المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌باب: إعمال المصدر واسمه الاسم الدال على مجرد - ضياء السالك إلى أوضح المسالك - جـ ٣

[محمد عبد العزيز النجار]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌باب: إعمال المصدر واسمه

الاسم الدال على مجرد الحدث، إن كان علمًا؛ كفجار وحماد للفجرة والمحمدة، أو مبدوءًا بميم زائدة لغير المفاعلة؛ كمضرب، ومقتل، أو متجاوزًا فعله الثلاثة، وهو بزنة اسم حدث الثلاثي؛ كغسل ووضوء في قولك: اغتسل غسلًا، وتوضأ وضوءًا؛ فإنهما بزنة القرب والدخول ي: قرب قربًا، ودخل دخولًا؛ فهو اسم مصدر، وإلا فمصدر

(1)

ويعمل المصدر عمله فعله

(2)

. . . . . . . . . . .

باب إعمال المصدر واسمه:

(1)

- المصدر من حيث معناه: هو الاسم الذي يدل -غالبًا- على الحدث المجرد من غير ارتباط بزمان، أو مكان، أو بذات، أو بعلمية. ومدلوله الحقيقي: أمر معنوي محض، يدل عليه اللفظ المعروف، وتسميته مصدرا مجاز. ولا بد من ناحيته اللفظية أن يشتمل على جميع الحروف الأصلية والزائدة في فعله لفظًا أو تقديرًا، وقد يزيد عنها؛ كأكرمه إكرامًا، ولا يمكن أن ينقص بدون تعويض. أما اسم المصدر، فهو كالمصدر في معناه؛ من حيث دلالته على الحدث المجرد، ويكون علم جنس كما ذكر الموضح. ويخالفه في لفظه بنقص حروفه عن حروف فعله بدون تعويض. وما ذكره المصنف من اعتبار المبدوء بميم زائدة لغير فاعله اسم مصدر، مجانب لما عليه جمهور النحاة؛ من أن يسمى مصدرا ميميًا كما سيأتي - لا اسم المصدر.

هذا: ويرى بعض المحققين أن اسم المصدر، يدل مباشرة على لفظ المصدر لا على الحدث، أما دلالته على الحدث فتبعية؛ جاءت بوساطة دلالته على المصدر. ومن أسماء المصدر: كل اسم يدل على معنى مجرد وليس له فعل، كالقهقري.

(2)

- سواء كان متعديًا أو لازمًا، ويخالف المصدر فعله في أمور؛ أهمها: أن المصدر لا يعمل إلا إذا كان مصدر نائبًا عن فعله. وفي رفعه نائب الفاعل خلاف، والمختار جوازه عند

ص: 3

إن كان يحل محله فعل؛ إما مع "أن"

(1)

؛ كعجبت من ضربك زيدًا أمس، ويعجبني ضربك زيدًا غذاء؛ أي: أن ضربتهن وأن تضربه. وإما مع "ما"

(2)

؛ كيعجبني ضربك زيدًا الآن؛ أي ما تضربه، ولا يجوز في نحو: ضربت ضربًا زيدًا، منصوبًا بالمصدر؛ لانتفاء هذا الشرط

(3)

.

أمن اللبس؛ نحو: سررت من رش بالطائرة المبيدات الحشرية. بخلاف الفعل؛ فإنه يعمل وجوبًا بلا شرط، ويتحمل ضمير مرفوعه المحذوفن فاعلًا كان أو نائب فاعل.

(1)

- أي المصدرية، وذلك إذا كان الزمان ماضيًا أو مستقبلًا.

(2)

- أي المصدرية أيضًا، وذلك حين يكون الزمان حالًا ولا تصلح له "أن"، وتدل كذلك على الماضي والمستقبل. وخصت بإرادة الحال لتعذره مع أن، ولأن دلالة "أن" مع الماضي على المضي، ومع المضارع على المستقبل، أشد من دلالة "ما" -هو شرط في عمله في غير الظرف والجار والمجرور، أما عمله فيهما؛ فلا يشترط فيه شيء ما. ويحذف الفعل فينوب عنه مصدره في عمله، وفي تأديه معناه؛ نحو: تعظيمًا والديك، وإشفاقًا على الضعيف، كما تقدم في موضعه.

(3)

- لأنه لا يصلح أن يحل محاله فعل مع "أن" أو "ما"؛ وإنما نصب زيد بضربت؛ لأن المصدر المؤكد لعامله المذكور لا يعمل كما سلف. وما ذكره المصنف لعمل المصدر شرط إيجابي لابد من وجوده، وهنالك شروط سلبية؛ منها:

أ- ألا يكون مصغرا؛ فلا يجوز: أميرك مطاع؛ تريد: أمرك.

ب- ولا ضميرا؛ فلا يصح: حبي والدي عظيم، وهو أمي أعظم، خلافا للكوفيين، ورأيهم ضعيف؛ لأن المضير مصدر.

جـ- ولا مختومًا بالتاء الدالة على الوحدة؛ أي المرة؛ فلا يجوز: سررت بضربتك الفائزة. أما التاء من بنية الكلمة؛ كرحمة ورهبة، فلا تمنع؛ تقول: رحمتك الفقراء دليل على مروءتك وحسن خلقك؟

د- وأن يكون مفردا؛ لا مثنى ولا مجموعًان وشذ إعمال غير المفرد في قول الشاعر:

قد جربوك فما زادت تجاربهم

أبا قدامة إلا المجد والفنعا

ص: 4

وعمل المصدر مضافًا أكثر

(1)

؛ نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاس}

(2)

، ومنونًا أقيس

(3)

؛ نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا}

(4)

، وبأل قليل ضعيف

(5)

؛ كقوله:

ضعيف النكاية أعداءه

(6)

وأجاز بعض العلماء عمل الجميع، وهو رأي مقبول لا مانع من الأخذ به.

هـ- وإلا يكون يكون مفصولًا من معموله بأجنبي ولا بتابع؛ فلا يسوغ: إني أسرع إلى إجابة صارخة المتسجير.

و- ولا موصوفا قبل العمل؛ فلا يصح: ساءني عتابك الأليم محمدا.

ز- ولا مؤخرا عن معموله؛ فلا يجوز أعجبني زيدًا ضربك.

(1)

- أي في الاستعمال، وكذلك أبلغ في القول من المنون.

(2)

- الآية 251 من سورة البقرة، والآية 40 من سورة الحج.

(3)

- أي: أوفق بالقياس على الفعل من المضاف؛ لأنه يشبه الفعل بالتنكير، وهو يلي المضاف في الكثرة والفصاحة.

(4)

- "إطعام" مصدر فاعله محذوف "يتيمًا" مفعوله؛ أي "إطعامه يتيمًا "ذي مسغبة" أي مجاعة، صفة ليوم ومضاف إليه. سورة البلد: الآية 14.

(5)

- أي قليل في السماع، ضعيف في القياس؛ لبعده من مشابهة الفعل بدخول "أل" عليه.

(6)

- صدر بيت من المتقارب، ذكره سيبويه ولم ينسبه، وعجزه:

يخال الفرار يراخي الأجل

اللغة والإعراب: - النكاية: الإضرار والأذى؛ من نكيت العدو: أثرت فيه ونلت منه، يخال: يظن. يراخي: يباعد ويؤخر. "ضعيف" خبر لمبتدأ محذوف. "النكاية" مضاف إليه، وهو مصدر محذوف فاعلة. أعداءه" مفعوله ومضاف إليه. "الفرار" مفعول أول "يخال" "يراخي الأجل" الجملة في محل نصب مفعول ثان، وسكن لأجل الوقف.

المعنى: إن هذا الرجل ضعيف لا يستطيع أن يؤثر في أعدائه، أو يقهرهم أو ينازلهم القتال؛ يظن أن الهرب والفرار من الحرب يبعد عنه الموت، ويفسح له في العمر.

الشاهد: - إعمال المصدر المقترن بأل؛ وهو "النكاية"، ونصبه المفعول؛ وهو "أعداءه".

ص: 5

واسم المصدر -إن كان علمًا- لم يعمل اتفاقًا

(1)

، وإن كان ميميًا، فكالمصدر اتفاقًا

(2)

؛ كقوله:

أظلوم إن مصابكم رجلا

(3)

(1)

- لأن الاعلام لا تعمل؛ إذ لا دلالة لها على الحدث الذي يقتضي معمولا؛ وذلك نحو: "يسار" علم لليسر، و"فجار" علم جنس للفجور، وفعله: أفجر، لا فجر. و"برة" علم جنس على البر، وفعله: أبر، لا بر. واسم المصدر العلم لا يضاف، ولا يقبل "أل"، ولا يقع موقع الفعل، ولا يوصف، كما ذكر ذلك صاحب الهمع. وإن كان غير علم، عمل بالشرط الذي يعمل به المصدر غير النائب عن فعله، وإعمال اسم المصدر -مع قياسيته- قليل، ومنه قول الشاعر:

بعشرتك الكرام تعد منهم

ولم يحفظ له شاهدا إلا في حالة الإضافة؛ لأن النصب من خواص الأسماء، فهو يبعد شبه المصدر من الفعل، ويقدر الفعل الماضي والمضار عند إرادة الزمن المستقبل.

(2)

- أوضحنا قريبًا أن الحق أنه مصدر ميمي، لا اسم مصدر.

(3)

- صدر بيت من الكامل، للحارث بن خالد المخزومي، وعجزه:

اهدى السلام تحية ظلم

وبعده:

أقصيته وأراد سلمكم

فليهنه إذ جاءك السلم

اللغة والإعراب: ظلوم: وصف من الظلم، لقب به الشاعر حبيبته، مصابكم: مصدر ميمي بمعنى الإصابة. "أظلوم" الهمزة للنداء، وظلوم منادي. "مصابكم" اسم إن وهو مصدر بمعنى الإصابة مضاف إلى فاعله. "رجلا" مفعوله. "أهدى السلام" الجملة صفة لرجل. "تحية" مفعول مطلق لأهدى، على حد قعدت جلوسًا، أو حال مؤكد من السلام، أو مفعول لأجله. "ظلم" خبر إن.

المعنى: يقول لمحبوبته -وقد لقبها بظلوم لمعاملتها له-: إن إصابكم رجلًا يتقدم بالتحية تقربا إليكم، ظلم منكم له؛ لأنه يبغي الوصل والقرب، وتجيبونه بالصد والإعراض.

ص: 6

وإن كان غيرهما

(1)

، لم يعمل عند البصريين، ويعمل عند الكوفيين والبغداديين. وعليه قوله:

وبعد عطائك المائة الرتاعا

(2)

الشاهد: -عمل المصدر الميمي- وهو "مصاب" عمل الفعل؛ فقد أضيف إلى فاعله؛ وهو كاف المخاطب، ونصب المفعول، وهو "رجلا".

(1)

- أي غير العلم، وذي الميم المزيدة لغير المفاعلة.

(2)

- عجز بيت من الوافر، لعمير بن شبيم، المعروف بالقطامي، وصدره:

أكفرًا بعد رد الموت عني

وهو من قصيدته التي مطلعها:

قفي قبل التفرق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا

وفيها يخاطب ويمدح زفر بن الحارث الكلابي، وكان قد خلصه من الأسر وأطلق سراحه، ورد عليه ماله، واعطاه مائة بعير من غنائم الذين أسروه.

اللغة والإعراب: أكفرا: الكفر هنا: جحد النعمة. الرتاعا: جمع راتعة، وهي الإبل التي ترتع وترعى كيف شاءت لا يمنعها أحد. "أكفرا" الهمزة للاستفهام الإنكاري، و"كفرا" مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: أأكفر كفرا؟ "بعد" ظرف متعلق بكفر. "رد الموت" مضاف إليه. "وبعد" السابق. "عطائك" مضاف إليه، وهو اسم مصدر مضاف إليه فاعله، ومفعوله الأول محذوف؛ أي عطائك إياي. "المائة" مفعوله الثاني. "الرتاعا" صفة لمائة.

المعنى: كيف أجحد نعمتك، وأنكر فضلك عليَّ، وإحسانك إليَّ، بعد أن أطلقت سراحي من أسري، وخصلتني من يد أعدائي؛ فحلت بيني وبين الموت المحقق، ولم تكتف بذلك؛ بل أعطيتني مائة من الإبل الراتعة السمينة؛ تفضلًا منك وكرمًا؟

الشاهد: -إعمال اسم المصدر- وهو "عطاء" -عمل الفعل؛ فأضيف لفاعله، ونصب المفعول، وهذا قليل. وفيما تقدم يقول الناظم:

بفعله المصرد الحق في العمل

مضافًا أو مجردًا أو مع أل

ص: 7

ويكثر أن يضاف المصدر إلى فاعله، ثم يأتي مفعوله

(1)

؛ نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [الحج: 40]، ويقل عكسه كقوله:

قرع القواقيز أفواه الأباريق

(2)

إن كان فعل مع "أن" أو "ما"

يحل محله ولاسم مصدر عمل*

أي ألحق المصدر بفعله في العمل، فاجعله مثله في التعدي واللزوم وغيرهما؛ سواء كان مضافًا، أو مبدوءًا بأل، أو مجرد من أل والإضافة؛ وهو المنون؛ وإنما يعمل بشرط أن يصح إحلال فعل مسبوق بـ"أن" أو "ما" المصدريتين محله، وإلا فلا يعمل، واسم المصدر قد يعمل أحيانًا عمل الفعل كما بين المصنف.

(1)

- أي إن وجد له مفعول، ويكون الفاعل مجرورا في اللفظ، مرفوعا في المحل.

(2)

- عجز بيت من البسيط، للمغيرة بن عبد الله المعروف بالأقيشر الأسدي، وصدره:

أفنى تلادي وما جمعت من نشب

اللغة والإعراب: - التلاد: المال القديم، كالتالد والتليد، وضده: الطريف. النشب: المال الثابت الذي لا يستطاع نقله؛ كالدور ولاضياع. القواقيز: جمع قاقوزة، وهي القد الذي يشرب فيه الخمر، والقرع: ضرب شيء صلب بمثله؟ "تلادي" تلاد مفعول به لأفنى، والياء مضاف إليه. و"ما" الواو عاطفة، و"ما" اسم موصول معطوف على تلادي، "جمعت" الجملة صلة ما "قرع" فاعل أفنى، وهو مصدر مضاف إلى القواقيز، مفعوله. "أفواه الأباريق" أفواه فاعل بالمصدر، والأباريق مضاف إليه.

المعنى: - إن معاقرتي للخمر ومعاشرة إخوان السوء، ذهب بجميع أموالي التي ورثتها عن آبائي، وما جمعته بجهدي وعملي، سواء في ذلك المنقول منها والثابت.

الشاهد: - إضافة المصدر؛ "وهو قرع"، إلى مفعوله؛ وهو "القوقيز"، ثم الإتيان.

* بفعله: بفعل متعلق بألحق، والهاء مضاف إليه. "المصدر" مفعول مقدم لألحق. "مضافا" حال من المصدر، وكذلك ما عطف عليه. فعل "اسم كان" مع "ظرف معلق بمحذوف، نعت لفعل. "أن" مضاف إليه مقصود لفظه. "أو ما" معطوف على أن "يحل" فعل مضارع، وفاعله يعود إلى فعل، والجملة خبر كان: "محله" محل ظرف مكان منصوب، والهاء مضاف إليه. "ولاسم" جار ومجرور خبر مقدم. "مضاف إليه" عمل "مبتدأ مؤخر، وسكن للشعر.

ص: 8

وقد يختص بالشعر؛ ورد بالحديث: "وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا"

(1)

؛ أي: وأن يحج البيت المستطيع.

وإما إضافته إلى الفاعل، ثم لا يذكر المفعول وبالعكس، فكثير؛ نحو:{رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} [إبراهيم: 40]

(2)

، ونحو:{لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: 49]

(3)

، ولو ذكر لقيل: دعائي إياك، ومن دعائه الخير. وتابع المجرور يجر على اللفظ، أو يحمل على المحل فيرفع

(4)

؛ كقوله:

طلب المعقب حقه المظلوم

(5)

بالفاعل؛ وهو "أفواه" وذلك قليل. وروي: "قرع القوارير"، جمع قارورة؛ وهي الزجاجة.

(1)

- "حج" مصدر مضاف إلى مفعوله؛ وهو "البيت". "من" اسم اموصول فاعله. وقد عدل المصنف عن الاستدلال بالآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]؛ لاحتمال كون "من" بدلًا يحتمل أن تكون مبتدأ خبره محذوف؛ أي فعليه أن يحج. وجعلها فاعلا للمصدر يفسد معه المعني؛ لأن المعنى يكون حينئذ: ولله على الناس -مستطيعهم وغير مستطيعهم- أن يحج البيت المستيطعن فيلزم تأثيم جميع الناس بتخلف المستطيع؛ فتدبر.

(2)

- "دعاء" مصدر مضاف إلى الفاعل وهو ياء المتكلم، ومفعوله محذوف؛ أي دعائي إياك. الآية 40 من سورة إبراهيم.

(3)

- "دعاء الخير" مصدر مضاف لمفعوله، وفاعله محذوف؛ أي من دعائه الخير. وقد يضاف المصدر إلى الظرف فليجره، ويرفع الفاعل وينصب المفعول؛ كالمنون؛ نحو: إهمال اليوم التلميذ الاستذكار ضار بمستقبله.

(4)

- أي: إذا كان المجرور فاعلا أو نائب فاعل، وهذا مذهب الكوفيين، وذهب سيبويه، وجمهور البصريين، إلى عدم جواز الإتباع على المحل، وما ورد مما ظاهره الاتباع على المحل يؤول بتقدير رافع للمرفوع وناصب للمنصوب. ورأي الكوفيين وأولى بالسير عليه.

(5)

- عجز بيت من الكامل للبيد بن ربيعة العامري، يصف حمارا وحشيًا وأتانا، وصدره:

ص: 9

أو ينصب

(1)

؛ كقوله:

مخافة الإفلاس والليانا

(2)

حتى تهجر في الرواح وهاجها

اللغة والإعراب: - تهجر: سار في الهاجرة؛ وهي نصف النهار وقت اشتداد الحر.

الرواح: الوقت من زوال الشمس إلى الليل. هاجها: أزعجها وأثارها. المعقب: الغريم الذ ي يطلب حقه بإلحاح "حتى": حرف غاية لكلام متقدم، "تهجر": فعل ماض وفاعله يعود على الحمار الوحشي. "وهاجها": الواو عاطفة، و"هاجها": فعل ومفعول، وفاعله يعود أيضًا على الحمار، و"ها": عائدة على أتان كانت مرافقته له. "طلب المعقب": طلب مفعول مطلق لهاج، والمعقب مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله. "حقه": مفعوله ومضاف إليه. "المظلوم" -بالرفع- نعت للمعقب باعتباره محله.

المعنى: - حتى سار ذلك الحمار الوحشي عند شدة الحرا بعد الزوال، وأزعج أتانه، وطلبها طلبًا متواصلًا؛ كما يطلب الغريم المظلوم حقه ودينه من غريمه بشدة وإلحاح.

الشاهد: - رفع "المظلوم"- وهو نعت للمعقب المجرور لفظًا -بإضافة المصرد؛ وهو "طلب" ولكنه مرفوع محلًا؛ لأنه فاعل للمصدر.

(1)

- أي إن كان المجرور مفعولًا.

(2)

- عجز بيت من الرجز، لزيادة العنبري، ونسب في كتاب سيبويه لرؤبة بن العجاج، وصدره:

قد كنت داينت بها حسانا

اللغة والإعراب: - دانيت بها: أخذتها بدلا من دين لي عليه، والهاء عائدة على جارية معروفة الليانة: المماطلة "قد" حرف تحقيق. "كنت" كان واسمها. "دانيت" الجملة خبر كان "حسانا" مفعول داينت. "مخافة" مفعول لأجله. "الإفلاس" مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله، والفاعل محذوف؛ أي مخافتي الإفلاس "والليانا" معطوف بالنصب على محل الإفلاس.

المعنى: -كنت قد أخذت هذه الجارية من حسان بدلًا من دين لي عليه؛ لخوفي من إفلاسه، ومماطلته في دفع ما عليه من الدين.

الشاهد: عطف الليانا -بالنصب- على الإفلاس؛ لأنه -وإن كان مجرورا لفظا بإضافة المصدر؛ وهو "مخافة"، لكنه منصوب محلا- مفعول للمصدر، ويجوز جعل "الليانا" مفعولا معه، ويكون معطوفا على "مخافة" على حذف مضاف.

ص: 10

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإلى إضافة المصدر لما بعده، وإتباعه على اللفظ أو المحل، يشير الناظم بقوله:

وبعد جره الذي أضيف له

كمل بنصب أو برفع عمله

وجر ما يتبع ما جر ومن

راعي في الإتباع المحل فحسن

أي بعد إضافة المصدر إلى ما أضيف له، وجره المضاف إليه، كمل عمله بالنصب أو بالرفع؛ وذلك بنصب ما بعده مفعولا به إن كان المصدر مضافا للفاعل، وبرفعه إن كان المصدر مضافا للمفعول. وإنه جاء تابع للمضاف إليه المجرور، فجر هذا التابع مراعيًا لفظ المجرور، أو راع محل المضاف إليه؛ من رفع أو نصب، فارفع التابع أو أنصبه، وهذا حسن، والإتباع على المحل جائز في جميع التوابع عند الكوفيين وطائفة من البصريين. وأجازه سيبويه ومن وافقه في العطف والبدل. ومنعه في النعت والتوكيد، والحق الجواز في الجميع؛ لورود السماع به.

تنبيهان:

1 -

إعمال اسم المصدر قليل وإن كان قياسيًا، وقال الصيمري: إعماله شاذ.

2 -

قال الأشموني: المصدر المقدر بالحرف المصدري والفعل مع معموله، كالموصول مع صلته؛ فلا يتقدم ما يتعلق به عليه؛ كما لا يتقدم شيء من الصلة على الموصول.

ولا يفصل بينهما بأجنبي؛ كما لا يفصل بين الموصول وصلته. وإذا ورد ما يوهم شيئًا من ذلك، أول.

أما المصدر الآتي بدلًا من اللفظ بفعله، فلا يتقدم ما يتعلق به عليه؛ لأن الأصح أنه مساوٍ لاسم الفاعل فيتحمل الضمير.

ولا يرى الرضي مانعا من تقديم معموله عليه إذا كان ظرفا أو شبهه؛ قال تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّه} [النور: 2]، {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْي} [الصافات: 102].

* "بعد" ظرف متعلق بكمل. "جره" مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. "الذي" مفعول للمصدر. "أضيف له" ماض للمجهول، والجملة صلة الموصول. "عمله" مفعول كمل ومضاف إليه. "جر" فعل أمر. "ما" اسم موصول، مفعوله. "يتبع" الجملة صلة. "ما" الثانية مفعول يتبع. "جر" الجملة صلة. "ومن" اسم شرط جازم، مبتدأ. "راعي" فعل الشرط. "فحسن" الفاء للربط، و"حسن" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي فرأيه حسن، والجملة جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر "من".

ص: 11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 -

عرف كلًا من المصدر واسمه، وبين الفرق بينهما في اللفظ والمعنى، مع التمثيل.

2 -

اذكر أقسام المصدر، وأيها أكثر استعمالا؟ وهات مثالين لكل قسم.

3 -

هات ثلاثة أمثلة لمصدر مضاف إلى فاعله، ومثلهما لمصدر مضاف إلى مفعوله.

4 -

ما الذي يشترط في المصدر ليعمل عمل فعله؟ وضح بالمثال.

5 -

اشرح قول ابن مالك:

وجر ما يتبع ما جر ومن

راعى في الاتباع المحل فحسن

6 -

بين موضع الاستشهاد بما يأتي في هذا الباب: قال تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} ، {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} ، {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} .

في الحديث الشريف: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء".

يا من يعز علينا أن نفارقهم

وجداننا كل شيء بعدكم عدم

بضرب بالسيوف رءوس قوم

أزلنا هامهن عن المقيل

إذا صح عون الخالق المرء لم يجد

عسيرًا من الآمال إلا ميسرًا

بعشرتك الكرام تعد منهم

فلا ترين لغيرهمو ألوفا

7 -

أعرب قول الشاعر الآتي، وبين ما فيه من شاهد، واشرح معناه شرحا أدبيًا:

المن للذم داع بالعطاء فلا

تمنن فتلفى بلا حمد ولا مال

8 -

بين فيما يأتي: المصدر ونوعه، واسم المصدر مع بيان المعمول وتابعه:

إن وجدي بك الشديد أراني

عاذرًا من عهدت فيك عذولًا

وحمدك المرء ما لم تبله خطأ

وذمك المرء بعد الحمد تكذيب

لا شيء أنقص للأحرار من إفشائهم الأسرار. مخالفة الطالب أستاذه من سوء التربية. يجب أن تكون معاملة الآباء لبنيهم بدافع الشفقة والحنان. محبة الوطن من الإيمان من البر إكرام ضيفًا وإغاثة محتاج

ص: 12

‌باب: إعمال اسم الفاعل

وهو: ما دل على الحدث وفاعله؛ فخرج بالحدوث نحو: أفضل، وحسن

(1)

؛ فإنهما إنما يدلان على الثبوت،

(2)

وخرج بذكر فاعله نحو: مضروب، وقام

(3)

.

فإن كان صلة لـ"أل" عمل مطلقًا

(4)

، وإن لم يكن عمل بشرطين

(5)

.

أحدهما: كونه للحال أو الاستقبال

(6)

، لا الماضي؛ خلافًا للكسائي، ولا حجة له في

(1)

- أي: من اسم التفضيل، والصفة المشبهة.

(2)

- أي ثبوت الصفة للموصوف، وملازمتها له، كما سيأتي إيضاحة في موضعه.

(3)

- "مضروب": اسم مفعول، وهو يدل على المفعول، لا على الفاعل. و"قام": فعل، والفعل يدل بوضعه على الحدث والزمان، ودلالته على الفاعل بطريق الالتزام.

(4)

- أي من غير تقييد بزمن، أو اعتماد على شيء، أو غير ذلك من الشروط الآتية؛ وذلك لأنه مع "أل" الموصولة يحل محل الفعل، والفعل يعمل في جميع الأحوال؛ فكذلك ما حل محله. وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:

وإن يكن صلة "أل" ففي المضي

وغيره إعماله قد ارتضي*

(5)

- المراد: عمل النصب في المعفول، أما رفعه الفاعل فبغير شرط، إذا كان الفاعل ضميرًا مستترًا أو بارزًا، كما سيأتي بيانه.

(6)

- وكذلك إذا كان بمعنى الاستمرار المتجدد؛ أي الذي يحدث ثم ينقطع ثم يعود

إلخ. وقيل في اشتراط هذا: إنه إنما يعمل حملا على مضارعة، وهو بمعنى الحال أو الاستقبال؛ فإن كان بمعنى الماضي، فقد زال شبهه بالمضارع، فلا وجه لعمله.

* "وإن يكن" شرط وفعله، واسم يكن يعود على اسم الفاعل. "صلة أل" صلة خبر يكن، وأن مضاف إليه. "ففي المضي" متعلق بارتضي، والفاء للربط. "وغيره" معطوف على المضي، ومضاف إليه. "إعماله"مبتدأ ومضاف إليه. "قد ارتضى" الجملة خبر، وجملة المبتدأ والخبر جواب الشرط.

ص: 13

{بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ}

(1)

؛ لأنه على حكاية الحال. والمعنى: يبسط ذراعيه، بدليل:{وَنُقَلِّبُهُم}

(2)

، ولم يقل: وقلبناهم.

والثاني: اعتماده

(3)

على استفهام، أو نفي، أو مخبر عنه، أو موصوف؛ نحو: أضارب زيد عمرًا؟ وما ضارب زيد عمرًا، وزيد ضارب أبوه عمرًا، ومررت برجلٍ ضارب أبوه عمرًا

(4)

.

والاعتماد على المقدر

(5)

كالاعتماد على الملفوظ به؛ نحو: مهين زيد عمرًا ام مكرمة؟ أي: أمهين؟

(6)

، ونحو:{مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُه}

(7)

؛ أي صنف مختلف ألوانه

(8)

.

وقوله:

(1)

- حجته: أن "باسطا" اسم فاعل بمعنى الماضي، وقد عمل النصب في "ذراعيه".

(2)

- فقد أتى بالمضارع الدال على الحال، وكذلك الواو في "وكلبهم"؛ فإنها للحال، والذي يحسن وقوعه بعدها المضارع لا الماضي؛ فإنه يقال: سافر محمد وأبوه يبكي، ولا يحسن أن يقال: وأبو بكى.

(3)

- أي: لأن ذلك يقربه من الفعل. وهذا شرط لعمله النصب في المفعول، وفي الفاعل الظاهر، كما سيأتي، أما عدم المضي فشرط لعمله في المفعول فقط. ويشترط فيه -علاوة على الشرطين المذكورين- ألا يكون مصغرا؛ فلا يصح: ضويرب محمدا، ولا موصوفا قبل العمل؛ كالمصدر؛ فلا يسوغ: راكب "مسرع" سيارة. فإن تأخر النعت عن المنعوت جاز، وخالف الكسائي في هذين الشرطين.

(4)

- "ضارب" اسم فاعل صفه لرجل، و"أبوه" فاعل به، و"عمرا" مفعوله. ومثل ذلك الحال؛ لأنه صفة في المعنى؛ نحو: جاء محمد راكبًا أبو فرسا.

(5)

- أي من جميع ما ذكر من الاستفهام، والنفي، والمخبر عنه، والموصوف، وذي الحال.

(6)

- بدليل وجود "أم" المعادلة؛ فمهين اسم فاعل، وقد رفع "زيدٌ"، ونصب "عمرا" اعتمادا على الاستفهام المقدر.

(7)

- سورة فاطر: الآية 38، والنمل:69.

(8)

- التمثيل بهذه الآية، إما سهو، أو مبني على أن الاعتماد شرط للعمل، حتى في المرفوع،

ص: 14

كناطح صخرة يومًا ليوهنها

(1)

أي: كوعل ناطح. ومنه: يا طالعًا جبلًا، أي يا رجلًا طالعًا. وقول ابن مالك: إنه اعتمد على حرف النداء، سهو؛ لأنه

(2)

مختص بالاسم فكيف يكون مقربا من الفعل؟

(3)

.

وهو رأي ضعيف، والصحيح عند النحاة: أن رفعه الفاعل لا يشترط فيه شيء، أما الاعتماد فشرط لنصبه المفعول به، وليس في الآية مفعول به.

(1)

صدر بيت من البسيط، للأعشى، ميمون بن قيس، وعجزه:

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

اللغة والإعراب: ليوهنها: ليضعفها. يضرها: يضرها ويؤثر فيها. أوهى: أضعف.

الوعل: التيس الجبلي، وجمعه أوعال، ووعول. "كناطح" جر ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، وهو صفة لمحذوف؛ أي كوعل ناطح. "صخرة" مفعول ناطح. "ليوهنها" اللام لام التعليل، و"يوهن" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد اللام، والفاعل يعود إلى وعل، و"ها" مفعول. "قرنه" قرن مفعول "أوهى"، والهاء مضاف إليه. "الوعل" فاعل.

المعنى: أن الذي يطلب ويرجو من الأشياء ما لا يستطيع الوصول إليه، يتعب نفسه، ويخيب أمله، ولا يظفر بشيء، كالتيس الذي ينطح بقرنه صخرة صلبة ليضعفها ويفتتها؛ فلا يؤثر ذلك فيها شيئًا، ويرجع وقد أتعب نفسه، وآذى قرنه بلا جدوى.

الشاهد: -عمل اسم الفاعل -وهو "ناطح"- النصب في "صخرة" لاعتماده في المعنى على الموصوف المقدر. وفي البيت شاهد على جواز تقديم المفعول المضاف إلى ضمير الفاعل على الفاعل.

(2)

أي حرف النداء.

(3)

قال الصبان: يجاب عن الناظم، بأنه لم يدع أن حرف النداء مسوغ؛ بل إن الوصف إذا ولي حرف النداء عمل، وهذا لا ينافي كون المسوغ الاعتماد على الموصوف المحذوف. وإنما صرح بذلك مع دخوله في قوله بعد:

وقد يكون نعت محذوف عرف

لدفع توهم أن اسم الفاعل لا يعمل إذا ولي حرف النداء؛ لأن النداء يبعده عن الفعل.

ص: 15

فصل: تحول صيغة "فاعل" للمبالغة والتكثير

(1)

إلى "فعال"، أو "فعول"، أو "مفعالٌ"

وقد أشار الناظم إلى الشرطين اللذين ذكرهما المصنف بقوله:

كفعله اسم فاعل في العمل

إن كان عن مضيه بمعزل

وولي استفهامًا أو حرف ندا

أو نفيًا أو جا صفة أو مسندا

وقد يكون نعت محذوف عرف

فيستحق العمل الذي وصف 2

أي: إن اسم الأفعل يكون في العمل -تعديا ولزوما- كفعله، بشرط أن يكون بمعزل -أي بعد- عن الزمان الماضي، وأن يقع بعد استفهام، أو حرف نداء، أو نفي، أو يكون صفة، أو مسندا؛ بأن يكون خبرا لمبتدأ أو لناسخ، وقد يكون نعتا لمنعوت محذوف معروف فيعمل عمل فعله، كما لو اعتمد على مذكور.

(1)

- أي: المبالغة والكثرة في معنى الفعل الثلاثي الأصلي، ولذلك تسمى: صيغة المبالغة. ولا تصاغ في الغالب إلا من مصدر فعل ثلاثي متصرف، متعد، ما عدا صيغة "فعال"؛ فتصاغ من من مصدر الثلاثي اللازم والمتعدي، وقد اجتمعا في قول الشاعر:

وإني لصبار على ما ينوبني

وحسبك أن الله أثنى على الصبر

ولست بنظار إلى جانب الغنى

إذا كانت العليا في جانب الفقر

ويندر أن تصاغ من غير اسم الفاعل الثلاثي "كأفعل"؛ لأن اسم فاعل غير الثلاثي يكون على فاعل؛ نحو: دراك، وسئار، من أدرك- وأسأر؛ أي أبق في الكأس بقية، ومعطاء، ومعوان؛ من أعطى، وأعان. وسميع، ونذير؛ من أسمع، وأنذر، وزهوق؛ من

* "كفعله" جار ومجرور خبر مقدم. "اسم فاعل" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "في العمل" متعلق بما تعلق به قوله "كفعله"، أو بالكاف لما فيها من معنى التشبيه. "إن كان" شرط وفعله، واسم كان يعود على "اسم فاعل". "عن مضيه" متعلق بمعزل الواقع خبر لكان، وجواب الشرط محذوف للعلم به؛ أي: وإن كان بمعزل عن مضيه فهو كفعله في العمل، "وولي" معطوف على "كان" في البيت السابق، أو الواو للحال، وبعدها "قد" مقدرة، والجملة حال من اسم كان. "استفهامًا" مفعول ولي. "أو حرف ندا أو نفيا" معطوفان على "استفهاما". "أو جا" -بالقصر- معطوف على ولي. "صفة" حال من فاعل جاء. "أو مسندا" عطف على صفة. "وقد" حرف تقليل. "يكون" فعل مضارع ناقص واسمها يعود على اسم الفاعل. "نعت" خبرها مضاف إلى محذوف. "عرف" فعل ماض للمجهول، والجملة صفة لقوله:"محذوف" فليستحق" فعل مضارع معطوف بالفاء على يكون. "العمل" مفعول يستحق. "الذي" نعت للعمل. "وصف" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة الذي.

ص: 16

بكثرة، وإلى "فعيل"، أو "فعل"، فيعمل عمله بشروط

(1)

؛ قال:

أخا الحرب لباسا إليها جلالها

(2)

أزهق.

(1)

- أي تخضع لجميع الأحكام اليت يخضع لها اسم الفاعل بنوعية؛ المجرد من "أل"، والمقرون بها، وعملها قياسي على الأصح.

وإلى صيغ المبالغة وحكمها يشير ابن مالك بقوله:

فعال أو مفعال أو فعول

في كثرة عن "فاعل" بديل

فيستحق ما له من عمل

وفي "فعيل" قل ذا و"فعل"3

أي أن صيغة فعال، ومفعال، وفعيل، تغني -عند إرادة الكثرة- عن صيغة"فاعل"، وتستحق ما تستحقه من العمل عند استيفاء الشروط. ثم ذكر أن استعمال صيغتي "فعيل" و"فعل" قليل في الدلالة على المبالغة.

(2)

- صدر بيت من الطويل، للقلاخ بن حزن بن جناب المنقري، وعجزه:

وليس بولاج الخوالف أعقلا

اللغة والإعراب: أخا الحرب: أي مؤاخيها وملازمها. إليها: إلى بمعنى اللام؛ أي لها. جلالها: جميع جل؛ والمراد: ما يلبس في الحروب من الدروع ونحوها. ولاج: كثير الولوج؛ أي الدخول: الخوالف: جمع خالفة؛ وهي عمود البيت أو الخيمة، والمراد هنا: الخيمة نفسها أو البيت. أعقلا: الأعقل: الذي تصطك ركبتاه من الفزع. "أخا الحرب لباسا" حالان من ضمير متكلم واقع اسم إن في قوله قبل:

فإن تك فاتتك السماء فإنني

بأرفع ما حولي من الأرض أطولا

* "فعال" مبتدأ وليس بنكرة؛ بل هو علم على وزن خاص. "في كثرة عن فاعل: متعلقان ببديل الواقع خبرا عن فعال وما عطف عليه. "فيستحق" الفاء للتفريع، وفاعل "يستحق" يعود على المذكور من الصيغ. "ما" اسم موصول مفعوله. "له" جار ومجرور، صلة ما. "من عمل" جار ومجرور بيان لما. "وفي فعيل" متعلق بـ"قل".

"ذا" اسم إشارة فاعل "قل"، وتابعه محذوف؛ أي العمل. "وفعل" معطوف على فعيل، والتقدير: وقل هذا العمل في فعيل وفعل.

ص: 17

وقال:

ضروب بنصل السيف سمانها

(1)

وحكى سيبويه: إنه لمنحار بوائكها

(2)

.

وقال:

"إليها" متعلق بلباس. "جلالها" مفعول بلباس، ومضاف إليه. "ولبس" الواو عاطفة، واسم ليس يعود إلى "أخا الحرب". "بولاج" خبر ليس على زيادة الباء. أعقلا" خبر ثان لليس، أو حال من اسمها، أو نعت لولاج، ممنوع من الصرف للوصفية، ووزن أفعل.

المعنى: يمتدح الشاعر نفسه بالشجاعة والإقدام ويقول: نه رجل حرب، يلبس لها لباسها، ويقتحمها إذا شبت نيرانها، ولا يختبئ في البيوت أو الخيام خوفا وفزعا؛ أي أنه مقدام جيء غير جبان، ويقول عن نفسه:

أنا القلاح بن جناب بن جلا

أخو خنائير أقود الجملا

الشاهد: إعمال صيغة المبالغة- وهي "لباس" عمل الفعل واسم الفاعل؛ فنصبت المفعول؛ وهو "جلالها" وقد اعتمدت على موصوف مذكور؛ وهو "أخا الحرب".

(1)

- صدر بيت من الطويل، لأبي طالب بن عبد المطلب، عم النبي، من قصيدة يرثي فيها أبا أمية بن المغيرة المخزومي، زوج أخته عاتكة بنت عبد المطلب، وعجزه:

إذا عدموا زادًا فإنك عاقر

اللغة والإعراب: ضروب: صيغة مبالغة لضارب، نصل السيف: حده وشفرته.

سوق: جمع ساق. سمانها: جمع سمينة، ضد الهزيلة، وهي الممتلئة الجسم. عاقر: اسم فاعل من العقر، وهو الذبح. "ضروب" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي أنت ضروب، مثلا "سوق" مفعول به لضروب. "سمانها" مضاف إليه، وباقي الإعراب واضح.

المعنى: يصف الشاعر أبا أمية بالكرم والجود وقت العسرة، ويقول: إنه كان جوادا، واسع الكرم؛ يعقر الإبل السمان للضيفان، إذا أعسر الناس، ولم يجدوا زادا، وقد كانوا يضربون قوائم الإبل بالسيوف قبل الذبح؛ لإضعافها؛ فيتمكنوا من ذبحها.

الشاهد: إعمال صيغة المبالغة -وهي "ضروب"- عمل الفعل؛ فنصب بها المفعول؛ وهو "سوق" وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف، كما بينا في الإعراب.

(2)

- بوائكها: جمع بائكة، وهي السمينة الحسناء من النوق، وهي منصوبة بمنحار، صيغة مبالغة من ناحر، وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف؛ وهو اسم "إن".

ص: 18

فتاتان أما منهما فشبيهة

هلالاً. . . . . . . . . . .

(1)

وقال: أتاني أنهم مزقون عرضي

(2)

(1)

- جزء من بيت من الطويل، لعبد الله بن قيس الرقيات، وتمامه:

وأخرى منهما تشبه البدرا

اللغة والإعراب: - فتاتان: تثنية فتاة؛ ويه الجارية الحديثة السن، هلالا: الهلال: القمر لليلتين، أو ثلاث من أول الشهر. البدر: القمر عند تمامه وكماله. "فتاتان" خبر لمبتدأ محذوف، أي هما فتاتان. "أما" حرف شرط وتفصيل. "منهما" خبر لمبتدأ محذوف. "فشبيهة" الفاء زائدة، وشبيهة خبر لمبتدأ محذوف أيضًا، والتقدير: أما فتاة منهما فهي شبيهة، وفي شبيهة ضمير مستتر هو الفاعل. "هلالا" مفعول به لشبيهة؛ وهو من أشبه، وذلك من النادر. "وأخرى" صفة لمبتدأ محذوف؛ أي وفتاة أخرى. "منهما" صفة لأخرى. "تشبه البدرا" الجملة خبر المبتدأ.

