المستتر في رجع، وهو معرفة بإضافته إلى الضمير، ومؤول بالمشتق، ومعناه: رجع عائدا في الحال، أو رجع على الطريق نفسه، ويروى برفع "عوده" على أنه مبتدأ والجار والمجرور بعده خبر، والجملة حال من الضمير في جاء ويقال هذا: لإنسان عهد منه عدم الاستقرار على ما ينقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه.

(3)

"الأول" حال من الواو في "ادخلوا"، و"الأول" الثاني معطوف بالفاء على سابقه، وهما معرفتان بأل.

(4)

"الجماء" حال من الواو في جاءوا، والجماء: مؤنث الأجم بمعنى الكثير وأنت باعتبار الموصوف المحذوف، أي الجماعة الجماء، والغفير: من الغفر وهو الستر، أي الذي يستر ويغطي وجه الأرض لكثرته، وهو صفة للجماء، ولم يطابق، وإن كان بمعنى فاعل حملا على فعيل بمعنى مفعول، أو باعتبار معنى الجمع.

(5)

ومعناها: مزدحمة، ولو قال: أي معاركة، لكان أحسن؛ لأن اسم الفاعل من العراك معارك، لا معترك، والعراك حال من الهاء في أرسلها، والضمير للإبل أو الأتن، وقيل: العراك مفعول مطلق لمحذوف هو الحال من الضمير، أي معاركة العراك، وهذا المثال جزء من بيت للبيد بن ربيعة العامري، يصف أتنا وردت الماء مزدحمة، وهو بتمامه:

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدخال

العراك: ازدحام الإبل أو غيرها عند ورود الماء يذدها" يطردها ويمنعها. يشفق: يرحم.

نغص: نغص البعير -لم يتم شربه الدخال: مداخلة البعير الذي شرب مع الذي لم يشرب، يريد: أن حمار الوحش، أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة ولم يرحمها من مزاحمة غيرها ممن شرب، وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:

والحال إن عرف لفظًا فاعتقد

تنكيره معنى كوحدك اجتهد

الحال لا تكون إلا نكرة، فإن جاءت معرفة في اللفظ فهي نكرة في المعنى، كوحدك، فهو مؤول بنكرة، أي منفردا، كما أوضح المصنف.

ص: 213

الرابع: أن تكون نفس صاحبها في المعنى

(1)

، فلذلك جاز:"جاء زيد ضاحكًا"، وامتنع" جاء زيد ضحكًا"

(2)

.

وقد جاءت مصادر أحوالًا بقلة في المعارف

(3)

، كجاء وحده، وأرسلها العراك".

وبكثرة في النكرات، كطلع بغتة، وجاء، ركضا، وقتلته صبرًا

(4)

، وذلك على التأويل بالوصف

(5)

، أي مباغتا، وراكضا، ومصبورًا، أي محبوسًا.

(1)

هذا الوصف باعتبار أنها نفس صاحبها في المعنى، أو ليست هكذا، ومعنى ذلك: أن تكون ذات الحال وذات صاحبها واحدة في الخارج؛ لأنها وصف له والوصف نفس الموصوف، وهذا لا ينافي أن مفهوم الحال ومفهوم صاحبها متغايران.

(2)

لأن الضحك مصدر، و"زيد" ذات، والمصدر يباين الذات.

(3)

ذلك؛ لأن فيها شذوذين: المصدرية، والتعريف.

(4)

بغتة وركضا حال من الفاعل، وصبرا حال من المفعول، وهي مصادر، نكرات، ومعنى بغتة: فجأة، والركض: العدو، والقتل الصبر: أن يحبس المراد قتله ثم يرمى حتى يموت.

(5)

هذا عند سيبويه والجمهور، وحجتهم: أن الحال كالخير والنعت، وقد وقع كل منهما مصدرًا منكرًا كثيرًا، فكذلك الحال، وذهب الأخفش والمبرد إلى أن مثل ذكل منصوب على المصدرية والعامل فيه محذوف، أي يبغت بغتة، ويركض ركضا، ويصبر صبرا.

فالجملة هي الحال، لا المصدر. وكذلك الأمر عند الكوفيين، إلا أن الناصب له عندهم الفعل المذكور مؤولا بفعل من لفظ المصدر، أي بغت بغتة وركض ركضا، وصبر صبرا.

وقيل: هي مصادر على حذف مضاف غير مصدر هو الحال في الأصل، فلما حذف.

* "والحال" مبتدأ، "إن" شرطية. "عرف" ماض للمجهول فعل الشرط "لفظا" تمييز محول عن نائب الفاعل، "فاعتقد" جواب الشرط، والفاء للربط. "تنكيره" مفعول اعتقد ومضاف إليه. "معنى" تمييز، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ. "كوحدك" الكاف جارة لقول محذوف، "وحدك" حال من فاعل اجتهد ومضاف إليه، والجملة مقول القول المحذوف.

ص: 214

ومع كثرة ذلك، فقال الجمهور: لا ينقاس مطلقًا، وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل

(1)

، فأجاز:"جاء زيد سرعة"، ومنع:"جاء زيد ضحكا"، وقاسه الناظم وابنه بعد "أما" نحو

(2)

: أما علماء فعالم، أي مهما يذكر شخص في حال علم، فالمذكور عالم

(3)

، وبعد خبر شبه به مبتدؤه، كـ"زيد زهير شعرًا"

(4)

،

المضاف ناب عنه المضاف إليه في الحالية، أي ذا بغتة وذا ركض، وذا صبر، وقيل: هي مصادر على حذف مصادر، أي طلوع بغتة، ومجيء ركض، وقتل صبر. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:

ومصدر منكر حالا يقع

بكثرة كبغتة زيد طلع

أي يقع المصدر النكرة حالا بكثرة، وذلك على خلاف الأصل؛ لأن الحال وصف يدل على معنى صاحبه، والمصدر لا دلالة له على صاحب المعنى، وذلك مثل: زيد طلع بغتة، فبغتة مصدر نكرة وهو منصوب على الحال على النحو الذي فصل، والذي سهل هذه المخالفة: الحمل على الإخبارية في مثل: محمد عدل، والنعت كذلك، مثل: هذا ماء غور.

(1)

أي مما يدل عليه عامه، فالسرعة في المثال نوع من المجيء.

(2)

أي من كل تركيب وقع فيه الحال بعد، "أما" الشرطية، في مقام قصد فيه الرد على من وصف شخصا بوصفين، وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر.

(3)

ناصب الحال في هذا: فعل الشرط المحذوف، وهو "يذكر"، وصاحبها: المرفوع وهو نائب فاعل، ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير المستكين فيه، وهي على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور، عالم في حال علم، ويتعين الوجه الأول إذا كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها.

(4)

فشعرًا -بمعنى شاعرًا- حال، والعامل فيه زهير لتأوله بمشتق؛ لأن معناه ميجد، وصاحب الحال ضمير مستتر فيه، ويجوز أن يعرب "شعرًا" تمييزا مفسرا المثل المحذوفة، أي مثل زهير من جهة الشعر، وهي العاملة في التمييز، ومثله: أنت حاتم جودًا، والأحنف حلما،

* "ومصدر" مبتدأ. "منكر" صفة. "حالا" حال من فاعل يقع، وجملة "يقع" خبر المبتدأ، وفاعل "يقع" يعود على المصدر المنكر، "بكثرة" متعلق بيقع. "كبغتة" الكاف جارة لقول محذوف، و"بغتة" حال من فاعل طلع، "زيد" مبتدأ، "طلع" الجملة خبر.

ص: 215

أو قرن هو

(1)

بأل الدالة على الكمال، نحو: أنت الرجل علمًا

(2)

.

فصل: وأصل صاحب الحال التعريف

(3)

.

ويقع نكرة بمسوغ؛ كأن يتقدم عليه الحال

(4)

؛ نحو: في الدار جالسا رجل، وقوله:

لمية موضحا طلل

(5)

أو يكون مخصوصًا: إما بوصف؛ كقراءة بعضهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ

(1)

أي الخبر.

(2)

فعلمًا -بمعنى عالمًا- حال من الضمير في الرجل؛ لتأوله بالمشتق؛ إذ معناه الكامل، والعامل فيه الرجل لما ذكر. ويجو أن يكون تمييزًا محولا عن الفاعل، وهو ضمير الرجل بمعنى الكامل، والتقدير: أنت الكامل علما؛ أي علمه فهذه ثلاثة يقيس فيها الناظم وابنه وقوع المصدر والنكرة حالا.

(3)

لأنه محكوم عليه بالحال، وحق المحكوم عليه أن يكون معرفة؛ لأن الحكم على المجهول لا يفيد غالبًا.

(4)

أي وتتأخر النكرة، وذلك قياسا على المبتدإ إذا تأخر.

(5)

صدر بيت من مجزوء الوافر، لكثير "عزة"، يصف دار محبوبته الدارسة، وعجزه:

يلوح كأنه خلل

اللغة والإعراب: مية: اسم محوبته، موحشا: اسم فاعل من أوحش المنزل إذا خلا من أهله، والمراد: القفر الذي لا أنيس فيه، طلل: هو ما بقي شاخصا من آثار الديار، يلوح: يظهر ويلمع، خلل: جمع خلة وهي بطانة منقوشة بالمعادن تغشى بها أجفان السيوف.

"لمية" جار ومجرور خبر مقدم، ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، "موحشا" حال مقدم من "طلل" الواقع متبدأ مؤخر.

المعنى: أن دار مية قد أقفرت من أهلها ودرست معالمها، ولم يبق إلا آثار ضئيلة، تظهر للرائي كأنها نقوش في الباطن التي تغشى أجفان السيوف.

الشاهد: وقوع "موحشا" حال من "طلل" وهو نكرة، وسوغ ذلك تقدم الحال عليها.

وقيل: إنه حال من الضمير المستكن في الخبر، وهذا الضمير معرفة، وإن كان مرجعه -وهو المبتدأ- نكرة، وإذا لا شاهد فيه، وهو قول جمهور البصريين على أنه يمكن أن يقال: أن النكرة هنا موصوفة يلوح

إلخ، فالمسوغ وصف النكرة، لا تقدم الحال عليها.

ص: 216

عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّق}

(1)

، وقول الشاعر:

نجيت يا رب نوحًا واستجبت له

في فلك ماخر في اليم مشحونا

(2)

وليس منه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} ، خلافًا للناظم وابنه

(3)

، أو بإضافة؛ نحو:

(1)

" مصدقا" حال من كتاب، لتخصيصه بالوصف بالجار والمجرور بعده، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المستتر في الجار والمجرور، وهو الذي انتقل إليه بعد حذف الاستقرار، وإذا لا شاهد فيه.

(2)

بيت من البسيط، لم نقف على قائله.

اللغة والإعراب: نجيت: أنقذت وخلصت من الغرق، نوحا: هو أبو البشر الثاني بعد آدم. فلك: السفينة، للمفرد والجمع، ماخر: شاق عباب الماء، وهو اسم فاعل من مخرت السفينة، إذا شقت الماء فسمع لها صوت، أليم: البحر. مشحونا: مملوءا، "يا رب": يا حرف نداء، ورب منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف اكتفاء بالكسرة، والياء مضاف إليه، "نوحا" مفعول نجيت، "في فلك" متعلق به أو بمحذوف حال من نوح، أو من الهاء في له، "ماخر" صفة لفلك، "في أليم" متعلق به "مشحونا" حال من فلك.

المعنى: واضح.

الشاهد: في "مشحونا"، فإنه حال من النكرة، وهي "فلك"، وسوغ ذلك تخصصها بوصفها بماخر، فقربها ذلك من المعرفة.

(3)

فإنهما أعربا "أمرا" حالا من "أمر" الأول، لوصفه بحكيم مع أنه مضاف إليه، وهما يقولان بعدم جواز مجيء الحال من المضاف إليه، إلا بشروط لم تتوافر هنا، وستأتي قريبا.

وفي إعرابه أقوال، منها: أن "أمرا" منصوب على الاختصاص بأخص محذوفا، أو مفعول لأجله، أو حال من "كل"، أو من فاعل أنزلنا، أو من مفعوله، أي آمرين به، أو مأمورًا به.

ص: 217

{فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً}

(1)

، أو بمعمول؛ نحو: عجبت من ضرب أخوك شديدًا

(2)

أو مسبوقا بنفي؛ نحو: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}

(3)

، أو نهي؛ نحو:

لا

بيغ امرؤ على امرئ مستسهلا

(4)

وقوله:

لا يركنن أحد إلى الإحجام

يوم الوغى متخوفًا لحمام

(5)

(1)

" سواء" حال من "أربعة" وهي نكرة، لكنها مختصة بإضافتها إلى "أيام".

(2)

"شديدا" حال من "ضرب" النكرة؛ لاختصاصه بالعلم في الفاعل وهو "أخوك".

(3)

جملة "ولها كتاب معلوم" حال من "قرية" النكرة؛ لأنها مسبوقة بالنفي، وفيه مسوغ آخر، وهو: اقتران الجملة الحالية بالواو -وأن خص بعضهم ذلك بالإيجاب، ومسوغ ثالث وهو: وقوع "إلا" الاستثنائية قبلها؛ لأن الاستثناء المفرغ لا يقع في النعوت.

(4)

"مستسهلا" حال من "امرؤ" الأول؛ لأنه مسبوق بنهي، وهذا المثال عجز بيت من الألفية.

والبغي: التعدي والظلم، والاستسهال: الاستخفاف، ومعناه: لا يعتدى شخص على غيره مستخفا بذلك، فإن البغي مرتعه وخيم.

(5)

بيت من الكامل، لقطري بن الفجاءة المازني الخارجي المشهور.

اللغة والإعراب: الركون: الميل، الإحجام: النكوص والتأخر، وهو مصدر أحجم عن الشيء إذا نكص عنه ولم يقدم عليه، والوغى: الحرب، وأصله الجلبة والصياح، وأطلق على الحرب لما فيها من ذلك، الحمام: الموت. "لا" ناهية. "أحد" فاعل يركنن.

"يوم الوغى" ظرف متعلق بيركنن ومضاف إليه. "متخوفا" حال من "أحد"، وهو نكرة مسبوقة بلا الناهية، "لحمام" متعلق بمتخوف.

المعنى: لا يسوغ أن يفكر أحد في التأخر والتخلف، وعدم الإقدام وقت الحرب خوفا من الموت، فإن هذا عار لا يليق بالرجال، ولكل أجل كتاب.

الشاهد: وقوع "متخوفا" حالا من "أحد" وهو نكرة، وسوغ ذلك وقوع النكرة بعد النهي الشبيه بالنفي.

ص: 218

أو استفهام؛ كقوله:

يا صاح هل حم عيش باقيا فترى

(1)

(1)

صدر بيت من البسيط، لرجل من بني طيء لم يذكر اسمه، وعجزه:

لنفسك العذر في إبعادها الأملا

اللغة والإعراب: حم: قدر وقضي، عيش: المراد هنا: الحياة، باقيا: دائما لا يفنى ولا يزول. "صاح" منادى مرخم "صاحب" على غير قياس؛ لأنه غير علم. "عيش" نائب فاعل حم. "باقيا" حال من عيش، "فترى" الفاء للسببية، وترى فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء، "لنفسك" جار ومجرور متعلق بترى، وهو في موضع الفعول الثاني لها، "العذر" مفعول أول. "في إبعادها" متلعق بالعذر، والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله، "الأملا" مفعول المصدر، والألف للإطلاق.

المعنى: يقول لصاحبه مستنكرًا: أخبرني: هي قدر للإنسان حياة دائمة في الدنيا؟ فيكون لك العذر في هذه الآمال البعيدة، والتكالب على جمع حطام هذه الدنيا الغادرة الفانية.

الشاهد: وقوع "باقيا" حال من "عيش" وهو نكرة، وسوغ ذلك وقوع النكرة بعد الاستفهام، وهو شبيه بالنفي ومن المسوغات: أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ لأن وجود الواو في صدر الجملة يمنع توهم كونها صفة نحو قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ، أو تشترك النكرة مع معرفة في الحال، نحو: هؤلاء صبية ومحمد مسافرين، وفي مواضع صاحب الحال النكرة يقول الناظم:

ولم ينكر غالبا ذو الحال إن

لم يتأخر أو يخصص أو يبن

من بعد نفي أو مضاهيه كـ"لا

يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا

* "ينكر" مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، "غالبا" حال من "ذو" الواقعة نائب فاعل ينكر، "الحال" مضاف إليه، "إن" شرطية، "لم يتأخر" فعل الشرط وفاعله يعود على ذو الحال، وجواب الشرط محذوف، أي فلا ينكر "أو يخصص أو يبن" معطوفان على يتأخر، "من بعد نفي" متعلق بيبن ومضاف إليه، "أو مضاهيه" معطوف على نفي، "كلا" الكاف جارة لقول محذوف، ولا ناهية. "يبغ" مجزوم بلا الناهية. "مستسهلًا حال من. "امرؤ" الواقع فاعلا ليبغ.

أي أن الغالب على صاحب الحال ألا يكون نكرة؛ إلا إذا تأخر وتقدم الحال على النكرة، أو خصص بوصف أو بإضافة، أو يبن؛ أي يظهر ويقع بعد نفي أو ما يضاهيه ويشابهه؛ وهو النهي والاستفهام، وذكر مثالا للنهي.

ص: 219

وقد يقع نكرة بغير مسوغ، كقولهم:"علية مائه بيضا"

(1)

، وفي الحديث:"وصلى وراءه رجال قيامًا"

(2)

.

فصل: وللحال مع صاحبها ثلاث حالات

(3)

:

إحداها: وهي الأصل -أن يجوز فيها أن تتأخر عنه، وأن تتقدم عليه؛ كجاء زيد ضاحكا، وضربت اللص مكتوفا؛ فلك في ضاحكا ومكتوفا، أن تقدمهما على المرفوع، والمنصوب.

الثانية: أن تتأخر عنه وجوبا، وذلك كأن تكون محضورة؛ نحو:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}

(4)

، أو يكون صاحبها مجرورًا: إما بحرف جر

(1)

" بيضا" جمع أبيض حال من مائة، ولا يصح أن يكون تمييزا؛ لأن تمييز المائة لا يكون جمعا. وهذا المثال رواه سيبويه عن العرب، والمراد: أن المائة دراهم لا دنانير ولا غيرها؛ لأن الدراهم من الفضة وهي بيضاء.

(2)

الحديث؛ كما رواه الإمام مالك في الموطأ "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا وصلى وراءه رجال قياما" فـ"قياما" حال من رجال، وهو نكرة بلا مسوغ، وقدا اختلف النحاة: هل مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ مقيس؟ أو هو مقصور على السماع؟ رأيان: الأول لسيبويه، والثاني للخليل ويونس.

(3)

أحكام التقديم والتأخير الآتية، مقصورة على الحال المؤسسة، أما المؤكدة فالصحيح عدم تقديمها كما سيأتي في موضعه.

(4)

"مبشرين" و"منذرين" حالان من "المرسلين"، ولا يجوز تقدمها عليها، لأنهما محصوران، ويجب تأخير المحصور؛ لأن تقديمه يؤدي إلى عكس المعنى البلاغي المراد من الحصر.

ص: 220

غير زائد؛ كمررت بهند جالسة

(1)

، وخالف في هذه الفارسي وابن جني وابن كيسان؛ فأجازوا التقديم

(2)

، قال الناظم: وهو الصحيح؛ لوروده؛ كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ}

(3)

. وقول الشاعر:

تسليت طرًا عنكم بعد بينكم

(4)

(1)

" جالسة" حال من "هند" المجرورة بحرف الجر، ولا يجوز تقديمها على "بهند" وعلة لك كما قالوا: ان تعلق العامل بالحال تابع لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدي لصاحبه بواسطة أن يتعدى إلى الحال بتلك الواسطة، ولما كان الفعل لا يتعدى بحرف واحد مع التصريح به إلى شيئين استعاضوا عن ذلك بالتزام تأخير الحال؛ ليكون في حيز الجار.

(2)

حجتهم: أن المجرور بالحرف، مفعول به في المعنى، وتقديم حال المفعول به عليه غير ممنوع، فكذلك هنا.

(3)

"كافة" -بمعنى جميعا- حال من المجرور وهو الناس، وقد تقدم عليه.

(4)

صدر بيته من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:

بذكراكموا حتى كأنكم عندي

اللغة والإعراب: تسليت: تصبرت وتكلفت السلوان. طرا: أي جميعا. بينكم: فراقكم وبعدكم، "طرا" حال من الضمير المجرور بعن في "عنكم" وقد تقدم عليه. ولا تأتي "طرا". إلا حالا. "عنكم" متعلق بتسليت، "بعد" ظرف تعلق بتسليت أيضًا وهو مضاف إلى "بينكم، بذكراكموا" متعلق بتسليت كذلك. "حتى" ابتدائية، "عندي" ظرف متعلق بمحذوف خبر كأن.

المعنى: تسليت وشغلت نفسي عنكم جميعا بعد بعدكم عني بذكراكم الطيبة التي لا تنسى، وكنتم بذلك كأنكم ماثلون أمامي ولم تفارقوني.

الشاهد: وقوع "طرا" حال من كان المخاطب في "عنكم"، وهي مجرورة محلا بعن، وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور، وذلك جائز في السعة، عند الفارسي ومن تبعه، وأيده الناظم. أما الجمهور فلا يجيزون ذلك. وقد أوضح المصنف رأيهم فيما ورد، وفي هذا يقول الناظم.

ص: 221

والحق أن البيت ضرورة، وأن "كافة" حال من الكاف، والتاء للمبالغة

(1)

، لا للتأنيث، ويلزمه تقديم الحال المحصورة، وتعدي "أرسل" باللام؛ والأول ممتنع، والثاني خلاف الأكثر

(2)

.

وإما بإضافة

(3)

، كأعجبني وجهها مسفرة.

وإنما تجيء الحال من المضاف إليه: إذا كان المضاف بعضه، كهذا المثال، وكقوله تعالى:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا}

(4)

، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ

وسبق حال ما بحرف جر قد

أبوا ولا أمنعه فقد ورد

أي أن النحاة أبوا ولم يجيزوا أن يتقدم الحال على صاحبها المجرور، بحرف جبر، يقول الناظم، ولا أمنع ذلك، فقد ورد في الكلام الفصيح، وقد بينا حجة كل.

وهذا الخلاف فيما إذا كان صاحب الحال مجرورا بحرف جر أصلي، فإذا كان مجرورا بحرف جر زائد، فلا خلاف في جواز التقديم؛ تقول: من جاءني راكبًا من أحد.

(1)

ويكون المعنى: إلا شديد الكف للناس؛ أي المنع لهم من الشرك ونحوه، قيل: ولا تستعمل "كافة" إلا حالا، وغلط من يقول: ولكافة المسلمين، مثلا.

(2)

فإن الأكثر والغالب تعدينه بإلى.

(3)

أي بأن كان صاحب الحال مضافا إليه؛ فلا يجوز حينئذ تقديم الحال على صاحبها؛ لئلا تكون فاصلة بين المضاف والمضاف إليه وهما كالشيء الواحد، وكذلك لا يجوز -على الصحيح- تقديمها على المضاف؛ لأن المضاف مع المضاف إليه كالصلة مع الموصول؛ فكما لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على موصولها، كذلك لا يتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف.

هذا: وإذا كانت الإضافة محضة لزم تأخير الحال باتفاق. وإن كانت غير محضة؛ نحو: هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا، جاز التقديم عند الناظم، وأنكره ابنه.

(4)

"إخوانا" حال من المضاف إليه وهو "هم"، والصدور بعضه.

* "وسبق" مفعول مقدم لأبوا، "حال" مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. "ما" اسم موصول مفعول للمصدر، "بحرف" متعلق بقوله. "جر" الواقع صلة لما "قد" للتحقيق. "أبوا" فعل وفاعل. "ولا" نافة "أمنعه" مضارع مرفوع، والهاء مفعول عائدة على سبق. "فقد" الفاء للتعليل.

ص: 222

يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}

(1)

أو بعضه

(2)

؛ نحو: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}

(3)

. أو عاملًا في الحال

(4)

؛ نحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}

(5)

، وأعجبني انطلاقك مفردًا، وهذا شارب السويق ملتوتًا

(6)

.

(1)

" ميتا" حال من أخيه المضاف إليه. "لحم"، واللحم بعض الأخ.

(2)

وهو ما يصح حذفه، وإقامة المضاف إليه مقامه بدون أن يتغير المعنى.

(3)

"حنيفا" حال من إبراهيم المضاف إليه، و"الملة" كالبعض منه، بدليل أنه يصح حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه مع صحة المعنى، فيقال: اتبع إبراهيم.

(4)

أي أن يكون المضاف عاملا في الحال، وذلك يستلزم أن يكون المضاف مما يعمل عمل الفعل، كالمصدر، والوصف العامل، كاسم الفاعل ونحوه. ويؤخذ ذلك من تمثل المصنف.

(5)

"جميعا" حال من "كم" المضاف إليه، و"مرجع" مصدر ميمي -بمعنى الرجوع- عامل النصب في الحال، ومثله تماما: أعجبني انطلاقك منفردا.

(6)

"ملتوتا" حال من السويق المضاف إليه، و"شارب" اسم فاعل عامل النصب في

الحال.

والسويق: ما يتخذ من القمح والشعير، والملتوت: من لت السويق. سحقه وبله وبسه بالماء ونحوه، وفي مجيء الحال من المضاف إليه يقول الناظم:

ولا تجز حالًا من المضاف له

إلا إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ماله أضيفا

أو مثل جزئه فلا تحيفا

أي لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه، إلا إذا استوفى المضاف عمله في الحال، وهذا يقتضي أن يكون المضاف مما يعمل عمل الفعل، كما بينا أو كان المضاف جزءا من المضاف إليه، أو مثل جزئه في صحة للاستغناء عنه بالمضاف إليه. وقوله "فلا تحيفا"؛ أي:

* "حالا" مفعول تجز: "من المضاف" متعلق بمحذوف صفة لحالا. "له" متعلق بالمضاف. "إلا" أداة استثناء. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، "المضاف" فاعل اقتضى. "عمله" مفعول اقتضى ومضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، "أو كان" معطوف على اقتضى، واسم كان يعود إلى المضاف له، "جزء" خبرها. "ما" اسم موصول مضاف إليه، "له" متعق بأضيف الواقع صلة للموصول. "أو مثل جزئه" معطوف على جزء السابق ومضاف إليه. "فلا تخفيفا" لا: ناهية، و"تحيفا" مضارع مبني على الفتح لا تصاله بنون التوكيد الحقيقة المنقلبة ألفا في محل جزم بلا.

ص: 223

الثالثة: أن تتقدم عليه وجوبا، كما إذا كان صاحبها محصورًا

(1)

، نحو: ما جاء راكبًا إلا زيد.

فصل: وللحال مع عاملها ثلاث حالات أيضًا

(2)

.

إحداها: وهي الأصل أن يجوز فيها أنت تتأخر عنه، وأن تتقدم عليه.

وإنما يكون ذلك: إذا كان العامل فعلا متصرفا

(3)

، كجاء زيد راكبًا، أو صفة تشبه

بمخالفة هذا، وإنما اشترط ما ذكر لصحة مجيء الحال من المضاف إليه؛ لوجوب اتحاد عامل الحال وصاحبها عند الجمهور، وإذا كان المضاف عاملا في المضاف إليه كان عاملا في الحال، فيتحد العامل في الحال وفي الصاحب. وإذا كان الحال جزءا أو كالجزء، كان المضاف والمضاف إليه؛ كالشيء الواحد، فيكون المضاف كأنه صاحب الحال، ويكون العامل فيه هو العامل في الحال. أما غير الجمهور فلا يرى ضرورة أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها.

هذا: وقد ذكر بعض النحاة من المواضع التي تجب فيها تأخير الحال عن صاحبها: أن يكون الصاحب منصوبا بكأن، أو"ليت"، أو"لعل" أو بفعل تعجب، أو بصلة حرف مصدري؛ نحو: سرني أن أكرمت الفقير محتاجا، أو يكون ضميرا متصلا بصلة "أل"؛ نحو: الود أنت المستحقه خالصا، أو يكون الحال جملة مقترنة بالواو؛ نحو: جاء محمد والقوم مستعدون للرحيل.

(1)

وبعض النحاة يجيز تقديم المحصور بإلا كما سبق في الفاعل، ومن مواضع وجواب التقديم أيضًا: أن يكون صاحبها مضافًا إلى ضمير يعود على شيء له صلة وعلاقة بالحال؛ نحو: جاء زائرا فاطمة أبوها.

(2)

عامل النصب في الحال: إما لفظي؛ كالمصدر؛ والفعل المشتق، والوصف العامل كاسم الفاعل ونحوه، وإما معنوي؛ كأسماء الإشارة، والألفاظ الاستفهام، وبعض الحروف والأدوات التي سيذكرها المصنف والناظم فيما بعد.

(3)

بأن يقع في الأزمنة الثلاثة؛ ماضيا، ومستقبلا، وحالا، ويشترط ألا يعرض له ما يمنع تقديم الحال عليه؛ كأن يقترن بلام الابتداء، أو القسم كما سيأتي؛ نحو: إن محمدا ليسافر

ص: 224

الفعل المتصرف

(1)

كزيد منطلق مسرعا؛ فلك في راكبًا ومسرعًا أن تقدمها على "جاء" وعلى "منطلق"؛ كما قال الله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُون}

(2)

. وقالت العرب: شتى تئوب الحلبة

(3)

؛ أي متفرقين يرجع الحالبون.

وقال الشاعر:

نجوت وهذا تحملين طليق

(4)

فتحملين في مضوع نصب على الحال

(5)

، وعاملها "طليق"، وهو صفة مشبهة.

(1)

هي: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة. ووجه الشبه: تضمنها معنى الفعل وحروفه، وقبولها العلامات الدالة على الفرعية مطلقا؛ كالتأنيث، والتثنية، والجمع.

(2)

"خشعًا" حال من الواو في "يخرجون"، وقد تقدم على عامله الفعل، ويجوز أن يكون "خشعًا" صفة لمفعول محذوف ليدعو؛ أي: يوم يدعو الداعي قوما خشعًا أبصارهم.

(3)

"شتى" حجال من "الحلبة"، وقد تقدمت على عاملها "تئوب" وهو فعل متصرف. "وشتى: جمع شتيت بمعنى متفرق. تئوب: ترجع الحلبة: جمع حالب؛ وهذا مثل عربي يقال عندما يراد الإخبار عن الاختلاف الناس في الأخلاق مع أن أصلهم واحد؛ فأصحاب الأنعام يردون الماء مجتمعين ويحلبونها متفرقين.

(4)

تقدم الكلام على هذا الشاهد في باب الموصول في الجزء الأول صفحة 152.

(5)

أي من فاعل "طليق" المستتر فيه؛ أي هذا طليق حال كونه محمولا لك.

وقد أشار الناظم إلى هذه الحالة بقوله:

والحال إن ينصب بفعل صرفا

أو صفة أشبهت المصرفا

فجائز تقديمه كمسرعا

ذا راحل ومخلصا زيد دعا

* "والحال" مبتدأ. "إن ينصب" شرط وفعله. "بفعل" متعلق بينصب. "صرفا" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على فعل، والجملة نعت له. "أو صفة" معطوفة على فعل. "أشبهت المصرفا" الجملة نعت لصفة. "فجائز" خبر مقدم، والفاء للربط، "تقديمه" مبتدأ مؤخر، والهاء مضاف إليه مفعول المصدر، والجملة جواب الشرط وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ وهو الحال، "كمسرعا" الكاف جارة لقول محذوف، و"مسرعا" حال أي إذا نصبت بفعل متصرف، أو وصف يشبهه جاز تقديمها على عاملها وتأخيرها عنه، وذكر مثالين: أحدهما إذا تقدمت على عاملها الفعل المتصرف، وهو: مخلصا زيد دعا، والثاني لحال تقدمت على عاملها الوصف، وهو: مسرعا ذا راحل.

ص: 225

الثانية: أن تتقدم وجوبا؛ كما إذا كان لها صدر الكلام؛ نحو: كيف جاء زيد؟

(1)

.

الثالثة: أن نتأخر عنه وجوبا، وذلك في ست مسائل، وهي:

أن كيون العامل فعلًا جامدًا؛ نحو: ما أحسنه مقبلا

(2)

!

أو صفة تشبه الفعل الجامد، وهو اسم التفضيل

(3)

؛ نحو: هذا أفصح الناس خطيبا

(4)

.

أو مصدرًا مقدرًا بالفعل وحرف مصدري؛ نحو: أعجبني اعتكاف أخيك صائمًا

(5)

أو اسم فعل؛ نحو: تزال مسرعًا، أو لفظًا مضمنا معنى الفعل دون حروفه

(6)

؛ نحو:

(1)

" كيف" اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الحال من زيد. وقيل: ظرف شبيه باسم المكان، وعلى القولين فهي للاستفهام عن الأحوال.

(2)

"مقبلا" حال من الهاء في أحسنه. وهو واجب التأخير عن العامل؛ لأنه غير متصرف في نفسه، فلا يتصرف في معموله بالتقدم عليه.

(3)

لأنه لا يقبل العلاقات الفرعية في أكثر الأحوال؛ كالتأنيث والتثنية، والجمع، فانحط عن درجة المشتقات الأصليلة؛ كاسم الفاعل واسم المفعول، واقترب من الجامد.

(4)

"خطيبا" حال من فاعل "أفصح" المستتر فيه.

(5)

"صائمًا" حال من أخيك، والعامل فيه المصدر الذي يمكن تقديره بأن والفعل، ومفعول هذا المصدر لا يتقدم عليه كمعمول اسم الفعل. أما إذا كان العامل مصدرا نائبا عن فعله المحذوف وجوبا؛ فيجوز تقديم الحال؛ نحو: إكرامًا فاطمة مجدة.

(6)

كألفاظ اسم الإشارة والاستفهام والتشبيه، وأحرف التمني والترجي، والظرف والجار والمجرور، والنداء، وأما. والعلة في ذلك كله ضعف العامل.

مقدمة على عامله وهو راحل، "ذا راحل" مبتدأ وخبر، وفي. "راحل" ضمير مستتر فاعله، وهو صاحب الحال. "ومخلصا" حال من فاعل دعا. "زيد دعا" زيد مبتدأ، وجملة. "دعا" خبر.

ص: 226

{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَة}

(1)

؛ وقوله:

كأن قلوب الطير ويابسا

(2)

وقولك: "ليت هندًا مقيمة عندنا"

(3)

.

(1)

" خاوية" حال من بيوتهم، والعامل فيه اسم الإشارة تلك"، وفيه معنى الفعل، وهو "أشير" دون حروفه.

(2)

صدر بيت من الطويل، لامرئ القيس بن حجر الكندي يصف عقابا بسرعة اختطافها للطيور، وعجزه:

لدى وكرها العناب والحشف البالي

اللغة والإعراب: وكرها، الوكر: عش الطائر حيث كان في شجر أو جيل.

العناب: نوع من الفاكهة معروفة، تشبه به أنامل الحسان المخضوبة بالحناء. الحشف: أردأ التمر. "قلوب" اسم كأن. "الطير" مضاف إليه. "رطبا ويابسا" حالان من قلوب، والعامل فيهما "كأن"؛ لما فيها من معنى الفعل، وهو "أشبه" دون حروفه. "لدى وكرها" ظرف متعلق بمحذوف حال من قلوب الطير ومضاف إليه، العناب: خبر كأن.

المعنى: أن هذه العقاب كثيرة الاصطياد للطير، ويرى عند عشها قلوب كثيرة من قلوب الطير، بعضها لا يزال رطبا فهو كالعناب، وبعضها قد جف، فهو كأردأ التمر.

الشاهد: في "رطبا ويابسا" فهما حالان من قلوب، والعامل في الحالين وصاحبهما "كأن" ومعناه أشبه، فهو متضمن معنى الفعل دون حرفه، ولا يجوز تقديم الحال على عاملها في مثل ذلك.

(3)

"مقيمة" حال من "هند"، والعامل فيها "ليت"؛ لأنها بمعنى الفعل -"أتمنى"- دون حروفه، وقد أشار الناظم إلى الحال التي لا يجوز تقديمها على عاملها المعنوي بقوله:

وعامل ضمن معنى الفعل لا

حروفه مؤخرا لن يعملا

كـ"تلك ليت وكأن" ندر

نحو "سعيد مستقرًا في هجر"

* "وعامل" مبتدأ. "ضمن ماضي مبني للمجهول، ونائب الفاعل مفعوله الأول، والجملة صفة لعامل. "معنى الفعل" مفعول ثان لضمن ومضاف إليه. "لا حروفه" معطوفة على معنى الفعل، "مؤخرا"حال من فاعل يعمل الآتي "لن" حرف نصب ونفي، "يعملا" مضارع منصوب وفاعله يعود إلى عالم، والألف للإطلاق، والجملة أي أن العامل الذي ضمن معنى الفعل دون حروفه -ويسمى العامل المعنوي- لا يعمل النصب؛ إذا كان متأخرا عن الحال، وذكر من ذلك: تلك، وليت، وكأن وقد مثل لها المصنف. ثم بين أن تقديم الحال على عاملها المعنوي؛ الظرف والجار والمجرور، نادر، وسيذكر المصنف ذلك قريبا.

ص: 227

أو عاملًا آخر عرض له مانع

(1)

؛ نحو: لأصبر محتسبا، ولأعتكفن صائمًا؛ فإن في حيز لام الابتداء ولام القسم لا يتقدم عيلهما

(2)

.

ويستثنى من أفعل التفضيل: ما كان عاملًا في حالين لاسمين: متحدي المعنى، أو مختلفين، وأحدهما مفضل على الآخر

(3)

؛ فإنه يجب تقديم حال الفاصل

(4)

؛ كهذا بسرًا أطيب منه رطبًا

(5)

، وقولك زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا

(6)

.

(1)

أي يمنع من تقديم الفاعل عليه، وعلى المانع أيضا بالأولى.

(2)

أي؛ لأن لهما الصدارة، فل يعمل ما بعدهما في شيء قبلهما، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، واللام في "لأصبر" للابتداء، وفي "لأعتكفن" للقسم.

(3)

أي مفضل في حالة من أحواله على الآخر في حالة أخرى، وعلى نفسه كذلك.

(4)

أي على أفعل التفضيل خوف اللبس.

(5)

"بسرا" حال من الضمير في أطيب الواقع فاعلا، و"رطبا" حال من الضمير المجرور في "منه" وهو متعلق بأطيب، والعامل فيهما أطيب، لتضمنه معنى المفاضلة، والإشارة للتمر، أي هذا التمر في حال كونه بسرا أطيب من نفسه في حال كونه رطبا.

(6)

"مفردا" حال من الضمير المستتر في "أنفع" الراجع إلى زيد، و"معانا" حال من "عمر"، والعامل في الحالين "أنفع".

وكان القياس في هذا وما قبله، وجوب تأخر الحالين عن "أفعل"، لكنهم اغتفروا تقدم الحال الفاضلة؛ فرقا بين المفضل والمفضل عليه؛ إذ لو آخر لحصل لبس، وصاحبا الحالين في المثال الأول متحدان في المعنى، وفي الثاني مختلفان، وهذا التقدير الذي ذكره المصنف.

خبر المبتدأ، "كتلك" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ محذوف؛ أي وذلك كائن كتلك، "ليت وكأن" معطوفان على تلك، "نحو" فاعل ندر "سعيد" مبتدأ "مستقرا" حال من الضمير في الجار والمجرور بعده "في هجر" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.

ص: 228

ويستثنى من المضمن معنى الفعل دون حروفه: أن يكون

(1)

ظرفا أو مجرورًا مخبرًا بهما

(2)

؛ فيجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به؛ كقوله:

بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة

لديكم

(3)

تقدير سيبويه، ويرى المبرد والزجاج والفارسي ومن تبعهم، أن الناصب لهذين الحالين "كان" محذوفة، وصاحب الحال هو الضمير المستتر في "كان".

وإلى جواز أحد الحالين المنصوبين بأفعل التفضيل المذكور، أشار الناظم بقوله:

ونحو "زيد مفردًا أنفع من

عمرو معانا" مستجاز لن يهن*

أي نحو هذا المثال مما فضل فيه شيء في حال على غيره، أو نفسه في حال أخرى، وقد أوضحنا السبب في ذلك. ومعنى مستجاز: أجازه النحاة. ولن يهن: أي لن يضعف مثل هذا الأسلوب.

(1)

أي العامل.

(2)

أي متأخرين عن المخبر عنه.

(3)

جزء بيت من الطويل، لم تقف على قائله، وهو بتمامه:

بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة

لديكم فلم يعدم ولاء ولا نصرًا

اللغة والإعراب: عاذ: اعتصم والتجأ. عوف: اسم رجل. بادي ذلة: ظاهر المهانة.

يعدم: يفقد، ولاء: موالاة ومناصرة. نصرا: إعانة. "بنا" متعلق بعاذ. "عوف" فاعل عاذ. "هو" الواو للحال، وهو مبتدأ. "بادي" حال من الضمير المستكن في "لديكم" الواقع خبرا للمبتدأ. "ذلة" مضاف إليه. "فلم" الفاء عاطفة ولم جازمة. "ولاء" مفعول يعدم و"لا" اللام زائدة لتوكيد النفي، "نصرا" معطوف على "ولاء".

المعنى: التجأ إلين عوف واستعان بنا، وقد ظهر عليه الهوان والمذالة وهو مقيم عندكم، فأقلنا عثرته ونصرناه، وقدمنا له العون والمساعدة.

* "ونحو"، "زيد" مبتدأ كذلك. "مفردا" حال من ضمير أنفع العائد إلى زيد. "أنفع" خبر عن زيد. "من عمرو" متعلق بأنفع. "معانا" حال من عمرو، وجملة "زيد مفردا، إلى معانا" في محل جر بإضافة "نحو" إليها مقصود لفظها. "مستجاز" خبر نحو، "يهن"؛ أي يضعف، مضارع منصوب بلن، وسكن للوقف، وفاعله يعود على نحو، وجملة "يهن" وفاعله في محل رفع خبر ثان، أو صفة للخبر السابق.

الشاهد: أن "بادي" حال من ضمير الظرف وهو "لديكم" المنتقل إليه من متعلقة كما هو معلوم، وقد تقدم الحال على عامله الظرف، مع توسطه بين المخبر عنه والخبر، ولو جعل "بادي" حال من "هو" على رأي سيبويه الذي يجبز مجيء الحال من المبتدأ، لم يكن في البيت الشاهد المطلوب، وما ذكره المؤلف والناظم تبعا فيه قول الأخفش والفراء، وهو عند الجمهور ضرورة.

ص: 229

وكقراءة بعضهم: {مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا}

(1)

، وكقراءة الحسن

(2)

، {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}

(3)

، وهو قول الأخفش وتبعه الناظم.

والحق أن البيت ضرورة، وأن خالصة، ومطويات معمولان لصلة "ما"، و"لقبضته"

(4)

، وأن السموات عطف على ضمير مستتر في "قبضته"؛ لأنه بمعنى

(1)

" خالصة" بالنصب حال من الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور وهو "لذكورنا"، وقد تقدمت على عاملها، وتوسطت بين المخبر عنه، وهو "ما" الموصولة، والخبر -وهو "لذكورنا"، و"ما" واقعة على الأجنة.

(2)

هو الإمام أبو سعيد، الحسن بن البصري. كان من علماء التابعين وكبرائهم، إماما في القراءة، وكان أكثر كلامه حكما وبلاغة، وقد جمع إلى العلم العمل والعبادة. روي عن الشافعي أنه قال: لو أشاء أن أقول مع القراءات نزل بلغة الحسن لقلت؛ لفصاحته. وهو أحد الأربعة الذين لهم قراءة شاذة مع القراءات العشر، وتوفي بالبصرة سنة 116 هـ.

(3)

"مطويات" حال متوسطة بين المبتدأ، وهو السموات، وعاملها الظرفي الواقع خبرا، وهو "بيمينه"، وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الخبر الجار والمجرور، وهذه الحالة -وهي جواز تقديم الحال على عاملها الظرف، والجار والمجرور -هي التي أشار إليها الناظم فيما تقدم، بقوله:

وندر

نحو سعيد مستقرا في هجر

(4)

فتكون "خالصة" معمولة للجار والمجرور على أنها حال من الضمير المستتر في "بطون" الواقعة صلة لما -وهي العاملة في الحال- والتاء في خالصة للتأنيث باعتبار معنى "ما"؛ لأنها واقعة على الأجنة كما أسلفنا، وتكون "مطويات" معمولة لقبضته على أنه حال من السموات، و"بيمينه" ظرف لغو متعلق بمطويات.

ص: 230

مقبوضته لا مبتدأ، و"بيمينه" معمول الحال لا عاملها

(1)

.

فصل: ولشبه الحال بالخبر

(2)

والنعت

(3)

جاز أن تتعد لمفرد وغيره

(4)

فالأول؛ كقوله:

على إذا ما جئت ليلى بخفية

زيادة بيت الله رجلان حافيا

(5)

وليس منه

(6)

: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} .

(1)

وعلى ذلك تكون الحال غير متقدمة على عاملها الظرف والجار والمجرور في الآيتين.

(2)

أي في كونه محكومًا به في المعنى على صاحبه كما يحكم بالخبر على المبتدأ.

(3)

أي في أنه يدل على الاتصاف بالصفة، وإن كان ذلك مقصودا في النعت، وتبعيا في الحال.

(4)

المراد بالجواز عدم الامتناع، وهذا يصدق بالواجب، فإنه يجب تكرير الحال وتعددها بعد "إما" لوجوب تكرير "إما"؛ تقول: اضرب اللص إما قائما وإما مطروحا على الأرض، وكذلك بعد "لا" النافية لتكريرها في الغالب؛ تقول: جاء علي فرحا ولا أسوان.

(5)

بيت من الطويل، أنشده ابن الأعرابي ولم ينسبه، وبعضهم ينسبه إلى مجنون ليلى.

اللغة والإعراب: بخفية: أي في خفاء وستر وبعد عن الأنظار، رجلان: ماشيا،

حافيا: غير متنعل. "علي" جار ومجرور خبر مقدم. "ما" زائدة. "ليلى" مفعول جئت "بخفيه" صفة لموصوف محذوف على زيادة الباء. "زيارة بيت الله" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله. "رجلان حافيا" حالان من فاعل. "زيارة" المحذوف؛ أي زيارتي بيت الله.

المعنى: نذر وواجب علي -إذا وصلت إلى محبوبتي ليلى خفية، ولم يشعر بي أحد من الناس فيشي بنا- أن أزور بيت الله ماشيا غير منتعل.

الشاهد: في "رجلان حافيا"؛ حيث تعدد الحال وصاحبهما واحد وهو فاعل الزيارة المحذوف، ويجوز أن يكون حالين من ياء المتكلم المجرورة محلا بعلي.

(6)

أي من تعدد الحال لمفرد؛ لأن شرط التعدد عند الموضح: ألا يكون هناك حرف عطف بين الأحوال المتعددة، وإلا كان ما بعد العطف معطوفا لا حالا. وأجاز ذلك بعض النحاة.

ص: 231

والثاني: إن اتحد لفظه ومعناه ثني أو جمع

(1)

؛ نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} الأصل دائبة ودائبا

(2)

؛ ونحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ}

(3)

. وإن اختلف فرق بغير عطف؛ كلقيته مصعدًا منحدرا، ويقدر الأول للثاني وبالعكس

(4)

، قال:

عهدت سعاد ذات هوى معنى

(5)

وقد تأتي على الترتيب إن أمن اللبس.

(1)

أي من باب الاختصار، وذلك أولى لا واجب كما يقول بعض النحاة، ومن غير نظر للعوامل: أهي متحدة في ألفاظها ومعانيها وعملها، أم غير متحدة في شيء من ذلك.

(2)

"دائبين" مثنى، وهي حال مؤسسة من الشمس والقمر، ولا يضر الاختلاف في التذكير والتأنيث، ما دام الحالان متفقين لفظا ومعنى.

(3)

"مسخرات" جمع، وهي حال مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى.

(4)

أي تقدر الحال الأولى للاسم الثاني، والحال الثانية للاسم الأول، وإن كان هنالك ثالثة فللاسم الذي قبل هذا؛ وذلك ليتصل أول الحالين بصاحبه، ولا يعكس لئلا يلزم فصل كل من صاحبه مع عدم القرينة، وقد تجعل كل حال بعد صاحبها مباشرة، وهذا أحسن منعا للغموض.

(5)

صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل معين، وعجزه:

فزدت وعاد سلوانًا هواها

اللغة والإعراب: عهدت: عرفت علمت سعاد: اسم محبوبته. ذات هوى: صاحبة عشق وحب. معنى: اسم مفعول من عناه الأمر، شق عليه حتى أورثه العناء والجهد سلوانا: سلوا ونسيانا. "سعاد" مفعول عهدت. "ذات هوى" حال من سعاد، ومضاف إليه.

"معنى" حال من التاء في عهدت. "عاد" ماض ناقص بمعنى صار، "سلوانا" خبر "عاد" مقدم. "هواها" اسمها مؤخر ومضاف إليه، ويجوز جعل عاد تامة، و"هواها" فاعل به، و"سلوانا" حال منه.

المعنى: لقد كنت أنا وسعاد شديدي المحبة والهيام؛ فأما أنا فازددت حبا لها وشغفا بها، وأما هي فصار هواها وحبها هجرا وانصرافا عني.

الشاهد: مجيء الحالين على عكس ترتيب صاحبيهما؛ فقد جعل أول الحالين -وهو ذات هوى- لثاني الاسمين، وهو سعاد؛ ليتصل بصاحبه، والعكس والقرينة التذكير والتأنيث.

ص: 232

كقوله:

خرجت بها أمشي تجر وراءنا

(1)

ومنع الفارسي وجماعة النوع الأول

(2)

؛ فقدروا نحو قوله "حافيًا" صفة أو حالًا من ضمير "رجلان"، وسلموا الجواز إذا كان العامل اسم تفضيل

(3)

؛ نحو: هذا بسرًا أطيب منه رطبًا.

(1)

صدر بيت من الطويل، لا مرئ القيس، من معلقته المشهورة، وعجزه:

على أرينا ذيل مرط مرحل

اللغة والإعراب: مرط: كساء من صوف أو خز. مرحل: معلم فيه خطوط. "بها" متعلق بخرجت. "أمشي" الجملة حال من التاء في خرجت. "تجر" الجملة حال من الضمير في بها. "على أثرينا" جار ومجرور متعلق بتجر، "ذيل" مفعول تجر، مضاف إلى مرط. "مرحل" صفة لمرط.

المعنى: خرجت بمحبوبتي من خدرها ماشيا، وهي ورائي تجر على إثر أقدامنا ذيل كسائها؛ لتخفي الأثر عن الناس، فلا يعلم بنا أحد.

الشاهد: مجيء الحالين على ترتيب الصاحبين، الأول للأول، والثاني للثاني؛ لأمن اللبس؛ لأن "أمشي" مذكر، و"تجر" مؤنث، ومعروف أن الحال يطابق صاحبه في التذكير والتأنيث.

(2)

وهو تعدد الحال لمفرد؛ وحجتهم: أن صاحب الحال إذا كان واحدا، فلا يقتضي العامل إلا حالا واحدة، قياسا على الظرف، وهو قياس مع الفارق الواضح؛ لأن الشيء الواحد يمتنع وقوعه في زمانين أو مكانين، لكن لا يمتنع تقييده بقيدين، ولا بأكثر.

(3)

لأن صاحب الحال، وإن كان جامدا في المعنى، فهو متعدد في اللفظ.

هذا: ويؤخذ من المثال الذي ذكره المصنف أنه ينبغي أن يكون اسم التفضيل متوسطا بين الحالين؛ ليخرج نحو: محمد أحسن من زملائه متكلما فصيحا.

ص: 233

فصل: الحال ضربان

(1)

:

مؤسسة: وهي التي لا يستفاد معناها بدونها؛ كجاء زيد راكبا، وقد مضت.

ومؤكدة: إما لعاملها

(2)

لفظا ومعنى؛ نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا}

(3)

،

وقوله:

أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته

(4)

أو معنى فقط؛ نحو: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} ، {وَلَّى مُدْبِرًا}

(5)

.

(1)

تقسيم الحال إلى مؤسسة ومؤكدة هو مذهب الجمهور، وذهب الفراء والمبرد إلى أن الحال لا تكون إلا مؤسسة، وتأولوا الأمثلة التي ساقها الجمهور.

(2)

وهي: كل وصف دل على معنى عامله؛ سواء وافقه في اللفظ، أو خالفه.

(3)

"رسولا" من الكاف، وهي مؤكدة لأرسلناك، وموافقة لها لفظا ومعنى، ويؤوله الفراء والمبرد بمعنى "أوجدناك".

(4)

صدر بيت من البسيط، لم يعين قائله، وعجزه.

والزم توقي خلط الجد باللعب

اللغة والإعراب: أصخ: استمع؛ وهو أمر من الإصاخة، بمعنى الاستماع. أبدى: أظهر وأعلن. نصيحته؛ النصيحة: الإرشاد إلى الخبر، توقي: مصدر توقي الأمر؛ إذا تحفظ الوقوع فيه وتحرز عن إتيانه. "مصيخا" اسم فاعل حال من فاعل أصخ. "لمن" متعلق بأصخ، ومن اسم موصول. "أبدى نصيحته" الجملة صلة من. "توقي" مفعول الزم. "خلط" مضاف إليه. "الجد" مضاف إليه لخط؛ من إضافة المصدر لمفعوله.

المعنى: استمع وأحسن الاستماع والإنصات لمن ينصحك بإخلاص، ولا تهمل النصيحة، والتزم وقاية نفسك، وحفظها من خلط الجد والاجتهاد، بالله والعبث.

الشاهد: في "مصيخًا"؛ فإنه حال مؤكدة من ضمير "أصخ"، وهي موافقة لهذا العامل لفظا ومعنى، ويؤوله الفراء والمبرد على أن "أصخ" بمعنى استمع، و"مصيخا" بمعنى: مستمعا في انتباه وحرص.

(5)

"ضاحكا" حال من فاعل تبسم، و"مدبرا" حال من فاعل ولي. وهما مؤكدان للعامل في المعنى؛ لأن التبسم نوع من الضحك، والإدبار نوع من التولي.

ويجمع الوعين قول الناظم:

وعامل الحال بها قد أكدا

في نحو "لا تعث في الأرض مفسدا

أي أن الحال قد تؤكد عاملها؛ إما لفظا ومعنى، أو معنى فقط على النحو الذي سلف، وهذا المثال للمؤكدة معنى؛ لأن معنى الإفساد هو العثي.

ص: 234

وإما لصاحبها؛ نحو: {لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}

(1)

.

وإما لمضمون جملة

(2)

معقودة من اسمين معرفتين جامدتين؛ كـ: زيد أبوك عطوفا.

وهذه الحال واجبة التأخير عن الجملة المذكورة، وهي معمولة لمحذوف وجوبا تقديره: أحقه ونحوه

(3)

.