المعنى: أن هاتين الفتاتين جميلتان؛ غير أن إحداهما تشبه الهلال في نحافتها، والأخرى تشبه البدر في سمنها وإشراقتها.

الشاهد: في "شبيهة هلالا"؛ حيث أعمل صيغة المبالغة -وهي "شبيهة"- عمل الفعل؛ فنصب بها المفعول، وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف، كما أوضحنا في الإعراب.

هذا: وقد ورد هذا الشاهد بروي آخر هو: "تشبه الشمسا"، وبعده:

فتاتان في سعد السعود ولدتما

ولم تلقيا يوماً هوانًا ولا نحسا

(2)

- صدر بيت من الوافر، لزيد الخيل الطائي، وهو الذي سماه الرسول: "زيد الخير، وكان يلقب بزيد الخيل لكثرة خيوله، وعجزه:

جحاش الكرملين لها فديد

اللغة والإعراب: مزقو، جمع مزق؛ مبالغة في مأزق، من المزق؛ وهو: شق الثياب ونحوها، ويستعمل في شق العرض مجازًا. عرضي: عرض الإنسان: ما يحميه ويصونه ويدافع عنه من حسبه ونسبه. جحاش. فديد: صياح وتصويت. "أتاني" أتى فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول "أنهم" أن واسمها. "مزقون" خبرها، وهي ومعمولاها في

ص: 19

فصل: تثنية اسم الفاعل وجمعه، وتثنية أمثلة المبالغة وجمعها، كمفردهن في العمل والشروط

(1)

؛ قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا}

(2)

، وقال الله تعالى:{هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}

(3)

، وقال:{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ}

(4)

، وقال الشاعر:

تأويل مصدر فاعل أتاني. "عرضي" مفعول لمزقون، والباقي واضح.

المعنى: يقول عن قوم توعدوه بالشر: بلغني أن هؤلاء القوم يتطاولون علي، وينالون عرضي بالقدح والذم، ولست أعبأ بهؤلاء، ولا أصغي لترهاتهم؛ فهم عندي كالجحوش التي ترد هذا الماء، وتتزاحم عليه، وهي تنهق وتصيح، وتحدث جلبة كاذبة.

الشاهد: إعمال صيغة المبالغة، وهي "مزقون"؛ فإنه جمع مزق، كاسم الفاعل، وهو معتمد على مخبر عنه؛ وهو اسم إن.

(1)

- وفي ذلك يقول الناظم:

وما سوى المفر مثله جعل

في الحكم والشروط حيثما عمل*

أي أن غير المفرد -من اسم الفاعل وأمثلة المبالغة- مثل المفرد في العمل والشروط المتقدمة، ولا فرق بين أن يكون الجمع جمع مذكر سالما، أو جمع مؤنث، أو جمع تكسير هذا: وإعمال أمثلة المبالغة رأي سيبويه وأصحابه، وحجتهم السماع، والحمل على أصلها؛ وهو اسم الفاعل؛ لأنها محولة عنه لقصد المبالغة. ويمنع الكوفيون إعمال شيء منها، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، كما منعوا تقديمه عليها. ويرده قول العرب:"أما العسل فأنا شرابٌ". ولم يجز بعض البصريين إعمال "فعيل" و"فعل".

(2)

- لفظ الجلالة منصوب بالذاكرين، وهو جمع ذاكر، وفاعله مستتر فيه. ولا يحتاج لشرط؛ لاقترانه بأل.

(3)

- "هن" مبتدأ. "كاشفات" خبر، وهو جمع كاشفة، وفاعلها مستتر فيها. "ضره" مفعول، ومضاف إليه، وهي معتمدة على مخبر عنه؛ وهو "هن".

(4)

- "خشعًا" جمع خاشع. "أبصارهم" فاعل به لاعتماده على صاحب الحال.

* "وما" اسم موصول مبتدأ. "سوى المفرد" سوى ظرف متعلق بمحذوف، صلة ما. "المفرد" مضاف إليه. "مثله" مفعول ثان مقدم لجعل الواقع خبرا للمبتدأ. "في الحكم" متعلق بجعل. "والشروط" معطوف على الحكم، "حيثما" ظرف متعلق بجعل، و"ما" زائدة. "عمل" الجملة في محل جرب بإضافة حيث إليها.

ص: 20

والناذرين إذا لم القهما دمي

(1)

وقال:

غفر ذنبهم غير فخر

(2)

"غفر" جمع غفور، و"ذنبهم" مفعوله.

(1)

- عجز بيت من الكامل، لعنترة العبسي، وصدره:

الشائمي عرضي ولم أشتمهما

وهو من معلقته المشهورة، في حصين ومرة؛ ابن ضمضم، المذكورين في قوله قبل:

ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر

للحرب دائرة على ابني ضمضم

اللغة والإعراب: الشاتمي: مثنى شاتم؛ من الشتم، وهو الرمي بالمكروه من القول.

الناذرين: تثنية ناذر؛ وهو الذي يوجب على نفسه ما ليس بواجب عليه. "الشاتمي" صفة لابني ضمضم، مجرور الياء لأنه مثنى. "عرضي" مضاف إليه. ولم "أشمتهما" الواو للحال، والجملة في محل نصب حال. "والناذرين" معطوف على الشاتمي، "دمي" مفعول للناذرين على تقدير مضاف؛ أي سفك دمي.

المعنى: أخشى أن أموت ولم أنتقم من ابني ضمضم؛ اللذين يشتماني، ويقدحان في عرضي، ولم أسئ إليهما، وينذران على أنفسهما -حين أكون غائبًا عنهما- سفك دمي وقتلي؛ فإذا حضرت أو لقياني، أمسكا عن كل ذلك؛ هيبة مني، وجبنا منهم وفزعا.

الشاهد: إعمال مثنى اسم الفاعل المقترن بأل -وهو "الناذرين- عمل المفرد؛ فنصب المفعول -وهو "دمي"- بدون اعتماد على شيء.

(2)

- عجز بيت من الرمل، لطرفة بن العبد، من قصيدته التي مطلعها:

أصحوت اليوم أم شاقتك هر

ومن الحب جنون مستعر

وصدره:

ثم زادوا أنهم في قومهم

اللغة والإعراب: هر: مرخم هرة: اسم محبوبته. غفر: جمع غفور؛ مبالغة في غافر فخر: جمع فخور؛ مبالغة كذلك في فاخر. "ثم" حرف عطف. "زادوا" زاد فعل ماض، وواو الجماعة فالع. "أنهم" أن واسمها، روي بفتح الهمزة على تقدير الباء؛ أي زادوا بأنهم، وبكسرها على الاستئناف لبيان سبب الزيادة، "في قومهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من اسم أن. "غفر" خبر أن، وفاعله مستتر فيه، "ذنبهم" مفعوله، ومضاف

ص: 21

فصل: يجوز في الاسم الفضلة

(1)

الذي يتلو الوصف العامل: أن ينصب به، وأن يخفض بإضافته

(2)

، وقد قرئ {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} ، {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}

(3)

، بالوجهين

(4)

. وأما ما عدل التالي فيجب نصبه

(5)

؛ نحو: {خَلِيفَةً} من

إليه، والإضافة لأدنى ملابسة؛ لأنهم إنما يغفرون ذنب من يذنب إليهم. "غير فخر" غير خبر ثان لأن، وفخر مضاف إليه، وسكن للوقف، ويروى: غير فجر؛ من الفجور.

المعنى: أن هؤلاء القوم زادوا على غيرهم -فوق ما هم عليه من الإقدام والشجاعة- بأنهم كثير والعفو عن الزلات، والصفح عن الإساءات، وأنهم- مع ما لهم من الخصال الكريمة- لا يفخرون، ولا يتباهون بشيء، أو لا يرتكبون آثاماً.

الشاهد: إعمال جمع صيغ المبالغة -وهو"غفر"- عمل المفرد، وقد اعتمد على مخبر عنه مذكور؛ وهو اسم أن.

(1)

- المراد بالفضلة: المنصوب على أنه مفعول به، أو خبر كان وأخواتها. أما الحال والتمييز فلا يضاف الوصف إليهما، وكذا لا يضاف إلى الفاعل في المعنى.

(2)

- محل جواز الوجهين في الاسم الظاهر، أما الضمير المنفصل فيجب نصبه، وأما المتصل فيجب جره بالإضافة لعدم التنوين؛ نحو: هذا مكرمك؛ خلافا للأخفش وهشام؛ فقد جعلاه في محل نصب.

(3)

- الآية 3 من سورة الطلاق، والآية 38 من سورة الزمر.

(4)

- أي بالنصب والخفض؛ فنصب "امره" على المفعولية، وخفضهما على الإضافة.

(5)

- أي: لتعذر الإضافة بسبب الفصل بالتالي، ومحل النصب إن لم يكن فاعلا، وإلا وجب رفعه؛ نحو: هذا ضارب محمدا أبوه. ويتلخص من هذا: إن التالي للوصف العامل، تارة يجب جره، وتارة يجب نصبه، وتارة يجوز فيه الأمران، وفي ذلك يقول الناظم:

وأنصب بذي الإعمال تلواً وأخفض

وهو لنصب ما سواه مقتضي*

أي أنصب المفعول التالي لاسم الفاعل العامل؛ أي المستوفي شروط العمل، أو جره على

* "بذي" متعلق بانصب. "الإعمال" مضاف إليه. "تلوا" مفعول انصب. "وهو" مبتدأ. "لنصب" متعلق بمقتضي.

"ما" اسم موصول مضاف إليه. "سواه" سوى ظرف، والهاء مضاف إليه، وهو متعلق بمحذوف صلة "ما". "مقتضي" خبر المبتدأ "هو".

ص: 22

قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة}

(1)

. وإذا أتبع المجرور

(2)

، فالوجه جر التابع على اللفظ؛ فتقول: هذا ضارب زيد وعمرو. ويجوز نصبه بإضمار وصف منون

(3)

، أو فعل اتفاقًا

(4)

، وبالعطف على المحل عند بعضهم.

ويتعين إضمار الفعل إن كان الوصف غير عامل؛ فنصب {الشَّمْس} في:

الإضافة، ويكون في محل نصب، فإن نصب أكثر من مفعول، جاز جر واحد، ووجب نصب الباقي. أما التالي للوصف غير العامل، فيجب جره بالإضافة، وينصب ما عداه -ولو أكثر من واحد- بفعل محذوف؛ نحو: هذا معطي محمد أمس درهما، ومعلم محمد أمس عليا قائما. وهذا أيضاً إن لم يكن فاعلا، وإلا وجب رفعه عند جمهور النحاة؛ نحو: هذا مكرم أخوه أمس.

(1)

- من الآية 30 من سورة البقرة.

(2)

- أي بالوصف بأحد التوابع. أما المنصوب فلا يجوز جر تابعه؛ لأن شرط الإتباع على المحل كونه أصلياً، والأصل في الوصف المستوفي للشروط العمل، لا الإضافة؛ لالتحاقه بالفعل.

(3)

- فيقال في المثال: وضارب عمرا، ويكون حينئذ معمولا للتابع المقدر لا تابعا.

(4)

- فتقول ويضرب عمرا، قيل: وإضمار الوصف أرجح؛ ليطابق المذكور، ولأن حذف المفرد أسهل من حذف الجملة، ويحتمل المذهبين قول الناظم:

وأجرر أو أنصب تابع الذي انخفض

كـ"مبتغي جاءه ومالاً من نهض*

أي أن تابع الاسم المجرور على الوجه السالف، يجوز فيه الجر والنصب؛ نحو: من نهض مبتغي جاه ومالاً؛ فكلمة "مالا" معطوفة على "جاه" المجرور بالإضافة؛ لأنها منصوبة باعتبارها مفعولاً لاسم الفاعل.

* "تابع" مفعول تنازعه الفعلان قبله. "الذي" اسم موصول مضاف إليه. "انخفض" الجملة صلة الذي "كمبتغي" الكاف جاره لقول محذوف في موضع رفع، خبر لمبتدأ محذوف، و"مبتغي" اسم فاعل خبر مقدم وفاعله مستتر فيه. "جاه" مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. "ومالا" منصوب بإضافة وصف منون أو فعل، أو هو معطوف على محل جاه. "من" اسم موصول مبتدأ مؤخر. "نهض" الجملة صلة الموصول، والتقدير: وذلك كقولك: الذي نهض مبتغي جاه ومالا.

ص: 23

{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ}

(1)

، بإضمار جعل لا غير

(2)

، إلا إن قدر "جاعل" على حكاية الحال

(3)

.

(1)

- من الآية 96 من سورة الأنعام.

(2)

- فلا يجوز النصب بإضمار وصف منون، ولا بالعطف على المحل؛ لأن الوصف غير عامل؛ لكونه بمعنى الماضي.

(3)

- فحينئذ يجوز النصب على الوجهين السابقين؛ أي بإضمار وصف منون، أو بالعطف على محل الليل؛ لأن الوصف على هذا يكون عاملا؛ لكونه بمعنى "يجعل".

هذا: وقد اختلف في ناصب المنصوب: هل هو فعل مضمر يفسره اسم الفاعل، أو اسم الفاعل نفسه؟ كما اختلف في الأحسن بالنسبة للمعمول التالي للعامل: أهو الجر بالإضافة، أم النصب؟ ذهب سيبويه إلى أن النصب أولى، وقيل: الجر أولى؛ لأنه أخف.

تنبيهات:

أ- إذا كان اسم الافعل مجردًا من أل والإضافة، جاز تقديم معمول عليه؛ نحو: محمد أنا مكرم. وإن كان مقترنا بأل لم يجز تقديم شيء من معمولاته عليه، إلا شبه الجملة؛ لأن أل الداخلية عليه موصولة، واسم الفاعل مع فاعله بمنزلة الصلة لها، والصلة وما يتبعها لا تتقدم على الموصول، وكذلك إذا كان مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر أصلي؛ نحو: هذا رداء معلم الحساب، ذهب محمد بمعلم القراءة، فإن كان حرف الجر زائدا جاز التقديم؛ نحو: ليس محمد خليلا بمكرم. وأجاز البعض تقديم المعمول إذا كان اسم الفاعل مضاف إليه، والمضاف كلمة "غير"، أو "حق"، و "جد"، أو "مثل"، أو "أول"؛ نحو: المنافق الوعد غير منجز، محمد الأعداء جد قاهر، أو حق قاهر، كاتبنا جودة مثل الشاعر، محمد ضيفا أول مكرم. وكذلك يجوز تقديم المعمول على مبتدأ يكون اسم الفاعل خبرًا له؛ نحو: الغرباء أنت مكرم.

ب- لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه سواء كان لازما أو متعديا، إلا إذا أريد به الثبوت والدوام، وقامت قرينة على ذلك، وحينئذ يصير صفة مشبهة تجري عليه أحكامها الآتية في بابهما، ويسمى باسمها على الرغم من بقائه على صورته، بخلاف المصدر، فإنه يضاف للفاعل والمفعول.

ص: 24

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل في علة ذلك: إنه يجوز حذف فاعل المصدر، ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل.

جـ- إذا أريد باسم الفاعل الاستمرار، جاز اعتبار إضافته محضة؛ بالنظر إلى معنى المضي فيه، وبذلك يقع صفة للمعرفة ولا يعمل. وجاز اعتبارها غير محضة؛ بالنظر إلى الحال والاستقبال، وبذلك يقع صفة للنكرة ويعمل فيما أضيف إليه.

ص: 25

‌باب: إعمال اسم المفعول

وهو: ما دل على حدث ومفعوله

(1)

؛ كمضروب ومكرم. ويعمل علم فعل المفعول

(2)

.

وهو كاسم الفاعل، في أنه إن كان بأل، عمل مطلقاً، وإن كان مجرداً، عمل بشرط الاعتماد

(3)

، وكونه للحال أو الاستقبال: تقول: زيد معطي أبو درهماً الآن أو غداً

(4)

، كما تقول: زيد يعطي أبوه درهماً، وتقول: المعطى كفافاً يكتفي

(5)

، كما تقول: الذي يعطى أو أعطي، فـ"المعطى": مبتدأ، ومفعوله الأول مستتر عائد إلى "أل"

(6)

، و"كفافا" مفعول ثان، و"يكتفي "خبر.

باب إعمال اسم المفعول

(1)

- أي على معنى مجرد، وعلى الذات التي وقع عليها هذا الحدث.

(2)

- أي الفعل المبني للمفعول؛ أي للمجهول. فإن كان متعديا لواحد رفعة بالنيابة، وإن كان متعديا لاثنين أو ثلاثة رفع واحد بالنيابة، ونصب غيره؛ قال الناظم:

فهو كفعل صيغ للمفعول في

معناه كـ"المعطى كفافاً يكتفي*

(3)

- أي على استفهام، أو نفي، أو مخبر عنه، أو موصوف، أو ذي حال؛ كما سبق إيضاحه في اسم الفاعل.

(4)

- "زيد" مبتدأ. "معطى" خبره، وهو اسم مفعول متعد لاثنين. "أبوه" نائب فاعل وهو المفعول الأول. "درهماً مفعوله الثاني. ومعطي مجرد من أل، وقد اعتمد على المخبر عنه.

(5)

- مثال للمقرون بأل، وهو يعمل بلا شرط، وقد مثل به الناظم.

(6)

- وهو مرفوع المحل؛ لأنه نائب فاعل، و"أل" في المعطى موصولة، ومعطى صلتها، وأشار

* "فهو" الفاء فاء الفصيحة وهو مبتدأ. كفعل متعلق بمحذوف خبر. "صيغ" فعل ماض للمجهول، والجملة صفة لفعل. "للمفعول" متعلق بصيغ، "في معناه"متعلق بالكاف لما فيها من معنى التشبيه. "كالمعطى" الكاف جارة لقول محذوف خبر لمبتدأ محذوف، و"أل"، موصولة مبتدأ نقل إعرابها إلى ما بعدها؛ لأنها على صورة الحرف، ونائب فاعل "معطى" يعود إلى "أل" وهو مفعوله الأول. "كفافا" المفعول الثاني، والكفاف: ما يكفي الإنسان من غير إسراف. "يكتفي" الجملة خبر المبتدأ الذي هو "أل" الموصولة.

ص: 26

وينفرد اسم المفعول

(1)

عن اسم الفاعل

(2)

بجواز إضافته إلى ما هو مرفوع به في المعنى

(3)

؛ وذلك بعد تحويل الإسناد عنه

(4)

إلى ضمير راجع للموصوف

(5)

، ونصب الاسم على التشبيه

(6)

؛ تقول:. . . . . . . . . . .

بقوله: الذي يعطى أو أعطى، إلى أنه يحتمل الأزمنة الثلاثة، وإلى حكم اسم المفعول، أشار الناظم بقوله:

سوكل ما قرر لاسم فاعل

يعطى اسم مفعول بلا تفاضل*

أي كل ما تقرر لاسم الفاعل من العمل والشروط -مما ذكره المصنف- يثبت لاسم المفعول بلا زيادة على شيء من الشروط.

(1)

- أي القاصر المصوغ من المتعدي لواحد إذا أريد به معنى الثبوت والاستمرار، لا اسم المفعول المراد به الحدوث.

(2)

- أي المتعدي لأكثر من واحد، وأريد به الحدوث، والذي أجمع النحاة على امتناع إضافته لمرفوعه. أما اسم الفاعل اللازم إذا أريد به الدوام؛ كضامر البطن، وعالي القامة، فيجوز إضافته إلى مرفوعه؛ كاسم المفعول.

(3)

- وذلك إجراء له مجرى الفة المشبهة، في جواز الإضافة إلى المرفوع، ويبقى على وزنه الأصلي؛ وهو زنة "مفعول" من الثلاثي، وزنة مضارعة المبني للمجهول من غير الثلاثي، مع إبدال أوله ميمًا مضمومة كما سيأتي.

(4)

- أي عن المرفوع.

(5)

- أي باسم المفعول، فيجعل نائب الفاعل ضمير الموصوف؛ لأنه لو أضيف إليه من غير تحويل، لزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الوصف عين مرفوعه في المعنى، ولا يصح حذفه؛ لعم الاستغناء عنه.

(6)

- أي نصب الاسم المرفوع به على التشبيه بالمفعول به؛ لأن بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوف، أشبه الفضلة؛ لاستغناء الوصف عنه بالضمير. ثم يجر بعد ذلك.

* "وكل" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "قرر" فعل ماض للمجهول والجملة صلة ما. "يعطى" مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر هو المفعول الأول. "اسم" مفعول ثان ليعطى. "مفعول" مضاف إليه، والجملة خبر المبتدأ. "بلا" متعلق بيعطى، و"لا" اسم بمعنى غير مضافة إلى ما بعدها.

ص: 27

الورع محمود مقاصده

(1)

، ثم تقول: الورع محمود المقاصد، بالنصب

(2)

، ثم تقول: الورع محمود المقاصد، بالجر

(3)

.

بالإضافة فراراً من قبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى وصف المتعدي لاثنين؛ فالجر فرع النصب، وهذا فرع الرفع.

(1)

- "مقاصده" مقاصد نائب فاعل "محمودة"، والهاء مضاف إليه.

(2)

- وذلك بعد تحويل الإسناد عن المرفوع إلى ضمير الموصوف؛ فنائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الورع، وينصب المرفوع -وهو المقاصد- على التشبيه بالمفعول به.

(3)

- أي بجر المقاصد بالإضافة. وفي إضافة اسم المفعول لمرفوعه، يشير الناظم بقوله:

وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع

معنى كـ"محمود المقاصد الورع"*

هذا: وقد وردت صيغ سماعية بمعنى اسم المفعول المصوغ من مصدر الثلاثي، في الدلالة على الذات والمعنى، ولكنها ليست على زنته.

ومن ذلك: "فعيل" بمعنى مفعول، نحو كحيل بمعنى مكحول، و"فعل"؛ "كذبح" بمعنى مذبوح، "وفعل" كنقص بمعنى مقنوص، و"فعلة" كمضغة بمعنى ممضوغة، وغرفة بمعنى مغروفة، وأكلة بمعنى مأكولة يقتصر في ذلك على المسموع.

ومن الخير والتسامح أن تعمل عمل اسم مفعول بشروطه، فترفع نائب فاعل حتما. وقد تنصب مفعولا به أو أكثر، إن كان فعلها المبني للمجهول كذلك.

تنبيه:

ذكر في الأشموني: أن جواز إلحاق اسم المفعول بالصفة المشبهة، وقياسه عليها في جواز إضافته إلى المرفوع؛ إنما يكون إذا كان على وزنه الاصلي، وهو: وزن "مفعول" من الثلاثي، ووزن المضارع المبني للمجهول من غيره؛ فإن حول عن ذلك إلى "فعيل" ونحوه -مما سيأتي بيانه- لم يجز؛ لكراهة كثرة التغيرات؛ فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه، ولا قتيل أبيه، ويجوز: مكحول عينه ومقتول أبيه.

* "ذا" اسم إشارة إلى اسم المفعول، وهو نائب فاعل "يضاف"إلى اسم "جار ومجرور، متعلق بـ "يضاف". "مرتفع" نعت لاسم. "معنى" تمييز، أو منصوب على نزع الخافض. "كمحمود" الكاف اسم بمعنى مثل، خبر لمبتدأ محذوف؛ أي وذلك مثل، "محمود" خبر مقدم. "المقاصد" مضاف إليه، من إضافته اسم المفعول لمرفوعه في المعنى. "الورع" مبتدأ مؤخر.

ص: 28

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 -

عرف كلا من اسمي الفاعل والمفعول تعريفا مفصلا يوضح الفرق بينهما.

2 -

ماذا يشترط في اسم الفاعل لينصب المفعول إذا كان بأل، أو مجردا منها؟ ووضح ما تقول بأمثلة من عندك.

3 -

ما حكم المعمول التالي لاسم الفاعل؟ وما حكمه إذا لم يكن تالياً له؟ وضح ذلك.

4 -

كيف تعرف تابع المعمول المجرور؟ أشرح ذلك بأمثلة من إنشائك.

5 -

أشرح قول ابن مالك.

وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع

معنى: كـ"محمود المقاصد الورع"

6 -

يستشهد النحويون بما يأتي في باب اسمي الفاعل والمفعول، بين موضع الاستشهاد، وأعرب ما تحته خط:

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} .

{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} .

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} .

وفي الحديث: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار:

أمنجز أنتمو وعداً وثقت به

أم اقتفيتم جميعاً نهج عرقوب

حذر أموراً لا تضير وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار

وعاجز الرأي مضياع لفرصته

حتى إذا فات أمراً عاتب القدرا

ما الراحم القلب ظلاماً وإن ظلما

ولا الكريم بمناع وإن حرما

هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد رب أخا عون بن مخراق

ولست بمفراح إذا الدهر سرني

ولا جازع من صرفه المتقلب

7 -

أعرب ما تحته خط في البيتين، وبين ما فيهما من شاهد:

عشية سعدي لو تراءت لراهب

بدومة تجر دونه وحجيج

قلى دينه واهتاج للشوق إنها

على الشوق إخوان العزاء هيوج

ص: 29

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

8 -

بين فيما يأتي: اسمي الفاعل والمفعول، وأمثلة المبالغة، ومعمول كل وتابعه، وحكمه.

الإنسان المخلص في عمله، الباذل جهده في إتقانه المطيع أمر خالقه - يكون دائمًا مطمئن النفس، غير مضطرب القلب، سميعاً أمر رؤسائه، مرضيا عنه من الله والناس. أما غير المخلص، المرائي الرؤساء، المضيع الوقت في العبث، القول غير الفعال- فهو محروم من الطمأنينة، غير مستوجب مرضاة الله والناس. قال الجاحظ: المشورة لقاح العقول ورائدة الصواب.

وكم مالئ عينيه من شيء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى

ما عاش من عاش مذموماً خلائقه

ولم يمت من ثوى بالخير مذكورا

ذريني فإن البخل يا أم مالك

لصالح أخلاق الرجال سروق

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدن القرع للأبواب أن يلجأ

تباركت إني من عذابك خائف

وإني إليكم تائب النفس باخع

ضحوك السن إن نطقوا بخير

وعند الشر مطراق عبوس

لكل جديد لذة غير أنني

وجدت جديد الموت غير لذيذ

9 -

أعرب البيت الآتي، وأشرحه، وبين ما فيه من شاهد:

وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه

ولا كل مؤت نصحه بلبيب

ص: 30

‌باب: أبنية مصادر الثلاثي

(1)

اعلم أن للفعل الثلاثي

(2)

ثلاثة أوزان:

"فعل" بالفتح؛ ويكون متعديًا؛ كضربه، وقاصراً؛ كقعد. و"فعل" بالكسر؛ ويكون

باب أبنية مصادر الثلاثي:

(1)

- للفعل الثلاثي مصادر كثيرة، العبرة فيها على السماع. وما يذكره النحويون من الضوابط لمجرد الحصر التقريب لغير المسموع؛ فإذا ورد فعل ولم يعلم مصدره، أتى بمصدر له على الوزن الغالب المقرر في أمثاله، فإن سمع له مصدر على غير القياس يكتفي به.

(2)

- أي المجرد؛ وذلك باعتبار ماضيه فقط. أما باعتبار الماضي مع المضارع، فيأتي على ستة أوجه يسميها الصرفيون أبوابا؛ لأن "فعل" -بالفتح- يأتي مضاعره مثلث العين. و"فعل" -بالكسر- يأتي مضارعه مفتوح العين، أو مكسورها لا غيره، و"فعل" بالضم لا يكون مضارعه إلا مضموم العين. وإليك مجمل القول في هذه الأبواب:

الباب الأول: "فعل يفعل"؛ كضرب يضرب، وجلس يجلس، وهو مقيس مطرد في المثال الواوي؛ كوعد يعد، بشرط ألا تكون لامه حرف حلق؛ كوقع، وحروف الحلق ستة؛ وهي: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء. وفي الأجوف اليائي؛ كجاء يجيء، وفاء يفيء.

وفي الناقص اليائي، كأتى يأتي، بشرط ألا تكون عينه حرف حلق؛ كسعى. وفي المضعف اللازم؛ كفر يفر. وما عدا ذلك مقصور على السماع.

الباب الثاني: "فعل يفعل"؛ كنصر ينصر، وأخذ يأخذ. وهو مقيس في الأجوف الواوي: كجال يجول، وقال يقول. والناقص الواوي أيضًا؛ كصفا يصفو، وسما يسمو والمضعف المتعدي؛ كمده يمده، وصب الماء يصبه.

وفي كل تقصد به المفاخرة والغلبة؛ نحو: ناصرته فأنا أنصره، وسابقته فأنا أسبقه، ويشترط ألا يكون من الأنواع التي يجب فيها كسر العين في الباب السابق.

الباب الثالث: "فعل يفعل" كبدأ يبدأ. ويكثر فيما كانت عين ماضيه أو لامه حرف حلق؛ كذهب يذهب، وفتح يفتح.

ويشترط ألا يكون مضعفا، وإلا فهو على ما سبق؛ من كسر اللازم، وضم المتعدي. وما

ص: 31

قاصرًا؛ كسلم، ومتعديًا؛ كعلمه. و"فعل" بالضم، ولا يكون إلا قاصرًا

(1)

؛ كظرف.

فأما "فعل" و""فعل" المتعديان، فقياس مصدرهما "الفعل"

(2)

؛ فالأول: كالأكل،

جاء من هذا الباب غير حلقي، فشاذ؛ كأبي يأبى. وقد اشتهر الكسر في مضارع: رجع، ونزع، ونضج. والضم في: دخل، وصرخ، ونفخ، وقعد، وأخذ، وطلع، وبزغ، وبلغ، ونخل. فينبغي الاقتصار على ما اشتهر.

الباب الرابع: "فعل يفعل"؛ كعلم يعلم، وفهم يفهم، ولا ضابط لهذا الباب؛ وإنما يكثر فيه الأفعال الدالة على الفرح وتوابعه، والامتلاء، والخلو، والألوان، والعيوب، والخلق الظاهرة التي تذكر لتحلية الإنسان؛ كفرح، وطرب، وغضب، وحزن، وشبع، وروي، وعطش، وحمر، وعمش، وعور، وهيف.

الباب الخامس: "فعل يفعل" كحسب يحسب، وولي يلي. وهو نادر في الصحيح، كثير في المعتل. قيل: ولم يرد في اللغة من أفعال هذا الباب إلا خمسة عشر فعلا من المعتل؛ هي: ورث المال، ولي الأمر، ورم الجرح، ورع عن الشبهات، ومق؛ أي أحب، وفق، وثق به، وري المخ، وجد عليه؛ أي حزن، وعق عليه، ورك؛ أي اضطجع، وكم؛ أي اغتم، وقه، وهم، وعم الدار؛ قال لها: أنعمي.

وورد أحد عشر فعلا تكسر عينها في الماضي، ويجوز الكسر والفتح في المضارع؛ منها: حسب، يش، يبس، ولخ الكلب، وغر الصدر، وبق؛ أي هلك.

الباب السادس: "فعل يفعل" كعظم يعظم، وكرم يكرم، ولا يكون إلا لازما كما ذكر المصنف. وأفعال هذا الباب تدل على الأوصاف الخلقية؛ أي التي لها مكث. ولم يرد "فعل" يائي العي، إلا "هيئو الرجل"؛ أي حسنت هيئته، ولا يأتي الام إلا "نهو الرجل"؛ أي صار ذا نهية؛ أي عقل.

هذا: ولك أن تنقل وتحول إلى هذا البناء كل فعل ثلاثي تريد به الدلالة على أن معناه صار كالغزيرة، أو أردت التعجب منه، أو القدح فيه، كما سيأتي في باب التعجب؛ تقول: حسن يحسن، ورفه يرفه.

(1)

- وقد يتعدى بالتضمين كما سبق في "بابه". انظر 103 جزء ثان، أو بالتحويل كما بينا هنا.

(2)

- سواء كان الفعل صحيحا أو معتلا، إلا إن دل على صناعة فمصدره -في الغالب-

ص: 32

والضرب، والرد، والثاني: الفهم، واللثم، والأمن.

وأما "فعل" القاصر؛ فقياس مصدره "الفعل"؛ كالفرح، والأشر، والجوى، والشلل

(1)

، إلا إن دل على حرفة أو ولاية؛ فقياسه "الفعالة"؛ كولي عليهم ولاية

(2)

.

وأما "فعل" القاصر، فقياس مصدره الفعول

(3)

، كالقعود، والجلوس، والخروج إلا

"فعالة"؛ كحاك حياكة، وصاغ صياغة، وخاط خياطة، والمراد بالقياس: أنه إذا ورد فعل لم يعلم مصدره، يقاس على ذلك، ولا يقاس مع السماع.

قال الناظم مشيرا إلى مصدر "فعل"، و"فعل":

فعل قياس مصدر المعدي

من ذي ثلاثة كـ"ردَّ ردًّا"*

(1)

- يشير بتكرار الأمثلة إلى أنه لا فرق بين أن يكون صحيحاً، أو معتلا، أو مضعفاً؛ وإليه أشار الناظم بقوله:

و"فعل" اللازم بابه "فعل"

كفرح وكجوى وكشلل*

(2)

- مثله: ساس البلاد سياسة، وراض الخيل رياضة. وهذا المصدر يأتي في "فعل" المتعدي الدال على صناعة كما سلف، واللازم كما سيأتي، ويستثنى منه ما دل على لون؛ فإن الغالب في مصدره "فعلة"؛ كحمرة، وسمرة، وأدمة، وما دل على معنى ثابت، فقياسه "فعولة؛ نحو: يبس يبوسة. أو "فعالة"؛ كبراعة، وما دل على معالجة؛ أي محاولة حسية، فمص 3 دره "فعول"؛ كصعد صعوداً، وقدم قدوماً.

(3)

- هذا إذا كان صحيح العين، فإن كان معتلها فالغالب في مصدره أن يكون على وزن

* "فعل" مبتدأ، وسوع الابتداء بالنكرة إنه مراد به لفظ "فعل" المذكور؛ فهو من قبيل الأعلام "قياس مصدر" قياس خبر، ومصدر مضاف إليه. "المعدى" مضاف إليه لمصدر، وأصله نعت لمحذوف؛ أي مصدر الفعل المعدى. "من ذي ثلاثة":"من ذي" جار ومجرور متعلق بمحذوف، حال من المعدى، وثلاثة مضاف إليه، و "من" للتبعيض. "كرد ردا" الكاف جارة لقول محذوف، و"ردا" مفعول مطلق.

** "وفعل" مبتدأ أول. "اللازم" نعته. "بابه فعل" بابه مبتدأ ثان ومضاف إليه، وفعل خبر، والجملة خبر الأول "كفرح" خبر لمبتدأ محذوف، وما بعده عطف عليه.

ص: 33

إن دل على امتناع؛ فقياس مصدره "الفعال"؛ كالإباء

(1)

، والنفار، والجماح، والإباق، أو على تقلب

(2)

؛ فقياس مصدره "الفعلان"؛ كالجولان، والغليان، أو على داء؛ فقياسه "الفعال"؛ كمشى بطنه مشاء. أو على سير؛ فقياسه "الفعيل"؛ كالرحيل، والذميل

(3)

. أو على صوت؛ فقياسه "الفعال"، أو "الفعيل"

(4)

؛ كالصراخ، والعواء، والصهيل، والنهيق، والزئير

(5)

. أو على حرفة أو ولاية؛ فقياسه "الفعالة"؛ كتجر تجارة، وخاط خياطة، وسفر

"فعل"؛ كنام نوما، وصام صوما. أو على "فعال"؛ كصام صياما، وقام قياما. أو "فعالة"؛ كناح نياحة. قال الناظم:

و"فعل" اللازم مثل قعدا

له "فعول" باطراد كغدا*

يقال غدا غدوا؛ أي: أتى، أو ذهب في وقت الغدوة، وهي أول النهار.

(1)

- الإباء: مصدر أبى بمعنى امتنع، أما أبى بمعنى كره؛ فهو متعد؛ تقول: أبيت الشيء، إذا كرهته.

(2)

- أي تنقل: وحركة متقلبة: فيها اهتزاز واضطراب، لا مطلق تحرك؛ فلا يرد: قام قياما، ومشى مشيا، وسعى سعيا.

(3)

- الذميل: ضرب من سير الإبل، فيه رفق ولين، وهو دون الرسيم.

(4)

- يجتمع الفعال والفعيل في نحو: صرخ الطفل، ونعب الغراب، ونعق الراعي. ويكون "فعال" مصدرا لما يدل على مرض كما تقدم، أو صوت؛ نحو: بغم الظبي بغاما، و"فعيل" لما يدل على سير كما سلف، أو صوت أيضًا، نحو: صهل الفرس صهيلا؛ فـ"أو" ليست للتخيير، اللهم إلا إذا لم يسمع أحدهما.

(5)

- الزئير: صوت الأسد؛ مصدر زأر. والنهيق: صوت الحمار؛ مصدر نهق؛ قيل: ويختص "فعال" بالناقص؛ مثل رغاء، وثغاء، فلا يأتي على فعيل، كما يغلب "فعيل" في المضاعف؛ نحو: أزيز، وأنين. وقد تجيء الأصوات على "فعال"؛ كالعرار؛ وهو صياح

* "وفعل" مبتدأ أول. "اللازم" نعته. "مثل" حال من الضمير في اللازم. نعته. "مثل" حال من الضمير في اللازم. "قعدا" مضاف إليه، مقصود لفظه. "له" خبر مقدم. "فعول" مبتدأ ثان مؤخر، والجملة خبر المبتدأ الأول، "باطراد" حال من الضمير المستكن فلي له. "كغدا" جار ومجرور، خبر لمبتدأ محذوف.

ص: 34

بينهم سفارة، إذا أصلح

(1)

.

وأما "فعل" بالضم، فقياس مصدره "الفعولة"؛ كالصعوبة، والسهولة، والعذوبة، والملوحة، و"الفعالة"؛ كالبلاغة، والفصاحة، والصراحة

(2)

.

الظليم. وإلى المستثنيات مصدر "فعل" مفتوح العين اللازم، يشير ابن مالك بقوله:

ما لم يكن مستوجبًا "فعالًا"

أو "فعلانًا فادر أو "فعالا"

فأول لذي امتناع كأبى

والثان للذي اقتضى تقلبا

للدَّا "فعال" أو لصوت وشمل

سيراً وصوتاً "الفعيل" كصهل*

أي: إن مصدر "فعل اللازم هو "فعول" باطراد، ما لم يستوجب الفعل مصدر آخر على وزن "فعال" أو "فعلان" فالأول، وهو "فعال"، يكون مصدرا لكل فعل دل على امتناع؛ كأبى إباءً، وامتنع امتناعاً، والثاني: وهو "فعلان"، يكون مصدرا لكل فعل دل على حركة وتقلب واضطراب؛ مثل: جال جولانا، والثالث: وهو "فعال"، لما يدل فعله على داء او مرض؛ نحو: سعل سعالًا. أو على صوت؛ نحو: نعب نعابا، ويستعمل "الفعيل" مصدراً للفعل الذي يدل على الصوت أو السير؛ نحو: صهل الخيل صهيلا، ورحل الضيف رحيلا. وقد جاء مصدر "فعل" اللازم على غير ذلك كثيرا؛ مثل: قام قياما، ولها لهوا، وفسد فسادا، وطغى طغيانا.

(1)

- ويتبين من هذا أن "فعالة" مطرد في كل ما دل على حرفة أو ولاية، سواء كان الفعل متعديا أو لازما، مفتوح العين أم مكسورها.

(2)

- يكون المصدر على وزن "فعولة" غالباً، إذا جاءت الصفة المشبهة منه على وزن "فعل"؛ نحو: سهل فهو سهل، وعذب فهو عذب؛ فالمصدر: سهولة وعذوبة، وعلى وزن "فعالة"

* "ما" مصدرية ظرفية. "مستوجبا" خبر يكن، واسمها ضمير مستتر، وفاعل مستوجب ضمير مستتر فيه "فعلال" مفعوله، "فادر" فعل أمر، والجملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه. "فأول" مبتدأ، "لذي امتناع" متعلق بمحذوف خبر ومضاف إليه. "كأبى" خبر لمبتدأ محذوف. "والثان للذي" مبتدأ وخبر. "أو لصوت" معطوف على للدا. "سيرا" مفعول شمل مقدم. "وصوتا" معطوف عليه. "الفعيل" فاعل شمل مؤخر. "كصهل" خبر لمبتدأ محذوف.

ص: 35

وما جاء مخالفاً لما ذكرنا فبابه النقل

(1)

؛ كقولهم في "فعل المتعدي: جحده جحوداً، وشكره شكوراً وشكرانا

(2)

، وقالوا "جحداً" على القياس. وفي "فعل" القاصر: مات موتاً، وفاز فوزاً، وحكم حكماً وشاخ شيخوخة، ونم نميمة، وذهب ذهاباً

(3)

. وفي "فعل" القاصر: رغب رغوبة

(4)

، ورضي رضا، وبخل بخلاً، وسخ سخطاً، بضم أولهما وسكون ثانيهما، وأما البخل والسخط بفتحتين، فعلى القياس، كالرغب

(5)

.

وفي "فعل" نحو: حسن حسناً، وقبح قبحاً

(6)

. وذكر الزجاجي وابن عصفور: أن "الفعل" قياس في مصدر "فعل" وهو خلاف ما قاله سيبويه.

إذا كانت الصفة منه على وزن "فعيل"؛ نحو: ملح فهو مليح، وظرف فهو ظريف؛ فالمصدر: ملاحة، وظرافة، وقد يختلف ذلك؛ نحو: ضخم، فهو ضخم، وملح الطعام؛ أي صار ملحاً؛ فمصدرهما الشائع: الضخامة، والملوحة، مع أن الصفة المشبهة ليست على "فعل"، ولا "فعيل". وفي "فعل" يقول الناظم:

"فعولة""فعالة" لـ "فعلا"

كسهل الأمر وزيد جزلا*

أي: إن لـ"فعل" -ولا يكون إلا لازما- مصدرين؛ هما: "فعولة"؛ مثل: سهل الأمر سهولة، و"فعالة"؛ مثل: جزل الرجل جزالة، أي جاد أو عظم.

(1)

- أي السماع عن العرب، ولا يقاس عليه.

(2)

- والقياس: جحدا، وشكرا.

(3)

- والقياس في الجميع "فعول".

(4)

- والقياس: رغبا.

(5)

- وعلى ذلك يكون لرغب، وبخل، وسخط مصادر قياسية، وأخرى سماعية، ويلاحظ أن المصنف اعتبر رضي، وسخط، لازمين، مع ورود قولهم: رضيه، وسخطه.

(6)

- والقياس: "الفعولة"، أو "الفعالة"؛ قال الناظم:

* "فعولة" مبتدأ. "فعالة" معطوفة بإسقاط العاطف. "لفعلا" متعلق بمحذوف، خبر المتبدأ وما عطف عليه. "كسهل" الكاف جارة لقول محذوف. "وزيد" مبتدأ. "جزلا" الجملة خبر.

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وما أتى مخالفاً لما مضى

فبابه النقل كسخط ورضي*

أي: ما جاء عن العرب مخالفاً لما سبق من أنواع المصادر القياسية، يقتصر فيه على السماع، وتتلخص مصادر الثلاثي فيما يأتي، وأكثرها بقرار من المجمع اللغوي.

أ- ما دل على حرفة أو شبهها يكون على وزن "فعالة"؛ كزراعة، وتجارة، وصباغة، وحياكة.

ب- وما يدل على امتناع يكون على وزن "فعال"؛ كإباء، وجماح، وفرار ونفار.

جـ- وما يدل على اضطراب وتقلب يكون على وزن "فعلان"؛ كغليان، وجولان، ودوران، وطيران.

د- وما يدل على داء ومرض يكون على وزن "فعال"؛ كصداع، وزكان، وسعال، ودوار.

هـ- وما يدل على صوت يكون على وزن "فعال"، أو "فعيل" كرحيل، وذميل، ودبيب، ووجيف.

و- وما يدل على صوت يكون على وزن "فعال"، أو "فعيل"؛ كصراخ، وعويل، وزئير.

ز- وما يدل على لون يكون على وزن "فعلة"؛ كحمرة، وخضرة، وشهبة، وإن لم يدل على شيء من ذلك فالغالب:

أ- في "فعل" اللازم أن يكون مصدره على وزن "فعل"؛ كفرح، وعطش.

ب- وفي "فعل" اللازم أن يكون مصدره على وزن "فعول"؛ كقعود، ونهوض.

جـ- وفي المتعدي منهما أن يكون مصدره على وزن "فعل"؛ كفهم، ونصر.

د- وفي "فعل" -ولا يكون إلا لازماً- يكون مصدره على وزن "فعولة"، و"فعالة"؛ كسهولة، ونباهة.

هذا: وقد قرر مجمع اللغة العربية القاهري: أن يصاغ من أي باب من أبواب الثلاثي: مصدر على وزن "فعالة" للدلالة على الحرفة أو شبهها؛ كـ" الدلاكة" لصناعة الدلك، و"الوساطة" لحرفة "القومسيونجية"، وكذلك "الصحافة"، و"الطباعة"؛ إلا إذا كان معتل العين، فالغالب فيه "فعل"؛ كصوم ونوم، أو "فعال"؛ كصيام وقيام، أو "فعالة؛ كنياحة.

* "وما" اسم شرط مبتدأ. "أتى" الجملة فعل الشرط. "مخالفا" حال من فاعل أتى. "لما" متعلق بمخالف. و"ما" اسم موصوف. "مضى" الجملة صلة. "فبابه النقل" مبتدأ وخبر، والفاء واقعة في جواب الشرط، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ، وهو "ما".

ص: 37

باب مصارد غير الثلاثي

لا بد لكل فعل غير ثلاثي

(1)

من مصدرٍ مقيسٍ.

باب: مصادر وغير الثلاثي

(1)

- ويشمل غير الثلاثي ما يأتي:

أ- الرباعي المجرد، وله بناء واحد؛ هو:"فعلل" ويكون لازماً، كحشرج: غرغر عند الموت، ومتعدياً؛ كدحرج. ومنه ما اشتق من أسماء الأعيان، كفلفلت الطعام، وزعفرت الثوب. والمنحوت؛ كبسمل، وحوقل. ويلحق به ثمانية أوزان، أصلها من الثلاثي، فزيد حرف للإلحاق؛ وهي:"فعلل"؛ كجلبب؛ يقال: جلببه: ألبسه الجلباب، و"فوعل"؛ كجورب: ألبسه الجورب. و"فعول"؛ كهرول: أسرع في المشي، و"فيعل"؛ كهيمن؛ هيمن عليه: صار عليه رقيباً. و"فعيل"؛ كشريف؛ يقال: شريف الزرع: قطع شريافه؛ وهو ورقه الطويل. و"فنعل"؛ كسنبل، و"فعنل" كقلنس؛ يقبال: قلنسه: ألبسه القلنسوة. و"فعلى"؛ كسلقى؛ أي استلقى على ظهره.

ب- مزيد الثلاثي بحرف واحد، وله ثلاث أبنية:

أفعل؛ نحو: أحسن وأكرم، والغالب فيه أن يكون للتعدية؛ نحو:{وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} ، و"فعل"؛ كقطع وقدم، ويغلب أن يكون للتكثير؛ نحو:{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُن} ، و"فاعل"؛ كقاتل وخاصم، ويدل على المشاركة كثيرا.

جـ- مزيد الثلاثي بحرفين، وله ابنية خمسة؛ هي:"انفعل"؛ كانكسر وانصرف. و"افتعل"؛ كاجتمع واتصل، و"تفعل"؛ كتقدم وتصدع، و"تفاعل"؛ كتقاتل وتخاصن، ومنه: ادارك واثاقل. و"افعل"؛ كاحمر، ومنه: ارعوى.

د- مزيد الثلاثي بحرفين، وله ابنية أربعة هي:"استفعل"؛ كاستغفر واستقام. و"افعوعل"؛ كاحدودب، واعشوشب، و"افعول"؛ كاجلوذ: أسرع في السير، واعلوط البعير: ركبه بغير خطام. و"افعال"؛ كاحمار، واعوار.

هـ- مزيد الرباعي بحرف واحد، وله بناء واحد؛ هو:"تفعلل"؛ كتدحرج وتبعثر، ويلحق به سبعة أوزان، أصلها من الثلاثي فزيح حرف للإلحاق، ثم زيدت عليها لتاء؛ وهي:"تفعلل"؛ كتجلبب، و"تمفعل"؛ كتمندل: أي تمسح بالمنديل. و"تفوعل"؛ كتجورب. و"تفعول": كتسرول. و"تفيعل"؛ كتسيطر. و"تفعيل"؛ كترهيأ؛ يقال: ترهيأ في الأمر؛

ص: 38

فقياس "فعل" بالتشديد -إن كان صحيح اللام، "التفعيل"؛ كالتسليم، والتكليم؛ والتطهير

(1)

، ومعتلها كذلك، ولكن تحذف ياء التفعيل،. . . . . . . . . . .

اضطرب، أو هم ثم أمسك عنه. و"تفعلي"؛ كتقلسي؛ أي ليس القلنسوة.

و- مزيد الرباعي بحرفين، وله بناءان؛ هما:"افعنلل"؛ كاحرنجم وافرنقع؛ يقال: احرنجم الرجل أراد الأمر، ثم رجع عنه، والقوم: اجتمعوا، وافرنقعوا: تنحوا وانصرفوا. ويلحق به ثلاثة أبنية أصلها من الثلاثي، فزيد حرف للإلحاق، ثم حرفان؛ وهي:"افعنلل"؛ كاقعنس؛ أي تأخر ورجع، و"افعنلى"؛ كاسلنقى: نام على ظهره. و"افتعلى"؛ كاستلقى.

ويلاحظ أن زيادة الإلحاق تكون بتكرير اللام، وهو الكثير، أو بزيادة الواو أو الياء، ثانية وثالثة، أو النون وسطا، أو الألف آخرا.

والإلحاق هو: زيادة في أصول الكلمة؛ لتكون على وزن أخرى أزيد منها في الحروف؛ لتعامل معاملتها في التصريف؛ كالجمع، والتكسير، والنسب، وغير ذلك. وهو يكون في الأفعال، وضابطه فيها: اتحاد المصادر، ويكاد يكون محصورا في الأوزان السالفة، أما في الأسماء؛ فيمكن أن يقال في تحديده، كل كلمة فيها زيادة، غير حرف المد، لا تطرد في إفادة معنى، وتكون موافقة لوزن من أوزان الاسم الرباعي أو الخماسي المجردين، في الحركات والسكنات، تكون ملحقة به. أما حروف المد، فلا تكون للإلحاق إلا طرفا، كما سيأتي في موضعه.

وقد ذكرنا في الزيادة التي للإلحاق أنها لا تطرد في إفادة معنى؛ ليخرج مثل: الميم في "مفعل"؛ فإنها للزمان، أو المكان، أو المصدر، وكذلك الهمزة في "أفعل"؛ فإنها فيه للتفضيل، وكذلك نحو: أكرم، وقاتل، وقدم؛ فذلك ونحوه ليس من الإلحاق في شيء.

هذا: وقد كان الذي يدعو للإلحاق عند العرب دواع، في مقدمتها: ضرورة الشعر، والتمليح، أو التهكم

إلخ. وليس من حقنا اليوم، ولا من حق أحد سواهم، أن يزيد شيئاً للإلحاق؛ فأصبح مقصورا على سمع من ذلك.

(1)

- هي مصادر: سلم، وكلم، وطهر. وفي هذا يقول الناظم:

ص: 39

وتعوض منها التاء

(1)

؛ فيصير وزنه: "تفعلة"؛ كالتوصية، والتسمية، والتزكية

(2)

.

وقياس "أفعل" -إذا كان صحيح العين- "الإفعال"؛ كالإكرام، والإحسان، ومعتلها كذلك، ولكن تنقل حركتها

(3)

إلى الفاء فتقلب ألفا

(4)

، ثم تحذف الألف الثانية

(5)

، وتعوض عنها التاء؛ كأقام إقامة، وأعان إعانة. وقد تحذف التاء

(6)

؛ نحو: {وَإِقَامِ الصَّلاةِ} .

وغير ذي ثلاثة مقيس

مصدره كقدس التقديس*

(1)

- أي الدالة على التأنيث؛ لأنها أقوى على قبول الحركات من حروفة العلة.

(2)

- وقد يأتي صحيح اللام كذلك على قلة؛ نحو: جرب تجربة، وذكر تذكرة.

هذا: وسمع "فعال" مصدرا لـ"فعل" في لغة اليمن، ومنه قوله تعالى:{وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} ، ويقتصر فيه على السماع. ويغلب في مهموز اللام؛ نحو: جزأ تجزئة، وهنأ تهنئة، ولم يجز سيبويه هذا إلا ما سمع.

(3)

- أي حركة العين.

(4)

- أي تقلب العين ألفا؛ لتحركها بحسب الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن.

(5)

- وهي ألف المصدر؛ لالتقائها ساكنة مع الألف المنقلبة عن العين، ولقربها من الطرف الذي هو محل التغيير. وهذا هو الصحيح، وهو مذهب سيبويه، وعليه فوزن إقامة "إفعلة". ويرى الأخفش والفقراء: أن المحذوف هو الألف الأولى، وهي عين الكلمة؛ لأن الأصل: أنه إذا التقى ساكنان، والأول حرف مد، حذف الأول؛ فوزنها عندهما "إفالة".

(6)

- أي للإضافة؛ كمثال المصنف، أو مطلقاً؛ فقد حكى الأخفش: أجاب إجابا. ويرى الفراء أن التعويض لازم، إلا إذا أضيفت الكلمة؛ فيجوز ترك التاء لقيام المضاف إليه مقامها.

وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:

وزكه تزكية وأجملا

إجمال من تجملا تجملا

* "وغير" مبتدأ أول. "ذي ثلاثة" مضاف إليه. "مقيس" بمعنى قياس، مبتدأ ثان. "مصدره" مضاف إليه. "كقدس" خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول. "التقديس" نائب فاعل قدس، وجيوز جعل "كقدس" متعلق بمحذوف حالا من هاء "مصدره، والتقديس هو خبر "مقيس".

ص: 40

وقياس ما أوله همزة وصل

(1)

؛ أن تكسر ثالثة، وتزيد قبل آخره ألفاً، فينقلب مصدراً؛ نحو: اقتدار اقتداراً، واصطفى اصطفاءً، وانطلق انطلاقاً واستخرج استخراجاً، فإن كان "استفعل" معتل العين، عمل فيه ما عمل في مصدر "أفعل" المعتل العين

(2)

؛ فتقول: استقام استقامة، واستعاذ اتسعاذة.

وقياس "تفعلل" وما كان على وزنه

(3)

،

أن يضم رابعه، فيصير مصدراً؛ كتدحرج

واستعذ استعاذة ثم أقم

إقامة وغالبًا ذا التا لزم*

يقول: إن "فعل" معتل اللام مصدره "تفعلة"؛ نحو: زكى تزكية. و"أفعل" صحيح العين، مصدره "إفعال"؛ نحو: أجمل إجمالا. أما "تفعل" فمصدره "التفعل"؛ نحو: التجمل. ثم بين أن السداسي المعتل العين، والرباعي كذلك، تحذف عينهما وتعوض عنها التاء غالباً، ومثل للسداسي باستعاذ، وللرباعي بأقام.

(1)

- هو: ماضي الخماسي على وزن "افتعل"؛ نحو: انشرح واجتمع. وماضي السداسي على وزن "استفعل" غير معتل العين؛ نحو: استغفر، واحلولى. ويشترط أن تكون الهمزة أصلية؛ فيخرج ما أصله: تفاعل، أو تفعل؛ كاطاير، وتطير؛ فلا تكسر ثالث مصدره، ولا تزاد قبل آخر ألف، بل يضم ما قبل الآخر نظرًا للأصل كما سيأتي.

(2)

- أي: من نقل حركة العين إلى الفاء، وقلب العين ألفا، ثم حذفها للساكنين، وتعويض تاء للتأنيث عنها. وهنا يأتي الخلاف السابق في المحذوف من مصدر "أفعل"، وفي تعويض التاء؛ فوزن استقامة عند سيبويه، "استفعلة"، وعند الأخفش "استفالة"، وجاء بالتصحيح نحو: استحوذ استحواذًا، وأغيمت إغياماً.

(3)

- أي في الحركات والسكنات، وعدد الأحرف. وبدئ بتاء زائدة، وإن لم يكن من بابه، كما مثل المصنف.

* "تزكية" مفعول مطلق لزكه. "وأجملا" فعل أمر، والألف منقبلة عن نون التوكيد الخفيفة، "إجمال" مفعول مطلق. "من" اسم موصول مضاف إليه. "تجملا" مصدر مقدم لتجملا الواقع صلة لمن. و"غالبا" حال مقدم من الضمير في لزم. "ذا" اسم إشارة مبتدأ، وهو إشارة إلى المصدر المحذوف منه الحرف. "التاء" -بالقصر- مفعول لزم الواقع خبرا لذا.

ص: 41

تدحرجا، وتجمل تجملا، وتشيطن تشيطناً، وتمسكن تمسكناً. ويجب إبدال الضمة إن كانت اللام باء؛ نحو: التواني، والتداني

(1)

.

وقياس "فعلل" وما ألحق به "فعللة"؛ كدحرج دحرجة، وزلزل زلزلة، وبيطر بيطرة، وحوقل حوقلة

(2)

، و"فعلال"، بالكسر،. . . . . . . . . . .

(1)

- أصلهما بضم ما قبل الياء؛ فقلبت الضمة كسرة لتسلم الياء من قبلها واوا؛ لأن ذلك يؤدي إلى وجود ما لا نظير له في كلام العرب؛ وهو: وجنود واو مضموم ما قبلها، في آخر الاسم المعرب.

هذا: وإذا كان الفعل على وزن "تفاعل"، وكانت فاؤه دالا أوثاء؛ نحو: تدارك وتثاقل، جاز إدغام التاء فيما بعدها، والإتيان بهمزة وصل؛ لسكون الأول بالإدغام؛ تقول: ادارك، واثاقل، ويكون المصدر: اداركاً، واثاقلا. ومثل ذلك ما كانت فاؤه صادا أو طاء، أوشينا، نحو: اصابر، واطهر، واشاجروا وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وما يلي الآخر مد وافتحا

مع كسر تلو الثان مما افتتحا

بهمزة وصل كاصطفى وضم ما

يربع في أمثال قد تلملما*

أي ما يليه الآخر؛ أي يقع بعده الحرف الأخير، مده وافتحه، واكسر الحرف الذي يتلو الثاني، من فعل خماسي أو سداسي مبدوء بهمزة وصل، ينشأن منه المصدر القياسي، كاصطفى، واستهوى. أما الخماسي الذي على وزن "تفعلل" فيكون مصدره بضم ما يربع فعله، أي ما يكون رابعا فيه؛ نحو تلملم؛ فإن مصدره "تلملم" بضع الرابع.

(2)

- ذكره من الملحق ما كان على وزن "فعلل"؛ و"فيعل"، و"فوعل"، والباقي سبق بيانه قريباً. ومعنى بيطر: عالج الدواب، وهي ما ليس بإنسان من الحيوان وحوقل: ضعف عن الجماع للكبر.

* "وما" اسم موصول مفعول مقدم لمد، "الآخر" فاعل يلي، ومفعوله محذوف؛ أي ما يليه الآخر، والجملة صلة. "وافتحا" فعل أمر مؤكد بالنون الحقيقة المنقلبة ألفا. "مع كسر" مع ظرف متعلق بمد، وكسر مضاف إليه، "مما" متعلق بمحذوف حال من تلو، وما اسم موصول. "افتتحا" فعل ماض للمجهول والجملة صلة "ما" المجرورة محلا بمن "بهمز وصل" متعلق بافتح ومضاف إليه. "كاصطفى" خبر لمبتدأ محذوف. "ما" اسم موصول مفعول ضم "يربع" الجملة صلة ما؛ وهو من ربعت القوم: صرت رابعهم .. "في أمثال" متعلق بضم. "قد تلملما" مضاف إليه قصد لفظه.

ص: 42

إن كان مضاعفًا

(1)

؛ كزلزال، ووسواس. وهو

(2)

في غير المضاعف سماعي؛ كسرهف سرهافاً

(3)

، ويجوز فتح أول المضاعف، والأكثر أن يعني بالمفتوح اسم الفاعل

(4)

؛ نحو: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاس} ؛ أي الموسوس

(5)

.

وقياس "فاعل"

(6)

؛ كضارب وخاصم وقاتل، "الفعال"، و"المفاعلة"، ويمتنع "الفعال" فيما فاؤه ياء

(7)

؛ نحو: ياسر، ويامن، وشذ: ياومه يواماً

(8)

، وما خرج عما ذكرناه،

(1)

- المضاعف من الرباعي هو: ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثانية من جنس آخر.

(2)

- أي وزن "فعلان".

(3)

- يقال: سرهفت الصبي، أحسنت غذاءه.

(4)

- أي: معنى اسم الفاعل، لا المصدر.

وفي مصدر" فعلل" الرباعي يقول الناظم:

فعلال أو فعللة لفعللا

واجعل مقيساً ثانياً لا أولا*

أي: إن "فعللة" هي المصدر القياسي للرباعي "فعلل". وقد يجيء مصدره على "فعلال" قليلا، وقد أوضح المصنف القول فيه.

(5)

- ولهذا وصف بالخناس وما بعده، وهما من صفات الذوات. قيل: وليس في اللغة "فعلال" -بالفتح- إلا في المضاعف، والأصل فيه الكسر، كما أنه ليس فيها "تفعال" -بالكسر- مصدرا؛ إلا "تلقاء"، و"تبيان"، وما عداهما بالفتح. وورد من غير المصدر بضعة عشر اسما على وزن "تفعال"؛ منها: تعشار، وترباع، وتبراك؛ أسماء مواضع؛ وتمساح؛ للحيوان المعروف. وتمثال، وتلعاب لكثير اللعلب، وتلقام لسريع اللقم.

(6)

- أي غير معتل الفاء بالياء، سواء دل على المشاركة كما مثل المصنف، أو لا؛ نحو: نادى نداء، ومناداة.

(7)

- وذلك لثقل الابتداء بالياء المكسورة.

(8)

- المياومة: المعاملة بالأيام؛ كالمشاهرة بالشهور.

* "فعلال"مبتدأ. "أو فعللة" معطوف عليه. "لفعللا" متعلق بمحذوف، خبر. "مقيسا" مفعول ثان مقدم لاجعل. "ثانياً" مفعول أول. "لا" عاطفة. "أولا" معطوف على ثانيا.

ص: 43

فشاذ

(1)

؛ كقولهم: كذب كذاب، وقوله:

باتت تنزي دلوها تنزيا

(2)

(1)

- فيكون مقصورا على السماع ولا يقاس عليه. وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:

لفاعل "الفعال" و"المفاعله"

وغير ما مر السماع عادله

أي: إن مصدر "فاعل" هو: الفعال، والمفاعلة، وما جاء مخالفا للمقيس من المصادر السالفة كلها، فمقصور على السماع لا يقاس عليه، ومعنى عادلة*: ساواه.

(2)

- صدر بيت من الرجز، استشهد به كثير من النحاة، ولم ينسبوه لقائل، وعجزه:

كما تنزي شهلة صبيا

اللغة والإعراب: تنزي: تحرك. شهلة: عجوز، أو هي النصف التي بين الشابة والعجوز. "تنزي" الجملة في محل نصب خبر "بات" إذا جعلت ناقصة، وحال من الضمير المستتر فيها إن جعلت تامة، واسمها أو فاعلها يعود على المرأة المعلومة من قبل. "دلوها" دلو مفعول لتنزي، والهاء مضاف إليه. "تنزيا" مفعول مطلق لتنزي أيضا. "كما" الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" مصدرية، وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لتنزيا؛ أي تنزي دلوها تنزيا مماثلا لتنزية شهلة صبيا. "شهلة" فاعل تنزي. "صبيا" مفعول به لتنزي.

المعنى: أن هذه المرأة، باتت تحرك دلوها بيديها حين تخرجه من البئر، برفق ولين، كما تحرك العجوز الصبي حين ترقصه، برفق ولين كذلك.

الشاهد: في "تنزيا"؛ حيث جاء مصدر للفعل "تنزي" المعتل اللام، والقياس "تنزيه"؛ كتوصية، وتزكية، وتعمية؛ لأن "التفعيل" مصدر "فعل" الصحيح اللام. وقد لخص بعض العلماء الحديثين مصادر الرباعي فيما يأتي؛ فقال:

أ- ما كان على وزن "أفعل" فمصدره "إفعال"؛ كأكرام إكراما.

ب- وما كان على وةزن "فعل" فمصدره "تفعيل"؛ كقدم تقديما.

جـ- وما كان على وزن "فاعل" فمصدره على "فعال" أو "مفاعلة" كقاتل قتالا ومقاتلة.

* "لفاعل" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "الفعال" مبتدأ مؤخر. "والمفاعلة" معطوف على الفعال .. و"غير" مبتدأ. "ما" اسم موصوف مضاف إليه. "مر" الجملة صلة. "السماع" مبتدأ ثان. "عادلة" الجملة خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني وخبره خبر الأول.

ص: 44

وقولهم: تحمل تحمالا، وترامى القوم رميا، وحوقل حيقالا، واقشعر قشعريرة، والقياسِ: تكذيباً، وتنزيه وتحملا، وتراميا، وحوقلة، واقشعراراً.

فصل:

ويدل على المرأة

(1)

من مصدر الفعل الثلاثي بـ"فعله"

(2)

بالفتح؛ كجلس

د- وما كان على وزن "فعلل" فمصدره "فعللة"؛ كدحرج دحرجة، وعلى وزن "فعلال" إن كان مضاعفاً، كوسوس وسوسة، ووسواسا.

أما الخامسي والسداسي؛ فالمصدر منهما يكون على وزن الماضي مع كسر ثالثة، وزيادة ألف قبل الآخر، إن كان مبدوءًا بهمزة وصل؛ كانطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا، ومع ضم ما قبل آخره فقط، إن كان مبدوءًا بتاء زائدة؛ كتقدم تقما، وتدحرج تدحرجا. وإذا كانت عين الفعل ألفا، تحذف منه ألف الإفعال، والاستفعال، ويعوض عنها التاء في الآخر؛ كأقامة إقامة، واستقام استقامة. وإذا كانت لامه ألفاً؛ ففي "فعل" تحذف ياء التفعيل، ويعوض عنها تاء أيضًا؛ كزكى تزكية، وفي "تفعل" تقلب الألف ياء ويكسر ما قبلها؛ كتأنى تأنيا، وتغاضى تغاضيا.

وفي غير ذلك تقلب همزةً إن سبقتها ألف؛ كألقى إلقاءً، ووالى ولاء، واقتدى اقتداء؛ وارعوى ارعواءً، واستولى استيلاءً.

(1)

- أي على حصلو الشيء مرة واحدة.

(2)

- أي: إنه إذا أريد الدلالة على المرة الواحدة من مصدر الفعل الثلاثي -علاوة على معناه- أتي بمصدره مهما كانت صيغته، وجعل على وزن "فعل"، وزيدت عليه تاء التأنيث فيصير "فعلة". وشذ ما حكاه سيبويه من قولهم: أتيته إتيانة، ولقيته لقاءة؛ والقياس: أتية، ولقية، قال المتنبي:

لقيت بدرب القلة الفجر لقية

شفت كبدي والليل فيه فتيل

ودرب القلة موضع وراء الفرات. ويشترط أن يكون هذا الفعل الثلاثي الذ ي تصاغ من مصدره المرة: تاما، منصرفا؛ فلا يصاغ من نحو: كاد وعسى. وأن يكون المصدر لأفعال صادرة عن الجوارح المدركة بالحس؛ كالضرب، والمشي، والجلوس، والقيام

إلخ؛ نحو: ربة، وقعدة وقومة، لا عن الأفعال الباطنة؛ كالعلم، والفهم، والجهل، والجبن، والبخل؛ فلا يقال: علمته علمه، ولا فهمته فهمة، وألا يدل على صفة ثابتة ملازمة؛ فلا يصاغ مثل: حسن، وجبن، وظرف، وقبح.

ص: 45

جلسة، ولبس لبسة، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها

(1)

، فيدل على المرة منه بالوصف

(2)

؛ كرحم رحمة واحدة. ويدل على الهيئة

(3)

بـ"فعلة" بالكسرة؛ كالجلسة، والركبة، والقتلة

(4)

، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها، فيدل على الهيئة بالصفة ونحوها

(5)

، كنشد الضالة نشدة عظيمة. والمرة من غير الثلاثي، بزيادة التاء على مصدره القياسي

(6)

؛ كانطلاقه واستخراجه، فإن كان بناء المصدر العام على التاء، دل على المرة منه بالوصف

(7)

كإقامة واحدة، واستقامة واحدة.

ولا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة

(8)

إلا ما شذ من قولهم:. . . . . . . . . . .

(1)

- أي على وزن "فعلة" بالفتح. أما نحو: كدرة بالضم، ونشدة بالكسر، فيفتحان للمرة، ويكسران للهيئة، ولا يؤتى بالوصف معهما.

(2)

- أي بلفظ: "واحدة" أو ما يشابهها، أو بقرينة تدل على الوحدة؛ نحو: أهلك الله ثمود بصيحة. ويتبين من هذا: أن للفعل الثلاثي الصالح للمرة مصدرين: أحدهما مشهور على النحو السالف، والثاني للدلالة على المرة، وهذا لا يعمل.

(3)

- أي هيئة الحدث، وكيفيته عند وقوعه.

(4)

- يعمل هنا ما سبق إيضاحه في "فعلة".

(5)

- أي بالصفة التي تدل على ما يراد من الهيئة؛ من حسن، أو قبح، أو زيادة، أو نقص، أو غير ذلك من الأوصاف، ومثل الصفة: نحو: نشدة الملهوف. وفي صياغة المرة والهيئة من الثلاثي، يقول الناظم:

و"فعلة" لمرة كجلسه

و"فعلة" لهيئة كجلسه*

(6)

- أي: بدون زيادة أو نقص، أو أي تغيير.

(7)

- أو بقيام قرينة تدل عليها.

(8)

- لأن بناء مصدر الهيئة منه يهدم بنية الكلمة؛ ذلك لأنه يستتبع حذف ما قصد إثباته فيها لغرض من الإغراض، فاجتنب ذلك، واكتفي بالمصدر الأصلي مع وصفه عندما تدعو.

* "فعلة" مبتدأ. "لمرة" جار ومجرور، خبر. "كجلسة" متعلق بمحذوف، خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك كجلسة وإعراب الشطر الثاني كذلك.

ص: 46

اختمرت خمرة

(1)

، وانتقبت نقبة

(2)

، وتعمم عمة، وتقمص قمصة

(3)

.

الحال لذلك.

(1)

- أي غطت رأسها بالخمار؛ وهو المعروف "بالطرحة".

(2)

- أي سترت وجهها بالنقاب؛ وهو المعروف "بالبرقع".

(3)

- أي غطى جسمه بالقميص. وفيما تقدم يقول ابن مالك.

في غير ذي الثلاث بالتا المرة

وشذ فيه هيئة كالخمرة*

أي تكون الدلالة على المرة من مصدر غير الثلاثي بزيادة التاء في آخره، أما الهيئة؛ فلا تجيء منه مبشارة، وشذ مجيئها منه؛ كالخمرة؛ من اختمر.

تتمة:

أ- المصدر الميمي: هو مصدر مبدوء بميم زائدة لغير المفاعلة، مصوغ من المصدر الأصلي للفعل، يعمل عمله ويفيد معناه، مع قوة الدلالة وتأكيدها.

واحترز بغير المفاعلة من نحن: مشاركة، ومعاونة، ومقارنة؛ فلا تسمى "مصادر ميمية"، وهو يصاغ من مصدر الفعل الثلاثي مطلقا، غير المضعف 1 مهما كانت صيغته، على وزن"مفعل" بفتح العين؛ نحو: ملعب، ومسقط، ومصعد، إلا في حالة واحدة؛ فإنه يكون فيها على وزن "مفعل" بكسر العين؛ وهي:

أن يكون الثلاثي معتل الفاء 2 بالواو، صحيح الآخر، تحذف فاؤه في المضارع عند كسر عينه؛ نحو: موصل، موعد، موضع، موثق، مورد؛ فإن كان صحيح الفاء، أو معتلها بالياء، أو معتل الفاء واللام، أو غير مكسور العين في المضارع؛ كوجل، فصيغته "مفعل" بالفتح،

* "في غير" متعلق بمحذوف، حال من ضمير الخبر بعد. "ذي" بمعنى صاحب، مضاف إليه. "الثلاث مضاف إليه. "التاء" -بالقصر للضرورة- خبر مقدم. "المره" مبتدأ مؤخر. "فيه" متعلق بشذ والضمير لغير ذي الثلاث، "هيئة" فاعل شذ، و"كالخمره" خبر لمبتدأ محذوف.

أ- مضعف الثلاثي هو: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد؛ نحو: مد، فر، عد.

ب- المعتل الفاء يسمى: "مثالا"، والمعتل اللام يسمى:"ناقصا"، والمعتل العين يسمى "أجوف"، والمعتل الفاء واللام يسمى:"لفيفا مفروقا"؛ مثل: وعي، وني، والمعتل العين واللام يسمى:"لفيفا مقرونا"؛ مثل: عوي، جوي، والذي أحد حروفه همزة يسمى: مهموزا.

ص: 47

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وشذ: المرجع، المصير، المعرفة، المغفرة، المجيء، المسير، المشيب، المعصية، المعيشة، المعذرة، المقدرة. وقد رود فيها الفتح على القياس.

ويصاغ من غير الثلاثي على وزن اسم المفعول وزن المضارع، مع إبدال أوله ميماً مضمومة، وفتح ما قبل الآخر إن لم يكن مفتوحا؛ نحو: معرف، متعاون، مكرم، من عرف، وتعاون، وإكرام.

هذا: والمصدر الميمي يلازم الإفراد، ولا تلحقه تاء التأنيث إلا سماعا؛ نحو: المحبة، والمودة، والمسرة، والموعظة. وقد ترد صيغة "مفعلة" لبيان سبب الفعل؛ ومن ذلك قوله- عليه السلام:"الولد مبخلة مجبنة محزنة"، وذلك مقصور على السماع. كما ترد هذه الصيغة للدلالة على مكان كثرة مسماها؛ نحو: مأسدة، ومسبعة، ومفعاة؛ أي مكان تكثر فيه: الأسود، والسباع، والأفاعي، وقد أجاز المجمع اللغوي أن تصاغ "مفعلة" قياسا من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول، للمكان الذي تكثر فيه هذه الأعيان، سواء أكانت من الحيوان، أم من النبات، أم من الجماد.

ب- أسماء الزمان والمكان: هما اسمان مصوغان من المصدر الأصلي للفعل؛ للدلالة على زمان الفعل أو مكانه، زيادة على المعنى المجرد الذي يدل عليه ذلك المصدر. وهما يصاغان من الثلاثي على وزن "مفعل" بفتح العين، إن كان معتل اللام مطلقا، أو صحيحها، ولم تكسر عين مضارعه؛ كمرمى، ومسعى، ومدعى، ومنظر، ومدخل، ومقام، ومخاف.

وعلى وزن "مفعل"، بكسر العين، إن كان مثالا واويا صحيح اللام مطلقا، أو كانت عين مضارعه مكسورة؛ نحو: موعد، وميسر، ومجلس، ومبيع. وشذ من الأول: المنسك: الموضع الذي تذبح فيه النسائك، وهي الذبائح، والمطلع، والمشرق، والمغرب، والمفرق، والمرفق، والمنبت، والمسقط، والمسكن: موضع السكن، والمسجد، والمخزن. وسمع الفتح في بعضهما على القياس. وشذ من الثاني: موكل: موضع حصن، وموظف: موضع قرب مكة، وموزن: اسم موضع، وقيل: لا شذوذ في ذلك كله؛ لأنها أسماء لأمكنة وأزمنة مخصوصة معينة. ولم يذهب بها النحاة مذهب الفعل، ويصاغان من غير الثلاثي على زنة اسم المفعول؛ كمكرم، ومستخرج، ومستعان به؛ من أكرم، واستخرج، واستعان. قيل:

ص: 48

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وشذ من ذلك: مأوى ومصبح؛ على أنهما من آويت، واصبحت. واسما الزمان والمكان مشتقان، ولكنهما لا يعملان عمل الفعل. وتعيين المراد من الزمان أو المكان خاضع للقرئن.

ويتبين مما تقدم: أن صيغة الزمان والمكان والمصدر الميمي واحدة في غير الثلاثي، وكذلك في الثلاثي إلا فيما يأتي:

1 -

في المثال الصحيح اللام الذي لا تحذف فاؤه في المضارع.

2 -

وفي السلم المكسور العين في المضارع؛ فإن المصدر الميمي فيهما على وزن "مفعل" بفتح العين؛ كموجل، ومينع، ومنزل. واسم الزمان والمكان على وزن "مفعل" فيهما وعند الاتفاق في الصيغة يكون التمييز بينها بالقرائن.

جـ- المصدر الصناعي، أي المصنوع: هو كل لفظ جامد أو مشتق، أمس أو غيره، زيد في آخره ياء مشددة بعدها تاء تأنيث مربوطة، تسمى: تاء الفعل، تمحض اللفظ للمعنى المصدري؛ ليدل على معنى هو: مجموعة الصفات والخصائص والأحوال الخاصة بذلك اللفظ الذي لحقته الياء والتاء؛ مثل: الحرية، والإنسانية، والوطنية، والتقدمية، والوحشية، والكيفية، والفروسية، واللصوصية، والرجولية

إلخ.

وهو قياسي في هذا، وليست له صيغ أخرى، والحاجة إليه ماسة، وبخاصة في علم الكيمياء، وغيره من العلوم الطبيعية، وهو من المولد المقيس على كلام العرب، ولتوضيح الغرض من المصدر الصناعي نقول:

إن اسم الجنس سواء أكان مصدرًا أم اسم عين، يدل على حقيقة الشيء الذي وضع له، ولا يدل على خصائصه وصفاته التي يمكن أن تقوم به؛ فلفظ "إنسان يدل على الحيوان الناطق لا غير، ولا يدل على خصائص هذا اللفظ؛ ككون الإنسان كريم النفس، مأمون الجانب، يألف ويؤلف

إلخ. ولفظ "وطن" يدل على الموضع الذي يقيم به الإنسان، ولا يدل على غير ذلك من المعاني التي قد تتعلق بهذا الوطن، ككونه محبوبا، تتعلق به النفوس، وتفديه بالأرواح، وتعمل لخيرة، وهكذا .... إلخ.

فإذا أريد به الدلالة على هذه الأحوال والخصائص؛ قيل: إنسانية، ووطنية؛ لأن صيغة النسب تربط بين المنسوب، والمنسوب إليه؛ فكأنما قيل: صفات وخصائص تنسب إلى

ص: 49

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإنسان والوطن، وزيدت تاء النقل من الوصفية للاسمية؛ ليتمحض اللفظ للمعنى المصدري.

وقد قرره المجمع اللغوي؛ فقال ما نصه:

"إذا أريد صنع مصدر من كلمة، يزاد عليها ياء النسب والتاء".

د- اسم الآلة: اسم مصوغ من الفعل للدلالة على الأداة التي تعين الفاعل في عمل ما يفعل. وهو يصاغ قياسا من الفعل الثلاثي المتعدي غالبا، وجاء قليل من اللازم؛ كمصفاة ومطهرة، ومن الثلاثي المزيد فيه؛ كمصباح، ومسرجة، من استصبح، واسرج.

وينقسم قسمين: مشتق، وجامد، فللمشتق أوزان ثلاثة وهي: "مفعال؛ كمفتاح، ومنشار، ومقراض.

و"مفعل"؛ كمبرد، ومقص ومخلب، ومخيط، ومنجل.

و"مفعلة"؛ كمكنسة، ومسبحة ومسطرة، ومبراة.

أما الجامد فليس له وزن مخصوص؛ وإنما يأتيس على أوزان شتى، لا يحدها ضابط؛ مثل الفأس، والقدوم، والسكين، والمخدة، والملحقة

إلخ.

أما نحو: المدهن، والمنخل، والمسمط، والمكحلة، والمدق، مما جاء على وزن مفعل -بضم الميم والعين- فالصحيح: أنها أسماء أوعية مخصوص، وليست أسماء آلة جارية على فعلها، ويوصي المجمع اللغوي باتباع صيغ المسموع من أسماء الآلات؛ فإذا لم يسمع وزن منها لفعل، جاز أن يصاغ من أي وزن من الأوزان الثلاثة المتقدمة.

هذا: ولم يرد في القرآن الكريم من صيغ اسم الآلة غير ست كلمات؛ هي: مصباح، مفتاح، ميثاق، ميقات، مكيال، ووردت كلمات أخرى قليلة على غير هذا الصيغ؛ مثل حجاب: خياط، سقاية. وقد قرر المجمع اللغوي صحة استعمال "فعال" لاسم الآلة، وأضاف هذه الصيغة إلى الصيغ الثلاث المتقدمة:"مفعال، مفعل، مفعلة". ومعروف أن صيغة"فعال" من صيغ المبالغة، وتستعمل أيضاً بمعنى النسب، أو صاحب الحديث، وعلى الأخص الحرف؛ فقالوا: نجار، خباز، نشا، كما سيأتي بيان ذلك في باب النسب والعرب يسندون الفعل إلى ما يلابس الفاعل؛ زمانه، أو مكانه، أو آلته، فيقولون: نهر جار، ويوم صائم، وليل ساهر، وعيشة راضية، وقد ورد اسم الآلة على وزن "فعال"؛ مثل

ص: 50

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

: سراد، وإراث، والسراد: المثقب "آلة الخرز"، والإراث: ما أعد للنار من حراقة وغيرها، ولكنه غير مطرد. "انظر مجلة المجمع اللغوي الجزء العاشر".

فوائد:

1 -

من الشاذ المسموع عند العرب مجيء المصدر الدال على المرة على وزن "فعلة"؛ مثل قولهم: "حج فلان حجة" بكسر الحاء، و"رأى الشيء رئية" بكسر الراء.

2 -

ذكر صاحب المصباح: أن الفعل الثلاثي إن كان من ذوات التضعيف، كان مصدره الميمي بالفتح والكسر معا؛ نحو: فر مفرا ومفرا.