(1)

" جميعا" حال من فاعل آمن؛ وهو "من" الموصولة، وهي مؤكدة لها؛ لأن كلا منهما يدل على الإحاطة والشمول، وهذا القسم من زيادات المصنف، ولم يذكره الناظم.

(2)

بحيث يتفق معنى الحال، ومضمون الجملة، فتلزم الحال صاحبها تبعا لذلك.

(3)

أي: كأعرفه، أو أعمله. وهذا التقدير إن لم يكن المبتدأ ضمير لمتكلم وإلا قدر الفعل، أو العامل مناسبا له؛ نحو: أحقني، أعرفني، أعلم أني. ولا بد أن تكون هذه الحال متأخرة عنه أيضا. وجعل في شرح التسهيل:"زيد أبوك عطوفا" من المؤكدة لعاملها، لموافقتها له. في المعنى؛ لأن الرب صالح للعمل؛ لتأوله بالعاطف.

قيل: وهو الحق. والغرض من التوكيد بالحال؛ قد يكون إظهار اليقين؛ نحو: أنت المجاهد معروفا، أو الفخر؛ نحو: أنا محمد بطلا، أو التحقير؛ نحو: هو المجرم معاقبا

إلخ.

وفي الحال المؤكدة لمضمون الجملة يقول الناظم:

وإن تؤكد جملة فمضمر

عاملها، ولفظها يؤخر

* "وعامل الحال" مبتدأ ومضاف إليه. "بها" متعلق بأكدا. "قد أكدا" قد للتحقيق، وأكدا ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى عامل الحال، والجملة خبر المبتدأ، "في نحو" متعلق بأكدا. "لا تعث" لا: ناهية، و"تعث" مضارع مجزوم بلا. "في الأرض" متعلق به. "مفسدا" حال من فاعل تعث، مؤكدة لعاملها؛ كما أوضحنا.

* "وإن" شرطية. "تؤكد" مضارع فعل الشرط، وفاعله يعود على الحال. "جملة" مفعوله. "فمضمر" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"مضمر" خبر مقدم "عاملها" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "ولفظها يؤخر" مبتدأ وخبر، والجملة في محل جزم، معطوفة على جملة جواب الشرط.

ص: 235

فصل: تقع الحال: اسما مفردا، كما مضى.

وظرفا، كرأيت الهلال بين السحاب

(1)

، وجارا ومجرورا؛ نحو:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتهِ}

(2)

، ويتعلقان بمسقر، أو استقر محذوفين وجوبا

(3)

.

وجملة؛ بثلاثة شروط:

أحدها: كونها خبرية، وغلط من قال في قوله:

اطلب ولا تضجر من مطلب

(4)

أي إذا كانت الحال مؤكدة للجملة، فإن عاملها يكون مضمرًا؛ أي محذوفا، ويجب تأخير الحال عن الجملة، وعن عاملها المحذوف.

(1)

"بين" ظرف مكان في مضوع الحال من الهلال.

(2)

"في زينته" جار ومجرور في موضع الحال من فاعل خرج المستتر العائد على "قارون".

(3)

أي لكونهما "كونا" مطلقا. ويشترط في كل من الظرف والجار والمجرور: أن يكون تاما أي مفيدا، وإفادته تكون بالإضافة، أو بالنعت، أو بالعدد، أو بغير ذلك من أنواع الإفادة.

(4)

صدر بيت من السريع؛ نسبه الشيخ خالد لبعض المولدين، ولم يعينه، ولم يؤت به كشاهد؛ وإنما لبيان خطأ الذين أعربوه، وعجزه:

فآفة الطالب أن يضجرا

اللغة والإعراب: لا تضجر: لا تسأم ولا تقلق. آفة: عاهة وهي عرض يفسد ما يصيبه. "ولا تضجر" الواو عاطفة، و"لا" ناهية، "تضجر" مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المحذوفة تخفيفا في محل جزم، وعلى هذا فهو من عطف الجمل.

وقيل: "لا" نافية والواو عاطفة مصدر منسبك من "لا" والفعل، على مصدر متصيد من الأمر السابق؛ أي ليكن منك طلب، وعدم ضجر، وعليه ففتحة تضجر فتحة إعراب.

والظاهر أن الواو للمعية، و"لا" نافية، و"تضجر" منصوب بأن مضمرة بعد واو المعية، "من مطلب" متعلق بتضجر، "فآقة" الفاء حرف للتعليل، وآفة مبتدأ، "الطالب" مضاف إليه.

"أن يضجر" المصدر المكون من أن والفعل خبر المبتدأ.

المعنى: استمر ودوام على طلب معالي الأمور، ولاتسأم إذا لم تظفر بما تطلب؛ فإن

ص: 236

إن "لا" ناهية، والواو للحال، والصواب: أنها عاطفة؛ مثل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .

الثاني: أن تكون غير مصدرة بدليل استقبال

(1)

، وغلط من أعرب "سيهدين" من قوله تعالى:{إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} حالا.

الثالث: أن تكون مرتبطة؛ إما بالواو والضمير؛ نحو: {خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}

(2)

، أو بالضمير فقط؛ نحو:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو}

(3)

أي متعادين: أبو بالواو فقط؛ نحو: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ}

(4)

.

وتجب الواو قبل "قد" داخلة على مضارع

(5)

؛ نحو: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ

السأم والملل علة كل طالب، ومن يصبر ينل ما يريد، وبعده:

ألم تر الحبل بتكراره

في الصخرة الصماء قد أثرا

الشاهد: بيان خطأ إعراب أن الواو حالية؛ لأنه يشترط في جملة الحال أن تكون خبرية، وهذه إنشائية. أما مثل: لأمدحن المخلص إن أصاب أو أخطأ، بحيث وقعت الجملة الشرطية حالا مع أنها إنشائية، مشتملة على علامة استقبال، وهي حرف الشرط "إن"؛ فالمسوغ عند النحاة أنها شرطية لفظا لا معنى؛ لأن التقدير: لأمدحنه على أي حال.

(1)

أي علامة تدل على الاستقبال؛ كالسين، وسوف، ولن، وأداة الشرط .... الخ. وذلك؛ لأنها لو صدرت بهذا؛ لفهم كونها مستقبلة بالنسبة لعاملها فتفوت المقارنة؛ على أن هناكت تنافيا بين الحال والاستقبال بحسب اللفظ.

(2)

جملة "وهم ألوف" حال من الواو في "خرجوا"، وهي مرتبطة بالواو والضمير.

(3)

"بعضكم" مبتدأ ومضاف إليه. "لبعض" متعلق بعدو الواقع خبرا، والجملة حال من الواو في "اهبطوا"، والربط الضمير في "بعضكم" والخطاب لسيدنا آدم وحواء، وجمع ضميرهما؛ لأنهما أصلا البشر، فكأنهما جميع الجنس.

(4)

جملة "ونحن عصبة" حال من الذئب، أو من ضمير يوسف، والرابط الواو فقط، ولا دخل للضمير "نحن"؛ لأنه لم يرجع لصاحب الحال، وتسمى هذه الواو واو الحال.

(5)

أي مثبت.

ص: 237

تَعْلَمُونَ}

(1)

.

وتمتنع في سبع صور:

إحداها: الواقعة بعد عاطف

(2)

؛ نحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}

(3)

.

الثانية: المؤكدة لمضمون الجملة؛ نحو: هو الحق لا شك فيه، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}

(4)

.

الثالثة: الماضي التالي "إلا"

(5)

؛ نحو: {إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}

(6)

.

(1)

جملة "تعلمون" حال من الواو في "تؤذونني"، والرابط الواو، وهي واجبة في ذلك.

وتجب أيضا: في الجملة الحالية، الخالية من الضمير العائد على صاحب الحال لفظا وتقديرًا؛ نحو: تيقظت والشمس طالعة. ومنه قوله تعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أما الماضي المثبت الذي تقع جملته حالا ففيه خلاف؛ فالكوفيون يوجبون "قد" إذا كان الرابط هو الواو وحدها. فإن كان هناك ضمير يعود إلى صاحب الحال، جاز الاقتران بقد وعدمه، ويرى البصريون ضرورة وجود "قد" في جملة الماضي المثبت؛ سواء أكان الرابط الواو وحدها، أو الضمير، أو هما، وإن لم توجد قدرت، والصواب رأي الكوفيين؛ لوجود شواهد كثيرة عليه.

(2)

أي يعطفها على حال قبلها.

(3)

جملة "هم قائلون" حال معطوفة على "بياتا"، وهو مصدر في موضع الحال، والرابط الضمير. ولا يقال:"أو وهم" كراهة اجتماع حرفي عطف صورة. و"قائلون" من القيلولة وهي نصف النهار؛ يقال: قال وتقيل؛ نام فيه فهو قائل.

(4)

كل من جملتي "لا شك فيه"، و"لاريب فيه" حال مؤكدة لمضمون الجملة قبلها. وتمتنع الواو؛ لأن المؤد عين المؤكد؛ فلو قرن بالواو كان في صورة عطف الشيء على نفسه. أما المؤكدة لعاملها؛ فقد تقترن بالواو؛ نحو قوله تعالى:{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} .

(5)

أي التي تفيد الإيجاب، والمسبوقة بكلام غير موجب.

(6)

جملة "كانوا به يستهزءون" حال من الهاء في "يأتيهم"، وإنما امتنعت الواو؛ لأن ما بعد "إلا" مفرد حكما، ويرى بعض النحاة جواز اقترانه بالواو في هذه الحالة؛ تمسكا بقول زهير:

نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

إلا وكان لمرتاع بها وزرا

وذلك قياسا على الجملة الاسمية الواقعة بعد "إلا"، نحو قوله تعالى:{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} .

ص: 238

الرابعة: الماضي المتلو "بأو"

(1)

؛ نحو: لأضربنه ذهب أو مكث

(2)

.

الخامسة: المضارع المنفي "بلا"؛ نحو: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ}

(3)

.

السادسة: المضارع المنفي "بما" كقوله:

عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة

(4)

(1)

أي: الجملة الماضوية الحالية المعطوفة عليها جملة أخرى بأو.

(2)

جملة "ذهب" في محل نصب حال من الهاء وبعدها "أو"، وتمتنع الواو؛ لأنها في تقدير فعل الشرط؛ إذا المعنى: إن ذهب وإن مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو، فكذلك المقدر به. والحق أن العلة عدم وجود الواو في مثل هذا الأسلوب من الكلام العربي.

(3)

جملة "تؤمن بالله" حال من الضمير المجرور باللام، ولم تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بلا أو بما بمنزلة اسم الفاعل المخفوض بإضافة "غير" المنصوبة على الحال، وهو لا تدخل عليه الواو؛ والتقدير في هذه الآية:"وما لنا غير مؤمنين"، واختص المنفي بلا وما دون المنفي بلم ولما؛ لأن مضي النفي بهما في المعنى قربه من الماضي الجائز الاقتران بالواو، وأبعده من الشبه باسم الفاعل، ويرى ابن الناظم: أنه يجوز اقتران المضارع في المنفي بلا بالواو، وإن كان عدم الاقتران أكثر، ومن شواهده قول الشاعر العربي:

أفادوا من دمي وتوعدوني

وكنت ولا ينهنهني الوعيد

(4)

صدر بيت من الطويل، أنشده ابن مالك في التسهيل، ولم ينسبه، وعجزه:

فما لك بعد الشيب صبا متيما

اللغة والإعراب: عهدتك: عرفتك. تصبو: تميل إلى والله والعبث؛ من الصبوة، وهي الميل إلى الجهل والفتوة. شبيبة: شباب وفتوة ونشاط جسماني. صبا: عاشقا من الصبابة، وهي العشق ورقة الهوى. متيما: مذللا مستعبدا بالحب. "عهدتك" فعل وفاعل ومفعول.

"ما" نافية. "تصبو" الجملة في محل نصب حال من الكاف في "عهدتك". "وفيك" الواو

ص: 239

السابعة: المضارع المثبت

(1)

؛ كقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}

(2)

.

وأما نحو قوله:

علقتها عرضا وأقتل قومها

(3)

للحال، وفيك خبر مقدم. "شبيبة" مبتدأ مؤخر. "فما" الفاء عاطفة، و"ما" استفهامية مبتدأ. "لك" جار ومجرور خبر. "بعد" ظرف زمان متعلق بصبا الآتي، "الشيب" مضاف إليه. "صبا" حال من الكاف في ذلك. "متيما" صفة لصبا.

المعنى: عرفتك وأنت شاب؛ موفور القوة، جم النشاط، مستقيما بعيدا عن اللهو، والميل للنساء، فما لك بعد الشيوخة والكبر والضعف صرت عاشقا منحرفا؟

الشاهد: في قوله: "ما تصبو"؛ فإنه جملة حالية مضارعية منفية بما، ولم تقترن بالواو؛ اكتفاء بالربط بالضمير، وهو الفاعل المستتر؛ لما بيناه في المنفية بلا، ومثل "ما""إن" النافية.

(1)

أي المجرد من "قد"؛ فإن اقتران بقد، لزمته الواو؛ كما تقدم.

(2)

جملة "تستكثر" حال من فاعل "تمنن" المستتر فيه. وإنما امتنعت فيه الواو؛ لشبهه باسم الفاعل في الزنة والمعنى، والواو لا تدخل اسم الفاعل؛ فكذلك ما أشبهه.

(3)

صدر بيت من الكامل، لعنترة بن شداد العبسي، من معلقته المشهورة.

زعما لعمر أبيك ليس بمزعم

اللغة والإعراب: علقتها: تعلق بها وأحببتها. عرضا: من غير قصد. زعما: طمعا؛ وهو مصدر زعم؛ بمعنى طمع. "علقتها" فعل ونائب فاعل ومفعول. "عرضا" تمييز أو مفعول مطلق، "وأقتل قومها" الجملة حال من التاء في علقتها. "زعما" مصدر لفعل محذوف، أو حال بمعنى زاعما. "لعمر" اللام للابتداء، وعمر مبتدأ. "أبيك" مضاف إليه، والخبر محذوف وجوبا.

المعنى: أحببتها وشغفت بها بمجرد النظر إليها من غير قصد، وأنما أحارب قومها وأقتلهم، فكيف ذلك مع هذا التناقض، ثم قال مخاطبا نفسه: إن هذا طمع مني لا موضع له، وفعل لا يليق بمثلي.

الشاهد: في "وأقتل قومها"؛ فهي جملة حالية مضارعية مثبتة، وقد اقترنت بالواو مع امتناع الواو في ذلك، وقد خرجه المصنف.

ص: 240

فقيل: ضرورة، وقيل: الواو عاطفة، والمضارع مؤول بالماضي

(1)

، وقيل: واو الحال، والمضارع لمبتدأ محذوف؛ أي وأنا أقتل

(2)

.

(1)

والتقدير: وقتلت قومها؛ وذلك ليتناسب المتعاطفان، فذلك أولى من عدم التناسب.

(2)

وتكون جملة المبتدأ والخبر في محل نصب على الحال، وهي جملة اسمية، وفي الحال التي تقع جملة، وما يتعلق بها، يقول الناظم:

وموضع الحال تجيء جملة

كـ"جاء زيد وهو ناو رحله

وذات واو بعدها انو مبتدأ

له المضارع اجعلن مسندا

وجملة الحال سوى ما قدما

بواو أو بمضمر أو بهما

أي تجيء الجملة وتقع موقع الحال، فتكن في موضع نصب على الحال، وذكر الناظم مثالًا للجملة الاسمية الواقعة حالا؛ وهو قوله:"وهو ناو رحله"، ثم ذكر أن الجملة الواقعة حالا؛ إن صدرت بمضارع مثبت تربط بالضمير، ولا تقترن بالواو، واقتصر على هذه الحالة من الحالات التي تمتنع فيها الواو، وهي سبع كما بين المصنف. ثم بين أنه إذا ورد ما ظاهره أن الجملة المضارعية المتقدمة اقترنت بالواو، ينوي ويقدر بعد الواو مبتدأ محذوف، وخبره الجملة المضارعية. وذكر أخيرا أن جملة الحال ما عدا الحالة التي اقتصر عليها.

* "وموضع" ظرف مكان متعلق بتجيء. "الحال" مضاف إليه. "جملة" فاعل تجيء. "وهو" الواو للحال، و"هو" ضمير منفصل مبتدأ. "ناو" خبر المبتدأ، وفيه ضمير مستتر فاعله، "رحله" مفعوله والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال من زيد. "وذات بدء" ومضاف إليه، "بمضارع" متعلق بيدء. "ثبت" ماض وفاعله يعود على مضارع، والجملة في محل جر صفة لمضارع. "حوت ضميرا" فاعل حوت يعود على ذات بدء، والجملة خبر المبتدأ. "ومن الواو" جار ومجرور متعلق بخلت، وفاعل "خلت" يعود على "ذات بدء" والجملة معطوفة على جملة الخبر. "وذات واو" مبتدأ ومضاف إليه، "بعدها" ظرف متعلق بانو. "مبتدأ" مفعول انو، والجملة خبر المبتدأ. "له" متعلق باجعلن. "المضارع" مفعول أول لأجعلن. "مسندأ" مفعول ثان له. "وجملة الحال" مبتدأ ومضاف إليه. "سوى" منصوب على الظرفية أو على الاستثناء. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "قدما" نائب الفاعل يعود إلى، "ما" والألف للإطلاق، والجملة صلة "بواو" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، "أو بمضمر أو بهما" معطوفان على "بواو".

يجوز ربطها بالواو فقط، أو بالضمير فقط، أو بهما معا، وقد علمت مما أوضحناه القصور في كلام الناظم.

ص: 241

‌فصل: وقد يحذف عامل الحال جوازًا

(1)

؛ لدليل حالي كقولك لقاصد السفر:

راشدًا وللقادم من الحج: مأجورًا، أو مقالي

(2)

؛ نحو: {بَلَى قَادِرِينَ} ، {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}؛ بإضمار: تسافر، ورجعت، وتجمعها، وصلوا.

ووجوبًا: قياسًا في أربع صور؛ نحو: ضربي زيدًا قائمًا

(3)

، ونحو: زيد أبوك عطوفا

(4)

، وقد مضتا. والتي يبين بها ازدياد أو نقص بتدريج؛ كتصدق بدينار فصاعدا، واشتراه بدينار فسافلًا

(5)

. وما ذكر لتوبيخ؛ نحو: أقائمًا، وقد قعد الناس؟ وأتميميا مرة

(1)

الأصل في عامل الحال وغيرها، أن يكون مذكورا؛ ليحقق الغرض منه؛ وهو إفادة معنى جديد، أو تقوية المعنى الموجود. وقد يحذف جوازا أو وجوبا لدواع تقتضي الحذف؛ كما سيذكر المصنف، ويستثنى من الحذف جوازا: ما إذا كان العامل معنويا؛ كالظرف والجار والمجرور، واسم الإشارة، وحرف التمني والتنبيه

إلخ مما سبق بيانه؛ فلا يجوز حذف العامل فيها لضعفه؛ سواء فهم أم لم يفهم.

(2)

الدليل المقالي هو: ما يعتمد على كلام مذكور صريح؛ وهو في مثال المصنف جواب نفي وشرط، وقد يكون جوابا لاستفهام؛ نحو: راكبا، لمن قال: كيف جئت؟ أو منهيا عنه؛ نحو: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} ، أو مقصود الحصر فيه؛ نحو: ما جاءني محمد إلا راكبا، ومنه قوله تعالى:{وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} ، أما الدلي الحالي، فتدل عليه القرائن والمناسبات المحيطة بالمتكلم، من غير استعانة بكلام أو قول.

(3)

أي: مما فيه الحال سادة مسد الخبر، وقد سبق إيضاحهما؛ فل يجوز ذكر الخبر؛ لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض.

(4)

أي: من الحال المؤكدة لمضمون جملة قبلها. والعلة في وجوب حذف العامل: أن الجملة قبله منزلة البدل من اللفظ.

(5)

"صاعدا وسافلا" حالان عاملهما محذوف وجوبا؛ والتقدير: فذهب المتصدق به صاعدا، وانحط المشتري به سافلا، ولا بد من اقتران هذه الحال بالفاء العاطفة، أو "ثم" العاطفة؛ وهي تعطف جملة خبرية على جملة إنشائية، ويجب حذف العامل والصاحب في هذه الحال.

ص: 242

وقيسيا أخرى

(1)

؟ أي: أتوجد؟ وأتتحول

(2)

؟

وسماعًا في غير ذلك؛ نحو: هنيئا لك؛ أي ثبت لك الخير هنيئا، أو أهناك هنيئا.

(1)

" قائما" و"تميميا" و"قيسيا" أحوال منصوبة بفعل محذوف وجوبا؛ لأنه بدل من اللفظ بالفعل؛ ولا يجمع بين البدل والمبدل منه.

(2)

"أتوجد" راجع للمثال الأول، و"أتتحول" راجع للثاني، وليس المراد أن يتحول في حالة كونه تميميا

إلخ؛ بل إنه يتخلق تارة بأخلاق التميمي، وأخرى بأخلاق القيسي؛ فالأولى تقدير عامل الحال "توجد" كسابقه.

وقيل "تميميا وقيسيا" مفعول مطلق على حذف مضاف؛ أي: أتتخلق تخلق تميمي مرة؟

إلخ. وفي حذف عامل الحال يقول الناظم:

والحال قد يحذف ما عمل

وبعض ما يحذف ذكره حظل

أي أن الحال قد يحذف عاملها؛ الذي يعمل فيها النصب جوازًا، وأن بعض ما يحذف من هذه العوامل محظول؛ أي ممنوع ذكره، وذلك في المواضع التي يجب فيها حذف العامل، وقد بينها المصنف. وهنالك عوامل تحذف سماعا؛ نحو: هنيئا لك.

فوائد:

أ الحال التي تتعدد لواحد تسمى "مترادفة"؛ أي متوالية الواحدة الأخرى، وقد تعرب الحال الثانية حالا من الضمير المستتر في الحال التي قبلها، وحينئذ تسمى الحال الثانية:"متداخلة".

ب هنالك ألفاظا مسموعة وقعت حالا، مع أنها معرفة بالإضافة؛ منها قولهم: تفرق القوم أيدي سبأ، وقد أولت على معنى: متبدين، أو مثل أيدي سبأ، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ومنها قولهم: فعلت هذا الأمر جهدي أو طاقتي. وأول بمعنى:

* "والحال" مبتدأ "ما" اسم موصول نائب فاعل يحذف، والجملة خبر المبتدأ. "فيها" متعلق بعمل الواقع صلة الموصول. "وبعض" مبتدأ أول. "ما" اسم موصول ومضاف إليه. "يحذف" نائب فاعله يعود على، "ما" والجملة صلة. "ذكره حظل" مبتدأ ثان ومضاف إليه، وجملة حظل خبره، وجملة الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.

ص: 243

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جاهدا أو مطيقا.

جـ تنقسم الحال باعتبار الزمان إلى: مقارنة لعاملها، وهو الغالب فيها، ومقدرة، وهي المستقبلة؛ نحو: مررت برجل معه سيف مقاتلا به غدا؛ أي مقدرًا ذلك.

ص: 244

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف كلا من الحال المؤسسة والمؤكدة، وبين الفرق بينهما، ووضح بأمثلة.

2 اذكر المواضع التي تقع فيها الحال وصف لازما، والتي تقع فيها جامدة، ومثل لما تقول بأمثلة من عندك.

3 متى يقع صاحب الحال نكرة؟ اذكر موضع ذلك، ووضح بالأمثلة.

4 تجيء الحال من المضاف إليه بشروط؛ اذكر هذه الشروط، ووضح ما تقول بأمثلة من إنشائك.

5 اذكر المواضع التي يجب فيها تأخير الحال عن صاحبها، والتي يجب فيها تقديمها، ومثل لما تقول.

6 لا بد في الحال من رابط، فمتى تتعين الواو للربط؟ ومتى يتعين الضمير؟ مثل.

7 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب. وضح ذلك توضيحا شافيا:

قال تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} .

{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} .

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} .

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} .

{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} .

{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} .

{وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} .

{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .

وبالجسم مني بينا لو علمته

شحوب وإن تستشهد العين تشهد

ولو أن قوما لارتفاع قبيلة

دخلوا السماء دخلتها لا أحجب

قهرت العدا لا مستعينا بعصبة

ولكن بأنواع الخديعة والمكر

غافلا تعرض المنية للمر

ء فيدعى ولات حين إباء

بدت قمرًا ومالت غصن بان

وفاحت عنبرًا ورنت غزالًا

ص: 245

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

8 اشرح البيتن الآتين شرحا أدبيا، وبين موضع إعراب ما تحته خط فيهما، وهما للمرحوم حافظ إبراهيم، الشاعر المصري على لسان مصر:

أتراني وقد طويت حياتي

في مراس لم أبلغ اليوم رشدي

أي شعب أحق مني بعيش

وارف الظل أخضر اللون رغد

9 اشرح قول ابن مالك الآتي، ووضح ما تقول بأمثلة من إنشائك:

والحال قد يجيء ذا تعدد

لمفرد فاعلم وغير مفرد

10 بين فيما يأتي: الحال، وصاحبها، وعاملها، ونوعها، والرابط:

أنشئت الجامعة العربية أملا مرتقبا للعرب في 22 مارس سنة 1943، بين الرجاء يحدوهم، والخوف يجيش في صدورهم. هكذا كان الحال حقا لا مرية فيه، وتكونت وقتئذ من سبع دول عربية، ثم انضمت إليها في غبطة ليبيا سنة 1946، وتبعها السودان -راجيا دعم الوحدة- سنة 1956، وتقدمت تونس والمغرب متآخيتين سنة 1957، ولما خفت وطأة الاستعمار عن الجزائر، أقبلت مهرولة لتسير في الركب العربي، وكلها أم في جمع الكلمة، وحين ظفرت الكويت بالاستقلال دخلت مسرعة للانضمام لأشقائها سنة 1963، وأنعم بها سباقة إلى كل ما فيه خير العرب، وما كاد اليمين شمالا وجنوبا يتنفس الصعداء من آثار التخلف والاستعمار، حتى كان يدا بيد مع الجامعة، ثم انضمت إليها اليمن الجنوبية سنة 1968.

تلك هي مرحلة تكوين الجامعة دولة دولة. والآن وقد اكتملت الوحدة، نرجو أن يوفقنا المولى إلى العمل لخير العرب، وكفى بالاستعمار داعيا إلى السير قدما يدا واحدة إخوة متحابين، وألا نعود إلى التفرق أيدي؛ فقد ظهرت الحقائق، شمسا، وعلينا أن نقوي جيوشنا شيئا فشيئا، فإنا نعلم أن العدو متربص بنا أبدًا، ويد الله مع الجامعة.

ص: 246

هذا‌

‌ باب: التمييز

(1)

التمييز: اسم

(2)

نكرة، بمعنى "من"

(3)

، مبين

(4)

لإبهام اسم أو نسبة.

فخرج بالفصل الأول

(5)

؛ نحو: زيد حسن وجهه

(6)

.

وقد مضى أن قوله:

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

(7)

محمول على زيادة "أل".

وبالثاني: الحال؛ فإنه بمعنى في حال كذا، لا بمعنى "من".

وبالثالث

(8)

؛ نحو: لا رجل، ونحو:

هذا باب التمييز

(1)

هو في الأصل: مصدر ميز الشيء؛ إذا خلصه من شيء آخر؛ فمعناه، لغة: تخليص شيء من شيء. ثم أطلق على الاسم المميز مجازا، ويسمى أحيانا: التفسير أو التبيين، أو المفسر، أو المميز. ومعناه اصطلاحا ما ذكره المصنف.

(2)

أي صريح؛ لأن التمييز لا يكون جملة ولا ظرفا، ولا جارا ومجرورا، بخلاف الحال في هذه الثلاثة.

(3)

المراد: أن يفيد معنى "من" البيانية، أي التي تبين جنس ما قبلها أو نوعه؛ ذلك؛ لأن الاسم المميز جيء به لبيان الجتس؛ كما يجاء بمن مميزة له، وليس المراد أنه يمكن تقدير "من" قبله؛ فقد لا يصلح الكلام أحيانا لتقدير "من".

(4)

هو نعت لاسم؛ أي أنه يبين ويوضح إبهام ما قبله، ويزيل غموضه.

(5)

أي قوله: نكرة.

(6)

أي: من كل ما هو مشبه بالمفعول به؛ فإن "وجهه" وإن بين إبهام ما قبله، لكنه ليس بتمييز؛ لأنه معرفة، بل "وجهه" منصوب على التشبيه بالمفعول به.

(7)

تقدم هذا البيت في "باب المعرف" بالأداة. وقد ذكر هنالك أن اللام في النفس زائدة للضورة؛ فهو نكرة. وقد أجاز الكوفيون تعريف التمييز متمسكين بمثل هذا.

(8)

وهو قوله: "مبين لإبهام اسم أو نسبة" يخرج اسم "لا" التي للتبرئة.

ص: 247

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

(1)

فإنهما وإن كان على معنى "من" لكنها ليست للبيان؛ بل هي في الأول للاستغراق، وفي الثاني للابتداء

(2)

.

وحكم التمييز النصب. والناصب لمبين الاسم هو ذلك الاسم المبهم

(3)

؛ كعشرين درهما. والناصب لمبين النسبة المسند من فعل أو شبهه

(4)

؛ كطاب نفسًا، وهو طيب

(1)

صدر بيت من البسيط، لم نقف على قائله، وعجزه:

رب العباد إليه الوجه والعمل

اللغة والإعراب: أستغفر: أطلب المغفرة. محصيه: ضابطا عدده، الوجه: القصد والتوجه، "ذنبا" مفعول ثان لأستغفر، أو منصوب على نزع الخافض؛ على تضمين أستغفر معنى استنيب. "لست محصيه" الجملة من ليس واسمها وخبرها صفة لـ"ذنبا"، "رب العباد" بدل من لفظ الجلالة، ومضاف إليه. "إليه" خبر مقدم. "الوجه" مبتدأ مؤخر. "والعمل" معطوف على الوجه.

المعنى: أطلب المغفرة والعفو من الله، على ذنوبي الكثيرة التي لا أحصيها؛ فهو رب الخلق جميعا، وإليه الالتجاء في كل شيء، وله يكون العمل والسعي.

الشاهد: في "ذنبا" فإنه ليس بتمييز؛ لأنه وإن كان على معنى "من"، إلا أنها ليست للبيان؛ فهو ليس مبينا لإبهام اسم قبله، أو لنسبة في جملة.

(2)

كأنه أراد استغفار يبتدئ من أول الذنوب إلى ما لا نهاية، وقيل:"من" هنا للتعليل، وهو أظهر.

(3)

أي الذي جاء التمييز لإيضاحة وإزالة الغموض عنه، وإنما عمل مع جموده؛ لشبهه باسم الفاعل؛ في الاسمية، وطلب المعمول في المعنى، ووجود ما به تمام الاسم؛ وهو النون والتنوين؛ فإن "عشرين درهما" -مثلًا- شبيه بضاربين محمدًا، ورطل زيتا شبيها بضارب عليا.

(4)

وهو الوصف كما مثل المصنف. وقيل: الناصب له الجملة التي يوضح النسبة فيها؛ لأنه قد لا يكون في الجملة فعل أو وصف؛ نحو: هذا أخوك إخلاصا، أو أبوك عطفا. فالقول بأن ناصبه الجملة مطرد.

ص: 248

أبوة. وعلم بذلك بطلان عموم قوله:

ينصب تمييزا بما قد فسره

(1)

(1)

هذا عجز بيت من النظم، عرف الناظم بصدره التمييز، وهو بتمامه:

اسم بمعنى "من" مبين نكره

بنصب تمييزًا بما قد فسره

أي أن التمييز هو: الاسم النكرة المتضمن معنى "من"، الذي يبين إبهام ما قبله ويوضحه، وأن ناصبه هو ذلك الشيء المبهم، الذي جاء التمييز لإيضاحه. ووجه البطلان الذي أشار إليه المصنف: أن كلام الناظم يقتضي أن التمييز بنصب بما قد فسره؛ سواء كان مفسرا لإبهام اسم مفرد أو نسبة، مع أن تمييز النسبة ينصب بالجملة، أو بما فيها من فعل أو شبهه على الخلاف الذي ذكرناه، لا بالنسبة المفسرة، وأجاب الأشموني: بأن كلا من الجملة والفعل يوصف بالإبهام من حيث نسبته؛ فيصح كون التمييز مفسرا لهما باعتبار نسبتهما، فيصدق أنه نصب بمفسره. وعلى هذا يكون قول الناظم على عمومه، وقيل: إن ذلك خاص بتمييز المفرد، وخصه بالذكر؛ لأنه جامد غالبا، فربما ينوهم أنه لا يعمل.

* "اسم" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي هو اسم. "بمعنى" متعلق بمحذوف صفة لاسم. "من" مضاف إليه مقصود لفظه "مبين" نعت ثان لاسم "نكرة" نعت ثالث له، "تمييزا" حال من نائب فاعل ينصب المستتر "بما" جار ومجرور متعلق بينصب. و"ما" اسم موصول، وهي واقعة على العامل، "قد فسره" الجملة صلة ما، وفاعل. "فسره" يعود إلى التمييز، والهاء مفعوله عائدة إلى ما.

ص: 249

فصل: الاسم المبهم أربعة أنواع

أحداها: العدد

(1)

كـ {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} .

والثاني: المقدار

(2)

، وهو: إما مساحة

(3)

؛ كشبر أرضا. أو كيل كقفيز برا

(4)

. أو

(1)

سواء كان صريحا؛ كمثال المصنف ونحوه، أو كناية؛ ككم الاستفهامية نحو: كم رطلا اشتريت.

(2)

هو ما يعرف به قدر الشيء وكميته.

(3)

هي الأشياء التي يجري تقديرها بالقياس، ويدخلها العرف في كشبر، وباع

إلخ.

(4)

القفيز من المكاييل يختلف باختلاف الأقطار؛ ففي بعضها 182/ 3؛ نحو ثمانية عشر وثلثين قدحا وفي آخر؛ نحو: 48 قدحا، ومن الأرض 144 ذراعا، وليس مرادا هنا. والبر: القمح.

ص: 249

كمنوين عسلًا؛ وهو تثنية منا

(1)

؛ كعصا، ويقال فيه من بالتشديد وتثنية منان.

والثالث: ما يشبه المقدار

(2)

؛ نحو: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} ، ونحي سمنا

(3)

، {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}

(4)

. وحمل على هذا: "إن لنا غيرها إبلًا"

(5)

.

والرابع: ما كان فرعًا للتمييز

(6)

؛ نحو: خاتم حديدًا؛ فإن الخاتم فرع الحديد، ومثله: باب ساجا

(7)

، وجبة خزًا، وقيل: إنه حال

(8)

.

(1)

المنا: رطلان: وهذه الأمثلة ذكرها الناظم بقوله:

كشبر أرضا، وقفيز برا

ومنوين عسلًا وتمرا

(2)

أي في مطلق التقدير، وإن لم يكن معينا ومحدودا، أو لم يوضع للتقدير به، وهذا النوع يكون في الوزن والكيل والمساحة، وقد مثل له المصنف على هذا الترتيب.

(3)

النحي: الزق مطلقا، أو هو خاص بوعاء السمن، وجمعه أنحاء، وهو يشبه الكيل، وليس بكيل حقيقة.

(4)

"مثل" اسم يدل على المماثلة من غير ضبط بحد معلوم، فهو شبيه بالمساحة، وليس مساحة حقيقة.

(5)

"إبلا" منصوب على التمييز من غير؛ لأنها اسم مبهم يدل على المغايرة، وهم يحملون المغايرة عى المماثلة.

(6)

ضابطه: كل فرع أصبح له بسبب التفريع اسم خاص يليه أصله؛ بحيث يصح إطلاق الأصل عليه.

(7)

الساج: نوع من الخشب.

(8)

أي؛ لأنه يس مقدارًا ولا شبيها بالمقدار، وأيضًا: فقد يقع نعتا تابعًا للأول، وكل ما يتبع النكرة نعتا لها، ينصب بعد المعرفة حالا، وإذا أعرب حالا، كان التابع نعتا. أما من يقول بأنه تمييز فحجته: جموده، ولزومه، وتنكيره صاحبه، والغالب في الحال غير ذلك. وإذا أعرب تمييز؛ فالتابع عطف بيان، وتسمى هذه الأنواع الأربعة: تمييز المفرد أو الذات؛ لأنها تزيل الإبهام عن كلمة واحدة، أو ما هو بمنزلتها، والغالب في تلك الكلمة أن تكون شيئا محسوسا مجسما.

* "كثير" متعلق بمحذوف، حال من ما الموصولة في البيت قبله "أرضا" تمييز لشبر، "وقفيز" معطوف على شبر.

"برا" تمييز لفقير. "ومنوين علا" كذلك. "وتمرا" معطوف على عسلا.

ص: 250

والنسبة المبهمة نوعان

(1)

: نسبة الفعل للفاعل؛ نحو: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}

(2)

. ونسبته لمفعول؛ نحو: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا}

(3)

.

ولك في مميز الاسم أن تجره بإضافة الاسم

(4)

؛ كشبر أرض، وقفيز بر، ومنوي

(1)

تمييز النسبة ويسمى تمييز الجملة -هو: الذي يزيل الإبهام والغموض عن المعنى المنسوب فيها؛ لشيء من الأشياء.

(2)

نسبة "اشتعل" إلى الرأس مبهمة؛ فبين هذا الإبهام بالتمييز؛ وهو "شيبا" وهو محول عن الفاعل؛ لأن الأصل اشتعل شيب الرأس؛ فحول الإسناد من المضاف إلى المضاف إليه فارتفع، وحصل إبهام في الإسناد إليه، فجيء بالمضاف الذي كان فاعلا، وحول عنه الإسناد فجعل تمييزا.

(3)

نسبة "فجرنا" إلى الأرض مبهمة، و"عيونا" تمييز مبين لذلك الإبهام، والأصل: وفجرنا عيون الأرض، فعمل به ما عمل بسابقه، ويرى أكثر النحاة: أن تمييز الجملة لا يخرج عن واحد من هذين، ولو تأويلا؛ مثل: زادت البلاد سكانا، واختلف الناس طباعا، ووفيت العمال أجورا.

(4)

ويحذف من الاسم ما به تنوين، أو نون تشبهه. وقد يكون جره بحرف الجر "من"؛ كما سيأتي، ومع جره يسمى تمييز، فالجر لا يمنع من هذه التسمية.

وفي ذلك يقول الناظم:

وبعد ذي وشبهها اجرره إذا

أضفتها؛ كـ"مد حنطة غذا

أي بعغد هذه الأشياء التي عرض أمثلتها في البيت السابق، وهي ما دل على مساحة أو كيل أو وزن، أو ما يشبهها؛ من كل لفظ جرى العرف على استعماله في واحد منها، اجرر التمييز بالإضافة؛ بشرط أن يكون المميز مضافا للتمييز مباشرة، والمد: رطل وثلث رطل. والحنطة: القمح.

* "وبعد" ظرف متعلق باجرر، "ذي" مضاف إليه، "وشبهها" معطوف على ذي "إذا" ظرف فيه معنى الشرط "أضفتها" الجملة فعل الشرط، والجواب محذوف، "كمد" الكاف جارة لقول محذوف، و"مد" مبتدأ مضاف إلى حنطة "غذا" خبر المبتدأ.

ص: 251

عسل إلا إذا كان الاسم عددًا

(1)

كعشرين درهما، أو مضافًا

(2)

؛ نحو: {بِمِثْلِهِ مَدَدًا} و {مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا} .

فصل: من مميز النسبة: الواقع بعد ما يفيد التعجب

(3)

؛ نحو: أكرم به أبا، وما أشجعه رجلًا، ولله دره فارسا

(4)

. والواقع بعد اسم التفضيل، وشرط نصب هذا كونه

(1)

إذا كان العدد من ثلاثة إلى عشرة وجب جر تمييزه بإضافة العدد إليه، والغاب في هذا التمييز المجرور: أن يكون جمعا. والعدد من أحد عشر إلى تسع وتسعين، يجب نصب تمييزه؛ وأن يكون مفردًا، والمائة والمائتان والمئات والألف والألوف، يجب أن يكون التمييز فيها مفردًا مجرورا.

(2)

أي: إذا أضيف العدد إلى غير التمييز -ولو تقديرا- وجب نصب تمييزه أيضًا لامتناع إضافته مرة أخرى. قال الناظم مشيرا إلى ذلك:

والنصب بعد ما أضيف وجبا

إن كان مثل "ملء الأرض ذهبا

أي يجب نصب التمييز؛ إذا أضيف العدد إلى غير التمييز كما مثل؛ فذهبا تمييز لملء واجب النصب، ولا يجوز جره بالإضافة؛ لأن "ملء" أضيف مرة لغير التمييز، فلا مرة أخرى.

(3)

سواء كان التعجب بصيغتيه القياسيتين، أو بغيرهما من الصيغ السماعية، ويجب نصب التمييز الواقع بعده.

(4)

فأبا، ورجلا، وفارسا: تمييز لبيان جنس المتعجب منه، المبهمم في النسبة، والدر في الأصل: مصدر در اللبن يدر در؛ إذ أكثر، وسمي اللبن نفسه درًا. والمراد هنا: اللبن الذي

* "والنصب" مبتدأ. "بعد" ظرف متعلق به. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "أضيف" ماض للمجهول والجملة صلة. "وجبا" الجملة خبر المبتدأ، وفاعل وجب يعود إلى النصب، والألف للإطلاق. "إن" شرطية. "كان ناقصة" وهي اسم الشرط، واسمها يعود إلى ما أضيف. "مثل" خبرها. "ملء الأرض" مبتدأ ومضاف إليه "ذهبا" تمييز والخبر محذوف؛ أي لي، وجواب الشرط محذوف، يدل عليه ما قبله، وجملة المبتدأ والخبر في محل جر بمثل.

ص: 252

فاعلًا معنى

(1)

؛ نحو: زيد أكثر مالًا بخلاف مال زيد اكثر مال

(2)

.

وإنما جاز هو أكرم الناس رجلًا؛

(3)

لتعذر إضافة "أفعل" مرتين

(4)

.

ارتضعه من ثدي أمه، وأضيف إلى الله تشريفا، ومعناه: ما أعجب هذا اللبن الذي ارتضعه، وأضيف إلى الله تشريفا، ومعناه: ما أعجب هذا اللبن الذي ارتضعه هذا الرجل، وتغذى به؛ لأنه أنشأ شخصا لا مثيل له في صفات الكمال، فهو لبن من عند منشئ الخلائق ومبدعها، وهو الله سبحانه وتعالى، وإلى هذه الصورة يشير الناظم بقوله:

وبعد كل ما اقتضى تعجبا

ميز كـ"أكرم بأبي بكر أبا

أي يقع التمييز بعد كل ما يدل على التعجب؛ قياسا أو سماعا، ويجب نصبه كما مثل.

(1)

علامة ما هو فاعل في المعنى: ألا يكون من جنس ما قبله، وأن يستقيم المعنى بعد جعله فاعلا، وجعل أفعل التفلضيل فعلا؛ فتقول في مثال المصنف: زيد كثر ماله.

(2)

فيجب جره بالإضافة؛ لأنه ليس بفاعل بالمعنى، وضابط هذا النوع: أن يكون أفعل التفضيل بعضا من جنس التمييز، ويصح أن يوضع لفظ "بعض" موضع اسم التفضيل، ولا يفسد المعنى؛ ففي المثال المذكور يصح أن يقال:"مال زيد بعض مال". وإنما يجب الجر بالإضافة إذا كان أفعل التفضيل غير مضاف لشيء آخر غير التمييز، فإن كان مضافا وجب نصب التمييز؛ نحو: علي أفضل الناس إخوة، وهند أفضل النساء أخوات، وكذلك إذا كان غير مضاف؛ نحو: أنت أذكى من محمد عقلا.

(3)

أي بنصب "رجلا" مع تخلف شرط النصب؛ لأن "رجلا" لا يصح أن يكون فاعلا في المعنى؛ فلا يقال: هو كرم رجل.

(4)

فقد أضيف إلى الناس. فلو أضيف إلى رجل أيضًا لزم ذلك، ونصب التمييز في هذا واجب كما تقدم، وإلى صورة أفعل التفضيل أشار الناظم بقوله:

والفاعل المعنى انصبن بأفعلا

مفضلا كـ"أنت أعلى منزلا

أي أن التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل يجب نصبه؛ إذا كان فاعلا في المعنى؛ كم مثل الناظم، فـ"منزلا" في المثال يجب نصبه؛ لأنه لا يصح جعله فاعلا بعد جعل أفعل التفضيل فعلا؛ تقول: أنت علا منزلك.

* "وبعد كل" ظرف متعلق بميز ومضاف إليه. "ما" اسم موصول أو نكرة موصوفة مضاف إليه. "اقتضى تعجبا" فاعل اقتضى يعود إلى ما، والجملة صلة ما، أو صفة لها "كأكرم" الكاف جارة لقول لمحذوف. و"أكرم" فعل ماض للتعجب جاء على صورة الأمر. "بأبي" فاعل أكرم على زيادة الباء. "بكر" مضاف إليه. "أبا" تمييز.

ص: 253

فصل: ويجوز جر التميز بـ"من"

(1)

؛ كرطل من زيته إلا في ثلاث مسائل:

إحداها: تمييز العدد

(2)

كعشرين درهما.

الثانية: التميز المحول عن المفعول

(3)

كغرست الأرض شجرًا، ومنه: ما أحسن زيدًا أدبًا

(4)

بخلاف ما أحسنه رجلًا

(5)

.

الثالثة: ما كان فاعلًا في المعنى: إن كان محولًا عن الفاعل صناعة؛ كطاب زيد نفسًا. أو عن مضاف عن غيره؛ نحو: زيد أكثر مالًا

(6)

؛ إذ أصله: مال زيد أكثر، بخلاف

(1)

أي ظاهرة، واختلف في معناها حينئذ؛ فقيل زائدة، وقيل للتبعيض، والأظهر أنها لبيان الجنس.

(2)

بينا قريبا حكم تمييز العدد. وسبب عدم جره بمن: أن وضع "من" البيانية أن يفسر بها، وبما بعدها اسم جنس قبلها صالح لحمل ما بعدها عليه. وتمييز العدد لا يصلح للجمل؛ لأنه مفرد وما قبله متعدد.

(3)

لأنه التمييز فيه مفسر للنسبة، لا للفظ المذكور، فما بعد "من" من مطلق التمييز مبين لما قبلها، فلا يصح حمله عليه، وكذلك الشأن في المحول عن الفاعل.

(4)

فهو محول عن المفعول، والأصل: ما أحسن أدب زيد.

(5)

أي فإنه وإن كان مفعولا في المعنى إلا أنه ليس محولا عن المفعول؛ لأنه عين ما قبله؛ فلا يصح أن يقال: ما أحسن رجل زيد.

(6)

فإن "مالا" محول عن المبتدأ، كما بين المصنف.

* "والفاعل" مفعول مقدمم لانصبن. "المعنى" منصوب على نزع الخافض، أو مفعول به للفاعل، أو مجرورًا تقديرًا؛ بإضافة الفاعل إليه، من إضافة الوصف لمعموله. "بأفعلا" متعلق بانصبن مقصود لفظه. "مفضلا" حال من فاعل انصبن. "كأنت" الكاف جارة محذوف، وأنت مبتدأ، "أعلى" خبر. "منزلا" تمييز، وهو فاعل في المعنى.

ص: 254

نحو: لله دره فارسًا

وأبراحت جارا

(1)

فإنهما وإن كانا فاعلين معنى؛ إذ المعنى: عظمت فارسًا، وعظمت جارا

(2)

. إلا أنهما غير محولين، فيجوز دخول "من" عليهما؛ من ذلك

(3)

نعم رجلًا زيد يجوز نعم من رجل قال:

فنعم المرء من رجل تهامي

(4)

(1)

أبرحت -بكسر التاء- خطاب للمؤنث؛ أي أعجبت وهذه العبارة مأخوذة، من بيت للأعشى، من قصيدة يمدح فيها قيس بن معدي كرب الكندي، وهو:

أقول لها حين جد الرحيل

أبرحت ريا وأبرحت جارا

والضمير في "لها" يعود إلى الناقة التي ارتحل عليها لممدوحه. جد الرحيل: اشتد.

أبرحت: عظمت، أو عجبت. ربا: المراد به الممدوح الذي يقصده الشاعر بشعره؛ إذا فسر "أبرحت" بعظمت؛ أي عظمت ملكا؛ بمعنى: ما أعظم الملك الذي نقصدينه، ويكون ربا تمييزا، وإذا فسر أبرحت بأعجب، فالمراد بالرب صاحب الناقة، ويكون "أبرحت" على هذا فعلا متعديا، و"ربا" مفعولا به؛ كأنه قال: أعجبت صاحبك. مثله جارا.

المعنى: يتخيل أن ناقته شكت إليه طول سفرها، وما احتملته من مشاق ومتاعب؛ فيقول لها: لا تستعظمي ما تلاقينه من الجهد والتعب؛ فإنك تذهبين إلى ملك عظيم يجزل العطاء الذي ينسى معه كل جهد وعناء.

(2)

فيكون "فارسا وجارا": واقعين على مدلول التاء التي هي الفاعل؛ فيلزم أن يكونا فاعلين في المعنى.

(3)

أي من الفاعل، في المعنى غير المحول عن الفاعل صناعة.

(4)

عجز بيت من الوافر؛ ينسب لأبي بكر بن الأسود الليثي، يرثي هشام بن المغيرة، أحد أشراف مكة، وصدره.

تخيره ولم يعدل سواه

وقبل هذا البيت:

فذرني أصطبح يا بكر إني

رأيت الموت نقب عن هشام

ص: 255

‌فصل: لا يتقدم التمييز على عامله

؛ إذا كان اسمًا كرطل زيتا، أو فعلًا جامدًا

(1)

؛ نحو: ما أحسنه رجلًا. وندر تقدمه على المتصرف؛ كقوله:

أنفسا تطيب بنيل المنى

(2)

ومعنى اصطبح: اشرب الصبوح؛ وهو شرب الخمر صباحا، ويقابه الغبوق؛ وهو شربها في العشي. ونقب: بحث.

اللغة والإعراب: تخيره: اختاره واصطفاه، لم يعدل: لم يمل. تهامي: منسوب إلى تهامة، وتطلق على مكة، وعلى أرض معروفة ببلاد العرب. "تخيره" فعل ماض، والفاعل يعود على الموت، والهاء مفعوله، تعود على هشام. "فلم" الفاء عاطفة، ولم جازمة نافية. "سواه" مفعول يعدل، منصوب بفتحة مقدرة على الألف، والهاء مضاف إليه. "فنعم" الفاء عاطفة، ونعم فعل ماض. "المراء" فاعل. و"من" زائدة، "رجل" تمييز للمرء منصوب بفتحة مقدرة؛ منع منها حرف الجر الزائد. "تهامي" صفة لرجل.

المعنى: أن الموت اختار هشاما، ولم يعدل به سواه، ولم يمل إلى غيره من الناس، فهو نعم الرجل من تهامة.

الشاهد: جر التمييز وهو "رجل" بمن؛ لأنه -وإن كان فاعلا في المعنى- لكنه غير محول عن الفاعل الصناعي. وقد اقتصر الناظم على مسألتين مما ذكره المصنف، فقال:

واجرر بـ"من" إن شئت غير ذي العدد

والفاعل المعنى؛ كـ"طب نفسا تفد

أي يجوز جر التمييز بالحرف "من"؛ بشرط ألا يكون التمييز للعدد الصريح، وألا يكون فاعلا في المعنى؛ مثل: طب نفسا تفد؛ أي تستفد؛ فإن الأصل: لتطب نفسك، ثم حول الكلام؛ فصار الفاعل تمييزا. فلا يصح جر "نفسا" بمن.

(1)

وكذلك إذا كان فعلا متصرفا يؤدي معنى الفعل الجامد؛ نحو: كفى بالله شهيدا، فإن "كفى" فعل متصرف، ولكنه بمعنى فعل التعجب وهو غير متصرف؛ لأن معناه ما أكفاه.

(2)

صدر بيت من المتقارب، ينسب لرجل من طيئ، لم يعين اسمه، وعجزه.

* "إن" شرطية. "شئت" فعل الشرط، وجوابه محذوف "غير" مفعول اجرر. "ذي" -بمعنى صاحب- مضاف إليه، "العدد" مضاف إليه. "والفاعل" معطوف على ذي. "المعنى" منصوب على نزع الخافض، أو مضاف إليه، أو مفعول به للفاعل. "نفسا" تمييز. "نفذ" مضارع مبني للمجهول مجزوم في جواب الأمر، وهو "طب" ونائب الفاعل أنت.

ص: 256

وقاس على ذلك المازني والمبرد والكسائي

(1)

.

وداعي المنون ينادي جهارا

اللغة والإعراب: تطيب: تطمئن. نيل المنى: إدراك المأمول، والمنى: جمع منية؛ وهي ما يتمناه الإنسان ويأمله، المنون: الموت. "أنفسا" الهمزة للاستفهام، و"نفسا" تمييز معمول لتطيب. "وداعي المنون" الواو للحال، "داعي" مبتدأ. و"المنون" مضاف إليه. "ينادي" الجملة خبر المبتدأ. "جهارا" مفعول مطلق.

المعنى: كيف تستلذ نفس الإنسان وتطمئن بما تظفر به من الأماني والآمال؛ ورسول الموت يطلبها طلبا شديدا، لا شك فيه.

الشاهد: تقديم "نفسا" وهو تمييز على عامله، وهو تطيب؛ لأنه فعل متصرف، وهذا نادر عند سيبويه والجمهور.

(1)

وحجتهم ما ذكر، وأيضا: القياس على غيره من الفضلات المنصوبة بفعل متصرف.

والأجواد عدم جواز التقديم، إلا لضرورة كما يقول سيبويه؛ لأن التمييز كالنعت في الإيضاح، والنعت لا يتقدم على عامله، فكذلك ما أشبهه، وأيضا فالغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف، أن يكون فاعلا في الأصل، فلا يغير عما كان يستحقه من وجوب التأخير، أما البيت ونحوه فضرورة، وفي حكم تقديم التمييز، وعدم تقديمه، يقول الناظم:

وعامل التمييز قدم مطلقا

والفعل ذو التصريف نزرا سبقا

أي أن عامل التمييز يجب تقديمه؛ سواء كان التمييز تمييز مفرد أو نسبة، وإذا كان عامل التمييز فعلا متصرفا، فقد يتأخر هذا العامل، ويتقدم التمييز عليه نادرا.

أما توسط التمييز بين العامل ومعموله، فجائز؛ بشرط أن يكون العاملا فعلا أو وصفا يشبه؛ نحو: صفا نفسا الورع.

* "وعامل التمييز" مفعول به مقدم لقدم ومضاف إليه. "مطلقا" حال من "عامل التمييز". "والفعل" مبتدأ" "ذو التصريف" نعت للفعل، ومضاف إليه. "نزرا" صفة لمصدر محذوف؛ أي سبق سبقا نزرا، أو حال من ضمير "سبقا" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على الفعل، والألف للإطلاق، والجملة خبر المتبدأ.