3 -

المصدر الميمي، بجميع صيغة وأوزانه، يعرب على حسب الجملة؛ فيكون فاعلا، ومفعولا به، ومضافا إليه، ومبتدأ أو خبرا

إلخ. وهنالك ألفاظ مسموعة بالنصب في أكثر الأحوال باعتبارها مفعولا لفعل محذوف؛ نحو: أفعل وكرامة ومسرة، ومرحباً بك.

ص: 51

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 -

ما المصدر القياسي لكل من "فعل" المتعدي، و"فعل" اللازم؟ وضح ما تقول بالأمثلة.

2 -

اذكر المصادر الغالبة للفعل الثلاثي الذي يدل على: حرفة، أو مرض، أو صوت، ووضح بأمثلة من محفوظك.

3 -

فيم ينقاس كل من: "فعال"، و"فعلة"، و"فعل"، و"فعولة"؟

4 -

اذكر المصدر القياسي لـ"أفعل" صحيح العين ومعتلها، وبين ما يحدث من التغيير في المعتل، موضحا ذلك بالأمثلة.

5 -

بين الحالة التي يفترق فيها المصدر الميمي عن اسمي الزمان والمكان، ومثل لما تقول.

6 -

يستشهد بما يأتي في هذا الباب، بين موضع الاستشهاد:

قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} .

{وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة} .

{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} .

{وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} .

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} .

{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُم} .

{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .

قال عليه الصلاة والسلام: "وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة". رجع القهقهرى، وقعد القرفصاء، واطمأن طمأنينة.

لا يمنعنك من بغا

ء الخير تعقاد التمائم

إن الأشائم كالأيا

من والأيامن كالأشائم

متى وعدتك في ترك الهوى عدة

فاشهد على عدتي بالزور والكذب

لا تنم واغتنم مسرة يوم

إن تحت التراب يوماً طويلا

7 -

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي، مخاطباً رجال الصحافة والوطنية:

حمدنا بلاء كمو في النضال

وأمس حمدنا بلاء السلف

ص: 52

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومن نسي الفضل للسابقين

فما عرف الفضل فيما عرف

بين في هذين البيتين: المصادر، وأفعالها، وأعرب ما تحته خط فيهما، ثم اشرحهما شرحًا شرحًا أدبياً.

8 -

ايت بثلاث جمل، في كل منها لفظ يصلح أن يكون مصدرا ميميًا، واسمي زمان ومكان.

9 -

بين فيما يأتي: المصادر الشاذة والقياسية، وسبب ما تقول.

ركوب، عظم رحيل، ذهاب، ملاحة، شراب، طواف، دعوى، صرير، غفران، فصاحة، توحيد، زكان، طوفان، مدينة، رطوبة، سمو، سباب، شرود، تنبيه، إشارة، استشارة، ضجيج ثوران.

10 -

عرف كلًا من المصدر الصناعي، والمصدر الميمي، وائت بثلاثة أمثلة في جمل مفيدة لكل، وبين حكمها في العمل.

11 -

بين فيما يأتي المصادر، وأسماء الزمان والمكان، والمرة والهيئة، واذكر فعل كل:

قال علي -كرم الله وجهه-: ليس لواضع المعروف في غير حقه، وعند غير أهله، من الحظ إلا محمدة اللئام، وثناء الأشرار، ومقالة الجهال. إذا ثارت في رأسك عزة أخرجتك عن جادة الصواب، وبدرت منك بادرة إساءة لأحد، فأسرع إلى ترضيته ترضية كريمة؛ لتنعم بالسكينة والطمأنينة، وأحسن الإصغاء للناصحين المخلصين؛ فذلك خير مستقرا وأحسن مقاما، ومن قصر في إصلاح نفسه، قعد به تقصيره عن بلوغ الغاية، واعلم أن لكل جواد كبوة، ولك صارم نبوة، والله المستعان على إنجاح مسعانا.

12 -

ما الذي تتفق فيه صيغتا المصدر الميمي مع صيغتي الزمان والمكان من الثلاثي، وما الذي تختلفان فيه؟ مثل لما تقول.

13 -

أعرب البيت الأول مما يأتي، وبين ما فيهما من شاهد، وهما للمرحوم الشاعر الكبير محمود سامي البارودي في شكوى الزمان:

كلما رمت نهضة أقعدتني

ونية لا تقلها أعصابي

لم تدع صولة الحوادث مني

غير أشلاء همة في ثيابي

ص: 53

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

14 -

اذكر مصادر الأفعال الآتية، ثم صغ منها اسمي الزمان والمكان والمصدر الميمي، واسمي

المرة والهيئة والشكل

نموذج

الفعل

المصدر

اسم الزمان والمكان

المصدر الميمي

اسم المرة

اسم الهيئة

نام

نومًا

مَنَامٌ

مَنَامٌ

نَوْمَةٌ

نيمةٌ

نزل

نُزُولًا

مَنْزِلٌ

مَنْزَلٌ

نَزْلَةٌ

نِزْلَةٌ

دار

دَوَرَانًا

مَدَارٌ

مَدَارٌ

دَوْرَةٌ

دِيرَةٌ

وزن

وَزْنًا

مَوْزِنٌ

مَوْزِنٌ

وَزْنَةٌ

وِزْنَةٌ

انحدر

انْحدَارًا

مُنْحَدَرٌ

مُنْحَدَرٌ

انْحِدَارَةٌ

-

باع

بَيْعًا

مَبِيعٌ

مَبَاعٌ

بَيْعَةٌ

بِيعَةٌ

صاد

صَيْدًا

مَصِيدٌ

مَصَادٌ

صَيْدَهٌ

صِيدَةٌ

عضَّ

عَضًّا

مَعَضٌّ

مَعَضٌّ

عَضَّةٌ

عِضَّةٌ

استكان

اسْتِكَانَةً

مُسْتَكَانٌ

مُسْتَكَانٌ

اسْتَكَانَةٌ واحِدةٌ

-

نهى

نَهْيًا

مَنْهًى

مَنْهِي

نَهْيَةٌ

نِهْيَةٌ

أنعم

إنْعَامًا

مَنْعَمٌ

مَنْعَمٌ

نَعْمَةٌ

نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ

15 -

صغ ما مضى في النموذج من الأفعال الآتية:

مر، ذاق راعى، وفى التأم ولي تأنى رجا، جرى، أوعد، ترقي، عاش، شان، اختار

تحمل، ابتكر، نعي، آتي، أزرى، انتهى.

ص: 54

‌باب: أبنية أسماء الفاعلين

(1)

والصفات المشبهات بها

يأتي وصف الفاعل من الفعل الثلاثي المجرد

(2)

، على "فاعل"

(3)

، بكثرة في "فعل"، بالفتح، معتدياً كان؛ كضربه وقتله، أو لازماً؛ كذهب، وغذاء، بالغين والذال المعجمين، بمعنى سال

(4)

. وفي "فعل" بالكسر؛ متعدياً؛ كأمنه، وشربه، وركبه، ويقل في القاصر؛ كسلم. وفي "فعل" بالضم؛ كـ"فره"

(5)

.

وإنما قياس الوصف من "فعل" اللازم

(6)

: فعل في الأعراض

(7)

؛ كفرح وأشر.

باب: أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهات بها

(1)

- اسم الفاعل هو: ما صيغ ليدل على من قام به أصل الحديث، أو وقع منه على أصل الحدث، وكذلك اسم المفعول، واسم التفضيل، وأسماء الزمان والمكان، وبقوله: على جهة الحدوث، تخرج الصفة المشبهة؛ لأنها تدل على الثبوت.

(2)

- بشرط أن يكون متصرفا، سواء كان متعديا أو لازما.

(3)

- وإن كانت عين الماضي ألفا؛ كقال وباع، قلبت همزة؛ تقول: قائل، بائع. وإن كان ماضيه ناقصا، كدعى، ورمى، وسعى، تحذف لأمه في حالتي الرفع والجز؛ تقول: هذا داعٍ، ورام، وساع.

(4)

- تقول: غذا الماء، إذا سال، وغذا العرق، إذا سال دمه، ويستعمل متعديا بمعنى ربي؛ تقول: غذوت الصبي باللبن الطبيعي، أي ربيته به، واسم الفاعل في الحالتين:"غاذ" على وزن "فاعل".

(5)

- الفاره من الناس: الحاذق بالشيء، والمليح الحسن، ومن الدواب: الجيد السير؛ يقال: رجل فاره، أي حاذق، وجارية فرهاء، أي حسناء، وفره الفرس يفره -بضم الراء: نشط وخف في السير.

(6)

- يسمى هذا: "باب فرح" وتأتي منه الصفة المشبهة على ثلاثة أوزان قياسية، ذكرها المصنف ومثل لها. وتحد "الصفة المشبهة باسم الفاعل" بأنها: اسم مشتق مصوغ من مصدر الفعل الثلاثي اللازم، للدلالة على ثبوت صفة لصاحبها ثبوتا عاما مستمرا.

(7)

- المراد بالأعراض: الأمور والمعاني التي تطرأ على الذات وتزول سريعا وتتجدد وتتردد على صاحبها، كالفرح، والحزن، والألم. فخرجت الألوان والأشياء الخلفية، تقول: فرح

ص: 55

و"أفعل" في الألوان والخلق

(1)

؛ كأخضر، وأسود، وأكحل

(2)

، وألمى

(3)

، وأعور، وأعمى. و"فعلان" فيما دل على الامتلاء وحرارة الباطن

(4)

؛ كشبعان، وريان، وعطشان.

فهو فرح، وأشر فهو أشر، و"الأشر" الذي لا يحمد النعمة والعافية، وتعب فهو تعب، وحذر فهو حذرٌ، ومؤنث "فعل" هذا "فعلة"، وشذ من الباب: مريض، وكهل؛ لأنهما عرضان.

(1)

- الخلق: جمع خلقة؛ وهي الحالة الظاهرة الدائمة في البدن؛ من عيب، أو لون، أو حلية. ومؤنث "أفعل" هذا، فعلاء"؛ تقول: عور فهو أعور، وحمر فهو أحمرن وكحل فهو أكحل. ومنه قولهم: اشتهرت الخيول العربية بأنها دعجاء المقلة -والدعج: سعة العين مع شدة سوادها- كحلاء العين، وطفاء الأهداب؛ والوطف: غزرة شعر الجفون.

(2)

- الأكحل: من بجفونه سواد كالكحل، من غير "اكتحال".

(3)

- الألمى: هو أسمر الشفتين، والأنثى: لمياء.

(4)

- الواو بمعنى "أو"؛ لأن المقصود: أنه ينقاس فيما يدل على امتلاء أو خلو، أو نحو ذلك مما يطرأ ويتكرر، ولكنه يزول ببطء، ومؤنثه "فعلى"؛ تقول: ظمي: فهو ظمآن، وهي ظمآى، وصدى فهو صديان، وهي صدي، وروى فهو ريان وهي ريا.

الخلاصة: أن باب "فعل" اللازم "باب فرح"، يبنى الصوف منه على ثلاثة أوزان:"فعل، وأفعل، وفعلان"، وتدور معانيها الغالبة حول ما يأتي: أمور تطرأ وتزول سريعا وتتردد، وأمور تثبت وتبقى، وأمور تطرأ وتزول ببطء. وإلى هذا الباب يشير الناظم بقوله:

كفاعل صغ اسم فاعل إذا

من ذي ثلاثة يكون كغذا

-

وهو قليل في "فعلت" و"فعل"

غير معدى بل قياسه "فعل"

-

و"أفعل""فعلان" نحو أشر

ونحو صديان ونحو الأجهر*

* "كفاعل": متعلق بمحذوف، حال مقدم من "أسم فاعل" الواقع مفعولا لصنع، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي صوع كصوغ. "إذا" ظرف مجرد عن الشرط، متعلق بصغ. "من ذي ثلاثة" متعلق بيكون التامة ومضاف إليه "كغذا" خبر لمبتدأ محذوف. "في فعلت" متعلق بقليل. "وفعل" معطوف على فعلت. "غير معدى" غير حال من "فعل"، ومعدى مضاف إليه. "بل" حرف انتقال وإضراب. "قياسه" مبتدأ ومضاف إليه، والضمير للوصف. "فعل" خبر المبتدأ. "وأفعل" معطوف على فعل. "فعلان" معطوف على أفعل بإسقاط العاطف. "نحو أشر" نحو خبر لمبتدأ محذوف، وأشر مضاف إليه، وما بعده معطوف عليه.

ص: 56

وقياس الوصف من "فعُل"، بالضم

(1)

، فعيل، كظريف وشريف، ودونه "فعل"؛ كشهم وضخم. ودونهما "أفْعَل"؛ كأخطب

(2)

؛ إذا كان أحمر إلى الكدرة، وفَعُل؛ كبطل

(3)

وحسن و"فَعَال" بالفتح؛ كجبان

(4)

، و"فُعَال"؛ بالضم، كشجاع، و"فُعُل"؛ كجنب. و"فَعَل"؛ كعفر؛ أي شجاع ماكر

(5)

. وقد يستغنون عن صيغة "فاعل" من "فَعْل" بالفتح، بغيرها

(6)

؛ كشيخ، وأشيب، وطيب، وعفيف

(7)

.

أي: صغ اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المتصرف على وزن "فاعل"؛ نحو: غذا فهو غاذ، وهذا يصلح متعديا ولازما كما أوضحنا. ووزن "فاعل" قليل في مثل "فعل" و"فعل" اللازمين، والقياس فيهما "فعل"؛ تقول: نجس فهو جس، وفرح فهو رح. و"أفعل" و"فعلان" مثل "فعل" في أنهما أسما فاعل من "فعل"الثلاثي اللازم؛ نحو: أشرف، فهو أشر، وصدي، فهو صديان، وجدهر، فهو أجهر؛ والصديان: العطشان، والأجهر: من لا يستطيع الإبصار في الشمس. والحق أن هذه الصيغ صفات مشبهة، وليست باسم فاعل كما يفهم من ظاهر كلام الناظم.

(1)

- يسمى هذا "باب كرم"، وتأتي منه الصفة المشبهة على أوزان كثيرة؛ أشهرها ما ذكره المصنف، ومثل له.

(2)

- ذكر في التصريح: أنه بالخاء والظاء المعجمتين، وليس لهذه المادة أثر في كتب اللغة، والذي فيها: خطب، ولكن فعله من "باب فرح"، وخطب بالضم صار خطيبا، فلعل التمثيل بهذا اللفظ سهو من المصنف.

(3)

- يقال: بطل الرجل، صار بطلا.

(4)

- يكثر هذا الوزن في المؤنث؛ يقال: حصنت المرأة فهي حصا، ورزنت فهي رزان؛ والرزان: المتوقرة غير الطائشة.

(5)

- الذي في اللسان وغيره أن العفر بالكسر: الخبيث الماكر، ومنه العفريت، أما بالضم فهو: الشجاع الجلد.

(6)

- محل الاستغناء: ما لم يكن له وزن قياسي من المسموع، أما ما استعمل له قياس وسمع غيره؛ فليس موضع الاستغناء نحو: مال فهو مائل، وأميل.

(7)

- ذكر المصنف لباب "فعل" عشرة أوزان قياسية؛ بعضها كثير الاستعمال، وبعضها قليل،

ص: 57

تنبيه: جمع هذه الصفات صفات مشبهة

(1)

؛ إلا "فاعلاً"؛ كضارب، وقائم؛ فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه

(2)

، وذلك فيما دل على الثبوت؛ كطاهر القلب، وشاحط الدار، أي بعيدها، فصفة مشبهة أيضاً

(3)

.

والبعض أقل، وهي موزعة بين البابين كما سيأتي؛ منهما ما هو خاص بباب كرم؛ وهو:"فعل، وفعل، وفعال". أما: أفعل، وفعلان، فيختصان بباب فرح، ويشترك بين البابين:"فعل، وفعل، وفعيل، وفعل". وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

و"فعل" أولى و"فعيل" بفعل

كالضخم والجميل والفعل جمل

وأفعل فيه قليلٌ و"فعل"

وبسوى الفاعل قد يغنى "فعل"*

أي أن الماضي إذا كان على وزن "فعل" بضم العين، فالأولى أن يكون وزن اسم فاعله "فعل" أو "فعيل"، مثل: ضخم، وجميل، من ضخم، وجمل، ومجيء اسم الفاعل منه على وزن "أفعل" أو "فعل"، قليل. وقد يستغنى عن صيغة "فاعل" من مصدر "فعل" بغيرها؛ نحو: شاب فهو أشيب. وشاخ فهو شيخ

إلخ. كما ذكر المصنف.

(1)

- أي إذا قصد بها الدلالة على الثبوت والاستمرار، وإن لم تضف لمرفوعها ولم تنصبه؛ فإن قصد بها الحدوث والتجدد كانت أسماء فاعلين، وهل يجب حينئذ أن تحول إلى صيغة "فاعل"؛ فتقول: ضائق، وسائد، وفارح، في ضيق، وسيد، وفرح؟ أم يجوز بقاء زنتها مع هذا القصد؟ لعل الأقرب إلى الصواب: أنه لا يجب التحويل إلا إذا قصد التنصص على إرادة الحدوث. ولا يختص وزن "فاعل" بجواز قصد الثبوت والاستمرار؛ بل يجري ذلك في أسماء الفاعلين من غير الثلاثي. وقد مثل المصنف للصفة المشبهة بمستقيم الرأي، ومعتدل القامة، وهذا يدل على أنه زنة اسم الفاعل من غير الثلاثي، تكون أحياناً صفة مشبهة.

(2)

- أي في المعنى، وكذلك إذا نصبه.

(3)

- يتبين من هذا: أن موازن "فاعل" لا يكون صفة مشبهة، إلا إذا قصد به الدوام والاستمرار

* "وفعل أولى" مبتدأ وخبر. و"فعيل" معطوف على فعل "بفعل" متعلق بأولى. "والفعل جمل" مبتدأ وخبر، وهذه الجملة لبيان الواقع لا للاحتراز. "وأفعل" مبتدأ. "فيه" متعلق بقليل الواقع خبر للمبتدأ "وفعل" معطوف على أفعل. "وبسوى الفاعل" جار ومجرور متعلق بيغني، ومضاف إليه. "فعل" فاعل يغني. ومعنى يغني: يستغني.

ص: 58

فصل:

ويأتي وصف الفاعل من غير الثلاثي المجرد، بلفظ مضارعه

(1)

؛ بشرط الإتيان بميم مضمومة، مكان حرف المضارعة، وكسر ما قبل الآخر

(2)

مطلقا؛ سواء كان مكسوراً في المضارع؛ كمنطلق ومستخرج، أو مفتوحاً؛ كمتعلم ومتدحرج.

وأضيف إلى مرفوعه أو نصبه. وكذلك اسم الفاعل من غير الثلاثي كما أسلفنا، وكما سيمثل به المصنف في باب الصفة المشبهة من قوله: مستقيم الرأي، ومعتدل القائمة، مما يدل صراحة على أن الوصف من غير الثلاثي يكون صفة مشبهة.

(1)

- وشذ من ذلك ألفاظ؛ منها: أمحل البلد، إذا قحط، فهو ماحل، وأعشب المكان، إذا كثر عشبه، فهو عاشب، وأيفع الغلامن إذا شب، فهو يافع، وأورس النبت والشجر، إذا اصفر لونه فهو وارس. واحصرت الناقة، إذا ضاق مجرى لبنها، فهي حصور. وأعقت الفرس، إذا حملت فهي عقوق، وألقحت الريح، فهي لاقحة، قال تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح} الآية: 22 من سورة الحجر. قيل: إنه سمع، يفع، وورس، فيكون يافع ووارس حينئذ؛ مما استغنى فيه باسم الفاعل الثلاثي عن اسم فاعل غيره. وجاء "مورس" قليلاً.

(2)

- أي: ولو تقديراً؛ كمختار ومعتل، اسمي فاعل، من اختار واعتل؛ فإن الكسر مقدر فيهما، وشذ فتح ما قبل الآخر في: مسهب، من أسهب إذا تكلم كثيراً، ومحصن، من أحصن إذا تزوج. وملقح من ألقح الفحل الناقة.

وفي بناء اسم الفاعل من غير الثلاثي يقول الناظم:

وزنة المضارع اسم فاعل

من غير ذي الثلاث كالمواصل

مع كسر متلو الأخير مطلقا

وضم ميم زائد قد سبقا*

أي أن زنة اسم الفاعل من مصدر الفعل غير الثلاثي، هي زنة مضارعه، مع كسر الحرف الذي قبل الآخر في المضارع، وضم الميم الزائدة التي يؤتي بها في أول المضارع بدل حرف المضارعة؛ نحو: المواصل من أوصل الرباعي.

* "وزنة المضارع" زنة خبر مقدم، والمضارع مضاف إليه. "اسم فاعل" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "من غير" متعلق بزنة. "ذي الثلاث" مضاف إليه، "كالمواصل" خبر لمبتدأ محذوف. مع "ظرف متعلق بمحذوف حال من كلمة المضارع، وما بعده مضاف إليه. "مطلقا" حال من كسر. "وضم ميم" ضم معطوف على كسر، وميم مضاف إليه. "زائدا" نعت لميم "قد سبقا" الجملة في محل جر نعت ثان لميم، والألف في سبقا للإطلاق.

ص: 59

‌باب: أبنية أسماء المفعولين

(1)

يأتي وصف المفعول من الثلاثي المجرد

(2)

، على زنه "مفعول"؛ كمضروب، ومقصود، وممرور به

(3)

. ومنه مبيع؛ ومرمي؛ إلا أنها غيرت

(4)

. ومن غيره بلفظ مضارعة؛ بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف المضارعة، وإن شئت فقل: بلفظ اسم

هذا: وقد يأتي اسم الفاعل في صورة المصدر؛ نحو ماء غور؛ أي غائر، ورجل عدل، أي عادل، وجاء ركضا؛ أي راكضا.

باب: أبنية أسماء المفعولين

(1)

- اسم المفعول هو: اسم مشتق يصاغ من مصدر الفعل المبني للمجهول؛ للدلالة على معنى مجرد حادث، وعلى من وقع عليه هذا المعنى مجرد حادث، وعلى من وقع عليه هذا المعنى.

(2)

- بشرط أن يكون تاما متصرفا؛ لأن الجامد لا يبنى منه اسم مفعول، ولا اسم فاعل، ولا صفة مشبهة، كما لا يأتي منه مصدر، ولا غيره من المشتقات. ويصاغ من المتعدي مطلقا، ومن اللازم بشرط ما يأتي.

(3)

- هذا مثال لبناء اسم المفعول من اللازم بالصلة؛ لأن اسم المفعول لا يصاغ من اللازم إلا مع الظرف، أو الجار المجرور، أو المصدر، كما تقدم بيان ذلك في باب التعدي واللزوم، انظر صفحة: 94، جزء ثان.

(4)

- أي غيرت لفظا عن زنة "مفعول"، والأصل: مبيوع، ومقوول، ومرموي، نقلت حركة الياء والواو في الأولين، إلى الساكن قبلهما، ثم قلبت الضمة كسرة في الأول لتسليم الياء. وحذفت الواو من الثاني لالتقاء الساكنين؛ أما الثالث فقد قلبت الواو ياء وأدغمتا، لاجتماعهما، وسبق إحداهما بالسكون، ثم قلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء. وإذا كان اسم المفعول مؤنثا وجب زيادة تاء التأنيث في آخره؛ تقول: فاطمة منزهة عن فحش القول. وقد أشار الناظم إلى بناء اسم المفعول من الثلاثي بقوله:

وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد

زنة "مفعول" كآت من قصد*

* "وفي اسم" جار ومجرور متعلق باطرد، وهو مضاف إلى ما بعده. "زنة مفعول" زنة فاعل اطرد، ومفعول مضاف إليه. "كآت" خبر لمبتدأ محذوف على حذف موصوف. "من قصد" متعلق بآت بتقدير مضاف مجرور بمن؛ أي كمفعول آت من مصدر "قصد".

ص: 60

فاعله بشرط فتح ما قبل الآخر

(1)

؛ نحو: المال مستخرج، وزيد منطلق به.

وقد ينوب "فعيل" عن مفعول

(2)

؛ كـ "دهين"، وكحيل، وجريح، وطريح، ومرجعه إلى السماع

(3)

. وقيل:. . . . . . . . . . .

أي: أن صيغة اسم المفعول من مصدر الثلاثي على وزن "مفعول" باطراد، كالوزن اللاذي تأتي به من الفعل "قصد"؛ فتقول: مقصود.

(1)

- أي في اسم الفاعل، وفي ذلك يقول الناظم:

وإن فتحت منه ما كان انكسر

صار اسم مفعول كمثل المنتظر*

أي: إن صيغة اسم المفعول من غير الثلاثي، هي صيغة اسم الفاعل، بعد أن يفتح الحرف الذي قبل الآخر، والذي كان مكسورا في اسم الفاعل؛ تقول: منتظر، اسم مفعول، ومنتظر، اسم فاعل.

(2)

- أي: إن اسم المفعول من الثلاثي، قد يأتي على وزن "فعيل" بدلا من "مفعول"، فيدل على معناه، ولكن لا يعمل عمله عند كثير من النحاة؛ فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه، أو قتيل أبوه، أو ذبيح كبشه. وأجاز ذلك ابن عصفور في كتاب "المقرب"، واستحسنه بعضهمز وكذلك ينوب عن "مفعول"، على قلة، "فعل"؛ كذبح، وطحن؛ بمعنى: مذبوح ومطحون. و"فعل"؛ كعدد؛ بمعنى معدود، وقنص، بمعنى مقنوص. و"فعلة"؛ كمضغة؛ بمعنى ممضوغ، وكذلك غرفة، وأكلة، وسبة، وضحكة. و"فعول"؛ نحو: ركوب، جزور.

(3)

- أي يقتصر في ذلك على المسموع والمنقول عن العرب. وفي هذا يقول الناظم:

وناب نقلاً عنه ذو "فعيل"

نحو فتاة أو فتى كحيل**

أي ينوب "فعيل" عن اسم المفعول من الثلاثي، وهذا منقول عن العرب ومسموع منهم؛ تقول: فتاة كحيل؛ بمعنى مكحولة العين، وفتى كحيل كذلك. وصيغة "فعيل" التي بمعنى مفعول، يستوي فيها المذكر والمؤنث غالباً.

* "وإن فتحت" شرط وفعله. "منه" متعلق بفتحت، والضمير عائد إلى ما زاد عن الثلاثة. "ما" اسم موصول مفعول فتحت. "انكسر" الجملة خبر كان، وهي معمولاها صلة الموصول. "صار اسم مفعول" جواب الشرط "كمثل" خبر لمبتدأ محذوف. "المنتظر" مضاف إليه.

** نقلاً مصدر بمعنى المفعول، حال من ذو فعيل؛ أي منقولا عن العرب. "عنه" متعلق بناب. "ذو فعيل" فاعل ناب ومضاف إليه. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "كحيل" صفة لما قبله.

ص: 61

ينقاس فيما ليس له فعيل" بمعنى "فالع

(1)

؛ نحو: قدر، ورحم؛ لقولهم: قديرٌ، ورحيم

(2)

.

وقد يأتي اسم المفعول في صورة المصدر قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّه} ؛ أي مخلوقة، {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِه}؛ أي معلومة. سورة البقرة:255.

(1)

- أي: كقتيل وجريح؛ وذلك لعدم اللبس فيه، بخلاف ماله ذلك فإنه يلتبس بالفاعل.

(2)

- أي: بمعنى قادر، وراحم، وهذا تمثيل للمنفي، والتعليل لمحذوف.

أي: إنما كان الفعلان لهما "فعيل" بمعنى فاعل؛ لقولهم

إلخ. وأما ما ليس له فعيل بمعنى فاعل؛ فنحو: جريح، وقتيل.

ص: 62

باب: إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى الواحد

(1)

وهي: الصفة التي استحسن فيها أن تضاف لما هو فاعل في المعنى

(2)

؛ كـ"حسن

‌باب: إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد

(1)

- الصفة المشبهة هي: ما اشتق من مصدر فعل لازم لغير تفضيل، بقصد نسبة الحدث إلى الموصوف على جهة الثبوت. وحق الصفة المشبهة أن تكتفي بمرفوعها ولا تعمل النصب؛ لمباينتها الفعل بدلالتها على الثبوت، ولأنها مشتقة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم، وهو لا ينصب، ولكنها لما أشبهت اسم الفاعل المتعدي لواحد، نصبت مفعولها مثله، على التشبيه بالمفعول به. ووجه الشبه بينها وبين اسم الفاعل في أمرين: الأول: أنها تدل على الحدث وصاحبه مثله؛ "فحسن" مثلا معناه ذو حسن، وضارب معناه: ذو ضرب، ولا فرق بينهما إلا من حيث دلالتها على الثبوت، ودلالة اسم الفاعل على الحدوث. والثاني: أنها تقبل التثنية والجمع، والتذكير والتأنيث غالبًا، كاسم الفاعل؛ تقول: حسن، وحسنة؛ كما تقول: ضارب وضاربة، وحسنان، وحسنون، وحسنات؛ كما تقول: ضاربان وضاربتان وضاربون؛ ويشترط في عملها النصب على التشبيه بالمفعول به: الاعتماد؛ كاسم الفاعل ومن أجل هذا كله: سميت بذلك الاسم.

(2)

- قيد الفاعل بالمعنى؛ لأن الصفة لا تضاف للفاعل إلا بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوف؛ فلم يبق فاعلا إلا من جهة وقوعه بعدها، واتصافه بمعناها.

والمراد: استحسان الجر بنوعها لا بشخصها؛ لئلا يرد صور امتناع الجر، وضعفه، كما

ص: 62

الوجه، ونقي الثغر، وظاهر العرض"؛ فخرج نحو: زيد ضارب أبوه

(1)

؛ فإن إضافة الوصف فيه إلى الفاعل ممتنعة

(2)

؛ لئلا توهم الإضافة إلى المفعول

(3)

، ونحو: زيد كاتب أبوه

(4)

؛ فإن إضافة الوصف فيه، وإن كانت لا تمتنع

(5)

؛ لعدم اللبس

(6)

، لكنها لا تسحن؛ لأن الصفة لا تضاف لمرفوعها، حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها؛ بدليلين:

أحدهما: أنه لو لم يقدر كذلك، لزم إضافة الشيء إلى نفسه

(7)

.

والثاني: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: هند حسنة الوجه

(8)

؛. . . . . . . . . . .

سيأتي. وفي تعريف الصفة المشبهة، يقول ابن مالك:

صفة استحسن جر فاعل

معنى بها المشبهة اسم الفاعل*

أي أن الصفة التي يتحسن أن يجر بها فاعلها في المعنى هي: "الصفة المشبهة باسم الفاعل"، وهي تجره بالإضافة، والمضاف إليه هو فاعلها المعنوي.

(1)

- مثال لاسم الفاعل المتعدي، الواقع على الذوات.

(2)

- أي وإن قصد به الثبوت والدوام كما بينه المصنف. وأجازهما بعض النحاة إذا قصد الثبوت، وأمن اللبس عند الإضافة للمفعول. وآخرون أجازوا إذا قصد الثبوت، ويحذف المفعول اقتصاراً، ويكون من باب الصفة المشبهة.

(3)

- أي على أن الأصل: زيد ضارب أباه.

(4)

- مثال لاسم الفاعل القاصر؛ أي الذي لا يقع على الذوات.

(5)

- وذلك إذا قصد به الدوام والثبوت؛ لأنه حينئذ يكون صفة مشبهة. أما إذا قصد به الحدوث والتتجدد، فإن إضافته ممتنعة.

(6)

- أي عند الإضافة إلى المفعول؛ لأن الكتابة لا تقع على الذوات.

(7)

- لأن الصفة نفس مرفوعها في المعنى، واللازم باطل، فالملزوم مثله.

(8)

- فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير الموصوف؛ وهو هند، لذكرت كما تذكر مع

* "صفة" خبر مقدم. "استحسن جر فاعل" الجملة من الفاعل ونائب الفاعل والمضاف إليه، نعت لصفة. "معنى" تمييز أو منصوب على نزع الخافض. "بها" متعلق بجر. "المشبهة" مبتدأ مؤخر. وفيها ضمير مستتر فاعل بها؛ لأنها اسم فاعل. "اسم فاعل" مفعول به بالمشبهة، والفاعل مضاف إليه.

ص: 63

فلهذا

(1)

حسن أن يقال: زيد حسن الوجه؛ لأن من حسن وجهه حسن أن يسند الحسن إلى جملته مجازًا

(2)

. وقبح أن يقال: زيد كاتب الأب؛ لأن من كتب أبوه، لا يحسن أن تستند الكتابة إليه

(3)

إلا بمجاز بعيد

(4)

. وقد تبين أن العلم بحسن الإضافة

(5)

موقوف على النظر في معناها

(6)

لا على معرفة كونها صفة مشبهة، وحينئذ فلا دور في التعريف المذكور

(7)

كما توهمه ابن الناظم

(8)

.

فصل: وتختص هذه الصفة عن اسم الفاعل بخمسة أمور.

أحدها: أنها تصاغ من اللازم دون المتعدي

(9)

؛ كحسن، وجميل، وهو يصاغ

المرفوع.

(1)

- أي لأجل هذا التحويل المذكور.

(2)

- أي من الإسناد إلى الجزء وإرادة الكل، والباعث عليه قصد التخفيف.

(3)

- لأن الأب ليس جزءًا من الابن؛ فلا يسوغ أن يطلق أحدهما ويراد الآخر.

(4)

- وهو الإسناد إلى المضاف، وإرادة المضاف إليه.

(5)

- أي في إضافة الصفة إلى مرفوعها.

(6)

- أي المعنى الثابت لفاعل الصفة؛ وهو: نسبة الحدث إلى موصوفه على سبيل الثبوت، والدوام، فما جاز من الصفات أن يسند إلى ضمير موصوفه، فإضافته إلى موصوفه حسنة، وما لا، فلا.

(7)

- أي التعريف الذي ذكره المصنف، واتبع فيه الناظم في قوله: * صفة استحسن جر فاعل

إلخ.

(8)

- حيث قال: إن هذه الخاصة -وهي الإضافة إلى الفاعل- لا تصلح للتعريف بالصفة المشبهة وتمييزها عن غيرها؛ لأن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها للفاعل، واستحسان الإضافة متوقف على العلم بكونها صفة مشبهة، فجاء الدور. وقد دفع المصنف ذلك بما حاصله: أن العلم باستحسان الإضافة موقوف على النظر في المعنى الثابت للفاعل، لا على العلم بكونها صفة مشبهة.

(9)

- إلا إذا كان المتعدي في حكم اللازم وفي منزلته؛ مثل: ممدود القامة، وعالي الرأس، إذا

ص: 64

منهما؛ كقائم، وضارب.

الثاني: أنها للزمن الحاضر الدائم

(1)

دون الماضي المنقطع، والمستقبل. وهو يكون لأحد الأزمنة الثلاثة.

الثالث: أنها تكون مجارية للمضارع في تحركه وسكونه؛ كطاهر القلب، وضامر البطن، ومستقيم الرأي، ومعتدل القامة، وغير مجارية له. وهو الغالب فلي المبنية من الثلاثي

(2)

؛ كحسن، وجميل، وضخم، وملآن. ولا يكون اسم الفاعل إلا مجاريا له.

أريد لكل من "ممدود" و"عالي"، الثبوت الدوام، وفعلهما: مد وعلا. وكلاهما متعد، ولكن مجيء الصفة المشبهة منهما، جعلهما بمنزلة اللازم، وكذلك إذا حول إلى "فعل" بالضم، كما في رحمان ورحيم وعلين؛ فإنها صفات من رحم، وعلم، وكلاهما متعد.

(1)

- أي الثابت المستمر؛ فلا بد أن يشمل معناها الأزمنة الثلاثة مجتمعة، ولا يقتصر على بعضها؛ فلا يصح -على الراجح- أن يقال: الوجه حسن أمس، أو الآن، أو غدا، ودلالة الصفة المشبهة على الدوام، عقلية لا وضعية؛ لأنه لما انتفى عنها التجدد والحدوث، ثبت الدوام عقلا؛ لأن الأصل في كل ثابت دوامه واستمراره.

وإلى الأمرين السابقين أشار الناظم بقوله:

وصوغها من لازم لحاضر

كطاهر القلب جميل الظاهر*

أي أنها تصاغ من مصدر الثلاثي اللازم، للدلالة على معنى متصل بالزمن الحاضر -أي الحالي- اتصال دوام وملازمة. ثم مثل بمثالين: أحدهما اسم فاعل، قصد به الثبوت والاستمرار؛ فصار صفة مشبهة؛ وهو: طاهر القلب، وبقي على وزنه. والثاني: صفة مشبهة أصيلة؛ وهو: جميل الظاهر.

(2)

- أما المبنية من مصدر غير الثلاثي، فلا بد من مجاراتها لمضارعها. والمراد بالمجاراة: تساوي عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلا.

* "وصوغها" معطوف على "جر فاعل" المتقدم، أو مبتدأ ومضاف إليه حذف خبره؛ أي وصوغها واجب من لازم

إلخ. "من لازم لحاضر" متعلقان بصوغها. "كطاهر القلب" متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، ومضاف إليه. "جميل الظاهر" معطوف على طاهر القلب بإسقاط العاطف.

ص: 65

الرابع: أن منصوبها لا يتقدم عليها

(1)

، بخلاف منصوبه

(2)

؛ ومن ثم صح النصب في نحو: زيداً أنا ضاربه

(3)

، وامتنع في نحو: زيد أبوه حسن وجهه

(4)

.

الخامس: أنه يلزم كون معمولها سببياً

(5)

؛ أي متصلا بضمير موصوفها؛ إما لفظاً نحو: زيد حسن وجهه، وإما معنى؛ نحو: زيد حسن الوجه؛ أي منه

(6)

، وقيل: إن

(1)

- أي إن كان شبيها بالمفعول به؛ لأنه كان فاعلا في الأصل. أما المعمولات الأخرى، فيجوز تقديمها؛ تقول: محمد بالضعفاء رحيم القلب.

(2)

- فإنه يجوز تقديمه؛ إذا كان غير مقرون بأل نحو: العواصف شجرا مقتلعة. أما المقترن بأل، أو المجرور بإضافة، أو بحرف جر أصلي، فيمتنع تقديم منصوبه؛ ففي مثل: هذا غلام قاتل زيدا، ومررت بضارب زيدا، يمتنع تقديم "زيدا"، أما نحو: لست بضارب زيدا؛ فلا يمتنع التقديم لزيادة الجار، أما المرفوع والمجرور فلا يتقدمان فيهما؛ ولأن المرفوع فاعل، والمجرور مضاف إليه، وكلاهما لا يتقدم.

(3)

- أي بنصب "زيدا" على الاشتغال، وتقدمه على اسم الفاعل المشتغل عنه بالعمل في ضميره؛ لأنه لو تفرغ من الضمير لعمل فيه، وما يعمل في المتقدم عليه، يصح أن يفسر عاملا فيه.

(4)

- فلا يصح نصب الأب، بصفة محذوفة معتمدة على زيد، تفسرها الصفة المذكورة المشتغلة عنه بنصب سببيه؛ وهو "وجهه"؛ لأن الصفة المشبهة لا تعمل في متقدم، وما لا يعمل لا يفسر عاملا؛ فوجب رفعه على أنه مبتدأ ثان، و"حسن" خبره، والجملة خبر "زيد".

(5)

- أي: إذا كان مجرورا أو منصوبا على التشبيه بالمفعول به. وكذلك إذا كان معمولها مرفوعا، والصفة جارية على الموصوف. والمراد بالسببي: ما ليس أجنبياً من الموصوف؛ فيشمل الضمير البارز المتصل؛ نحو: حسن الوجه طلقه أنت، فيجوز في الهاء أن تكون في محل نصب أو جر "لطلق"، و"حسن الوجهه طلقه" خبران مقدمان، و"أنت" مبتدأ مؤخر.

(6)

- "فالوجه" معمول لحسن؛ وهو سببي؛ لأنه متصل بضمير الموصوف معنى؛ وهو "زيد"، وقد حذف الضمير مع حرف الجر، ولكنه ملحوظ كأنه موجود. وهذا رأي البصريين.

ص: 66

"أل" خلف عن المضاف إليه

(1)

. وقول ابن الناظم: إن جواز نحو: زيد بك فرح

(2)

، مبطل لعموم قوله

(3)

: إن المعمول لا يكون إلا سببيًا مؤخرًا، مردود؛ لأن المراد بالمعمول

(4)

ما عملها فيه بحق الشبه

(5)

؛ وإنما عملها في الظروف، بما فيها من معنى

(1)

- وهو الضمير، وعلى ذلك فلا حذف. وهذا رأي الكوفيين، واعترض عليه بأنه قد يصرح بالضمير مع أل؛ كما في قول طرفة بن العبد من معلقته:

رحيب قطاب الجيب منها رقيقة

بجس الندامى بضة المتجرد

الشاهد: في "الجيب منها". رحيب: متسع قطاب: مخرج الرأس منه. والجس: اللمس. البضة: البيضاء الرخصة. المتجرد: جسدها المتجرد من ثيابها.

وعلى الرغم من هذا الاعتراض يستحسن بعض العلماء رأي الكوفيين؛ لخلوه من الحذف والتقدير. وعليه يكون السببي هو: المتصل بضمير صاحب الصفة أو بما يغني عن الضمير، وإلى الأمرين السابقين يشير الناظم بقوله:

وسبق ما تعمل فيه مجتنب

وكونه ذا سببية وجب*

أي يجتنب أن يسبقها ما تعمل فيه، ووجب كون معمولها ذا سببية. وقد أوضحنا ذلك.