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فوائد:

أ العدد غير الصريح مثل: "كم" يجوز جر تمييزه بمن؛ تقول: كم من كتاب عندك.

ب ملخص ما قيل في إعراب "يا جارتا ما أنت جارة": أن "يا" حرف نداء، و"جارتا" منادى منصوب؛ لإضافته لياء المتكلم المنقلبة ألفا؛ وأصله "يا جارتي"، و"ما": إما أن تكون نافية تفيد التعجب. و"أنت جارة" جملة اسمية من مبتدأ وخبر.

المعنى: لست جارة. وإنما أنت شيء أكبر من ذلك؛ فأنت بمنزلة الأم أو الأخت أو القريبة؛ إعلانا للتعجب من إخلاصها، الذي لا يصدر إلا عن واحدة من هؤلاء، لا عن جارة، وإما أن تكون "ما" استفهامية خبرا مقدما، و"أنت" مبتدأ مؤخر، و"جارة" تمييز.

ومعنى الجملة: التعجب؛ بسبب أداة الاستفهام الدالة على التعظيم، ويجوز في هذه الصورة: أن تكون "جارة" حالا مؤوله بمعنى ملاصفة، كما يجوز أن تكون "ما" نافية. والجملة بعدها منفية؛ أي أنت ليست أهلا أن تكوني جارة

إلخ.

جـ يتفق الحال والتمييز في أن كلا منهما: اسم، نكرة، منصوب، فضلة، راف للإبهام. ويختلفان في الأمور الآتية.

1 التمييز لا يكون إلا اسما مفردا، أما الال فيجيء جملة، وشبه جملة "ظرفا وجارا ومجرورا".

2 التمييز يكون مبينا للذوات أو النسبة، أما الحال فلا يكون إلا مبنيا للهيئات.

3 التميز لا يتعدد إلا بالعطف، أما الحال فتتعدد بعطف، وغير عطف.

4 التمييز في الغالب يكون جامدا، أما الحال فيكون مشتقة وجامدة، وقد يأتي التمييز مشتقا.

5 الراجح عدم تقديم التمييز على عامله، إذا كان فعلا مشتقا أو وصفا يشبهه، أما الحال فيجوز فيه ذلك.

6 التمييز لا يكون إلا مؤكدا لعامله على الصحيح أما الحال فقد تكون مؤكدة، وأما قول الشاعر:

تزود مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

فالصحيح أن "زاد" معمول لتزود؛ إما مفعولا مطلقا إن أريد به التزود، أو مفعولا به إن

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أريد الشيء الذي يتزود به من أفعال البر، وعليهما فـ"مثل " نعت له تقدم فصار حالا.

وأما قول الآخر:

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

رد التحية نطقا أو بإيماء

ففتاة حال مؤكدة.

ص: 259

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف التمييز ووضح نوعية، وبين فيما يكون كل منهما؟ مع التمثل.

2 ما حكم التميز الواقع بعد ما يفيد التعجب أو التفضيل؟ وضح ما تقول بالمثال.

3 متى يجب نصب التمييز؟ ومتى يجب جره؟ ومتى يمتنع ذلك؟ مثل لما تذكر.

4 ما حكم التمييز بالنسبة لعامله؛ من حيث تقدمه عليه، أو تأخره عنه؟ وضح.

5 اشرح قول ابن مالك:

واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد

والفاعل المعنى كـ"طب نفسا تفد

6 بين موضع الشاهد فيما يأتي في هذا الباب، وأعرب ما تحته خط:

قال تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} .

{اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} .

{فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا} .

{كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .

{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} .

{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة} .

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب

إذا المرء عينا قر بالعيش مثريا

ولم يعن بالإحسان كان مذمما

طافت أمامة بالسر كبان آونة

يا حسنه من قوام ما ومنتقبا

إنا لقوم أبت أخلاقنا كرما

أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا

7 اشرح اليت الآتي شرحا أديبا، وأعربه، وبين ما فيه من شاهد:

كفى بالمرء عيبا أن تراه

له وجه وليس له لسان

8 بين في العبارات الآتية: التمييز، نوعه، عامله، حكمه؛ من حيث النصب والجر:

كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أطيب الناس عنصرا وأكثرهم عدلا؛ حتى لقب بالفاروق، ومع هذا كان أرقهم قلبا، ولقد عظم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، فلله دره بطلا، وأنعم به جريئا في الحق، لا يخاف فيه لومة لائم. اشترك.

ص: 260

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مع الرسول في جميع الغزوات؛ فيا له من شجاع، وما أحسنه مقدامًا، يجود بروحه فداء لغيره، ودفاعا عن دينه، أحسن بالفدائيين رجالا مدافعين عن وطنهم المغتصب.

9 أكمل الجمل الآتية بوضع تمييز مناسب، واضبطه بالأوجه الجائزة:

- أعطيت الفقراء من الزكاة كلية

- اشتريت رطلين

- في كيس نقودي عشرة

وثلاث

- قابلني ثلاثون من المجاهدين فأعطيتهم

- جنينا محصول فدان

- ما في الأرض قدر راحة

10 هات مثالين من إنشائك لما يأتي، ووضح السبب:

أ- تمييز جملة واجب المطابقة للاسم السابق.

ب- تمييز جملة تمتنع مطابقته للاسم السابق.

جـ- تمييز جملة تجوز فيه المطابقة وعدمها للاسم السابق.

ص: 261

هذا باب حرف الجر

(1)

:

وهي عشرون حرفًا

(2)

: ثلاثة مضت في الاستثناء؛ وهي: خلا، وعدا، وحاشا.

هذا باب حروف الجر:

(1)

هكذا: سماها البصريون، وعللوا ذلك بأنها تعمل الجر فيما بعدها؛ ظاهرا أومقدر أو محليا، كما قيل: حروف النصب، والجزم لذلك. أو؛ لأنها تجر معاني الأفعال وشبهها، وتوصلها إلى ما تجره، ومن أجل هذا سماها الكوفيون:"حروف الإضافة"؛ لأنها تضيف معاني الأفعال، وتربطها بما بعدها.

(2)

أي على المشهور، وفي بعضها خلاف. وقد جمعها الناظم في قوله:

هاك حروف الجر وهي من إلى

حتى خلا حاشا عدا في عن على

مذ منذ رب اللام كي واو وتا

والكاف والبا ولعل ومتى

وهذه الحروف تقع كلها أصلية؛ إلا "من" و"الباء" و"اللام" و"الكاف"؛ فتستعمل زائدة أحيانا، أما "رب" و"لعل" فإنهما حرفا جر، شبيهان بالزائد. وحرف الجر الزئاد لا يفيد معنى جديدا؛ وإنما يقوى المعنى القائم الجملة، ويؤكده ولا يحتاج لشيء يتعلق به، والمجرور به يكون مجرورا في اللفظ فقط، ومحله رفع أو نصب، أو جر على حسب ما يقتضيه العامل، أما حرف الجر الشبيه بالزائد فيفيد معنى جديدا في الجملة؛ هو التقليل، ولا يحتاج لمتعلق كالزائد، ويجر ما بعدها لفظا، وله محل من الإعراب كالزائد، ولذلك سمي شبيها بالزائد. وأما حرف الجر الأصلي فيؤدي معنى جديدا في الجملة، ويوصل بين معنى العامل والاسم المجرور به، ويظهر معناه في جملته، وعلى ما بعده، ولا بد له من متعلق -أي عامل- يتعلق به؛ من فعل أو شبهه؛ لأن مهمته توصي المعنى بين العامل والاسم المجرور، والمجرور به مجرور في اللفظ، وقد يكون مع ذلك في محل رفع أو نصب أو جر -على حسب العوامل؛ فله إعراب لفظي، وآخر محلي وكل حرف من حروف الجر المذكورة قد يتعدد معناه، وقد يشاركه غيره في بعض المعاني، وبعض الحروف المشتركة قد يكون أوضح في تأدية المعنى من غيره إلى غير ذلك؛ مما سيمر بك مفصلا -إن شاء الله.

* "هاك" اسم فعل أمر بمعنى خذ، والكاف حرف خطاب، ينصرف تصرف الكاف الاسمية؛ من تذكير وغيره. "حروف الجر" مفعول هاك ومضاف إليه. "وهي مبتدأ. "من" قصد لفظه، وهي ما عطف بإسقاط العاطف في بعضها خبر المبتدأ.

ص: 262

وثلاثة شاذة:

أحدها: "متى" في لغة هذيل

(1)

، وهي بمعنى "من" الابتدائية

(2)

. سمع من بعضهم أخرجها متى كمه

(3)

، وقال:

متى لجج خضر لهن نئيج

(4)

(1)

من القبائل العربية القحطانية التي عنها أخذ اللسان العربي. وكان فيها شعراء كثيرون مشهورون؛ منهم: أبو ذؤيب الهذلي.

(2)

قال في الهمع: "وتأتي اسما بمعنى "وسط" حكى، و"ضعها متى كمه"؛ أي وسطه وهي حينئذ مبنية؛ لمشابهتها الحرفية.

(3)

أي من كمه.

(4)

عجز بيت من الطويل، لأبي ذؤيب الهذلي يصف سحابا، وصدره:

شربن بماء البحر ثم ترفعت

اللغة والإعراب: شربن، المراد: حملن الماء، والضمير للسحاب، ترفعت: ارتفعت وتصعدت، لجج: جمع لجة؛ وهي معظم الماء، نئيج: مر سريع بصوت، "شربن" فعل ماض، ونون النسوة فاعل، وقد ضمن معنى تروين. فعداه بالباء، أو الباء بمعنى. "من".

"متى" حرف جر أصلي بمعنى "من" لجج "مجرور بها على لغة هذيل، والجار والمجرور متعلق بشربن. "خضر" نعت لجج، "لهن نئيج" مبتدأ وخبر، والجملة صفة للجج، أوحال من النون في شربن، على زعم العرب.

المعنى: هذا البيت يعبر عما كان العرب يعتقدون؛ من أن للسحب شبه خراطيم، تدنو من البحر الملح في بعض الأماكن، فتأخذ من مائه ما شاءت ثم تصعد إلى الجو سريعا ولها دوي، فيعذب هذا الماء وينتقل ثم ينزل إلى حيث يشاء الله مطرا. ونستطيع أن نفسر هذا الاعتقاد الساذج بما يتفق مع ما قرره العلم اليوم، وهو أنه كناية عن تصعد ماء البحار بوساطة حرارة الشمس، وتنقله من جهة إلى أخرى بالهواء، حتى يرتفع إلى حيث يشاء الله، ويكون سحبا تنزل بعد مطرا.

الشاهد: استعمال "متى" بمعنى "من" على لغة هذيل، وجرها "لجج".

ص: 263

والثاني: "لعل" في لغة عقيل

(1)

قال:

لعل الله فضلكم علينا

(2)

ولهم في لامها الأولى: الإثبات، والحذف، وفي الثانية: الفتح، والكسر

(3)

.

والثالث: "كي"، وإنما تجر ثلاثة؛

أحدها: "ما" الاستفهامية

(4)

؛ يقولون إذا سألوا عن علة الشيء: "كميه"

(5)

، والأكثر أن يقولوا "لمه".

(1)

قبيلة عربية، أبوها عقيل بن كعب ربيعة، من قيس عيلان بن مضر.

(2)

صدر بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وعجزه:

بشيء إن أمكم شريم

اللغة والإعراب: لعل: حرف جر شبيه بالزائد، ومعناه الترجي، قيل: وهو هنا بمعنى الإشفاق، ولا يتعلق بشيء. فضلكم: زادكم. شريم: هي المرأة المقضاة التي اختلط مسلكاها؛ ويقال فيها: شرماء وشروم. "لعل" حرف ترج وجر شبيه بالزائد. "الله" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة؛ منع منها حرف الجر الشبيه بالزائد. "فضلكم" الجملة خبر. "إن أمكم شريم" الجملة من إن ومعموليها لا محل لها، وهي بمنزلة التعليل لما قبلها؛ إن قرئت بكسر إن، وبفتحها في تأول مصدر مجرور على أنه بدل من شيء.

المعنى: آمل في يكون الله سبحانه وتعالى فضلكم علينا وأكرمكم؛ لأن، أو يكون أمكم بهذه الحالة؛ قد اختلط قبلها بدبرها. وهذا -من الشاعر- تهكم واستهزاء.

الشاهد: استعمال "لعل" حرف جر على لغة عقيل، وقد جر بها لفظ الجلالة.

(3)

هذه اللغات ليست خاصة بـ"لعل" التي يجر الاسم بعدها -كما رآه بعضهم، بل جاءت في لغات العرب عامة.

(4)

أي التي يسأل بها عن سبب الشيء وعلته.

(5)

أصلها: كيما؟ أي "لما"، ومعروف أن "ما" الاستفهامية إذا جرت تحذف ألفها، ويحل محلها "هاء السكت" في الوقف؛ حفظا للفتحة الدالة على الألف، ويقال في إعرابها:

ص: 264

الثاني: "ما" المصدرية وصلتها

(1)

كقوله:

يراد الفتى كيما يضر وينفع

(2)

أي للضر والنفع، قاله الأخفش، وقيل:"ما" كافة

(3)

.

الثالث: "أن" المصدرية، وصلتها؛ نحو: جئت كي تكرمني، فإذا قدرت "أن" بعدها

(4)

؛ بدليل ظهورها في الضرورة كقوله:

لسانك كيما أن تغر وتخدعا

(5)

كي حرف جر أصلي للتعليل، و"ما" استفهامية مجرورة بكي حذفت ألفها وجوبا لما بينا.

(1)

أي المصدر المنسبك من "ما" وصلتها، فإن هذا هو المجرور محلا بالحرف.

(2)

عجز بيت من الطويل، لقيس بن الخطيم، وقيل للنابغة، وصدره:

إذا أنت لم تنفع فضر فإنما

اللغة والإعراب: يراد: يقصد. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، في محل نصب بضر. "أنت" فاعل لفعل محذوف، هو فعل الشرط، يفسره المذكور. "لم تنفع" الجملة مفسرة. "فضر" الفاء واقعة في جواب "إذا"، و"ضر" فعل أمر، ويجوز في رائه الفتح للخفة، والضم؛ إتباعا لحركة الضاد، والكسر للتخلص "فإنما" للتعليل، وإنما أداة حصر، "يراد الفتى" فعل ونائب فاعل. "كي" جارة تعليلية بمنزلة اللام، و"ما" مصدرية؛ وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بكي.

المعنى: إذا لم يكن في مقدورك أن تنفع من يستحق النفع والعون، فضر من يستحق الضرر والإيذاء؛ فإن الإنسان لا يقصد منه في الحياة غير هذين العملين.

الشاهد: دخول "كي" على "ما" المصدرية، وجرها المصدر المؤول.

(3)

أي "لكي" عن عمل الجر، كما تكف "رب" في "ربما".

(4)

أي ليكون المصدر المنسبك من "أن" المضمرة وصلتها في محل جر "بكي".

(5)

عجز بيت من الطويل، لجميل بن معمر العذري، وصدره:

فقالت أكل الناس أصبحت مانحا

اللغة والإعراب: مانحا: اسم فاعل من المنح؛ وهو الإعطاء. تغر: تخدع؛ يقال:

ص: 265

والأولى أن تقدر "كي" مصدرية

(1)

، فتقدر اللام قبلها؛ بدليل كثرة ظهورها معها؛ نحو:{لِكَيْلا تَأْسَوْا} .

والأربعة عشر الباقية قسمان:

سبعة تجر الظاهر والمضمر: وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وفي، والباء، واللام؛ نحو:{وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} ، {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} ، {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} ، {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} ، {رضي الله عنهم} ، {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .

غره غرورا، خدعه: ختله، وأراد به المكروه من حيث لا يعلم. "أكل" الهمزة للاستفهام، وكل مفعول أول مقدم لمانحا. "الناس" مضاف إليه. "أصبحت" فعل ماض ناقص، والتاء اسمها. "مانحا" خبرها "لسانك" مفعول ثان لمانحا، ومضاف إليه "كي" حرف تعليل وجر. "ما" زائدة. "تغر" مضارع منصوب بأن والفاعل أنت، و"تخدعا" معطوف على تغر والألف للإطلاق، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بكي.

المعنى: أصبحت مانحا جميع الناس حلاوة لسانك، وحسن كلامك؛ لتغرهم وتوقعهم في المكروه من حيث لا يشعرون. إن هذا عمل لا يليق بالكملة من الرجال.

الشاهد: ظهور "أن" المصدرية بعد "كي"، وهذا يدل على أن "كي" للتعليل وليست حرفا مصدريا، وأنه يقدر بعدها "أن" إن لم تكن موجودة.

(1)

فتكون هي الناصبة للمضارع، وذلك إذا لم تذكر "أن" بعدها. وإذا ذكرت "أن" المصدرية بعدها ولم تسبقها لام الجر، كانت حرف جر؛ كلام التعليل معنى وعملا، وإن ذكرت قبلها اللام، كانت حرفا مصدريا ناصبا بنفسه؛ كأن المصدرية معنى وعملا، وإن توسطت بينهما؛ فالأحسن اعتبارها جارة للمصدر المنسبك بعدها، مؤكدة للام الجر قبلها، ويجوز أن تكون مصدرية مؤكدة بـ"أن" بعدها، والمصدر المنسبك مجرور باللام قبلها، وإن لم توجد "لام الجر" قبلها، ولا "أن" بعدها، جاز اعتبارها مصدرية؛ بتقدير اللام قبلها، أو حرف جر بتقدير "أن" بعدها.

هذا: وتختص "متى"، و"لعل"، و"كي" بالدخول على الاسم الظاهر، وقد علمت أنها لا تستعمل في الجر إلا قليلا. ولم ينبه الناظم على ذلك، وقد ذكر بعض النحاة من حروف الجر "لولا"، إذا دخلت على الضمائر المتصلة؛ نحو: لولاي ولولاك ولولاه، فهي عند سيبويه، وجمهور البصريين في هذه الحالة حرف جر زائد، لا يتعلق بشيء، والضمير بعدها في محل جر بها، وفي محل فع بالابتداء؛ كمدخول "من" الزائدة؛ في مثل قولك: ما في الدار من أحد: أما عند الكوفيين والأخفش من البصريين فموضع الضمير المتصل رفع لا غير، وقد وضع المتصل موضع المنفصل.

ص: 266

{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ} ، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ} ، {آمِنُوا بِاللَّهِ} ، {وَآمِنُوا بِهِ} ، {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ} ، {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ} .

وسبعة تختص بالظاهر:

(1)

، وتنقسم أربعة أقسام

(2)

:

ما لا يختص بظاهر بعينه، وهو: حتى، والكاف، والواو. وقد تدخل الكاف في الضرورة على الضمير؛ كقول العجاج:

وأم أو عال كها أو أقربا

(3)

(1)

أشار إليها الناظم بقوله:

بالظهر اخصص منذ مذ وحتى

والكاف والواو ورب والتا

(2)

هذا التقسيم بالنسبة لعملها في الظاهر الذي تجره؛ كما سترى.

(3)

عجز بيت من الرجز المشطور، للعجاج بن رؤبة، في حمار وحشي، وصدره:

خلى الذنابات شمالا كثبا

اللغة والإعراب: خلى: ترك. الذنابات: موضع معين. شمالا: أي ناحية الشمال. كثبا: قريبا، والكثب: القرب. أم أوعال: هضبة معروفة. كها: أي مثل الذنابات في البعد.

"خلى" فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الحمار الوحشي. "الذنابات" مفعوله الأول منصوب بالكسرة، نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. "شمالا" ظرف مكان، أو مفعول خلى الثاني. "كتبا" حال من الذنابات، أو هو المفعول الثاني لخلى، و"شمالا" حاال. "وأم" -بالنصب- معطوفا على الذنابات. "أو عال" مضاف إليه. "كها" جار

* "بالظاهر" جار ومجرور متعلق باخصص. "منذ" مفعول اخصص مقصود لفظه، و"مذ" وما بعده عطف على "منذ" بإسقاط العاطف في مذ.

ص: 267

وقول الآخر:

كه ولا كهن إلا حاظلا

(1)

وما يختص بالزمان؛ وهو: مذ ومنذ، فأما قولهم: ما رأيته مذ أن الله خلقه؛ فتقديره:

ومجرور متعلق بمحذوف حال من "أم أوعال". ويجوز رفع أم على الابتداء، وخبره "كها"، "أو أقربا" معطوف على الهاء من كها.

المعنى: إن هذا الحمار ترك الذنابات عن شماله قريبا منه، وترك أم أوعال؛ مثل الذنابات أقرب منها إليه.

الشاهد: في "كها"؛ حيث جرت الكاف الضمير المتصل، وحقها أن تجر الظاهر، أو الضمير المنفصل عند بعض النحاة. وهذا ضرورة.

(1)

عجز بيت من الرجز لرؤبة بن العجاج، يصف حمارا وحشيا، وأتنا وحشيات، وصدره:

فلا ترى بعلا ولا حلائلا

اللغة والإعراب: بعلا: زوجا، والجمع البعولة؛ ويقال للمرأة أيضا: بعل وبعلة؛ كزوج وزوجة، حلائل: جمع حليلة وهي الزوجة. حاظلا: مانعا من التزوج. "لا" نافية. "بعلا" مفعول أو لترى. "ولا" الواو حرف عطف، "ولا" زائدة لتوكيد النفي. "كه" جار ومجرور متعلق بمحذوف، صفة لبعلا، "ولا كهن" معطوف على "كه"، و"لا" زائدة لتوكيد النفي. "إلا" أداة حصر. "حاظلا" مفعول ثان لترى، ويجوز جعل "حاظلا" حالا من "بعلا" إن جعلت "ترى" بصرية.

المعنى: لا ترى من الأزواج والزوجات مثل حمار الوحش وأتنه، كل يقصر نفسه على صاحبه، ولا يتطلع إلى غيره، إلا من منع أنثاه قهرا عن التزوج؛ وذلك أن الحمار يمنع أتنه من حمار آخر يريدها. وكانت عادة العرب في الجاهلية إذا طلقوا امرأة منعوها من التزوج إلا بإذنهم، فجعل الأتن كالحلائل، وجعل الحمار بعلهن.

الشاهد: جر الضمير المصتل في "كه"، و"كهن" بالكاف للضرورة، وقد تدخل "حتى" كذلك على الضمير في الضرورة؛ كقوله:

فلا والله لا يلفي أناس

فتى حتاك يا ابن أبي زياد

ص: 268

مذ زمن أن الله خلقه؛ أي مد زمن

(1)

خلق الله إياه.

وما يختص بالنكرات، وهو:"رب"، وقد تدخل في الكلام على ضمير غيبة ملازم للإفراد، والتذكير، والتفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى

(2)

، قال:

ربه فتية دعوت إلى ما

(3)

وما يختص بالله، ورب مضافا للكعبة، أو لياء المتكلم، وهو: "التاء؛ نحو: {وَتَاللَّهِ

(1)

وعلى ذلك تكون "مذ" جرت زمانا محذوفا مضافا إلى المصدر، ويشترط في الزمان المجرور بهما؛ أن يكون معينا معدودا لفظا أو معنى، كمنذ يومين، أو شهر لا مبهما، كمنذ زمن؛ لأنهما لا يجران المبهم؛ والمراد بالمبهم: النكرة غير المعدودة. وأن يكون ماضيا أو حالا لا مستقبلا كما سيأتي؛ فلا يقال: منذ غد. وأن يكون متصرفا؛ فلا تقول: ما رأيته منذ سحر، تريد سحر يوم بعينه، فإن لم ترده من يوم بعينه، فهو متصرف، كقوله تعالى:{إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، ويشترط في عاملهما: أن يكون فعلا ماضيا؛ إما منفيا متكررا؛ نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس -أو مثبتا متطاولا؛ كسرت منذ يوم الخميس، ولا يجوز قتلته، أو ما قتلته منذ يوم الخميس؛ إذا كانت مذ أو منذ بمعنى "من" والمراد بالتطاول: أن يكون في طبيعة الحدث معنى الاستمرار كالسير والنوم والمشي، ولا شك أن القتل المتعلق بمعين لا يستمر ولا يتكرر؛ فلو قلت: ما قتلت -بدون هاء- صح الكلام.

(2)

أي في الإفراد والتذكير وفروعهما. وهذا المعنى هو المراد من الضمير الذي يسمونه "الضمير المجهول"؛ لعدم عودته على متقدم، وقد استغنى بمطابقة التمييز للمعنى عن مطابقته للضمير؛ تقول: ربه رجلا، وربه رجلين، وربه رجالا، وربه امرأة، وربه امرأتين، وربه نساء، والكوفيون يجيزون مطابقة الضمير للمفسر لفظا؛ تقول: ربها امرأة وربهما رجلين، وربهم رجالا، وربهن نساء

وهكذا.

(3)

صدر بيت من الخفيف، لم يعرف قائله، وعجزه:

يورث المجد دائبا فأجابوا

اللغة والإعراب: فتية: جمع فتى. دعوت: ناديت. يورث: يكسب. المجد: الكرم والشرف. دائبا مداوما مجتهدا فيه. "ربه" رب حرف جر شبيه بالزائد والهاء في محل جر

ص: 269

لأَكِيدَنَّ}، وترب الكعبة، وتربي لأفعلن، ونذر تالرحمن تحياتك

(1)

.

برب، وفي محل رفع مبتدأ. "فتية" تمييز المجرور برب. "دعوت" الجملة خبر المتبدأ، ومفعول دعوت محذوف؛ أي دعوتهم. "دائبا" حال من التاء في دعوت، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي إيراثا دائبا. "فأجابوا" معطوف على دعوت.

المعنى: كثير من الشباب دعوتهم إلى ما يكسبهم المجد والشرف والكرم، وثابرت على دعائهم، فاستجابوا لما دعوتهم إليه، ولبوا ندائي.

الشاهد: جر "رب" ضميرا مفردا مذكرا؛ مع أنه مفسر بتمييز مجموع؛ وهو "فتية" واختلف في الضمير المجرور برب؛ فقيل معرفة، وقيل نكرة؛ لأنه عائد على واجب التنكير.

(1)

معناه: وحياتك، فالتاء بدل من واو القسم.

وقد أشار الناظم إلى الأقسام المتقدمة بقوله:

واخصص بمذ ومنذ وقتا وبرب

منكرا والتاء لله ورب

وما رووا من نحو "ربه فتى"

نزر كذا "كها" ونحوه أتى

أي أن "مذ" و"منذ" لا يجران من الأسماء الظاهرة إلا أسماء الزمان، ولا تجر "رب" إلا النكرات، والتاء مختصة بالقسم، وتجر لفظ الجلالة، وكلمة "رب" على النحو الذي بينه المصنف، وما رواه النحاة من جر "رب" لضمير الغيبة، نحو: ربه فتى، نادر وشاذ، وكذلك جر الكاف لهذا الضمير.

هذا: ويجوز دخول الكاف على ضمير الرفع؛ تقول: ما أنا كهو، وما أنا كأنت، وما أنت كأنا. وعلى ضمير النصب؛ نحو: ما أنا كإياك، وما أنت كإياي.

* "بمذ" متعلق باخصص. "ومنذ" عطف عليه. "وقتا" مفعول به لا خصص. "وبرب" معطوف على بمذ؛ لأنه من متعلقات اخصص. "منكرا" معطوف على وقتا؛ من باب العطف على معمولين لعامل واحد وهو جائز. "والتاء" مبتدأ. "لله" خبره. "ورب" معطوف على لفظ الجلالة. "وما" اسم موصول مبتدأ. "رووا" فعل وفاعل، والجملة صلة ما. "من نحو" ومجرور متعلق برووا. "ربه فتى" رب: حرف جر شبيه بالزائد والهاء مجرورة محلا "فتى" تمييز للضمير. "نزر" خبر المبتدأ. "نزر" خبر المبتدأ. "كذا" متعلق بمحذوف خبر مقدم "كها" مبتدأ مؤخر قصد لفظه. "ونحوه" متبدأ ومضاف إليه. "أتى" الجملة خبر.

ص: 270

‌فصل: في ذكر معاني الحروف

(1)

.

لـ"من" سبعة معان:

أحدهما: التبعيض

(2)

؛ نحو: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، ولهذا قرئ: {بَعْضَ

مَا تُحِبُّونَ}.

والثاني: بيان الجنس

(3)

؛ نحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} .

(1)

بين البصريين والكوفيين خلاف في جواز نيابة بعض الحروف عن بعض؛ فمذهب البصريين أن لكل حرف من حروف الجر معنى واحدا، يؤديه على سبيل الحقيقة؛ فمعنى "في" الظرفية، و"على" الاستعلاء، و"من" الابتداء، و"إلى" الانتهاء. إلخ؛ فإذا أدى معنى آخر غير الحرف الخاص به، كان تأديته لهذا المعنى بطريق المجاز، أو بتضمين العامل الذي يتعلق به الحرف معنى عامل آخر يتعدى بهذا الحرف، ولا بد لصحة استعمال المجاز من علاقة بين المعنى المنقول منه، والمعنى المنقول إليه، وقرينة تصرف الذهن عن المعنى الأصلي إلى المعنى المجازي.

ومذهب الكوفيين: أن قصر الحرف على معنى واحد تعسف لا مبرر له، وأنه إذا اشتهر استعمال الحرف في معنى، وشاعت دلالته عليه؛ بحيث يفهمها السامع بلا لبس ولا غموض؛ كان هذا المعنى حقيقا بالنسبة للحرف، ولا مجاز ولا تضمين، وفي هذا المذهب تيسير، وقد رجححه كثير من المحققين، على أن الباحثين منفقون على أن المجاز إذا اشتهر وشاع أصبح حقيقة عرفية.

(2)

أي الدلالة على البعضية، وعلامتها: صحة حذف "من" ووضع "بعض" مكانها.

(3)

أي بيان أن ما بعدها جنس يشمل ما قبلها، وأكثر ما تقع بعد "نا" و"مهما" لشدة إبهامهما، وعلامتهما: صحة الإخبار بما بعدها عما قبلها، وهنالك علامة أخرى وهي: صحة حذف "من" ووضع اسم موصول مكانها؛ مع ضمير يعود على ما قبلها إن كان معرفة. فإن كان نكرة، فالعلامة أن يخلفها الضمير وحده؛ فنحو:{مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} تقول فيه: هي ذهب. و"من" البيانية مع مجرورها، ظرف في محل نصب على الحال. إن كان ما قبلها معرفة، ونعت تابع لما قبلها إن كان ما قبلها نكرة.

ص: 271

والثالث: ابتداء الغاية

(1)

المكانية باتفاق؛ نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، والزمانية، خلافا لأكثر البصريين، ولنا قوله تعالى:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}

(2)

، والحديث:"فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة"

(3)

، وقول الشاعر:

تخيرن من أزمان يوم حليمة

(4)

(1)

المراد بالغاية هنا: المقدار والمنسافة لا آخر الشيء، وعلامتها: أن يصلح في مكانها "إلى" أو ما يفيد فائدتها؛ نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن معنى أعوذ بالله ألتجئ إليه.

(2)

من الآية: 108 من سورة التوبة، ويقول البصريون: إن "من" لابتداء الغاية في الأحداث، والتقدير: من تأسيس أول يوم.

(3)

هذا حديث رواه أنس بن مالك قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت المواشي وتهدمت البيوت، وتقطعت السبل؛ فادع الله. فدعا عليه السلام، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة".

(4)

صدر بيت من الطويل، للنابغة الذبياني، في وصف السيوف، من قصيدة له في مدح عمرو بن الحارث، أحد الملوك الغسانيين، وعجزه.

إلى اليوم قد جربن كل التجارب

اللغة والإعراب: تخيرن: وقع الاختيار عليهن، واصطفين، وضمير الإناث للسيوف المذكورة في قوله قبل:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

"يوم حليمة": يوم من أيام حروب العرب المشهورة، وكان سنة 61 ق هـ. وحليمة هي: بنت الحارث بن أبي شمر ملك غسان، وكان أبوها قد وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء -ملك الحيرة بالعراق- فشجعت الجيش ومنحت أفراده جزءا من طيبها فانتصر وقتل النذر، وقد ضرب بذلك المثل فقيل:"ما يوم حليمة بسر". وهو يضرب لكل أمر مشهور. جرين: اختبرن وامتحن. التجارب: جمع تجربة، وهي اختيار الشيء مرة بعد أخرى. "تخيرن" مضارع للمجهول ونون النسوة نائب الفاعل. "من أزمان" متعلق به. "يوم حليمة" مضاف إليه. "إلى اليوم" متعلق أيضا بتخيرن. "قد" للتحقيق. "جربن" إعرابه مثل تخيرن. "كل" مفعول مطلق مضاف إليه "التجارب".

ص: 272

والرابع: التنصيص على العموم

(1)

، أو تأكيد التنصيص عليه

(2)

، وهي الزائدة

(3)

.

ولها ثلاثة شروط: أن يسبقها نفي، أو نهي

(4)

المعنى: أن هذه السيوف جريت واختبرت مرات كثيرة من هذا الوقت، وأظهرت التجارب مضاءها وصفاء جوهرها، وجودة صقلها، وشدة فتكها بالأعداء.

الشاهد: في قوله "من أزمان"؛ فإن "من" فيه لابتداء الغاية الزمنية على مذهب الكوفيين، ويجب البصريون على ذلك: بأن الكلام على تقدير مضاف؛ أي من استمرار يوم حليمة، وكذلك يقدرون مضافا في الحديث؛ لتكون "من" لابتداء الغاية في الأحداث؛ أي من صلاة يوم الجمعة، وقد يكون الابتداء في غير الزمان والمكان؛ نحو:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} ، وقولك: من فلان إلى فلان.

(1)

أي عموم المعنى وشمول كل فرد من أفراد الجنس، وهي الداخلة على نكرة ليست ملازمة للوقوع بعد النفي، ولا تدل على العموم بنفسها؛ نحو: ما جاءني من رجل؛ ذلك أن كلمة "رجل" من النكرات التي قد تقع بعد النفي، أو لا تقع، فوقوعها بعد النفي لا يفيد العموم والشمول لكل فرد، بل يحتمل خروج بعض الأفراد من دائرة النفي، فإذا أريد النص في الشمول على سبيل اليقين؛ جيء بالحرف الزائد "من"، ووضع قبل النكرة مباشرة؛ ومن ثم لا يصح أن يقال: ما غاب من رجل، وإنما غاب رجلان أو أكثر؛ منعا للتناقض.

(2)

هي الداخلة على نكرة لا تستعمل إلا بعد نفي أو شبهه، فتدل بنفسها على العموم؛ مثل: أحد، عريب ديار؛ تقول: ما جاءني من أحد، فيدل ذلك دلالة قاطعة على العموم والشمول، وإنما كانت الأولى للتنصيص، وهذه للتأكيد؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدل على العموم بنفسها فزيادة "من" تأكيد لذلك العموم. أما الأولى فإن النكرة قبل دخول "من" تحتمل نفي الوحدة، ونفي الجنس على سبيل العموم؛ فدخولها نص على الثاني.

(3)

المراد بزيادتها: وقوعها في موضع يطلبه العامل بدونها، فتكون مقمحة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطها مخلا بالمعنى المراد.

(4)

فلا تزاد في الإثبات إلا في تمييز "كم" الخبرية؛ إذا كان مفصولا منها بفعل متعد، نحو قوله تعالى:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .

ص: 273

أو استفهام بهل

(1)

، وأن يكون مجرورها نكرة

(2)

، وأن يكون؛ إما فاعلا؛ نحو:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} ، أو مفعولا

(3)

؛ نحو: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} ، أو مبتدأ

(4)

؛ نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}

(5)

.

(1)

أو بالهمزة كذلك على الراجح؛ نحو: هل جاءك، أو جاءك من بشير؟

(2)

فلا تجر معرفة وذهب الأخفش إلى عدم اشتراط الشرطين معا؛ فأجاز زيادتها في الإيجاب، وأن تجر معرفة، وجعل من ذلك قوله تعالى:{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم} ، وأجاب الجمهور: بأن "من" في الآية للتبعيض، لا زائدة.

(3)

أي حقيقة؛ فخرج ثاني مفعولي "ظن"، وثالث مفاعيل "أعلم"؛ لأنهما خبران في الأصل، لا مفعولان حقيقة.

(4)

أي ولو في الأصل؛ فيدخل أول مفعولي "ظن" وثاني مفاعيل "أعلم" قيل: أو مفعولا مطلقا؛ نحو قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} : أي من تفريط.

(5)

"خالق" مبتدأ. "غير الله" نعت على المحل، ومضاف إليه، والخبر محذوف؛ أي لكم. وجملة "يرزقكم" نعت ثان.

هذا: ولم يشترط الكوفيون في مجرور "من" الزائدة إلا شرط واحد؛ وهو أن يكون فاعلا، أو مفعولا أو مبتدأ، وذهب الأخفش والكسائي إلى جواز زيادتها بلا شرط مطلقا، وقد اقتصر الناظم على هذه المعاني الأربعة فقال:

بعض وبين وابتدئ في الأمكنه

بـ"من" وقد تأتي لبدأ الأزمنه

وزيد في نفي وشبهه فجر

نكرة كـ"ما لباغ من مفر"

أي أن "من" تجيء للتبعيض؛ ولبيان الجنس، وابتداء الغاية في الأمكنة كثيرا، وفي الأزمنة قليلا، وزائدة بعد نفي، أو شبهه، مع جر النكرة، وسيذكر الناظم المعنى الخامس "لمن"، وهو البدلية بعد.

* "بعض" فعل أمر. "وبين وابتدى" معطوفان عليه. "في الأمكنة" متعلق باتبدئ. "بمن" تنازعه الأفعال الثلاثة، فأعمل الأخير لقربه، وحذف من غيره ضميره؛ لأنه فضله. "تأتي" فاعله يعود على من. "وزيد" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على من. "في نفي" متعل بزيد. "وشبهه" معطوف على نفي. "نكرة" مفعول جر. "كما" الكاف جارة لقول محذوف، و"ما" نافية. "لباغ" خبر مقدم. "من" زائدة. "مفر" مبتدأ مؤخر.

ص: 274

والخامس: معنى البدل

(1)

، نحو:{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ}

(2)

.

والسادس: الظرفية

(3)

؛ نحو: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} ، {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}

(4)

.

والسابع: التعليل

(5)

؛ كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا}

(6)

، وقال الفرزدق:

يغضي حياء ويغضى من مهابته

(7)

.

وللام اثنا عشر معنى:

أحدها: الملك

(8)

؛ نحو: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ} .

والثاني: شبه الملك ويعبر عنه بالاختصاص

(9)

؛ نحو: السرج للدابة.

(1)

أي: أن تكون بمعنى كلمة "بدل"؛ بحيث أن تحل هذه الكلمة محلها.

(2)

أي: بدل الآخر.

(3)

فتكون بمعنى "في" التي للظرفية؛ مكانية أو زمانية.

(4)

"من" في الآية الأولى للظرفية المكانية، وفي الثانية للزمانية.

(5)

فتدخل على اسم يكون سببا، وعلة في شيء آخر.

(6)

أي: أغرقوا لأجل خطيئاتهم، فقدمت العلة على المعلول للاختصاص.

(7)

تقدم هذا الشاهد، والكلام عليه في باب النائب عن الفاعل صفحة:45.

الشاهد: فيه هنا يكون "من" دالة على العليل؛ أي يغضي لأجل مهابته.

تنبيه: إذا ولي "من" اسم مبدوء بأل، فالأحسن فتح نونها؛ نحو: من القوم. وإذا وليها ساكن آخر، فالغالب كسر نونها نحو: سررت من اجتهادك.

(8)

هي التي تقع بين ذاتين؛ الثانية منهما هي التي تملك حقيقة، وهذا المعنى أكثر استعمالاتها.

(9)

وتقع بين ذاتين؛ ثانيتهما لا تملك حقيقة، وإنما تختص بالأولى دون تملك من إحداهما للأخرى؛ كمثال المصنف، أو أولاهما لا تملك؛ كأنت لي وأنما لك. وقد تقع اللام قبل الذاتين؛ نحو: لأخي ابن ذكي. فإن وقعت بين معنى وذات؛ نحو: الحمد لله، والويل للمنافقين، كانت للاستحقاق، وقد يعبر عن الجميع بلام الاختصاص.

ص: 275

والثالث: التعدية

(1)

؛ نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو

(2)

.

والرابع: التعليل؛ كقوله:

وإني لتعروني لذكراك هزة

(3)

والخامس: التوكيد، وهي الزائدة

(4)

؛ نحو قوله:

ملكا أجار لمسلم ومعاهد

(5)

(1)

أي إلى المفعول به، فما بعدها يكون في حكم المفعول به معنى، وإن كان مجرورا.

(2)

الفعل "ضرب" متعد في الأصل، فلما نقل إلى "فعل" للتعجب صار قاصرا، فعدي بالهمزة إلى "زيد"، وباللام إلى "عمرو". هذا مذهب البصريين، ويقول الكوفيون: إن الفعل باق على تعديته بلا نقل، واللام هنا لتقوية العامل؛ لضعفه باستعماله للتعجب.

(3)

تقدم الكلام عليه من باب "إن وأخواتها".

الشاهد: فيه هنا كون اللام في "لذكراك" للتعليل؛ أي لأجل تذكري إياك.

(4)

في هذه الحالة يكون التوكيد محضا، فنزداد لتأكيد معنى الجملة؛ بتمامها وتقويتها دون العامل، ويجري عليها ما يجري على حرف الجر الزائد، وأكثر ما تكون بين الفعل، ومعموله المتأخر عنه؛ كمثال المصنف. أو بين المتضايقين؛ نحو: يا بؤس للحرب، ويحسن الاقتصار على المسموع فيها. وهل ما بعدها مجرور بها أو بالمضاف؟ قولان.

(5)

عجز بيت من الكامل للرماح بن ميادة، يمدح عبد الواد بن سلميان بن عبد الملك بن مروان، أمر المدينة، وصدره.

وملكت ما بين العراق ويثرب

اللغة والإعراب: يثرب: الاسم القديم للمدينة المنورة؛ سميت باسم رجل من العمالقة بناها، وتسمى كذلك "طيبة" سماها بذلك الرسول، أجاز: حفظ وحمى، معاهد: هو من يدخل بلاد الإسلام بعهد من الإمام. "ما" اسم موصول مفعول ملكت، "بين" ظرف متعلق بمحذوف صلة. "العراق" مضاف إليه. "ويثرب" معطوف على العراق، مجرور بالكسرة الظاهرة للوزن. "ملكا" مفعول مطلق. "أجاز" الجملة صفة لملكا. "لمسلم" مفعول أجار على زيادة اللام. "ومعاهد" معطوف عليه باعتبار اللفظ.

المعنى: لقد امد سلطانك وانبسط نفوذك؛ حتى شمل ما بين العراق والمدينة المنورة، وشملت الجميع بعدلك وحمايتك؛ سواء في ذلك المسلم والمعاهد.

الشاهد: زيادة اللام في "لمسلم" لمجرد التوكيد؛ لأن "أجار" يتعدى بنفسه، وقد تقدم على معموله، فليس بحاجة إلى اللام.

ص: 276

وأما {رَدِفَ لَكُم} ، فالظاهر أنه ضمن معنى اقترب

(1)

، فهو مثل:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} . والسادس: تقوية العامل الذي ضعف؛ إما بكونه فرعا في العمل

(2)

؛ نحو: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} ، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، وأما بتأخره عن المعمول؛ نحو:{إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}

(3)

، وليست المقوية زائدة محضة

(4)

، ولا معدية محضة

(5)

، بل هي بينهما.

والسابع: انتهاء الغاية

(6)

؛ نحو: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} .

والثامن: القسم

(7)

؛ نحو: لله لا يؤخر الأجل.

والتاسع: التعجب

(8)

؛ نحو: درك!

(1)

يرى المبرد: أن اللام فيه زائدة.

(2)

أي مأخوذا من غير كالفروع؛ وذلك كالمصدر، واسمي الفاعل والمفعول، وأمثلة المبالغة.

(3)

"تعبرون" أصل في العمل؛ لأنه فعل، ولكن تأخره عن معموله أضعفه؛ فقوي باللام. والرؤيا: الحلم المنامي، وتعبيره: تفسيره.

(4)

أي؛ لأنها تفيد التقوية، وتتعلق بالعامل الذي قوته؛ بخلاف الزائدة المحضة؛ فإنها لا تتعلق بشيء.

(5)

وذلك لاطراد صحة إسقاطها.

(6)

أي المسافة في الزمان والمكان.

(7)

أي والتعجب معا. ويشترط أن تكون جملة القسم محذوفة، وأن يكون المقسم به لفظ الجلالة؛ لأنها خلف عن التاء؛ والتاء أكثر ما تستعمل مع لفظ الجلالة.

(8)

أي المجرد عن القسم؛ بشرط القرينة، ويغلب أن يكون بعد النداء؛ نحو: يا للغروب وما فيه من روعة!

ص: 277

والعاشر: الصيرورة

(1)

؛ نحو:

لدوا للموت وابنوا للخراب

(2)

والحادي عشر: البعدية

(3)

؛ نحو: {أَقِمُ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي: بعده.

والثاني عشر: الاستعلاء

(4)

؛ نحو: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} ؛ أي: عليها.

(1)

أي لبيان ما يصير إليه الأمر، وتسمى كذلك "لام العاقبة"؛ لأنها توضح عاقبة الشيء، وما يؤول إليه.

(2)

صدر بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وعجزه:

فكلكم يصير إلى الذهاب

اللغة والإعراب: "لدوا" فعل أمر من الولادة، مبني على حذف النون، وواو الجماعة فاعل "للموت" متعلق به. "للخراب" متعلق بابنوا. والخراب: ضد العمران. "فكلكم" الفاء للتعليل، و"كلكم" مبتدأ ومضاف إليه. "يصير" مضارع ناقص، واسمها يعود إلى كل. "إلى الذهاب" متعلق بمحذوف خبر يصير، وجملة يصير من اسمها وخبرها خبر المبتدأ.

المعنى: لدوا وتكاثروا وابنوا وشيدوا كما تشاءون؛ ليكون المال والمصير والعاقبة إلى ما ذكر؛ فكل إنسان مصيره الموت والفناء.

الشاهد: إن اللام في "للموت" وفي "للخراب" للصيرورة؛ كما ذكرنا، وليست للتعليل؛ لأن الموت ليست علة للولد، وليس الخراب علة البناء.

(3)

أن تكون اللام بمعنى "بعد"، ويصح حلولها محلها. والمثال الذي ذكره المصنف سبق ذكره في باب المفعول له: صحفة 137. وذكر هنالك أن اللام للتعليل، وفسر الدلوك بميل الشمس عن السماء.

(4)

أي الدلالة على أن شيئا حسيا أو معنويا وقع فوق الاسم الذي بعدها، فتكون بمعنى "على" والمراد في الآية: أنهم يسقطون على وجوهم والأذقان: جمع ذقن، وهي مجمع اللحيين في الإنسان. ومثال الاستعلاء المعنوي قوله تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ؛ أي عليها. وقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة حين اشترت بريرة: "اشترطي لهم الولاء"؛ أي عليهم.

ص: 278

وللباء اثنا عشر معنى أيضًا:

أحدها: الاستعانة

(1)

؛ نحو: كتبت بالقلم.

والثاني: التعدية

(2)

؛ نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ؛ أي: أذهبه.

والثالث: التعويض

(3)

؛ نحو: بعتك هذا بهذا.

هذا: وتأتي اللام للظرفية؛ نحو قوله تعالى في أمر الساعة: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} ، وبمعنى "قبل"؛ نحو: كتبت هذا لليلة بقيته من رمضان؛ أي قبل ليلة.

وبمعنى "من" البيانية؛ كقول الشاعر:

لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم

ونحن لكم يوم القيامة أفضل

أي نحن أفضل منكم يوم القيامة، ولمعان أخرى كثيرة، مبسوطة في "المغني". وقد اقتصر الناظم على بعض ما تقدم من المعاني، فقال:

واللام للملك وشبهه وفي

تعدية أيضًا وتعليل قفي

وزيد

......

أي أن اللام تفيد معنى الملك وشبهه، وتأتي للتعدية والتعليل، وتقع زائدة، ومعنى قفي: نسب وعرف.

(1)

هي الدالة على آلة الفعل وأداته التي يحصل بها معناه، فهي الواسطة بين الفاعل ومفعوله المعنوي؛ ولذلك تسمى "باء الآلة"، وهذا المعنى هو و"الإلصاق" أكثر المعاني استعمالا لها.

(2)

أي يستعان بها غالب في تعدية الفعل إلى مفعوله، كما تعدية همزة النقل؛ ولذلك تسمى "باء النقل"، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر كمثال المصنف، ومن ورودها مع الفعل المتعدي قوله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} ، وقولهم: صككت الحجر بالحجر، والأصل: دفع بعض الناس بعضا، وصك الحجر الحجر.

(3)

هي الداخلة على الأعواض والأثمان؛ حسا أو معنى؛ والعوض: دفع شيء في مقابلة

* "واللام للملك" مبتدأ وخبر. "وشبهه" عطف على الملك ومضاف إليه. "وفي تعدية" متعلق بقفي. "أيضا" مفعول مطلق لمحذوف. "وتعليل" معطوف على تعدية. "قفي" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود على اللام. "وزيد" ماض للمجهول نائب الفاعل يعود إلى اللام.

ص: 279

والرابع: الإلصاق

(1)

؛ نحو: أمسكت بزيد

(2)

.

والخامس: التبعيض

(3)

؛ نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} ؛ أي: منها

(4)

.

والسادس: المصاحبة

(5)

؛ نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} ؛ أي: معه

(6)

.

والسابع: المجاوزة

(7)

؛ نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} ؛ أي: عنه.

والثامن: الظرفية

(8)

؛ نحو: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} ؛ أي: فيه ونحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} .

والتاسع: البدل

(9)

؛ كقول بعضهم: ما يسرني أني شهدت بدرًا بالعقبة؛ أي بدلها.

شي آخر؛ ولذلك تسمى باء المقابلة، وهي غير البدل الذي هو اختيار أحد الشيئين وتفضيله على الآخر من غير مقابلة من الجانبين، وقد مثل المصنف للعوض الحسي، أما المعنوي، فنحو: قابلت إحسانه بالشكر والدعاء.

(1)

الإلصاق هو: مطلق التعلق، وهذا المعنى أصل معانيها لا يفارقها، وهو إما حقيقي كمثال المصنف، أو مجازي؛ نحو: مررت بمحمد؛ أي جعلت مروري بمكان يقرب من مكانه.

(2)

معناه: قبضت على شيء من جسمه، أو ما يتصل به من ثوب أو نحوه، وهذا أبلغ من أمسكت زيدا؛ لأنه يفيد منعه من الانصراف بأي وجه كان.

(3)

أي أن يكون الاسم المجور بها بعضا من شيء قبلها.

(4)

وقيل: ضمن يشرب معنى يروي.

(5)

المصاحبة: انضمام شيء لآخر انضماما يقتضي تلازمهما فيما يقع عليهما أو منهما، وعلامتها: أن يصلح في موضعها "مع"، ويغني عنها وعن مصحوبها الحال.

(6)

أو كافرين على الحال؛ ومثل هذه الآية: {اهْبِطْ بِسَلامٍ} ؛ أي معه، أو مسلما.

(7)

سيأتي قريبا أيضاح معنى المجاوزة، وعلامة المجاوزة هنا: أن يصلح في مكانها "عن". قيل: ويختص هذا المعنى بالسؤال كما مثل المصنف، وبدليل:{يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} ، وقيل: لا يختص بذلك بدليل قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ؛ أي عنه.

(8)

هي التي يصلح في مكانها "في" والظرفية مكانية وزمانية، وقد مثل لهما المصنف.

(9)

أي أن تكون بمعنى كلمة "بدل"، وقد بينا الفرق بين البدل وبين العوض، قريبا، والقول.

ص: 280

والعاشر: الاستعلاء

(1)

؛ نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَار} أي: قنطار.

والحادي عشر: السببية

(2)

؛ نحو: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} .

والثاني عشر: التأكيد، وهي الزائدة

(3)

؛ نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} ، ونحو:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، ونحو: بحسبك درهم، ونحو: زيد ليس بقائم. ولـ"في" ستة معان:

الظرفية؛ حقيقة

(4)

مكنية أو زمانية؛ نحو: {فِي أَدْنَى الأَرْضِ} ، ونحو:{فِي بِضْعِ سِنِينَ} . أو مجازية

(5)

؛ نحو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ} .

الذي ذكره المصنف هو لرافع بن خديج الصحابي، وفي الحديث:"ما يسرني حمر النعم" أي بدلها.

(1)

هي التي يصلح في موضعها "على"، وقد تقدم قريبا معنى الاستعلاء.

(2)

أي: أو التعليل. وهي التي يكون ما بعدها سببا أو علة فيما قبلها.

(3)

وتزاد في مواضع منها: زيادتها في فاعل "أفعل" في التعجب للتوكيد، وزيادتها فيه لازمة، وتغلب في فاعل "كفى"، وتزاد في المفعول نحو:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} . وزيادتها في غير ذلك مقيسة. وفي خبر "ليس" و"ما" وزيادتها فيهما لتأكيد النفي وفي المبتدأ مع لفظ حسب، وقد مثل الموضح لذلك، وتأتي الباء للقسم، وهذا من أكثر استعمالاتها وهي الأصلية فيه، وتستعمل في القسم الاستعطافي وهو الذي يكون جوابه جملة طلبية نحو: بالله هل زاركم محمد؟ أي أسألك بالله. وغير الاستعطافي، وهو المؤكد بجملة خبرية نحو: بالله لتسافرن. وللغاية بمعنى "إلى" نحو قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ؛ أي أحسن إلي.

(4)

وهي: ما كان للظرف احتواء وللمظروف تحيز، وذلك بأن يكون كل من الظرف والمظروف من الذوات، و"أدنى" و"بضع" قد اكتسبتا الظرفية من المضاف إليهما؛ فإن "أدنى" اسم تفضيل من الدنو، و"بضع" اسم لما بين الثلاث إلى التسع.

(5)

هي ما فقدت ركني الحقيقة؛ نحو: في عملك نفع، وقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، أو الاحتواء؛ نحو: محمد في سعة من الرزق، أو التحيز كمثال.

ص: 281

والسببية؛ نحو: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(1)

.

والمصاحبة

(2)

؛ نحو: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} .

والاستعلاء؛ نحو: {لأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} .

والمقايسة

(3)

؛ نحو: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}

(4)

.

وبمعى الباء؛ نحو:

بصيرون في طعن الأباهر والكلى

(5)

المصنف وقد اجتمعت الظرفية الحقيقة والمجازية في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .

(1)

أي بسبب ما أفضتم؛ أي خضتم فيه من حديث الإفك، وما اتهمتم به السيدة عائشة وتسمى التعليلية، وفي الحديث:"دخلت امراة النار في هرة حبستها"؛ أي بسبب، أو لأجل هرة.