(2)

- أي مما تقدم فيه المعمول -وهو هنا "بك- على الصفة؛ وهي "فرح" مع أنه غير بسببي؛ لأنه ليس اسماً ظاهراً مضافًا إلى ضمير يعود إلى الموصوف، وهو "زيد".

(3)

- أي قول الناظم.

(4)

- أي في قوله:

وسبق ما تعمل فيه مجتنب

(5)

- أي بسبب مشابهتها لاسم الفاعل، وهو المنصوب على التشبيه بالمفعول به كما يفهم ذلك من قوله:

وعمل اسم فاعل المعدى

لها على الحد الذي قد حدا**

* "وسبق" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. "تعمل فيه" الجملة صلة ما "مجتنب" خبر المبتدأ. "وكونه" مبتدأ وهو مصدر كان الناقصة، مضاف إلى اسمه. "ذا سببية" ذا خبر الكون الناقص، وسببية مضاف إليه. "وجب" الجملة خبر الكون الواقع مبتدأ.

** "وعمل" مبتدأ مضاف إلى ما بعده. "المعدى" مضاف إليه، وهو نعت لمحذوف: أي الفعل المعدى "لها" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. "على الحد" متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر. "الذي" صفة للحد، أوبدل منه. "قد حدا"الجملة صلة الذي والألف للإطلاق.

ص: 67

الفعل. وكذا عملها في الحال، وفي التمييز

(1)

ونحو ذلك

(2)

، بخلاف اسم الفاعل

(3)

.

فصل: لمعمول هذه ثلاث حالات

(4)

: الرفع على الفاعلية. وقال الفارسي: أو على الإبدال من ضمير مستتر في الصفة

(5)

. والخفض بالإضافة، والنصب على التشبيه

أي ما ثبت لاسم الفاعل المتعدي لواحد، يثبت لها على الضبط والتحديد الذي قد حدد لكل منهما؛ ومن ذلك؛ أن منصوبها لا يسمى مفعولا به؛ وإنما يسمى: المنصوب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة؛ أما المنصوب على وجه آخر، والمرفوع، فلا يشترط فيهما ذلك.

(1)

- مثال الحال: محمد حسن وجه طلقه. مثال التمييز: على فصيح قولا.

(2)

- أي من الفضلات التي ينصبها الفاعل المتعدي واللازم، ولا يمنع من تقديمها مانع آخر، ما عدا المفعول المطلق.

(3)

- فإنه لقوة شبهة بالفعل، يعمل في متأخر ومتقدم، وفي سببي، وفي أجنبي.

هذا: ومما تختص به الصفة المشبهة أيضاً:

أ- أنها لا تعمل محذوفة؛ فلا يجوز: هذا حسن القول والعمل، بنصب "الفعل" على تقدير: وحسن الفعل. أما اسم الفاعل فيجوز: أنت ضارب اللص والخائن.

ب- أنه لايجوز أن يفصل بينها وبين معمولها المرفوع أو المنصوب بظرف، أو جار ومجرور عند الجمهور؛ إلا للضرورة.

جـ- أنه لا يراعى لمعمولها المجرور محل بالعطف أو غيره، بخلاف اسم الفاعل.

د- إنها لا تتعرف بالإضافة مطلقا، بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يتعرف بها إذا كان بمعنى الماضي فقط، وأريد به الاستمرار، فيلحظ في هذا الاستمرار جانب المضي وحده.

هـ- أن "أل" الداخلة عليها حرف تعريف لا غير، أما الداخلة على اسم الفاعل، فاسم موصول ومعرفة معا على الاصح فيهما.

(4)

- هنالك معمول يمتنع فيه الرفع، وآخر يجب فيه؛ كما سيجيء ذلك قريباً.

(5)

- أي بدل بعض من كل إذا أمكن ذلك. لا مطلقاً. قال الصبان: ويتعين الرفع على الفاعلية في نحو: مررت بامرأة حسن الوجه؛ لأن الصفة لو تحملت الضمير لوجب تأنيث الوصف بالتاء. ويتعين عدمه في نحو: مررت بامرأة حسنة الوجه؛ لأن الوجه لو كان فاعلا، لوجب

ص: 68

بالمفعول به أن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة

(1)

. والصفة مع كل من الثلاثة: إما نكرة، أو معرفة

(2)

، وكل من هذه الستة

(3)

للمعمول معه ست حالات؛ لأنه إما "بأل"؛ كـ"الوجه" أو مضاف لما فيه "أل"؛ كوجه الأب، أو مضاف للضمير؛ كوجهه، أوة مضاف لمضاف للضمير؛ كـ"وجه أبيه"، أو مجرد؛ كـ"وجه"، أو مضاف إلى المجرد كـ"وجه أب"؛ فالصور ست وثلاثون؛ الممتنع منها أربعة

(4)

؛ وهي: أن تكون الصفة بأل والمعمول مجرداً منها، ومن الإضافة إلى تاليها، وهو مخفوض

(5)

تذكير الوصف، ويجوز الأمران في نحو: مررت برجل حسن الوجه.

(1)

- ويجوز أيضا في النكرة أن تنصب على التشبيه بالمفعول به.

(2)

- أي مجردة من أل، أو مقرونة بها.

(3)

- أي الحاصلة من ضرب وجوه الإعراب الثلاثة، في حالتي تنكير الصفة وتعريفها.

(4)

- لا يصح فيها إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها وجره.

(5)

- لأنه يلزم عليه إضافة ما فيه أل، إلى المجرد منها، ومن الإضافة لتاليها، أو لضمير تاليها، وذلك ممنوع كما تقدم إيضاحه في باب الإضافة. انظر صفحة (33) جزء ثان، وهذا في الصفة المفردة، أما المثناة والمجموعة جمع مذكرسالم، فتجوز إضافتها مطلقا. وقد أشار الناظم إلى حالات المعمول وهذه الصور بقوله:

فارفع بها وانصب وجر مع "أل"

ودون "أل" مصحوب "ال" وما اتصل

بها مضافًا أو مجردًا ولا

تجرر بها مع أل سما من أل خلا

ومن إضافة لتاليها وما

لم يخل فهو بالجواز وسما*

* "بها" متعلق بالرفع. "وانصب وجر" معطوفان على أرفع، وحذف متعلقهما لدلالة هذا عليه. "مع أل" مع ظرف، حال من الهاء في بها، وأل مضاف إليه. "ودون أل" دون ظرف معطوف على مع، وأل مضاف إليه، "مصحوب أل" مفعول تازعه الأفعال الثلاثة قبل، فأعمل الأخير، وحذف ضميره مما قبله؛ لأنه فضلة. "وما" اسم موصوف عطف على مصحوب أل. "اتصل" الجملة صلة ما. "بها" متعلق بجر. "مضافا" حال من اتصل "أو مجردا" معطوف عليه. "تجرر" مجزوم بلا الناهية. "بها" متعلق بجر. "مع أل" مع ظرف حال من الضمير في بها العائد إلى الصفة، وأل مضاف إليه. "سما" بالقصر لغة في الاسم، مفعول تجرر. "من أل" متعلق بخلا، وجملة "خلا" نعت لسما. "ومن إضافة" معطوف على من أل. "لتاليها" متعلق بإضافة، ومضاف إليه. "وما"

ص: 69

كـ" الحسن وجهه"

(1)

، أو "وجه أبيه"، أو "وجه"، أو "وجه أب".

أي ارفع بالصفة المشبهة، أو انصب، أو جر، مع وجود "أل" فيها، ودون وجودها -المعمول المقترن بأل، والمعمول المتصل بالصفة إذا كان مضافا، أو مجرداً من "أل" والإضافة. ويدخل تحت قوله: مضافا، ما ذكره المصنف من المعمول المضاف بأنواعه. ثم ذكر الحالات التي لا يجوز فيها الجر؛ فقال: لا تجرر بالصفة المشبهة المقرونة بأل، اسما خلا من "أل"، أو من الإضافة لما فيه "أل"، ويشمل ذلك الصور الأربعة التي ذكرها المصنف، وما لم يخل من ذلك يجوز جره، كما يجوز رفعه ونصبه.

(1)

- محل الامتناع في هذا وفي الأمثلة الثلاثة بعده، إذا كان الموصوف غير محلى بأل، كزيد مثلا، وإلا جاز الجر؛ تقول: مررت بالرجل الحسن وجهه

إلخ؛ لان معمول الصفة حينئذ مضاف لضمير ما فيه أل.

هذا: وتنقسم الصور الجائزة إلى ثلاثة أقسام: قبيح، وضعيف، وحسن، فالقبيح: رفع الصفة؛ سواء كانت مع "أل" أو مجردة منها، نكرة، ويشمل ذلك أربع صور؛ هي: الحسن وجهه، أو وجه أب، حسن وجه، أو وجه أب، ووجه القبح: غلو الصفة لفظا عن ضمير الموصوف؛ وإنما جازت لتقدير الضمير فيها. والضعيف نصب الصفة النكرة -المعارف مطلقا، وجرها المضاف إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، وذلك ست صوره؛ مثل: حسن الوجه، أوجه الأب، أو وجهه، أو وجه أبيه؛ بالنصب فيهن. وحسن وجهه، وحسن وجه أبيه، بالجر فيهما، ووجه الضعف: إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي، في حالة النصب. وشبه إضافة الشيء إلى نفسه في حالة الجر. والحسن ما عدا ذلك، وهو اثنتان وعشرون صورة.

اسم شرط مبتدأ أول. "لم يخل" الجملة فعل الشرط. "فهو" الفاء للربط، و"هو" مبتدأ. "بالجواز" متعلق بوسما الوقاع خبراً للمبتدأ، وجملة الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول، والوسم: العلامة.

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 -

كيف تصوغ اسم الفاعل من الثلاثي، صحيح العين ومعتلها؟ وضح بالأمثلة.

2 -

يأتي اسم الفاعل صفة مشبهة، فمتى يكون ذلك؟ وهل يبقى على زنته؟ وضح ما تقول بأمثلة من عندك.

3 -

ما زنة اسمي الفاعل والمفعول من غير الثلاثي؟ اذكر أمثلة لذلك.

4 -

اذكر أوجه الشبه التي من أجلها سميت الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي للواحد؟

5 -

اذكر أوزان الصفة المشبهة من بابي "فرح"، "وشرف" ومثل.

6 -

بين اسم الفاعل والصفة المشبهة فروق؛ فلما هي؟ وضح ذلك بأمثلة.

7 -

كيف يعرب معمول الصفة المشبهة معرفة ونكرة؟ وما حكم المعمول من حيث التقدم وعدمه؟

8 -

فيما يأتي شواهد لاسمي الفاعل، والمفعول، والصفة المشبهة، بين الشاهد، وأعرب ما تحته خط:

قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} .

قيل في صفة الرسول صلى الله عليه وسلم: "وشثن أصابعه"، أي غليظها. وقيل لعرب: ما المروءة عندكم؟ قال": طعام مأكول، ونائل مبذول، وبشر مقبول.

أعندي وقد مارست كل خفية

يصدق واش أو يخيب سائل

وإني لسهل ما تغير شيمتي

صروف ليالي الدهر بالفتل والنقض

ومن يك منحل العزائم تبعا

هواه فإن الرشد منه بعد

لعل عتبك محمود عواقبه

وربما صحت الأجسام بالعلل

ص: 71

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تباركت إني من عذابك خائف

وإني إليك تائب النفس باخع

السمح في الناس محبوب خلائقه

والجامد الكف ما ينفك ممقوتًا

9 -

بين نوع كل من المشتقات الآتية، وضعه في جملة من إنشائك، وهات فعله الذي اشتق منه:

قاض، لطيف، قوال غير فعال، سمح الأخلاق، جيد، نقي العرض، فكه الحديث، لماع، مرضى السجايا، مغررو بنفسه، متعال على إخوانه.

10 -

يقول الفرزدق الشاعر الأموي في مدح سيدنا علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما:

سهل الخلقية لا تخشى بوادره

تزينه الخصلتان الحلم والكرم

حمال أثقال أقوام إذا اقترحوا

حلو الشمائل يحلو عنده نعم

اشرح البيتين شرحاً أدبياً، وبين ما فيهما من شواهد، وأعرب ما تحته خط.

11 -

صغ اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة من الأفعال الآتية.

لان، ساد، أضطر، روى، هاب، نشط، حلا، استدعى، قاد، رقى.

نموذج

الفعل

اسم الفاعل

اسم المفعول

الصفة المشبهة

الفعل

اسم الفاعل

اسم المفعول

الصفة المشبهة

لان

لائن

ملين به

لين

ساد

سائد

مسود عليه

ريان

اضطر

مضطر

مضطر

-

روي

راو

مروي منه

نشيط

هاب

هائب

مهيب

-

نشط

ناشط

ممشوط له

-

قاد

قائد

مقود

-

رقي

راق

مرقي، مرقي فيه أو به

-

حلا

حال

محلو به

حلو

استدعى

مستدع

مستدعي

-

12 -

صغ من الأفعال الآتيه: اسمي الفاعل والمفعول، والصفة المشبهة:

عض، استعان، تكبر، تخاصم، انبطح نعم، ولي، سما، استولى.

ص: 72

‌باب: التعجب

(1)

وله عبارات كثيرة؛ نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}

(2)

، "سبحان الله

(3)

إن المؤمن لا ينجس"، لله دره فارساً!

(4)

.

باب: التعجب

(1)

- هو انفعال وتأثر داخلي يحدث في النفس عند استعظام أمر له مزية ظاهرة؛ بسبب زيادة فيه، جعلته نادرا ولا نظير له، وقد خفي سببها، قيل: ولعل هذا معناه اللغوي. أما عند النحاة فهو: استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب به عن أمثاله، أو قل نظيره فيها. وهذا يفسر اشتراط أن يكون الفعل الذي توخذ من مصدره صيغة التعجب مبنيا للمعلوم؛ فلا يتعجب مما لا زيادة فيهن ولا مما ظهر سببه؛ ولهذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب. وأيضاً، لا يوصف المولى -سبحانه- بأنه متعجب؛ لأنه لا يخفى عليه -سبحانه- شيء، وما ورد في كلامه أو في الحديث الشريف أو غيرهما، مما يدل على التعجب؛ فالمراد منه: إما توجيه المخاطبين إلى إظهار العجب؛ نحو: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار} ؛ أي: إن حالهم تستدعي أن يتعجب منها. أو المراد لازمة؛ وهو الرضا والتعظيم، ونحو ذلك من الأغراض البلاغية: حديث: "عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل" أي: وهم أسارى المشركين، يسلمون فيدخلون الجنة. وكان القياس عدم التعجب من صفاته -تعالى: لأنها لا تقبل الزيادة؛ نحو: ما أعظم الله، وما أقدره، وما أجله، وما أعلمه، ولكنهم أجازوا ذلك بقصد الثناء عليه، على أن المعنى: إنه -تعالى- في غاية العظمة، وإن عظمته مما تحار فيها العقول.

(2)

- المعنى: أتعجب من كفركم بالله، فاستعملت "كيف" للتعجب مجازاً عما وضعت له من الاستفهام عن الأحوال من الآية 28 من سورة البقرة.

(3)

- "سبحان" لفظ موضوع للتنزيه، وقد استعمل للتعجب؛ لأن الإنسان يسبح الله عند رؤية مخلوقاته العجيبة. والمتعجب منه حال المخاطب المتوهم نجاسة المؤمن، وهذا حديث قاله عليه السلام لأبي هريرة، حين رآه في بعض طرق المدينة، وكان جُنُبًا، فأبى أن يقابله حتى اغتسل.

(4)

- قول لبعض العرب، ومن الصيغ التعجبية غير ما ذكر:"يا لك" أو "يا له"، وقولهم: عجبت من كذا، إلى غير ذلك، من كل ما يدل على التعجب بقرينة.

ص: 73

والمبوب له منها في النحو اثنتان

(1)

:

إحداهما: "ما أفعله"؛ نحو: ما أحسن زيدًا!

فأما "ما" فأجمعوا على اسميتها

(2)

؛ لأن في "أحسن" ضميرًا يعود عليها

(3)

، وأجمعوا على أنها مبتدأ لأنها مجردة للإسناد إليه. ثم قال سيبويه: هي نكرة تامة

(4)

بمعنى شيء، وابتدئ بها لتضمنها معنى التعجب

(5)

، وما بعدها خبر

(6)

؛ فموضعه رفع. وقال الأخفش: هي معرفة ناقصة

(7)

؛ بمعنى الذي، وما بعدها صلة فلا موضع له. أو نكرة ناقصة

(8)

، وما بعدها صفة فمحله رفع، وعليهما فالخبر محذوف وجوباً؛ أي شيء عظيم

(9)

.

(1)

- أي: قياسيتان في التعجب، يدلان عليه بالوضع لا بالقرينة كغيرهما. وقد يتضمنان أحيانًا مع التعجب غرضا آخر؛ كالمدح أو الذم؛ كما سيأتي بعد.

(2)

- وهي علامة التعجب؛ ولذا تسمى: "ما التعجبية". ويجب تقديمها على الفعل.

(3)

- أي: والضمير لا يعود إلا على الأسماء، وهذا الضمير هو فاعل "أحسن"، وهو مستتر وجوباً، ويكون مفردا مذكرا غالباً.

(4)

- يراد بالنكرة: أنها بمعنى شيء أي شيء. وبالتمام: أنها غير موصوفة بشيء بعدها، وقد أفادها التنكير الإبهام، وهو يناسب التعجب؛ لأنه يكون فيما خفي سببه.

(5)

- ذلك لأنها توجه الذهن إلى أن ما بعدها عجيب، وأن الذي أوجده عظيم؛ فلها دخل في إفادته. أما الموضوع للتعجب فهو الجملة بتمامها.

(6)

- أي عن الجملة الفعلية، والتقدير: شيء من الأشياء أحسن زيدا؛ أي جعله حسنا، وهذا باعتبار الأصل. أما الآن فليس المقصود بهذا التركيب الإخبار؛ بل المراد إنشاء التعجب؛ ولذا جاز استعماله في التعجب مما يستحيل كونه بجعل جاعل؛ كالتعجب من صفاته -تعالى- كما أسلفنا قريبا في نحو: ما أقدر الله، وما أعلمه

إلخ.

(7)

- أي اسم موصول؛ لأنها تحتاج في إفهام المراد منها إلى الصلة.

(8)

- أي موصوفة بمعنى شيء، تحتاج إلى صفة.

(9)

- ويؤخذ على قول الأخفش: أن فيه حذف الخبر من غير أن يسد مسده شيء. وفيه أيضا:

ص: 74

وأما "أفعل" كأحسن؛ فقال البصريون والكسائي: فعل، للزومه مع ياء المتكلم ونون الوقاية

(1)

، نحو: ما أفقرني إلى رحمه الله -تعالى، ففتحته بناء؛ كالفتحة في ضرب، من: زيد ضرب عمراً، وما بعده مفعول به

(2)

. وقال بقية الكوفيين: اسم؛ لقولهم: ما أحيسنه

(3)

، ففتحته إعراب؛ كالفتحة في "زيد عندك؛ وذلك

(4)

لأن مخالفة الخبر للمبتدأ تقتضي عندهم نصبه

(5)

و"أحسن"؛ إنما هو في المعنى وصف لزيد لا لضمير "ما"

(6)

، "وزيد" عندهم مشبه بالمفعول به

(7)

.

الصيغة الثانية: "أفعل به؛ نحو: أحسن بزيد. واجمعوا على فعليه "افعل"

(8)

ثم

تقديم الإفهام بالصلة أو الصفة، وتأخير الإبهام بالتزام حذف الخبر. والمألوف في الكلام الذي يتضمن إفهاما وإبهاما، تقديم الإبهام؛ فالراجح ماذهب إليه سيبويه من أنها نكرة تامة، وينبغي الأخذ به؛ لأنه خال من التعسف والحذف والتأويل من غير داع.

(1)

- أي: ونون الوقاية لا تلزم إلا الفعل.

(2)

- وهو في المعنى فاعل ولهذا المفعول أحكام خاصة؛ منها: أنه لا يحذف إلا إذا دل عليه دليل. ولا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة. ولا يتقدم على عامله. ولا يحال بينهما إلا بالظرف الصحيح. وسيذكر المصنف بعض هذه الأحكام.

(3)

- أي: والتصغير من خصائص الأسماء. ويجيب البصريون، ومعهم الكسائي من الكوفيين: بأن هذا شاذ فلا ينهض دليلا على الاسمية.

(4)

- أي كون فتحته فتحة إعراب، مع كونه خبرا.

(5)

- أي نصب الخبر، فعامل النصب عندهم في الخبر هو المخالفة للمبتدأ؛ أي كون "ليس" وصفا له، أما إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى: كالله ربنا أو مشبها به؛ نحو: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} ؛ فإنه يرتفع ارتفاعه. من الآية 6 من سورة الأحزاب.

(6)

- هذا بيان للمخالفة هنا، وهي أن الخبر ليس وصفا للمبتدأ في المعنى، وفيه إشارة إلى أن معنى "أحسن" عنددهم: فائق في الحسن، لا صير زيد حسنا، كما هو مذهب البصريين؛ إذ التصيير صفة لضمير "ما"، لا لزيد.

(7)

- وذلك لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.

(8)

- لأن هذه الصيغة لا تكون إلا للفعل. أما "أصبع" فنادر.

ص: 75

قال البصريون: لظفه لفظ الأمر

(1)

، ومعناه الخبر

(2)

، وهو في الأصل فعل ماض على صيغة "أفعل"؛ بمعنى: صار ذا كذا

(3)

؛ كأغدا البعير، أي صار ذا غدة

(4)

، ثم غيرت الصيغة

(5)

، فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر

(6)

، فزيدت الباء في الفاعل؛ ليصير على صورة صيغة المفعول به

(7)

؛. . . . . . . . . . .

(1)

- أي أنه جاء على صورة الأمر، فيبنى على السكون إن كان صحيح الآخر، وعلى حذف حرف العلة إن كان معتلا؛ كالأمر، نظرا لصورته. أو يبنى على فتح مقدار منع من ظهوره مجيئة على صورة الأمر؛ نظرا لمعناه.

(2)

- أي معناه في الاصل الخبر. أما الآن فالجملة كلها لإنشاء التعجب، ولا تدل على زمن مطلقا كما بينا قريبا. أو يكون مراد المصنف بالخبر، ما قابل الطلب، فيشمل الإنشاء غير الطلب كما هنا.

(3)

- أي: أن أصل "أحسن بزيد": أحسن زيد، أي صار ذا حسن، فهمزته للصيرورة. وهكذا باقي صيغ "افعل" التي جاءت في ظاهرها على صورة الأمر؛ وهي في الحقيقة فعل ماض يراد منه التعجب.

(4)

- الغدة: طاعون الإبل، ولا تكون الغدة إلا في البطن.

(5)

- أي: غيرت إلى صيغة الأمر؛ وذلك عند قصد التعجب؛ ليوافق اللفظ في التغيير، تغيير المعنى من الإخبار إلى الإنشاء.

(6)

- لأن فعل الأمر لا يرفع الاسم الظاهر مطلقا.

(7)

- وزيادتها في هذا الموضع لازمة، إذا كان المجرور بها اسما صريحا لا مصدرا مؤولا. وإلى صيغتي التعجب المذكورتين أشار الناظم بقوله:

"بأفعل" انطق بعد "ما" تعجبا

أو جيء بـ"أفعل" قبل مجرور ببا*

أي انطق بصيغة "أفعل" لأجل التعجب، بشرط أن تقع هذه الصيغة بعد "ما" التعجبية. أو جيء بصيغة "أفعل" بعدها المتعجب منه؛ أي من شيء فيه، مجرورًا بالباء.

* "بأفعل": متعلق بانطق، "بعد": ظرف متعلق بانطق أيضا، "ما": اسم تعجب مضاف إليه، "تعجبا": مفعول لأجله أو حال من فاعل انطق عل التأويل بالمشتق أي انطق متعجبا، "أو جئ": معطوف على انطق وما بعده متعلق به، "ببا": متعلق بمجرور وقصر للضرورة.

ص: 76

كـ"امرر بزيد"؛ ولذلك التزمت

(1)

بخلافها في: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}

(2)

؛ فيجوز تركها؛ كقوله:

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

(3)

وقال الفراء والزجاج، والزمخشري، وابن كيسان، وابن خروف: لفظه ومعناه الأمر،

(1)

- أي التزمت زيادتها صونا للفظ عن القبح، إلا إذا كان المجرور بها -وهو الفاعل- مصدرا مؤولا من "أن" أو "أن" وصلتهما؛ لاطراد حذف الجار في ذلك؛ كقول العباس بن مرداس:

واحبب إلينا أن تكون المقدما

أي بأن تكون:

(2)

- الآية 79، 116 من سورة النساء، 28 من سورة الفتح.

(3)

- عجز بيت من الطويل، لسحيم بن وثيل، عبد بني الحسحاس، وصدره:

عميرة ودع إن تجهزت غاديا

وبعده:

تريك غداة البين كفا ومعصما

ووجها كدينار الهرقلي صافيا

كأن الثريا علقت فوق نحرها

وجمر غضى هبت له الريح ذاكيا

اللغة والاعراب: عميرة: اسم محبوبته، وهو تصغير عمرة. تجهزت: تهيأت وأعددت ما يلزمك في سفرك. غاديا: اسم فاعل من غدا؛ أي ذهب وقت الغداة، وهي ما بين الفجر وطلوع الشمس. "عميرة": مفعول مقدم لودع. "إن تجهزت" شرط وفعله وفاعله. "غاديا" حال من التاء في تجهزت. "الشيب" فاعل كفى. "والإسلام" معطوف عليه. "للمرء" متعلق بناهيا الواقع حالا من الشيب، ويجوز أن يكون "ناهيا" تمييزا مبينا لنسبة الكفاية إليه.

المعنى: يجرد من نفسه شخصا يخاطبه، ويقول له: اترك عميرة وودعها وداع شخص أعد عدته لترك نوازع الصبا، متعظا بما حل به من الشيبن واعتصم به من حرمة الإسلام، وكفى بذلك واعظا. روي: أن عمر رضي الله عنه حين سمعه ينشد هذا البيت قال: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجرتك.

الشاهد: إسقاط الباء من فاعل "كفى" لعدم التزامها. بخلافها في فاعل فعل التعجب

ص: 77

وفيه ضمير

(1)

؛ والباء للتعدية

(2)

. ثم قال ابن كيسان: الضمير للحسن

(3)

. وقال غيره: للمخاطب

(4)

؛ وإنما التزم إفراده

(5)

لأن كلام جرى مجرى المثل.

الذي على صورة الأمر؛ فهي لازمة كما بينا، رفعا للقبح.

(1)

- أي مستتر تقديره أنت، وهو الفاعل.

(2)

- فهي حرف أصلي، وهي ومجرورها في محل نصب على المفعولية. وقيل: الهمزة -على قول الفراء ومن وافقه- للنقل، والباء زائدة.

(3)

- أي المصدر المفهوم من أحسن، والتقدير: أحسن يا حسن بزيد؛ أي دم به والزمه؛ ولذلك أفرد الضمير؛ لأن ضمير المصرد كالمصدر؛ لا يثنى ولا يجمع.

(4)

- أي الذي يراد منه أن يتعجب. وعليه يكون معنى أحسن بزيد: اجعل يا مخاطب زيدا حسنا، أي صفة بالحسن كيف شئت. وعلى كل فالضمير المذكور مفرد مذكر دائما؛ فلا يقال في التأنيث: أحسني، ولا في التثنية والجمع: أحسنا، وأحسنوا، وأحسن.

(5)

- أي مع تغيير المخاطبين، وكذلك تذكيره واستتاره. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وتلو "أفعل" أنصبنه كـ"ما

أوفى خليلينا وأصدق بهما*

أي أنصب ما يجيء بعد "أفعل" على أنه مفعول به، وهو المتعجب منه. ثم ذكر مثالين: أحدهما للمتعجب منه المنصوب بعد "أفعل"؛ وهو: ما أوفى خليلينا، والثاني للمتعجب منه المجرور بالباء بعد "أفعل"؛ وهو: أصدق بهما.

هذا: ولا يتعجب إلا من معرفة أو نكرة مختصة؛ نحو: ما أحسن محمدا.

وما أسعد رجلا يتقي الله في عمله، وذلك لأن المتعجب منه مخبر عنه في المعنى؛ فلا يجوز: ما أحسن رجلا، ولا أحسن برجل؛ لعدم الفائدة.

* "وتلو أفعل"؛ أي تالي أفعل، تلو مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، وهو انصبته، و"أفعل" مقصود لفظه مضاف إليه. "كما" الكاف جارة لقول محذوف. "ما" تعجيبة مبتدأ. "أوفي" فعل تعجب وفاعله مستتر وجوبا يعود إلى ما. "خليلينا" مفعول أو في منصوب بالياء ومضاف إليه، والجملة خبر ما. "وأصدق" فعل ماض جاء على صورة الأمر. "بهما" الباء زائدة، والضمير فاعل أصدق.

ص: 78

مسألة: ويجوز حذف المتعجب منه

(1)

في مثل:. . . . . . . . . . .

(1)

- المراد بالمتعجب منه: المعمول الذي له صلةى بالأمر الذي يدعو للتعجب من صفة أو فعل؛

ص: 78

"ما أحسنه"، إن دل عليه دليل

(1)

؛ كقوله:

ربيعة خيراً ما أعف وأكرما

(2)

وفي "أفعل به" إن كان "أفعل" معطوفا على آخر، مذكور معه؛ مثل ذلك المحذوف؛ نحو:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر}

(3)

، وأما قوله:

فإذا قلت: ما أحسن الإخلاص في العمل؛ فإن التعجب من حسن الإخلاص، لا من الإخلاص ذاته؛ لأن التعجب من الأحوال لا من الذوات.

(1)

- ويشترط أن يكون ضميرا، سواء أكان منصوبا "بأفعل" أم مجرورا بالباء بعد "أفعل".

(2)

- عجز بيت من الطويل لسيدنا علي بن أبي طالب، من كلمة يمدح فيها ربيعة على ما أبلت معه يوم صفين، وصدره:

جزى الله عني والجزاء بفضله*

اللغة والإعراب: جزى: كافأ؛ من المجازاة وهي المكافأة. بفضله: بإحسانه. "والجزاء بفضله" الجملة من المبتدأ والخبر معترضة. "ربيعة" مفعول أول لجزي. "خيراً" مفعول ثان. "ما أعف" ما تعجبه مبتدأ، وأعف فعل ماض للتعجب، وفاعله يعود على ما، والجملة خبر المبتدأ. "وأكرما" معطوف على أعف، والألف للإطلاق، ومفعول فعل التعجب؛ وهو المتعجب منه، محذوف للعلم به؛ أي ما أعفها وأكرمها. والمراد هنا: عفتهم عن المغانم وأسلاب القتلى. أنظر إلى قول عنترة:

ينبئك من شهد الوقيعة أنني

أغشى الوغى وأعف عند المغنم

الشاهد: حذف المتعجب منه؛ وهو مفعول فعل التعجب؛ لأنه ضمير يدل عليه سياق الكلام.

(3)

- أي: أبصر بهم؛ وإنما جاز حذف المجرور بعد "أفعل" للدليل، مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة، فجاز فيه ما يجوز فيها، وقيل: لم يحذف، وإنما استتر في الفعل بعد حذف التاء. وقد أشار الناظم إلى حذف المتعجب منه بقوله:

وحذف ما منه تعجب استبح

إن كان عند الحذف معناه يضح*

* "وحذف" مفعول مقدم لاستبح. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "منه" متعلق بتعجب الواقع صلة لما. "إن كان" شرط وفعله. "عند الحذف" عند ظرف متعلق بيضح، والحذف مضاف إليه. "معناه" اسم كان. "يضح" الجملة خبر كان، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام.

ص: 79

حميدا وإن يستغن يوما فأجدر

(1)

أي به، فشاذ

(2)

أي يباح لك ويجوز حذف المتعجب منه؛ وهو المنصوب بعد "أفعل"، والمجرور بالباء بعد "أفعل"، إن كان معناه يظهر عند الحذف؛ بأن دل عليه دليل بعد حذفه.

(1)

- عجز بيت من الطويل، في وصف صعلوك، لعروة بن الورد، المعروف بعروة الصعاليك، وقد كان حفيا بهم، يجمعهم ويقوم بشئونهم وصدره:

فذلك إن يلق المنية يلقها

اللغة والإعراب: فذلك: الإشارة لصعلوك وصف بأوصاف كثيرة في أبيات قبل هذا البيت؛ منها:

ولله صعلوك صحيفة خده

كضوء شهاب المائس المتنور

المنية: الموت. حميدا: محموداً؛ فهو فعيل بمعنى مفعول. فأجدر: أي ما أجدره، وما أحقه. "فذلك" ذا: اسم إشارة مبتدأن واللام للبعد، والكاف حر خطاب. "إن يلق" شرط وفعله، والفاعل يعود إلى الصعلوك. "المنية" مفعول به. "يلقها" يلق فعل مضارع جواب الشرط، مجزوم بحذف الألف، و"ها" مفعول تعود على المنية، والجملة خبر المبتدأ، "حميدا" حال من فاعل يلقها. "فأجدر" الفاء واقعة في جواب الشرط الثاني؛ و"أجدر" فعل ماض للتعجب جاء على صورة الأمر، وحرك للروي، وفاعله محذوف؛ أي به، والجملة في محل جزم جواب الشرط.

المعنى: هذا الصعلوك الموصوف بالصفات المذكورة، إن مات في سبيل مطالبه، يموت وهو محمود الفعل عند الناس، لما كان عليه من عفة وعزة نفس، وما له من صفات كريمة، وإن عاش واستغنى؛ فما أحقه وما أخلقه بالغنى؛ لأنه وصل إليه بسعيه وجده.

الشاهد: في قوله "فأجدر"؛ حيث حذف المتعجب منه مع حرف الجر، من غير أن تكون صيغة التعجب المحذوف معمولها، معطوفة على أخرى مذكور معمولها المشابه للمحذوف، على حد قوله تعالى:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} من الآية 38 من سورة مريم.

(2)

- أي لعدم العطف المذكور، قال الصبان: والأوجه عندي أنه ليس بشاذ، وأنه لا يشترط هذا

ص: 80

مسألة: وكل من هذين الفعلين ممنوع التصرف

(1)

؛ فالأول نظير: تبارك، وعسى، وليس

(2)

، والثاني نظير "هب" بمعنى اعتقد، و"تعلم" بمعنى أعلم

(3)

. وعلة جمودهما: تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان يستحق الوضع

(4)

.

مسألة: ولعدم تصرف هذين الفعلين، امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، وأن يفصل بينهما بغير ظرف، ولا مجرور؛ لا تقول: ما زيداً أحسن، ولا بزيد أحسن، وإن قيل: إن "بزيد" مفعول

(5)

، وكذلك لا تقول: ما أحسن يا عبد الله زيداً

(6)

، ولا أحسن لولا بخله

الشرط؛ بل المدار على وجود مطلق دليل يدل على المحذوف.

(1)

- فكل من الصيغتين يلزم حالة واحدة، مع أن فعلهما الأصلي ثلاثي متصرف؛ ولكنهما يفقدان التصرف بسبب استعمالهما في التعجب، ولا يدلان على حدث ولا زمن؛ لأن الجملة التعجبية متجردة لحض الإنشاء المقصود منه التععجب، اللهم إلا إذا اشتملت على لفظة "كان" أو "يكون" أو غيرهما من الألفاظ التي تدل على زمن معين.

(2)

- أي في الجمود وملازمة المضي.

(3)

- أي في الجمود وملازمة صيغة الأمر.

(4)

- وأيضًا: فإن لزومها حالة واحدة أدل على التعجب؛ لأن التصرف والانتقال من حالة إلى أخرى، ربما يشعر بزوال المعنى الأول، وأجاز هشام الإتيان بمضارع "ما أفعله"؛ فتقول: ما يحسن محمدا؛ وهو قياس ولم يسمع. وفي عدم تصرف هذين الفعلين يقول الناظم:

وفي كلا الفعلين قد لزما

منع تصرف بحكم حتما*

أي: ولزم منع تصرف في كلا الفعلين بحكم محتوم قدم؛ أي في الزمن القديم.

(5)

- كما هو رأي الفراء ومن وافقه، وقد تقدم.

(6)

- أي بالفصل بالمنادى بين أحسن ومعموله. وقد ورد في الفصيح ما يدل على جوازه؛ كقول علي -كرم الله وجهه- في عمار بن ياسر، وقد مر به وهو مقتول، فمسح التراب عن

* "وفي كلا": متعلق بلزم. "الفعلين": مضاف إليه. "قدما" ظرف متعلق بلزم أيضاً. "منع تصرف": منع فاعل لزم، وتصرف مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، "حتما": فعل ماض مبني للمجهول، والجملة من الفعل ونائب الفاعل صفة لحكم؛ أي لزم منع تصرف في كلا الفعلين قديما بحكم محتوم.

ص: 81

بزيد

(1)

. واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور متعلقين بالفعل، والصحيح الجواز

(2)

؛ كقولهم: ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب، وقوله:

وأحر إذا حالت بأن أتحولا

(3)

ولو تعلق الظرف والجار والمجرور بمعمول فعل التعجب، لم يجز الفصل به اتفاقا؛

وجهه: أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا؛ أي مرميا على الجدالة، وهي الأرض، وأبو اليقظان: كناية عمار بن ياسر.

(1)

- أي بالفصل بلولا الامتناعية ومصحوبها، وأجاز ذلك ابن كيسان.

(2)

- وذلك للتوسع فيهما. وقد أشار الناظم إلى الحكمين السابقين بقوله:

وفعل هذا الباب لن يقدما

معموله ووصله به الزما

وفصله بظرف أو بحرف جر

مستعمل والخلف في ذاك استقر*

أي أن معمول الفعل في هذا الباب لا يتقدم على فعله، والزم وصل الممول بفعله، والفصل بالظرف والجار والمجرور مستعمل في الكلام المأثور. والخلاف بين النحاة ثابت في أمر القياس عليه، والصحيح جوازه.

ومحل الخلاف إذا لم يكن في معمول فعل التعجب ضمير يعود على المجرور، وإلا وجب الفصل بالجار ومجروره المتعلقين بفعل التعجب؛ كمثال المصنف.

(3)

- عجز بيت من الطويل، لأوس بن حجر، وصدره:

أقيم بدار الحزم ما دام حزمها*

اللغة والإعراب: دار الحزم: المكان الذي تعتبر الإقامة فيه حزما. أحر: أخلق. حالت: تغيرت. أتحول: انتقل عنها إلى غيرها. "ما" مصدرية ظرفية. "دام" فعل ماض ناقص. "حزمتها" اسم دام مضاف إليه، والخبر محذوف؛ أي موجودا، ويجوز أن تكون "دام" تامة، وحزمها فاعل به، و"أحر" الواو عاطفة، وأحر فعل ماض للتعجب جاء على

* وفعل هذا مبتدأ ومضاف إليه. "الباب" بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة، "معموله" نائب فاعل يقدم، والجملة خبر المبتدأ. "ووصله" مفعول مقدم بالزما، ومضاف إليه، والألف فيه بدل من نون التوكيد الخفيفة "وفصله" مبتدأ ومضاف إليه. "بظرف" متعلق به. "مستعمل" خبر المبتدأ. "والخلف" مبتدأ. "في ذاك" متعلق به. "استقر" الجملة خبر.

ص: 82

نحو: ما أحسن معتكفا في المسجد، وأحسن بجالس عندك

(1)

.

صورة الأمر. "إذا" ظرف زمان متعلق بأجر. "حالت" الجملة في محل جر بإضافة إذا إليها. "بأن اتحولا" الباء زائدة، وإن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بها لفظا، وهو في التقدير فاعل لفعل التعجب "أحر"، مرفوع محلا، والألف في أتحولا للإطلاق.

المعنى: أقيم بالمكان الذي نعتبر الإقامة فيه من الحزم وحسن التصرف؛ وذلك حيث يكون الإنسان فيه عزيزا مكرما؛ فإذا تغيرت الحال ولاقى الإنسان مهانة، فأخلق به أن يتحول عنه إلى مكان آخر، يلقى فيه العزة والكرامة.

الشاهد: الفصل بالظرف- وهو: "إذا حالت- بين فعل التعجب- وهو"احر" - وبين معموله، وهو قوله: "بأن أتحولا".

(1)

- فلا يقال فيهما: ما أحسن في المسجد معتكفا، ولا أحسن عندك بجالس، لئلا يلزم الفصل بين الفعل ومعموله بمعمول معموله.

ص: 83

فصل: وإنما يبنى هذا الفعلان مما اجتمعت فيه ثمانية شروط: أحدها: أن يكون فعلا

(1)

؛ فلا يبنيان من "الجلف والحمار"؛ فلا يقال: ما أجلفه

(2)

، ولا ما أحمره. وشذ ما ذرع المرأة؛ أي ما أخف يدها في الغزل؛ بنوه من قولهم: امرأة ذراع

(3)

. ومثله: ما أقمنه، وما أجدره بكذا

(4)

. الثاني: أن يكون ثلاثياً؛ فلا يبنيان من دحرج، وضارب، واستخرج

(5)

، إلا "أفعل"؛. . . . . . . . . . .