(2)

هي التي يحسن في موضعها "مع".

(3)

أي: أو الموازنة؛ وهي ما يكون ما قبلها ملاحظا بالقياس إلى ما بعدها، ويحكم عليه بعد القياس بأمر ما؛ فهي واقعة بين مفضول سابق وفاضل لاحق. ولا مانع من العكس أحيانا.

(4)

أي: بالقياس إلى الآخرة وموازنته بمتاعها.

(5)

عجز بيت من الطول، لزيد الخير، الذي كان يعرف في الجاهلية بزيد الخيل، فسماه النبي بعد أن أسلم زيد الخير. وصدره:

ويركب يوم الروع مجنا فوراس

اللغة والإعراب: الروع: الفزع والخوف. فوارس: جمع فارس على غير قياس. بصيرون: عارفون وخبيرون. الأباهر: جمع أبهر، وهو عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، الكلى: جمع كلوة، أو كلية. "يوم" ظرف منصوب بيركب. "بصيرون" صفة لفوارس. "في طعن" متعلق به "الأباهر" مضاف إليه. "والكلى" معطوف على الأباهر.

المعنى: في اليوم الذي يفزع فيه الناس ويرهبون -وهو يوم الحرب- يركب منا فرسان شجعان مدربون على الحرب، خبيرون بطعن المقاتل التي تقضي على الأعداء.

الشاهد: قوله "في طعن"؛ فإن "في" بمعنى الباء؛ لأن بصيرا يتعدى بها، وتأتي "في" بمعنى "إلى" الغائية، ومنه قوله تعالى:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} كناية عن

ص: 282

ولـ"على" أربعة معان:

أحدها: الاستعلاء

(1)

؛ نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .

والثاني: الظرفية؛ نحو: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} ؛ أي: في حين غفلة.

عدم الرد عن ترك الكلام. وبمعنى "من"؛ نحو قوله تعالى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} . وبمعنى الباء التي للإلصاق؛ نحو: وقف الحارس في الباب؛ أي ملاصقا له.

وقد اقتصر الناظم في معاني "في" على الظرفية والسببية، وعلى بعض معاني الباء، فقال مشيرا إلى ذلك.

والظرفية استبن بـ"با"

و"في" وقد يبينان السببا

بالبا استعن وعد عوض ألصق

ومثل "مع" و"من" و"عن" بها انطق

ترك من أول البيت كلمة "وزيد"؛ لأنها من معاني اللام وقد ذكرت قبل ثم قال الناظم: والظرفية استبن ببا وفي؛ أي اجعل الظرفية واضحة بهما؛ لأنها من معانيهما؛ أي أن الباء وفي قد اشتركا في إفادة الظرفية، وكذلك السببية، وذكر أن الباء تكون للاستعانة وللتعدية، وللتعويض، وللإلصاق، وبمعنى "مع"؛ أي المصاحبة.

وبمعنى "من" -أي للتبعيض، وبمعنى "عن"- أي المجاوزة، وقد أوضحنا ذلك كله.

(1)

أي العلو؛ وهو أكثر معانيها استعمالا، والاستعلاء قد يكون حقيقة إن كان على نفس المجرور وهو الغالب؛ حسا كمثال المصنف، أو معنى؛ نحو:{فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، ومجازًا إن كان العلو على ما يقرب من المجرور؛ نحو:{أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى} ، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ، فقد شبه التمكن من الهدى والأخلاق العظيمة الشريفة والثبوت عليها، بمن علا دابة يصرفها كيف شاء، وليس من الاستعلاء المجازي قولهم:"توكلت على الله، واعتمدت عليه"؛ لأن الله لا يعلو عليه شيء لا حقيقة ولا مجاز، وإنما ذلك من باب الإضافة والإسناد؛ أي أضفت توكلي واعتمادي إلى الله، وأسندتهما إليه -سبحانه-.

* "والظرفية" مفعول مقدم لاستبين. "ببا" متعلق به. "وفي" عطف على ببا. "يبنيان" مضارع وألف الاثنين فاعل وهي عائدة إلى "الياء" و"في""السببا" مفعول والألف للإطلاق. "بالبا" متعلق باستعن والألف للضرورة. "وعد، عوض، ألصق" معطوفان على استعن بحذف العاطف. "ومثل مع" حال من "ها" في بها ومضاف إليه. "ومن، وعن" معطوفان على مع. "بها" متعلق بانطق.

ص: 283

والثالث: المجاوزة؛ كقولك:

إذا رضيت علي بنو قشير

(1)

أي: عني.

والرابع: المصاحبة؛ نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} ؛ أي: مع ظلمهم.

ولـ"عن" أربعة معان أيضًا.

أحدها المجاوزة

(2)

؛ نحو: سرت عن البلد، ورميت عن القوس.

(1)

صدر بيت من الوافر، لقحيف العامري، يمدح حكيم بن المسيب القشيري، وعجزه:

لعمر الله أعجبني رضاها

اللغة والإعراب: بنو قشير: قبيلة تنبسب إلى كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. لعمر الله: المراد: الحلف بإقراره لله -تعالى- بالبقاء بعد فناء الخلق. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "رضيت" فعل الشرط. "بنو قشير" فاعل رضيت ومضاف إليه. "لعمر الله" اللام للابتداء، وعمر الله مبتدأ ومضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله، والخبر محذوف وجوبا؛ أي قسمي. "أعجبني رضاها" جواب الشرط.

المعنى: واضح.

الشاهد: وقوع "على" بمعنى "عن"؛ لأن الأصل في "رضي" أن يتعدى بعن لا بعلى.

وقيل: إن "رضي" مضمن معنى عطف. وتأتي "على" بمعنى اللام، نحو:{لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ؛ أي لهدايته إياكم. وبمعنى "من"؛ نحو: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} ؛ أي من الناس. وبمعنى الباء نحو: حقيق على ألا أقول إلا الحق، أي بألا أقول. وبمعنى "عند"؛ نحو:{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} ؛ أي عندي.

(2)

المجاوزوة هي: ابتعاد شيء مذكور أو غير مذكور عن حرف الجر بسبب شيء قبله؛ فالأول: نحو: رميت السهم عن القوس، والثاني؛ نحو: -رضي الله عنك؛ أي: جاوزتك المؤاخذة بسبب الرضا والمجاوزة قد تكون حقيقة كهذين المثالين، وقد تكون مجازية، إذا كانت في المعانى؛ نحو: أخذت الفقه عن عالم متمكن؛ أي أن الفقه جاوزه بسبب الأخذ منه، والمجاوزة أظهر معاني "عن" وأكثرها استعمالا.

ص: 284

والثاني: البعدية

(1)

؛ نحو: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} ؛ أي حالا بعد حال

(2)

.

والثالث: الاستعلاء؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} أي: على نفسه، وقول الشاعر:

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب

عني

(3)

؛ أي: علي

(1)

أي: أن تكون بمعنى "بعد".

(2)

أي: من البعث والسؤال والموت، أو من النطفة إلى ما بعدها، وقيل: إن "عن" هنا باقية على ظاهرها. والمعنى: طبقا متجاوزا في الشدة عن طبق آخر دونه.

(3)

جزء بيت من البسيط، لذي الإصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرث، ولقب بذي الإصبع؛ لأن حية نهشت إبهام رجله فقطعها، في مزين بن جابر تمامه:

ولا أنت دياني فتخزوني

وهذا البيت من قصيدة له مشهورة، مطلعها:

يا من لقلب شديد الهم محزون

أمسى تذكر ريا أم هارون

وبعده:

ولا تفوت عيالي يوم مسغبة

ولا بنفسك في الضراء تكفيني

فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي

إن ذلك مما ليس يشجيني

ومنها:

إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها

إن كان أغناك عني سوف يغنيني

اللغة والإعراب: لاه: أصله: لله، حذفت لام الجر، واللام الأولى من لفظ الجلالة شذوذا، أفضلت: زدت وصرت صاحب فضل. حسب: هو كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ومآثرهم. دياني: مالك أمري، وهو صيغة مبالغة، من دان فلان فلانا، أخضعه وملك أمره. تخزوني: تسوسني وتقهرني. "لا" مجرور بحرف جر محذوف، والجار والمجرور خبر مقدم. "ابن عمك" مبتدأ مؤخر مضاف إليه. "لا" نافية "أفضلت" فعل. ونائب فاعل. "في حسب عني" متعلقان بأفضلت. "لا" نافية "أنت" مبتدأ. "دياني" خبر مضاف إلى ياء المتكلم. "فتخزوني" مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية، وسكنت الواو تخفيفا وللقافية.

المعنى: لله در ابن عمك، يعني نفسه، فقد حاز من الصفات السامية ما يتعجب منه، وأنت لم تفضلني في المفاخر، ولست القائم على أمري وبيدك مصيري، حتى تسوسني وتقهرني وتذلني.

الشاهد: أن "عن" للاستعلاء بمعنى "على"؛ لأن المعروف أن يقال: أفضلت عليه: وجوز الرضي: أن تكون "عن" باقية على أصلها؛ وضمن الشاعر أفضلت، معنى تجاوزت في الفضل، وفي البيت حذف الجر وإبقاء عمله.

ص: 285

والرابع: التعلي؛ نحو: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} ؛ أي لأجله

(1)

.

وللكاف أربعة معان أيضًا:

أحدها: التشبيه

(2)

؛ نحو: {وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}

(3)

.

والثاني: التعليل؛ نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} ؛ أي لهدايته إياكم

(4)

.

(1)

ويجوز أن يكون حالا من ضمير "تاركي"؛ أي ما نتركها صادرين عن قولك.

هذا: وتأتي "عن" بمعنى "من"؛ نحو: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} أي: من عباده، وبمعنى الباء، نحو:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ؛ أي بالهوى. وللبدل؛ نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ؛ أي بدل نفس. ولغير ذلك. وفي بعض معاني "على" و"عن" يقول الناظم:

على للاستعلا ومعنى "في" و"عن"

بعن تجاوزا عني من قد فطن

وقد تجي موضع "بعد" و"على"

كما "على" موضع "عن" قد جعلا

أي: أن "على" تستعمل للاستعلاء، وبمعنى "في" للظرفية، ومثل "عن" للمجاوزة وتؤدي هذا المعنى إذا قصده من فطن له، وتأتي "عن" بمعنى "بعد"، وبمعنى "على" المفيدة للاستعلاء، كما أن "على" تكون بمعنى "عن" للمجاوزة.

(2)

وهو أكثر معاني الكاف تداولًا، والأصل فيها.

(3)

الدهان: الأديم الأحمر، أو جمع دهن؛ أي صارت السماء محمرة كوردة مذابة كالدهن الذي يدهن به.

(4)

فالكاف للتعليل، و"ما" مصدرية.

* "على" قصد لفظه "للاستعلا" خبر وقصر للضرورة. "ومعنى في" معطوف على الاستعلاء ومضاف إليه. "وعن" معطوف على في، "بعن" متعلق بعني. "تجاوزا" مفعول مقدم لعني. "من" اسم موصول فاعل عني. "قد فطن" الجملة صلة من. "تجي" مضارع فاعله يعود على عن. "موضع" ظرف لتجي. "بعد" مضاف إليه. "وعلى" معطوف على بعد، "كما" الكاف جارة وما مصدرية. "على" مبتدأ مقصود لفظه. "موضع عن" ظرف متعلق يجعلا ومضاف إليه. "جعلا" مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى. "على" والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 286

والثالث: الاستعلاء، قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: كخير؛ أي عليه

(1)

. وجعل مه الأخفش قولهم: "كن كما أنت"؛ أي: على ما أنت عليه

(2)

.

والرابع: التوكيد؛ وهي الزائدة؛ نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} ؛ أي: ليس شيء مثله

(3)

.

ومعنى إلى، وحتى: انتهاء الغاية

(4)

مكانية أو زمانية؛ نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} ؛ ونحو: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}

(5)

؛ ونحو: أكلت

(1)

استدل المصنف بهذا؛ لأن القول له، والمجيب هو رؤبة بن العجاج الراجز المشهور، وقيل: الكاف للتشبيه على حذف مضاف، أي كصاحب خير.

(2)

الكاف بمعنى "على"، و"ما" موصولة في محل جر بالكاف، و"أنت" مبتدأ حذف خبره -أي كن على الحال التي أنت عليها. وقيل:"أنت" خبر حذف مبتدؤه؛ أي كن كالشخص الذي هو أنت. وقيل: "ما" زائدة ملغاة والكاف جارة و"أنت" ضمير مرفوع نائب عن الضمير المجرور، وهو في محل جر بالكاف، والجار والمجرور خبر "كن"؛ أي كن فيما يستقبل مماثلا لنفسك فيما مضي. وقيل غير ذلك من الأعاريب.

(3)

هكذا قدره الأكثرون؛ فرارا من إثبات المثل وهو محال عليه -سبحانه-، وقد زيدت الكاف لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة، وقيل: إن الكاف ليست بزائدة، و"مثل" بمعنى الذات أو الصفة، وقيل غير ذلك.

وقد ذكر الناظم من معاني الكاف ما جاء في قوله:

شبه بكاف وبها التعليل قد

يعنى وزائدًا لتوكيد ورد

أي أن الكاف تأتي لتشبيه، وقد تأتي للتعليل، وورد مجيئها زائدة للتوكيد. ولم يذكر الناظم الاستعلاء من معانيها.

(4)

المقصود بالغاية كما تقدم: المسافة والمقدار. والمراد بانتهاء الغاية: أن المعنى قبلهما ينقطع وينتهي بوصوله إلى المجرور بعدهما، وتشاركهما في ذلك "اللام" وقد تقدمت.

(5)

"إلى" هنا لانتهاء الغاية. الزمانية وفي الآية قبلها للمكانية.

* "بكاف" متعلق بشبه. "وبها" متعلق يعني. "التعليل" مبتدأ. "قد يعني" قد للتقليل، ونائب فاعل يعني يعود على التعليل وجملة الفاعل ونائبه خبر المبتدأ. "وزائدا" حال من فاعل. "ورد" الآتي "لتوكيد" متعلق بزائد، "ورد" فعل ماض وفاعله يعود إلى الكاف.

ص: 287

ونحو: أكلت السمكة حتى رأسها، ونحو:{سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}

(1)

.

وإنما يجر بـ"حتى" في الغالب: آخر، أو متصل بآخر كما مثلنا؛ فلا يقال: سهرت البارحة حتى نصفها

(2)

.

ومعنى "كي" التعليل

(3)

، ومعنى "الواو، والتاء"

(4)

: القسم.

(1)

" حتى" للانتهاء في الزمان، وفي المثال الأول لانتهاء الغاية في المكان.

(2)

لأن النصف ليس آخرا ولا متصلا به. والغالب أن يكون مجرور. "حتى" اسما ظاهرا، لا مضمرا.

هذا: وتأتي "إلى" للمصاحبة، نحو: من غش في المعاملة أساء قومه إلى نفسه؛ أي مع نفسه وللاختصاص؛ نحو: أمر الأمة إلى رئيسها، وأمر الأسرة إلى راعيها، والظرفية؛ نحو سيجمع الله الناس إلى يوم تشيب فيه الولدان؛ أي في يوم.

وتأتي "حتى" للتعليل والدلالة على أن ما قبلها علة وسبب لما بعدها بعكس اللام؛ فإن ما بعدها هو العلة لما قبلها، وفي هذه الحالة لا تجر إلا المصدر المنسبك من أن الناصبة وصلتها؛ نحو: أحسن عملك حتى تكافأ، وقد اقتصر الناظم على ما في قوله:

للانتها "حتى" و"لام" و"إلى"

و"من" و"باء" يفهمان بدلا

أي أن "حتى" تدل على انتهاء الغاية، وكذلك "اللام" و"إلى" و"من" والباء" يشتركان في معنى واحد؛ هو البدل وقد تقدم ذلك. هذا: وقد ذكر النحاة فروقا بين "حتى" و"إلى" تجر الظاهر والمضمر، و"حتى" لا تجر إلا الظاهر على الراجح، و"إلى" تدل على النهاية إذا وجدت قبلها "من" الدالة على البداية، ولا يصح مجيء "حتى".

(3)

تقدم الكلام عليها صفحة 264.

(4)

حروف القسم أربعة: اللام والباء، وقد تقدم الكلام عليهما. انظر صفحة 275، وصفحة 279، أما الواو والتاء فيدلان على القسم غير الاستعطافي، ولا يصح أن يذكر معهما فعل القسم، ولا يجران إلا الاسم الظاهر، والتاء لا تجر من الأسماء الظاهرة إلا:"الله، رب، الرحمن"، ومن الشذوذ أن تجر غير هذه الثلاثة، انظر صفحة:269.

* "للانتها" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "حتى" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "ولام وإلى" معطوفان على حتى. "ومن" قصد لفظه مبتدأ، والواو للاستئناف. "وباء" معطوف على من. "يفهمان" فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ. "بدلا" مفعول به ليفهمان.

ص: 288

ومعنى مذ ومنذ

(1)

: ابتداء الغاية إذا كان الزمان ماضيا؛ كقوله:

أقوين مذ حجج ومذ دهر

(2)

وقوله:

وربع عفت آثاره منذ أزمان

(3)

(1)

انظر صفحة: 268.

(2)

عجز بيت من الكامل، لزهير بن أبي سلمى، من قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان. وصدره:

لمن الديار بقنة الحجر

اللغة والإعراب: قنة: هي أعلى الجبل. الحجر: منازل قوم ثمود بالشام عند وادي القرى. أقوين: خلون من السكان. حجج: سنين، جمع حجة وهي السن، وهو اسم زمان كالدهر. "لمن" اللام جارة، ومن اسم استفهام في محل جر باللام، والجار والمجرور خبر مقدم. "الديار" مبتدأ مؤخر، "بفنة" متعلق بمحذوف صفة للديار. "الحجر" مضاف إليه، "أقوين". فعل ماض ونون النسوة فاعل، والجملة حال من الديار بتقدير قد. "مذ" حرف جر بمعنى من. "حجج" مجرور بها.

المعنى: لمن هذه الديار التي بأعلى المكان؟ وقد خلت من ساكنيها من سنوات وأزمان طويلة.

الشاهد: في "مذ" حيث استعملت حرف الجر بمعنى "من" لابتداء الغاية الزمنية والمجرور ماض، وهو قليل.

(3)

عجز بيت من الطويل، لامرئ القيس الكندي، وصدره:

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان

اللغة والإعراب: "قفا" أمر للواحد بلفظ الاثنين على عادة العرب؛ مثل: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} . ذكرى: تذكر. عرفان: معرفة. ربع: منزل ودار. عفت آثاره: درست وانمحت علاماته. "قفا" فعل أمر، وألف الاثنين فاعل. "نبك" مضارع مجزوم في جواب الأمر بحذف الياء. "من ذكرى" جار ومجرور متعلق بنبك. "حبيب مضاف إليه، "وعرفان" معطوف على حبيب، "وربع" معطوف على ذكرى، أو على حبب. "عفت آثاره" الجملة.

ص: 289

والظرفية إن كان حاضرا

(1)

؛ نحو: منذ يومنا. وبمعنى "من" وإلى "معا إن كان معدودًا؛ نحو: مذ يومين

(2)

.

ورب للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا

(3)

: فالأول؛ كقوله عليه السلام: "يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة"

(4)

، وقول بعض العرب عند انقضاء رمضان: يا رب صائمه

صفة لربع. "منذ" حرف جر بمعنى من. "أزمان" مجروريها، والجار والمجرور متعلق بعفت.

المعنى: قف يا صاحبي نندب حظنا ونذرف الدمع من تذكر الأحبة والأصدقاء الذين فقدناهم، وتلك المنازل التي درست بعد أن كانت عامرة بأهلها، وذهبت آثارها ومعالها من أزمان طويلة.

الشاهد: جر "منذ" للزمان الماضي وهي للابتداء، وأكثر العرب يرى وجوب جر "منذ ومذ" للحاضر، وترجيح جر "منذ" للماضي، وترجيح رفع "مذ" للماضي على جره.

(1)

فيكونان على معنى "في" وينصبان بالفعل قبلهما.

(2)

أي ما رأيته من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها؛ ويشترط حينئذ: أن يكون الزمان نكرة معدودا لفظا، كمذ يومين، أو بمعنى كمذ شهر؛ لأنهما لا يجران المبهم -أي غير المعدود. ويجوز وقوع المصدر بعدهما، تقول: ما رأيته مذ قدوم الحجاج- أي مذ زمن قدوم الحجاج، كما يجوز وقوع "أن" وصلتها بعدهما. نحو: ما رأيته منذ أن الله خلقني، وهو على تقدير زمان أيضًا، وفي مذ ومنذ الحرفان يقول الناظم:

وإن يجرا في مضي فكـ"من"

هما وفي الحضور معنى "في" استبنع

أي إن وقع ما بعدهم مجرورا، وكان ماضيا فهما حرفا جر بمعنى "من"، وإن كان حاضرا فهما بمعنى "في"، وقوله استبن: أي اطلب بيان معنى "في" الظرفية.

(3)

يرى فريق من النحاة، أنها للتقليل دائما، وزعم ابن درستويه وجماعة أنها للتكثير دائما.

(4)

"يا" للتنبيه أو للنداء والمنادى محذوف. "رب" حرف جر شبيه بالزائد. "كاسية"؛ أي مكسية مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة. "في الدنيا" متعلق به. "عارية" خبر. "يوم القيامة"

* "إن" شرطية "يجرا" فعل الشرط والألف فاعل. "في مضي" متعلق بيجرا. "فكمن" الفاء لرابط الجواب بالشرط، و"كمن" ومجرور خبر مقدم، "هما" مبتدأ مؤخر، "وفي الحضور" متعلق باستبن. "معنى" مفعول استبن مقدم. "في" مضاف إليه مقصود لفظه.

ص: 290

لن يصومه وقائمه لن يقومه

(1)

. والثاني؛ كقوله:

ألا رب مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

(2)

ظرف متعلق بعارية، ومضاف إليه، ويجوز أن تكون عارية صفة لكاسية باعتبار اللفظ أو المحل، والخبر محذوف؛ أي ثابتة.

المعنى: كثير من الناس مستور ومكسو في الدنيا، مفضوح وعار اليوم القيامة.

الشاهد: أن "رب" هنا للتكثير؛ لأن الحديث مسوق للتخفيف، والتقليل لا يناسبه.

ومثله وقوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} .

(1)

"صائمه" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة، والهاء مضاف إليه، وهي في محل نصب مفعول لصائم. "لن يصومه" الجملة خبر. وقد استدل بهذا الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي.

المعنى: كثير ممن يصومون رمضان ويقومون ليلة لا ثواب لهم في صومهم وقيامه؛ لأنهم يضيعون ثوابهم بما يرتكبون من آثام.

الشاهد: فيه كسابقة.

(2)

بيت من الطويل، ينسب لرجل من أزد السراة، ولم يعين اسمه. وذكر الفارسي أنه لرجل اسمعه عمرو الجنبي، لقي امرأ القيس في إحدى الفلوات فخاطبه بهذا البيت.

اللغة والإعراب: مولود ليس له أب: هو عيسى عليه السلام ولد ليس له أبوان: هو آدم أبو البشر، فقد خلق من تراب. "ألا" للتنبيه. "رب" حرف جر وتقليل شبيه بالزائد.

"مولود" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الشبيه بالزائد، "وليس له أب" الواو للحال، والجملة من ليس ومعموليها، في موضع نصب على الحال، وخبر المبتدأ محذوف؛ أي موجود "وذي" معطوف على مولود مجرور بالياء؛ لأنه من الأسماء الخمسة، "ولد" مضاف إليه "يلده" مضارع مجزوم بلم بسكون مقدر منع من ظهوره حركة التخلص من التقاء الساكنين العارض؛ فقد سكنت اللام تشبيها بكتف وفخذ ونحوهما، من كل كلمة ثانيها مكسور؛ فإنه يجوز إسكانه للتخفيف وسكنت الدال للجازم، فحركت الدال بالفتح إتباعا للياء، ويجوز في ضمها إتباعا للهاء. "أبوان" فاعل يلد، والجملة صفة لذي ولد.

الشاهد: كون "رب" هنا للتقليل؛ لأنه لا يوجد من هذين الصنفين إلا فرد واحد، ولا تجر رب غالبا إلا الاسم الظاهره النكرة، وتحتاج هذه النكرة لصفة من مفرد أو جملة أو شبهها، وقد تجر ضميرا للتنبيه يفسره اسم منصوب بعده يعرب تمييزا

إلخ، انظر صفحة 269.

ص: 291

يريدان بذلك آدم وعيسى - عليهما الصلاة والسلام -

فصل: من هذه الحروف ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية، وهو خمسة:

أحدهما: الكاف

(1)

والأصح أن اسميتها مخصوصة بالشعر؛ كقوله:

يضحكن عن كالبرد المنهم

(2)

(1)

يرى الأخفش والفارسي وابن مالك: أن استعمالها اسما قياسي في سعة للكلام، ولا يختص بضرورة الشعر، وقد كثر في كلام الفحول من الشعر، وإذا صارت اسما كانت بمعنى "مثل"، وتقع فاعلا فتكون مبنية على الفتح في محل رفع؛ كقول الشاعر:

ما عاتب المرء الكريم كنفسه ......

ومفعولا؛ كقول آخر:

ولم أر كالمعروف أما مذاقه

فحلو وأما وجهه فجميل

وفي محل جر، نحو: تبتسم عن كاللؤلؤ، وكمثال المصنف.

(2)

رجز للعجاج بن رؤبة، يصف نسوة بالحسن والجمال وصدره:

بيض ثلاث كتعاج جم

اللغة والإعراب: بيض: جمع بيضاء. نعاج: جمع نعجة، والمراد بها هنا البقرة الوحشية، شبهت بها المرأة الحسناء، ولا يقال نعاج لغيرها. جم: جمع جماء وهي التي لا قرن لها. البرد: مطر ينعقد كرات صغيرة. المنهم: الذائب منه بعضه حتى يصير كرات صغيرة جدا. "بيض" مبتدأ. "ثلاث" صفة له "كنعاج" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية. "جم" صفة لنعاج. "يضحكن" فعل مضارع ونون النسوة فاعل، والجملة خبر المبتدأ "كالبرد، الكاف اسم بمعنى "مثل" في محل جر بعن، والبرد مضاف إليه. "المتهم" صفة للبرد.

المعنى: أن هؤلاء النسوة البيض اللاتي كبقر الوحش خفة ورشاقة، يضحكن عن أسنان كالبرد الصغير صفاء ولطافة.

ص: 292

والثاني والثالث: "عن"، و"على"؛، وذلك إذا دخلت عليهما "من"؛

(1)

كقوله:

من عن يميني مرة وأمامي

(2)

الشاهد: استعمال الكاف في "كالبرد" اسما بمعنى "مثل"؛ بدليل دخول حرف الجر عليها، وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم.

(1)

ليس ذلك بقيد لاسميتهما، وإنما الغالب وقوعهما مجرورتين بمن، وإذا استعملا اسمين، كانت "عن" بمعنى جانب، و"على" بمعنى فوق. وهذا الاستعمال قياسي فيهما. وإلى استعمال الكاف و"عن" و"على" أسماء يشير الناظم بقوله:

واستعمل اسما وكذا "عن" و"على"

من أجل ذا عليهما "من" دخلا

أي أن الكاف استعملت اسما، وكذلك "عن" و"على"، ومن أجل استعمالهما اسمين دخل عليهما الحرف الجار "من"، وهو لا يدخل إلى على الأسماء.

(2)

عجز بيت من الكامل، لقطري بن الفجاءة الخارجي، وصدره:

فلقد أرباني للرماح دريئة

اللغة والإعراب: دريئة: هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي. "ولقد" اللام واقعة في جاب قسم مقدر، وقد حرف تحقيق. "أراني" مضارع، والفاعل أنا، والنون للوقاية، والياء مفعول أول. "للرماح" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من دريئة، الواقع مفعولا ثانيا لأرى. "من" جارة. "عن" اسم بمعنى جانب أو جهة، في محل جر بمن، والجار والمجرور متعلق بمحذوف يدل عليه أراني. "يميني" مضاف إليه. "مرة" منصوب على المصدرية "وأمامي" معطوف على يميني.

المعنى: يصف نفسه بالشجاعة والصبر على الجلاد في معمعة الحرب حين يفر الأبطال، فتتقاذف عليه رماح الأعداء ونبالهم، وتأتيه من كل جانب وهو ثابت، أو يريد: أن المحاربين معه يتخذونه وقاية يتقون بها رمايا الأعداء؛ لشجاعته ورباطة جأشه.

* "واستعمل" ماض للمجهول، ونائب الفاعل، يعود إلى الكاف في البيت السابق. "اسما" حال من نائب الفاعل. "وكذا" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "عن" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه "وعلى" معطوف على عن. "من أجل" متعلق بدخل. "ذا" مضاف إليه. "عليهما" متعلق بدخل. "من" قصد لفظه مبتدأ. "دخلا" فعل ماض فاعله يعود على. "من" والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 293

وقوله:

غدت من عليه بعدما تم ظمؤها

(1)

والرابع والخامس: "مذ"، ومنذ". وذلك في موضعين

(2)

.

الشاهد: أن "عن" اسم بمعنى جانب أو جهة، بدليل دخول حرف الجر عليه وهو "عن".

(1)

صدر بيت من الطويل، لمزاحم بن الحارث العقيلي يصف قطاة، وعجزه:

تصل وعن قيض بزيزاء مجهل

اللغة والإعراب: غدت: صارت والضمير فيه عائد على القطاة. ثم: كمل. ظمؤها: مدة صبرها عن الماء؛ والظم: ما بين الشرب والشرب، تصل: تصوت أحشاؤها من العطش، قيض: هو القشر الأعلى للبيض. زيزاء: بيداء، وهي الأرض القفر التي لا ماء فيها. مجهل: قفر ليس فيها أعلام يهتدي بها. "غدت" فعل ماض من أخوات كان، واسمها مستتر يعود على القطاة. "من" جارة. "عليه" اسم بمعنى فوق في محل جر بمن، والهاء مضاف إليه. "بعد" ظرف منصو بغدت. "ما" مصدرية. "ثم ظمؤها" فعل وفاعل ومضاف إليه، والمصدر المنسبك من "ما" وما بعدها مضاف إليه لبعد أي بعد تمام، "تصل" الجملة خبر غدت. "وعن قيض" معطوف بالواو على قوله "من عليه""بزيزاء" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقيض، ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة، "مجهل" مضاف إليه، أو صفة لزيزاء، أو بدل كل من كل.

المعنى: أن هذه القطاة صارت من فوق فرخها، وقد مضت المدة التي تصبر فيها عن الماء -تصوت من شدة الظمأ، وهي على قشور البيض والأفراخ في تلك الأرض الغليظة القفر الخالية مما يهتدي به السائرون.

الشاهد: استعمال "على" اسما بمعنى "فوق"؛ بدليل دخول حرف الجر عليها. وقيل: معناه "عند".

(2)

وإليهما يشير الناظم بقوله:

و"مذ ومنذ" اسمان حيث رفعا

أو أوليا الفعل كـ"جئت مذ دعا"

* "ومذ" مبتدأ قصد لفظه. "ومنذ" معطوف عليه. "اسمان" خبر المبتدأ "حيث" ظرف صفة لمذ ومنذ. "رفعا" جملة الفعل والفاعل في محل جر بإضافة حيث. "أو" عاطفة. "أولياء" ماض للمجهول، والألف نائب فاعل وهي المفعول الثاني. "الفعل" مفعول أول؛ لأنه الفاعل في المعنى. "مذ" ظرف متعلق بجئت. "دعا" فعل ماض والفاعل هو، والجملة في محل جر بإضافة مذ.

أي أن "مذ" و"منذ" يكونان اسمين حين يرفعان اسما بعدهما، أو حين يليهما ويقع بعدهما فعل وفاعله، ومثل الناظم للجملة الفعلية بقوله: جئت مذ دعا، وسيأتي إيضاح ذلك.

ص: 294

أحدهما: أن يدخلا على اسم مرفوع؛ نحو: ما رأيته مذ يومان، أو مذ يوم الجمعة، وهما حينئذ: مبتدآن، وما بعدهما خبر

(1)

. وقيل: بالعكس

(2)

، وقيل: ظرفان، وما بعدهما فاعل بكان تامة محذوفة

(3)

.

والثاني: أن يدخلا على الجملة؛ فعلية كانت، وهو الغالب؛ كقوله:

ما زال مذ عقدت يده إزاره

(4)

(1)

ومعناهما: الأمد ونفي المدة؛ إذا كان الزمان حاضرا؛ نحو: ما رأيته مذ يومنا، أو معدودا كمثال المصنف "منذ يومان"، والتقدير: مدة عدم الرؤية يومنا، أو يومان ومن المعدود: منذ يوم، أو شهر، أو سنة، أو عشرة أيام، أو خمسة عشر يوما، أو عشرون يوما، أو مائة يوم، أو ألف يوم

إلخ. وإن كان الزمان ماضيا؛ نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة فمعناه: أول مدة انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وهذا مذهب المبرد والفارسي وبعض الكوفيين.

(2)

ويكونان ظرفين متعلقين بمحذوف هو الخبر وما بعدهما مبتدأ مؤخر، ويكون معنى ما لقيته مذ يومان بيني وبين لقائه يومان، وفي هذا تكلف وتقدير لا مبرر له، وهو مذهب الأخفش والزجاج.

(3)

والتقدير: مذ كان أو قد مضى يومان أو يوم الجمعة، وهما حينئذ متعلقان بمضون ما قبلهما، مع ملاحظة استمرار الانتفاء إلى زمن التكلم، وهذا مذهب جمهور الكوفيين، واختاره ابن مالك، ولعل الرأي الأول هو الأولى بالاتباع.

(4)

صدر بيت من الكامل، للفرزدق يرثي يزيد بن المهلب، وعجزه:

فسما فأدرك خمسة الأشبار

اللغة والإعراب: عقدت يده إزاره: كناية عن مجاوزته حد الطفولة وبلوغه سن التمييز والإزار: ما يلبسه الإنسان في نصفه الأسفل. فسما: شب واتفع. أدرك: بلغ ووصل، خمسة الأشبار: المراد: ارتفعت قامته وبلغ مبلغ الرجال. "ما" نافية. "زال" فعل

ص: 295

أو اسمية كقوله:

وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع

(1)

ماض ناقص، واسمها يعود على يزيد:"مذ" ظرف مبني على السكون في محل نصب بزال، وهو مضاف إلى جملة "عقدت يداه إزاره" من الفعل والفاعل والمفعول. "قسما" معطوف على عقدت، "فأدرك" معطوف عليه كذلك، "خمسة الأشبار" مفعول أدرك، ومضاف إليه، وخبر زال جملة "يدني" في البيت بعده، وهو:

يدني كتائب من كتائب تلتقي

في ظل معترك العجاج مثار

المعنى: أن يزيد منذ بلغ سن التمييز، واستطاع أن يقضي حوائجه بنفسه، ظهرت عليه مخايل الرجولة، وأخذ يتدرج في مدارج الرفعة والشجاعة ويظهر منه ما لا يرى إلا في الأبطال والعظماء.

الشاهد: دخول "مذ" على جملة فعلية، وهو الغالب فيها، وينبغي أن يكون الفعل ماضيًا.

(1)

صدر بيت من الطويل للأعشى ميمون بن قيس، وعجزه:

وليدا وكهلا حين شبت وأمردا

وهذا البيت من قصيدته المشهورة التي مطلعها:

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبت كما بات السليم مسهدا

اللغة والإعراب: أبغي: أطل. يافع: هو الغلام الذي بلغ الحلم، أو ناهز العشرين؛ يقال أيفع الغلام ويفع؛ فهو يافع، ولا يقال موفع؛ وكأنهم استغنوا باسم الفاعل من الثلاثي. وليدا: صبيا. كهلا: هو من وخطه الشيب، أو من جاوز الثلاثين، أو الأربعين إلى الخمسين والستين. أمردا: هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته؛ لأنه لم يبلغ سن الالتحاء؛ فإذا بلغه ولم تنبت لحيته فهو ثط. "ما" نافية "زلت" فعل ماض ناقص، والتاء اسمها. "أبغي المال" الجملة خبر زال. "مذ" ظرف معمول لأبغي. "أنا يافع" مبتدأ وخبر، والجملة مضاف إليه بمذ.

المعنى: إنني أطلب المال، وأسعى للحصول عليه منذ كنت ناشئا، ثم صبيا، إلى أن بلغت سن الكهولة.

الشاهد: دخول "مذ" على الجملة الاسمية.

ص: 296

وهما حينئذ ظرفان باتفاق

(1)

.

فصل: تزاد كلمة "ما" بعد من، وعن، والباء فلا تكفهن عن عمل الجر

(2)

؛ نحو: {مِمَّا خَطِياتِهِمْ} ، {عَمَّا قَلِيلٍ} ، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ}. وبعد "رب" و"الكاف" فيبقى العمل قليلا؛ كقوله:

ربما ضربة بسيف صقيل

(3)

(1)

قيل: ظرفان مضافان إلى الجملة، أو إلى زمن مضاف إلى الجملة. وقيل: إنهما مبتدأن؛ بتقدير زمن مضاف إلى الجملة، يكون هو الخبر، والتقدير في مثال الناظم:"جئت مذ دعا" وقت المجيء هو زمن دعائه، وفي بيت للأغشى: أول وقت طلبي المال، هو وقت كوني يافعًا؛ وعلى ذلك فدعوى الاتفاق على الظرفية غير مسلمة هذا، وأصل منذ: مذ، ولا تدخل "من" عليهما، ولا يصح العكس أيضا.

(2)

لأنها لا تزيل اختصاصهن بالأسماء، وتقتضي قواعد الكتابة اتصال الحرفين خطا، قال: الناظم:

وبعد "من" و"عن" و"باء" زيد "ما"

فلم يعق عن عمل قد علما

أي تزاد "ما" بعد "من" و"عن" والباء فلا تكفها وتمنعها عن عمل لها معلوم، وهو جر ما بعدها.

(3)

صدر بيت من الخفيف، لعدي بن الرعلاء الغساني. وعجزه:

بين بصرى وطعنة نجلاء

اللغة والإعراب: صقيل: مجلو أملس. بصرى: بلد الشام؛ كان بها سوق في الجاهلية، وذهب إليها النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه للتجارة، ورآه فيها بحيرا

* "وبعد" ظرف متعلق بزيد. "من" مضاف إليه مقصود لفظه "وعن وباء" معطوفان على من. "زيد" ماض للمجهول. "ما" نائب فاعل زيد. "يعق" مضارع مجزوم بلم، وفاعله يعود على "ما". "عن عمل" متعلق بيعق، "قد علما":"قد" حرف تحقيق، وعلى ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى علما، والألف للإطلاق، والجملة في محل جر صفة لعمل.

ص: 297

وقوله:

كما الناس مجروم عليه وجارم

(1)

والغالب أن تكفهما عن العمل

(2)

فيدخلان حينئذ على الجمل.

الراهب، وعرفه، وحذر عمه عليه، نجلاء: واسعة ظاهرة الاتساع، "رب" حرف جر شبيه بالزائد. "ما" زائدة بعدها "ضربة" مجرور برب لفظا، وهي مبتدأ. "بسيف" متعلق بمحذوف صفة لضربة. "صقيل" صفة لسيف. "بين" ظرف متعلق بمحذوف، وخبر المبتدأ "بصرى" مضاف إليه، أو صفة لضربة، والخبر محذوف. "وطعنة" معطوف على ضربة.

"نجلاء" صفة لها، مجرورة، بالكسرة الظاهرة للضرورة، وقد أضاف الشاعر "بين" إلى "بصرى"، وهو مفرد لم يعطف عليه مثله، مع أن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد؛ إما؛ لأن "بصرى" في قوة المتعدد؛ لأنها ذات أجزاء، ومحلات كثيرة؛ أي بين أجزائها وأماكنها. أو أن هناك مضافا محذوفا؛ أي بين أماكن بصرى.

المعنى: كثيرا ما استعملت سيفي للضرب، ورمحي للطعن، في هذه الجهة استعمالا مشرفا.

الشاهد: زيادة "ما" بعد "رب"، وعدم منعها من العمل. وذلك قليل.

(1)

عجز بيت من الطويل، لعمرو بن براقة الهمداني، وصدره:

وننصر مولانا ونعلم أنه

اللغة والإعراب: ننصر: نعين ونؤازر، مولانا؛ المراد هنا: حليفنا أو سيدنا، مجروم: مظلوم واقع عليه الجرم والتعدي، وجار: ظالم معتد. "مولانا" مفعول ننصر، منصوب بفتحة مقدرة على الألف، وهو مضاف إلى "نا". "أنه" أن واسمها. "كما" الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" زائدة. "الناس" مجرور بالكاف، والجار والمجرور خبر "أن"، والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي نعلم. "مجروم" خبر ثان؛ لأن. "عليه" جار ومجرور، ونائب فاعل لمجروم؛ لأنه اسم مفعول. "وجازم معطوف عليه.

المعنى: أن من أخلاقنا وشيمتنا أن نساعد حليفنا، ونعينه على عدوه، ونحن نعلم أنه كغيره من الناس يظلم، ويظلم غيره.

الشاهد: زيادة "ما" بعد الكاف في "كما الناس"، وعدم كفها عن عمل الجر.

(2)

وحينئذ تسمى "كافة" أما إذا لم تكف؛ فتسمى "زائدة" لا غير.

ص: 298

كقوله:

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

(1)

وفي زيادة "ما" بعد "رب" و"الكاف" يقول الناظم:

وزيد بعد "رب" و"الكاف" فكف

وقد تليهما وجر لم يكف

أي زيد الحرف "ما" بعد "رب"، وبعد "الكاف" فكفهما عن العمل، وقد يلهما ولا يكفيهما، ومعنى "لم يكف: لم يمنع" وكذلك تزاد "ما" قليلا بعد اللام؛ كقول الأعشى:

إلى ملك خير أربابه

فإن لما كل شيء قرارا

أي فإن لكل شيء. وما ورد من دخول "ما" على هذه الحروف وكفها عن العمل، يؤول عند الجمهور على أن "ما" مصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر مجرور بها. وتزاد "ما" أيضًا بعد أدوات الشرط الجازمة، وغير الجازمة؛ فلا تغير وضعها؛ نحو:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ} ، {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} . والغرض من زيادتها في هذه الأحوال كلها التأكيد.

(1)

عجز بيت من الطويل، لنهشل بن جرى، يرثي أخاه مالكا، وكان قد قتل في جيش علي يوم صفين، وصدره:

أخ ماجد لم يحزني يوم مشهد

اللغة والإعراب: ماجد: ذو مجد؛ والمجد: الرفعة والشرف والكرم. يحزني: يوقعني في الخزاية؛ وهي الإهانة والفضيحة؛ والمراد: يخذلني. يوم مشهد: اليوم الذي يشهده الناس ويحضرونه؛ والمراد يوم صفين، وهو الذي قتل فيه أخوه مالك. سيف عمرو؛ المراد: عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وسيفه: الصمصامة. مضاربة: جمع مضرب؛ وهو نحو شبر من طرفه. "أخ" مبتدأ. "ماجد" صفته. "لم يخزني" الجملة خبر. ويجوز أن يعرب. "أخ" خبرا لمبتدأ محذوف، وما بعده صفة. "يوم مشهد" ظرف متعلق بيخزني، ومضاف إليه. "كما" الكاف جارة، و"ما" كافة. "سيفا عمرو" مبتدأ، ومضاف إليه. "لم تخنه مضاربه" الجملة خبر المبتدأ.

* "وزيد" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على "ما" في البيت السابق. "والكاف" معطوف على "رب". "فكف" الفاء عاطفة، وفاعل كف يعود على "ما"، ومفعوله محذوف؛ أي فكف جرهما. "تليهما" فاعل تلى يعود على "ما"، وضمير التثنية مفعول به يعود على رب والكاف، و"جر" الواو للحال، و"جر" مبتدأ، "لم يكف" يكف مضارع مبني للمجهول؛ ومجزوم بلم؛ ونائب الفاعل يعود إلى. "جر" والجملةخبر المبتدأ.

ص: 299

وقوله:

ربما أوفيت في علم

(1)

والغالب على "رب" المكفوفة أن تدخل على فعل ماض

(2)

كهذا البيت، وقد تدخل على مضارع منزل منزلة الماضي لتحقق وقوعه؛ نحو:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}

(3)

.

المعنى: يمدح أخاه بالشجاعة والإقدام والكرم، وأنه لم يتخل عنه، ولم يخذله، ولم يحجم عن لقاء الأعداء معه يوم صفين؛ كما أن سيف عمرو بن معد يكرب لم يخذله ولم ينب في يده عن شيء ما.

الشاهد: أن "ما" كفت الكاف في "كما" عن الجر؛ فرفع "سيف" على الابتداء، وهذا هو الكثير فيها. هذا: وتقع "كما" بعد الجمل صفة في المعنى؛ نحو: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} ، وتعرب نعتا لمصدر أو حالا؛ أي نعيده أول خلق؛ إعادة مثل ما بدنا، أو نعيده مماثلا للذي بدأناه. ومثل:"كما": "كذلك".

(1)

صدر بيت من المديد لجذيمة بن الأبرش بن مالك بن فهم ملك الحيرة، وهو صاحب الزباء، وعجزه:

ترفعن ثوبي شمالات

اللغة والإعراب: أوفيت: نزلت، علم: جبل. شمالات: جمع شمال؛ وهي ريح تهب من ناحية القطب الشمالي. "ربما" رب حرف جر شبيه بالزائد، و"ما" كافة "ترفعن" مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، "ثوبي" مفعول ترفعن. "شمالا" فاعله.

المعنى: كثيرًا ما أنزل على الجبال العالية، في مهب الرياح العاتية، محتملا المصاعب؛ لأرقب الأعداء؛ يفتخر بأنه يرقب الطليعة بنفسه متحملا لمشاق؛ ولا يعتمد على غيره.

الشاهد: أن "ما" كفت "رب" عن عمل الجر؛ لأنها دخلت على الجملة الفعلية.

(2)

لأن معناها التكثير أو التقليل؛ وهما إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهور، وإذا كانت "ما" كافة، و"رب" غير عاملة، وجب وصلهما كتابة، فإن كانت "رب" عاملة، وجب فصلهما.

(3)

فإن "يود"، وإن كان مستقبلا حقيقة؛ لأنه في يوم القيامة؛ لكن لما كان معلوما لله تعالى، نزل منزلة الماضي، بجامع التحقق في كل، وقيل: إن المضارع مقصود به حكاية حال ماضية.

ص: 300

وندر دخولها على الجملة الاسمية كقوله:

ربما الجامل المؤيل فيهم

(1)

حتى قال الفارسي: يجب أن تقدر "ما" اسما مجرورًا برب بمعنى شيء

(2)

، والجامل خبرا لضمير محذوف، والجملة صفة لما

(3)

؛ أي رب شيء هو الجامل المؤبل.

فصل: تحذف "رب"، ويبقى عملها بعد الفاء كثيرًا؛ كقوله:

على طريق المجاز:

(1)

صدر بيت من الخفيف، لأبي دؤاد الإيادي، وعجزه:

وعناجيج بينهن المهار

اللغة والإعراب: الجامل: اسم جمع للإبل لا واحد له، وقيل: القطيع من الإبل مع رعاتها. المؤبل: المعد للقنية. عناجيج: جمع عنجوج؛ كعصفور؛ وهي الخيل الجياد الطويلة الأعناق، المهار: جمع مهر، وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة. "ربما":"رب" حرف تقليل وجر شبيه بالزائد، و"ما" كافة زائدة "الجامل" مبتدأ "المؤبل" صفته "فيهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، "وعناجيج" مبتدأ معكوف على الجامل، وخبره محذوف يدل عليه ما قبله. "بينهن المهار" خبر مقدم، ومبتدأ مؤخر، والجملة صفة لعناجيج.

المعنى: يصف نفسه بالكرم والجود، وأنه لا يبخل على من يتصل به بأحسن ما عنده؛ من الإبل المتخذة للقنية، والخيل الجياد التي معها أولادها.

الشاهد: دخول "رب" المكفوفة بما على الجملة الاسمية، وذلك نادر.

(2)

وذلك ليكون الاسم المجرور بها نكرة.

(3)

و"فيهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال؛ أي كائنا فيهم؛ وبذلك يكون مدخول رب مفردا، وإنما قدر الفارسي ضميرا محذوفا، ولم يجعل الجملة على حالها صفة لما ليحصل الربط بين الصفة والموصوف، وفي هذه الحالة تكتب "ما" مفصولة من "رب" بخلاف "ما" الكافة؛ فإنها تكتب موصولة.

ص: 301

فمثلك حبلى قد طرفته ومرضعا

(1)

وبعد "الواو" أكثر: كقوله:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

(2)

(1)

صدر بيت من الطويل؛ لامرئ القيس الكندي، من معلقته المشهورة يخاطب به محبوبته، وعجزه:

فألهيتها عن ذي تمائم محول

اللغة والإعراب: طرقت: أتيتها ليلا؛ والطروق: الإتيان في الليل. ألهيتها: شغلتها.

تمائم: جمع تميمة؛ وهي التعاويذ التي تعلق على الصبي لتقيه من العين والسحر ونحوهما، على عقيدة العرب، محول: اسم فاعل؛ من أحول الصبي، إذا مر عمره حول. "فمثلك" الفاء عاطفة و"مثلك" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة، وجر لفظا برب المحذوفة بعد الفاء والكاف مضاف إليه. "حبلى" بدل من "مثل"، وجملة "قد طرقت" خبر المبتدأ "ومرضع" معطوف على حبلى. "فألهيتها" الفاء عاطفة، و"ألهيتها" فعل وفاعل ومفعول. "عن ذي" متعلق به، "تمائم" مضاف إليه، ممنوع من الصرف؛ لصيغة منتهى الجموع. "محول" صفة لذي تمائم مجرورة بالكسرة.

المعنى: رب المرأة مثلك حبلى، ومرضع قد أتيتها ليلا، فشغلتها عن طفلها الصغير الذي تولع به، وخص الحبلى والمرضع؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال، ومع ذلك تعلقتا به، ومالتا إليه.

الشاهد: جر "مثل" في اللفظ -برب المحذوفة بعد الفاء، وذلك كثير.

(2)

صدر بيت من الطويل، لامرئ القيس أيضًا من المعلقة المذكورة، وعجزه:

علي بأنواع الهموم ليبتلي

اللغة والإعراب: كموج البحر: أي مثله؛ في شدة هوله وظلمته. سدوله: ستوره والمفرد سدل. ليبتلي: ليختبر ويمتحن. "وليل" الواو واو رب، "ليل" مبتدأ وهو مجرور لفظا برب المحذوفة. "كموج البحر" متعلق بمحذوف صفة لليل، ومضاف إليه، والخبر محذوف، أي قطعته. "أرخى" سدوله"، الجملة صفة ثانية لليل، أو هي الخبر. "علي" متعلق بأرخى. "ليبتلي" اللام للتعليل، ويبتلي مضارع منصوب بأن المضمرة بعد اللام.

ص: 302

وبعد "بل" قليلا؛ كقوله:

بل مهمه قطعت بعد مهمه

(1)

وبدونهن أقل؛ كقوله:

المعنى: رب ليل عظيم الهول والخوف أسد على ستور ظلامه مع أنواع الهموم والأحزان؛ ليختبر ما عندي من الشجاعة والاحتمال والصبر، أو الجزع والفزع -قطعته ولم أبال بشيء.

الشاهد: جر "ليل" برب المحذوفة بعد الواو؛ وهذا أكثر من حذفها، وجر ما بعدها بعد الفاء.

(1)

بيت من الرجز المشطور، لرؤبة بن العجاج.

اللغة والإعراب: مهمه: مفازة بعيدة الأطراف؛ قيل: سميت بذلك؛ لأن سالكها يقول لصاحبه من الخوف والذعر: مه مه؛ أي كف عن الحديث. "بل"حرف عطف للإضراب. "مهمه" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة، وجر لفظا برب المحذوفة بعد "بل"، "قطعت" الجملة خبر. ويجوز أن يعرب "مهمه" مفعولا

مقدما لقطعت. "بعد مهمه" ظرف متعلق بقطعت ومضاف إليه.

الشاهد: في "بل مهمه"؛ حيث جر برب المحذوفة بعد "بل".

وحذف "رب" بعد "بل" وإبقاء عملها، قليل بالنسبة للواو والفاء، وكل حرف من هذه الأحرف الثلاثة يسمى العوض عن "رب"، أو النائب عنها، ويقال في الإعراب: الواو واو "رب"، والفاء فاء "رب"، وبل: بل "رب".

وفي حذف "رب" بعد هذه الأحرف يقول الناظم:

وحذفت "رب" فجرت بعد "بل"

و"ألفا" وبعد "الواو شاعر ذا العمل

أي أن "رب" قد تحذف، ويبقى ما بعدها مجرورا بها لفظ؛ وذلك قليل بعد "بل"، وكثير

* "رب" نائب فاعل حذفت مقصود لفظها. "فجرت" الفاء عاطفة، وفاعل جرت يعود على رب، والتاء للتأنيث. "بعد" ظرف متعلق بجرت. "بل" مضاف إليه مقصود لفظه. "وألفا" معطوف على بل؛ وقصر للضرورة. "وبعد الواو" ظرف متعلق بشاع، ومضاف إليه. "ذا" اسم إشارة فاع. شاع العمل بدل من ذا، أو نعت، أو عطف بيان.

ص: 303

رسم دار وقفت في طلله

(1)

وقد يحذف غير "رب" ويبقى عمله؛ وهو ضربان:

سماعي؛ كقول رؤبة: "خير والحمد لله"؛ جوابًا لم قال له: كيف أصبحت؟

(2)

وقياسي

(3)

؛ كقولك: بكم درهم اشتريت ثوبك؟؛ أي: بكم من درهم؟ خلافًا للزجاج في تقديره الجر بالإضافة

(4)

.

بعد الفاء، وشاع بعد الواو.

(1)

صدر بيت من الخفيف، لجميل بن معمر العذري، وعجزه:

كدت أقضي الحياة من جلله

اللغة والإعراب: رسم دار: هو ما بقي من آثارها لاصقا بالأرض؛ كالرماد ونحوه.

طلله، الطلل: ما شخص؛ أي ارتفع من آثارها؛ كالوتد والأثافي. من جلله: من أجله، أو من عظم شأنه في نفسي. "رسم" بالجر مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة، وجر لفظا برب محذوفة. "دار" مضاف إليه، "وقفت" الجملة صفة لرسم. "في طلله" جار ومجرور متعلق بوقفت. "كدت" كاد واسمها أقضي الحياة" الجملة خبر كاد، والجملة من كاد ومعموليها خبر المبتدأ.

المعنى: رب أثر باق من آثار ديار الأحبة، وقفت عنده؛ فكدت أموت أسى وحزنا على تلك الديار؛ التي كانت عامرة ولها أعظم شأن في نفسي، فأصبحت خرابا خاوية من أهلها.