(1)

- أي ماضيا، وإن كان سيفقد الدلالة على الزمن بدخوله في صيغة التعجب.

(2)

- لبنائه من الاسم لا من الفعل، وقد أثبت له القامونس فعلا؛ فقد جاء فيه: الجلف: الرجل الغليظ الجافي. وجلف -كفرح- جلفا وجلافة، وعلى ذلك يصح ما أجلفه، وكذلك ما أحمره؛ فإنه من الحمار؛ وهو الحيوان المعروف، ويرب به المثل في البلادة، ولا فعل له.

(3)

- في القاموس: الذراع كسحاب: الخفيفة اليدين بالغزل، ويكسر. قيل: وقد ذكر ابن القطاع في كتاب الأفعال: ذرعت المرأة، إذا خفت يدها في العمل؛ فهي ذراع. وعلى هذا يكون الشذوذ من حيث البناء من فعل المجهول.

(4)

- فقد بنو الأول من قولهم: هو قمن، أو قمين بكذا، والثاني من قولهم: هو جدير بكذا، ومعناهما: ما أحقه وما أخلقه، ولا فعل لهما.

(5)

- قال الصبان نقلا عن المصرح؛ لأنه يلزم على ذلك حذف بعض الأصول في الرباعي المجرد، وحذف الزيادة الدالة على معنى مقصود في غيره؛ كالمشاركة والمطاوعة، والطلب؛ في نحو: ضارب، وانطلق، واستخرج، مما تدل عليه حروف الزيادة.

ص: 83

فقيل: يجوز مطلقاً

(1)

، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل

(2)

؛ نحو: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا المكان

(3)

، وشذ على هذين القولين

(4)

: ما أعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف

(5)

، وعلى كل قول: ما أتقاه، وما أملا القربة؛ لأنهما من أتقى وامتلأت، وما أخصره؛ لأنه من اختصر، وفيه شذوذ آخر

(6)

سيأتي.

الثالث: أن يكون متصرفاً

(7)

فلا يبنيان من نحو: نعم، وبئس

(8)

.

الرابع: أن يكون معناه قابلًا للتفاضل

(9)

؛. . . . . . . . . . .

(1)

- أي سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا. وهذا مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه.

(2)

- همزة النقل هي: التي تنقل الفعل من اللزوم إلى التعدي، أو من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين، أو من التعدي لاثنين إلى التعدي لثلاثة، وقد سبق بيانه ذلك في باب تعدي الفعل ولزومه. انظر صفحة "83" جزء ثان.

أما التي لغير النقل فهي: التي وضع عليها الفعل، مثل: أظلم، وأضاء وأقفر.

(3)

- لقائل أن يقول: إن همزة "أفعل" في التعجب للنقل ولتعديه ما عدم التعدي في الأصل؛ نحو: ما أظرف زيدا، أو في الحال؛ نحو: ما أضربه لعمرو؛ فالفعلان المذكوران همزتهما للنقل والتعدية، وقد أجيب بأنهما مبنيان من "أفعل" الذي همزته لغير النقل.

(4)

- أي: وهما المنع مطلقا، أو المنع في أحد شقي التفصيل.

(5)

- أما الشذوذ على القول الأول فواضح. وأما على الثاني فلأن الهمزة في المثالين للنقل من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين؛ فإن الأصل: عطا زيد الدراهم؛ أي تناولها، وولي محمد المعروف، أي تناوله.

(6)

- هو: أنه مصوغ من مبني للمفعول.

(7)

- أي في الأصل تصرفا كاملا قبل أن يدخل في الجملة التعجبية. أما بعد دخوله فيها فيصبح جامدا كما سبق.

(8)

- لأن التصرف فيما لا يتصرف نقض لوضعه.

(9)

- أي التفاوت بالزيادة والنقص؛ وذلك ليتحقق معنى التعجب؛ كالعلم، والجهل، والغنى، والحسن، والقبح.

ص: 84

فلا يبنيان من نحو: فني، ومات

(1)

.

الخامس: ألا يكون مبيناً للمفعول

(2)

؛ فلا يبنيان من نحو: رب، وشذ: ما أخصره من وجهين

(3)

. وبعضهم يستثني ما كان ملازما لصيغة "فعل"؛ نحو: عنيت بحاجتك، وزهى علينا؛ فيجيز: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا

(4)

.

السادس: أن يكون تاماً؛ فلا يبنيان من نحو: كان، وظل وبات، وصار، وكاد

(5)

.

السابع: أن يكون مثبتاً؛ فلا يبنيان من منفي، سواء كان ملازماً للنفي

(6)

، نحو، ما عاج بالدواء، أي ما انتفع به

(7)

، أم غير ملازم؛ كـ"ما قام زيد"

(8)

.

(1)

- لأنه لا تفاوت في الفناء والموت، ولا مزية لبعض فاعليه على بعض حتى يتعجب منه.

(2)

- وذلك لئلا يلبتس المبني من فعل المفعول، بالمبني من فعل الفاعل.

(3)

- هما: كونه من غير ثلاثي، وكونه من المبني للمجهول.

(4)

- إنما استثنى ذلك لأمن اللبس، ولوروده في الأمثال؛ فقد قيل: هو أزهى من ديك، وأزهى من غراب، وأزهى من طاووس. والتفضيل أخو التعجب فيما يشترط فيهما؛ قال في التسهيل:"وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس".

(5)

- فلا يقال: ما أكون محمدًا مسافرًا مثلا؛ لأنه يستلزم نصب "افعل" لشيئين، وهاذ غير سائغ. ولا يجوز حذف "مسافرا"؛ لامتناع حذف خبر كان، ولا جره باللام؛ لامتناع ذلك أيضاً. وحكى عن الكوفيين: ما أكون زيدا قائما، بناء على أصلهم؛ من أن المنصوب بعد "كان" حال، وهو قول لم يؤيده سماع.

(6)

- لأنه يؤدي إلى اللبس بين التعجب من المثبت، ومن المنفي؛ لأن صيغة التعجب إثبات وليس فيها أداة نفي.

(7)

- مضارعة يعبج؛ أي ينتفع، وهو ملازم للنفي أيضاً، وندر مجيئه للإثبات، أما عاج يعوج؛ بمعنى مال يميل، فيستعمل في النفي والإثبات، ومن وروده منفياً قول جرير:

تمرون الديار ولم تعوجوا

كلامكم علي إذا حرام

(8)

- فلا يقال: ما أقومه. ومثله: ما عاج؛ أي مال؛ فلا يقال أيضًا: ما أعوجه؛ ذلك لئلا يلتبس المنفي بالمثبت.

ص: 85

الثامن: ألا يكون اسم فاعله على "أفعل فعلاء"

(1)

؛ فلا يبنيان من نحو: عرج؛ وشهل، وخضر الزرع

(2)

.

(1)

- وذلك حملا للتعجب على "أفعل" التفضل الذي يمتنع بناؤه منه لالتباسه بالوصف؛ لجريانهما مجرى وحدًا في أمور كثيرة كما سيأتي، ولأن هذه المعاني تشبه الخلقة الثابتة التي لا تفاوت فيها بالزيادة والنقص.

(2)

- وهكذا من كل ما دل على لون، أو عيب، أو حلية، أو شيء فطري، وإلى الشروط المتقدمة يشير الناظم بقوله:

وصغهما من ذي ثلاث صرفا

قابل فضل تم غير ذي انتفى

وغير ذي وصف يضاهي أشهلا

وغير سالك سبيل فعلا*

أي صغ صيغتي التعجب من مصدر الفعل صاحب الحروف الثلاثة: أي الثلاثي، المتصرف، القابل للتفاضل والتفاوت، التام. غير المنفي، والذي صفته المشبهة ليست مثل "أشهل"؛ فإن مؤنثه شهلاء. والشهلة: زرقة تشوب سواد العين، وغير مبني على صيغة "فعل"؛ وهي صيغة بناء الثلاثي للمجهول.

* "وصغهما" صغ فعل أمر والضمير البارز مفعول لفعل الأمر، وهو عائد إلى فعل التعجب. "من ذي ثلاث"؛ أي من مصدر فعل ذي ثلاث، متعلق بصغ، وثلاث مضاف إليه، "صرفا" فعل ماض للمجهول. والجملة صفة لفعل المقدر. "قابل فضل ثم غير ذي انتفا" نعوت لفعل أيضا، بعضها مفرد بوعضها جملة. "غير ذي وصف" معطوف على غير ذي انتفا، ومضاف إليه؛ فهو نعت أيضاً، وفي "سالك" ضمير مستتر هو الفاعل. "سبيل" مفعوله. "فعلا" مضاف إليه مقصود لفظه.

ص: 86

فصل: ويتوصل إلى التعجب من الزائد على ثلاثة، ومما وصفه على "أفعل فعلاء"،

بـ" ما أشد ونحوه

(1)

،. . . . . . . . . . .

(1)

- مثل: ما أقوم، وما أضعف، وما أكثر، وما أقل، وما أحسن، وما أقبح، وما أعظم، وما أحقر، وما أكبر، وما أصغر، وغير ذلك مما يناسب المقام. وأشدد، وأشد، مصوغان من شد الثلاثي، وهو مستكمل للشروط، ولذلك صح أن يتوصل بهما إلى التعجب مما لم

ص: 86

وينصب مصدرهما بعده

(1)

. أو بـ"اشدد" ونحوه؛ ويجر مصدرهام بعده بالباء؛ فنقول: ما أشد أو أعظم دحرجته، أو أنطلاقه، أو حمرته. وأشدد أو أعظم بها

(2)

. وكذا المنفي والمبني للمفعول، إلا أن مصدرها يكون مؤولًا

(3)

لا صريحا؛ نحو: ما أكثر ألا يقوم، وما أعظم ما ضرب، وأشدد بهما.

يستكمل الشروط، وليس من أشتد الماسي كما فهم البعض.

(1)

- أي ينصب مصدر ما زاد على الثلاثة، أو ما وصفه على "أفعل فعلاء"، بعد أشده ونحوه، على أنه مفعول به.

(2)

- وقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله:

وأشدد أو أشد أو شبههما

يخلف ما بعض الشروط عدما

ومصدر العادم بعد ينتصب

وبعد "أفعل" جره بالبا يجب*

أي أن صيغة أشدد، على وزن "أفعل"، وأشد، على وزن "أفعل"، وما يشبه هاتين الصيغتين، مما يؤخذ من فعل مستوف للشروط -يخلف الصيغة التي لا يمكن صوغها الفعل الذي عدم- أي فقد- بعض الشروط. ومصدر الفعل العادم للشروط ينصب بعد الصيغة التي جئنا بها؛ مفعولا بعد "ما أفعل"، وبجر بالباء بعد "أفعل".

(3)

- أي: من "أن" والفعل المضارع المنفي، أو من "ما" والفعل المبني للمجهول، والمصدر المؤول في موضع نصب، مفعول به بعد "أفعل"، ومجرور بالباء بعد "أفعل"، ويجوز في المنفي أن تجيء بمصدره الصريح بدلا من المؤول مسبقوا بكلمة "عدم"الصريحة في معنى النفي أو ما يشبهها؛ فتقول في: ما قام زيد: ما أحسن عدم قيامه.

* "وأشدد"مبتدأ قصد لفظه. "أو أشد أو شبههما" معطوفان عليه. "يخلف" فعل مضارع فاعله يعود على أحد المذكورات، والجملة خبر المبتدأ. "أما" اسم موصول مفعول يخلف. "بعض الشروط" بعض مفعول عدم مقدم، والشرط مضاف إليه، وجملة "عدما" صلة ما. "ومصدر" مبتدأ. "العادم" مضاف إليه، وهو صفة لمحذوف، أي الفعل العادم، "بعد" ظرف مبني على الضم متعلق بينتصب الواقع خبرا للمبتدأ. "وبعد" ظرف متعلق بيجب، "أفعل" مضاف إليه مقصود لظفه. "جره" مبتدأ ومضاف إليه. "بالباء" متعق به، وقصر للضرورة، "يجب" الجملة خبر المبتدأ.

ص: 87

أما الفعل الناقص: فإن قلنا له مصدر

(1)

؛ فمن النوع الأول

(2)

، وإلا فمن الثاني

(3)

؛ تقول: ما أشد كونه جميلاً، أو: ما أكثر ما كان محسنًا، وأشدد أو أكثر بذلك وأما الجامد والذي لا يتفاوت معناه، فلا يتعجب منهما البتة

(4)

.

(1)

- أي بناء على القول بأنه يدل على الحدث، وهو الصحيح.

(2)

- أي: فيؤتى بمصدره الصريح بعد صيغة التعجب التي تؤخذ من الفعل المختار.

(3)

- أي: يؤتى له بمصدر مؤول من "ما والفعل"، منصوب بعد "ما أفعل"، ومجرور بالباء بعد "أفعل".

(4)

- ذلك لأن الجامد لا مصدر له حتى يمكن نصبه، أو جره بالباء، والذي لا يتفاوت معناه غير قابل للتفضيل.

هذا: وبقي من لا فعل له؛ فقيل: لا يتعجب منه؛ لأنه لا مصدر له حتى يؤتي به بعد "أشد" ونحوه، منصوبا أو مجرورًا، قال الصبان: والمتجه عندي أنه يتعجب منه بزيادة ياء المصدرية، أو ما في معناها؛ فيقال: ما أشد حماريته، أو ما أشد كونه حماراً.

ولا يختص التوصل بأشد ونحوه بما فقد بعض الشروط؛ بل يجوز فيما استوفى الشروط؛ تقول: ما أشد ضرب محمد لعلي، وقد يكون "أشد" ونحوه للتعجب ابتداء؛ نحو: ما أشد أعوانه، وما أكثر أمواله. وحينئذ لا يؤتى بعده بمصدر. وما ورد عن العرب من فعلي التعجب مبنيا مما لم يستكمل الشروط، يحفظ ولا يقاس عليه، لندوره. ومن ذلك قولهم: ما أخصره، من اختصر، وهو خماسي مبني للمفعول. وقولهم: ما أجبنه، وما أهوجه، وما أحمقه، مما الوصف منه على "أفعل" وما أعساه وأعس به، من غير المتصرف .. إلخ، وقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله:

وبالندور احكم لغير ما ذكر

ولا تقس على الذي منه أثر*

*وبالندور، متعلق باحكم. "لغير" متعلق به أيضًا. "ما" اسم موصوف مضاف إليه. "ذكر" ماض للمجهول، والجملة صلة ما. "على الذي" متعلق بتقس. "منه" متعلق بأثر الواقع صلة للذي، ومعنى أثر: نقل عن العرب.

ص: 88

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 -

عرف التعجب، واذكر بعض الصيغ غير المبوب لها في النحو، مع وضعها في جمل من إنشائك.

2 -

يقولون: إذا خفي السببب بطل العجب، بين ارتباط هذا القول بتعريف التعجب.

3 -

اذكر الشروط المجمع عليها في الفعل الذي تبنى منه صيغتا التعجب، ومحترزاتها، مع التمثيل بأمثلة من عندك.

4 -

كيف تتعجب من فاقد الشروط؟ ابسط القول في ذلك مع التمثيل.

5 -

ما حكم معمول فعل التعجب؟ وهل يتقدم على الفعل؟ ومتى يجوز حذف المتعجب منه؟

6 -

هل يجوز الفصل بين فعل التعجب ومعموله؟ وضح ذلك.

7 -

فيما يأتي شواهد في باب التعجب، بين الشاهد، وأعرب ما تحته خط:

ما أشبه الليلة بالبارحة. يا جارتا ما أنت جاره، وأها لسلمى ثم واها واها

اعزز علي بأن تكون عليلا

أو أن يكون لك السقام نزيلا

إذا ورث الجهال أبناءهم غنى

وجاءها فما أشقى بني الحكماء

فما أكثر الإخوان حين تعدهم

ولكنهم في النائبات قليل

ولا عيب فيها غير سحر جفونها

وأحبب بها سحارة حين تسحر

إلام الخلف بينكمو إلاما

وهذي الضجة الكبرى علاما

ما كان أجمل عهدهم وفعالهم

من لي بعهد في الوفاء تصرما

أولئك قومي بارك الله فيهم

على كل حال ما أعف وأكرما

أعظم بأيام الشباب نضارة

يا ليت أيام الشباب تعود

8 -

يكثر استشهاد النحويين بالبيتين الآيتين في هذا الباب، اشرحهما، وبين موضع الاستشهاد فيهما، وأعربهما:

ص: 89

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

خليل ما أحرى بذي اللب أن يرى

صبوراً ولكن لا سبيل إلى الصبر

9 -

هات صيغتي التعجب من الأفعال الآتية، وبين المعمول بها:

همى الغيث، غم الهلال، عذب الماء، هب الريح، اندحر الأعداء، المجاهد في احلق لا يأس، أنعم بالفداء في سبيل الوطن، ما برح المستعمرون يضللون الرأي العام، سننتصر بالصبر والإيمان.

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

10 -

تعجب مما يأتي بصيغتي التعجب المبوب لهما في النحو: "نموذج":

1 -

تسعد الأمم بأبنائها العاملين.

2 -

يكرم المرء لأدبه.

3 -

لا يخذل داعي الوطن إلا دخيل.

4 -

كان ابن الخطاب آية في العدل.

5 -

يستخرج الغواصون المرجان من البحار.

6 -

بان وجه الصواب بالبحث الجدي.

7 -

لون هذا الثوب زاه.

8 -

ليس للظلم بقاء مهما طالت أيامه.

9 -

لم تحرم أمة من النوابغ

10 -

يكرم المصري ضيفه.

رقم الجملة

الصيغة الأولى

الصيغة الثانية

1

ما أسعد الأمم بأبنائها العاملين

أسعد بالأمم بأبنائها العاملين

2

ما أحسن أن يكرم المرء لأدبه

أحسن بأن يكرم المرء لأدبه

3

ما أجمل ألا يخذل داعي الوطن إلا دخيلما أجمل بعدم خذلان

أجمل بألا يخذل داعي الوطن إلا دخيل

ما أجمل عدم خذلان

4

ما أعظم كون ابن الخطاب آية في العدل

أعظم يكون ابن الخطاب آية في العدل

5

ما أكثر استخراج المرجان من البحار

أكثر باستخراج المرجان من البحار

6

ما أبين وجه الصواب بالبحث الجدي

أبين بوجه الصواب بالبحث الجدي

7

ما أزهى لون هذا الثوب

أزه بلون هذا الثوب

8

لا يتعجب منه البتة لأنه جامد

-

9

ما أحسن ألا تحرم أمة من النوابغ

أحسن بالا تحرم أمة من النوابغ

10

ما أجمل أن يكرم المصري ضيفه

أجمل بأن يكرم المصري ضيفه

ص: 90

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

11 -

تعجب مما يأتي بصيغتي التجب "ما أفعل"، أفعل به".

- بان للعالم تعصب الصهيونية

- لون السماء صاف

- لا يهزم المتمسك بحقه العادل

- كان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

12 -

بين القياسي والسماعي من أمثلة التعجب الآتية مع ذكر السبب، وأعرب ما تحته خط.

ما أبرع محمدًا في الخطابة

- واها لسلمى ثم واها واها، ما أجن المنتحر لسقوطه في الامتحان وما أجهله بدينه، يا سبحان الله! كيف يتفرق العرب والعدو بين ظهرانيهم، لله در الفدائيين، ما أشد فرحة الأحرار حين يقدمون أرواحهم فداء لوطنهم. ما أعذب الموت في سبيل الحرية واسترداد أرض الوطن. ما أولع الشباب بالتمثيل الهذلي مع أنه مفسد للأخلاق، ما أجدر المخلصين من أبناء الوطن بالتكريم والتقدير.

ص: 91

هذا باب: نعم وبئس

(1)

وهما فعلان عند البصريين والكسائي؛ بدليل: فبها ونعمت

(2)

، واسمان عند باقي الكوفيين

(3)

؛ بدليل: "ما هي بنعم الولد

(4)

، جامدان

(5)

رافعان لفاعلين، معرفين بأل

‌باب: نعم وبئس

(1)

- المراد بهما هنا: الفعلان الجامدان اللذان يراد بهما إنشاء المدح العام والذم العام، أما "نعم وبئس" اللذان يراد بهما الإخبار بالنعمة والبؤس، فليستا موضوع هذا الباب، وهما متصرفتان؛ لهما: مضارع، وأمر، واسم فاعل .. وغير ذلك؛ تقول: نعم محمد بكذا، ينعم، فهو ناعم، وبئس، يبأس، فهو بائس.

(2)

- هذا جزء من حديثه، وتمامه:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"أي فبالرخصة أخذ، ونعمت رخصة الوضوء.

ووجه الدلالة على الفعلية دخول تاء التأنيث الساكنة، وهي لا تدخل إلا على الفعل وحكى الكسائي: نعما رجلين، ونعموا رجالا. وضمائر الرفع البارزة المتصلة من خصائص الأفعال أيضا؛ فهذا دليل ثان على الفعلية.

(3)

- وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء، ويعربان مبتدأين، ومعناهما: الممدوح والمذموم، وما هو فاعل على المشهور يعرب بدلا أو عطف بيان. والخبر هو المخصوص بالمدح أو الذم، ويجوز العكس. وفي مثل: نعم رجلا محمد، يعرب "رجلا" تمييزا أو حالا.

(4)

- قول لبعض العرب وقد بشر بمولود أنثى، وتمامه: نصرها بكاء، وبرها سرقة، ووجه الدلالة فيه: دخول حرف الجر على نعم.

ومثال بئس: قول بعضهم -وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير- "نعم السير على بئس العير"، فقد دخل حرف الجر على بئس. ويجيب البصريون على هذا بأن حرف الجر داخل على موصوف محذوف مع صفته، والأصل: بولد مقول فيه: نعم الولد، وعلى عير مقول فيه: بئس العير، والصحيح المعول عليه مذهب البصريين.

(5)

- لأنهما تجردا عن الحدث والزمان -وإن كانا ماضيين وقصد بهما إنشاء المدح أو الذم على سبيل المبالغة، والإنشاء من معاني الحروف.

ص: 92

الجنسية

(1)

؛ نحو: {نِعْمَ الْعَبْد} ، و {بِئْسَ الشَّرَاب}. أو بالإضافة إلى ما قارنها؛ نحو:{وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين} ، {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين}

(2)

، أو إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله:

فنعم ابن أخت القوم غير مكذب

(3)

(1)

- المراد "أل" المعرفة، جنسية كانت أو عهدية؛ فلا يقال: نعم زيد، ولا بئس رجل، على الراجح، والمراد: الجنس حقيقة، إن قصد بمدخول "أل" جميع الأفراد، ثم نص على الممدوح أو المذموم بعد. أو مجازا، إن أريد بمدخولها الفرد المعين كأنه جميع الجنس، مبالغة في المدح والذم، أما العهد فقد يكون لشيء معهود في الذهن، وتكون للعهد الذهني، وقد تكون للعهد الذكري، والمعهود هو المخصوص. و"أل" الجنسية أقوى في تأدية المقصود وإن كانت العهدية أظهر.

(2)

- من الآيتين 29، 30 من سورة النحل.

(3)

- صدر بيت من الطويل لأبي طالب عم النبي، من كلمة يمدح فيها الرسول عليه السلام، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وعجزه.

زهير حسان مفرد من حمائل

اللغة والإعراب: حسام: الحسام: السيف القاطع؛ سمي بذلك لأنه يحسم الخلاف بين الناس. حمائل: جمع حمالة؛ وهي علاقة السيف. "ابن" فاعل نعم. "أخت" مضاف إليه. "القوم" مضاف إليه أيضاً. "غير مكذب" غير حال من ابن ومكذب مضاف إليه، والجملة من نعم وفاعله خبر مقدم. "زهير" مبتدأ مؤخر، أو زهير خبر لمبتدأ محذوف؛ أي هو زهير، وهو المخصوص بالمدح. "حسام مفرد" خبر إن لمبتدأ محذوف، لا نعتان لزهير؛ لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة، وروي حساما مفردا على أنهما حالان من زهير، ولعل هذه الرواية الصحيحة، "من حمائل" متعلق بمفردا، وجر بالكسر للضرورة، وكان ينبغي جرة بالفتحة، لأنه ممنوع من الصرف.

المعنى: يمدح زهيراً ابن عمته بأنه صادق المودة مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، ماضي العزيمة، نسيج وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله، وزهير هذا هو: ابن أمية بن عاتكة بنت عبد المطلب، أخت أبي طالب، وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان زهير أحد

ص: 93

أو مضمرين مستترين

(1)

مفسرين بتمييز

(2)

؛. . . . . . . . . . .

الرجال الذين اتفقوا على نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم آل النبي، وعلقوها في الكعبة ليلجئوهم على حمل النبي على ترك دعوته.

الشاهد: الإتيان بفاعل "نعم" اسما مضاف إلى مقترن بأل، وهو القوم.

هذا: وقد جاءت إضافة الفاعل إلى ضمير ما فيه أل في قول الشاعر:

فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها

وهونادر لا يقاس عليه. وأجاز الفراء ومن تبعه من الكوفيين إضافة الفاعل للنكرة، كقوله:

فنعم صاحب قومل لا سلاح لهم

وصاحب الركب عثمان بن عفانا

وخص الجمهور ذلك بالضرورة، وورد مجيء الفاعل علما أو مضافا إلى علم؛ كقول بعض العبادلة: بئس عبد الله أنا إن كان كذا. وقول النبي عليه السلام: "نعم" عبد الله هذا. وأول على أن الفاعل ضمير مستتر حذف تمييزه، والعلم مخصوص بالمدح، وما بعده بدل أو عطف بيان.

(1)

- أي: أو رافعان لمضمرين مستترين وجوبا غالبا، ويلتزم هذا الضمير الإفراد والتذكير؛ قال الشاعر:

نعم أمرين حاتم وكعب

كلاهما غيث وسيف عضب

ومن غير الغالب: نعما رجلين، ونعموا رجالا، كما سبق. وشذ إبراز الضمير مع الباء الزائدة، حكى الفارضي:"نعم بهم قوما"، ولا يتبع بتابع، وشذ تأكيده في: نعم هم قوما أنتم.

(2)

- أي بعدهما، وهذا من المواضع التي يجوز عود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة. ولا بد من مطابقة هذا التمييز لمعناهما؛ أي للمخصوص بالمدح؛ أو الذم؛ إفرادا وغير إفراد، وتذكير وتأنيث، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

فعلان غير متصرفين

نعم وبئس رافعان اسمين

مقارني "أل" أو مضافين لما

قارنها كـ"نعم" عقبى الكرما

ص: 94

نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}

(1)

. وقوله:

ويرفعان مضمرًا يفسره

مميز كـ"نعم" قوماً معشره*

أي أن نعم وبئس فعلان جامدان، وهما يرفعان فاعلين مقترنين بأل، أومضافين للمقترن بها، ومثل لهذا بقوله:{نِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} . أو يرفعان ضميرا يفسره تمييز، كنعم قوما معشره.

ويشترط في هذا التمييز علاوة على مطابقة المخصوص التي ذكرناها:

أ- أن يكون نكرة عامة متكثرة الأفراد؛ فلا يجوز: نعم شمسا هذه الشمس؛ لأنه لا ثاني لها، أم قولهم: نعم شمسا شمس هذا اليوم، فسائغ؛ لتعددها بتعدد الأيام.

ب- وأن يكون مؤخراً عن العامل؛ فلا يصح تقديمه على نعم وبئس.

جـ- وأن يتقدم على المخصوص بالمدح أو الذم، وشذ قولهم: نعم محمد رجلا.

د- ويجب ذكره؛ فلا يجوز حذفه لئلا يبقى الفاعل المستتر مبهما ليس له ما يفسره إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه؛ كالتاء في قولك: إن زرت محمدا فبها ونعمت، أي ونعمت زيارة زيارتك، ومنه الحديث المتقدم: "من توضأ يوم الجمعة

"إلخ.

هـ- ويجب أن يكون صالحا لقبول "أل" المعرفة، أو حال محل ما يقبلها؛ لأنه خلف عما يجب قرنه بها وهو الفاعل، فاعتبر صلاحيته لها، فلا يفسر بالكمات المتوغلة في الإبهام، ككلمة:"غير"، و"مثل"، و"شبه"، و"أي"، وأفعل التفضيل المضاف والمقرون بمن.

(1)

- فاعل"بئس" ضمير مستتر فيها، و"بدلا" تمييز مفسر له؛ والتقدير: بئس هو أي البدل،

* "فعلان" خبر مقدم؛ غير "نعت له، "متصرفين" مضاف إليه، "نعم" مبتدأ مؤخر قصد لفظه. "وبئس" معطوف على نعم. "رافعان" خبر لمبتدأ محذوف، أي هما رافعان، وفيه ضمير مستتر هو الفاعل. "اسمين مفعوله، ويجوز أن يكون "رافعان" نعتا لفعلين. "مقارني أل" نعت لاسمين ومضاف إليه. "أو مضافين معطوف على مقارني. "لما" متعلق بمضافين، و"ما" اسم موصول. "قارنها" الجملة صلة ما، والهاء عائدة إلى أل. "كنعم" الكاف جارة لقول محذوف، و"نعم"فعل ماض، "عقبي الكرما" فاعل نعم ومضاف إليه. "ويرفعان" فعل مضارع وألف الاثنين فاعل، وهو معطوف على رافعان، من عطف الفعل على الاسم المشبه له. "مضمراً" مفعول يرفعان. "يفسره" الجملة صفة لمضمر. "مميز" فاعل يفسر. "قوما" تمييز مفسر لضمير نعم. "معشره" مخصوص بالمدح مبتدأ، وخبره الجملة التي قبله، ومعشر الرجل: عشيرته.

ص: 95

نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

(1)

وأجاز المبرد وابن السراج والفارسي: أن يجمع بين التمييز والفاعل الظاهر؛ كقوله:

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

(2)

والمخصوص محذوف، أي إبليس وذريته، من الآية 50 من سورة الكهعف.

(1)

- صدر بيت من البسيط ينسب لزهير بن أبي سلمى، يمدح هرم بن سنان، وليس في ديوانه، وعجزه.

إلا وكان لمرتاع بها وزرا

اللغة والإعراب: لم تعر: لم تنزل ولم تعرض. نائبة: كارثة وحادثة من حوادث الدهر. لمرتاع: أي فزع وخائف، وهو اسم فاعل من ارتاع. وزرا، ملجا، ومعينا. "نعم" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره: هو "امرأ" تمييز مفسر للضمير المستتر؛ أي نعم هو؛ أي المرء، والجملة خبر مقدم. "هرم" مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر. "نائبه" فاعل تعر. "إلا" حرف استثناء. "وكان" الواو للحال، وكان فعل ماض ناقص، واسمها يعود على هرم. "لمرتاع" متعلق بوزار الواقع خبرا لكان.

المعنى: يمدح هرما بأنه رجل كريم ذو مروءة، وشجاع، لا تنزل بأحد نازلة أو تحل به كارثة من كوارث الزمان تتطلب النجدة والعون؛ إلا أخذ بيده، وكان له معينا وناصرا ومساعدا.

الشاهد: في "نعم امرأ"؛ فإن فاعل نعم ضمير مستتر، وقد فسر لإبهامه بالتمييز بعده الذي هو "امرأ" وهنالك شاهد آخر في قوله:"إلا وكان" حيث جي بواو الحال قبل الفعل الماضي الواقع بعد إلا، وهذا نادر، والفصيح تجرد هذه الجملة من الواو؛ كقوله-تعالى-:{إلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} من الآية 11 من سورة الحجر، و 30 من سورة يس.

(2)

- صدر بيت من البسيط، لم يعرف قائله، وعجزه:

رد التحية نطقاً أو بإيماء

اللغة والإعراب: التفاة: المرأة الشابة الحديثة السن، وهي مؤنث الفتى، بذلت: أعطت، بإيماء، الإيماء، الإشارة مصدر أومأ إلى الشيء إذا أشار إليه. "الفتاة" فاعل نعم.

ص: 96

ومنعه سيبويه والسيرافي مطلقا

(1)

. وقيل: إن أفلاد معنى زائداً جاز، وإلا فلا، كقولهم:

فنعم المرء من رجل تهامي

(2)

"فتاة" تمييز مؤكد له. "هند" مخصوص بالمدح. "لو" شرطية، أو حرف تمن. "بذلت" فعل الشرط، "رد التحية" رد مفعول بذلت، والتحية مضاف إليه. "نطقا" منصوب على نزع الخافض؛ أي بنطقي. "أو بإيماء" معطوف على نطقا بأو، وجواب الشرط محذوف للعلم به.

المعنى: إن هندا تستحق الثناء والتقدير، لو تفضلت برد التحية بالنطق أو بالإشارة، وبعد ذلك منها بذلا ومنحة.

الشاهد: الجمع بين فاعل نعم الظاهر -وهو "الفتاة" وبين تمييزها- وهو "فتاة" "وليس في التمييز معنى زائد على ما يدل عليه الفاعل، ولكن الغرض منه مجرد التوكيد لا رفع إبهام شيء، مثله قول الشاعر:

تزود مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

وهذا الرأي مؤيد بما ورد كثيرا نظما ونثرا في الفصيح من كلام العرب، وهو الصحيح.

ومن النثر قول الحارث بن عباد، حين بلغه أن بانه بجيرا قتل في حرب البسوس:"نعم القتيل قتيلا أصلح بين بكر وتغلب".

(1)

- أي سواء أفاد التمييز معنى زائدا عما يفيده الفاعل، أم لا؛ لأن التمييز لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل، وقد أول ما ورد من ذلك بجعل المنصوب حالا مؤكدة.

(2)

- عجز بيت من الوافر، لأبي بكر الأسود بن شعوب الليثي، وقيل: للحارث بن عباد، وصدره:

تخيره فلم يعدل سواه

وقد تقدم شرحه في باب التمييز، صفحة (255) من الجزء الثاني

الشاهد: فيه هنا: الجمع بين فاعل نعم الظاهر -وهو المرء- وبين التمييز -وهو "من رجل"- وقد أفاد التمييز معنى زائدا عما أفاده الفاعل؛ وذلك بواسطة نعته، وهو أنه تهامي، أي منسوب إلى تهامه، وتهامة: اسم لما انخفض عن نجد من بلاد الحجاز، وإلى هذا الخلاف أشار الناظم بقوله:

*"وجمع تمييز" مبتدأ أول، ومضاف إليه، "وفاعل" معطوف على تمييز، "ظهر" الجملة نعت لفاعل. "فيه" كتعلق بمحذوف خبر مقدم. "خلاف" مبتدأ ثان مؤخر. "عنهم" متعلق باشتهرت الواقع نعتا لخلاف، والضمير في عنهم للحناة، وجكلة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتد الأول.

ص: 97

واختلف في كلمة "ما" بعد نعم وبئس؛ فقيل: فاعل

(1)

، فهي معرفة ناقصة؛ أي موصولة في نحو

(2)

: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه}

(3)

أي:

نعم الذي يعظكم به. ومعرفة تامة

(4)

في نحو: {فَنِعِمَّا هِي} ؛ أي: فنعم الشيء هي. وقيل: تمييز، فهي نكرة موصوفة في الأول

(5)

، وتامة في الثاني

(6)

.

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر*

(1)

- وعلى ذلك فهي مستثناة من شرط الفاعل المتقدم. ومثل "ما"، "من" وتكون موصولة، أي نكرة تامة، أو موصوفة، ولا تكون معرفة.

(2)

- أي من كل تركيب وقع فيه بعدها جملة فعلية، وتكون الجملة صلة.

(3)

- من الآية 58 من سورة النساء.

(4)

- أي غير مفتقرة إلى صلة؛ وذلك إذا وقع بعدا مفرد، ويكون ما بعدها هو المخصوص كما مثل المصنف، وكذلك إذا وقعت بعدها جملة؛ نحو: نعم ما فعلت، وتكون الجملة صفة لمخصوص محذوف، والتقدير: نعم الشيء شيء فعلت، والتقدير في المثال السابق: نعم الشيء شيء يعظكم به.

(5)

- أي: إذا وقعت بعدها جملة فعلية، ويكون الفعل بعدها صفة لها، والمخصوص محذوف، والتقدير في المثال المذكور: نعم شيئًا يعظكم به ذلك القول.

(6)

- أي: إذا وليها مفرد، فهي نكرة تامة تمييز، وفاعلها ضمير مستتر يعود على هذا التمييز، والمفرد بعدها هو المخصوص، وكذلك يجوز إذا وليتها جملة، أن تعرب نكرة تامة، وتكون الجملة صفة لمخصوص محذوف؛ أي نعم هو شيئًا شيء يعظكم به. وإذا لم يلها مفرد ولا جملة؛ نحو: السماحة نعما، والتقتير بئسما، فهي: إما معرفة تامة فاعل، أو نكرة تامة تمييز، والفاعل ضمير مستتر يعود عليها، والمخصوص على كل محذوف؛ أي نعم الشيء، أو شيئًا، تلك السماحة، وكذلك بئس.

وإلى الخلاف في "ما" المتلوة بجملة فعلية يشير الناظم بقوله:

* "وجمع تمييز" مبتدأ أول، ومضاف إليه. "وفاعل" معطوف على تمييز. "ظهر" الجملة نعت لفاعل. "فيه" كتعلق بمحذوف خبر مقدم. "خلاف" مبتدأ ثان مؤخر. "عنهم" متعلق باشتهرت الواقع نعتًا لخلاف، والضمير في عنهم للنحاة، وجكلة المبتدإ الثاني وخبره خبر المبتدإ الأول.

ص: 98

‌فصل: في حكم المخصوص بعد فاعل نعم وبئس

فصل: ويذكر المخصوص بالمدح أو الذم بعد فاعل نعم وبئس

(1)

؛ فيقال: نعم الرجل أبو بكر، وبئس الرجل أو لهب، وهو مبتدأ والجملة قبله خبر

(2)

، ويجوز أن

"وما" مميز وقيل فاعل

في نحو "نعم" ما يقول الفاضل*

أي: إنه اختلف في "ما" الواقعة بعد "نعم" و"بئس"؛ فقيل: هي نكرة منصوبة على التمييز، ويكون فاعل "نعم" و"بئس" ضميرا مستترا. وقيل: هي الفاعل. والمثال الذي ذكره يصلح للقولين؛ كما يتبين من الإعراب، ومما أضحناه.

تنبيه:

إذا كان فاعل "نعم" و"بئس" ضميرا مستترا؛ فلا يجوز أن يكون له تابع؛ من نعت، أو عطف، أو توكيد، أو بدل. وإذا كان فاعلهما مفردا ظاهرا، امتنع توكيده توكيدا معنويا. فإن كان مثنى أو جمعا جاز، تقول: نعم الصديقان كلاهما محمد وعلي، ونعم الأصدقاء كلهم محمد، وعلين وعمر، والمؤنث كالمذكر.

أما التوكيد اللفظي فجائز، وكذلك العطف والبدل، أما النعت فيجوز إذا أريد به الإيضاح، لا التخصيص؛ لأن التخصيص مناف للتعميم المفهوم من أل الجنسية.

(1)

- يشترط في المخصوص: أن يكون معرفة، أو نكرة مختصة بوصف أو إضافة أو غيرهما من وسائل التخصيص، وأن يكون أخص من الفاعل، لا مساويا له ولا أعم؛ وذلك ليحصل التفضيل بعد الإجمال، فيكون أوقع في النفس. وأن يكون مطابقا له في المعنى: تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا. وأن يكون متأخرا عنه ليكون أدعى للتشويق. وكذلك يجب تأخيره عن التمييز، إذا كان الفاعل ضميرا مستترا له تمييز؛ نحو: نعم رجلا المجاهد فإن كان الفاعل اسما ظاهرا جاز تقديم المخصوص على التمييز وتأخيره؛ تقول: نعم المجد تلميذا محمدا، ونعم المجد محمد تلميذا.

وإذا كان المخصوص مؤنثاً، جاز تذكير الفعل وتأنيثه، وإن كان الفاعل مذكرا

(2)

- والرابط عموم الفاعل، أو إعادة المبتدأ بمعناه، وهذا مذهب سيبويه ومن تبعه، وهو الراجح.

* "وما" مبتدأ "مميز" خبر. "وقيل" فعل ماض للمجهول. "فاعل" خبر لمبتدأ محذوف، أي هو فاعل، والجملة نائب فاعل، وهي مقول القول. "في نحو" متعلق بمحذوف حال من "ما" نعم" فعل ماض لغنشاء المدح وفاعله مستر. "ما" نكرة ناقصة في موضع نصب تمييز. "يقول الفاضل" الجملة في محل نصب نعت لما، أي نعم شيئا يقوله الفلاضل، وقيل: "ما" معرفة فاعل نعم، والجملة الفعلية في محل رفع نعت لمخصوص محذوف، أي نعم الشيء شيء يقوله الفاضل.

ص: 99

يكون خبرا لمبتدأ واجب الحذف، أي: الممدوح أبو بكر، والمذموم أبو لهب

(1)

.

وقد يتقدم المخصوص

(2)

، فيتعين كونه مبتدأ، نحو: زيد نعم الرجل، وقد يتقدم ما يشعر به فيحذف

(3)

؛ نحو: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} ؛ أي: هو

(4)

.

(1)

- وهذا مذهب الجمهور.

وإلى الإعرابين يشير الناظم بقوله:

ويذكر المخصوص بعد مبتدأ

أو خبر اسم ليس يبدو أبدا*

أي يذكر المخصوص بعد الفاعل، ويعرب مبتدأ، أو خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا

(2)

- أي على "نعم"و"بئس"، وذلك بشرط صلاحيته للتأخير.