الشاهد: جر "رسم" برب محذوفة؛ من غير أن يسبق هذا المجرور حرف من الأحرف الثلاثة التي مرت، وذلك نادر.

(2)

الأصل: بخير، أو على خي؛ فحذف الجار، وأبقي عمله. ورؤبة هذا من فصحاء العرب، الذين يستدل بقولهم.

(3)

ويطرد في مواضع كثيرة؛ منها: أن يكون حرف الجر داخلا على تمييز "كم" الاستفهامية؛ بشرط أن تكون مجرورة بحرف جر مذكور قبلها؛ كمثال المصنف.

(4)

بأي إضافة "كم" إلى تمييزها.

ص: 304

وكقولهم: إن في الدار زيدا والحجرة عمرا

(1)

؛ أي: وفي الحجرة، خلافا للأخفش؛ إذ قدر العطف على معمولي عاملين

(2)

.

وقولهم: مررت برجل صالح إلا صالح فطالح

(3)

؛ حكاه يونس، وتقديره: إلا أمر بصالح، فقد مررت بطالح

(4)

.

(1)

هذا هو الموضع الثاني؛ وهو: أن يكون حرف الجر مع مجروره بعد عاطف، والمعطوف عليه مشتمل على حرف جر مماثل للمحذوف؛ "فالحجرة" مجرورة بفي محذوفة، وليست معطوفة على الدار؛ لئل يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين، وذلك ممنوع عند سيبويه، ومن تبعه؛ وذلك لضعف العاطف عن القيام مقام عاملين مختلفين.

(2)

فجعل "الحجرة" معطوفة على الدار، وعمرًا معطوفا على "زيدا"، والدار وزيد، معمولان لعاملين مختلفين؛ لأن العامل في الدار حرف الجر، والعامل في "زيدا" إن.

(3)

هذا هو الموضع الثالث؛ وهو: أن يكون حرف الجر مسبوقا بفاء الجزاء، الواقعة بعد ما تضمن مثل المحذوف.

(4)

هذا تقرير ابن مالك. وقدره سيبويه: إلا أكن مررت بصالح فبطالح؛ قيل: هو الصواب؛ لئلا ينتقض إخبارك أولا بالمرور فيما مضي؛ لأن: إلا أمر معناه في المستقبل، ويمكن حمل تقدير ابن مالك عليه؛ بأن يجعل معنى إلا أمر: إن لا أكن مررت. وفيما سبق؛ من حذف الجار وإبقاء عمله؛ تشبيها برب. يقول الناظم:

وقد يجر بسوى "رب" لدى

حذف وبعضه يرى مطردا

أي وقد يجر الاسم بحروف غير "رب" مع حذفها، وبعض حالات الحذف والجر قد يكون قياسيا مطردا، وبعضه سماعي لا يقاس عليه.

ومما يطرد فيه الحذف غير ما ذكره المصنف:

أ- أن يكون حرف الجر "لام التعليل" إذا جرت "كي" المصدرية وصلتها؛ نحو: كافأتك

* "قد" حرف للتقليل. "بسوى" جار ومجرور؛ واقع موقع نائب فاعل يجر. "رب" مضاف إليه مقصود لفظه.

"لدى" ظرف متعلق بيجر. "حذف" مضاف إليه. "وبعضه" مبتدأ، ومضاف إليه "يرى". مطردا نائب فاعل يرى، العائد على بعضه، هو المفعول الأول، و"مطردا" المفعول الثاني، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 305

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كي تقبل على عملك؛ أي لكي؛ إذا قدرت "كي" تعليلية.

ب- أو يكون الجار أحد حروف القسم، والمجرور لفظ الجلالة، دون عوض من حرف القسم المحذوف؛ نحو: الله لأعاقبن المهمل، أي بالله.

جـ- إذا كان الجار واقعا مع المجرور، في سؤال مقرون بالهمزة، بعد كلام متضمن؛ مثل المحذوف؛ نحو: أعلي بن إبراهيم؛ استفهاما لمن قال: مررت بعلي.

د- أو كانا واقعين بعد "هلا" التي للتحضيض، وقبلهما كلام مشتمل على مثل المحذوف؛ كأن يقال: سأتصدق بدينار؛ فيقال: هلا دينارين؛ أي بدينارين.

هـ- أن يكون المجرور بالحرف معطوفا على خبر "ليس"، أو"ما" الحجازية؛ بشرط أن يكون صالحا لدخول حرف الجر عليه؛ بأن يكون الخبر اسما لم ينتقض نفيه بإلا؛ نحو: لست مدركا القطار، ولا قادر على العودة؛ بجر "قادر" بالعطف على "مدركا"، الذي يجوز جره بالباء، فيقال: لسبت بمدرك، فعلى الجواز الموهوم، عطف عليه بالجر؛ وهذا هو الذي يسميه النحاة "العطف على التوهم".

و- إذا كان الجار مسبوقا بإن الشرطية، وقبلهما كلام مشتمل على مثيل للمحذوف؛ نحو: سلم على من تحب؛ إن محمد، وإن علي.

ز- إذا كان حرف الجر مع المجرور معطوفين على مشتمل على حرف جر، مثل المحذوف، مع الفصل "بلا" بين حرف العطف، وحرف الجر؛ نحو: ما للمعلم إلا الإرشاد والتوجيه، ولا الطالب إلا الجد والتحصيل، أو: ولا للطالب.

حـ- أن يكون حرف الجر كالموضع السابق، مع الفصل "بلو" كقوله: متى استعنتم بنا ولو فئة منا وجدتم منا كل عون؛ أي: ولو بفئة.

هذا: ولا يجوز الفصل بين حرف الجر ومجروره اختيارا، ويجوز الفصل بينهما اضطرارا؛ بظرف، أو جار ومجرور.

تنبيه: ذكرنا فيما سبق: أن الظرف؛ والجار والمجرور لا بد لهم من متعلق يرتبطان به؛ وهذا المتعلق قد يكون فعلا، أو شبهه؛ كاسم الفعل، أو مؤولا بما يشبه ذلك، أو ما يشير إلى معناه؛ نحو:{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} ؛ أي وهو المسمى بهذا الاسم، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} ؛ أي انتفى الكون مجنونا بنعمة ربك؛ فإن

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لم يكن شيء من ذلك؛ قدر الكون المطلق متعلقا ويستثنى من ذلك:

أ- الحروف الزائدة؛ لأنه أتي بها للتأكيد لا للربط.

ب- "لعل" في لغة عقيل؛ لأنها شبيهة بالزائد.

جـ- "رب"؛ مثل: رب رجل محسن قابلت؛ لأن مجرورها مفعول.

د- "لولا" عند من جربها؛ لأنها بمنزلة "لعل"؛ في رفع ما بعدها محلا.

هـ- حروف الاستنثاء؛ وهي: خلا، وعدا، وحاشا، إذا خفضن.

ص: 307

هذا باب الإضافة

(1)

:

تحذف من الاسم الذي تريد إضافته؛ ما فيه من تنوين ظاهر أو مقدر

(2)

؛ كقولك في ثوب ودراهم: ثوب زيد ودراهمه، ومن نون تلي علامة الإعراب وهي: نون التثنية وشبهها؛ نحو: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ، وهذان اثنا، ونون جمع المذكر السالم وشبهه؛ نحو:{وَالْمُقِيمِي الصَّلاةَ} ، وعشر وعمرو

(3)

، ولا تخذف النون التي تليها علامة الإعراب؛ نحو: بساتين زيد، وشياطين الإنس

(4)

.

هذا‌

‌ باب الإضافة:

(1)

معناها

في اللغة: مطلق الإسناد، واصطلاحنا: إسناد اسم إلى آخر، على تنزيل الاسم الثاني من الأول منزلة تنوينه، أو ما يقوم مقام التنوين في تمام الكلمة، وإن شئت قلت: هي نسبة تقييدية بين اسمين، تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورا دائما، والمراد بالنسبة: الإسناد والحكم، ومعنى كونمها تقييدية: أنها نسبة جزئية الغرض منها تقييد المضاف بالمضاف إليه، وإيجاد نوع من القصر والتحديد له، بعد أن كان عاما مطلقا.

(2)

كتنوين الممنوع من الصرف؛ كدراهم كما مثل المصنف، وكذلك يجب حذف أل غير الأصلية التي هي من بنية الكلمة من صدر المضاف؛ إذا كانت الإضافة محضة، أو غير محضة. والمضاف غير مثنى أو جمع على حده، والثاني مجرد من أل كما سيأتي في موضعه.

(3)

عشرو: شبيه بجمع المذكر في إعرابه بالحروف، وليس بجمع؛ لأنه لا مفرد له.

(4)

لأن النون في المثالين تليها علامة الإعراب، وهي الحركة وعلامة الإعراب تأتي في المرتبة بعد آخر الكلمة، وإلى حذف النون والتنوين من المضاف، يشير الناظم بقوله:

نونا تلي الإعراب أو تنوينا

مما تضيف احذف كطور سينا

أي احذف من الاسم الذي تريد إضافته، نونا تلي حرف الإعراب، وكذلك التنوين الذي في آخر الاسم، ومثل الناظم لحذف التنوين من المضاف بكلمة "طور" عند إضافته "لسينا" والطور: جبل معروف في صحراء سينا على الحدود الشمالية الشرقية لمصر.

* "نونا" مفعول مقدم لاحذف، "تلي" الجملة نعت لنونا. "الإعراب" مفعول تلي على حذف مضاف؛ أي حرف الإعراب. "أو تنوينا" معطوف على نونا. "مما" ما: اسم موصول والجار والمجرور متعلق باحذف. "تضيف" الجملة صلة ما. "كطور سينا" الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف؛ أي وذلك كطور، وسينا: مضاف إليه، وقصر للضرورة.

ص: 308

ويجر المضاف إليه بالمضاف وفاقا لسيبويه

(1)

، لا بمعنى اللام خلافا للزجاج

(2)

.

فصل: وتكون الإضافة على معنى "اللام" بأكثرية، وعلى معنى "من" بكثرة، وعلى معنى "في" بقلة

(3)

.

وضابط التي بمعنى "في": أن يكون الثاني ظرفا للأول

(4)

؛ نحو: {مَكْرُ اللَّيْلِ} ، {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} .

والتي بمعنى "من" أن يكون المضاف بعد المضاف إليه، وصالحًا للإخبار به عنه

(5)

؛ كخاتم فضة؛ ألا ترى أن الخاتم بعض جنس الفضة؟ وأنه يقال: هذا الخاتم فضة.

فإن انتفى الشرطان معا؛ نحو: ثوب زيد وغلامه، وحصير المسجد وقنديله

(6)

، أو الأول فقط؛ نحو: يوم الخميس

(7)

، أو الثاني فقط؛ نحو: يد زيد

(8)

، فالإضافة بمعنى لام

(1)

ووافقة الجمهور وهو الصحيح؛ بدليل اتصال الضمير به، والضمير لا يتصل إلا بعامله.

(2)

أي: ولا بالإضافة، ولا بحرف مقدر ناب عنه المضاف، خلافا لمن قال ذلك.

(3)

ذهب أبو حيان: إلى أن الإضافة ليست على معنى أي حرف، ولا على نية حرف.

(4)

أي: أن يكون المضاف إليه ظرف زمان أو مكان واقعا فيه المضاف، سواء كانت الظرفية حقيقة أو مجازية؛ فإن المقصود أن يكون وعاء للمضاف وغلافا يحتويه، وقد مثل لهما المصنف.

(5)

أي يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف.

(6)

فإن الثوب والغلام ليسا بعض زيد، وكذلك الحصير والقنديل ليسا بعض المسجد، ولا يصح الإخبار بزيد ولا بالمسجد عما قبلهما، والإضافة في الأولين للملك، وفي الآخرين للاختصاص.

(7)

فإن اليوم ليس بعض الخميس، وإن كان يصح الإخبار عنه بالخميس، فالإضافة هنا من إضافة المسمى للاسم.

(8)

فإن اليد وإن كانت بعض زيد، لكن لا يصح الإخبار عنها به، والإضافة فيه من إضافة الجزء إلى كله.

ص: 309

الملك والاختصاص

(1)

.

فصل: والإضافة على ثلاثة أنواع

نوع يفيد تعرف المضاف بالمضاف إليه أن كان معرفة؛ كـ غلام زيد، وتخصصه به إن كان نكرة

(2)

؛ كغلام امرأة. وهذا النوع هو الغالب

(3)

.

ونوع يفيد تخصص المضاف دون تعرفه

(4)

. وضابطه: أن يكون المضاف متوغلا

(1)

لام الملك كما في: ثوب زيد وغلامه، ولام الاختصاص كبقية الأمثلة، وعلى هذا تكون الإضافة التي على معنى اللام هي: التي يتحقق معناها دون معنى "من" أو"في".

هذا: ولا يشترط في الإضافة التي بمعنى اللام صحة التصريح باللام، بل يكفي إفادة معناها؛ كيوم الاثنين، وعلم البلاغة، وشجرة التفاح؛ فإنها بمعنى لام الاختصاص ولا يصح إظهار اللام فيها. ومن الإضافة على معنى "من": إضافة الإعداد إلى المعدودات؛ نحو: خمسة أقلام. وإضافة العدد إلى مثله؛ نحو: أربعمائة، ولا يضر عدم صحة الإخبار في الظاهر؛ لأن المضاف إليه يشمل المضاف، وإضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة؛ نحو: بعت فدان قمح، وقد سبق ذلك في التمييز.

(2)

المراد بالتخصص: تقليل الشيوع والاشتراك في النكرة؛ بحيث تصبح في درجة بين المعرفة والنكرة، من ناحية التعيين والتحديد.

(3)

ذلك؛ لأن كلا من المتضايفين يؤثر في الآخر، فالمضاف يؤثر الجر في المضاف إليه، وهذا يؤثر في الأول التعريف أو التخصيص، وضابطه: انتفاء ضابطي القسمين الآتيين.

(4)

هذا النوع ينقسم إلى قسمين: -

أ- قسم ملازم للتنكير، لا يقبل التعريف أصلا ولو أضيف إلى معرفة؛ لشدة توغله في الإبهام، وقد ذكر المصنف ضابطه.

ب- وقسم يقبل التعريف، ولكن يجب تأويله بنكرة؛ لأنه حل محل ما لا يكون

إلا نكرة؛ ومن ذلك: المعطوف على مجرور "رب" وعلى التمييز المجرور بعد "كم"؛ نحو: رب رجل وصديقه، كم ناقة وفصيلهما؛ لأن مجرور رب و"كم" لا يكون إلى نكرة، فالمعطوف عليهما نكرة كذلك. وكذلك كلمة "وحد"، و"جهد"، و"طاقة" ونحوها في مثل قولهم: فعل ذلك وحده، أو جهده، أو طاقته؛ لأن هذه الكلمات أحوال غالبا، والحال لا يكون إلا نكرة؛ ولهذا يجب تأويلها بمنفردا، وجاهدا، ومطيقا.

ص: 310

في الإبهام

(1)

؛ كغير و"مثل"؛ إذا أريد بهما مطلق المماثلة والمغايرة

(2)

لا كمالهما

(3)

؛ ولذلك صح وصف النكرة بهما؛ في نحو: مررت برجل مثلك أو غيرك

(4)

. وتسمى الإضافة في هذين النوعين: معنوية؛ لأنها أفادت أمرا معنويا

(5)

؛ ومحضة؛ أي خالصة من تقدير الانفصال

(6)

.

(1)

أي متعمقا ومتغلغلا وشديد الدخول فيه.

(2)

نحو: مررته برجل غيرك، أو مثلك؛ لأن المغايرة أو المماثلة العامة بين شيئين لا تخص وجها بعينه.

(3)

لأن صفات المخاطب معلومة، فثبوتها كلها لشخص، أو ثبوت أضدادها جميعا لشخص يستلزم تعيينه، وإذا أريد بـ"غير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة خاصة، وحكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في "غير": إذا وقعت بين ضدين معرفتين؛ نحو: رأيت العلم غير الجهل، ومررت بالكريم غير الشحيح، ومنه قوله تعالى:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، فقد زيل إبهام "غير" بتعين جهة المغايرة، ويكون في "مثل": إذا أضيفت لمعرفة وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة؛ نحو: محمود مثل عنترة؛ أي في الشجاعة، وعلي مثل حاتم؛ أي في الجود. ومن الألفاظ المتوغلة في الإبهام: تربك، نحوك، ندك، شبهك، ومعناها: نظرك، وشرعك قطك، قدك، وهي بمعنى حسبك وكافيك، وخدنك، بمعنى صاحبك، ولا يقاس على هذه، بل يقتصر على السماع.

وكافيك، وخدنك، بمعنى صاحبك، ولا يقاس على هذه، بل يقتصر على السماع.

(4)

وهذا يدل على أنها لم تتعرف. بالإضافة؛ لأن النكرة لا توصف بمعرفة.

(5)

وهو استفادة المضاف من المضاف إليه التعريف أو التخصيص؛ ولأنها تتضمن معنى حرف من حروف الجر الثلاثي: من، في، اللام.

(6)

فإن نحو: والد محمد مثلك، ليس في تقدير: والد لمحمد مثل لك؛ بل بين المضاف والمضاف إليه قوة ارتباط واتصال، وأكثر ما يكون المضاف في الإضافة المحضة: اسما جامدا غير مؤول بالمشتق؛ كالمصادر وأسمائها. والمشتقات الشبيهة بالجوامد التي لا تعمل مطلقا، كأسماء المكان والزمان، والآلة، وأفعل التفضيل على المشهور.

ص: 311

ونوع لا يفيد شيئا من ذلك. وضابطه: أن يكون المضاف صفة تشبه المضارع؛ في كونها مرا بها الحال أو الاستقبال

(1)

.

وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

والثاني اجرر وانو "من" أو"في" إذا

لم يصلح إلا ذاك واللام خذا

لما سوى ذينك واخصص أولا

أو أعطه التعريف بالذي تلا

أي اجرر الثاني، وهو المضاف إليه، وانو؛ أي تخيل وجود الحرف "من" أو "في" إذا لم يتحقق المعنى إلا على نية أحدهما، فإن لم يصلح أحدهما، فخذ اللام وانوها في كل موضع سوى الموضع الصالح لهذين الحرفين، واخصص الأول، وهو المضاف، أو عرفه بالذي تلاه، وهو المضاف إليه.

(1)

أما الصفة التي بمعنى الماضي أو مطلق الزمن؛ فإن الإضافة فيها محضة؛ نحو: قارئ الدرس أمس كان نشيطا، وقارئ الدرس نشيط. واختلف في الصفة التي بمعنى الاستمرار؛ فقيل هي كالحال. وقيل: الاستمرار يحتوي على الأزمنة الثلاثة؛ فإذا اعتبر جانب الماضي، كانت الإضافة حقيقة، فلا يعمل، ويتعرف بالإضافة؛ كما في:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بدليل وصف المعرفة به. وإن اعتبر جانب الحال أو الاستقبال، كانت الإضافة حقيقة، فيعمل، ولا يعرف كما في وجاع الليل سكنًا.

هذا: وإذا كان المضاف إليه جملة في هذا النوع من الإضافة؛ فإن هذه الجملة تعتبر في حكم المفرد والمضاف إليه؛ لأنها تؤول بمصدر مضاف إلى فاعله إن كانت فعلية، وبمصدر مضاف إليه مبتدئه إن كانت اسمية؛ نحو: أزورك حين تكون في المنزل؛ أي حين وجودك، وأزورك حين والدك موجود؛ أي حين وجود والدك، وهذا المصدر يكون معرفة إن أضيف إلى معرفة، ونكرة متخصصة إن أضيف إلى النكرة.

* "والثاني" مفعول لاجرر. "وانو" فعل أمر معطوف على اجرر. "من" مفعوله مقصود لفظه. "أو في" معطوف على من. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "لم يصلح" فعل الشرط "إلا" أداة استثناء ملغاة. "ذاك" ذا اسم إشارة فاعل يصلح، والكاف حرف خطاب. "واللام" مفعول مقدم لخذ. "خذا" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف. "لما" متعلق بخذ، وما اسم موصول. "سوى" ظرف مضاف إلى "ذينك" والإشارة للمعنيين، وهو متعلق بمحذوف صلة ما. "أولا" مفعول اخصص. "التعريف" مفعول أعط الثاني والهاء مفعوله الأول. "بالذي" متعلق بأعط، والباء للسببية، أو متعلق بالتعريف. "تلا" فعل ماض والفاعل يعود على الذي، والجملة صلة.

ص: 312

وهذه الصفة ثلاثة أنواع: اسم الفاعل

(1)

؛ كـ"ضارب زيد"، وراجينا، واسم المفعول؛ كـ"مضروب العبد"، ومروع القلب

(2)

، والصفة المشبهة؛ كـ"حسن الوجه"، وعظيم الأمل، وقليل الحيل.

والدليل على أن هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفا: وصف النكرة به؛ في نحو: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

(3)

ووقوعه حالا؛ في نحو: {ثَانِيَ عِطْفِهِ}

(4)

وقوله:

فأتت به حوش الفؤاد مبطنا

(5)

(1)

سواء كان مضافا لمعموله الظاهرة أو المضمر، وقد مثل لهما المصنف، ومثل اسم الفاعل: أمثلة المبالغة.

(2)

سواء كان من الثلاثي أم عن غيره؛ كمثالي المصنف. ومروع، من روعه الشيء بمعنى أفزعه.

(3)

فـ"هديا" نكرة منصوبة على الحال، و"بالغ الكعبة" صفتها ومضاف إليه، ولا توصف النكرة بالمعرفة.

(4)

"ثاني" حال من فاعل "يجادل" في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} والحال واجب التنكير، والأصل عدم التأويل.

(5)

صدر بيت من الكامل، لأبي كبير الهذلي، يمدح تأبط شرًّا -أحد فتاك العرب وذؤبانهم،

وعجزه:

سهدا إذا ما نام ليل الهوجل

اللغة والإعراب: أتت به: فاعل أنت يعود إلى أم تأبط شرا، وكان أبو كبير قد تزوجها، والضمير في "به" يعود إلى تأبط شرا. حوش الفؤاد: حديد القلب جريء الجنان. مبطنا: ضامر البطن، سهدا: قليل النوم. الهوجل: الثقيل الكسلان، أو الأحمق. "حوش الفؤاد" حال من الضمير في "به" ومضاف إليه، وهو صفة مشبهة مضافة إلى فاعلها، "مبطنا، وسهدا" حالان مثل حوش. "إذا" ظرف زمان متعلق بسهدا. "ما" زائدة. "ليل الهوجل" فاعل نام ومضاف إليه. وإسناد النون إلى الليل مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى زمنه؛ أي نام الهوجل في الليل.

المعنى: أن هذه المرأة جاءت بمولود ذكي جر ضامر البطن يقظ، قليل النوم في الليل حين ينام غير من الكسالى الحمقى.

الشاهد: إضافة الصفة المشبهة -وهي "حوش"- إلى فاعلها المحلى بأل، ولم يفدها ذلك تعريفا؛ لأنها جاءت حالا، والحال لا يكون إلا نكرة.

ص: 313

ودخول "رب" عليه في قولك:

يا رب غابطنا لو كان يطلبكم

(1)

والدليل على أنها لا تفيد تخصيصا: أن أصل قولك ضارب زيد، ضارب زيدًا، فالاختصاص موجود

(2)

قبل الإضافة. وإنما تفيد هذه الإضافة التخفيف

(3)

أو رفع

(1)

صدر بيت من البسيط، من قصيدة جرير يهجو فيها الأخطل الشاعر الأموي النصراني،

وعجزه:

لاقى مباعدة منكم وحرمانا

اللغة والإعراب: غابطنا: اسم فاعل من الغبطة، وهي أن يتمنى الإنسان مثل حال من يغبطه، من غير أن يتمنى زوال ما عنده. مباعدة، بعدا وانصرافا. حرمانا: منعا وعدم استجابة. "يا" حرف تنبيه، أو نداء والمنادى محذوف. "رب" حرف جر شبيه بالزائد. "غابطنا" مبتدأ مجرور برب لفظا، ومضاف إليه. "لو" شرطية غير جازمة. "كان" فعل الشرط واسمها "هو" يعود إلى الغابط "يطلبكم" الجملة خبر. "لاقي" فعل ماض جواب الشرط وفاعله يعود إلى الغابط. "يطلبكم" الجملة خبر. "لاقى" فعل ماض جواب الشرط وفاعله يعود إلى الغابط. "مباعدة" مفعوله. "منكم" متعلق بمحذوف صفة لمباعدة والجملة من "لو" وشرطها وجوابها خبر المبتدأ.

المعنى: كثير من الناس يغبطوننا على اتصالنا بكم، ويتمنون أن يكونوا مثلنا؛ لأنهم يظنون أننا ننعم بهذا الاتصال، ولو قصدوكم وطلبوا شيئا مما عندكم لأبعدتموهم وحرمتموهم العطاء، ولعرفوا حقيقة ما يناله المتصل بكم.

الشاهد: دخول "رب" على غابطنا، وهو اسم فاعل مضاف إليه ضمير المتكلم و"رب" مختصة بالدخول على النكرات، ولو كان معرفة ما صح ذلك، فدل على أنه لم يستفد تعريفا من إضافته للضمير.

(2)

أي بمعمول اسم الفاعل.

(3)

لأن الأصل في الصفة أن تعمل النصب، والمختص أخف؛ لأنه لا تنوين معه ولا نون كما بين المصنف.

ص: 314

القبح؛ أما التخفيف فبحذف التنوين الظاهر؛ كما في ضارب زيد، وضاربات عمرو، وحسن وجهه، أو المقدر كما في ضوارب زيد، وحواج بيت الله

(1)

. أو نون التثنية كما في ضاربا زيد. أو الجمع كما في ضاربوا زيد.

وأما رفع القبح ففي نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه؛ فإن في رفع الوجه

(2)

قبح خلو الصفة من ضمير يعود على الموصوف

(3)

، وفي نصبه

(4)

قبح إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي

(5)

، وفي الجر تخلص منهما. ومن ثم

(6)

امتنع الحسن وجهه لانتفاء قبح الرفع

(7)

؛ ونحو: الحسن وجه لانتفاء قبح النصب؛ لأن النكرة تنصب على التمييز

(8)

.

وتسمى الإضافة في هذا النوع لفظية؛ لأنها أفادت أمرا لفظيا

(9)

، وغير محضة؛ لأنها في تقدير الانفصال

(10)

.

(1)

في "ضوارب" و"حواج" تنوين مقدر حذف الإضافة؛ بدليل نصبهما المفعول.

(2)

أي على الفاعلية بالصفة المشبهة.

(3)

لأن الصفة لا ترفع ظاهرا أو ضميرا معا، والغالب في الصفة المشبهة أن تشتمل على ضمير يكون بمنزلة البرابط بيها وبين ما تجري عليه، ويدل على معناها.

(4)

أي على التشبيه بالمفعول به، إن كان معرفة، وعليه أو على التمييز، إن كان نكرة.

(5)

أي في نصب الشبيه بالمفعول به؛ لأن الصفة المشبهة لا تصاغ إلا من اللازم، فهي كفعلها لا تنصب المعفول به.

(6)

أي ومن أجل أن الإضافة فيما ذكر إنما هي لرفع قبح الرفع والنصب على النحو الذي بسط.

(7)

لأن المرفوع ضميرا مضافا إليه يعود على الموصوف.

(8)

أي والتمييز ينصبه المتعدي والقاصر.

(9)

وهو التخفيف بحذف التنوين، ونوني المثنى والجمع من آخر المضاف، والتحسين المترتب على إزالة القبح.

(10)

فإن المضاف فيها لا بد أن يكون وصفا عاملا، وكثيرا ما يرفع ضميرًا مستترا، وهذا

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الضمير يكون فاصلا تقديرا بين الوصف المضاف، ومعموله على الرغم من استتاره.

ويجعل الإضافة غير خالصلة الاتصال، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وإن يشابه المضاف "يفعل"

وصفا فعن تنكيره لا يعدل

كرب راجينا عظيم الأمل

مروع القلب قليل الحيل

وذي الإضافة اسمها لفظيه

وتلك محضة ومعنويه

أي أن المضاف إذا كان وصفا مشبها "يفعل"؛ أي مشبها المضارع في العمل والدالة على الحال والاستقبال، فإن لا يعزل عن تنكيره؛ أي لا يفارقه التنكير أبدا؛ مثل "رب راجينا"؛ فـ"راج" مضاف، وهو اسم فاعل لم يكتسب التعريف بإضافته للضمير؛ بدليل دخول "رب" عليه، وهي لا تدخل إلا على نكرة. "وعظيم الأمل" صفة مشبهة نعت لراج النكرة، وقد أضيفت إلى معرفة ولم تكتسب منها التعريف،

و"مروع القلب" اسم مفعول مضاف للمعرفة بعده، ولم يكتسب منها التعريف؛ لأنه وصف لراج ومثله:"قليل الحيل" فهو صفة مشبهة مضاف لمعرفة، وهو نعت لراج كذلك، والإضافة التي من هذا النوع تسمى: لفظية، وغير محضة، والنوع السابق يسمى: محضة، ومعنوية.

ومن الإضافة غير الحضة: إضافة الاسم المنعوت إلى نعت؛ كقولهم: "صلاة الأولى، و"مسجد الجامع"، و"ديانة القيمة" والأصل: الصلاة الأولى، والمسجد الجامع، والديانة القيمة"، وإضافة النعت إلى منعوته؛ كقوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} وإضافة المسمى إلى الاسم؛ نحو: شهر رمضان وشجر البرتقال، وعلم الحساب. ومنه: ذات اليمين وذات الشمال، وإضافة صدر المركب المزجي إلى عجزه، على رأي.

* "وإن" شرطية، "يشابه" فعل الشرط. "المضاف" فاعلا "يفعل" مفعوله قصد لفظه. "وصفا" حال من المضاف.

"فعن تنكيره" الفاء للرابط، و"عن تنكيره" جار ومجرور متعلق بيعدل. "لا" نافية" "يعدل" مضارع للمجهول، والجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر لمبتدأ محذوف، وجملة المبتدأ والخبر جواب الشرط، "كرب" الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف. "رب" حرف تقليل وجر. "راجينا" اسم فاعل مجرور برب وهو مضاف إلى "نا" من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. "عظيم الأمل" نعت لراجي ومضاف إليه، وكذلك ما بعده. "وذي" اسم إشارة مبتدأ أول "الإضافة" بدل أو نعت. "اسمها لفظية" الجملة من المبتدأ والخبر خبر ذي، "وتلك" اسم إشارة مبتدأ والكاف للخطاب. "محضة" خبر. "ومعنوية" معطوفة على محضة.

ص: 316

فصل: تختص الإضافة اللفظية بجواز دخول "أل" على المضاف في خمس مسائل

(1)

:

إحداها: أن يكون المضاف إليه بأل

(2)

؛ كالجعد الشعر؛ وقوله:

شفاء وهن الشافيات الحوائم

(3)

(1)

أما المحضة فلا تدخل "أل" فيها على المضاف؛ لئلا يلزم اجتماع معرفين على شيء واحد، أو إضافة المعرفة إلى النكرة، وأجاز الكوفيون دخول "أل" على المضاف إذا كان اسم عدد مضاف إلى معدود فيه "أل"؛ نحو: قرأت الثلاثة الكتب في الأربعة الأيام، وحجتهم في ذلك السماع، وكان القياس في اللفظية كذلك، لكن لما كانت الإضافة فيها على نية الانفصال، اغتفر ذلك فيها.

(2)

لأن رفع القبح عن نصب ما بعد الصفة المشبهة بالإضافة، لا يكون إلا بذلك الشرط كما بينا قريبا، وحمل عليها اسم الفاعل، والجعد: صفة مشبهة، من جعد شعره جعودة، ضد بسط.

(3)

عجز بيت من الطويل للفرزدق، من قصيدة قالها حين خرج قتيبة من مسلم الباهلي، على سليمان بن عبد الملك، وخلع طاعته، فقتل وجيء برأسه إلى سليمان، وصدره:

أبأنا بها قتلى وما في دمائها

اللغة والإعراب: أبأنا: قتلنا وعوضنا، يقال: أبأت فلانا بفلان -قتلت به، وجعلته بواء؛ أي عوضا به. والضمير في "بها" و"هن" للسيوف، وفي "دمائها" للقتلى.

الشافيات جمع شافية، اسم فاعل من الشفاء، الحوائم: العاطش، جمع حائمة، وهي التي تحوم حول الماء من العطش، والمراد المتشوقة للقتل، "أبأنا" فعل وفاعل. "بها" متعلق به، "وما" الواو للحال، و"ما" نافية في دمائها" جار ومجرور خبر مقدم ومضاف إليه.

"شفاء" مبتدأ مؤخر "وهن" الواو للحال وهن مبتدأ. "الشافيات" خبر. "الحوائم" مضاف إليه، والجملة حال.

المعنى: قتلنا بهذه السيوف قتلى منهم، وعوضنا بها قتلانا، ولكن ما سفك من دماء القتلى، لم يشف ما في قلوبنا من غيظ ورغبة في الانتقام؛ لأن من قتلنا غير أكفاء لنا، ولا وفاء في دمائهم لقتلانا، وإنما يشفي غيظ الصدور، وتهدأ حرارة الألم، إذا قتلنا مثل من فقدنا، والسيوف هي الشافيات التي بها تنال الثارات.

الشاهد: إضافة الوصف المقترن بأل، وهو "الشافيات"؛ لأن المضاف إليه مقترن بها، وهو "الحوائم".

ص: 317

الثانية: أن يكون مضافا لما فيه "أل"

(1)

؛ كالضارب رأس

الجاني، وقوله:

لقد ظفر الزوار أقفية العدا

(2)

الثالثة: أن يكون مضافا إلى ضمير ما فيه "أل" كقوله:

الود أنت المستحقة صفوه

(3)

(1)

فإن وجودها فيه كوجودها في الثاني؛ لأن المضاف والمضاف إليه، كالشيء الواحد؛ ولهذا لا يسوغ أن يكون بين الوصف وما فيه "أل"، أكثر من مضاف واحد، فلا يصح: الضارب رأس صديق الجاني.

(2)

صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:

بما جاوز الآمال ملأسر والقتل

اللغة والإعراب: ظفر: نال. الزوار: جمع زائر. أقفية: جمع قفا وهو مؤخر العنق.

ملأسر: أصله من الأسر؛ فحذفت النون على لغة، وهو كثر في كلام العرب، وكذلك همزة الوصل وذلك كثير أيضا في كلامهم، قال عمر بن ربيعة:

وما أنس ملأشياء لا أنس قولها

لنا مرة منها بقرن المنازل

يريد: من الأشياء. "لقد" اللام واقعة في جواب قسم مقدر، وقد للتحقيق. "الزوار" فاعل ظفر. "أقفية" مضاف إليه. "العدا" مضاف إليه أيضا لأقفية، "بما" متعلق بظفر، وما اسم موصول، "جاوز الآمال" فاعل جاوز يعود على ما، والآمال مفعوله والجملة صلة ما.

"ملأسر" جار ومجرور متعلق بجاوز. "والقتل" معطوف على الأسر.

المعنى: أن الأعداد فروا أما هؤلاء الأبطال حين رأوهم ولم يثبتوا، وأعطوهم ظهورهم وأقفيتهم، فظفروا منهم بأكثر مما كانوا يأملون في أسرهم وقتلهم.

الشاهد: إضافة الزوار، وهو صفة مقرونة بأل، إلى الخالي منها، وسوغ ذلك كون المضاف إليه -وهو أقفية- مضافا مقترن بأل وهو العدا.

(3)

صدر بيت من الكامل، لم يذكر قائله، وعجزه:

ص: 318

ومنع المبرد هذه

(1)

.

الرابعة: أن يكون المضاف مثنى؛ كقوله:

إن يغنيا عني المستوطنا عدن

(2)

مني وإن لم أرج منك نوالا

اللغة والإعراب: الود: الحب والمودة، صفوة: خالصه. أرج: آمل وأطمع. نولا: عطاء. "الو" مبتدأ أول "أنت" مبتدأ ثان، "لمستحقه" خبره، وجملة الثاني وخبره خبر الأول.

"صفوه" مصاف إليه، والهاء مضاف إليه لصفو، وهي عائدة إلى الود. "مني" متعلق بالمستحقه. "وإن" الواو عاطفة، وإن حرف شرط جازم. "أرج" مضارع مجزوم بلم فعل الشرط، والجواب محذوف يدل عليه الكلام. "نوالا" مفعول

أرج.

المعنى: أنت -دون سائر الناس- التي تستحقين وتستوجبين مني خالص وصادق الحب والمودة، ولست أرجو من وراء ذلك منك عطاء، ولا أطلب جزاء.

الشاهد: إضافة الوصف المقترن بأل -وهو المستحقه- إلى مضاف فيه ضمير يعود إليه ما فيه أل، وهو صفوه، وضميره عائد إلى الود، وذلك جائز عند الجمهور.

(1)

وأوجب النصب، ولم يعتبر الضمير العائد إلى ما فيه أل، بمنزلة الاسم المقرون بها، وهو محجوج بالسماع، والأفصح في المسائل الثلاث: النصب بالوصف.

(2)

صدر بيت من البسيط، لم نقف على قائله، وعجزه:

فإنني لست يوما عنهما بغني

اللغة والإعراب: يغنينا: يستغنيا، مضارع. غنى بمعنى استغنى. المستوطنا عدن: اللذان اتخذا "عدن" وطنا وموضع إقامة، "إن" شرطية. "يغنيا" فعل الشرط مجزوم بحذف النون والألف فاعل. "المستوطنا" بدل من الألف الاثنين على اللغة الفصحى. "عدن" مضاف إليه.

ويجوز أن يكون "المستوطنا" فاعل، والألف حرف علامة التثنية على لغة "أكلوني البراغيث"، وعدن: بلد في جنوب اليمن على ساحل البحر الأحمر، "فإنني" الفاء واقعة في جواب الشرط وإن واسمها والنون للوقاية، "لست" ليس واسمها، "يوما" منصوب على الظرفية. "عنهما" متعلق "بغنى" الواقع خبرا لليس على زيادة الباء، والجملة خبر إن.

ص: 319

الخامسة: أن يكون جمعا: اتبع بسبيل المثنى وهو جمع المذكر السالم؛ فإنه يعرب بحرفين ويسلم فيه بناء الواحد، ويختم بنون زائدة تحذف للإضافة كما أن المثنى كذلك؛ كقوله:

ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم

(1)

المعنى: إن يستغني عني هذان الشخصان المقيمان بعدن، ويريا أنهما في غير حاجة إلي فإني لا أستغني عنهما يوما ما، وأراني محتاجا إليهما دائما.

الشاهد: جواز إضافة الاسم المقترن بأل، إلى اسم ليس مقترنا بها، وهو "عدن"؛ وسوغ هذا: أن المضاف وصف دال على مثنى، وعلل النحويون ذلك بأن الوصف لما طال بالتثنية والجمع -ناسبه التخفيف فلم يحتج لاتصالها بالمضاف إليه.

(1)

صدر بيت من البسيط، لم ينسب لقائل، وعجزه:

إلى الوشاة ولو كانوا ذوي رحم

اللغة والإعراب: الإخلاء: جمع خليل وهو الصديق المخلص. بالمصغي، جمع مصغ، وهو اسم فاعل من أصغى إليه، إذا أنصت له وأمال أذنه إليه، مسامعهم: جمع مسمع وهو مكان السمع؛ أي الآذان، الوشاة: جمع واش، وهو النمام الذي يسعى بين المتصافين لإفساد قلوبهم. رحم: قرابة. "بالمصغي" خبر ليس على زيادة الباء هو جمع مذكر سالم.

"مسامعهم" مضاف إليه، والضمير مضاف إليه أيضا. "إلى الوشاة" متعلق بالمضغي. "ولو" الواو عاطفة، و"لو" شرطية. "كانوا" كان واسمها. "ذوي رحم" خبر كان ومضاف إليه.

المعنى: أن الأصدقاء المخلصين في صداقتهم، لا يستمعون ولا يلتفتون لكلام النمامين الذين يسعون للإفساد بين قلوب الأصدقاء، ولو كان هؤلاء الساغون من الأقرباء.

الشاهد: إضافة الاسم المقترن بأل، وهو "المصغي" إلى الخالي منها، وهو "مسامعهم"؛ لأن المضاف وصف مجموع جمع مذكر سالما، وقد بينا علة ذلك. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

ووصل "أل" بذا المضاف مغتفر

إن وصلت بالثان كـ"الجعد الشعر

أو بالذي له أضيف الثاني

كـ"زيد الضارب رأس الجاني"

ص: 320

وجوز الفراء إضافة الوصف المحلي بأل إلى المعارف كلها

(1)

؛ كالضارب زيد والضارب هذا بخلاف: الضارب رجل

(2)

. وقال المبرد والرماني في "الضاربك، وضاربك": موضع الضمير خفض

(3)

.

وكونها في الوصف كاف إن وقع

مثنى أو جمعا سبيله اتبع

أي أن وصل أل، بهذا المضاف -أي الذي إضافته لفظية- جائز؛ إن وصلته بالثاني وهو المضاف إليه، ومثل الناظم بقوله:"فكلاهما فيه أل. وكذلك يجوز وصل أل بالمضاف؛ إذا أضيف المضاف إلى ما فيه أل، ومثل بقوله: "زيد الضارب رأس الجاني"، فرأس مضاف إليه الضارب، وهو خال من أل، ولكنه مضاف إلى ما فيه أل، وهو الجاني"، ثم قال الناظم: ويكفي كون أل في المضاف دون المضاف إليه؛ إذا كان المضاف وصفا مثنى، أو جمعا تحققت فيه شروط المثنى، وهو جمع المذكر السالم.

(1)

أي سواء كان تعريفها بالعلمية، أم بالإشارة، أم بالضمير، أم بغيرها، حملا على المعرف بأل وإذا أضيف الوصف المحلي بأل إلى الضمير؛ نحو: الضاربك، والضاربهو جاز كون الضمير في محل جر بالإضافة، أو محل نصب على المفعولية، خلافا للمبرد كما سيأتي.

(2)

فلا يجوز؛ لامتناع إضافة المعرفة إلى النكرة.

(3)

حجتهما: أن الضميسر نائب عن الظاهر، وعند حذف التنوين من الوصف يكون الظاهر.

* "ووصل" مبتدأ. "أل" مضاف إليه. "بذا" متعلق بوصل، "المضاف" بدل من ذا. "مغتفر" خبر المبتدأ وسكن للشعر.

"إن وصلت" بالبناء للمفعول فعل الشرط ونائب الفاعل يعود إلى أل. "بالثان" متعلق بوصلت، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله. "كالجعد" خبر لمبتدأ محذوف. "الشعر" مضاف إليه من إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها. "أو بالذي" عطف على بالثان. "له" متعلق بأضيف، وجملة. "أضيف الثاني" من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها صلة الذي. "كزيد" خبر لمبتدأ محذوف، و"زيد" مبتدأ. "الضارب" خبره. "رأس" مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. "الجاني" مضاف إليه. "وكونها" مبتدأ والضمير مضاف إليه عائد إلى أل، وهو اسم كون. "في الوصف" خبر كون من حيث النقص، "كاف" خبره من حيث ابتدائيته. "إن" شرطية. "وقع" فعل الشرط وفاعله يعود على المضاف، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله "مثنى" حال من الضمير في وقع. "أو جمعا" معطوف عليه. "سبيله" مفعول اتبع مقدم ومضاف إليه، وفاعل اتبع يعود على جمعا، والجملة صفة له.

ص: 321

وقال الأخفش: نصب

(1)

وقال سيبويه: الضمير كالظاهر؛ فهو منصوب "في الضاربك"

(2)

مخفوض في "ضاربك"

(3)

، ويجوز في الضارباك والضاربوك الوجهان

(4)

.

مسألة: قد يكتسب المضاف المذكر من المضاف إليه المؤنث تأنيثه، وبالعكس.

وشرط ذلك في الصورتين: صلاحية المضاف للاستغناء عنه بالمضاف إليه

(5)

.

مخفوضا، فكذلك نائبه.

(1)

حجته: أن موجب النصب المفعولية وهي محققه، وموجب الخفض الإضافة وهي غير محققة؛ لأن دليلها حذف التنوين، وهو قد يحذف بسبب آخر غير الإضافة؛ كصون الضميسر المتصل من وقوعه منفصلا، واستدل بقوله تعالى:{إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} .

(2)

لانتفاء شروط إضافة الوصف المحلي بأل المتقدمة.

(3)

أي على المحل؛ لأن عدم تنوين الوصف دليل على الإضافة، ولا مانع منها؛ لأنه مجرد من أل.

(4)

أما الخفض؛ فعلى أن النون حذفت للإضافة والضمير في محل خفض. وأما النصب؛ فعلى أنها حذفت للتخفيف وتقصير الصلة، ويكون الضمير في محل نصب. وقال الجرمي والمازني والمبرد وجماعة: إن الضمير في موضع جر فقط؛ لأن الأصل حذف التنوين للإضافة فلا يعدل عنه إلا إذا تعين غيره.

(5)

أي مع صحة المعنى ولو مجازا، وعدم تغييره في الجلمة، ويشترط أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه، أو مثل جزئه، وذلك بأن تجمعه بكله صلة قوية غير صلة الجزئية، تدل على اتصاله به؛ كاللون، أو الثوب، أو الخلق، أو الحب

إلخ أو أن يكون المضاف كلا للمضاف إليه، نحو قوله تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} . أو يكون المضاف إليه أو يكون المضاف وصفا في المعنى للمضاف إليه؛ كإضافة المصدر في البيت الآتي. فإن تحقق الشرطان، كان اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه -على قتله- قياسيا، وإلا فلا اكتساب وإن صلح الحذف، فلا يجوز أعجبتني يوم العروبة؛ لأن المضاف -وهو "يوم"- ليس جزءا ولا كالجزء، ولا كلا ولا وصفا.

ص: 322

فمن الأول قولهم: قطعت بعض أصابعه

(1)

، وقراءة بعضهم:"تلتقطه بعض السيارة"، وقوله:

طول الليالي أسرعت في نقضي

(2)

ومن الثاني قوله:

إنارة العقل مكسوف بطوع هوى

(3)

(1)

" بعض" نائب فاعل قطعت، وأنث الفعل؛ لأن "بعض" اكتسبت التأنيث من المضاف إليه وهو الأصابع، ويصح الاستغناء عنه بالأصابع؛ فيقال: قطعت أصابعه والمضاف بعض المضاف إليه.

(2)

صدر بيت من الرجز، للأغلب العجلي، من قصيدة يتحسر فيها على ذهاب شبابه وضعف قوته؛ بسبب الكبر والشيخوخة، وهو من المعمرين، وعجزه:

نقضن كلي ونقضن بعضي

اللغة والإعراب: نقضي، النقض: الهدم والكسر، وهو هنا: كناية عن ضعف قواه: "طول الليالي" مبتدأ ومضاف إليه. "أسرعت" الجملة خبر المبتدأ، "في نقضي" جار ومجرور متعلق بأسرعت. "نقضن" فعل ماض، ونون النسوة فاعل "كلي" مفعول. "ونقض بعضي" مثله.

المعنى: أن طول الليالي أسرعت في ضعفي، وذهبت بقوتي شيئا فشيئا، ولم يبق علي قبل أن يحين الوقت المعتاد فيه ذلك.

الشاهد: تأنيث الضمير في "أسرعت" مع إعادته إلى "طول" المذكر، وجوز ذلك إضافة "طول " إلى مؤنث، وهو الليالي، فاكتسب منه التأنيث، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد.

(3)

صدر بيت من البسيط، لم ينسب لقائل، وعجزه:

وعقل عاصبي الهوى يزداد تنويرا

اللغة والإعراب: إنارة العقل: إضاءته، والمراد: الغريزة التي بها يدرك العقل الأشياء مكسوف: مظلم، من قولهم: كسفت الشمس، إذا ذهب نورها وزال ضوءها، بطلوع هوى: بالطاعة والانقياد لشهوة النفس. "إنارة العقل" مبتدأ ومضاف إليه. "مكسوف" خبر.

ص: 323

ويحتمله: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}

(1)

، ولا يجوز قامت غلام هند، ولا قام امرأة زيد؛ لعدم صلاحية المضاف فيهما للاستغناء عنه بالمضاف إليه.

"بطوع هوى" متعلق بمكسوف ومضاف إليه، و"عقل" مبتدأ. "عاصي الهوى" مضاف إليه. "يزداد" الجملة خبر لمبتدأ. "تنويرا" تمييزا.

المعنى: أن مطاوعة الإنسان في هواه، وانطلاقه وراء شهوات نفسه، يغطي نور العقل ووضاءة البصيرة، وعصيانه لهواه يزيد العقل نورا، والبصيرة تبصرة وحسن النظر إلى الأشياء وتقدير لها.

الشاهد: في "مكسوف"؛ حيث أعاد الضمير مذكرا على إنارة وهو مؤنث، وسوغ ذلك كون المرجع مضافا إلى مذكر، وهو العقل فاكتسب التذكير منه.

(1)

فقد ذكر "قريب" وهو خبر عن "رحمة"؛ لأنها اكتسبت التذكير من إضافتها إلى لفظ الجلالة. قال الصبان: وعبر بالاحتمال؛ لما في إطلاق المذكر على الله -تعالى- من سوء الأدب، ولكن التذكير وصف للفظ الجلالة؛ لأنه المضاف إليه، لا لذاته -سبحانه- فتدبر. وقيل:"قريب" فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، أو بمعنى فاعل وأجري مجرى مفعول، أو أن التذكير على تأويل الرحمة بمذكر وهو: الغفران. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وربما أكسب ثان أولا

تأنيثا إن كان لحذف موهلا

أي أن الثاني وهو المضاف إليه، قد يكسب الأول وهو المضاف، التأنيث؛ إن كان الأول مؤهلا -أي صالحا- للحذف والاكتفاء بالثاني عنه، وقد أهمل الناظم الشرط الثاني.

هذا: وقد ذكر المصنف من الأمرو التي يكتسبها المضاف من المضاف إليه: التعريف؛ إن كان المضاف إليه معرفة، والتخصيص إن كان نكرة، والتخفيف إذا ان المضاف اسم فاعل مضاف إلى معموله، ورفع القبح إن كان صفة مشبهة، والتذكير، والتأنيث، وأتي بأمثلة موضحة لذلك، وهنالك أشياء أخرى يستفيدها إلى المضاف من المضاف إليه؛ منها: الظرفية؛

* "وربما" رب: حرب تقليل وجر، وما: كافة. "ثان" فاعل أكسب. "أولا" مفعول أول لأكسب. "تأنيثا" مفعوله الثاني. "إن كان" شرط وفعله، واسم كان يعود إلى المضاف. "لحذف متعلق بموهلا الواقع خبر لكان، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه.

ص: 324

مسألة: لا يضاف اسم لمرادفه

(1)

؛ كـ ليث أسد، ولا موصوف إلى صفته

(2)

؛ كـ"رجل فاضل"، ولا صفة إلى موصوفها

(3)

؛ كـ"فاضل رجل". فإن سمع ما يوهم شيئًا من ذلك يؤول.

فمن الأول، قولهم:"جاءني سعيد كرز"

(4)

، وتأويله: أن يراد بالأول المسمى وبالثاني الاسم

(5)

؛ أي جاءني مسمى هذا الاسم.

بشرط أن يكون المضاف دالا على الكلية أو الجزيئة؛ كلفظ "كل" و"بعض"، والمضاف إليه ظرفا؛ مثل قوله تعالى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} والمصدرية أحيانا؛ إذا كان المضاف إليه مصدرا والمضاف ليس بمصدر؛ كقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِين ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} فكلمة "أي" مفعول مطلق منصوب بقوله "ينقلبون" ووجوب التصدير؛ إذا كان المضاف إليه لفظا من الألفاظ الذي يجب تصديرها في جملتها؛ كألفاظ الاستفهام؛ فإن وجوب التصدير ينتقل إلى المضاف الذي ليس من ألفاظ الصدارة؛ ولهذا وجب تقديم المبتدأ في نحو: كتاب من معك؟ والخبر في مثل: صبيحة أي يوم سفرك؟ والمفعول مثل: غلام أيهم أكرمت؟ والجار والمجرور في نحو: من صديق أيهم أنت أشعر؟

وهكذا.

(1)

ذلك لأن المضاف يتعرف أو يتخصص بالمضاف إليه؛ فلا بد أن يكون غيره في المعنى؛ لأن الشيء لا يتعرف أو يتخصص بنفسه. والترادف: الاتحاد مأصدقا ومفهوما.

(2)

لأن الصفة تابعة لموصوفها في الإعراب، فلو أضيف إليها الموصوف، لكانت مجرورة دائما.

(3)

لأن الصفة يجب أن تكون تابعة ومتأخرة عن الموصوف، ولا يمكن ذلك في الإضافة.

(4)

فإن "سعيد" و"كرز" اسمان مترادفان مسماهما واحد، وأضيف أحدهما للآخر، والكرز في الأصل: الخرج الذي يضع فيه الراعي زاده ومتاعه وجمعه كرزة. والكراز: الكبش الذي يحمله ويسير به أمام القوم.

(5)

هذا إذا كان الحكم مناسبا للمسمى، فإن ناسب الاسم عكس التأويل؛ نحو: كتبت سعيد كرز؛ أي كتبت اسم هذا المسمى، والإضافة بهذا التأويل على معنى لام الاختصاص.

ص: 325

ومن الثاني؛

(1)

قولهم: "حبة الحمقاء، وصلاة الأولى، ومسجد الجامع"، وتأويله: أن يقدر موصوف؛ أي حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع

(2)

.

ومن الثالث

(3)

قولهم: "جرد قطيفة، وسحق عمامة"

(4)

. وتأويله: أن يقدر موصوف أيضا، وإضافة الصفة إلى جنسها

(5)

؛ أي شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة.

(1)

أي من الإضافة الموصوف إلى صفته، والحمقاء: هي المسماة بـ"الرجلة"، ووصفت بالحمق مجازًا؛ لأنها تنبت في مجاري السيول، فيمر الماء فيغطيها فتطؤها الأقدام.

قال الصبان: وهذا يظهر لو كانت الحبة تطلق على "الرجلة"، ونحوها من البقول، أما إذا كانت واحدة الحب؛ كالبرد وبذر الرجلة، وسائر الحبوب فلا.

(2)

وبذلك يكون الأول مضافا إلى الموصوف؛ من إضافة الشيء إلى جنسه كالمثال الأول، أو زمنه كالثاني، أو كله كالثالث، وقيل: إن الإضافة في حبة الحمقاء من إضافة العام إلى الخاص، ولا حاجة للتأويل والمراد بالساعة الأولى: أول ساعة بعد الزوال، أو أول ساعة تؤدي فيها الصلاة المفروضة.

(3)

وهو من إضافة الصفة إلى موصوفها.