(3)

- أي قد يتقدم على جملة المخصوص لفظ يدل عليه ويشعر به إذا حذف فيحذف المخصوص جوازا؛ سواء كان هذا المشعر صالحاً لأن يكون مخصوصا، أو لا، ويعرب على حسب حالته.

(4)

- أي أيوب؛ فحذف المخصوص بالمدح وهو ضمير أيوب؛ لدلالة ما قبله عليه، وهو يصلح أن يكون مخصوصا. ويجوز أن يكون التقدير: نعم العبد الصابر، وعلى هذا يكون المشعر -وهو كلمة "صابرا"- غير صالح لأن يكون مخصوصا؛ لأنه نكرة غير مختصة. من الآية 44 من سورة ص. وإلى حذف المخصوص أشار الناظم بقوله:

وإن يقدم مشعر به كفى

كالعلم نعم المقتنى والمقتفى**

أي: إذا تقدم على المخصوص بالمدح أو الذم ما يشعر به بمعناه، ويدل عليه من غير لبس أو فساد في المعنى، كفى عنه وجاز حذفه، وقول الناظم:"كالعلم نعم المقتنى والمقتفى" من تقديم المخصوص لا المشعر به؛ إذا أعرب "العلم" مبتدأ وما بعده خبرا؛ كما هو المتبادر، والأصل: نعم المقتنى والمقتفى العلم. والمقتنى: الشيء الغالي الذي يقتنى ويحرص الناس

* "المخصوص" نائب فاعل يذكر. "بعد" ظرف مبني على الضم محل نصب متعلق ببذكر. "مبتدأ -بالقصر- حال من المخصوص. "أو خبر اسم" أو خبر معطوف على مبتدأ، واسم مضاف إليه. "ليس يبدو أبداً الجملة من ليس ومعموليها في محل جر نعت ثان لاسم.

** "وإن يقدم "شرط وفعله "مشعر" نائب فاعل يقدم. "به" متعلق بمشعر. "كفى" فعل ماض، والجملة جواب الشرط. "كالعلم" الكاف جارة لقول محذوف، و"العلم" مبتدأ، والجملة بعده خبر، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مقول القول المحذوف.

ص: 100

وليس منه

(1)

: "العلم نعم المقتنى"؛ وإنما ذلك من التقدم

(2)

.

على الاحتفاظ به. والمقتفى: الذي يتبع ويسار على نهجه.

(1)

- أي ليس من حذف المخصوص.

(2)

- هذا إذا أعرب "العلم" مبتدأ كما بينا، أما إذا أعرب "العلم" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي الممدوح العلم، أو عكسه، أو أعرب مفعولا لمحذوف؛ أي الزم العلم، وجملة "نعم المقتنى" مستأنفة، فيكون من تقديم الشعر لا المخصوص؛ لعدم صلاحيته للتأخير؛ لأنه من جملة أخرى، وعلى هذا يحمل كلام الناظم.

ص: 101

فصل: وكان فعل ثلاثي صالح للتعجب منه؛ فإنه يجوز استعماله على "فعل"، بضم العين؛ إما بالإصالة؛ كظرف، وشرف، أو بالتحويل

(1)

؛ كضرب، وفهم. ثم يجري حينئذ مجرى نعم وبئس؛ في إفادة المدح والذم

(2)

، وفي حكم الفاعل، وحكم المخصوص؛ تقول في المدح: فهم الرجل زيد، وفي الذم: خبث الرجل عمرو

(3)

.

ومن أمثلته: "ساء"

(4)

؛. . . . . . . . . . .

(1)

- أي إذا كان في الأصل مفتوح العين أو مكسورها كمثال المصنف. ثم إن كان الفعل معتل العين بالألف نحو: صام ونام، بقي على حاله، وقدر فيه التحويل إلى "فعل"، وإن كان معتل اللام؛ فإن كانت لامه واوا، ظهرت الواو مفتوحة وقبلها الضمة إن لم تكن موجودة من الأصل. نحو سَرُوَ، وغَزُوَ. وإن كانت ياء قلبت واو وضم ما قبلها؛ نحو خَشُوَ، ويعتبر الفعل بعد ذلك التحويل لازما مجردا من الدلالة على الزمن، جامدا، لا مضارع له ولا أمر ولا غيرهما من المشتقات. واستعمال هذا النوع في المدح والذم نادر، ولا يحسن استعماله اليوم، فهنالك ما يغني عنه من الأساليب المقبولة.

(2)

- وذلك مع تأدية كل فعل معناه الخاص به، ودلالته على التعجب؛ فكل فعل ثلاثي يحول إلى صورة "فعل" يؤدي هذه الأمور الثلاثة. وجريان الفعل هذا المجرى ليس على سبيل الوجوب، بل على سبيل الأولوية.

(3)

- وتقول: شرف، وكرم، ونبه، وفهم، وبرع، ولعب. . . . . . . . . . . إلخ.

(4)

- خصها المصنف والناظم بالذكر؛ لأنها للذم العام فهي أشبه ببئس، ولكثرة استعمالها وللخلاف فيها؛ أهي مثل بئس في المعنى والحكم؟ أم هي مثلها في المعنى؟ أما في

ص: 101

فإنه في الأصل سوأ، بالفتح

(1)

؛ فحول إلى "فعل" بالضم، فصار قاصرا، ثم ضمن معنى "بئس" فصار جامداً محكوماً له ولفاعله بما ذكرنا

(2)

؛ تقول: ساء الرجل أبو جهل، وساء حطب النار أبو لهب؛ وفي التنزيل:{وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً}

(3)

، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}

(4)

، ولك في فاعل "فعل" المذكور: أن تأتي به اسماً مجرداً من أل

(5)

، وأن تجره بالباء

(6)

،. . . . . . . . . . .

الأحكام فكالأفعال المحولة.

(1)

- والسوء: ضد السرور، حركت الواو والفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، يقال: ساءه الأمر يسوءه، إذا أحزنه، فهو متعد متصرف.

(2)

- أي من كونه كبش في أحكامه، قال الناظم:

واجعل كبئس "ساء" وأجعل فعلا

من ذي ثلاثة كنغم مسجلا*

أي اجعل "ساء" مثل بئس في معناها وأحكماها. واجعل "فعل" من كل فعل ثلاثي مثل "نعم"، جعلا مطلقًا في معناها وأحكامها، من غير تقييد يحدث بينهما فرقًا. ومعنى مسجلًا حرًا عن التقييد بحكم. والاقتصار على "نعم" ليس مقصودًا، بل مثلها في ذلك "بئس".

(3)

- فاعل "ساء" ضمير مستتر يعود على النار. "مرتفقًا" تمييز على حذف مضاف؛ أي نار مرتفق؛ لأن التمييز ينبغي أن يكون عين المميزة في المعنى. والمرتفق: المتكأ. من الآية 29 من سورة الكهف.

(4)

- "ما" إن جعلت فاعلاً؛ فهي اسم موصول والجملة صلة؛ أي ساء ما يحكمونه، وإن جعلت تمييزًا، فهي نكرة موصوفة؛ أي ساء شيئاً يحكمونه، وعلى الاتجاهين فالمخصوص بالذم محذوف. من الآية 4 من سورة العنكبوت.

(5)

- أي بخلاف فاعل نعم وبئس، وهذا أحد الفروق بينهما.

(6)

- أي الزائدة، وبكثرة إن كان اسماً ظاهرًا، وذلك تشبيهًا بفاعل "أفعل" في التعجب، فيجر

* "كبش" جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل. "ساء" مفعوله الأول، مقصود لفظه. "فعلا" مفعول أول لاجعل الثاني على تقدير مضاف. "من ذي ثلاثة" متعلق بمحذوف حال من فعلا، ومضاف إليه. "كنعم" جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل. "مسجلا" حال من نعم.

ص: 102

وأن تأتي به ضميرًا مطابقًا

(1)

؛ نحو: فهم زيد.

وسمع: مررت بأبيات جاد بهن أبياتًا، وجدن أبياتًا

(2)

، وقال:

حب بالزور الذي لا يرى

(3)

لفظا ويرفع محلا؛ تقول: حمد بالجار معاشرة؛ أي حمد الجار معاشرة. وهذا فرق ثان بينهما.

(1)

- أي لما قبله وجوبا، وعائدا كذلك إلى شيء سابق؛ تقول: المخلص سعد رجلا، والمخلصان سعدا رجلين .. إلخ؛ فإن عاد إلى التمييز المتأخر فلا مطابقة، وهذا فرق ثالث؛ فإن "نعم" يتعين في فاعلها المضمر لزومه حالة واحدة، وعوده على التمييز بعده.

(2)

- حكى ذلك الكسائي، بزيادة الباء في الفاعل أولا، وتجرده منها ثانياً، وهو سبب تمثيل المصنف به. وجاد بهن؛ من جاد الشيء، إذا صار جيدا، وأصله: جود؛ فحول إلى "فعل" لقصد المبالغة والتعجب، وزيدت الباء في الفاعل، وعوض من ضمير الرفع ضمير الجر؛ فقيل: بهن، و"أبياتًا" تمييز، و"جدن" فعل وفاعل، "أبياتًا" تمييز أيضًا، وقد جمع فيهما بين الفاعل والتمييز.

(3)

- صدر بيت من المديد، للطرماح بن حكيم، وعجزه:

منه إلا صفحة أو لمام

اللغة والإعراب: الزور: الزائر، وهو مصدر يراد به اسم الفاعل، ويطلق على الواحد والجمع، مذكرا ومؤنثا. صفحة: المراد: صفحة الوجه؛ وهي جانبه. لمام: جمع لمة، وهي الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن؛ فإذا بلغ المنكب سمي: جمة "حب" فعل ماض لإنشاء التعجب. "بالزور" فاعل حب على زيادة الباء. "الذي" صفة للزور. "لا" حرف نفي. يرى "فعل مضارع للمجهول. "منه" متعلق به. "إلا" أداة حصر. "صفحة" نائب فاعل يرى. والجملة صلة الذي. "أو لمام" معطوف على صفحة.

المعنى: ما أحب الضيف الذي لا يثقل على مضيفه بالمكث عنده ومضايقته، حتى لا يكاد يتحقق من ملامحه، لسرعه انصرافه وتركه المضيف.

الشاهد: مجيء فاعل "حب" التي تفيد معنى "نعم" مقترنا بالباء الزائدة؛ لقربها من معنى التعجب، وقد علمت أن الباء تزاد في فاعل فعل التعجب.

ص: 103

أصله: حبب الزور، فزاد الباء، وضم الحاء؛ لأن "فعل" المذكور يجوز فيه: أن تسكن عينه، وأن تنقل حركتها إلى فائه

(1)

، فتقول: ضرب الرجل، وضرب.

تنبيه: يتبين مما ذكره المصنف أن "ساء"، "حب" إذا لم يكن معهما "ذا"، من المحول إلى "فعل" بالضم، وتجري عليهما أحكامه التي ذكرها، وهذا هو المشهور. ويرى الدماميني: أنه يلتزم في فاعل "ساء" من جميع الأحكام. وقال الشاطبي: إن فاعل "حب" -إذا لم يكن معه "ذا"- يلتزم فيه ما التزم في فاعل "نعم".

(1)

- وفي ذلك، وفيما تقدم في فاعل "حب" إذا غير "ذا" -يقول الناظم:

وما سوى "ذا" ارفع بحب أو فجر

بالبا ودون "ذا" انضمام الحا كثر*

أي أرفع الفاعل بحب، إذا كان اسماً غير كلمة "ذا"، أو جره بالباء الزائدة ويكون في محل رفع، وانضمام الحاء مع "حب" -إذا كان دون ذا- كثير.

* "وما" اسم موصول مفعول مقدم لارفع. "سوى" ظرف، صلة ما. "ذا" مضاف إليه. "بحب" متعلق بارفع. "أو فجر" معطوف على ارفع، والفاء زائدة. "بالباء" متعلق بجر، وقصر للضرورة. "ودون ذا" دون ظرف متعلق بمحذوف، حال من محذوف للعلم به، وذا مضاف إليه. "انضمام" مبتدأ. "الحاء" -بالقصر- مضاف إليه. "كثر" الجملة خبر المبتدأ، والتقدير: وانضمام الحاء من حب حال كونه دون "ذا" كثير.

ص: 104

فصل: ويقال في المدح: "حبذا"، وفي الذم:"لا حبذا"، قال:

ألا حبذا عاذري في الهوى

ولا حبذا الجاهل العاذل

(1)

(1)

- بيت من المتقارب، لم نقف على قائله.

اللغة والإعراب: العاذر: الذي يقبل العذر، ولا يلوم؛ من عذره يعذره، والاسم المعذرة. العاذل: اللائم؛ من عذله يعذله، والاسم العذل. "ألا" حرف تنبيه. "حبذا" فعل وفاعل. والجملة في محل رفع خبر مقدم، وسيذكر المصنف لها أعاريب أخرى. "عاذري" مبتدأ مؤخر وهو المخصوص بالمدح. "في الهوى" متعلق بعاذر. "ولا" نافية. "حبذا الجاهل" إعرابه كسابقه. "العاذل" صفة للجاهل.

المعنى: نعم من يعذرني في الهوى، ويكف عن لومي وعذلي، وبئس الجاهل الغبي الذي يلومني، ولا يلتمس لي عذرا في هواي.

الشاهد: استعمال "حبذا" للمدح في الشطر الأول من البيت، و"لا حبذا" للذم في

ص: 104

ومذهب سيبويه: أن "حب" فعل، و "ذا" فاعل، وأنهما باقيان على أصلهما

(1)

. وقيل: ركبا وغلبت الفعلية لتقدم الفعل؛ فصار الجميع فعلاً، وما بعده فاعل

(2)

. وقيل: ركبا وغلبت الاسمية لشرف الاسم؛ فصار الجميع اسماً مبتدأً، وما بعده خبره

(3)

. ولا يتغير "ذا" عن الإفراد والتذكير، بل يقال: حبذا الزيدان والهندان؛ أو الزيدون والهندات؛ لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل

(4)

، كما في قولهم:"الصيف ضيعت اللبن". يقال لكل

الشطر الثاني وقد جمع بينهما.

(1)

- أي أنهما جملة فعلية ماضوية لإنشاء المدح، و"ذا" كفاعل "نعم"؛ لا يجوز إتباعه، وإذا وقع بعده اسم؛ نحو: حبذا الرجل، فهو المخصوص، لا تابع لاسم الإشارة، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:

ومثل نعم "حبذا" الفاعل "ذا"

وإن ترد ذما فقل "لا حبذا"*

أي مثل "نعم" مع فاعلها في إنشاء المدح جملة "حبذا"، وهي جملة فعلية، الفاعل فيها هو "ذا". وعند إرادة الذم قل "لا حبذا" بزيادة "لا" النافية. ويجب وصلها بذا كتابة.

(2)

- هذا رأي ضعيف؛ لأنه لم يعهد تركيب فعل من فعل واسم، على أنه قد يحذف المخصوص، والفاعل لا يحذف، كما في قول الشاعر:

ألا حبذا لولا الحياء وربما

منحت الهوى ما ليس بالمتقارب

(3)

- وأجاز بعضهم كون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ مؤخرا. وينسب هذا إلى المبرد وابن السراج. وضعف بأن "حبذا" لو كان اسما لوجب تكرار "لا" عند إهمالها في نحو: لا حبذا زيد ولا عمرو، وأيضا: عمل "لا" في معرفة إن أعملت عمل "إن" أو ليس. وبقي وجه آخر؛ وهو: أن يكون "حب" فعلا، و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعل.

(4)

- أي في كثرة الاستعمال، وفيه علة تقتضي عدم التغيير كالمثل؛ وهي: إرادة الإبهاما بذا، ثم الإيضاح بما يأتي بعدها مثل: ربه رجلا، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

* "ومثل" خبر مقدم "نعم" مضاف إليه. "حبذا" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "والفاعل ذا" مبتدأ وخبر. "وإن ترد" شرط وفعله. "ذما" مفعول ترد. "فقل" الفاء واقعة في جواب الشرط. "لا" نافية. "حبذا فعل وفاعل، والجملة في محل نصب مقول القول، وجملة القول جواب الشرط. زائدة. "بالباء" متعلق بجر، وقصر للضرورة. "ودون ذا" دون ظرف متعلق بمحذوف، حال من محذوف للعلم به، وذا مضاف إليه. "انضمام" مبتدأ. "الحاء" -بالقصر- مضاف إليه. "كثر" الجملة خبر المبتدأ، والتقدير: وانضمام الحاء من حب حال كونه دون "ذا" كثير.

ص: 105

أحد بكسر التاء وإفرادها

(1)

. وقال ابن كيسان:

لأن المشار إليه مضاف محذوف؛ أي حبذا حسن هند

(2)

، ولا يتقدم المخصوص على "حبذا"؛ لما ذكرنا من أنه كلام جرى مجرى المثل

(3)

، وقال ابن رباب: شاذ؛ لئلا يتوهم أن في "حب ضميراً"

(4)

، وأن "ذا" مفعول.

تنبيه: إذا قلت: "حب الرجل زيد، فحب هذه من باب "فعل" المتقدم ذكره،

(1)

- ذلك لأنه في الأصل خطاب لامرأة طلقت زوجا غنيا لكبره، وأخذت شابا فقيرًا، وكان ذلك في زمن الصيف، فلما جاء الشتاء أرسلت للأول تطلب منه لبنا؛ فقال لها ذلك، وصار مثلا يضرب لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه، و"الصيف" منصوب على الظرفية لضيعت.

(2)

- هذا قول غير مسلم؛ لأنه لو كان كما ذكره، لظهر هذا المبتدأ المقدر في بعض التراكيب العربية؛ ولم يثبت ذلك إطلاقًا، فهو قول لا دليل عليه.

(3)

- وإلى هذا يشير الناظم بقوله:

وأول "ذا" المخصوص أيا كان لا

تعدل بذا فهو يضاهي المثلا*

أي أتبع كلمة "ذا" وجيء بعدها بالمخصوص أيا كان؛ مفردا مذكرا أو غيرهما. ولا تعدل بذا أو تمل إلى سواه؛ أي لا تدخل عليه تغييرا مطلقا؛ فهو يشبه المثل في لزومه حالة واحدة للجميع.

(4)

- أي ضميرا مرفوعا على الفاعلية عائدا على المخصوص، وهذا التوهم بعيد؛ لأن معنى هذا التركيب قد اشتهر في غير ذلك المعنى المتوهم. على أن هذا التوهم الذي يفر منه، لا يمتنع وروده على الذهن بسبب التأخير؛ لأنه يفهم أن "ذا" مفعول مقدم، و"زيد" فاعل مؤخر.

* "وأول" فعل أمر يتعدى لاثنين؛ أي أتبع. "ذا" مفعول أول. "المخصوص" مفعول ثان، ويجوز العكس. "أيا" اسم شرط، خبر لكان مقدم، وهي فعل الشرط، واسمها يعود إلى المخصوص. "لا" ناهية "تعدل" مضارع مجزوم بها، والجملة جواب الشرط، وحذفت الفاء للضرورة. "فهو" الفاء للتعليل، و"هو" ضمير منفصل، مبتدأ "يضاهي" المثلا":"المثلا" مفعول، يضاهي، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 106

ويجوز في حائه: الفتح والضم، كما تقدم؛ فإن قلت "حبذا"، ففتح الحاء واجبٌ، إن جعلتها كالكلمة الواحدة

(1)

.

(1)

- أي بالتركيب، فإن أبقيا على أصلهما بلا تركيب، جاز الوجهان: وإذا كان فاعل "حب" اسما غير "ذا"؛ فإنه لا يلتزم صورة واحدة، وإنما يساير المعنى؛ فيكون مفردا أو غير مفرد، مذكرا وغيره على حسب ما يقتضيه المقام.

ويجوز رفعه أو جره بباء زائدة؛ تقول: حب المضيء القمر، وحب المضيئان القمران وحيث المضيئات الأقمار

وهكذا.

تنبيه:

يخالف مخصوص"حبذا" مخصوص نعم في أمور؛ منها:

أ- أن مخصوص "نعم" يجوز تقديمه عليها، بخلاف مخصوص "حبذا"؛ فلا يتقدم مطلقا، لا على "حب"، ولا على "ذا". وقد أوضح ذلك المصنف.

ب- يجوز عمل النواسخ في مخصوص "نعم"؛ تقول: نعم رجلا كان محمد؛ ولا يجوز ذلك في مخصوص حبذا.

جـ- تقديم التمييز على المخصوص في "نعم" كثير، وتأخيره شاذ ونادر. أما في "حبذا" فيجوز ذكر التمييز أو الحال قبله، أو بعده؛ تقول: حبذا رجلا محمد، وحبذا محمد رجلا، وحبذا راكبا محمد، وحبذا محمدان مسافرين، وصاحب الحال والمميز هو "ذا"؛ لأنه الفاعل المبهم، لا المخصوص.

فائدة:

يجوز زيادة "كاف الخطاب" في آخر "نعم" و"بئس"؛ تقول: نعمك الرجل محمد، وبئسك الرجل زيد.

وهذه الكاف حرف لمجرد الخطاب، وليس لها موضع من الإعراب.

ومع جوازها فهي قليلة في الأساليب البليغة.

ص: 107

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 -

يرى بعض الكوفيين أن "نعم" و"بئس" اسمان بين حجتهم فلي ذلك، وادحضها.

2 -

يأتي فاعل "نعم" و"بئس" اسما ظاهرا أحياناً، وضميرا أحياناً أخرى، اشرح الشروط اللازمة في كل، ومثل.

3 -

للنحاة أقوال في أعراب "ما" الواقعة بعد "نعم" و"بئس"، اشرح ذلك، ووضح بأمثلة من إنشائك.

4 -

كيف تعرب المخصوص؟ وما الفرق بين مخصوص "نعم"، و"حبذا"؟

5 -

ابسط القول في "ساء"، و"حب"، وما يحول إلى "فعل"، وبين الفرق بينهما، وبين "نعم" و"بئس".

6 -

اشرح قول ابن مالك الآتي، موضحا ما تقوله بالأمثلة:

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر

7 -

فيما يأتي شواهد للنحويين في باب "نعم" و"بئس"، بين موضع الشاهد، وأعرب ما تحته خط، واذكر المخصوص بالمدح أو الذم:

قال تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين} .

{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} .

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُم} .

{سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} .

{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} .

{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} .

{وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} .

تزود صديق المرء من كان عونه

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

-

فنعم صديق المرء من كان عونه

وبئس امرأً من لا يعين على الدهر

-

فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحب بها مقتولة حين تقتل

ص: 108

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لعمري وما عمري علي بهين

لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم

أألوم من بخلت يداه وأغتدي

للبخل تربا ساء ذاك صنيعاً

ألا حبذا لولا الحياء وربما

منحت الهوى ما ليس بالمتقارب

نعم امرأين حاتم وكعب

كلاهما غيث وسيف عضب

8 -

أعرب ما تحته خط في البيتين الآتيين، وبين ما فيهما من شاهد، وهما لجرير الشاعر الأموي المشهور:

يا حبذا جبل الريان من جبل

وحبذا ساكن الريان من كانا

وحبذا نفحات من يمانية

تأتيك من قبل الريا أحيانا

ص: 109

‌باب: أفعل التفضيل

(1)

إنما يصاغ أفعل التفضيل مما يصاغ منه فعلا التعجب

(2)

؛ فيقال: هو أضرب وأعلم وأفضل، كما يقال: ما أضربه وأعلمه وأفضله.

باب: أفعل التفضيل

(1)

- هو: اسم مشتق مصوغ للدلالة على أن شيئين اشتركا في صفة خاصة، وزاد أحدهما على الآخر في هذه الصفة. وهو يصاغ قياسا على وزن "أفعل" للمذكر ممنوع من الصرف؛ للوصفية ووزن الفعل.

وعلى وزن "فعلى" للمؤنث، والزائد يسمى "المفضل" والمزيد عليه يسمى:"المفضل عليه" أو "المفضول" سواء كانت صفة مدح؛ كأفضل وأحسن، أو ذم؛ كأقبح وأسوأ. ومنه: خير، وشر، وحب؛ وقد حذفت همزتها لكثرة الاستعمال؛ قال تعالى:{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُن} ، {أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة} ، وقال الشاعر:

وحب شيء إلى الإنسان ما منعا

وجاء على الأصل قول رؤبة:

بلال خير الناس وابن الأخير

وقراءة بعضهم: {مَنْ الْكَذَّابُ الأَشِرِ} ، وفي الحديث:"أحب الأعمال إلى الله أدومها وأن قل".

(2)

- تقدم ذلك مستوفى في "باب التعجب" قريبا فارجع إليه إن شئت.

وفي ذلك يقول الناظم:

صغ من مصوغ منه للتعجب

"أفعل" للتفضيل وأب اللذ أبي*

أي صغ "أفعل" للدلالة على التفضيل من مصدر الفعل الذي يصاغ منه التعجب، وامنع هذه الصياغة من الفعل الذي منع منه الصوغ هنالك.

* "من مصوغ" متعلق بصغ والموصوف محذوف؛ أي من فعل مصوغ. "منه" جار ومجرور، نائب فاعل مصوغ. "للتعجب" متعلق بمصوغ. "أفعل" مفعول صغ. "للتفضيل" متعلق بضع. "وأب" فعل أمر مبني على حذف الألف. "اللذ" اسم موصول، لغة، في الذي، مفعول. "أبي" فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى الذي، والجملة صلة.

ص: 110

وشذ بناؤه من صوف لا فعل له؛ كهو أقمن به، أي أحق

(1)

، وألص من شظاظ

(2)

.

ومما زاد على ثلاثة، كـ:"هذا الكلام أخصر من غيره"

(3)

. وفي "أفعل" المذاهب الثلاثة

(4)

، وسمع: هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف

(5)

، وهذا المكان أقفر من غيره

(6)

. ومن فعل المفعول؛ كهو أزهى من ديك

(7)

، وأشغل من ذات النحيين

(8)

، وأعنى بحاجتك

(9)

.

(1)

- بنوه من قمن؛ أي حقيق. ومثله قولهم: ما بالبادية أنوأ منه؛ أي أعلم بالأنواء منه.

(2)

- بنوه من لص، وقد حكي ابن القطاع: لصص -بالفتح- إذا استتر، وحكي أيضاً: لصصه، إذا أخذه خفية، وعلى ذلك فلا شذوذ فيه. وشظاظ بكسر -الشين- اسم لص، معروف بالذكاء في اللصوصية، من بني ضبة، ويضرب به المثل في ذلك. ومثل هذين قولهم: هو أفرس من غيره؛ من الفروسية.

(3)

- بنوه من: "اختصر". وفيه شذوذ آخر؛ وهو: بناؤه من المبني للمجهول.

(4)

- أي في بناء "أفعل" التفضيل من الرباعي الذي على وزن "أفعل" الخلاف السابق في التعجب؛ فقيل: يجوز مطلقاً وقيل يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل وإلا فلا.

(5)

- هذان شاذان عند من يمنع ذلك مطلقاً، وعند من يمنع إذا كانت الهمزة للنقل؛ لأن همزتها كذلك.

(6)

- هذا شاذ على القول بالمنع مطلقًا؛ لأن همزته ليست للنقل.

(7)

- بنوه من قولهم: زهي، بمعنى تكبر، وحكى ابن دريد: زها يزهو؛ أي تكبر، وعليه فلا شذوذ؛ لأنه من المبني للفاعل.

(8)

- بنوه من "شغل" بالبناء للمفعول؛ لأن المراد أنها أكثر مشغولية، لا أنها أكثر شغلا لغيرها وهذا الفعل يجيء مبينا للفاعل؛ قال تعالى:{شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} . والنحيين تثنية نحي، وهو زق السمن، وذات النحيين: امرأة من تيم الله بن ثعلبة، كانت تبيع السمن في الجاهلية، فأتى رجل أنصاري قبل أن يسلم، فساومها فحلت نحيا، فقال لها: أمسكيه حتى أنظر إلى غيره. فحلت الآخر، فقال لها: أمسكيه، فلما شغل يديها حاورها حتى قضى منها ما أراد وفر.

(9)

- بنوه من "عُنِي"، وسمع فيه: عَنِيَ كرضي، وعليه فلا شذوذ فيه.

ص: 111

وما توصل به إلى التعجب مما لا يتعجب منه بلفظه، يتوصل به إلى التفضيل. ويجاء بعده بمصدر ذلك الفعل تمييزًا؛ فيقال: هو أشد استخراجاً وحمزة

(1)

.

(1)

- إذا كان الفعل جامدا؛ كعسى وليس، أو غير قابل للتفاضل؛ كمات وفني، لم يجز التفضيل منه مطلقا بطريق مباشر أو غير مباشر، لأن الجامد لا مصدر له، وعدم التفاوت يفقد الأساس الذي يقوم عليه التفاضل، وفي المنفي والمجهول خلاف بين النحاة؛ لأن مصدرهما مؤول فيكون معرفة؛ فلا يصلح نصبه تمييزا لأشد ونحوه، وهو ما ينبغي أن يعرب به المصدر هنا. والتحقيق صحة التفضيل منها بالطريقة غير المباشرة؛ لصحة مجيء كلمة "عدم" قبلهما، ولصحة التنكير في بعض الأحوال. أما ما عدا ذلك مما فقد الشروط، فيتوصل إلى التفضيل منه بصوغ اسم تفضيل من "أشد" ونحوه مما يناسب المعنى، ويوضع مصدر الفعل غير المستوفي للشروط بعده، منصوبا على التمييز كما بينا. ويقوم مقام المصدر: اسم فاعل، أو اسم مفعول في آخره ياء مشددة وتاء؛ تقول: هو أشد ضاربية، ومضروبية، من غيره، كما سبق.

ويلاحظ أن "أشد" ونحوه في باب التعجب فعل، أما هنا فاسم.

هذا: وقد ذكر النحاة أن الألفاظ الدالة على العيوب والألوان لا يصاغ منها "أفعل" مباشرة، إذا كانت هذه العيوب والألوان ظاهرة. وسمع من ذلك: أسود من حلك الغراب، وأبيض من اللبن، وقيل: إن هذا شاذ لا يقاس عليه، ولا ندري السبب في عدم القياس، وما ذكروه من علل غير مقنع، والرأي جوازه، إذا لم يحصل لبس بصيغة أخرى، وقامت قرينة على التفضيل، أما العيوب والألوان المعنوية فتصح الصياغة منها مباشرة؛ مثل: فلان أبله من فلان، وأحمق منه، وأرعن منه، وأخرق منه، وأبيض سريرة منه، وأسود قلبا منه .... وهكذا، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وما به إلى تعجب وصل

لمانع به إلى التفضيل صل*

أي أن ما يتوصل به إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط، بسبب

* "وما" اسم موصول مبتدأ. "به" متعلق بوصل على أنه نائب فاعله قدم عليه، وساغ ذلك لأنه جار ومجرور يتوسع فيهما. "إلى تعجب" متعلق بوصل، والجملة صلة. "لمانع" متعلق بوصل أيضاً. "به إلى التفضيل" متعلقان بصل. "صل" فعل أمر، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 112

فصل: ولاسم التفضيل ثلاث حالات

(1)

:

إحداها: أن يكون مجرداً من "أل" والإضافة؛ فيجب له حكمان: أحدهما: أن يكون مفردًا مذكرًا دائمًا

(2)

؛ نحو: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَب}

(3)

، ونحوه:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ}

الآية

(4)

؛ ومن ثم

(5)

قيل. . . . . . . . . . .

مانع يمنع التعجب المباشر منها، يتوصل به إلى التفضيل منها عند وجود ذلك المانع. وليعلم أن "أفعل" التفضيل يدل غالباً على الدوام والاستمرار. وهو اسم جامد ليس له ماض، ولا مضارع، ولا اسم فاعل، ولا مفعول، ولا شيء من المشتقات، ولا يتقدم عليه في الاختيار شيء من معمولاته، كما هو الحكم العام في العوامل الجامدة، إلا في مواضع نص عليها النحاة، وسيأتي بعضها؛ كأن يكون المعمول شبه جملة؛ كقول الشاعر:

وللحلم أوقات وللجهل مثلها

ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب

(1)

- هذا بالنظر إلى لفظه، أما بالنظر إلى معناه، فله ثلاث استعمالات أيضاً:

أ- ما تقدم ذكره في تعريفه.

ب- أن يراد به أن شيئاً زاد في صفته الخاصة به على شيء آخر في صفته، فالاشتراك بينهما في مطلق الزيادة؛ نحو قولهم: السكر أحلى من الملح، والصيف أحر من حرارته، أشد من الشتاء في برودته .. وهكذا؛ فليس بين كل اثنين اشتراك في المعنى، إلا في مطلق الزيادة المجردة المقصور على صاحبها.

جـ- أن يتجرد عن معنى التفضيل، ويراد به ثبوت الصوف لصاحبه؛ فيؤول باسم فاعل، أو صفة مشبهة، وقد أشار إليها المصنف والناظم فيما سيأتي.

(2)

- أي ولو كان مسندًا إلى مؤنث، أو مثنى، أو مجموع.

(3)

- سورة يوسف: الآية 8.

(4)

- تمام الآية: {وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} من الآية 24 من سورة التوبة. فقد أفرد "أحب" في الآية الأولى مع الاثنين، وفي هذه مع الجماعة.

(5)

- أي: ومن أجل أن "أفعل" التفضيل المجرد من أل والإضافة، يلزم فيه الإفراد والتذكير كما أسلفنا.

ص: 113

"آخر" إنه معدول عن آخر

(1)

، وفي قول ابن هانئ:

كأن صغرى وكبرى من فقاقعها

(2)

إنه لحن.

والثاني: أن يؤتى بعده "بمن"

(3)

جارة للمفضول، وقد يحذفان

(4)

؛ نحو: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}

(5)

. وقد جاء الإثبات والحذف في: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَز

(1)

- أي: وليس من باب التفضيل؛ لأنه ليست فيه مشاركة وزيادة؛ لأن معناه الأصلي: أشد تأخرا، و"أخر": جمع أخرى، أنثى آخر على وزن "أفعل".

(2)

- صدر بيت من البسيط، للحسن بن هانئ، المشهور بأبي نواس، في وصف الخمر، وعجزه:

حصباء در على أرض من الذهب

اللغة والإعراب: فقاقعها: جمع فقاعة؛ وهي النفاخات التي على وجه الماء أو الخمر، شبه حبات صغيرة من الحصباء، وهي: دقاق الحصى. در: لآلئ، جمع درة؛ وهي اللؤلؤة. "كأن" حرف تشبيه ونصب. "صغرى" اسم كان. "من فقاقعها" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لصغرى وكبرى. "حصباء" خبر كأن. "در" مضاف إليه. "على أرض" متعلق بمحذوف صفة لحصباء. "من الذهب" متعلق بمحذوف صفة الأرض.

المعنى: كأن النفاخات الصغيرة البيضاء التي تعلو الخمر وهي في الكأس -في لونها الذهبي- حبات من اللؤلؤ على أرض من ذهب.

الشاهد: مجيء "أفعل" التفضيل؛ وهو صغرى وكبرى، مؤنثا مع أنه مجرد من أل والإضافة، وكان حقه أن يكون مفردا مذكرا؛ فيقال: أصغر، وأكبر، لهذا قال بعضهم: إنه لحن، وقال الآخرون: إنه لم يقصد التفضيل، وإنما أراد معنى الوصف المجرد عن الزيادة، فهو صفة مشبهة، لا أفعل تفضيل.

(3)

- ولا يجر المفضول غيرها من الحروف، وهي واجبة في هذه الحالة. واختلف في معناها، فقال المبرد: هي للابتداء، وتكون لابتداء الارتفاع إذا كان السياق للمدح؛ نحو: النشيط أفضل من الخامل. ولابتداء الانحطاط إذا كان السياق للذم؛ نحو: المنافق أضر على المجتمع من العدو، وقال ابن مالك: هي للمجاورة؛ أي أن المفضل جاوز المفضول في الوصف الممدوح أو المذموم، وزاد عليه.

(4)

- أي "من" ومجرورها وهو المفضل عليه، وذلك عند وجود دليل على الحذف، وإلا امتنع.

(5)

- أي من الحياة الدنيا. من الآية 17 من سورة الأعلى.

ص: 114

نَفَراً}؛ أي: منك

(1)

.

وأكثر ما تحذف "من" إذا كان "أفعل" خبرًا

(2)

. ويقل إذا كان حالًا؛ كقوله:

دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا

(3)

(1)

- وعند الحذف لفظا يلاحظان في التقدير والنية. من الآية 34 من سورة الكهف. وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبدا

تقديرًا أو لفظًا بمن إن جردًا*

أي أن "أفعل" التفضيل المجرد من أل والإضافة. ينبغي أن يوصل في اللفظ بمن جارة للمفضل عليه، وتقدر عند الحذف.

(2)

- سواء كان خبرا لمبتدأ، أو خبر ناسخ، أو أصله الخبر؛ كثاني مفعولي "ظن" وأخواتها، وثالث مفاعيل "اعلم وأرى" .. إلخ، نحو: محمد أكرم، كان محمد أفضل، ظننت محمد أعلم، أعلمت عليا محمدا أقدر على تحمل المسئولية.

(3)

- صدر بيت من الطويل، استشهد به النحاة ولم ينسبوه لقائل، وعجزه:

فظل فؤادي في هواك مضللا

اللغة والإعراب: دنوت: قربت؛ من الدنو؛ وهو القرب خلناك: ظنناك وحسبناك. ظل: استمر مضللا: حيران غير مهتد إلى الصواب؛ من الضلال؛ وهو عدم الرشد. "دنوت" فعل وفاعل. "وقد" الواو للحال من التاء في دنوت، و"قد" حرف تحقيق. "خلناك" خال فعل ماض ناقص، من أخوات ظن، "ونا" فاعل، والكاف مفعول أول. "كالبدر" متعلق بمحذوف مفعول ثان. "أجملا" أفعل تفضيل، حال من التاء في دنوت أيضاً. "فظل" معطوف بالفاء على دنوت. "فؤادي" اسم ظل. "في هواك" متعلق بمضللا الواقع خبرا لظل.

المعنى: قربت منا أيتها المحبوبة وأنت أكثر جمالا وبهاء من البدر، وقد كنا نظنك مثله في الجمال وحسن المنظر، فصار قلبي حائرا في هواك وحبك، لا يعرف سبيل الرشد

* "وأفعل التفضيل" أفعل مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، والتفضيل مضاف إليه. "أبدًا" ظرف منصوب. "تقديرا أو لفظا" مصدران حالان من المجرور بعدهما، أو منصوبان بإسقاط في. "بمن" متعلق بصل. "إن جردا" شرط وفعله، ونائب الفاعل يعود إلى أفعل التفضيل، والألف للإطلاق، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه.

ص: 115

أي دنوت أجمل من البدر.

أو صفة؛ كقوله:

تروحي أجدر أن تقيلي

(1)

ووجه الصواب.

الشاهد: في "أجملا" حيث حذفت "من" التي تجر المفضول عليه مع مجرورها، وأفعل التفضيل هنا حال من التاء في "دنوت" كما ذكرنا. وجملة "وقد خلناك كالبدر" اعتراضية. وهذا على قلته قياسي.

(1)

- عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطوره، وبعده:

غدًا بجنبي بارد ظليل

ومشرب يشربها رسيل

وهو لأحيحة بن الجلاح الصحابي، يخاطب فسيلة "نخلة صغيرة"، وكان أحيحة ثريا وله نخل كثير بيثرب مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك كان يدعو إلى الإدخار والجمع.

ومن كلامه الذي جرى مجرى المثل: "التمرة إلى التمرة تمر، والذود إلى الذود إبل"؛ أي أن القليل إذا انضم إلى القليل صار كثيرا.

اللغة والإعراب: تروحي: ارتفعي وطولي؛ من قولهم تروح النبت، إذا طال. أجدر: أحق وأحرى. تقيلي: من القيلولة؛ وهي الوقت الذي يشتد فيه الحر في منتصف النهار، والمراد: أنها في هذا الوقت تكون متصفة بما يأتي. بجنبي بارد ظليل: أي في مكان يساعد على النمو والازدهار. رسيل: سهل لين، وهو وصف لمشرب. "تروحي" فعل أمر مبني على حذف النون، والياء فاعل. "أجدر" أفعل تفضيل صفة لمحذوف هو وعامله المعطوف على تروحي؛ أي: وخذي مكانا أجدر. "أن تقيلي" أن مصدرية، وتقيلي مضارع منصوب بأن يحذف النون، والمصدر المنسبك مجرور بحرف جر محذوف قياساً؛ أي بقيلولتك. "غدا" ظرف منصوب بتقيلي. "بجبني" متعلق بتقيلي وهو مثنى. "بارد" مضاف إليه. "ظليل" معطوف على بارد بحذف العاطف، وهما وصفان لموصوفين محذوفين؛ أي بجبني ماء بارد ومكان ظليل.

المعنى: ارتفعي أيتها النخلة الصغيرة وطولي، وخذي مكانا أحرى من غيره بأن يزداد فيه نموك وازدهارك، بجنبي ماء بارد ومكان ظليل. وقد كان أهل يثرب ضنوا بطلعهم عليه، فهبت ريح الصبا وقت التأبير على الذكور واحتملت طلعها، فألقته على الإناث

ص: 116

أي: تروحي وائتي مكانًا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.