(4)

جرد: بمعنى مجرودة. وسحق: بمعنى بالية؛ أي قطيفة مجرودة، وعمامة بالية. قيل: ومنه قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} ، إذا قدر أنه من إضاف الصفة إلى الموصوف، ومعناه: الأعين الخائنة.

(5)

أي جنس موصوفها، وتكون الإضافة، معنوية، من إضافة الشيء إلى جنسه، ويجر الجنس بمن؛ لأن الإضافة على معناها، وفيما تقدم يقول الناظم:

ولا يضاف اسم لما به اتحد

معنى وأول موهما إذا ورد

* "اسم" نائب فاعل يضاف. "لما" متعلق بيضاف، وما: اسم موصول "به" متعلق باتحد، وجملة "اتحد" صلة ما.

"معنى" تمييز أو منصوب على نزع الخافض. "موهما" مفعول أول. "إذا ورد" شرط وفعله وجوابه محذوف؛ أي إذا ما يوهم جواز إضافة الشيء إلى ما اتحد به.

أي لا يضاف اسم لآخر اتحد معه في المعنى. والمراد بالاتحاد في المعنى: ما يشمل الترادف، والتساوي؛ سواء كان بحسب الوضع؛ كالإنسان والناطق، أو بحسب المراد؛ كالموصوف والصفة، على النحو الذي ذكر. وإذا ورد ما يوهم ذلك يجب تأويله كما بين المصنف.

ص: 326

‌فصل: الغالب على الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد

؛ كغلام، وثوب.

ومنها ما يمتنع إضافته

(1)

؛ كالمضمرات، والإشارات، وكغير "أي"

(2)

من الموصولات، وأسماء الشرط والاستفهام.

ومنها ما هو واجب الإضافة إلى المفرد، وهو نوعان:

1 -

ما يجوز قطعه عن الإضافة في اللفظ

(3)

؛ نحو: كل، وبعض، وأي

(4)

، قال تعالى:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}

(5)

، {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، {أَيَّامًا

(1)

لأنه لا يعرض له ما يحتاج معه إلى الإضافة، وكذلك لمشابهته الحروف، والحروف لا تضاف.

(2)

أما هي فملازمة للإضافة لفظا أو تقديرا لضعف شبهها بالحرف، بما عارضه من شدة افتقارها إلى مفرد تضاف إليه، لتوغلها في الإبهام، وسيأتي بعد توضيح حكم "أي".

(3)

فيحذف المضاف إليه؛ لفظا وينوي معناه، ويستغني عنه بالتنوين الذي يدل عليه، والذي يسمى تنوين العوض، ويبقى للمضاف حكمه في التعريف أو التنكير.

(4)

يشترط في "كل": ألا تكون للتوكيد؛ نحو: ت أصادق العرب كلهم، ولا للنعت؛ مثلك المجاهد المخلص هو الرجل كل الرجل؛ فإن كانت كذلك وجب إضافتها لفظا كما ذكرنا، ويشترط في "أي" ألا تقع نعتا أو حالا، وإلا تعينته إضافتها لفظا، ومن هذا النوع:

"غير"، و"مع" والجهات الست، وسيأتي توضيح لذلك في موضعه.

(5)

التنوين في "كل" عوض عن المضاف إليه المحذوف؛ أي كلهم. والضمير للشموس والأقمار، وأفرد "فلك" مراعاة للفظ كل، وجمع "يسبحون" مراعاة للمضاف إليه المحذوف، واختلف عند قطع "كل" و"بعض" عن الإضافة لفظا، هل هما معرفتان بنية الإضافة؟ ذهب سيبويه والجمهور إلى ذلك، وعليه فتأتي الحال منهما متأخرة؛ فتقول: مررت بكل ساجدًا وببعض جالسا وهو الصحيح، وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان وهذا الخلاف حين يكون المضاف إليه معرفة؛ فإن كان نكرة فلا خلاف في تنكيرهما.

ص: 327

تَدْعُوا}

(1)

.

2 -

وما يلزم الإضافة لفظا، وهو ثلاثة أنواع:

ما يضاف للظاهر والمضمر؛ نحو: كلا وكلتا وعند، ولدى، وقصارى

(2)

وسوى.

وما يختص بالظاهر؛ كأولي، وأولات، وذي، وذات

(3)

؛ قال الله تعالى: {نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ} ، {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ} ، {وَذَا النُّونِ}

(4)

، {ذَاتَ بَهْجَةٍ} .

وما يختص بالمضمر، وهو نوعان:

ما يضاف لكل مضمر، وهو "وحد"

(5)

؛ نحو: {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} .

(1)

" أيا" اسم شرط مفعول مقدم لتدعو، و"ما" زائدة.

(2)

قصارى الشيء وقصاراه: غايته ونهايته؛ يقال: قصاراك أن تفعل كذا؛ أي جهدك وغايتك وآخر أمرك؛ ومثله: حمادى؛ تقول: حماداك وحمادي؛ أي غايتك وغايتي

إلخ.

(3)

أي وفروعهما؛ كذوا، وذواتا، وذووا، وذوات، والكل بمعنى صاحب.

(4)

أي صاحب النون، وهو سيدنا يونس عليه السلام، والنون: الحوت.

(5)

يضاف "وحد" إلى ضمير الغائب والمخاطب والمتكلم، كما مثل المصنف، ولا فرق بين المذكر والمؤنث، ولا بين ضمير المفرد وغيره، وهو مصدر يدل على التوحيد والانفراد ملازم للإفراد والتنكير، وقد يثنى شذوذا، وهو منصوب غالبا؛ فقيل: على الحال لتأويله بموحد؛ أي منفردا، وقيل: على أنه مفعول مطلق لفعل من لفظه؛ يقال: وحد الرجل يحد إذا انفرد، أو مصدر لا فعل له من لفظه. وقد يجر بعلى؛ يقال: أخذت كل درهم على وحده، وبالإضافة وقد ورد في خمس كلمات؛ يقال في المدح: هو نسيج وحده، وقريع وحده، وفي الدلالة على الإعجاب بالنفس: رجيل وحده. وفي الذم: عيير وحده، وجحيش وحده.

ص: 328

وقوله:

وكنت إذا كنت إلهي وحدكا

(1)

وقوله:

والذئب أخشاه إن مررت به وحدي

(2)

(1)

صدر بيت من الرجز، لعبد الله بن عبد الأعلى القرشي، وعجزه:

لم يلك شيء يا إلهي قبلكا

اللغة والإعراب: قبلك، قيل: إن معنى القبلية: المعية؛ بدليل مقابلتها بقوله وحدك؛ لأن القبلية محالة في حقه تعالى، وقيل: إن الظرف ليس قيدا في الفعل المنفي بلم.

والمعنى: لم يكن شيء أصلا إل أنت. "كنت" كان وفاعلها؛ لأنها تامة بمعنى وجدت.

"إذا" ظرف للماضي بمعنى حين متعل بكان. "إلهي" منادى بحذف حرف النداء.

"وحدكا" منصوب على الحال من فاعل كان والألف للإطلاق، "يك" مضارع مجزوم بلم على النون المحذوفة للتخفيف. "شيء" اسم يك. "قبلكا" ظرف خبر يك ومضاف إليه.

المعنى: وجدت يا إلهي حين وجدت وحدك، لم يك معك شيء قبل خلق هذا العالم ثم أوجدت العالم.

الشاهد: إضافة "وحد" إلى ضمير الخطاب.

(2)

جزء بيت من المنسرح، للربيع بن ضبع الفزاري، يصف ذهاب قوته، وضعفه، بعد أن كبر وشاخ وتمامه:

وأخشى الرياح والمطرا

وقبله:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا

أملك رأس البعير إن نفرا

اللغة والإعراب: معاني المفردات واضحة. "الذئب" مفعول لفعل محذوف يفسره أخشى. "إن مررت" شرط وفعله، والجواب محذوف يدل عليه ما قبله، "وحدي" حال من التاء في مررت. وإعراب الباقي واضح.

المعنى: إني لكبر سني وضعفي وعدم قدرتي على مقاومة أي شيء، أخاف من الذئب إن مررت وليس معي أحد، ولا أحتمل هبوب الرياح وسقوط المطر فإن ذلك يؤذيني لشدة ضعفي.

الشاهد: إضافة "وحد" إلى ضمير المتكلم.

ص: 329

وما يختص بضمير المخاطب، وهو: مصادر مثناة لفظا ومعناها التكرار

(1)

وهي: "لبيك" بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة

(2)

، و"سعديك" بمعنى إسعادا لك بعد إسعاد، ولا تستعمل إلا بعد لبيك

(3)

، و"حنانيك" بمعنى تحننا عليك بعد تحنن، و"دواليك" بمعنى تداولا بعد تداول

(4)

، و"هذاذيك" -بذالين معجمتين- بمعنى إسراعا لك بعد إسراع. قال:

ضربا هذاذيك وطعنا وخضا

(5)

(1)

المراد بالتكرار، التكثير الذي يزيد على اثنين، وهي ملحقة بالمثنى في إعرابه؛ مراعاة لمظهرها، وليست مثنى حقيقا من حيث معناها، وتعرب مفعولا مطلقا لفعل من لفظها، إلا هذاذيك، فيقدر فعلها من معناها، وهو: أسرع على الصحيح.

(2)

أصل لبيك: ألب لك إلبابين؛ أي أقيم على طاعتك وإجابتك إقامة كثيرة، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، ثم حذف الزوائد، وحذف الجار من الضمير المفعول وأضيف المصدر إليه، وقيل: إنه من لب بمعنى ألب؛ أي أقام؛ وكذا الباقي؛ ومثلها: حجازيك؛ أي محاجزة بعد مجاجزة، وحذاريك؛ أي حذرًا بعد حذر.

(3)

لأن "لبيك" هي الأصل في الإجابة، و"سعديك" بمنزلة التوكيد لها.

(4)

أي تواليا وتناوبا في طاعتك بعد توال وتناوب.

(5)

صدر بيت من الرجز، للعجاج، من أرجوزة يمدح فيها الحجاج بن يوسف الثقفي، وعجزه:

يمضي إلى عاصي العروق النحضا

اللغة والإعراب: ضربا هذاذيك: أي ضربا يهذا هذا بعد هذ؛ والهذ: الإسراع في القطع وغيره، وخضا -الوخض: الطعن الذي يصل إلى الجوف، وقيل بالعكس، والمراد: الطعن الذي يسرع إلى الموت، عاصي العروق: هو العرق الذي يسيل ولا يرقأ دمه، وجمعه عواص، النحضا، النحض: اللحم المكتنز كلحم الفخذ، "ضربا" مصدر منصوب بفعل محذوف، أو مفعول به لمحذوف؛ أي نجزيهم ضربا. "هذاذيك" مفعول مطلق لمحذوف من معناه؛ أي أسرع، وهو مضاف إلى الكاف، "وطعنا" معطوف على ضربا "وخضا" صفة له "يمضي" الجملة صفة ثانية لضربا "النحضا" منصوب على تقدير الخافض "في" المعنى: اضرب ضربًا كثيرا مسرعًا في القطع، واطعن طعنًا جائفًا في اللحم حتى يمزق الأجسام، فتصل أجزاؤها إلى العروق العاصية التي يسيل دمها بلا انقطاع.

الشاهد: إضافة "هذاذيك" إلى ضمير المخاطب.

ص: 330

وعامله وعامل "لبيك" من معناهما، والبواقي من لفظها

(1)

، وتجويز سيبويه في "هذاذيك" في البيت، وفي "دواليك" من قوله.

دواليك حتى كلنا غير لابس

(2)

الحالية: بتقدير نفعله متداولين، وهاذين؛ أي مسرعين، ضعيف؛ للتعريف

(3)

،

(1)

فيقدر: أسرع، وأجيب، وأسعد، وأتخنن، وأتداول، وقد علمت أن لـ"لبيك" فعلا من لفظها، قال الصبان:"والمتجه عندي أن لبيك منصوب بفعل من لفظه". وذكر بعضهم فعلا لهذاذيك؛ وهو: هذ يهذ هذا؛ أي أسرع.

(2)

عجز بيت من الطويل، أنشده سيبويه، وهو لسحيم الأسود، عبد بني الحسحاس، من الشعراء المخضرمين، وصدره:

إذا شق برد شق بالبرد مثله

اللغة والإعراب: برد: هو الكساء الموشى؛ أي المخطط المزخرف، دواليك: من المداولة وهي المناوبة بينك وبين غيرك. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "برد" نائب فاعل شق. "مثله" نائب فاعل شق الثاني، ومضاف إليه، "دواليك" مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف من معناه، مضاف إلى الكاف، "حتى" اتبدائية. "كلنا غير لابس" مبتدأ وخبر مضاف إليه.

المعنى: إذا شق واحد منا برد صاحبه ومزقه؛ شق الآخر برده كذلك بالتناوب، حتى نرى وكلنا ليس عليه برد. قيل في سبب ذلك: أن الرجل كان إذا أراد تأكيدا المودة بينه وبين من يحب، واستدامة صحبته، شق كل واحد منهما برد صاحبه؛ يرى أن ذلك أبقى المودة بينهما.

الشاهد: إضافة "دواليك" إلى ضمير المخاطب، وهو مفعول مطلق، لا حال؛ خلافا لسيبويه.

(3)

أي؛ لأنه معرفة بإضافته للضمير، والحال واجب التنكير، وقوله: "ولأن المصدر

إلخ".

دفع به ما قد يقال: إن هذه الحال مما جاء معرفا لفظا، وإن كان منكرا معنى.

ص: 331

ولأن المصدر الموضوع للتكثير لم يثبت فيه غير كونه مفعولا مطلقا.

وتجويز الأعلم في هذاذيك في البيت الوصفية

(1)

مردود لذلك

(2)

، وقوله فيه وفي أخواته: إن الكاف لمجرد الخطاب، مثلها في "ذلك"

(3)

مردود أيضا؛ لقولهم: "حنانيه" و"لبي زيد"

(4)

، ولحذفهم النون لأجها ولم يحذفوها في "ذانك"

(5)

، وبأنها لا تحلق الأسماء التي لا تشبه الحرف

(6)

. وشذت إضافة "لبي" إلى ضمير الغائب في نحو قوله:

لقلت لبيه لمن يدعوني

(7)

(1)

أي لضربا. والمعنى: اضرب ضربا مسرعًا أو مكررًا.

(2)

أي للتعريف؛ لأن ضربا نكرة، فلا يوصف بمعرفة؛ ولأن المصدر

إلخ.

(3)

أي مثل الكاف في ذلك؛ في أنها لا موضع لها من الإعراب.

(4)

فقد أضيف "حنانيه" إلى الضمير، و"لبي" إلى الاسم الظاهر، وقيام ضمير الغيبة، والاسم الظاهر مقام الكاف، دليل على اسميتها؛ لأن الاسم إنما يقوم مقامه مثله.

(5)

وهذا أيضا دليل على أنها اسم مضاف إليه، وكذلك في "تانك".

(6)

أي أن الكاف الحرفية لا تحلق كل ما لا يشبه الحرف. ولبيك وأخواته مصادر لا تشبه الحرف؛ فلا تلحقها الكاف الحرفية، فهذه ثلاث علل للرد على الأعلم.

(7)

رجز أنشده أبو علي الفارسي، ولم ينسبه، وقبله:

إنك لو دعوتني ودوني

زوراء ذات مترع بيون

اللغة والإعراب: زوراء: هي الأرض البعيدة الأطراف. مترع: مملوء أو ممتد؛ من قولهم: حوض ترع؛ أي ممتلئ والذي في اللسان: منزع بدل مترع؛ وهو الفراغ الذي في البئر حتى الماء، بيون: هي البئر الواسعة الرأس الضيقة الأسفل، أو البعيدة القاع. "إنك" إن واسمها. "لو" شرطية غير جازمة. "دعوتني" فعل الشرط. "ودوني" الواو للحال، و"دوني" ظرف خبر مقدم، ومضاف إليه، "زوراء" مبتدأ مؤخر، والجملة حال من ياء دعوتني، "ذات مترع" صفة لزوراء ومضاف إليه. "بيون" صفة لمترع. "لقلت" جواب لو، وجملة الشرط وجوابه خبر إن. "لبيه" مفعول مطلق لمحذوف منصوب بالياء، مضاف إلى الهاء، وهو التفات من الخطاب إلى الغيبة.

المعنى: إنك لو طلبتني وناديتني لأمر ما -وبيننا أرض نائية، صبعة المسالك، ذات مياه بعيدة الغور- لأجبتك سريعا، ولما تأخرت عن تلبية طلبك.

الشاهد: إضافة "لبى" إلى ضمير الغائب، وهو شاذ؛ لأنه مختص بضمير المخاطب.

ص: 332

وإلى الظاهر في نحو قوله:

فلبى فلبي يدي مسور

(1)

وفيه رد على يونس في زعمه أنه مفرد، وأصله لبا؛ فقلبت ألفه ياء لأجل الضمير كما في لديك وعليك

(2)

. وقول ابن الناظم: إن خلاف يونس في لبيك وأخواته وهم

(3)

.

(1)

عجز بيت من المتقارب، أنشده سيبويه، ولم يعين قائله، وهو لأعرابي من بني أسد، استعان بآخر اسمه مسور في دفع غرامة مالية فأعانه، وصدره:

دعوت لما نابني مسورا

اللغة والإعراب: دعوت: استعنت. نابني: أصابني ونزل بي. مسور: اسم رجل. فلبى: أجاب دعائي بقوله لبيك. "لما" متعلق بدعوت، و"ما" اسم موصول. "نابني" الجملة صلة ما. "مسورا" مفعول دعوت. "فلبى" الفاء عاطفة، وجملة "لبى" معطوف على جملة "دعوت"، وفاعله يعود على مسور، ومفعوله محذوف؛ أي فلباني أو فلبى رجائي. "فلبى" الفاء للسببية، و"لبى" مفعول مطلق لمحذوف منصوب بالياء. "يدي" مضاف إليه مجرورا بالياء. "مسور" مضاف إليه كذلك.

المعنى: دعوت مسورا واستغثت به، لدفع ما نابني وحل بي، فأجابني إلى ما دعوته إليه؛ فتلبية بعد تلبية ليدي مسور، أبادر إليه إذا ناداني وسألني في أمر ينوبه؛ كما بادر إلي، وخص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان قدمتا المال له.

الشاهد: إضافة "لبى" إلى الاسم الظاهر، وهو "يدي"؛ وذلك شاذ.

(2)

وجه الرد كما قال سيبويه: أنه لو كان مفردًا مقصورًا -كما يرى يونس- لما قلبت ألفه ياء مع الظاهر في قوله: "فلبى يدي مسور"، كما لا تقلب ألف "لدي" و"على" عند ذلك؛ إذ يقال: لدي الباب، وعلى الجبل؛ ببقاء الألف، فكان ينبغي أن يقال: لبى زيد، فدل ذلك على أنه مثنى، وليس بمقصور.

(3)

بفتح الهاء؛ أي غلط؛ لأن خلاف يونس في لبيك فقط.

ص: 333

ومنها ما هو واجب الإضافة إلى الجمل؛

(1)

اسمية أو فعلية، وهو:"إذا" و"حيث"

(2)

.

وفيما تقدم في هذا الفصل يقول الناظم:

وبعض الأسماء يضاف أبد

وبعض ذا قد يأت لفا مفردا

وبعض ما يضاف حتما امتنع

إبلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع

كوحد لبى ودوالي سعدى

وشذ إبلاء "يدي" للبى

أي بعض الأسماء يضاف دائما لفظا ومعنى؛ وبعض هذه قد يجيء مفردًا مقطوعا عن الإضافة؛ لفظا لا معنى، وبعض الأسماء التي يتحتم إضافتها، يمتنع إضافتها إلى الاسم الظاهر، ويجب أن يكون المضاف إليه ضمير؛ ومنها "وحد"، و"لبى" و"شذ"، وقرع يدي -وهو اسم ظاهر- مضافا إليه للبى.

(1)

يشترط في الجملة الواقعة مضافا إليه: أن تكون خبرية؛ فلا تصلح الشرطية المبدوءه بإن، أو ما يشابهها في التعليق، ولا تصلح الإنشائية مطلقا، ويشترط كذلك أن تكون مشتملة على ضمير، يعود على المضاف؛ لأن المضاف إلى الجملة، مضاف في التقدير إلى مفرد -هو المصدر المكون منها. فكما لا يعود ضمير من المصدر المضاف إليه إلى المضاف؛ كذلك لا يعود من الجملة إليه.

(2)

"إذا" ظرف للزمان الماضي المبهم في الغال، ومعناها: زمن، أو وقت، أو حين. وقد ترد

* "وبعض الاسما" مبتدأ ومضاف إليه. "يضاف أبدًا" الجملة خبر، وأبدًا ظرف. "وبعض ذا" مبتدأ ومضاف إليه. "يأت" فعل مضارع حذفت ياؤه للضرورة، وفاعله مستتر، والجملة خبر المبتدأ. "فظا" منصوب على التمييز، أو نزع الخافض. "مفردا" حال من ضمير يأتي، ويجوز أن يكون "لفظا" هو الحال، و"مفردا" نعت له.

"وبعض" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "يضاف" الجملة صلة ما، ونائب الفاعل يعود على ما، "حتما" مفعول مطلق لفعل محذوف، "إيلاؤه" فاعل امتنع، والجملة خبر المبتدأ، وهو مضاف إلى الهاء؛ من إضافة المصدر لمفعوله الأول. "اسما" مفعوله الثاني. "ظاهرا" صفة لقوله اسما. "حيث" ظرف مكان متعلق بامتنع، وجملة. "وقع" مضاف إليه لحيث، وفاعله يعود إلى بعض ما يضاف. "كوحد" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف. "لي" ودوالي، سعدي "معطوفات على "وحد" بحذف العاطف في. "لبى" و"سعدى" "إيلاء" فاعل شذ. "يدي" مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله الأول. "للبى" متعلق بإيلاء؛ على أنه مفعوله الثاني. ومفعوله الأول المضاف إليه. واللام فيه لتقوية العامل.

ص: 334

فأما "إذ"؛ فنحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ، {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا}

(1)

، وقد يحذف ما أضيفت إليه للعلم به

(2)

فيجاء بالتنوين عوضا منه؛ كقوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}

(3)

.

ظرفا للمستقبل بمعنى "إذا"، إذا دلت قرينة على ذلك؛ نحو قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِم} ، وإذا أضيفت لجملة فعلية وجب أن يكون الفعل ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ نحو قوله تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} ، وقيل: يجب أن يكون معنى الجملة قد تحقق قبل النطق بها، أو أنه سيتحقق من غير شك. وهذا كله ليكون المضاف إليه مماثلا لمعنى "إذ" في الزمن.

وتلزم "إذ" البناء، وتكون في محل نصب على الظرفية؛ إلا إذا أضيف إليها اسم؛ كيومئذ، وحينئذ؛ فتكون في محل جر بالإضافة.

هذا: "وترد "إذ" للتعليل؛ كقوله تعالى: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}، وهي في هذه الحالة: إما حرف زائد للتعليل كاللام، أو ظرف زمان، والتعليل مستفاد من قوة الكلام، وتأتي لإفادة المفأجاة؛ أي مفاجأة ما بعدها لما قبلها وذلك بعد "بينا" أو"بينما"، نحو: بينا نحن جلوس إذ أقبل علينا ضيف عزيز: وتعرب حينئذ حرف للمفاجأة، أو حرفا زائدًا؛ لتأكيد معنى الجملة.

و"حيث" هي في الغالب ظرف مكان نادر التصرف، وهي مبنية دائما على الضم في محل نصب على الظرفية؛ أو خفض بمن؛ ولا يجوز قطعها عن الإضافة لفظا، ولا يضاف إلى الجملة من أسماء المكان غيرها.

(1)

"إذ" في المثالين مفعول به لاذكروا عند بعض النحاة، وعند الجمهور -وهو الحق- أن "إذ" ظرف لمفعول به محذوف؛ أي اذكروا نعمة الله عليكم، إذ أنتم قليل، وإذ كنتم قليلا.

(2)

وأكثر ما يكون ذلك؛ إذا كان المضاف اسم زمان، كيومئذ وحينئذ وساعتئذ؛ فيحف المضاف ويؤتى بالتنيوين؛ عوضا عن الجملة المحذوفة، وتحرك الذال عند التنوين بالكسر؛ للتخلص من الساكنين.

(3)

أي يوم إذ غلبت الروم. و"إذ" حينئذ باقية على بنائها، على الصحيح.

ص: 335

وأما "حيث: فنحو: جلست حيث جلس زيد، وحيث زيد جالس

(1)

، وربما أضيفت إلى المفرد

(2)

؛ كقوله:

ببيض المواضي حيث لي العمائم

(3)

(1)

الغالب في الجملة الاسمية بعد "حيث"، ألا يكون خبرها فعلا. وإضافتها للجملة الفعلية أكثر؛ سواء كانت مثبتة، أو منفية.

(2)

يجيز بعض النحاة إضافتها للمفرد، مع بقائها مبنية، نحو: إنا مسافر حيث الهدوء، ويؤيده جواز فتح همزة "أن" بعدها؛ فتكون مضافة إلى المصدر المنسبك من أن ومعموليها، وهو مفرد، وبعضهم يعربها، ويندر أن تقع ظرف زمان أو غيره، ولا يقاس على ما يسمع من ذلك.

(3)

عجز بيت من الطويل، للفرزدق، وصدره:

ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم

اللغة والإعراب: نطعنهم -بضم العين وفتحها- نضربهم؛ يقال: طعنه بالرمح؛ كمنعه ونصره -ضربه ووخزه. الحبا: جمع حبوة؛ وهي الثوب الذي يحتبى به.

والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعها به مع ظهره، ويشده عليها. وقد يكون الاحتباء باليدين؛ والمراد هنا: أوساطهم. بيض: جمع أبيض، والمراد: السيوف المواضي؛ جمع ماض، وهو النافذ القاطع؛ أي السيوف القواطع. "لي" العمائم: لفها وشدها طاقة بعد طاقة على الرءوس. "تحت الحبا" مفعول ومضاف إليه "بع" ظرف متعلق بنطعن "ضربه" مضاف إليه. وضمير الغائبين مضاف إليه؛ من إضافة المصدر لمفعوله "حيث" ظرف مكان في محل نصب، متعلق بضرب، أو حال. "لي العمائم" مضاف إليه.

المعنى: نضربهم برماحنا في أواسطهم؛ حيث لا يبرءون من الطعن بعد ضربهم بالسيوف القواطع على رءوسهم.

الشاهد: إضافة حيث إلى اسم مفرد، وفي المغني: أن من أضاف "حيث" إلى المفرد، أعربها؛ ومنه قول الشاعر:

أما ترى حيث سهيلا طالعا

بفتح ثاء حيث على أنها مفعول ترى، وخفض سهيل. وفيما يضاف وجوبا إلى الجملة الاسمية والفعلية، يقول ابن مالك:

ص: 336

ولا يقاس عليه خلافا للكسائي.

ومنها ما يختص بالجمل الفعلية وهو: "لما" عند من قال باسميتها

(1)

؛ نحو: لما جاءني أكرمته. و"إذا"

(2)

. . . . . . . . . . .

وألزموا إضافة إلى الجمل

"حيث" و"إذ" وإن ينون يحتمل

إفراد إذ

......

أي ألزم النحاة "حيث" و"إذ" الإضافة إلى الجمل، بالشروط التي أوضحناها.

وإن ينون "إذ"، وذلك بعد حذف المضاف إليه، ومجيء التنوين عوضا عنه، يحتمل ويجوز إفرادها؛ أي قطعها عن الإضافة؛ لفظا لا معنى.

(1)

القائل باسميتها: الفارسي وابن جني وابن السراج وآخرون؛ وقالوا: هي ظرف بمعنى "حين"؛ ولذا تسمى "لما الحينية". وقيل: بمعنى "إذ"، ورجحه ابن مالك في المعني؛ لأنها مختصة بالماضي، وفيها معنى الشرط، ويجب أن يكون شرطها، وجوابها ماضيين عند الأكثرين، وتضاف إلى شرطها، وتنصب بجوابها، وعند سيبويه: هي حرف وجود لوجود، لا محل لها.

(2)

هي ظرف غير جازم، مبني دائما، متضمن معنى الشرط غالبا، وتكون للزمان المستقبل كثيرا، وللماضي قليلا، ووقوع الماضي، في جملة شرطها أو جزائها، لا يخرجها عن الدلالة عن المستقبل، ويقع شرطها، وجوابه ماضيين، أو مضارعين، أو مختلفين، وناصبها: المحققين. وإما جوابها فتكون مضافة إلى جملة الشرط وهو المشهور، ويجوز أن يحذف المضاف إليه وتجيء التنوين عوضا عنه؛ تقول: من ينكر المعروف فليس إذا يستحقه؛ أي فليس إذا يجحده يستحقه، وتأتي "إذا" للمفاجأة، فتختص الجملة الاسمية، وهي حينئذ حرف على الأصح، نحو: خرجت فإذا محمد ينتظرني، وقيل هي ظرف، قد أشار الناظم إلى "إذا" بقوله:

* "إضافة" مفعول ثان مقدم لألزموا. "إلى الجمل" متعلق بإضافة، أو بمحذوف صفة له. "حيث" مقصود لفظه مفعول أول. "وإذ" معطوف على حيث. "وإن ينون" شرط وفعله ونائب الفاعل يعود على إذ. "يحتمل إفراد إذ" الجملة من الفعل، ونائب الفاعل جواب الشرط.

ص: 337

عند غير الأخفش والكوفيين

(1)

نحو: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} ، وأما نحو:{إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} فمثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك}

(2)

. وأما قوله:

إذا باهلي تحته حنظلية

(3)

وألزموا "إذا" إضافة إلى

جمل الإفعال كـ"هن إذا اعتلى"

ومعنى: هن إذا اعتلى؛ كن متواضعا هبنا، إذا تكبر وتعالى غيرك.

(1)

أما عندهما، فيجوز إضافتها إلى الجمل الاسمية؛ تمسكا بظاهر ما ورد من الآيات التي ذكرها المصنف.

(2)

فكل من "السماء" و"أحد" فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور، وليس كل منهما مبتدأ، والفعل بعدهما خبرا.

(3)

صدر بيت من الطويل للفرزدق، وعجزه:

له ولد منها فذاك المذرع

اللغة والإعراب: بأهلي: منسوب إلى باهلة، وهي قبيلة من قيس عيلان، ويكثر الشعراء من ذمها؛ ومن ذلك وقول الشاعر:

إذا قيل للكلب يا باهلي

عوى الكلب من لؤم هذا النسب

حنظلية: نسبة إلى حنظلة؛ وهي أكرم قبائل تميم؛ حتى ليقال: "حنظلة الأكرمون".

المذرع: الذي أمه أشرف من أبيه. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط، "باهلي" اسم كان محذوفة، "تحته" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ومضاف إليه. "حنظلية" مبتدأ مؤخر، والجملةفي محل نصب خبر كان المحذوفة وحدها. ويجوز أن يكون المحذوف كان واسمها، و"باهلي" مبتدأ أول. "تحته حنظلية" مبتدأ ثان وخبر، والجملة خبر الأول، والجملة خبر كان المحذوفة مع اسمها ضمير الشأن. "له ولد" خبر مقدم، ومبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر صفة لباهلي، أو حال. "منها" جار ومجرور صفة لولد "فذاك" الفاء واقعة في جواب الشرط، وذاك اسم إشارة مبتدأ "المذرع" خبر.

المعنى: إذا تزوج رجل من باهلة امرأة من حنظلة، وأتى منها بولد؛ فهو المذرع؛ أي

* "إذا" مقصود لفظه مفعول أول لألزموا. "إضافة" مفعول ثان "إلى جمل" متعلق بإضافة "الأفعال" مضاف إليه. "كهن" خبر لمبتدأ محذوف، "إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "اعتلى" فعل الشرط، والجملة في محل جر بإضافة إذا، وجواب الشرط محذوف يدل على الكلام.

ص: 338

فعلى إضمار كان؛ كما أضمرت هي وضمير الشأن في قوله:

فهلا نفس ليلى شفيعها

(1)

فصل: وما كان بمنزلة "إذ" أو"إذا؛ في كونه اسم زمان مبهم لما مضى أو لما يأتي

(2)

، فإنه بمنزلتهما فيما يضافان إليه

(3)

؛ فلذلك تقول: جئتك زمن الحجاج أمير، أو

الذي أمه أشرف من أبيه.

الشاهد: في "إذا باهلي"؛ فإنه على تقدير كان محذوفة بعد إذا؛ بما أنه ليس بعده فعل يصلح للتفسير؛ لأن إذا لا يليها إلا الفعل؛ لفظا أو تقديرا. واحتج به الأخفش على دخول "إذا" على الجملة الاسمية.

(1)

جزء من بيت من الطويل، لقيس بن الملوح، المعروف بمجنون ليلى، وقيل لغيره، وأوله:

ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة

إلى

اللغة والإعراب: نبئت: أخبرت: بشفاعة؛ الشفاعة: التوسل ابتغاء الخير الشفيع: الذي يكون منه التوسل "نبئت" ماض للمجهول، والتاء نائب الفاعل، وهو المفعول الأول. "ليلى" مفعول ثان لنبئت. "أرسلت" الجملة مفعول ثالث. "بشفاعة" مفعول أرسلت؛ على زيادة الباء "إلى" متعلق بأرسلت "فهلا" الفاء للسببية، وهلا حرف تحضيض. "نفس ليلى" خبر مقدم، ومضاف إليه. "شفيعها" مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه، والجملة خبر كان المحذوفة، مع اسمها ضمير الشأن؛ أي فهلا كان هو؛ أي الحال والشأن.

المعنى: أخبرت أن ليلى أرسلت إلي شفيعا، يطلب مني العودة إلى الوصل والمودة، فهلا تقدمت بنفسها لطلب ذلك؛ إن كان هذا أجدى، وأحق بالقبول.

الشاهد: حذف كان واسمها ضمير الشأن بعد هلا، ولم تجعل "نفس ليلى" اسم كان محذوفة، كما حدث في البيت السابق؛ لأن "شفيعها" اسم مفرد مرفوع، لا يصلح أن يكون خبرا، وهلا من الأدوات التي لا يليها إلا الفعل.

(2)

قول المصنف: لما مضى، راجع لوجه الشبه بإذ. وقوله: أو لما يأتي، راجع لوجه الشبه بإذ. والمراد بالمبهم من الزمان: ما ليس محدودا؛ بالأ يكون له أي اختصاص؛ كحين، ومدة، ووقت، ووزمن، ولحظة، وبرهة، أو يكون له اختصاص من بعض النواحي؛ كغداة وعشية، وليل، ونهار، وصباح، ومساء أما المحدود فهو: ما دل على عدد معين؛ كيومين، وأسبوع، وشهر، وسنة، أو وقت محدود؛ كأمس، وغد، وهذا لا يضاف إلى جملة.

(3)

فما يكون بمعنى، "إذ" يجوز إضافته إلى الجملة بنوعيها، بالشرط الذي ذكرناه؛ وهو أن

ص: 339

أو زمن كان الحجاج أميرًا؛ لأنه بمنزلة "إذ"

(1)

؛ وآتيك زمن يقدم الحاج، ويمتنع في: زمن الحاج قادم؛ لأنه بمنزلة "إذا"

(2)

.

هذا قول سيبويه، ووافقه الناظم في مشبه "إذ" دون مشبه "إذا"؛ محتجا بقوله تعالى:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}

(3)

. وقوله:

فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

(4)

وهذا ونحوه مما نزل فيه المستقبل -لتحقق وقوعه- منزلة ما قد وقع ومضى

(5)

.

يكون معنى الجملة ماضيا أو مستقبلا محتم الوقوع، كما يجوز أن يضاف إلى المفرد أو لا يضاف، وما يكون بمنزلة، "إذا" يضاف إلى الجملة الفعلية، غير أن الإضافة في "إذ" و"إذا" واجبة، وفيما يكون بمنزلتهما جائزة.

(1)

"فزمن" في المثال الأول مضاف إلى جملة اسمية، وفي الثاني مضاف إلى فعلية.

(2)

أي: و"إذا" لا تضاف إلى الجمل الاسمية؛ فكذلك ما كان بمعناها.

(3)

فقد أضيف "يوم" هو يشبه "إذا" في الاستقبال، إلى الجملة الاسمية.

(4)

صدر بيت من الطويل، لسواد بن قاب السدوسي الأزدي الصحابي، يخاطب الرسول،

وعجزه:

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

وتقدم الكلام عليه في باب "ما ولا ولات" صفحة 257 جزء أول.

الشاهد فيه هنا: إضافة "يوم" إلى الجملة الاسمية، على رأي الناظم؛ مع أنه بمنزلة "إذا" في الدلالة على المستقبل، و"إذا" لا تضاف إليها. وظاهره الرد على سيبويه، الذي لا يجيز ذلك.

(5)

أي فيكون "يوم" مشبها لإذ؛ لا لإذا؛ لأن المراد من الماضي ما كان متحقق الوقوع؛ سواء عبر عنه بالماضي، أو بالمضارع، وهذا توجيه سيبويه، وهو رد على رأي الناظم، وفي أسماء الزمان المشبهات "إذ"، يقول الناظم:

وما كـ"إذ" معنى كإذ

أضف جوازًا نحو "حين جا نبذ"

أي والذي مثل "إذا" في المعنى؛ من حيث كونه اسم زمان ماض مبهم، يضاف جوازا إلى مثل ما تضاف إليه "إذ"؛ من الجمل الاسمية والفعلية؛ نحو: حين جاء نبذ؛ أي طرد. واقتصر الناظم على مشبه، "إذ" دون مشبه "إذا"؛ لأنه يجيز إضافة مشبه "إذا" إلى الجملة الاسمية؛ محتجا بما ذكره المصنف ورده.

* "وما" اسم موصول مبتدأ، "كإذ" متعق بمحذوف صلة، "معنى" منصوب على نزع الخافض، أو تمييز. "كإذ" خبر المبتدأ. "جوازًا" مفعول مطلق لأضف، وجملة أضف؛ كالاستدراك على قوله: كإذ، يبين به أنه مثله في مطلق الإضافة؛ لا في وجوبها. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "حين" ظرف متعلق بنبذ. "جا" فعل ماض قصر للضروة. "نبذ" ماض مبني للمجهول، والجملة في محل جر بإضافة نحو إليها.

ص: 340

‌فصل: ويجوز في الزمان المحمول على "إذ" أو"إذا": الإعراب على الأصل والبناء حملًا عليهما

(1)

؛ فإن كان ما وليه فعلًا مبنيا؛ فالبناء أرجح للتناسب؛ كقوله:

على حين عاتبت المشيب على الصبا

(2)

(1)

" إذ" و"إذا" مبنيان على الفتح في جميع الأحوال، أما ما يشبههما؛ فيجوز فيه الإعراب على الأصل؛ بناء على أن الأصل في الأسماء الإعراب، وهذا يحسن إذا كان المضاف إليه جملة اسمية، أو جملة مضارعية فعلها معرب، وجيوز فيه البناء على الفتح، ويحسن عند الإضافة إلى جملة فعلية فعلها مبني، وقد أوضح ذلك المصنف.

(2)

صدر بيت من الطويل، للنابغة الذبياني، من قصيدة، يعتذر فيها للنعمان بن المنذر،

وعجزه:

وقلت ألما أصح والشيب وازع

اللغة والإعراب: "على" الأولى، بمعنى "في"، والثانية للتعليل. عاتبت؛ العتاب: اللوم مع السخط، وعدم الرضا، الصبا، والصبوة والميل إلى الهوى، أصح: أتنبه، وازع: زاجر، من وزع؛ أي زجر ونهي. "على حين" جار ومجرور متعلق بأسبل، أو برددتها في قوله قبل:

وأسبل مني عبرة فرددتها

على النحو منها مستهل ودامع

"عاتبت المشيب" الجملة في محل جر بإضافة "حين" إليها، "على الصبا" متعلق بعاتبت. "ألما" الهمزة للاستفهام الإنكاري، و"لما" حرف نفي وجزم. "أصح" مضارع مجزوم بحذف الواو. "والشيب وازع" الواو للحال، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال، من الضمير المستتر في أصح.

المعنى: سال مني الدمع وانهمل، وقت معاتبتي للشيب، وقد حل بي، وذهب زمان الصبوة والفتوة والانغماس في الشهوات وقلت لنفسي، موبخا: كيف لا أصحو وأفيق من غفلتي واسترسالي في الشهوات! والشيب أكبر زاجر وواعظ.

الشاهدك: في "حين"؛ روي بالفتح على البناء لإضافته لمبني، وبالخفض على الإعراب.

ص: 341

وقوله:

على حين يستصبين كل حليم

(1)

وإن كان فعلا معربا أو جملة اسمية؛ فالإعراب أرجح عند الكوفيين، وواجب عند البصريين، واعترض عليهم بقراءة نافع:{هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ} بالفتح

(2)

، وقوله:

على حين التواصل غير داني

(3)

(1)

عجز بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وصدره:

لأجتذبن منهن قلبي تحلما

اللغة والإعراب: تحلما؛ التحلم: تكلف الحلم وتصنعه. يستصبين: يستملن ويجتذبن. حليم: عاقل رزين. "لأجتذبن" اللام للتوكيد واقعة في جواب قسم مقدر. "أجتذبن" مضارع مؤكد بالنون الخفيفة. "منهن" جار ومجرور متعلق به، "قلبي" مفعول مضاف إليه ياء المتكلم. "تحلما" مفعول لأجله، أو حال بمعنى متحلما. "على حين"جار ومجرور متعلق بأجتذبن، "يستصبين" مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة فاعله، والجملة مضاف إليه لحين. "كل جليم" مفعول يستصبين، ومضاف إليه.

المعنى: اجتذب قلبي، وأشده إلى نفسي من هؤلاء الفاتنات؛ متكلفا الحلم، والكف عن الميل إلى الهوى؛ لأنه يستملن إلى الله والصبوة كل عاقل.

الشاهد: فيه كالذي قبله؛ غير أن الفعل الذي أضيف إليه "حين" هناك مبني بالإصالة؛ لأنه ماض، وهذا مبني لاتصاله بنون النسوة، وأصله معرب.

(2)

أي ببناء "يوم" على الفتح، لا على الإعراب؛ لأن الإشارة إلى اليوم؛ كما في قراءة الرفع، فلا يكون ظرفا، ويجيب البصريون -الذين يوجبون الإعراب- بأن الفتحة "في يوم" فتحة إعراب، وهو منصوب على الظرفية خبرًا لهذا. والإشارة ليست لليوم؛ وإنما هي للمذكور قبل؛ من كلامه مع عيسى، وكلام عيسى معه؛ أي هذا المذكور كائن في هذا اليوم، ويمكن أن يكون على لغة سليم؛ من إعمال القول مطلقا.

(3)

عجز بيته من الوافر، لم ينسب لقائل، وصدره:

تذكر ما تذكر من سليمى

اللغة والإعراب: التواصل: المواصلة وترك القطعية والهجر، دان: قريب. تذكر فعل ماض، والفاعل هو "ما" اسم موصول مفعول تذكر الأولى "تذكر الثاني" الجملة صلة.

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

"ما"، والعائد محذوف؛ أي تذكره. "من سليمى" جار ومجرور حال من "ما". "على حين" متعلق بتذكر "التواصل غير داني" الجملة من المبتدأ والخبر مضاف إليه لحين.

المعنى: تذكر وأعاد إلى ذاكرته وذهنه كل ما كان بينه، وبين سليمى -وأبهم المذكر؛ تعظيما له وتفخيما- لا في وقت لا ينتظر فيه قرب الوصال، والتقرب بينهما.

الشاهد: في "حين"؛ روى بالفتح على البناء، في محل جر بعلى، مع إضافته لجملة اسمية. وبهذا يرد على البصريين؛ والذين يمنعون البناء في هذه الحالة، وإن كان الإعراب أكثر. وإلى ما ذكر في هذا الفصل، يشير ابن مالك بقوله:

وابن أو أعرب ما كـ"إذ" قد أجريا

واختر بنا متلو فعل بنيا

وقبل فعل معرب أو مبتدا

أعرب ومن بنى فلن يفندا

أي يجوز البناء والإعراب في كل اسم زمان حمل على "إذ"، وكان مثلها في المعنى، والمختار بناء ما يتلوه فعل مبني، وإعراب ما وقع قبل فعل معرب، أو قبل مبتدأ "المراد: جملة اسمية". ومن بني في جميع الأحوال، فلن يفندا؛ أي يغلط.

هذا: وهنالك ألفاظ غير زمانية، ولكنها تشبه الزمان؛ في ارتباطها بالوقت والزمن؛ مثل آية بمعنى علامة، وهذه تضاف جوازًا إلى الجملة الفعلية، التي فعلها متصرف، ويغلب أن يأتي بمعنى علامة، وهذه تضاف جوازًا إلى الجملة الفعلية، التي فعلها متصرف، ويغلب أن يأتي بعدها "ما" النافية أو المصدرية، وتعرب على حسب ما تستحقه قبل الإضافة؛ كقول الشاعر:

ألا من مبلغ عني تميما

بآية ما يحبون الطعاما

بآية يقدمون الخيل شعثا

كأن على سنابكها مداما

فكلمة آية معربة، مضافة إلى المصدر المؤول في البيت الأول، وإلى الجملة المضارعية في الثاني.

* "أو أعرب" معطوف على "ابن"؛ بنقل فتحة الهمزة إلى الواو للوزن، "ما" اسم موصول تنازعه الفعلان، "كإذ" متعلق بأجريا، وجملة "قد أجريا" صلة ما "بنا" -بالقصر- مفعول اختر، "متلو فعل" مضاف إليه. "بينا" ماض للمجهول،

والجملة نعت لفعل. "وقيل فعل" ظرف متعلق بأعرب، ومضاف إليه "معرب" صفة لفعل. "أو مبتدأ" معطوف على فعل، "ومن" اسم موصول مبتدأ، "بني" الجملة صلة من، "فلن يفندا" نائب فاعل يفندا عائد على من، والجملة خبرها، والفاء زائدة في خبر الموصول لشبهه بالشرط.

ص: 343

‌فصل: مما يلزم الإضافة "كلا" و"كلتا"

(1)

، ولا يضافان إلا لما استكمل ثلاثة شروط:

أحدها: التعريف

(2)

؛ فلا يجوز: كلا رجلين، ولا كلتا امرأتين، خلافا للكوفيين

(3)

.

والثاني: الدلالة على اثنين

(4)

؛ إما بالنص؛ نحو: كلاهما، و {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} أو بالاشتراك؛ نحو قوله:

كلانا غني عن أخيه حياته

(5)

(1)

أي للإضافة لفظا ومعنى، وكلا وكلتا مفردان لفظا، مثنيان معنى، يدلان على اثنين واثنتين، ويجوز في خبرهما، وفي كل ما يحتاج إلى المطابقة بينه وبينهما، مراعاة اللفظ وهو الأفصح، ومراعاة المعنى.

(2)

لأنهما في المعنى يؤكدان ما أضيفتا إليه، والمنكور لا يؤكد عند البصريين.

(3)

فقد أجازوا إضافتهما إلى النكرة المختصة؛ لجواز توكيدها؛ تقول: حضر كلا رجلين عالمين، وكتلا امرأتين شاعرتين، والأحسن الأخذ بهذا الرأي.

(4)

أي شيئين؛ مذكرين أو مؤنثين، واشترط ذلك؛ لأن الغرض منهما تقوية التثنية في المضاف إليه، وتأكيدها، ولا بد أن يطابق التأكيد المؤكد.

(5)

صدر بيت من الطويل، ينسب لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، يخاطب الحسين بن عبد الله، وكان صديقين ثم تهاجرا، وقيل لغيره، وعجزه:

ونحن إذا متنا أشد تغانيا

اللغة والإعراب: معاني المفردات واضحة "كلانا" مبتدأ موفوع بالألف، ومضاف إليه. "غني" خبر. "عن أخيه" منصوب على الظرفية، أو على نزع الخافض، ومضاف إليه "ونحن" متبدأ. "إذا متنا" شرط وفعله، وهو اعتراض بين المبتدأ والخبر وهو "أشد". "تغانيا" تمييز.

المعنى: واضح.

الشاهد: إضافة "كلا" إلى الضمير "نا"؛ وهو لفظ مشترك يدل على الاثنين والجماعة؛ فصحت إضافة "كلا" إليه.

ص: 344

فإن كلمة "نا" مشتركة بين الاثنين والجماعة، وإنما صح قوله:

إن للخير والشر مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

(1)

لأن "ذا" في المعنى، مثلها في قوله تعالى:{لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}

(2)

، أي: وكلا ما ذكر، وبين ما ذكر.

والثالث: أن يكون كلمة واحدة

(3)

؛ فلا يجوز: كلا زيد وعمرو؛ فأما قوله:

كلا أخي وخليلي واجدي عضدا

(4)

(1)

لعبد الله بن الزبعري، أحد شعراء قريش، من قصيدة قالها بعد غزوة أحد، يتشفى بالمسلمين، وكان وقتئذ لا يزال على جاهليته، ثم أسلم بعد، وقبله النبي صلى الله عليه وسلم وأمنه بعد فتح مكة.

اللغة والإعراب: مدى؛ المدى: غاية الشيء ونهايته. وجه: جهة، ومستقبل كل شيء وجهه. قبل، القبل: المحجة الواضحة. "للخبر" جار ومجرور خبر "إن" مقدم. "مدى" اسمها مؤخر. "وكلا" الواو عاطفة. "كلا" متبدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف. "ذلك" ذا: اسم إشارة مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، "وجه" خبر المبتدأ. "وقبل" معطوفة على وجه؛ وسكن للشعر.

المعنى: إن للخير والشر غاية ونهاية، ينتهيان إليها ويقفان عندها، وكلاهما أمر معروف، يستقبله الإنسان ويعرفه، كما يستقبل الوجه. وضبطه بعضهم "قبل"؛ بكسر القاف، وفتح الباء، جمع قلبة؛ أي كلا من الخير والشر بمثابة القبلة التي يتوجه إليها المصلي.

الشاهد: إضافة "كلا" إلى مفرد لفظا، مثنى معنى؛ وهو ذلك؛ لأنه عائد على اثنين هما: الخير والشر.

(2)

أي بين الفارض والبكر؛ والفارض: السنة، والبكر: الفتية، والعوان: النصف.

(3)

فلا يضافان إلى كلمتين متفرقتين؛ لأنهما موضوعان لتأكيد المثنى.

(4)

صدر بيت من البسيط لم ينسب لقائل معين، وعجزه:

في النائبات وإلمام الملمات

اللغة والإعراب: الخليل: الصديق. عضدا: سندا يعتمد عليه، ويركن إليه عند

ص: 345

فمن نوادر الضرورات.

ومنها "أي"

(1)

: تضاف للنكرة

(2)

مطلقًا؛ نحو: أي رجل، وأي رجلين، وأي رجال؟

الشدائد. النائبات: المصائب التي تنوب الإنسان، جمع نائبة. إلمام: نزول، مصدر ألم؛ أي نزل. الملمات: نوازل الدهر وحوادثه، جمع ملمة. "كلا" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف. "أخي" مضاف إليه "وخليلي" معطوف عليه مضاف إلى ياء المتكلم، "واجدي" خبر كالا باعتبار لفظه، وياء المتكلم مضاف إليه، وهي في محل نصب مفعوله الأول. "عضدا" مفعول ثان. "في النائبات" متعلق بواجدي.

المعنى: كل من أخي وصديقي يجدني عند حلول المصائب والشدائد، ونزول حوادث الدهر ونوائبه، معينا وركنا يستند إليه، وناصرا ينصره ويساعده.

الشاهد: إضافة "كلا" إلى متعدد، مع التفريق بالعطف؛ وهو أخي وخليلي، وهذا نادر كل الندرة، ولا تضاف كلا وكلتا لشيء من الضمائر غير "نا" و"الكاف" المتصلة بالميم والألف، والهاء كذلك؛ تقول: كلانا، كلاكما، كلاهما، وكذلك كلتا.

وإلى كلا وكلتا وشروطهما أشار الناظم بقوله:

لمفهم اثنين معرف بلا

تفرق أضيف "كلتا" و"كلا"

أي أضيفت كلتا وكلا لمفهم اثنين -أي لما يدل عليه اثنين- مع تعريفه، وعدم تفرق أفرداه؛ فقد أجيز: بين محمد وعلي، واشترك محمد وعلي، ولم يجز العطف في كلا وكلتا، مع عدم التفريق بينه، وبين سابقيه، والعلة في ذلك: الورود عن العرب.

(1)

"أي" الملازمة للإضافة خمسة أنواع: نوعان ملازمان للإضافة لفظا ومعنى؛ وهما: الوصفية، التي تقع نعتا، والحالية، التي تقع حالا، وثلاثة ملازمة للإضافة معنى لا لفظا؛ وهي: الاستفهامية، والشرطية، والموصولة؛ فيحوز قطعها عن الإضافة لفظا، مع نية المضاف إليه، وحينئذ تنون؛ ليكون التنوين عوضا عن المحذوف.

(2)

كل الأنواع المتقدمة، ما عدا الموصولة، فلا تضاف إلا لمعرفة؛ كما سيأتي.

* "لمفهم" متعلق بأضيف. "اثنين" مضاف إليه. "معرف" صفة لمفهم "بلا تفرق" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لمفهم، "كلتا" نائب فاعل أضيف. "وكلا" معطوف عليه.

ص: 346

وللمعرفة

(1)

إذا كانت مثناة،؛ نحو:{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} ، أو مجموعة؛ نحو:{أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ولا تضاف إليها مفردة

(2)

إلا إن كان بينهما

(3)

؛ جمع مقدر

(4)

؛ نحو: أي زيد أحسن؟ إذا المعنى: أي جزاء زيد أحسن؟ أو عطف عليها مثلها بالواو

(5)

، كقوله:

أيي وأيك فارس الأحزاب

(6)

(1)

إن كانت استفهامية، أو شرطية، أو موصولة.

(2)

أي لا تضاف "أي" المذكورة إلى المعرفة المفردة.

(3)

أي بين "أي" وبين المعرفة المفردة.

(4)

أي لفظ يدل على جمع؛ وهو "أجزاء" في المثال المذكور، أو قصد الجنس بالمضاف إليه؛ نحو: أي الدينار دينارك؟، وأي الكسب أطيب؟.

(5)

أي تكررت بعطف معرفة مفردة على الأولى بالواو خاصة. ولا يشترط إضافة الأولى منهما إلى ضمير المتكلم، خلافا لبعضهم، فيصح أن يقال: أيك وأي محمد أفقه؟ وأي على، وأي محمد أفضل؟

(6)

عجز بيت من الكامل، لم يعلم قائله، وصدره:

فلئن لقيتك خاليين لتعلمن

اللغة والإعراب: خاليين: منفردين ليس معنا أحد. الأحزاب: جمع حزب؛ وهو الجماعة من الناس أمرهم واحد. "فلئن" اللام موطئة للقسم، وإن حرف شرط جازم، "لقيتك" فعل الشرط. "خاليين" حال من الفاعل والمفعول في لقيتك، "لتعلمن" اللام واقعة في جواب القسم، وتعلمن مضارع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد، وجواب الشرط محذوف، يدل عليه جواب القسم "أيي" مبتدأ ومضاف إليه، "وأيك" معطوفة على أيي. "فارس الأحزاب" خبر ومضاف إليه، وجملة المبتدأ والخبر سدت مسد مفعولي "تعلم"؛ المعلق بسبب الاستفهام.

المعنى: يتوعد الشاعر محدث، ويقول له: إذا تقابلنا منفردين، ليس معنا أحد، ونزل كل منا إلى صاحبه، فستعلم أينا الفارس المغوار، الذي لا ينازعه أحد.

الشاهد: إضافة "أي" إلى مفرد معرفة؛ لتكرارها بعطف مثلها عليها بالواو.

ص: 347

إذ المعنى: أينا. ولا تضاف "أي" الموصولة إلا لمعرفة

(1)

؛ نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} خلافا لابن عصفور

(2)

. ولا "أي" المنعوت بها، والواقعة حالا، إلا لنكرة

(3)

؛ كمررت بفارس، أي فارس، وبزيد، أي فارس. وأما الاستفهامية والشرطية، فيضافان إليهما

(4)

؛ نحو: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} ، {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ

(1)

لأنه يراد بها معين، والصلة لا تستقل بذلك مع أي؛ لتوغلها في الإبهام، فلا بد من إضافتها لمعرفة، ولا بد أن تدل المعرفة على متعدد، أو يعطف مثلها بالواو؛ كما سلف.

(2)

فقد أجاز إضافتها للنكرة.

(3)

أي غالبًا؛ لأن نعت النكرة، والحال ينبغي أن يكون نكرتين، وينبغي أن تكون هذه النكرة مماثلة للمنعوت؛ لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ كما مثل المصنف.

(4)

أي إلى النكرة والمعرفة، وذلك؛ لأن معنى الاستفهام، والشرط يؤدي بهما.

وخلاصة ما تقدم أن لأي ثلاثة أحوال:

أ- الإضافة إلى النكرة والمعرفة، في الشرطية والاستفهامية، ويضافان إلى النكرة مطلقا؛ سواء كانت لمتعدد أو غير متعدد، وهما حينئذ بمعنى المضاف إليه كاملا؛ ولذا يكونان بمعنى "كل"، ويشترط في المعرفة أن تكون لمتعدد، ويكونان معها بمعنى "بعض"، ويجوز قطعهما عن الإضافة؛ فمثال الشرطية في قوله تعالى:{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، ومثال الاستفهامية أن تقول: أكرمت رجلًا؛ فيقال لك: أيا يا فتى؟

ب- الإضافة إلى النكرة في الوصفية والحالية، ومعنى الوصفية: الدلالة على بلوغ المنعوت الغاية؛ مدحا أو ذما؛ ويشترط أن تكون النكرة مماثلة للمنعوت؛ لفظا ومعنى، أو معنى فقط والوصفية لا تتكرر، ولا تنوى بها الأجزاء، وتدل الحالية على ما تدل عليه الحال؛ من بيان هيئة صاحبها المعرفة.

جـ- الإضافة إلى المعرفة في "أي" الموصولة؛ وهي بمعنى الذي؛ ويشترط في المعرفة أن تدل على متعدد بالإضافة، أو بالعطف بالواو على مثل المتقدم، كما سبق بيانه، ويراعى لفظه في المطابقة، وقد تقطع عن الإضافة لفظا؛ تقول: أكرم أيا هو أفضل.

وفي "أي" وأحكامها، يقول الناظم:

ولا تضف لمفرد معرف

"أيا" وإن كررتها فأضف

ص: 348

قَضَيْتُ}

(1)

، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} ، وقولك: أي رجل جاءك فأكرمه.

ومنها لدن

(2)

بمعنى عند، إلا أنها تختص بستة أمور:

أحدها: أنها ملازمة لمبدأ الغايات

(3)

؛. . . . . . . . . . .

أو تنو الاجزا واخصصن بالمعرفه

موصولة "أيا" وبالعكس الصفه

وإن تكن شرطًا أو استفهاما

فمطلقا كمل بها الكلاما

أي: لا يجوز إضافة "أي" للمفرد المعرفة، إلا مع تكرارها أو مع نية الأجزاء والمراد: الاستفهامية، والشرطية، والموصولة؛ لأنها هي التي تضاف إلى المعرفة والموصولة تختص بالمعرفة. أما الشرطية والاستفهامية؛ فيجوز إضافتهما للنكرة كما يوضحه الإطلاق بعد.

وتختص الصفة بنوعيها؛ النعتية والحالية، بعكس الموصولة؛ أي بالإضافة إلى النكرة، ثم بين إن الشرطية والاستفهامية يكمل بهما وبما أضيفتا إليه الكلام مطلقا؛ سواء أضيفتا إلى المعرفة أو إلى النكرة.

(1)

مثالان للاستفهامية والشرطية المضافتين إلى معرفة، وما بعدها للمضافتين إلى نكرة.

(2)

هي ظرف مبهم يدل على بدء الغاية الزمانية أو المكانية، والمراد بالغاية: ما يدل عليه الكلام بعدها من المقدار الزمني أو المسافة المكانية، من حيث يكون البدء بها. وتجر ما بعدها بالإضافة لفظا إن كان معربا، ومحلا إن كان مبنيا أو جملة.

(3)

أي أول المسافات المكانية أو المقادير الزمانية، فمسماها نقطة البداية ودخول "من" التي للابتداء عليها؛ لتدل على هذا المعنى المراد منها؛ لأن غير مألوف في الأسماء أما "عند" فتكون لمبدأ الغابات كثيرا، وللدلالة على الحضور المجرد؛ نحو: جلست عندك. ويندر أن يقال: جلست لدنك، وإنما تكون "عند" لابتداء الغاية كثيرا إذا دخلت عليها "من" الابتدائية، فإن لم تدخل عليها "من"، كانت للدلالة على مجرد الحضور.

* "ولا" ناهية. "تضف" مضارع مجزوم بلا. "معرف" نعت لمفرد "أيا" مفعول تضف. "وإن كررتها" شرط وفعله ومفعوله. "فأضف" الفاء واقعة في جواب الشرط، ومفعول أضف محذوف؛ أي فأصفها للمعرفة. "أو تنو" معطوف على كررتها مجزوم بحذف الياء، وفصل بينهما بجواب الشرط لكونه ليس أجنبيا. "الأجزاء" مفعول تنو. "واخصصن" أمر مؤكد بالنون الخفيفة. "المعرفة" متعلق به. "موصولة" حال مقدم من أيا الواقع مفعولا لاخصصن، "وبالعكس" خبر مقدم، "الصفة" مبتدأ مؤخر، "وإن تكن" تكن فعل الشرط واسمها يعود على أي. "شرطا" خبر تكن. "أو استفهاما" معطوف على شرطا، "فمطلقا" الفاء للربط، و"مطلقا" صفة لمصدر محذوف؛ أي فتكميلا مطلقا. "كمل بها الكلاما" الجملة في محل جزم جواب الشرط.

ص: 349

فمن ثم يتعاقبان

(1)

في نحو: جئت من عنده ومن لدنه، وفي التنزيل:{آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ؛ بخلاف نحو: جلست عنده؛ فلا يجوز فيه جلست لدنه؛ لعدم معنى الابتداء هنا

(2)

.

الثاني: أن الغالب استعمالها مجرورة بمن

(3)

.

الثالث: أنها مبنية

(4)

إلا في لغة قيس

(5)

، وبلغتهم قرئ:{مِنْ لَدُنْه} .

الرابع: جواز إضافتها إلى الجمل

(6)

؛ كقوله:

لدن شب حتى شاب سود الذوائب

(7)

(1)

أي يتداولان على شيء واحد.

(2)

لأن المقصود: جلست في مكان قريب منه.

(3)

فتكون مبنية على السكون في محل جر، ولم ترد في القرآن الكريم إلا كذلك. ومن القليل تجردها للظرفية، وحينئذ تكون مبنية على السكون في محل نصب. أما "عند" فتنصب كثيرا على الظرفية، أو تجر بمن، وجرها بمن -على كثرته- قليل بالنسبة لجر "لدن" بها.

(4)

بخلاف "عند" فإنها معربة عند أكثر العرب.

(5)

فإنها معربة عندهم تشبيها بعند، وإعرابها عندهم مخصوص بالمشهور فيها، وهو "لدن"، وقد سكنت الدال للتخفيف مع الإشمام بالضمة، والأصل ضمها وزعم الفارسي أن "لدن" في الآية على هذه القراءة مبنية، والكسرة للتخلص من الساكنين: سكون الدال، والنون لأجل بناء لدن.

(6)

وإذا أضيفت للجملة تمخضت للدلالة على بداية الغاية الزمانية دون المكتابة، لأن الأرجح أنه لا يضاف إلى الجملة من ظروف المكان، غير "حيث" كما تقدم.

(7)

عجز بيت من الطويل، لعمير بن شييم المعروف بالقطامي الشاعر، وصدره:

صريع غوان راقهن ورقنه

اللغة والإراب: صريع: مصروع، وهو المطروح على الأرض. غوان: جمع غانية.

ص: 350

الخامس: جواز إفرادها قبل "غدوة"

(1)

؛ فنصبها: إما على التمييز

(2)

أو على التشبيه بالمفعول به

(3)

أو على إضمار "كان" واسمها

(4)

. وحكى الكوفيون رفعها على إضمار "كان" تامة

(5)

. والجر القياس

(6)

والغالب في الاستعمال.

وهي المرأة الحسناء التي استغنت بجمالها عن التزين. راقهن: أعجبهن، وروي: شاقهن؛ أي بعث الشوق إلى أنفسهن: الذوائب: جمع ذؤابة، وهي الضفيرة من الشعر. "صريع غوان" خبر لمبتدأ محذوف ومضاف إليه. "راقهن" الجملة صفة لغوان. "وشقنه" معطوف على راقهن. "لدن" ظرف زمان تنازعه العوامل الثلاثة. صريع، ورقهن، ورقنه، وهو مضاف إلى جملة "شب". "حتى" حرف غاية وجر. "سود الذوائب" فاعل شاب ومضاف إليه، من إضافة الصفة إلى الموصوف.

المعنى: أن هذا المخاطب مصروع ومغلوب على أمره، بسبب هؤلاء الغانيات الفاتنات، اللاتي تعلقن به، وقد أعجبب وتعلق بهن منذ نشأ، حتى شابت ذوائبه فأعرضن عنه، وأعرض عنهن قهرا.

الشاهد: إضافة "لدن" إلى جملة "شب" وفاعله المستتر فيه جوازا.

(1)

أي قطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، من غير أن يفصل بينها فاصل.

(2)

أي للدن؛ لأن نونها تشبه التنوين، ويكون من تمييز المفرد سماعًا؛ لأنها اسم لأول زمن مبهم، فسر بغدوة.

(3)

لأن "لدن" تشبه اسم الفاعل، في أن نونها تثبته تارة وتحذف أخرى، مثله.

(4)

وتكون "غدوة" خبرا، والأصل: لدن كان الوقت غدوة. وهذا الوجه حسن؛ لبعده عن التكلف؛ ولأن فيه إبقاء "لدن" على ما ثبت لها من الإضافة إلى الجملة.

(5)

وتكون غدوة فاعلا، والتقدير: لدن كانت غدوة؛ أي وجدت وظهرت، وعلى هذا تكون "لدن" ظرفا مضافا إلى الجملة تقديرا. وقيل: مرفوع بلدن لشبهها بالفاعل، كما عملت "يا" في المنادى لنيابتها عن أدعو.

(6)

أي بإضافة "لدن" إليها كما تجر سائر الظروف. أما "عند" فلا ينقطع عن الإضافة إلا إذا كان اسما محضا وبعد عن الظرفية.

هذا: ولا ينصب بعد "لدن" من الأسماء إلا غدوة، ولا تكون غدوة إلا منونة أما "عند".

ص: 351

السادس: أنها لا تقطع إلا فضلة

(1)

؛ تقول: السفر من عند البصرة

(2)

، ولا تقول: من لدن البصرة.

ومنها "مع": وهو اسم لمكان الاجتماع

(3)

، معرب إلا في لغة ربيعة وغنم

(4)

فتبنى

(1)

لأنها ظرف غير متصرف، فهي مقصورة على النصب على الظرفية أو الجر بمن. أما "عند" فلا.

(2)

فالجار والمجرور خبر عن السفر.

هذا: وتأتي "عند" ظرفا للأعيان والمعاني؛ تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به، ويندر ذلك في "لدي" قيل: ومنه قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} .

وتقول: عندي مال وإن كان غائبا عنك. ولا تقول: لدي مال إلا إذا كان حاضرا، وفي "لدن" يقول ابن مالك.

وألزموا إضافة "لدن" فجر

ونصب "غدوة بها عنهم ندر

أي أن العرب ألزموا "لدن" الإضافة فجر المضاف إليه، وقد يتجرد عن الإضافة وينصب كلمة "غدوة" دون غيرها نادرا.

(3)

هي ظرف مكان أو ظرف زمان، يدل على اجتماع والتقاء بين اثنين في مكان واحد أو زمان واحد، وإرادة المكان أو الزمان توضحه القرائن. مثال دلالته على المكان: التواضع مع الغنى كرم نفس. ومثال الزمان: يذهب الفلاح إلى الحقل في الصباح الباكر. وهي حينئذ ظرف غير متصرف ملازم في الغالب للإضافة لفظا ومعنى، معرب منصوب على الظرفية؛ ولأنها اسم يخبر بها عن الذوات؛ تقول: محمد معك. وتأتي بمعنى "عند" فتفيد الحضور المجرد، ولا تدل على اجتماع ومصاحبة، وتكون حينئذ معربة مضافة، واجبة الجر بمن الابتدائية؛ نحو: من أراد البذل فلينفق من معه لا من مع غيره.

(4)

ربيعة: إحدى قبليتين عظيمتين تفعرت إليهما العرب العدنانية، والثانية مضر، وربيعة أبو القبيلة. وغنم: قبيلة أبوها ورئيسها غنم بن تغلب وائل.

* "إضافة" مفعول ثان مقدم لألزموا. "لدن" مفعول أول قصد لفظه. "فجر" الفاء للعطف، وفاعل جر يعود على لدن ومفعوله محذوف؛ أي المضاف إليه. "ونصب" مبتدأ "غدوة" مضاف إليه. "بها" متعلق بنصب. "عنهم" متعلق بتدر، وجملة "ندر" خبر المبتدأ.

ص: 352

على السكون

(1)

؛ كقوله:

فريشي منكم وهواي معكم

(2)

وإذا لقي الساكنة ساكن جاز كسرها وفتحها

(3)

؛ نحو: مع القوم، وقد تفرد بمعنى "جميعا"

(4)

فتنصب على الحال

(5)

؛ نحو: جاءوا معًا.

(1)

لجمودها بملازمتها الظرفية ولتضمنها معنى حرف المصاحبة، وهي على اللغة حرف جر.

(2)

صدر بيت من الوافر، نسبه الشاطبي إلى الراعي النميري، ونسبه العيني إلى جرير، من كلمة يمدح فيها هشام بن عبد الملك بن مروان، وعجزه:

وإن كان زيارتكم لماما

اللغة والإعراب: الريش اللباس الفاخر، ومثله الرياش، أو المال والخصب ونحوهما. هواي، الهوى: الميل القلبي. لماما: أي في بعض الأحايين، وقتا بعد وقت.

"فريشي" مبتدأ مضاف لياء المتكلم. "منكم" متعلق بمحذوف خبر. "معكم" ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب متعلق بمحذوف خبر هواي. "وإن كانت" شرط وفعله، "زيارتكم" اسم كان ومضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله أو مفعوله. "لماما" خبر كان، وجواب الشرط محذوف يدل عليه السياق.

المعنى: كل ما عندي من لباس فاخرا أو مال وعيش خصب هو منكم ومن فضلكم، وأنا محب لكم وقلبي متعلق بكم، وإن كانت زيارتكم لي قليلة لا تدل على موالاتكم لي، أو زيارتي لكم قليلة.

الشاهد: بناء "مع" على السكون على لغة ربيعة، والمشهور فتحها على أنه معربة، والفتحة للإعراب.

(3)

فتبنى على الكسر للتخلص من الساكنين، أو على الفتح للخفة.

(4)

معناها في هذه الحالة: الدلالة على مجرد اصطحاب اثنين أو أكثر واجتماعهما، ولا تدل على اتحاد في الزمان أو المكان إلا بقرينة، وتكون حينئذ معربة منصوبة منونة، ولا حظ لها في الإضافة.

(5)

وقد تعرب ظرفا مخبرا به عن المبتدأ؛ نحو: المجاهدان معا، وتستعمل للجمع مطلقا، كما

ص: 353

ومنها "غير": وهو اسم دال على مخالفة ما قبله لحقيقة ما بعده

(1)

. وإذا وقع بعد "ليس" وعلم المضاف إليه

(2)

: جاز ذكره كقبضت عشرة ليس غيرها

(3)

، وجاز حذفه

تستعمل للاثنين؛ تقول: المجاهدون معًا؛ أي مجتمعون وموجودن معا

إلخ. واختلف النحاة في "مع" أهي ثنائية الوضع؟ أم ثلاثية حذفته لامها، وأصلها معي؟ وخير الآراء: أن الظرفية ثنائية الوضع معربة يحذف تنوينها عند الإضافة، وتقع حالا أو خبرا على حسب السياق، وهي متعلقة بمحذوف، أما المنونة التي تجردت عن الظرفية؛ فإن أعربت حالا كانت منصوبة بالفتحة الظاهرة إن اعتبرت ثنائية، أو بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة -لالتقائها ساكنة مع التنوين- إن اعتبرت ثلاثية. وإن أعربت خبر؛ فلا بد من اعتبارها ثلاثية مرفوعة بضمة مقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا خطا، أما من يعربها خبرا وهي ثنائية، فيحتم بناءها على الظرفية، وتعليقها بمحذوف هو الخبر، كما ذكرنا.

وفي "مع" يقول ابن مالك:

ومع "مع" فيها قليل ونقل

فتح وكسر لسكون يتصل

أي أن لفظ "مع" فيها لغة قليلة هي: "مع" بسكون العين، ونقل عن العرب في هذه: الفتح والكسر، إذا جاء بعدها ساكن متصل بها لم ينفصل منها بفاصل.

(1)

أما في ذاته وحقيقته؛ كمررت بجرل غيرك. أو في وصف من الأوصاف العرضية التي تطرأ على الذات؛ نحو: خرج الطالب من الامتحان بوجه غير الذي دخل به، وهو اسم محض لا ظرفية فيه.

(2)

أي: بأن دل عليه دليل، ونوى نص لفظه لا معناه، ومصل "ليس"، "لا" النافية عند بعض النحاة.

(3)

برفع "غير" على أنها اسم "ليس" وخبرها محذوف، والتقدير ليس غيرها مقبوضا، وبنصها على أنها خبر "ليس" واسمها محذوف، والتقدير ليس المقبوض غيرها.

* "ومع" معطوف على لدن "مع" قصد لفظه مبتدأ. "فيها" متعلق بقليل الواقع خبرا للمبتدأ. "فتح" نائب فاعل نقل. و"سر" معطوف على فتح. "لسكون" تنازعه كل من: فتح وكسر، فتعلق بالأخير، وأضمر في الأول ضميره، "يتصل" الجملة نعت لسكون.

ص: 354

لفظا

(1)

فيضم بغير تنوين

(2)

. ثم اختلف، فقال المبرد: ضمة بنا؛ لأنها كقبل في الإبهام، فهي اسم أو خبر

(3)

. وقال الأخفش: إعراب؛ لأنها اسم ككل وبعض لا ظرف كقبل وبعد، فهي اسم لا خبر. وجوزهما ابن خروف

(4)

. ويجوز الفتح قليلًا مع التنوين ودونه

(5)

، فهي خبر، والحركة إعراب باتفاق؛ كالضم مع التنوين

(6)

.

(1)

أي إذا نوي معناه، بأي لفظ آخر يؤدي المعنى المقصود دون لفظه.

(2)

ويحذف التنوين لنية معنى المضاف إليه.

(3)

أي اسم لليس في محل رفع، أو خبر لها في محل نصب، والآخر محذوف، والتقدير كما سلف.

(4)

فعلى البناء هي اسم "ليس" أو خبرها، وعلى الإعراب هي اسم لا خبر.

(5)

أما مع التنوين فلقطعها عن الإضافة لفظا، ومعنى، وأما مع عدمه لفنية لفظ المضاف إليه.

(6)

وتكون "غير" اسم ليس: وإجمال القول: أن "غير" تعرب بالحركات كلها بدون تنوين على حسب الجملة قبلها؛ إذا أضيفت لفظا ومعنى، وكذلك الشأن إذا حذف المضاف إليه ونوي لفظه، وسبقتها "ليس" أو"لا" النافيتان. وإذا قطعت عن الإضافة نهائيا، ولم ينو لفظ المضاف ولا معناه، أعربت كذلك بالحركات كلها، ولكنها تكون منونة، أما إذا حذف المضاف إليه ونوي معناه دون لفظه، فتبنى على الضم من غير تنوين، وتبنى على الفتح إذا كان المضاف إليه المحذوف المنوي لفظه -مبنيا. وإذا لم تسبق "غير""بليس" ولا "بلا" النافيتين، استعملت نعتا أو نصبت على الاستثناء، على حسب الحالة، وارتضى بعض النحاة: جواز إعراب "غير" وبنائها عند حذف المضاف إليه مطلقا؛ سواء نوى لفظه أم نوى معناه، وحسنه الكثيرون.

هذا: وإذا حلت "لا" النافية للجنس محل "ليس"، جاز في "غير"؛ البناء على الض في محل نصب على أنها اسم لا، والمضاف إليه محذوف منوي المعنى، وكذلك الخبر، ويجوز البناء على الفتح في محل نصب كذلك. وإذا كانت "لا" للوحدة بنيت "غير" على الضم في محل رفع على أنها اسم "لا"، والمضاف إليه محذوف منوي معناه، والخبر محذوف كذلك. ويجوز رفعها بتنوين وبغير تنوين، على حسب قطعها عن الإضافة أو نية لفظ المضاف إليه. وفي "غير" يقول الناظم:

ص: 355

ومنها "قبل" و"بعد"

(1)

: ويجب إعرابها في ثلاث صور:

إحداها: أن يصرح بالمضاف إليه؛ كجئتك بعد الظهر وقبل العصر، ومن قبله ومن بعده

(2)

.

الثانية: أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت لفظه، فيبقى الإعراب وترك التنوين كما لو ذكر المضاف إليه؛ كقوله:

ومن قبل نادى كل مولى قرابة

(3)

واضمم بناء "غيرا" ان عدمت ما

له أضيف ناويًا ما عدما

أي اضمم لفظ "غير" ضمة بناء؛ إن عدمت؛ أي حذف ما أضيف له "غير" وقد نوى هذا المحذوف، واقتصر الناظم على هذا ولم يذكر باقي الحالات، وبعضه يعلم مما ذكره في نظائر "غير"، بعد.

(1)

هما: اسمان ظرفان؛ يدل أولهما على سبق شيء على آخر، وتقدمه عليه في الزمان أو المكان الحسي أو المعنوي، ويدل الثاني على تأخر شيء على آخر كذلك، وهم ملازمان للإضافة غالبا.

(2)

في المثال الأول، نصبا على الظرفية الزمانية، وفي الثاني جرا بمن؛ وتقول في المكان: دارنا قبل داركم، أو بعدها.

(3)

صدر بيت من الطويل، لم يعرف قائله، وعجزه:

فما عطفت مولى عليه العواطف

اللغة والإعراب: من قبل: أي من قبل ما حدث. مولى: للمولى معان كثيرة؛ منها: ابن العم، والسيد، والناصر، والقريب، والأول أو الأخير، هو المراد هنا. عطفت: أمالت

* "بناء" مفعول مطلق على حذف مضاف؛ أي ضم بناء. "غيرا" مفعول اضمم. "إن" شرطية. "عدمت" فعل الشرط وفاعله. "ما" وهي اسم موصول مفعول. "له" متعلق بأضيف، ونائب فاعل أضيف يعود على غير، والجملة صلة ما، "ناويا" حال من فاعل اضمم المستتر. "ما" اسم موصول مفعول ناويا وفاعله مستتر. "عدما" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى "ما" والجملة صلة ما.

ص: 356

أي: ومن قبل ذلك. وقرى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدِ} بالجر من غير تنوين؛ أي من قبل الغلب، ومن بعده.

الثالثة: أن يحذف، ولا ينوى شيء؛ فيبقى الإعراب

(1)

، ولكن يرجع التنوين؛ لزوال ما يعارضه في اللفظ والتقدير؛ كقراءة بعضهم:{مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} بالجر والتنوين وقوله:

فساغ لي الشراب وكنت قبلا

(2)

ورققت. العواطف: الصلات والروابط التي تستلزم العطف وميل بعض الناس لبعض؛ كالصداقة، والمروءة، والنجدة ونحوها، وهي جمع عاطفة. "من قبل" جار ومجرور متعلق بنادى، "كل مولى" فاعل نادى ومضاف إليه. "قرابة" مفعول نادى. "فما" الفاء عاطفة وما نافية. "مولى" الثاني مفعول عطفت. "عليه" متعلق به. "العواطف" فاعل. وذكر في العيني: أن "مولى" بدل من الضمير في عليه وقدم للضرورة.

المعنى: يقول الشاعر في وصف شدة نزلت به: إنه قبل وقوع هذه الكارثة، نادى كل قريب من أقربائه، ومن بينه وبينهم صلات مودة وعطف؛ ليساعدوه ويأخذوا يناصره، أما هو فما أجابه أحد، ولا عطف عليه قريب أو صديق.

الشاهد: جر "قبل" بدون تنوين، لحذف المضاف إليه ونية لفظه.

(1)

أي بالنصب على الظرفية أو بالجر بمن إن وجدت. ويكون معنى "قبل" و "بعد" في هذه الحالة، القبلية المطلقة والبعدية المطلقة، من غير تقييد بشيء ما؛ أي أن معناهما هو المعنى الاشتقاقي العام.

(2)

صدر بيتا من الوافر، ليزيد بن الصعق على الصحيح، ونسبه العيني لعبد الله بن يعرب، وكان له ثأر أدركه، وعجزه:

أكاد أغص بالماء الحميم

اللغة والإعراب: ساغ: سهل وحلا. أغص: أشرق -بفتح الهمزة والغين- مضارع غص من باب فرح وروي أغص بضم الهمزة وفتح الغين، مبنيا للمفعول. الحميم: هو الماء الحار، والمراد هنا: الماء البارد الذي تشتهيه النفس، كما جاء في اللسان عن ابن الأعرابي، هو من أسماء الأضداد، وروي بالماء الفرات؛ وهو الماء العذب، والرواية الأولى

ص: 357

وقوله:

فَمَا شَرَبُوا بَعْدًا عَلَى لَدَّةٍ خَمْرًا

(1)

وَهُمَا نَكرتَانِ فِي هَذَا الوَجْهِ؛ لِعَدَمَ الإِضَافَةِ لَفْظا وَتَقْدِيرًا؛ ولذلكَ نُونًا

(2)

أصح؛ لأنها على روي القطعة. وكنت" الواو للحال من الياء في لي، وكان واسمها "قبلا" منصوب على الظرفية لكان. "أغص" الجملة خبر أكاد، واسمها أنا والجملة من كاد ومعموليها خبر كان.

المعنى: سهل لي الشراب وطاب عندي كل شيء، حين أدركت ثأري وهدأت نفسي. وكنت قبل ذلك أكاد أشرق من الماء البارد الشهي إلى النفوس. يريد أنه كان يتألم من ألذ الأشياء وأسهلها، فلما أدرك ثأره وهدأت نفسه، طاب له كل شئ.

الشاهد: - تنوين "قبلا" لقطعه عن الإضافة لفظا ومعنى وهو منصوب على الظرفية كما ذكرنا والمراد مطلق القبلية.

(1)

عجز بيت من الطويل، ينسب لبعض بني عقيل ولم يعين، وصدره

*ونَحْنُ قَتَلْنَا الأَسْدَ أَسْدَ شَنُوءَةَ *

اللغة والإعراب: - أسد شنوءة - ويقال "أزد: حي من اليمن أبوهم الأزد بن الغوث.

"نحن" ضمير منفصل مبتدأ. "قتلنا الأسد" الجملة من الفعل والفاعل والمفعول خبر المبتدإ أسد شنوءة" بدل من الأسد ومضاف إليه. "بعدا" منصوب على الظرفية بشربوا. على لذة جار ومجرور متعلق بشربوا. "خمرا" مفعول به.

المعنى: - يقول: إن قتلنا هؤلاء القوم ومزقناهم وشتتنا، شملهم، فما عرفوا بعد ذلك لذة الشراب. يريد أنهم حرموا ملاذ الحياة ونعيمها.

الشاهد: - ورود "بعدا" منونة منصوبة على الظرفية، لقطعها عن الإضافة لفظا وتقديرا، وهي حينئذ نكرة عند الجمهور. وقيل: إن التنوين في هذا البيت والذي قبله لضرورة الشعر. وأجاز الرضي تنوين الظروف المقطوعة عن الإضافة في حالة البناء لذلك.

(2)

- هذا على أن تنوينهما تنوين تمكين للتنكير، وقيل: إن التنوين فيهما للعوض، وهما معرفتان بنية المضاف إليه، واستحسن ذلك ابن مالك في الكافية.

ص: 358

ومعرفتان في الوجهين قبله:

فإن نوي معنى المضاف إليه دون لفظه

(1)

بنيا على الضم

(2)

؛ نحو: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} في قراءة الجماعة.

ومنها "أول"

(3)

و"دون"

(4)

، وأسماء الجهات: كيمين، وشمال، ووراء، وأمام، وفوق

(1)

المراد بنية المعنى: أن يلاحظ المعنى من غير نظر إلى عبارة مخصوصة، أو لفظ معين يدل عليه؛ بل يقصد المسمى معبرا عنه بأي لفظ كان. أما نية اللفظ، فيلاحظ لفظ المضاف إليه المعروف من المقام.

(2)

أي في محل نصب على الظرفية، أو في محل جر؛ إن سبقا بمن، وإنما لم تقتض الإضافة بنية المعنى، الإعراب؛ لضعفها بخلافها مع نية اللفظ، ففيها قوة، وهنالك حالة أخرى يبنيان فيها على الفتح جوازا؛ وهي: إذا أضيفا إلى مبني، وكذلك الشأن في جميع الأسماء المبهمة، وأسماء الزمان المبهمة.

(3)

أصله "أو أل"؛ بدليل جمعه على أوائل، قلبت الهمزة الثانية واوًا وأدغمتا، وله استعمالات منها: أن يستعمل اسما لا ظرفية فيه، ومعناه: مبتدأ الشيء المقابل لآخره، نحو: أول الغيث قطر؛ أي بدايته، وهذا الشيء ليس له أول ولا آخر، أو وصفا بمعنى "سابق" اسم فاعل؛ أي متقدم؛ نحو: ذهبت إلى الحجاز عاما أولًا؛ أي عاما سابقا، وهو في هاتين الحالتين معرب منصرف.

وقد يستعمل اسما مؤولا بالمشتق بمعنى أسبق -أي متقدم- فيمنع من الصرف؛ للوصفية ووزن الفعل، وتدخل عليه "من" الجارة للمفصل عليه؛ تقول: محمد في العلم أول من علي؛ أي أسبق منه، وينصب على الحال أو غيره. وهل هو أفعل تفصيل لا فعل له من لفظه؟ أو جار مجراه؟؛ خلاف ويستعمل "أول" ظرفا للزمان بمعنى "قبل"؛ نحو: رأيت الهلال أول الناس؛ أي قبلهم؟ وفي هذا الاستعمال تجري عليه الأحكام التي جرت على "غير" و"قبل وبعد"؛ فيعرب إذا أضيف لفظا ومعنى، أو حذف المضاف إليه، ونوى معناه؛ نحو: أسرعت للمستغيث أول.

(4)

"دون" ظرف مكان ملازم للإضافة في أغلب الأحوال، وهو في الأصل اسم للمكان الأدنى -أي الأقرب- إلى مكان المضاف إليه؛ تقول: جلست دون المنبر؛ أي قريبا من

ص: 359

وتحت

(1)

، وهي على التفصيل المذكور في "قبل وبعد"؛ تقول: جاء القوم وأخوك خلف، أو أمام

(2)

؛ تريد خلفهم أو أمامهم، قال:

لعنا يشن عليه من قدام

(3)

وقال:

على أينا تعدو المنية أول

(4)

(1)

يمين وشمال: كثير التصرف، وفوق وتحت: يتصرفان أحيانا إذا اتجردا عن الظرفية، وباقي الظروف متوسطة التصرف، والظرف بنوعيه -المتصرف وغير المتصرف- حين يكون ظرفا معربا؛ ينصب على الظرفية أو يجر بمن، وحين يكون مبنيا على الضم، يكون في محل نصب أو في محل جر بمن، إن وجدت قبله، وإذا جرد من الظرفية لا ينصب على الظرفية، بل يعرب على حسب الجملة؛ كما سيأتي مفصلًا.

(2)

أي: بالبناء على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه.

(3)

عجز بيت من الكامل؛ لأحد شعراء بني تميم، لم يعين اسمه، وصدره:

لعن الإله تعلة بن مسافر

اللغة والإعراب: لعن؛ اللعن: الطرد والإبعاد. تعلة: اسم رجل. يشن: يصب؛ من شن الماء يشنه، إذا صبه متفرقا. من قدام: من أمامه. "تعلة" مفعول لعن. "ابن مسافر" صفة لتعلة ومضاف إليه. "لعنا" مصدر، "يشن" مضارع للمجهول، ونائب الفاعل يعود على لعنا، والجملة صفة للعنا، "من" جارة، "قدام" مبني على الضم في محل

جر بمن.

المعنى: واضح.

الشاهد: بناء "قدام" على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه.

(4)

عجز بيت من الطويل، لمعن بن أوس، وهو من قصيدة مشهورة، يستعطف بها صديقا له.

وصدره:

لعمرك ما أدري وإني لأوجل

ص: 360

وحكى أبو علي: ابدأ بذا من أول؛ بالضم على نية معنى المضاف إليه

(1)

؛ وبالخفض على نية لفظه، وبالفتح على نية تركهما، ومنعه من الصرف؛ للوزن والوصف

(2)

.

ومنها "حسب"

(3)

؛ ولها استعمالان:

اللغة والإعراب: أوجل: من الوجل؛ وهو الحذف، وهذا يحتمل أن يكون وصفا أو فعلا مضارعا مبدوءا بهمزة المتكلم، تعدو: تسطو؛ من عدا عليه، اجترأ وسطا وروي تغدو؛ أي تصبح؛ من غدا فلان، إذا جاء غدوة، المنية: الموت. "لعمرك" سبق إعرابه مرات، "ما أدري" ما: نافية، أدري: مضارع، والفاعل أنا، والجملة جواب القسم "وإني لأوجل" الواو للحال، وإن اسمها واللام للابتداء و"أوجل" خبر إن، والجملة من إن ومعموليها في محل نصب حال. "على أينا" جار ومجرور، ومضاف إليه، ومتعلق بتعدو.

"المنية" فاعل تعدو. "أول" ظرف زمان متعلق بتعدو، مبني على الضم في محل نصب، والجملة سدت مسد مفعولي "أدري" المعلق عن العمل بالاستفهام.

المعنى: أقسم بحياتك؛ لست أدري ولا أعلم، وإني لخائف، على أينا ينقض الموت أول ويموت قبل صاحبه؛ فلا تقطع حبل المودة والصلة، فالموت آت لا بد منه.

الشاهد: بناء "أول" على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه؛ والمراد أول الوقتين؛ لأن لكل وقتا يموت فيه، أحدهما يقدر أسبق من الآخر.

(1)

أي من أول الأمر.

(2)

لأنه اسم تفضيل بمعنى الأسبق؛ أي المتقدم. ويستفاد من حكاية أبي علي الفارسي: أن "أول" له استعمالان؛ أحدهما: أن يكون اسما؛ كقبل، والثاني: أن يكون صفة؛ كالأسبق. وقد تقدم ما فيه.

تنبيه: إذا قلت: سافر محمد منذ عام أول، جاز أن تعرب "عام" خبرا مرفوعا عن "منذ" و"أول" بالرفع صفة لها، ويكون المعنى: سافر منذ عام سابق على عامنا الحالي. وجاز في "أول": النصب على أنه ظرف زمان بمعنى قبل؛ ويكون المعنى: منذ عام قبل العام الحالي.

(3)

هي اسم لا يدل على ظرفية زمانية، ولا مكانية، وذكرت هنا مع ظروف الغايات؛ لأنها تشبهها في الغاية، والدلالة على النهاية.

ص: 361

أحدهما: أن تكون بمعنى "كاف"

(1)

؛ فتستعمل استعمال الصفات

(2)

: فتكون نعتا لنكرة؛ كمررت برجل حسبك من رجل؛ أي: كاف لك عن غيره، وحالًا لمعرفة؛ كهذا عبد الله حسبك من رجل. واستعمال الأسماء

(3)

؛ نحو: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} ؛ {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}

(4)

بحسبك درهم

(5)

. وبهذا يرد على من زعم أنها اسم فعل

(6)

؛ فإن العوامل اللفظية لا تدخل على أسماء الأفعال باتفاق

(7)

.

والثاني: أن تكون بمنزلة "لا غير" في المعنى

(8)

؛ فتستعمل مفردة

(9)

، وهذه هي

(1)

أي اسم فاعل عامل من كفى؛ وهي في هذا الاستعمال جامدة، مؤولة بالمشتق، مفردة، معربة، مضافة لفظا، نكرة لا تتعرف بالإضافة للمعرفة؛ نظرا للفظها.

(2)

أي المشتقة؛ وذلك من افتقارها إلى موصوف تجري عليه، وهذا الاستعمال مراعى فيه معنى "حسب".

(3)

أي الجامدة، وذلك من مباشرة العوامل اللفظية، والمعنوية، من غير اعتبار موصوف، وهذا الاستعمال مراعى فيه لفظها؛ فتقع مبتدأ أو خبر، أو اسم ناسخ، أو مجرورة بحرف جر زائد؛ والأرجح أن "حسب" لا تقع في موقع إعرابي غير ما ذكرنا.

(4)

"حسبهم" مبتدأ ومضاف إليه. "جهنم" خبر، ويجوز العكس. و"حسبك" اسم إن ومضاف إليه. "الله" خبرها. ومثال وقوع "حسب" خبرا؛ قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .

(5)

"بحسبك" الباء حرف جر زائد، و"حسبك" مبتدأ، ومضاف إليه. "درهم" خبر، ولا يسوغ العكس.

والخلاصة: أن "حسب" إذا أضيفته لفظا ومعنى؛ جاز وقوعا مبتدأ، وخبرا، واسما للناسخ، ومجرورة بحرف زائد، مراعاة للفظها، وتقع نعتا للنكرة، وحالا من المعرفة، بالنظر لمعناها؛ وهو اسم الفاعل النكرة؛ بمعنى كاف.

(6)

أي بمعنى يكفي.

(7)

وكذلك العوامل المعنوية؛ كالابتداء على الأرجح.

(8)

فتفيد النفي زيادة على معناها الأصلي.

(9)

أي مقطوعة عن الإضافة لفظا، وإن نوي معنى المضاف إليه المحذوف وفي هذا

ص: 362

حسب المتقدمة. ولكنها عند قطعها عن الإضافة تجدد لها إشرابها هذا المعنى، وملازمتها للوصفية، أو الحالية، أو الابتدائية، وبناؤها على الضم

(1)

؛ تقول: رأيت رجلا حسب، ورأيت زيدًا حسب

(2)

.

قال الجوهري: كأنك قلت: حسبي، أو حسبك، فأضمرت ذلك

(3)

ولم تنون، انتهى. وتقول: قبضت عشرة فحسب؛ أي: فحسبي ذلك.

واقتضى كلام ابن مالك أنها تعرب نصبا إذا نكرت، كقبل وبعد

(4)

قال أبو حيان

(5)

:

الاستعمال تبنى "حسب" على الضم، وتقع صفة للنكرة، أو حالا من المعرفة، أو مبتدأ؛ بشرط اقترانها بالفاء الزائدة؛ لتزيين اللفظ؛ تقول: إن لكل قرية جمعية تعاونية حسب؛ فحسب صفة لجمعية، مبني على الضم، في محل نصب، وتقول: انصرف المنافقون حسب؛ أي لا غير؛ فحسب حالن مبني على الضمن في محل نصب، وتقول: قرأت ثلاثة أجزاء من القرآن فحسب؛ فالفاء زائدة، وحسب مبتدأ، مبني على الضم، في محل رفع، والخبر محذوف؛ أي فحسب الثلاثة مقروء، ويجوز العكس في هذا؛ بشرط حذف الفاء، فيكون المبتدأ هو المحذوف؛ تقول: القروء حسب؛ أي كافيني مثلا.

(1)

أي لقطعها عن الإضافة لفظا، وقد كانت في الاستعمال الأول معربة بحسب العوامل.

(2)

"حسب" حال من زيد، مبني على الضم، في محل نصب. وفيما قبله وصف لرجل كذلك، وقد حذف المضاف إليه، ونوى معناه.

(3)

أي حذفت المضاف إليه منهما، وأضمرته في نفسك، ولم تنون؛ لأنك نويت معناه، فبنيت على الضم، كقبل وبعد.

(4)

هذا إذا قطعت عن الإضافة، قال الناظم:

وأعربوا نصبا إذا ما نكرا

"قبلا" وما من بعده قد ذكرا

(5)

هو محمد بن يوسف بن علي، الإمام "أثير الدين" أبو حيان الأندلسي الغرناطي، نحوي عصره، ولغويه، ومفسره، ومحدثه، ومقرئه، ومؤرخه، وأديبه، أخذ العربية عن أبي الحسن الآبدي، وأبي جعفر بن الزبير، وابن الضايع، وغيرهم، وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، وسمع الحديث بالأندلس وأفريقية والأسكندرية ومصر والحجاز، من نحو 450 شيخا، واشتهر اسمه وذاع صيته، وأخذ عنه أكابر عصره؛ ومنهم: ابن عقل، وابن قاسم.

ص: 363

"ولا وجه لنصبها؛ لأنها غير ظرف، إلا إن نقل عنهم نصبها حالًا إذا كانت نكرة، انتهى.

فإن أراد

(1)

بكونها نكرة قطعها عن الإضافة اقتضى أن استعمالها حينئذ منصوبة شائع، وأنها كانت مع الإضافة معرفة، وكلاهما ممنوع

(2)

. وإن أراد تنكيرها مع الإضافة فلا وجه لاشتراطه التنكير حينئذ؛ لأنها لم ترد إلا كذلك

(3)

. وأيضًا فلا وجه لتوقفه في

وكان رحمه الله ثبتا عارفا باللغة، أما النحو والتصريف؛ فكان لا يجاري فيهما، ولم يدركه أحد في أقطار الأرض في زمانه. وكان لا يقرئ أحدا إلا في كتاب سيبويه، أو التسهيل، أو مصنفاته وكان يميل إلى مذهب أهل الظاهر، ويعظم ابن تيمية، ثم تركه حين طعن في كتاب سيبويه، ونسب إليه الخطأ في بعض المواضع، وهو الذي وجه الناس على مصنفات ابن مالك، ورغبهم فيها، وشرح فهم غامضها، وكان فصيح العبارة، يقبل على الأذكياء من الطلاب ويعظمهم، وله مصنفات كثيرة؛ منها -في النحو-:"التذييل والتكميل في شرح التسهيل"، و"الارتشاف" مختصره. قيل: لم يؤلف في العربية أعظم، ولا أجمع، ولا أحصى للخلاف منهما، وله كذلك:"التذكرة في العربية". و"المبدع في التصريف"، و"غاية الإحسان في النحو"، و"شرح الشذا في مسألة كذا"، ومن شعره.

عداي لهم فضل علي ومنة

فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا

هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

وتوفي سنة 745 هـ. وقد رثاه الشعراء، ومن رثاء الإمام الصفدي له، قوله:

مات أثير الدين شيخ الورى

فاستعر البارق واستعبرا

مات إمام كان في علمه

يرى إمامًا والورى من ورا

والنحو قد سار الردى نحوه

والصرف للتصريف قد غيرا

وكان ثبتا نقله حجة

مثل ضياء الصبح إن أسفرا

(1)

أي أبو حيان، وهذا تحليل ومناقشة الموضح لقول ابن حيان المذكور.

(2)

أما الأول؛ فلأنها إذا قطعت عن الإضافة، وجب بناؤها على الضم، وأما الثاني؛ فلأنها نكرة دائما أضيفت أو لم تضف.

(3)

أي إلا نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف، وإنما هي في تقدير الانفصال، كما يقول ابن

ص: 364

تجويز انتصابها على الحال

(1)

فإنه مشهور؛ حتى أنه مذكور في كتاب الصحاح

(2)

؛ قال: "تقول هذا رجل حسبك من رجل، وتقول في المعرفة هذا عبد الله حسبك من رجل، فتنصب حسبك على الحال"

(3)

، انتهى. وأيضا فلا وجه للاعتذار عن ابن مالك بذلك

(4)

؛ لأن مراده

(5)

التنكير الذي ذكره في "قبل وبعد"؛ وهو: أن تقطع عن الإضافة لفظا وتقديرًا

(6)

.

وأما "عل"

(7)

: فإنها توافق "فوق" في معناها

(8)

، وفي بنائها على الضم إذا كانت معرفة

(9)

؛ كقوله:

(1)

أي لا وجه لتوقف أبي حيان في نصبها، حينئذ كانت مضافة.

(2)

هو للجوهري، وهو مشهور متداول بين الدارسين، والمدرسين؛ لسهولته.

(3)

فحسبك في الأول وقعت بعد نكرة مرفوعة؛ فرفعت على أنها نعت لها. وفي الثاني وقعت بعد معرفة؛ فنصبته على أنها حال منها، وهي في الموضعين نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف؛ كما تقدم.

(4)

أي بنصبها على الحال، وهذا إذا تنزلنا وقلنا إن لها حالة تعريف، وحالة تنكير.

(5)

أي مراد ابن مالك في قوله: وأعربوا نصبا إذا نكرا.

(6)

أي وتنصب على الظرفية، وليس المراد مطلق التنكير، كما توهمه ابن حيان. وما ذكره الموضح -دفاعا عن ابن مالك- لا يمنع النقد، فالصواب أن يحمل قول الناظم:

وما من بعده قد ذكرا

على المجوع، لا على كل فرد؛ حتى لا يرد عليه "حسب"، و"عل"؛ كما سيأتي.

(7)

هي ظرف مكان يفيد الدلالة على العلو؛ أي على أن شيئا أعلى من آخر.

(8)

أي: وهو الدلالة على العلو.

(9)

وذلك إذا أريد بها علو خاص معين، ويشترط مع ذلك في بنائها على الضم: أن يحذف المضاف إليه، وينوي معناه.

ص: 365

وأتيت نحو بني كليب من عل

(1)

أي: من فوقهم، وفي إعرابها إذا كانت نكرة؛ كقوله:

كجلمود صخر حطه السيل من عل

(2)

(1)

عجز بيت من الكامل للفرزدق، من قصيدة يهجو فيها جريرا الشاعر المشهور، وصدره:

ولقد سددت عليك كل ثنية

اللغة والإعراب: ثنية: هي العقبة، أو الجبل، أو الطريق إليهما، والجمع: ثنايا، بني كليب: رهط جرير. "لقد" اللام موطئة للقسم، وقد للتحقيق، "كل" مفعول سددت.

"نحو" ظرف مكان منصوب بأتى، "بني كليب" مضاف إليه. "من جارة. "عل" مبني على الضم، في محل جر بمن.

المعنى: سددت عليك يا جرير كل طريق، ومنحى تسلكه للمفاخرة، وأتيتكم من أعلى، فألحقت بأصولكم وبكم عارا، لا يستطيعون دفعه، والخلاص منه.

الشاهد: بناء "عل" على الضم لكونه معرفة؛ وقد حذف المضاف إليه، وهو ينوي معناه؛ والتقدير: من علهم؛ أي من فوقهم.

(2)

عجز بيت من الطويل، لام مرئ القيس الكندي، من معلقته المشهورة، يصف فرسا، وصدره:

مكر مفر مقبل مدبر معًا

اللغة والإعراب: مكر: عظيم الكر والهجوم، لا يسبقه غيره. مفر: سريع الفرار من الأعداء، كجلمود؛ الجلمود: الصخرة العظيمة، الصلبة حطه السيل: حدره وألقاه من أعلى إلى أسفل. من عل: من فوق "مكر" هو وما بعده صفة لمنجرد في قوله قبل:

وقد أغتدي والطير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

أغتدي: أخرج وقت الغداة. وكناتها: جمع وكنة؛ وهي عش الطائر. بمنجرد: أي فرس قصير الشعر. الأوابد: الوحوش، والمفرد أبد، "معا" حال بمعنى جميعا، أو ظرف متعلق بمقبل ومدبر، "كجلمود" خبر لمبتدأ محذوف. "صخر" مضاف إليه؛ من إضافة الخاص للعام. "عل" مجرور بمن؛ وحذف التنوين للشعر.

المعنى: يصف فرسه بسرعة الكر على الأعداء وشدته، والفرار عند النجاة، ويقول: إنه

ص: 366

أي: من شيء عال.

وتخالفها في أمرين: أنها لا تستعمل إلا مجرورة بمن

(1)

، وأنها لا تستعمل مضافة

(2)

؛ كذا قال جماعة؛ منهم ابن أبي الربيع

(3)

، وهو الحق، وظاهر ذكر ابن مالك لها في عداد هذه الألفاظ أنها يجوز إضافتها، وقد صرح الجوهري

(4)

بذلك؛ فقال: يقال أتيته من عل الدار -بكسر اللام؛ أي من عال"

(5)

.

ومقتضى قوله:

وأعربوا نصبا إذا ما نكرا

قبلا وما من بعده قد ذكرا

من السرعة؛ كأنه يقبل ويدبر في وقت واحد، وهو في ذلك؛ كصخر حدره السيل من مكان عال، لا يقف في طريقه شيء.

الشاهد: إعراب "عل" وجره بمن، وقطعه عن الإضافة؛ لأنه لم ينو لفظ المضاف إليه، ولا معناه؛ إذ لم يرد الشاعر أن الصخر ينحط من أعلى شيء خاص، وكان حقه التنوين؛ لأنه نكرة، ولكنه حذف للشعر.

(1)

سواء كانت معربة، أم مبنية.

(2)

أي لفظا في أفصح الأساليب، وأكثرها شيوعا؛ بل تستعمل مبنية على الضم؛ لنية معنى المضاف إليه، أو منونة؛ لقطعها عن الإضافة رأسا، بخلاف "فوق"؛ فإنها تستعمل كثيرا مضافة، وغير مضافة، مجرورة بمن، وغير مجرورة بها.

(3)

هو عبيد الله بن أحمد، الإمام أبو الحسين بن أبي الربيع القرشي الأموي الأشبيلي، إمام أهل النحو في زمانه، قرأه على الدباج والشلوبين، وتصدر للإقراء؛ ليحصل على عيشه.

ولما استولى الفرنجة على أشبيلية جاء إلى سبتة، وأقرأ بها النحو دهره، وعنه أخذ محمد الإشبيلي والغافقي، وصنف "الإفصاح في شرح مسائل الإيضاح"، كما شرح سيبويه، وشرح "الجمل" شرحا وافيا في عشر مجلدات، لم يشذ عنه مسألة في العربية، وتوفي سنة 688 هـ. وخلفه في حلقته تلميذه؛ أبو إسحاق الغافقي.

(4)

هو الإمام اللغوي؛ إسماعيل بن حماد، صاحب الصحاح انظر 264 جزء أول.

(5)

هذا رأي لا يرتضيه الجمهور؛ لأنه لم يرد في الفصيح ما يؤيده.

ص: 367

أنها يجوز انتصابها على الظرفية أو غيرها، وما أظن شيئًا من الأمرين

(1)

، موجودًا وإنما بسطت القول قليلًا في شرح هاتين الكلمتين؛ لأني لم أر أحدًا وفاهما حقهما في الشرح، وفيما ذكرته كفاية، والحمد لله.

فصل: يجوز أن يحذف ما علم من مضاف ومضاف إليه

(2)

. فإن كان المحذوف المضاف؛ فالغالب أن يخلفه في إعرابه

(3)

المضاف إليه

(4)

؛ نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ}

(1)

أي: جواز إضافتها، وجواز نصبها على الظرفية، أو غيرها؛ كالحالية. أما قول الجوهري: يقال: "أتيته من عل الدار" بالإضافة، فهو سهو؛ كما في الشذور.

وفي حكم "قبل" و"بعد"، وما بعدهما من نظائر "غير"، يقول الناظم:

قبل كغير بعد حسب أول

ودون والجهات أيضا وعل

وأعربوا نصبا إذا نكرا

"قبلا" وما من بعده قد ذكرا

أي أن "قبل" تشبه "غير" في الحكم الذي سبق؛ وهو البناء؛ إذا حذف المضاف إليه، ونوى معناه. وكذلك: بعد، وحسب، وأول، ودون، والجهات. وعل، كغير ثم ذكر أن النحاة أعربوا لفظ "قبل"، وبقية الأسماء التي بعده، بالنصب مع التنكير، وهذا الحكم لا ينطبق على بعض الأسماء مثل: حسب، عل، وقد ترك بعض الأحكام التي ذكرت، وقد بسطنا القول فيها.

(2)

أي إذا دلت قرينة على لفظه، أو على آخر بمعناه؛ بحيث لا يؤدي حذفه إلى لبس، أو تغيير في المعنى.

(3)

فيكون فاعلا في مكانه، ومفعولا، ومبتدأ، وخبرا، وطرفا، وحالا

إلخ، وكذلك في باقي أحكامه؛ كالتذكير، والتأنيث، والإفراد والتنكير، وغير ذلك.

(4)

أي: بشرط أن يكون صالحا ليحل محل المضاف المحذوف في إعرابه؛ فلا يصح حذف

* "قبل" مبتدأ. "كغير" متعلق بمحذوف خبر. "بعد، حسب، أول، ودون، والجهات" معطوفات على قبل؛ بعاطف مقدر في بعضها. "أيضا" مفعول مطلق لمحذوف. "وعل" معطوف على قبل. "نصبا" حال من ضمير أعربوا؛ أي ناصبين، "وإذا" ظرف فيه معنى الشرط. "ما" زائدة. "نكرا" ماض مبني للمجهول فعل الشرط، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل يعود على قبلا الواقع مفعولا لأعربوا، والإضمار قبل الذكر جائز في الشعر، وجواب الشرط محذوف للعلم به، "وما" موصولة معطوفة على قبلا، "من بعده" متعلق بذكرا، الواقع صلة

ص: 368

أي: أمر ربك، ونحو:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ؛ أي: أهل القرية

(1)

.

وقد يبقي على جره. وشرط ذلك في الغالب: أن يكون المحذوف معطوفا على مضاف بمعناه

(2)

؛ كقولهم: ما مثل عبد الله؛ ولا أخيه يقولان ذلك

(3)

؛ أي ولا مثل أخيه؛ بدليل قولهم "يقولان" بالتثنية

(4)

وقوله:

أكل امرئ تحسبين امرأ

ونار توقد بالليل نارا

(5)

المضاف إذا كان المضاف إليه جملة؛ لأنها لا تصلح فاعلا ولا مفعولا ولا مبتدأ

إلخ.

أو كان محلى بأل والمضاف منادى، فلا يصح أن تقول: يا الشاعر، تريد، يا مثل الشاعر.

(1)

الأول مثال للفاعل، والثاني للمفعول، فلما حذف المضاف وهو:"أمر - وأهل"- أعرب المضاف إليه وهو "رب" و"القرية"، بإعرابه، ومثال المبتدأ:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، أي زمن الحج، ومثال الخبر قولهم في وصف الدنيا: فإنما هي إقبال وإدبار؛ أي ذات إقبال.

ومثال الظرف: وصلنا إلى المنزل غروب الشمس؛ أي وقت الغروب، ومثال الحال: تفرق القوم أيادي سبأ -أي مثل أيادي سبأ

إلخ.

(2)

أي يماثله لفظا ومعنى، أو معنى فقط، أو يقابله، بأن يكون ضده أو نقيضه، ليكون المعطوف عليه دليلا على المحذوف، ويشترط كذلك: أن يكون حرف العطف متصلا بالمضاف إليه، أو منفصلا منه "بلا" النافية.

(3)

فـ "أخيه" مجرور بإضافة "مثل" المحذوفة إليه، وهي معطوفة على "مثل" المذكورة.

(4)

أي نظرا إلى المذكور والمحذوف، ولو كان "أخيه" معطوفا على "عبد الله"، لكان العامل فيهما واحدا وهو "مثل"، وكان يجب أن يقال: يقول، بالإفراد؛ لأنه خبر لاسم "ما"، وهو مفرد.

(5)

بيت من المتقارب، لحارثة بن الحجاج، المكنى يأبي دؤاد الإيادي.

اللغة والإعراب: تحسبين: تظنين، توقد: تتوقد وتشتعل "أكل" الهمزة للاستفهام الإنكاري "وكل" مفعول أول لتحسبين مقدم. "امرئ" مضاف إليه. "امرأ" مفعول ثان. "ونار" الواو عاطفة، و"نارا" مجرورة بتقدير مضاف معطوف على كل. "امرئ" أو بإضافة مفعول أول محذوف لتحسبين محذوفة؛ أي: وتحسبين كل نار. "توقد بالليل" الجملة في محل جر صفة لنار. "نارا" مفعول ثان لتحسبين المقدرة.

ص: 369

أي وكل نار؛ لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين

(1)

.

ومن غير الغالب قراءة ابن جماز

(2)

: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} ؛ أي عمل الآخرة؛ فإن المضاف ليس معطوفا؛ بل المعطوف جملة فيها المضاف.

المعنى: أتظنين كل شخص جديرا بأن يسمى رجلا؟ وكل نار تشتعل تسمى نارا؟ إنما الخليق باسم الرجل هو: من اكتملت فيه صفات الرجولة الكريمة، والجديرة باسم النار هي: التي توقد للخير والقرى.

الشاهد: إبقاء جر "نار" على أنه مضاف إليه "لكل" محذوفة، معطوفة بالواو على كل المذكورة.

(1)

أي: إنما جعل المعطوف محذوفا، ولم يعطف "نارا" الأولى على امرئ المعمول لكل، و"نار" الثانية على امرأ المعمول لتحسبن؛ لئلا يلزم عطف معمولين، وهما "نار" المجرورة والمنصوبة على معمولين، وهما: امرء وامرأ، لعاملين مختلفين وهما "كل" و"تحسبين"، بعاطف واحد وهو الواو، وذلك ممنوع على الراجح عند النحاة؛ لأن العاطف نائب عن العامل، والعامل واحد لا يعمل جرا ونصبا، ولا يقوى أن ينوب عن عاملين، أما على حذف "كل" فيكون العطف على معمولي عامل واحد، وهو تحسبين، وذلك جائز.

(2)

هو أبو الربيع؛ سليمان بن مسلم بن جماز الزهري المدني، كان مقرئا جليلا وضابطا محسنا، من أفاضل رواة أبي جعفر أحد القراء العشرة المشهورين، توفي سنة 170 هـ.

وفي حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، يقول الناظم:

وما يلي المضاف يأتي خلفا

عنه في الإعراب إذا ما حذفا

وربما جروا الذي أبقوا كما

قد كان قبل حذف ما تقدما

لكن بشرط أن يكون ما حذف

مماثلًا لما عليه قد عطف

* "وما" اسم موصول مبتدأ. "يلي المضاف" الجملة صلة. "يأتي" الجملة خبر المبتدأ. "خلفا" حال من ضمير يأتي العائد إلى ما "عنه" متعلق بخلفا، والضمير عائد إلى المضاف. "في الإعراب" متعلق بيأتي. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط "ما" زائدة "حذفا" فعل الشرط ونائب فاعله عائد إلى المضاف، والألف للإطلاق، وجواب الشرط محذوف، "وربما" رب: حرف جر للتقليل، وما: كافية "الذي" مفعول جروا، "أبقوا" فعل وفاعل والجملة صلة. "كما" ما: موصولة، والجار والمجرور صفة لموصوف لحذوف؛ أي كالجر الذي "قد كان".

ص: 370

وإن كان المحذوف المضاف إليه فهو على ثلاثة أقسام؛ لأنه تارة يزول من المضاف ما يستحقه من إعراب وتنوين، ويبنى على الضم؛ نحو: ليس غير، ونحو:{مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} كما مر

(1)

.

أي ما يأتي بعد المضاف -وهو المضاف إليه- يكون خلفا عنه في الإعراب عند حذفه؛ فيعرب بإعرابه، وقد يجر العرب الذي أبقوه بعد حذف المضاف -وهو المضاف إليه- ويتركونه على حاله كما كان قبل حذف المتقدم وهو المضاف، لكن بشرط أن يكون المضاف المحذوف مماثلا لما عطف عليه في لفظه ومعناه؛ ليكون المعطوف عليه دليلا على المحذوف.

هذا: وقد يحذف أكثر من مضاف، فيقوم الأخير مقام الأول. فمثال حذف مضافين قوله تعالى:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، فإن الأصل: وتجعلون بدل شكر رزقكم تكذيبكم، فحذف:"بدل، شكر" وكلاهما مضاف. وقام "رزق" مقام الأول.

ومثل حذف ثلاثة قول تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أصل: فكان الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل قدر مسافة قرب قاب قوسين، فحل المضاف غليه الأخير "وهو: قاب"، محل الأول، "وهو: قدر" وإذا حذف المضاف، بعد استيفاء شروط حذفه، جاز عدم الالتفات إليه عند عود الضمائر ونحوها، مما يقتضي المطابقة؛ كالتعريف. والتنكير والإفراد وغير ذلك، وجاز مراعاته كأنه موجود، وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} .

الأصل: وكم من أهل قرية، فرجع الضمير "ها" مؤنثا إلى القرية، ورجع الضمير "هم" مذكرا إلى "أهل" المحذوف.

(1)

هذا في حالة ما إذا حذف المضاف إليه ونوى معناه. ومثل: "غير" و"قبل" و"بعد"

صلة واسم كان يعود إلى المضاف إليه. "قبل" ظرف خبر كان. "حذف" مضاف إليه. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "تقدما" الجملة صلة، "لكن" حرف استدراك. "بشرط" متعلق بمحذوف حال من فاعل جروا، أو من مفعوله، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي لكن ذلك الجر كائن بشرط

إلخ "ما" اسم موصول اسم يكون "حذف" الجملة صلة ما. "مماثلا" خبر يكون. "لما" متعلق بمماثل، وما: اسم موصول. "عليه" متعلق بعطف الواقع صلة لما.

الظروف الدالة على الغاية؛ كفوق، وتحت

إلخ.

ص: 371

وتارة يبقى إعرابه ويردي إليه تنوينه، وهو الغالب

(1)

؛ نحو: {وَكُلًا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} ، {أَيًّا مَا تَدْعُوا} ، وتارة يبقى إعرابه ويترك تنوينه

(2)

كما كان في الإضافة.

وشرط ذلك في الغالب: أن يعطف عليه اسم عامل في مثل المحذوف

(3)

، وهذا العامل:

إما مضاف؛ كقولهم: خذ ربع ونصف ما حصل

(4)

، أو غيره؛ كقوله:

بمثل أو أنفع من وبل الديم

(5)

(1)

هذا إذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه، فيرجع المضاف إلى حالته الإعرابية قبل الإضافة، ويرد إليه ما حذف للإضافة كالتنوين

إلخ.

(2)

وذلك إذا حذف المضاف إليه ونوى ثبوت لفظه، فلا يتغير إعراب المضاف إليه إلا يرد إليه ما حذف للإضافة؛ كالتنوين، والنون إن كان مثنى أو مجموعا.

(3)

أي في صيغته ومعناه؛ ليدل على المحذوف نصا، فيكون في قوة المذكور.

(4)

الأصل: خذ ربع ما حصل ونصف فما حصل، فحذف المضاف إليه الأول لدلالة الثاني عليه، وأبقى المضاف الأول وهو "ربع" على حالة بدون تنوين؛ لأن المضاف إليه منوي لفظه، وقد عطف عليه. "نصف" وهو مضاف إلى مثل المحذوف.

(5)

عجز بيت من الرجز، لم ينسب لقائل وصدره:

علقت آمالي فعمت النعم

اللغة والإعراب: علقت: وصلت. آمالي: جمع أمل، وهو ما يطمع فيه المرء ويرجوه، وبل، والوبل: المطر الكثير كالوابل، الديم جمع ديمة، وهي المطر الدائم لا رعد فيه ولا برق. "آمالي" مفعول علقت. "فعمت" الفاء عاطفة، و"عم" فعل ماض، والتاء علامة التأنيث. "النعم" فاعل فعمت وسكن للشعر، "بمثل" متعلق بعلق، وهو مضاف إلى محذوف يدل عليه المذكور بعده، "أو أنفع" معطوف على "مثل" المجوررة بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل، "من ويل الديم" متعلق بأنفع ومضاف إليه، وسكن "الديم" كذلك للشعر.

المعنى: وصلت آمالي وما أجروه في الحياة، ووضعتها بين يدي رجل أسبغ علي نعمه وعمني بفضله، فكان مثل الغيث العميم أو أكثر منه نفعا.

الشاهد: حذف المضاف إليه بعد "مثل"؛ لدلالة "وبل الديم" عليه، والتقدير: بمثل وبل الديم. والعامل: "أنفع" وهو غير مضاف، بل مجرور بالعطف على "مثل".

ص: 372

ومن غير الغالب قولهم: "ابدأ بذا من أول" بالخفض من غير تنوين

(1)

، وقراءة بعضهم:{فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} ؛ أي: فلا خوف شيء عليهم

(2)

.

(1)

أي على نية لفظ المضاف إليه، والتقدير: من أول الأمر. حكى ذلك أبو علي الفارسي.

(2)

"خوف" بالضم بلا تنوين على أن "لا" مهملة، أو عاملة عمل ليس، وبالفتح على أن "لا" عاملة عمل إن؛ فإن قدرت الفتحة إعرابا ففيه الشاهد. وإن قدرت بناء فلا. وقد يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على حاله؛ إذا كان معطوفا على مضاف إلى مثل المحذوف، عكس الصورة المذكورة، ومنه الحديث: عن أبي برزة الأسلمي، غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ثماني، بفتح الياء بلا تنوين؛ أي ثماني غزوات. ويقتصر في هذا على المسموع.

وقد أشار ابن مالك إلى حذف المضاف إليه بقوله:

ويحذف الثاني فيبقى الأول

كحالة إذا به يتصل

بشرط عطف وإضافة إلى

مثل الذي له أضفت الأولا

أي يحذف الثاني، وهو المضاف إليه، فيبقى الأول -وهو المضاف- على حاله الأول، حيث اتصاله بالمضاف إليه لا يتأثر بالحذف، وذلك بشرط أن يعطف على هذا المضاف مضاف إلى لفظ مثل الذي أضيف إليه المضاف الأول.

* "الثاني" نائب فاعل يحذف، "كحالة" متعلق بمحذوف حال من. "الأول" وضمير الغائب مضاف إليه. "إذا" ظرف لحاله. "به" متعلق بيتصل "بشرط" متعلق بيحذف، "عطف" مضاف إليه. "وإضافة" معطوف على عطف "إلى مثل" متعلق بإضافة، "الذي" اسم موصول مضاف إليه، "له" متعلق بأضفت، "أضفت الأولا"، الجملة صلة الذي.

ص: 373

فصل: زعم كثير من النحويين أنه لا يفصل بين المتضايفين إلا في الشعر

(1)

،

(1)

ذلك؛ لأن المضاف إليه بمنزلة الجزء من المضاف، فكما لا يفصل بين أجزاء الاسم لا يفصل بينه وبين ما نزل منزلة الجزء منه، وهذا رأي البصريين، وهو رأي حسن؛ لأن الفصل بينه المتضايفين يبعد المعنى عن الذهن، ويحتاج إلى تفكير لفهمه، ولا بد من قرية تدل على ذلك.

ص: 373

والحق أن مسائل الفصل سبع: منها ثلاث جائزة في السعة

(1)

:

إحداها: أن يكون المضاف مصدرًا والمضاف إليه فاعله، والفاصل: إما مفعوله

(2)

؛ كقراءة ابن عامر: {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}

(3)

وقول الشاعر:

فسقناهم سوق البغاث الأجادل

(4)

وإما ظرفه؛ كقول بعضهم:

(1)

ضابطها: أن يكون المضاف؛ إما اسما يشبه الفعل والفاصل بينهما معمول للمضاف منصوب، أو اسما لا يشبه الفعل والفاصل القسم.

(2)

يشترط أن يكون المفعول غير جملة؛ فلا يجوز: أعجبني قول أنا مذنب - السارق.

(3)

برفع "قتل" على أنه نائب عن فاعل "زين" وجر "شركائهم" على إضافة "قتل" إليه، من إضافة المصدر لفاعله باعتبار أمرهم به، ونصب "أولادهم" على أنه مفعوله، وقد فصل به بين المتضايفين. قيل: والفصل في هذا حسن.

(4)

عجز بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:

عتوا إذا أجبناهم إلى السلم رأفة

اللغة والإعراب: عتوا: من العتو، وهو مجاوزة الحد. السلم -بكسر السين وفتحها: الصلح. البغاث، مثلثة الباء: طائر ضعيف يصاد ولا يصيد ولا نفع فيه. الأجادل: جمع أجدل، وهو الصقر، "عتوا" فعل ماض مسند لواو الجماعة، "إذا" ظرف بمعنى حين في محل نصب بعتوا، وهو مضاف إليه الجملة بعده. "رأفة" مفعول لأجله. "فسقناهم" الفاء عاطفة، و"ساق" فعل ماض، و"نا" فاعل، و"هم" مفعول. "سوق" مصدر منصوب بسقناهم، وهو مضاف إلى "الأجادل" فاعله "البغاث" مفعوله.

الشاهد: الفصل بين المضاف وهو "سوق"، والمضاف إليه وهو "الأجادل" فاعل المصدر بالمفعول وهو "البغاث"؛ لأن المراد: سوق الأجادل البغاث.

المعنى: أن أعداءنا تكبروا وطغوا وأفسدوا؛ لما رحمناهم وأجبناهم إلى الصلح رأفة بهم، فلم نر بدا أن نطاردهم ونأخذهم بالقسوة والشدة فسقناهم أمامنا، كما تسوق كواسر الطير، كالأجادل الضعيفة منها كالبغاث.

ص: 374

ترك يوما نفسك وهواها

(1)

الثانية: أن يكون المضاف وصفا

(2)

والمضاف إليه: إما

(3)

مفعوله الأول والفاصل مفعوله الثاني؛ كقراءة بعضهم: {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ}

(4)

.

وقول الشاعر:

وسواك مانع فضله المحتاج

(5)

(1)

نصيحة نثرية، وتمامها:"سعى لها في رداها"، "ترك" مصدر مبتدأ "يوما" ظرف منصوب به، وقد فصله من المضاف إليه، وهو نفسك الواقع فاعلا للمصدر، ومفعوله محذوف.

"وهواها" مفعوله معه؛ أي ترك نفسك شأنها يوما مع هواها "سعى" خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى المفعول والفاعل محذوف؛ أي تركك نفسك.

(2)

اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال.

(3)

لم يأت المصنف لـ"إما" هذه بمقابل، والصواب تأخيرها بعد كلمة "الفاصل"؛ لأن التنويع فيه، وأن يقول: والفاصل إما مفعوله الثاني؛ لأنه قد عادل ذلك: بقوله أو ظرفه.

(4)

أي ينصب "وعده"، وجر "رسله" فـ"مخلف" اسم فاعل متعد لاثنين "رسله" مضاف إليه من إضافة الوصف إلى مفعوله الأول "وعده"، مفعوله الأول "وعده" مفعول ثان، وقد فصل بينهما، والأصل: فلا تحسبن الله مخلف رسله وعده.

(5)

عجز بيت من الكامل، لم يعرف قائله، وصدره.

ما زال يوقن من يؤمك بالغنى

اللغة والإعراب: يوقن: يعلم علما لا شك فيه. يؤمك: يقصدك. المحتاج: الذي به حاجة إلى غيره، "ما" نافية. "زال" فعل ماض ناقص "يوقن" الجملة خبر زال مقدم. "من" اسم موصول اسمها مؤخر "يؤمك" الجملة صلة من "بالغنى" متعلق بيوقن "وسواك" مبتدأ ومضاف إليه، "مانع" خبر، وهو اسم فاعل مضاف إلى "المحتاج" وهو مفعوله الأول؛ لأن منع يتعدى إلى مفعولين. "فضله" مفعوله الثاني ومضاف إليه، وقد فصل به بينهما، وهو الشاهد والأصل: وسواك مانع المحتاج فضله.

المعنى: أن من يقصدك طالبا معروفك، يعلم علما لا يخالطه شك أنك ستغنيه وتجيب سؤله، وغيرك يمنع المحتاجين فضله ووفرة ماله.

ص: 375

أو ظرفه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركو لي صاحبي"

(1)

، وقول الشاعر:

كناحت يوما صخرة بعسيل

(2)

الثالثة: أن يكون الفاصل قسمًا؛ كقولك: هذا غلام والله زيد

(3)

.

والأربع الباقية تختص بالشعر:

(1)

هذا جزء من حديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقع خلاف بين أبي بكر وبعض الصحابة، فغضب النبي وقال ما معناه: جئتكم بالهدى فكذبتم، وقال أبو بكر: صدقت، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ تاركو، جمع تارك اسم فاعل من ترك مضاف إلى صاحبي بدليل حذف النون منه وهي تحذف للإضافة، وهو مفعوله "لي" جار ومجرور ظرف لتاركو، وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه، وهو الشاهد:

(2)

عجز بيت من الطويل، لم يعرف قائله أيضا، وصدره:

فرشني بخير لا أكونن ومدحتي

اللغة والإعراب: رشني: فعل أمر، من راش السهم، ألزق عليه الريش لتقويته، والمراد: قوني وأصلح شأني، بعسيل، العسيل: مكنسة العطار التي يجمع بها العطر.

"فرشني" الفاء للاستئناف، و"رش" فعل أمر، والنون للوقاية، "لا" نافية. "أكونن" مضارع ناقص مبني على الفتح لنون التوكيد الحقيقية واسمها أنا، "ومدحتي" الواو للمعية، و"مدحتي" مفعول معه ومضاف إليه "كناحت" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أكون، وهو اسم فاعل مضاف إلى "صخرة" وهي مفعوله. "يوما" ظرف لناحت، وقد فصل به بينهما، وهو الشاهد، "بعسيل" متعلق بناحت.

المعنى: يقول لمن يستجديه ويطلب عونه: قوني وأصلح من شأني ولا تبخل علي وتخيب آمالي فيك، حتى لا أكون في مدحي لك وثنائي عيك كمن ينحت الصخر بمكنسة العطار؛ يريد: أن جودة شعره في مدحه لم تؤثر فيه.

(3)

بجر "زيد" بإضافة "غلام" إليه. وقد ذكر الكسائي أن العرب يقولون ذلك. وحكى أبو عبيدة عن العرب قولهم: إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها.

ومن مواضع الفصل اختيار: الفصل: بـ"إما"؛ كقول تأبط شرا:

هما خطتا إما إسار ومنة

وإما دم والقتل بالحر أجدر

ص: 376

إحداها: الفصل بالأجنبي، ونعني به معمول غير المضاف؛ فاعلًا كان؛ كقوله:

أنجب أيام والده به

إذ نجلاه فنعم ما نجلا

(1)

ومفعولًا؛ كقوله:

تسقي امتياحًا ندى المسواك ريقتها

(2)

أي هما خطتا إسار. وقد حذفت نون المثنى المضاف وفصل بينهما بإما، ولخطة: الحالة والطريقة، وإسار: أي أسر ووقع في يد العدو. ومنة: أي امتنان وعفو بإطلاق السراح؛ أي أن الخطتين المعلومتين من السياق، هما: خطتا أسر وامتنان إن رأيتم العفو، أو قتل، وهو أولى بالجر، وهذا تهكم واستهزاء، والفصل بالجملة الشرطية؛ نحو: هذا خادم، إن شاء الله، المسجد.

هذا: ويشترط في الفصل مطلقا: ألا يكون المضاف إليه ضميرا؛ لأنه لا يفصل من عامله.

(1)

بيت من المنسرح، منقصيدة للأعشى ميمون بن قيس، يمدح سلامة ذا فائش الحميري.

اللغة والإعراب: أنجب: من أنجب الرجل، ولد ولدا نجيبا نجلاه: ولداه "أنجب" فعل ماض، "أيام" ظرف متعلق به، "والداء فاعل أنجب مرفوع بالألف. "به" متعلق بأنجب، "إذ" ظرف زمان مضاف إليه لأيام، من إضافة العام للخاص.

وقد فصل بينهما بأجنبي من المضاف وهو "والداه"، الواقع فاعلا لأنجب، وفيه الشاهد، "نجلاه" فعل ماض وألف الاثنين العائدة على الوالدين فاعل، والهاء مفعول به والجملة في محل جر بإضافة. "إذ"، "فنعم" فعل ماض لإنشاء المدح. "ما" موصول فاعل نعم. "نجلا" الجملة صلة والعائد محذوف؛ أي نجلاه وفي البيت الفصل بالجار والمجرور وهو "به"، وهذا يدل على جواز الفصل بأكثر من معمول أجنبي للضرورة.

المعنى: أن والدي هذا المولود أتيا بولد حين ولداه، فنعم المولود الذ أنجباه.

(2)

صدر بيت من البسيط لجرير، من قصيدة يمحدح فيها يزيد بن عبد الملك، ويذم آل المهلب، وعجزه:

كما تضمن ماء المزنة الرصف

ص: 377

أي تسقي ندى ريقتها المسواك، أو ظرفا؛ كقوله:

كما خط الكتاب بكف يوما

يهودي يقارب أو يزيل

(1)

اللغة والإعراب: امتياحا: مصدر امتاح؛ أي غرف الماء؛ والمراد هنا: الاستياك.

الندى: البلل. المسواك: العودة الذي يستاك به ريقتها؛ الريقة: الرضاب، وهو ماء الفم.

المزنة: السحابة البيضاء الرصف: الحجارة المرصوفة، والمفرد رصفة "تسقي" مشارع متعد لاثنين، والفاعل يعود على "أم عمرو" في قوله قبل:

ما استوصف الناس عن شيء يروقهم

إلا أرى أم عمرو فوق ما وصفوا

كأنها مزنة غراء واضحة

أو درة لا يواري ضوءها الصدف

"امتياحا" مصدر نائب عن ظرف الزمان؛ أي وقت امتياحها، أو حال مؤوله بالمشتق؛ أي ممتاحة "ندى" مفعول ثان مقدم لتسقي، "ريقتها" مضاف إليه لندى، "المسواك" مفعول أول، وقد فصل بين المتضايفين، ويجوز أن يكون "ندى" فاعل تسقي؛ فيكون الفصل بين الفاعل المضاف، والمضاف إليه، بالمفعول، على كل، فالفاصل أجنبي من المضاف؛ لأنه ليس معمولا له، وهو الشاهد. "كما" الكاف جارة، و"ما" مصدرية. "ماء" مفعول به لتضمن. "المزنة" مضاف إليه. "الرصف" فاعل تضمن، و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، صفة لمفعول مطلق محذوف لتسقي؛ والتقدير: تسقي المسواك ندى ريقتها سقيا مشابها؛ لتضمن الرصف ماء المزنة.

المعنى: أم "أم عمرو" تسقي من رضاب فمها المسواك الذي تستاك به، فيشتمل على ريقها العذب الصافي، كما تشتمل الحجارة المرصوفة على ماء المطر الصافي؛ وذلك أن الماء المتراكم فوق هذه الحجارة، أصفى وأنقى ما يعرف العرب من الماء.

(1)

بيت من الوافر، لله يثم بن الربيع بن زرارة -المكنى بأبي حية- النميري.

اللغة والإعراب: يقارب: يجعل بعض الكتابة قريبا من بعض. يزيل: يفرق ويباعد بينها. "كما" الكاف حرف جر وتشبيه. "وما" مصدرية. "الكتاب" نائب فاعل خط، والمصدر المكون من "ما" ومدهولها مجرور بالكاف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف؛ أي رسم هذه الدار، كخط الكتاب. "بكف" متعلق بخط. "يهودي" مضاف إليه. "يوما" ظرف متعلق بخط أيضًا، وقد فصل به بين كف المضاف، وبين المضاف إليه، وهو

ص: 378

الثانية: الفصل بفاعل المضاف كقوله:

ولا عدمنا قهر وجد صب

(1)

ويحتمل أن يكون منه، أو من الفصل بالمفعول قوله:

"يهودي"، وهو أجنبي من المضافا؛ لأنه لم يتعلق به وفيه الشاهد.

وجملتا "يقارب، أو يزيل" صفتان ليهودي.

المعنى: رسم هذه الدار محكم منسق على حسب المواقع؛ كخط الكتاب الذي يكتبه يهودي ماهر، فيدني بعض الكتابة من بعضها أحيانا، ويباعد بينها أحيانا أخرى؛ تبعا لما يتطلبه الرونق والجمال، وخص اليهودي؛ لأنه من أهل الكتاب فيما يعرف العرب.

(1)

عجز بيت من الرجز، لم نقف على قائله، وصدره:

ما إن وجدنا للهوى من طب

اللغة والإعراب: الهوى: العشق، أو محبة الإنسان الزائدة للشيء. طب: علاج الجسم والنفس، عدمنا: فقدنا. قهر: غلبة، وجد: شدة الشوق والحب. صب: من الصبابة؛ وهي رقة الشوق وحرارته. "ما" مهملة "إن" زائدة، "من طب" مفعول وجدنا على زيادة "من"، وروي؛ رأينا وهما بمعنى. "ولا" الواو عاطفة، و"لا" حرف زائد لتوكيد النفي.

"قهر" مصدر مفعول عدمنا؛ وهو مضاف إلى "صب"؛ من إضافة المصدر لمفعوله، وقد فصل بينهما بفاعل المضاف؛ وهو "وجد"؛ لأنه فاعل المصدر. وفيه الشاهد.

المعنى: لم يجد علاجا ينفع ويشفي من برج به العشق، وكثيرا ما يغلب الحب والشوق على العاشق؛ فيملك عليه نفسه وقلبه، ويقوده إلى حتفه.

هذا: ويلاحظ أنه في المسألة الأولى من مسائل الجواز في السعة، أجيز الفصل بين المصدر المضاف وفاعله بالمفعول؛ كما في آية:{قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} ، وفي الشاهد بعدها، وهنا امتنع في السعة، إضافة المصدر إلى مفعول، والفصل بالفاعل، فما الفرق، مع أن المعروف جواز إضافة المصدر إلى فاعله ومفعوله على حد سواء؟ لعل السبب هو أن إضافة المصدر للمفعول، مع ذكر الفاعل؛ فيه خلاف بين النحاة، حتى منعه بعضهم، على أن المعول عليه هو السماع.

ص: 379

فإن نكاحها مطر حرام

(1)

بدليل أنه يروى بنصب مطر، وبرفعه

(2)

فالتقدير: فإن نكاح مطر إياها أو هي.

الثالثة: الفصل بنعت المضاف؛ كقوله:

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

(3)

(1)

عجز بيت من الوافر، لمحمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأوسي، المعروف بالأحوص، من قصيدة يصف فيها "مطر" وزوجته، وصدره:

لئن كان النكاح أحل شيء

اللغة والإعراب: النكاح: الزواج. مطر: اسم رجل من أقبح الرجال، وزوجته من أجمل النساء، وكانت تريد فراقه، وهو يأبى ذلك. وقيل: إن الأحوص كان يهواها، ولكن أهلها زوجوها مطرا هذا. "لئن" اللام التوكيد، وإن شرطية. "كان" فعل الشرط.

"النكاح" اسم كان: "أحل شيء" خبرها ومضاف إليه. "فإن" الفاء واقعة في جواب الشرط. "نكاحها" اسم إن ومضاف إليه، وهو مضاف أيضا إلى "مطر" على رواية الجر، وقد فصل بينهما بالهاء، وهي محتملة للفاعلية والمفعولية؛ كما ذكر المصنف. قال صاحب التصريح:"ويشكل على هذه الرواية إضافة المصدر إلى شيئين". "حرام" خبر إن.

(2)

أما على رواية النصب؛ فيكون التقدير: فإن نكاح مطر هي؛ فنكاح مصدر مضاف إلى فاعله، ومطرا مفعوله، ويكون من الفصل بالفاعل، وناب ضمير غير الرفع مناب ضمير الرفع. وعلى رواية الرفع؛ يكون التقدير: فإن نكاح مطر إياها؛ فنكاح مصدر أضيف إلى مفعوله، و"مطر" فاعله، ويكون من الفصل بالمفعول.

(3)

عجز بيت من الطويل، ينسب لمعاوية بن أبي سفيان، وقد قاله حين نجا من ضربة من أراد قتله. وكان ثلاثة من الخوارج قد اتفقوا على قتله، وقتل علي بن أبي طالب، وعمرو بن العاص؛ فنجا من الطعنة، ولم يخرج عمرو ليلة التنفيذ -وقتل من ناب عنه في الصلاة.

وقتل علي بيد عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- والقصة مشهورة. وصدر البيت:

نجوت وقد بل المرادي سيفه

اللغة والإعراب: المرادي: نسبة إلى قبيلة مراد باليمن، والمراد ابن ملجم. الأباطح:

ص: 380

الرابع: الفصل بالنداء؛ كقوله:

كأن برذون أبا عصام

زيد حمار دق باللجام

(1)

أي كأن برذون يا أبا عصام.

جمع أبطح، وهو المكان الواسع، ومسيل الماء فيه دقاق الحصى؛ والمراد مكة، وأراد بشيخها: أبا طالب؛ لأنه كان عظيما فيها، "وقد بل" الواو للحال، والجملة حال من التاء في نجوت. "المرادي" فاعل بل. "بسيفه" مفعول ومضاف إليه. "من ابن" متعلق ببل. "أبي" مضاف إليه، وهو مضاف إلى "طالب" شيخ الأباطح" صفة لأبي، ومضاف إليه وقد فصل به بين المضاف؛ وهو "أبي"، والمضاف إليه؛ وهو "طالب"، وهو نعت للمضاف، وفيه الشاهد. والأصل: من ابن أبي طالب، شيخ الأباطح.

المعنى: تخلصت من القتل، وقد لطخ ابن ملجم -لعنه الله- سيفه بدم علي بن أبي طالب، شيخ مكة وعظيمها.

(1)

بيت من الرجز، لم نقف على قائله.

اللغة والإعراب: برذون؛ البرذون من الخيل: ما ليس بعربي أبا عصام: كنية رجل.

دق: من الدقة، ضد غلط. "كأن"حرف تشبيه ونصب. "برذون" اسم كأن، "أبا عصام" منادى بحذف الياء ومضاف إليه. "زيد" مضاف إليه لبرذون:"حمار" خبر كأن. "دق" ماض مبني للمفعول أو للفاعل، ومرفوعه يعود على حمار. "باللجام" متعلق بدقة، والجملة صفة لحمار.

المعنى: يقول: أن برذون زيد أبا عصام غير أصل، وهو هزيل؛ مثل حمار ضعف وهزل؛ بسبب اللجام.

الشاهد: الفصل بين المضاف؛ وهو "برذون"، والمضاف إليه؛ وهو "زيد" بالنداء؛ وهو "أبا عصام"، وقيل: إن أبا عصام هو زيد؛ وعلى ذلك يكون "برذون" مضافا إلى أبا عصام"، على لغة القصر، و"زيد" بالجر بدل منه، ولا شاهد فيه حينئذ. وفي الفصل بين المتضايفين يقول الناظم.

فصل مضاف شبه فعل ما نصب

مفعولًا أو ظرفًا أجز ولم يعب

ص: 381

‌فصل: في أحكام المضاف للباء.

يجب كسر آخره

(1)

كغلامي، ويجوز فتح الياء وإسكانها

(2)

. ويستثنى من هذين الحكمين

(3)

أربع مسائل، وهي: المقصور؛ كفتى وقذى، والمنقوص؛ كرام وقاض، والمثنى كابنين وغلامين، وجمع المذكور السالم كزيدين ومسلمين، فهذه الأربعة أخرها واجب السكون

(4)

فصل يمين واضطرارا وجدا

بأجنبي أو بنعت أو ندا

أي أجز فصل ما نصبه المضاف الذي يشبه الفعل؛ إذا كان ذلك المنصوب مفعولا أو ظرفا، ويجوز الفصل باليمين؛ أي القسم. أما في حالة الضرورة؛ فقد وجد الفصل بالأجنبي؛ وهو ما ليس معمولا للمضاف، أو بالنعت، أو بالنداء. وخص النعت والنداء بالذكر -وإن كانا يدخلان في الفصل بالأجنبي- زيادة في الإيضاح.

(1)

أي آخر المضاف؛ وذلك لمناسبة الياء؛ سواء كان صحيحا؛ كما مثل المصنف، أو شببها به؛ وهو: ما آخره واو أو ياء قبلها ساكن، كدلو وظبي.

(2)

والإسكان هو الأصل، وتكون مبنية على السكون، أو الفتح في محل جر. وقد تحذف الياء؛ اكتفاء بالكسرة قبلها، وقد تقلب الياء مع فتح ما قبلها، كغلاما، وقد تحذف الألف اكتفاء بالفتحة، وتختص هذه الأوجه بالإضافة المحضة؛ لا بالنداء كما في التسهيل، أما في غيرها، فلا حذف ولا قلب؛ كمكرمي؛ لأنها في نية الانفصال فليست الياء كجزء من الكلمة.

(3)

أي وجوب كسر الآخر، وجواز فتح الياء وإسكانها.

(4)

لأن آخر المقصور والمثنى المرفوع ألف، وآخر المنقوص والمثنى المجرور والمنصوب، وجمع المذكر مطلقا، ياء مدغمة في ياء المتكلم، والألف والحرف المدغم لا يقبلان التحريك.

* "فصل مضاف" مفعول مقدم لأجز؛ وإضافته لما بعده من إضافة المصدر لمفعوله، "شبه فعل" صفة لمضاف.

ومضاف إليه، "ما" اسم موصول فاعل المصدر، "نصب" الجملة صلة والعائد محذوف؛ أي ما نصبه، "مفعولا" حال من ما. "أو ظرفا" معطوف عليه. "فصل يمين" نائب فاعل يعب، ومضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. "واضطرارًا" مفعول لأجله. "وجدا" نائب الفاعل يعود الفاعل يعود إلى الفصل. "بأجنبي" متعلق بمحذوف حال من ضمير وجد. "أو بنعت" معطوف على بأجنبي. "أو ندا" معطوف على نعت وقصر للضرورة.

ص: 382

والياء معها واجبة الفتح

(1)

. وندر إسكانها بعد الألف في قراءة نافع: {وَمَحْيَاي}

(2)

، وكسرها بعدها في قراءة الأعمش

(3)

، والحسن: {هِي

(1)

وذلك للخفة، والتخلص من التقاء الساكنين.

وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

آخر ما أضيف لليا اكسر إذا

لم يك معتلًا كرام وقذى

أو يك كابنين وزيدين فذى

جميعها اليا بعد فتحها احتذى

أي اكسر آخر الاسم الذي أضيف للياء؛ أي ياء المتكلم؛ بشرط ألا يكون هذا الاسم معتل الآخر؛ كرام: اسم فاعل من رمى، وقذى؛ وهو الأجسام الصغيرة اليت تصيب العين فتؤلمها، والمراد برام: المنقوص، وبقذى: المقصور، والمعتل يشملهما، وألا يكون كابنين وزيدين -أي المثنى وجمع المذكر وشبههما، فهذه الأربعة جميعها اليا احتذي -أي اتبع- فتحها بعدها؛ أي أن الياء بعدها تكون مفتوحة.

(2)

يلزم على هذه القراءة التقاء ساكنين على غير حده الجائز.

(3)

هو أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش، الأسدي الكوفي، أحد أصحاب القراءات الشاذة بعد العشرة أخذ القراءة عن عاصم ومجاهد وغيرهما. وكان حافظا ثبتا، واسع العمل بالقراءة ورعا ناسكا، يتجنب الاتصال بأصحاب السلطان، وكان يسمى "المصحف"؛ لشدة إتقانه وضبطه قال هشام:"ما رأيت بالكوفة أحدا أقرأ لكتاب الله من الأعمش". وكان مع هذا ملح ونوادر؛ روي أنه خرج يوما إلى الطلب؛ فقال: "لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم"، وتوفي رحمه الله 148 هـ.

* "آخر" مفعول اكسر مقدم. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "أضيف" الجملة صلة "لليا" متعلق بأضيف. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "يك" مضارع مجزوم بلم على النون المحذوفة للتخفيف، واسمها يعود إلى ما.

"معتلا" خبرها. "كرام" خبرا لمبتدأ محذوف. "وقذى" معطوف عليه، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المقام. "أو يك" معطوف على يك السابق، وفيه ضمير هو اسمه "كابنين" متعلق بمحذوف خبر يك. "وزيدين" معطوف على ابنين. "فذي" اسم إشارة مبتدأ أول. "جميعها" توكيد ومضاف إليه. "اليا" -بالقصر- مبتدأ ثان.

"بعد" ظرف مبني على الضم، في محل نصب حال من الياء، "فتحها" مبتدأ ثالث ومضاف إليه. "احتذي" نائب الفاعل يعود إلى فتحها، والجملة خبر المبتدأ الثالث، والثالث وخبره خبر الثاني، وجملة الثاني، وخبره خبر المبتدأ الأول.

ص: 383

عَصَاي}

(1)

. وهو

(2)

مطرد في لغة بني يربوع

(3)

في الياء المضاف إليها جمع المذكر السالم؛ وعليه قراءة حمزة: "بِمُصْرِخِيِّ إِنِّي".

وتدغم ياء المنقوص والمثنى والمجموع في ياء الإضافة كقاضي

(4)

، ورأيت ابني وزيدي

(5)

وتقلب واو الجمع ياء

(6)

ثم تدغم كقوله:

أودى بني وأعقبوني حسرة

(7)

(1)

أي بالكسر؛ على أصل التخلص من الساكنين.

(2)

أي الكسر.

(3)

حي من تميم، رأسه يربوع بن حنظلة بن مالك، وشاعرهم الأغلب العجلي. ومنهم متمم بن نويرة الصحابي.

(4)

رفعا ونصبا وجرا، ويعرب بحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها سكون الإدغام.

(5)

أصلهما: ابنين لي، وزيدين لي؛ حذفت النون واللام للإضافة، ثم أدغمت الياء الساكنة في الياء الثانية هي المضاف إليه، وفتحت ياء المتكلم.

(6)

اي تطبيقا للقاعدة الصرفية؛ وهي: أنه إذا اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبلها إن لم يكن هنالك مانع؛ تقول: أنتم معاوني في صد العدو؛ وأصله معاونون لي؛ حذفت النون واللام للإضافة؛ كما سبق فصار معاونوي؛ قلبت الواو ياء على القاعدة، وأدغمتا، وكسر ما قبلهما للمناسبة؛ فهو مرفوع بالواو المنقلبة ياء.

(7)

صدر بيت من الكامل، لأبي ذؤيب الهذلي؛ خويلد بن خالد بن محرث، من قصيدة يرثي فيها أبناء له خمسة هلكوا جميعا في الطاعون في عام واحد، وعجزه:

عند الرقاد وعبر لا تقلع

ويعد العلماء هذه المرثية في الذروة من شعر الرثاء ومطلعها:

أمن المنون وريبها تتوجع

والدهر ليس بمعتب من يجزع

اللغة والإعراب: أودى: هلك. أعقبوني: أورثوني، خلفوا لي. حسرة، حزنا مع ألم. عبرة: دمعا. الرقاد: النون. لا تقلع: لا تذهب ولا تنقضي. "بني" فاعل أودى؛ وهو

ص: 384

وإن كان قبلها ضمة قلبت كسرة؛ كما في بني ومسلمي

(1)

أو فتحة أبقيت

(2)

كمصطفى وتسلم ألف التثنية

(3)

؛ كمسلماي. وأجازت هذيل في ألف المقصورة قلبها ياء

(4)

جمع ابن، وأصل بنون لي عمل فيه ما عمل في مثله، وهو مرفوع بالواو المنقلبة ياء، المدغمة في ياء المتكلم "حسرة" مفعول أعقبوني. "عند" ظرف متعلق بأعقب. "الرقاد" مضاف إليه. "وعبرة" معطوف على حسرة. "لا تقلع" الجملة في محل نصب صفة لعبرة.

المعنى: هلك أبنائي وتركوا لي حزنا مضنيا، وألما ممضا، ودموعا لا تنقطع، وخص النوم؛ لأنه مثار الهموم والأشجان.

الشاهد: قلب واو الجمع ياء عند إضافته لياء المتكلم، وإدغامها لما ذكرنا.

(1)

لأن الكسرة هي التي تناسب الياء: وفي ذلك يقول الناظم.

وتدغم اليا في والواو وإن

ما قبل واو ضم فاكسره يهن

أي تدغم الياء التي في آخر المضاف -في المنصوب من المثنى والجمع- في ياء المتكلم المضاف إليه. وكذلك تدغم الواو في جمع المذكر المرفوع بعد قلبها ياء؛ وإن كان ما قبل واو الجمع مضموما بعد قلبها ياء، وإدغامها في ياء المتكلم؛ وجب قلب هذه الضمة كسرة ليهون -أي يسهل- النطق.

(2)

لتدل على الألف المحذوفة للساكنين.

(3)

لأنه لا موجب لقلبها ياء، وكذلك ما حمل عليها كثنتاي، وألف المقصور؛ كهدى، على الراجح.

(4)

أي: لتكون عوضا عن الكسرة قبل الياء، ثم يدغمونها في ياء المتكلم، فيقولون: في هذى، هدي. وتكون في هذه الحالة معربة بالياء التي أصلها الألف، بدلا من الحركات المقدرة على الألف، فهو مما ناب فيه حرف عن حركة.

* "اليا" نائب فاعل تدغم. "فيه" متعلق يتدغم، والضمير يعود إلى ياء المتكلم، وذكر لتأويله باللفظ. "والواو" معطوفة على الياء. "وإن" شرطية "ما" اسم موصول نائب فاعل لمحذوف يفسره. "ضم" وهذا المحذوف في محل جزم فعل الشرط. "قبل واو" ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، ومضاف إليه. "ضم" نائب الفاعل يعود إلى ما، والجملة مفسرة، "فاكسره" جواب الشرط "يهن" مضارع مجزوم في جواب الأمر، ومعناه: يسهل.

ص: 385

كقوله:

سبقوا هوي وأعتقوا لهواهم

(1)

واتفق الجميع على ذلك

(2)

في علي ولدي

(3)

. ولا يختص بياء المتكلم بل هو عام في كل ضمير؛ نحو: عليه ولديه وعلينا ولدينا، وكذا الحكم في إلي.

(1)

صدر بيت، لأبي ذؤيب الهذلي، من مرثيته السابقة، وعجزه:

فتخرموا ولكل جنب مصرع

اللغة والإعراب: هوى: ما أهواه وأشتهيه، أعنقوا: أسرعو؛ من العتق؛ وهو السير السريع، والمراد: تبع بعضهم بعضا، فتخرموا: اخترمهم الموت واستأصلهم. مصرع: مكان يصرع ويطرح فيه، "هوى" مفعول سبقوا منصوب بالفتحة المقدرة على الألف المنقلبة ياء، أو بالياء التي أصلها الألف، كما أوضحنا و"أعنقوا" معطوف على سبقوا. "لهواهم" جار ومجرور متعلق بأعنقوا، وهو مجرور بكسرة مقدرة على الألف؛ للتعذر، و"هم" مضاف إليه. "فتخرموا" الفاء عاطفة، وتخرموا فعل ونائب فاعل، "ولكل" الواو للحال، ولكل متعلق بمحذوف خبر مقدم، "جنب" مضاف إليه. "مصرع" مبتدأ مؤخر.

المعنى: مات أبنائي، وسبقوني إلى ما كنت أحب وأشتهي، واستأصلهم الموت واحدا بعد واحد، ولكل إنسان أجله، ومكانه الذي يوارى فيه جثمانه.

الشاهد: قلب ألف المقصور في "هوي" ياء على لغة هذيل، وإدغامها في ياء المتكلم؛ وأصله هواي، والعرب كافة يبقون ألف المقصور عند إضافته للياء، وفي ذلك يقول الناظم:

وألفا سلم وفي المقصور عن

هذيل انقلابها ياء حسن

(2)

أي على قلب الألف مع ياء المتكلم.

(3)

المراد "علا" الظرف، وهو لغة في "عل"، بمعنى فوق، وكذلك "لدى" الظرف بمعنى عند.

أما الحرفية فلا تضاف.

* "وألفا" مفعول سلم مقدم. "وفي المقصور عن هذيل" متعلقان بحسن، "انقلابها" مبتدأ ومضاف إليه؛ من إضافة المصدر لفاعله. "يا" مفعول المصدر. "حسن" خبر المبتدأ، وسكن للشعر.

ص: 386

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تنبيه: إذا أضيف "ابنم" لياء المتكلم جاز إبقاء ميمه الزائدة وحذفها، مع إسكان الياء، وكسر ما قبلها في الحالتين؛ تقول: ابنمي -أو ابني. هذا: ويجوز زيادة هاء السكت الساكنة غالبا، عند الوقوف على ياء المتكلم، مع بناء الياء على الفتح؛ كقوله تعالى:{يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ، وقول السيدة عائشة:"أبيه وما أبيه".

ص: 387

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف الإضافة، واذكر ما تحدثه في آخر الاسم من تغيير، ومتى تكون بمعنى "من"، أو"في"؟

2 اذكر أنواعها، وما الذي يفيده كل نوع، وما تختص به الإضافة اللفظية، مثل لما تقول بأمثلة من إنشائك.

3 يقولون: "إن إضافة الوصف لمعموله لا تفيد المضاف تعريفا، ولا تخصيصا". وضح ذلك بالمثال، والشاهد.

4 ما الذي يمتنع إضافته من الأسماء؟ وما الذي تجب إضافته إلى المفرد، وإلى المضمر؟ مثل لما تقول.

5 بين نوع ما تضاف إليه الأسماء الآتية: لدى -كل- غير. ووضح بالأمثلة.

6 ماذا يشترط فيما تضاف إليه "كلا" و"كلتا"؟ اذكر أمثلة موضحة من إنشائك.

7 يستشهد النحويون بما يأتي في باب الإضافة، بين موضع الاستشهاد، واشرحه:

قال تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} .

{وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} .

{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} .

{إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .

{هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} .

{لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} .

{لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} .

{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} .

{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} .

{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} .

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} .

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما يضيء كالشهاب لامعا

أتي الفوحش عندهم معروفة

ولديهم ترك الجميل جميل

ألم تعلمي يا عمرك الله أنني

كريم على حين الكرام قليل

وما زال مهري مزجر الكلب منهم

لدن غدوة حتى دنت لغروب

ولئن حلفت على يديك لأحلفن

بيمين صدق من يمينك مقسم

8 أعرب ما تحته خط من قول أمير الشعراء أحمد شوقي، يخاطب أبا البنات الذي لم يرزق بنين، وما فيه من شاهد في الإضافة.

إن البنات ذخائر من رحمة

وكنوز حب صادق ووفاء

الساهرات لعلة أو كبرة

والصابرات لشدة وبلاء

والباكياتك حين ينقطع البكا

والزائراتك في العرا والنائي

9 بين فميا يأتي: المضاف، والمضاف إليه، مع بيان نوع الإضافة، وفائدتها:

اعلم صديقي أن قصارى جهد النمام الإيقاع بين الأصدقاء؛ فحسبك تلك القطعية، ولقد كان ظلما؛ أي ظلم! أن يخرج أهل فلسطين من ديارهم التي أقاموا فيها، من لدن أقدم العصور، وكل منا ينظر في شئونه ليس غير. ألا إن التاريخ ليطل علينا من عل، ويسجل في صفحاته أينا كان أو العاملين، وسيجعل الله بعد عسر يسرا.

قال عليه السلام: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه".

يا شاه ما قنص لمن حلت له

حرمت علي وليتها لم تحرم

وأفنى رجالي فبادوا معا

فأصبح قلبي بهم مستفز

ولم أر مثل الخير يتركه الفتى

ولا الشر يأتيه امرؤ وهو طائع

سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها

فنيطت عرى الآمال بالزرع والضرع

أأكذب عامدًا من أجل مالي

فليس بنافعي ما عشت مالي

10 أعرب البيت الآتي، وبين ما فيه من شاهد، واذكر متى تبن "أي"، ومتى تعرب:

ألا تسألون الناس أيي وأيكم

غداة التقينا كان خرا وأكرما

11 اشرح قول ابن مالك:

وما يلي المضاف يأتي خلفا

عنه في الإعراب إذا ما حذفا

ص: 389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

13 تأتي "لدن" بمعنى "عند"، و"عل" بمعنى "فوق"، ولكن بينهما فروق؛ فما هي هذه الفروق؟ وضح ما تقول بالمثال.

14 بين حكم "لبيك" و"سعديك"، ونظائرهما في الإضافة، ثم اشرح معناهما، وكيف تعربهما؟

15 أعرب البيت الآتي، وبين ما الشاهد فيه، واشرحه شرحا أدبيا:

حنانيك مسئولا ولبيك داعيا

وحسبي موهوبا وحسبك واهبا

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

على باب حروف الجر.

1 يسمي الكوفيون حروف الجر "حروف الإضافة"، ولهذه التسمية علاقة بحاجة هذه الحروف إلى متعلق. وضح ذلك.

2 تستعمل "كي" حرف جر مصدرية؛ فمتى تتعين للجر؟ وما الأشياء التي تجرها؟

3 ما الذي تجره "رب"؟ وما شرط جرها للضمير؟ وضح ذلك بأمثلة.

4 ما الفرق بين حرف الجر الأصلي، والزائد، والشبيه الزائد؟ هات مثالا لكل.

5 من معاني "من": التنصيص على العموم، وتأكيد التنصيص عليه، اشرح ذلك، وبين الفرق بينهما، موضحا بالمثال، ثم اذكر أمثلة فيها "من" للتبعيض، وللبدل، وزائدة.

6 اشرح قول الناظم:

و"مذ ومنذ" اسمان حث رفعا

أو أوليا الفعل كجئت مذ دعا

7 اذكر خمسة من المواضع التي يطرد فيها حذف الجار، وإبقاء عمله، ومثل.

8 ما الذي تلحقه "ما" من حروف الجر؟ وما حكم ما تلحقه منها؟ وضح ما تقول.

9 فيما يأتي شواهد في "باب حروف الجر"؛ بين موضع الشاهد على ضوء ما عرفت:

قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} .

{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} .

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} .

{اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} .

{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} .

{وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} .

{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} .

{وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} .

{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} .

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

{لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} .

{مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} .

{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} .

في الحديث: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". "بني الإسلام على خمس". "رب ضارة نافعة".

إني نظرت إلى الشعوب فلم أجد

كالجهل داء للشعوب مبيدا

وجانب من الثرى يدعى الوطن

ملء العيون والقلوب والفطن

ما لمحب جلد أن يهجرا

ولا حبيب رأفة فيجبرا

بدا لي أني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

لقد علمت سمراء أن حديثها

نجيع كما ماء السماء نجيع

وإنك لم يفخر عليك كفاخر

ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب

تناوله بالرمح ثم انثنى له

فخر سريعا لليدين وللفم

ليس الغبي بسيد في قومه

لكن سيد قومه المتغابي

فلما تفرقنا كأني ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

10 اشرح وأعرب قول ابن الرومي، يهجو خالدا القحطبي:

أخالد ما أغراك من عداوة

ولا ترة لولا الشقاء المقدر

11 هات أمثلة من إنشائك في الحالة الحاضرة لما يأتي:

استعمال "كاف" و"عن" اسمين -زيادة "ما" بعد "رب" وعدم كفها عن العمل.

استعمال "منذ" اسما، وبعده جملة اسمية -استعمال "في" بمعنى الباء، والعكس.

12 أعرب ما تحته خط فيما يأتي، وبين الشاهد فيه؛ وهو لأبي محمد اليزيدي النحوي:

شكوتم إلينا مجانينكم

ونشكو إليكم مجانينا

فلولا المعافة كنا كهم

ولولا البلاء لكانوا كنا

13 بين فيما يأتي حرف الجر، ومعناه، ومجروره، الزائد، والأصلي:

أيها العاقل: إلي بأذنك وعقلك؛ ادخر من غناك لفقرك، ومن صحتك لمرضك، ومن

ص: 392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دنياك لأخرتك، ولا تكن في غفلة عن هذا؛ {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} ، وابتعد عن المعاضي ما استطعت؛ فسيجمع الله الناس ليوم تشيب من هوله الولدان، {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} ، وكن كما أمرك مولاك، ودع الغوى، فعن قريب يؤديه الدهر، {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ، واعلم أن الناس في عراك منذ خلق الله الخلق، فالعاجز من اعتمد على غيره؛ ولو كان أقرب الناس إليه، والقوي من اعتمد على نفسه، وجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولم يلق بنفسه إلى ما فيه هلاكه، وتحلى بالخلق الكريم، وتمثل بقول الشاعر:

ولم أر كالمعروف أما مذاقه

فحلو وأما وجهه فجميل

ص: 393