ويجب تقديم "من" ومجرورها عليه

(1)

، إن كان المجرور استفهامًا

(2)

؛ نحو: أنت ممن أفضل

(3)

؟ أو مضافًا إلى الاستفهام؛ نحو: أنت من غلام من أفضل؟ وقد تتقدم في غير الاستفهام؛ كقوله:

فأسماء من تلك الظعينة أملح

(4)

وهو ضرورة.

فقام ذلك مقام التأبير، فاستغنى عنهم.

الشاهد: - في "أجدر أن تقيلي"؛ حيث حذف "من" والمفضل عليه مع "أفعل"؛ وهو صفة لموصوف محذوف. وذلك قليل.

هذا: وقد ظن بعضهم أن الشاعر يخاطب بهذا ناقته، وأنه يطلب منها الصبر على مشاق السير في وقت الرواح المقابل للغدو، وأن تقيل في وقت الظهيرة، وعليه تقدير المصنف. ولكن هذا لا يتناسب مع ما قبل هذا البيت وما بعده؛ وقبله:

تأبري يا خيرة الفسيل

تأبري من حنذ فشولي

إذ ضن أهل النخل بالفحول

تروحي أجدر أن تقيلي

والصحيح ما ذكرنا، وقد ذكره الفيومي في "المصباح المنير".

(1)

- أي على "أفعل" وحده، دون تقديمها على الجملة كلها.

(2)

- ذلك لأن الإستفهام له الصدارة في الكلام.

(3)

- الأصل: أنت أفضل ممن؟

(4)

- عجز بيت من الطويل، لجرير الشاعر الأموي، وصدره:

إذا سايرت أسماء يومًا ظعينة

ومثل قول ذي الرمة، الشاعر الأموي:

ولا عيب فيها غير أن قطوفها

سريع وأن لا شيء منهن أطيب

اللغة والإعراب: - سايرت: سارت وصاحبت. ظعينة: الظعينة الهودج كانت فيه امرأة أولا، والجمع: ظعن وظعائن، وهي أيضًا: المرأة ما دامت في الهودج. والمراد هنا: المرأة مطلقًا. أملح: أحسن؛ من ملح؛ كظرف.

ص: 117

الحالة الثانية: أن يكون "بأل" فيجب له حكمان:

"إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "سايرت" فعل الشرط. "أسماء" فاعل سايرت. "ظعينة" مفعوله. "فأسماء الفاء واقعة في جواب "إذا"، وأسماء مبتدأ. "من تلك" متعلق بأملح الواقع خبرًا للمبتدأ. "الظعينة" بدل من اسم الإشارة.

المعنى: أن أسماء، كلما سارت مع نسوة، ظهر حسنها وجمالها، وتفوقت على من يسايرنها في الحسن والملاحة.

الشاهد: تقدم "من" ومجرورها؛ وهو قوله: "من تلك الظعينة"، على أفعل التفضيل؛ وهو "أملح" في غير الاستفهام، وذلك شاذ لضرورة الشعر. وفي تقديم "من" مع مجرورها في حالتي الاستفهام يقول الناظم:

وأن تكن بتلو من مستفهما

فلهما كن أبدًا مقدمًا

كمثل ممن أنت خير ولدى

إخبارٌ التقديم نزرًا وردًا*

أي: إن تكن مستفهما بالاسم التالي "من"؛ أي مجرورها؛ فقدهما وجوبا دائمًا؛ مثل: ممن أنت خير؟ وورد التقديم نادرا حالة الإخبار؛ أي إذا كان الكلام خبرا، لا إنشائيا استفهاميا.

هذا: وإذا بني أفعل التفضيل من مصدر فعل يتعدى بحرف الجر "من"؛ كالفعل "قرب"، و"بعد" جاز تقديم "من" المعدية، على "من" الداخلة على المفضول، وتأخيرها عنها؛ نحو: محمد أقرب من الصواب من علي، وأقرب من علي من الصواب. ولا يجوز الفصل بين "أفعل" وبين "من" ومجرورها، إلا بمعمول "أفعل"؛ نحو:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أو بـ"لو" وما يتبعها؛ كقول الشاعر:

ولفوك أطيب لو بذلت لنا

من ماء موهبة على خمر

* "بتلو" أي بتالٍ، متعلق بمستفهمًا، "من" مضاف إليه. "مستفهمًا" خبر تكن الواقع فعلا للشرط. "فلهما" الفاء لربط الجواب بالشرط، و"لهما" متعلق بمقدما الواقع خبرا لكن، والجملة جواب الشرط. "أبدا" ظرف متعلق بمقدما. "كمثل" الكاف زائدة، و"مثل" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي وذلك مثل. "ممن" متعلق بخبر الواقع خبرا عن "أنت". "لدى" ظرف بمعنى عنده، متعلق بوردا. "إخبار" مضاف إليه. "لتقديم" مبتدأ. "نزرا" حال من فاعل "ورد" العائد على التقديم، والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 118

أحدهما: أن يكون مطابقا لموصوفه

(1)

؛ نحو: زيد الأفضل، وهند الفضلى، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، والهندات الفضليات أو الفضل

(2)

.

والثاني: ألا يؤتي معه "بمن"

(3)

، فأما قول الأعشى:

الموهبة: نقرة في جوف الصخرة يخزن فيها الماء ليبرد، والجمع مواهب. "لو" للتمني، أو شرطية حذف جوابها؛ أي لأحسنت إلينا. "على خمر" متعلق بمحذوف صفة لماء. أو بالنداء؛ كقول الشاعر:

لم ألق أخبث يا فرزدق منكمو

ليلاً وأخبث بالنهار نهاراً

فائدة:

قال الصبان: "من كلامهم المشهور": "زيد أعقل من أن يكذب"، وظاهر مشكل؛ لأنه يقتضي تفضيل زيد في العقل على الكذب؛ ولا معنى له. وخير ما قيل في هذا وأمثاله: أن "أفعل" التفضيل يقصد به هنا معناه اللغوي، مع تضمين "أفعل" معنى "أبعد"، وبيان سبب البعد؛ فالمراد بهذا التركيب: زيد أبعد الناس من الكذب بسبب عقله، ويكون الغرض من هذا التفضيل: ابتعاد الفاضل من المفضول. ولا تكون "من" تفضيلية وإنما هي مع مجرورها متعلقان بأفعل، الذي هو بمعنى متباعد، والمفضول متروك لقصد التعميم.

(1)

- أي في التذكير والتأنيث، والإفراد وفروعه؛ وذلك لأن اقترانه بأل أضعف شبهه بأفعل في التعجب.

(2)

- الفضل: جمع تكسير لفضلي. قيل: وينبغي أن يرجع في تأنيث اسم التفضيل وجمعه جمع تكسير إلى السماع؛ فقد لا يسمع ذلك، كالأشرف، والأظرف؛ فإنه لم يسمع فيهما: الأشارف والأظارف جمعا، ولا الشرفي والظرفي للمؤنث؛ كما سمع ذلك في الأفضل والأطول. وقد سمع في الأكرم والأمجد جمعهما؛ فقيل: الأكارم والأماجد، ولم يسمع فيهما: الكرمي والمجدي للمؤنثة. ونقل صاحب الأمالي أن بعض العرب يقولون: الأكرم، والأجمل، والأحسن، والأرذل، والأنذل، والألأم، وهي: الكرمي، والجملي، والحسني، والرذلي، واللؤمي

إلخ.

وعليه فيمكن القياس مع التحفظ للتيسير؛ لأن الوصول إلى المسموع يحتاج إلى عناء شديد.

(3)

- أي: لأن المفضل عليه غير مذكور؛ إذ تغني عنه أل. و"من"، و"أل" يتعاقبان ولا

ص: 119

ولست بالأكثر منهم حصى

(1)

فخرج على زيادة "أل"

(2)

، أو على أنها

(3)

متعلقة بـ"أكثر" نكرة محذوفاً مبدلًا من "أكثر" المذكورة

(4)

.

الحالة الثالثة: أن يكون مضافًا

(5)

، فإن كانت إضافته إلى نكرة لزمه أمران: التذكير،

يجتمعان؛ فلا يقال: على الأفضل من محمد.

(1)

- صدر بيت من السريع، للأعشى ميمون بن قيس، من قصيدة يهجو فيها علقمة بن علاثة الصحابي، ويفضل عليه ابن عمه عامر بن الطفيل، في المنافرة التي وقعت بينهما، وهي مشهورة، وعجزه:

وإنما العزة للكاثر

اللغة والإعراب: حصى، المراد: العدد من الأعوان والأنصار. العزة: القوة والغلبة، الكاثر: اسم فاعل؛ من كثرته أكثر، من باب نصر: غلبته في الكثرة. "بالأكثر" خبر ليس على زيادة الباء. "حصى" تمييز لأكثر. "وإنما" الواو عاطفة؛ وإنما أداة حصر. "العزة للكاثر" مبتدأ وخبر.

المعنى: لست يا علقمة أكثر من عامر عددا وأعوانا وأنصارا؛ وإنما تكون الغلبة ويتم النصر لمن عنده جنود أكثر، وأعوان ونصراء.

الشاهد: في قوله: "بالأكثر منهم"؛ حيث يدل ظاهره على أن "من" لحقت أفعل التفضيل المحلى بأل، وهذا ممنوع؛ لما ذكرنا؛ وقد خرجه المصنف، وقال بعضهم إنه ضرورة.

(2)

- أي: فلا تفيد تعريفا، ويكون أفعل التفضيل نكرة، كما تزاد في التمييز والحال.

(3)

- أي "من" في قوله "منهم".

(4)

- ويكون الأصل: وليست بالأكثر أكثر منهم، وفيه حذف البدل. وقيل: إن "من" بمعنى "في"؛ أي فيهم.

(5)

- الراجح أن تكون إضافته غير محضة، وقيل محضة. ويشترط في هذه الحالة مطلقا، سواء أضيف لنكرة أو لمعرفة، ألا يقع بعد "أفعل" "من" الجارة للمفضول؛ فلا يصح: علي أفضل المتسابقين من محمد. أما الجارة لغيره فتقع؛ تقول: محمد أقرب الناس مني، كما

ص: 120

والتوحيد؛ كما يلزمان المجرد؛ لاستوائهما في التنكير

(1)

، ويلزم في المضاف أن يطابق؛ نحو: الزيدان أفضل رجلين، والزيدون أفضل رجال، وهند أفضل امرأة.

فأما: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِه}

(2)

، فالتقدير: أول فريق كافر به

(3)

. وإن كانت

يشترط أن يكون المضاف بعضا من المضاف إليه عند إرادة التفضيل؛ فلا يصح محمد أفضل امرأة. فإن لم يقصد التفضيل جاز؛ نحو: يوسف أحسن إخوته. والمراد بكونه بعضا من المضاف إليه: أن يكون "أفعل" جزءًا، والمضاف إليه كلا؛ نحو: الرأس أنفع الجسم. أو يكون "أفعل" فردا من أفراد كثيرة يشملها المضاف إليه، وينبغي حينئذ أن يكون المضاف إليه جنسا يندرح تحته أفراد كثيرة؛ نحو: النيل أكبر الأنهار في مصر.

(1)

- ولكونهما على معنى "من". وإذ عطفت على المضاف النكرة مضافا إلى ضميرها، فقيل: يذكر الضمير أيضاً ويفرد على التوهم؛ تقول: محمد أفضل رجل وأعقله، وهند أكرم امرأة وأعقله، والمحمدان أكرم رجلين وأعلقه .... وهكذا.

وقيل: تجوز المطابقة إن لم تكن واجبة أو أولى. أما إذا أضفت "أفعل" إلى معرفة، فإنك تؤنث وتثني وتجمع، وهو القياس، وأجاز سيبويه الإفراد تمسكا بقول الشاعر:

ومية أحسن الثقلين جيداً

وسالفةً وأحسنه قذالا

أي أحسن من ذكر. وإلى حكم "أفعل" التفضل المجرد من "أل" والإضافة، أو المضاف إلى نكرة، يشير الناظم بقوله:

وإن لمنكور يضف أو جردا

ألزم تذكيرًا وأن يوحدا*

أي: إذا أضيف "أفعل" التفضيل نكرة، أو جرد من أل والإضافة، يلزم فيه أن كيون مذكر دائماً، وأن يكون مفردا.

(2)

- أي بإفراد {كَافِرٍ} ومقتضى القاعدة: "كافرين" بالجمع؛ ليطابق الواو في {تَكُونُوا} من الآية 41 من سورة البقرة.

(3)

- فهو على حذف موصوف مطابق في المعنى؛ وهو "فريق" لأنه جمع في المعنى، وقد أفرد

* "وإن" شرطية. "لمنكور" متعلق بيضف الواقع شرطًا لإن، ونائب الفاعل يعود إلى أفعل التفضيل. "أو جردا" معطوف على يضف. "ألزم تذكيرا" نائب فاعل ألزم يعود إلى أفعل التفضيل، وهو المفعول الأول، وتذكيرا المفعول الثاني، والجملة في محل جزم جواب الشرط. "وإن يوحدا" المصدر المنسبك من أن والفعل معطوف على "تذكيرا".

ص: 121

الإضافة إلى معرفة، فإن أول "أفعل" بما لا تفضيل فيه

(1)

، وجبت المطابقة

(2)

؛ كقولهم: "الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي عادلاهم

(3)

.

وإن كان على أصله من إفادة المفاضلة؛ جازت المطابقة كقوله تعالى: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا}

(4)

، {هُمْ أَرَاذِلُنَا} ، وتركها؛ كقوله تعالى:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ}

"كَافِر" باعتبار لفظ فريق.

(1)

- سواء كان الغرض عدم المفاضلة وإرادة الزيادة مطلقا، وأن "أفعل" بمعنى الفاعل أو الصفة المشبهة، أو أن الغرض بيان المفاضلة والزيادة المطلقة، لا على المضاف إليه وحده.

(2)

- أي للموصوف؛ في الإفراد والتذكير وفروعهما، ولا يلزم حينئذ أن يكون أفعل التفضيل المضاف بعضا من المضاف إليه، لأن الإضافة لمجرد التخصيص، لا لبيان المفضل عليه؛ بل تارة يكون؛ نحو: محمد أفضل قريش؛ أي أفضل الناس من بينهم، وتارة لا يكون كيوسف أحسن إخوته؛ إن قصد أنه أحسن الناس من بينهم أو أحسنهم؛ لأن "أفعل" لا يكون على معنى "من" حينئذ.

(3)

- هذا مثال لما لا تفضيل فيه؛ لأنه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل. والناقص: هو يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان؛ لقب بذلك لأنه نقص أرزاق الجند. والأشج هو: عمر بن عبد العزيز، لقب بذلك لشجة كانت برأسه من ضرب دابة. ومثل هذا: نصيب أشعر الحبشة؛ أي: شاعرهم.

ومثال ما يقصد به التفضيل المطلق على المضاف إليه وعلى غيره: محمد أفضل قريش.

(4)

- فيه أعاريب، أولاها -كما قال الصبان: تفسير {جَعَلْنَا} بمكنا، {فِي كُلِّ قَرْيَة} ظرف لغو متعلق به. {أَكَابِرَ} مفعوله. والشاهد فيه إضافة {أَكَابِرَ} لمجرميها، مع مطابقته لموصوفه المقدر؛ أي قوما أكابر، ولو لم يطابق لقيل: أكبر لمجرميها، من الآية 23 من سورة الأنعام.

وكذلك {أَرَاذِلُنَا} ، ولو لم يطابق لقيل: أرذلنا. من الآية 37 من سورة هود. وفي حكم المقرون بأل، والمضاف إلى معرفة، يقول الناظم:

وتلو "أل" طبق وما لمعرفة

أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة

ص: 122

النَّاسِ عَلَى حَيَاة}

(1)

، وهذا هو الغالب. وابن السراج يوجبه

(2)

؛ فإن قدر {أَكَابِر} مفعولًا ثانيًا، و {مُجْرِمِيهَا} مفعولًا أول، فيلزمه المطابقة في المجرد

(3)

.

هذا إذا نويت معنى "من" وإن

لم تنو فهو طبق ما به قرن*

أي أن "أفعل" الذي يتلو "أل" ويقع بعدها، تجب مطابقته لما قبله.

وما أضيف لمعرفة فيه وجهان منقولان عن صاحب رأي ومعرفة بلغة العرب، وهما: المطابقة وعدمها، بشرط أن تنوي "من"؛ أي يقصد التفضيل، فإن لم تنو "من" فهو مطابق لما قرن التفضيل به؛ أي للموصوف الذي يقصد به التفضيل.

(1)

- "هم" مفعول أول لتجد. "أحرص" مفعو ثان له. ولو طابق لقال: أحرصي.

(2)

- أي يوجب ترك المطابقة، ويجعل "أفعل" فيه كالمجرد، ويلتزم فيه الإفراد والتذكير. ويرده {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} المتقدم.

وقول المصنف: "فإن قدر .... إلخ"، جواب عن تقدير سؤال لابن السراج؛ وهو: كيف يوجب ترك المطابقة وقد جاءت في {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} ؟

(3)

- وقد تقدم أنها غير جائزة.

الخلاصة:

أ- أن "أفعل" يجب إفراده وتذكيره، إن كان مجردا، أو مضافا لنكرة، وينبغي دخول "من" الجارة للمفضول في المجرد، ولا تحذف إلا إذا دل عليها دليل، كما يجب في النكرة أن تكون مطابقة لصاحب "أعفل" التفضيل في الإفراد والتذكير وفروعها.

ب- تجوز فيه المطابقة وعدمها، إن كان مضافا لمعرفة وقصد التفضيل باق. وتجب البعضية في هذه الصورة.

* "وتلو"؛ أي تالي، مبتدأ. "أل" مضاف إليه قصد لفظه. "طبق" خبر؛ أي مطابق. "وما" اسم موصول مبتدأ "لمعرفة" متعلق بأضيف الواقع صلة لما. "ذو وجهين" ذو خبر المبتدأ، وجهين مضاف إليهز عن "ذي" متعلق بمحذوف صفة لوجهين. "معرفة" مضاف إليه؛ أي ذو وجهين منقولين عن صاحب معرفة.

"هذا" اسم إشارة مبتدأ والخبر محذوف؛ أي الحكم مثلا، والإشارة إلى جواز الوجهين في المضاف إلى المعرفة. "معنى" مفعول نويت. "من" مضاف إليه. "وإن لم تنو" جملة شرطية، ومفعول تنو محذوف يدل عليه ما قبله. "فهو" القاء للربط، و"هو" ضمير منفصل مبتدأ. "طبق" خبر. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "به" متعلق بقرن الواقع صلة، والمراد بمعنى من -الذي قد تنويه وقد لا تنويه- هو التفضيل.

ص: 123

‌مسألة: يرفع أفعل التفضيل الضمير المستتر في كل لغة

؛ نحو: زيد أفضل

(1)

. والضمير المنفصل، والاسم الظاهر في لغة قليلة

(2)

؛ كمررت برجل أفضل منه أبوه، أو أنت

(3)

. ويطرد ذلك إذا حل محل الفعل

(4)

؛. . . . . . . . . . .

جـ- وجوب المطابقة إذا اقترن بأل، ويجب عدم ذكر "من" ومجرورها. أو أضيف لمعرفة، ولم تكن المفاضلة قائمة، وفي هذه الصورة يجوز أن يكون بعضا من المضاف إليه أو غير بعض.

(1)

- ففي "أفضل" ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية يعود على زيد.

(2)

- حكاها سيبويه، وأشار إليه الناظم كما سيأتي؛ وإنما كان رفعه لهذين قليلا؛ لأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل؛ إذ هو يلزم الإفراد والتذكير عند تجرده، أو إضافته لنكرة.

(3)

- بخفض "أفضل" بالفتحة على أنه صفة لرجل، و"منه" متعلق به، ورفع أبوه"، و"أنت" على الفاعلية بأفضل، وأكثر العرب برفع "أفضل" في مثل ذلك على أنه خبر مقدم، و"أبوه" و"أنت": مبتدأ مؤخر، وفاعل أفضل ضمير مستتر عائد على المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر نعت لرجل، والرابط الضمير المجرور بمن.

وعلى هذا لا يكون "أفضل" رفع اسمًا ظاهرًا أو ضميرًا بارزًا.

(4)

- أي إذا صح أن يحل محل "أفعل" التفضيل فعل بمعناه، من غير فساد في المعنى أو في الأسلوب؛ وذلك لأن الفعل يرفع الظاهر؛ فكذلك ما يحل محله.

وإلى هذا أشار الناظم بقوله:

ورفعه الظاهر نزر ومتى

عاقب فعلاً فكثير ثبتا

كلن ترى في الناس من رفيق

أولى به الفضل من الصديق*

أي: أن رفع "أفعل" التفضيل للاسم الظاهر نزر؛ أي قليل، لا يقاس عليه، لكن متى

* "ورفعه" مبتدأ وهو مصدر مضاف لفاعله. "الظاهر" مفعوله. "نزر" خبر المبتدأ "ومتى" اسم شرط، وهو ظرف متعلق بفعله وهو عاقب. "فعلا" مفعول عاقب. "فكثيرا" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"كثيرا" حال من فاعل ثبت العائد على رفعه الظاهر، وألفه للإطلاق. "كلن" الكاف جارة لقول محذوف، و"لن" حرف نفي ونصب. "من رفيق" مفعول ترى على زيادة من. "أولى" اسم تفضيل نعت لرفيق. "به" متعلق بأولى "الفضل" فاعل أولى. "من الصديق" جار ومجرور متعلق بأولى؛ أي من الفضل بالصديق.

ص: 124

وذلك إذا سبقه نفي

(1)

، وكان مرفوعه أجنبيا

(2)

مفضلًا على نفسه باعتبارين

(3)

؛ نحو: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد

(4)

؛ فإنه يجوز أن يقال: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد. والأصل أن يقع هذا الظاهر

(5)

بين ضميرين: أولهما للموصوف

(6)

، وثانيهما للظاهر

(7)

كما مثلنا.

عاقب "أفعل" فعلا؛ أي حل محل الفعل؛ فإن رفعه الظاهر قد ثبت كثيرا عن العرب. ومثل الناظم لهذه الكثرة بالبيت الثاني، وسيذكر المصنف أصله، وما حدث فيه من حذف، ويمكن أن يحل محله فعل بمعناه؛ وهو: يحق.

(1)

- أي: أو شبهه؛ وهو النهي والاستفهام الإنكاري على الصحيح. وبعد هذا ينبغي أن يكون أفعل التفضيل نعتا لاسم جنس، ليعتمد عليه ويقوى على رفعه الظاهر.

(2)

- المراد بالأجنبي هنا: ألا يكون متصلا بضمير يعود على الموصوف، ويدل على صلة بين "أفعل" ومنعوته؛ فيخرج نحو: ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه.

(3)

- أي أن ذلك الأجنبي يكون مفضلا على نفسه باعتبارين مختلفين. وهذا القيد يغني عما قبله؛ لأن الأجنبي لا يختلف بالاعتبار بل بالذات.

(4)

- "ما" نافية. "رجلا" مفعول رأيت. "أحسن" نعت لرجل إن كانت "رأى" بصرية، ومفعول ثان إن كانت علمية، وهو: اسم جنس مسبوق بنفي، "في عينه" حال من الكحل، أو ظرف لغاو متعلق بأحسن. "الكحل" فاعل أحسن، وهو أجنبي من الموصوف؛ لأنه لم يتصل بضميره، ومفضل على نفسه باعتبارين مختلفين؛ فكونه في عين زيد فاضل، وفي عين غيره مفضول. "منه" متعلق بأحسن. "في عين زيد" في عين حال من الهاء في منه، وزيد مضاف إليه.

المعنى: أن الكحل في عين زيد أحسن من نفسه في عين غيره من الرجال؛ فالمفضل والمفضل عليه شيء واحد، لكن فضل باعتبار مكان على نفسه في مكان آخر.

(5)

- أي الاسم الظاهر الذي هو فاعل لأفعل التفضيل.

(6)

- أي المنعوت بأفعل التفضيل، وهو في المثال: الهاء في "عينه".

(7)

- وهو الهاء في "منه" فيكون المفضول مذكورا. وقد يحذف الضمير الأول العائد على الموصوف إن دل على حذفه دليل؛ تقول: ما رأيت رجلا أحسن الكحل منه في عين زيد،

ص: 125

وقد يحذف الضمير الثاني

(1)

، وتدخل "من"، إما على الاسم الظاهر

(2)

، أو على محله

(3)

، أو على ذي المحل

(4)

؛ فتقول: من كحل عن زيدا، أو من عين زيد، أو من زيد، فتحذف مضافًا

(5)

أو مضافين

(6)

. وقد لا يؤتي بعد المرفوع بشيء

(7)

؛ فتقول: ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل

(8)

، وقالوا: ما أحد احسن به الجميل من زيد

(9)

. والأصل: ما أحد أحسن به الجميل من حسن

(10)

الجميل يزيد، ثم إنهم أضافوا الجميل" إلى زيد لملابسته إياه

(11)

، ثم حذفوا المضاف

(12)

، ومثله في المعنى:. . . . . . . . . . .

وتقول: ما رأيت رجلا أكمل الإشراق منه في وجه المؤمن؛ والتقدير: أكمل الإشراق في وجه

إلخ.

(1)

أي العائد على فاعل اسم التفضيل الظاهر.

(2)

وهو "الكحل" في مثالنا.

(3)

أي المحل والمكان الذي يقوم به الفاعل ويحل فيه، وهو "العين" في المثال.

(4)

أي صاحب ذلك المحل الذي يحل فيه الفاعل، وهو في المثال "زيد".

(5)

أي إذا أدخلت "من" على المحل؛ وهو "العين".

(6)

وذلك إذا أدخلت "من" على صاحب المحل؛ وهو "زيد" وقد يحذف الضمير الأول للعلم به؛ تقول: ما رأيت رجلا أحسن الكل منه في عين زيد.

(7)

فيحذف الضميران معاً، وذلك إذا تقدم محل المفضل نفسه على "أفعل" التفضيل، فيستغني "أفعل" بفاعله عما يكون بعده، وذلك كمثال المصنف، وكقولهم: ما شيء كالغزال أحسن به الحور.

(8)

فتحذف ضمير "الكحل" ومحله، وصاحب محله؛ اختصارا.

(9)

فأدخلوا "من" في اللفظ على غير المفضل عليه، وهو ملابسه، لا محله حقيقة.

(10)

الأولى: إسقاط "حسن"؛ لأن المفاضلة بين الجميل ونفسه باعتبارين، لا بينه بأحد، وحسنه بزيد. ويظهر أن الذي دعى المصنف إلى تقدير "حسن" ليتعلق به المجرور وهو "بزيد"، ويمكن عند الحذف أن يكون "بزيد" حالا من مجرور "من".

(11)

- أي في المعنى؛ فصار التقدير: من جميل زيد.

(12)

- أي: وهو "جميل"، وأقاموا المضاف إليه مقامه؛ وهو "زيد".

ص: 126

لن ترى في الناس من رفيق

أولى به الفضل من الصديق

(1)

والأصل: من ولاية الفضل بالصديق

(2)

، ثم من فضل الصديق، ثم من الصديق.

(1)

ذا بيت من النظم، وقد سبق، انظر صفحة (124).

(2)

الأولى حذف "ولاية" كما سبق؛ لأن المفاضلة؛ إنما هي بين الفضل ونفسه باعتبارين، لا بينه وبين ولايته. والخلاصة: أن الضميرين قد يذكران معا، وقد يحذفان، وقد يذكر أحدهما ويحذف الآخر.

فائدتان:

أ- ينصب "أفعل" التفضيل: المفعول لأجله، والظرف؛ والحال، وبقية المنصوبات، ما عدا المفعول المطلق، والمفعول معه، وفي المفعول به خلاف. والرأي جوازه لوروده؛ كقوله تعالى:{هُوَ أَهْدَى سَبِيلا} . أما التمييز، فإن كان فاعلا في المعنى نصب بأفعل؛ نحو: الطبيب أكثر نفعا من المهندس. وإن لم يكن فاعلا، وكان "أفعل" مضافا، صح نصبه؛ نحو: الحطيئة أكثر الشعراء هجاء.

ب إذا كان "أفعل" التفضيل مصوغا من مصدر فعل متعد بحرف جر معين، عدي "أفعل" بذلك الحرف؛ نحو: كان عمر أشفق الناس على الرعية، وأزهدهم في الدنيا، واسرع إلى إغاثة الملهوف. وإن كان من متعد بنفسه، فإن دل على حب أو بغض، أو ما في معناهما، عدي باللام، إن كان مجرورها مفعولا به في المعنى، وما قبل "أفعل" هو الفاعل؛ نحو: المسلم أحب للخير من غيره، وأبغض لمخالفته دينه.

وعدي بإلى، إن كان المجرور هو الفاعل في المعنى؛ نحو: المال أحب إلى البخيل من كل شيء، وإن دل على غير ذلك، عدمي بالام؛ نحو: محمد أنفع للجار. وإن كان فعله متعديا لاثنين عدي لأحدهما باللام، ونصب الآخر مفعولا به؛ نحو: محمد اعطى للمحتاجين الكثير من المال.

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف اسم التفضيل، وبين وزنه القياسي، ومم يصاغ؟ ومثل لما تقول.

2 اذكر حالاته من جهة لفظه، ثم من جهة معناه، ووضح ما تقوله بالأمثلة.

3 متى يلزم "أفعل" التفضيل الإفراد والتذكير، ومتى تجب مطابقته للموصوف؟

4 بين حكمه إذا أضيف لمعرفة أو لنكرة؛ من حيث المطابقة وعدمها، ومثل.

5 -

اشرح قول ابن مالك:

ورفعه الظاهر نزر ومتى

عاقب فعلا فكثيراً ثبتا

واشرح القاعدة التي يبنى عليها رفعه الظاهر، والضمير البارز، ووضحها بأمثلة.

6 فيما يأتي شواهد لأفعل التفضيل، بين الشاهد، وأعربه: قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} .

وقال عليه الصلاة والسلام: "اليد العليا خير من اليد السفلى" وقال: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون"، وفي الأمثال:"أمضى من سهم".

وأحب أوطان البلاد إلى الفتى

أرض ينال بها كريم المطلب

-

إن الذي سمك السماء بنى لنا

بيتًا دعائمه أعز وأطول

-

فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت

جنى النحل أو ما زودت منه أطيب

-

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على المرء من وقع الحسام المهند

-

صبرت ومن يصبر يجد غب صبره

ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم

7 -

خاطب بالعبارة الآتية المؤنثة، والجمع بنوعيه:

محمد أحق بالوصاية؛ لأنه أعقل إخوته، والأوفر مالا.

8 -

صغ اسم الفضيل، وفعلي التعجب، من مصادر الأفعال الآتية، وضع أربعة منها في جمل: انزوى، عظم، قتل، مل، سئم، أسود، طوى، أنعم، أتى، ناضل.

ص: 128

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

9 صغ اسم التفضيل، وفعلى التعجب، من مصادر الأفعال الآتية:

ارعوى، قال، اشمأز، طوى، مات، راقب، بر، وعد، ندم، اصفر.

نموذج

المصدر

اسم التفضيل

فعلا التعجب

المصدر

اسم التفضيل

فعلا التعجب

ارعواءً

أكثر ارعواءً

ما أكثر ارعواءه، وأكثر به

قولا طيا

أقول أطوى

ما أقوله، وأقول به ، ما أطوه ، وأطو به

اشمئزازًا

أكثر اشمئزازًا

ما أكثر اشمئزازه ، وأكثر به

مراقبة

أقوى مراقبة

ما أقوى مراقبته، وأقو بها

موتًا

لا يأتي منه

لا يأتيان منه

وعدا

أوعد

ما أوعده، وأوعد به

برًا

أبر

ما أبره، وأبرر به

اصفرارا

أكثر اصفرارا

ما أشد اصفراره، واشدد به

ندما

أندم

ما أندمه، وأندم به

-

-

-

10 أعرب البيت البيت الآتي، واشرحه شرحا أدبيا، وبين ما فيه من شاهد في هذا الباب:

لولا العقول لكان أدنى ضيغم

أدنى إلى شرف من الإنسان

11 بين فيما يأتي: اسم التفضيل، ومعموله، وموضعه من الإعراب، وحكمه من حيث الإفراد والمطابقة:

كان عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، المعروف بصقر قريش، من أرجح الناس عقلا، وأنفذهم عزما، وأسخاهم يدا. ولد في أحدى ضواحي دمشق الدنيا، سنة 133 هـ، وما كاد يبلغ العشرين من عمره، أو أكثر قليلا، حتى كان ملك بني أمية أقرب إلى الزوال، وأخذ العباسيون يتعقبون الأعلين من البيت الأموي، ففر عبد الرحمن إلى أقصى الغرب، واستطاع بما وهب من رجاحة العقل وسعة الفكر، أن يؤسس بالأندلس دولة ضارعت أرقى الدول، وكان لها اليد الطولى في نشر الحضارة بالغرب، وتوفي سنة 172 هـ، وعاصر من الخلفاء العباسيين: المنصور، والمهدي، والرشيد.

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومن آثاره الباقية إلى اليوم: الجامع الأموي في قرطبة، وقد كان العنوان الأسمى لمجد الأمويين في الغرب، والرمز الأعلى لعزهم وحضارتهم. وقد أنشأ في مواجهته قصرًا يعتبر تحفة فنية عظمى، وهو الأول من نوعه في الغرب والشرق.

ص: 130

‌باب: النعت

(1)

الأشياء التي تتبع ما قبلها في الإعراب

(2)

خمسة: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والنسق، والبدل

(3)

، فالنعت عند الناظم هو:

باب: النعت

(1)

يسمى النعت أيضاً: الصفة، والوصف.

(2)

سواء كان الإعراب لفظياً، أو تقديريا، أو محليا، ومثل الإعراب: ما يشبهه من حركة عارضة لغير الإعراب؛ نحو: يا زيد الفاضل، بضم الفاضل على أنه تابع للمنادى على اللفظ.

(3)

- وقد أشار الناظم إلى هذه التوابع بقوله:

يتبع في الإعراب الأسماء الأول

نعت وتوكيد وعطف وبدل*

أي أن هذه الأربعة تتبع في إعرابها الأسماء الأول التي سبقتها وتقدمت عليها، وهي الأسماء المتبوعة، واقتصر على الأسماء لأنها الأكثر.

وقد اختلف في عامل التابع، فالجمهور على أن العامل فيه هو العامل في المتبوع، ما عدا البدل فإن عامله محذوف، وقيل غير ذلك، ولكن ما ذكرناه هو الراجح. ولا يفصل بين التابع والمتبوع بأجنبي محض عنهما. ويجوز بمعمول الموصوف؛ نحو قوله تعالى:{ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِير} ، من الآية 44 م سورة ن.

وبمعمول الموصوف؛ نحو: يعجبني ضربك زيدا الشديد، وبعامل المتبوع؛ نحو: المريض أكرمت الجريح، وبمعمول العامل؛ كقوله تعالى:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ} من الآية 91، 92 من سورة المؤمنون. وبمفسر العامل؛ نحو:{إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وبالاستثناء، وبالقسم وبجوابه؛ كقوله تعالى:{بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} من الآية 3 من سورة سبأ، وبالاعتراض؛ كقوله سبحانه وتعالى:{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم} ، الآية

* "الأسماء" مفعول يتبع. "الأول" نعت للأسماء. "نعت" فاعل يتبع، وما بعده معطوف عليه، وخص الأسماء بالذكر، لأنها وحدها التي تجري فيها جميع التوابع، وهذا لا ينافي أن بعضها يجري في غير الأسماء؛ كالتوكيد اللفظي، والبدل، وعطف النسق، كما سيأتي.

ص: 131

التابع

(1)

الذي يكمل متبوعه؛ بدلالته على معنى فيه

(2)

، أو فيما يتعلق به

(3)

. فخرج بقيد التكميل النسق والبدل

(4)

، وبقيد الدلالة المذكورة البيان والتوكيد

(5)

. والمراد بالمكمل: الموضح للمعرفة

(6)

؛ كجاز زيد التاجر، أو التاجر أبوه. والمخصص للنكرة

(7)

؛ كجاءني رجل تاجر، او تاجر أبوه.

وهذا الحد غير شامل لأنواع النعت، فإن النعت قد يكون لمجرد المدح؛ كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} ، أو لمجرد الذم؛ نحو:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، أو

76 من سورة الواقعة .... إلخ.

ولا يجوز تقديم التابع على المتبوع، وأجاز بعضهم تقديم الصفة إذا كانت لمتعدد تقدم بعضه؛ نحو: نجح محمد الذكيان وعلي.

(1)

التابع هو: اللفظ المتأخر المشارك لما قبله في نوع إعرابه، الحاصل، والمتجدد وليس خبرًا، ومعنى الحاصل والمتجدد: تغير النعت بسبب تغير المنعوت بتغيير التراكيب.

(2)

هذا إذا كان نعتا حقيقيا؛ وهو: ما يدل على معنى في نفس منعوته، أو ما هو في حكمه.

(3)

وذلك إذا كان نعتا سببياً؛ وهو: ما يدل على معنى في شيء بعده؛ له صلة وارتباط بالمتبوع؛ قال الناظم:

فالنعت تابع متم ما سبق

بوسمه أو وسم ما به اعتلق*

أي أن العت هو: التابع الذي يتمم المنعوت الذي سبقه، ويكمله بوسمه؛ أي بزيادة سمة وعلامة في المنعوت، أو وسم ما اعتلق به، أي ما أتصل بالمنعوت بعلاقة؛ وهو سببيه.

(4)

لأنهما لم يقصد بهما أصلا تكميل متبوعهما، لا بإيضاح، ولا تخصيص.

(5)

لأنهما لا يدلان على صفة ومعنى في متبوعهما ولا فيما يتعلق به؛ فإنهما عين متبوعهما؛ فهما يكملان بالإيضاح ورفع الاحتمال.

(6)

وذلك بإزالة الاشتراك اللفظي فيها، ورفع الاحتمال الذي يتجه إلى معناها.

(7)

أي بتقليل الاشتراك المعنوي فيهما، وتضييق عدد ما تشمله.

* "فالنعت تابع" مبتدأ وخبر. "متم" نعت لتابع، وفيه ضمير مستتر هو فاعله. "ما" اسم موصول مفعول متم. "سبق" الجملة صلة ما. "بوسمه" متعلق "بمتم" أو وسم" معطوف على وسمه. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "به" متعلق باعتقال الواقع صلة لما، والهاء فيه وفي بوسمه، عائدة إلى "ما" الواقعة على المتبوع.

ص: 132

للترحم

(1)

؛ نحو: اللهم أنا عبدك المسكين. أو للتوكيد؛ نحو: {نَفْخَةٌ وَاحِدَة}

(2)

.

(1)

أي: إظهار الرحمة والحنان للغير.

(2)

يجاب على هذا: بأن الأصل في النعت أن يكون للإيضاح أو التخصيص، ومجيئه للمدح وغيره، أمر عرضي تدل عليه القرائن؛ فهو من باب المجاز؛ فلهذا اقتصر المصنف وغيره من المؤلفين عليهما، الآية 13 من سورة الحاقة.

* "وليعط" فعل مضارع مجزوم بلام الأمر يحذف الألف، ونائب الفاعل العائد إلى النعت هو المفعول الأول. "ما" اسم موصول مفعوله الثاني. "لما" متعلق بمحذوف، صلة "ما" وهي واقعة على المنعوت. "تلا" فعل ماض وفاعله يعود على النعت، والجملة صلة ما الثانية المجرورة باللام. "كامرر" الكاف جارة لقول محذوف، وامرر فعل أمر. "كرما" جمع كريم، صفة لقوم، وقصر للضرورة.

ص: 133

فصل: وتجب موافقة النعت لما قبله فيما هو موجود فيه؛ من أوجه الإعراب الثلاثة

(1)

، ومن التعريف والتنكير

(2)

؛ تقول: جاءني زيد الفاضل، ورأيت زيداً الفاضل، ومررت بزيد الفاضل، وجاءني رجل فاضل، كذلك.

وأما الأفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فإن رفع الوصف ضمير الموصوف

(1)

وهي: الرفع، والنصب، والجر، وذلك لأن المخالفة فيها تنافي التبعية.

(2)

لأن المخالفة في ذلك تجعل الشيء معينا وغير معين في وقت واحد. ويشترك في الموافقة فيما تقدم: النعت مطلقا، حقيقيا أو سببيا. قال الناظم مشيرا إلى ذلك:

وليعط في التعريف والتنكير ما

لما تلا كـ"امرر بقوم كرما*

أي أن النعت يعطي في التعريف والتنكير، ما ثبت للذي تلاه النعت؛ وهو المنعوت، وفي المثال الذي ذكره؛ وهو:"كرما" نعت لقوم، وكلاهما نكرة. وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا خصصت بوصف بالمعرفة. ومثل لذلك بقوله تعالى:{فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ} من الآية 107 من سورة المائدة، فجعل "الأوليان" المعرف بأل، نعتا لآخران النكرة؛ لوصفه بالجار والمجرور. كما أجاز بعضهم نعت المعرف بأل الجنسية بالنكرة المخصوصية، وما في حكمهما وهو الجملة؛ ومنه قوله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَار} الآية 37 من سورة يس.

* "وليعط" فعل مضارع مجزوم بلام الأمر يحذف الألف، ونائب الفاعل العائد إلى النعت هو المفعول الأول. "ما" اسم موصول مفعوله الثاني. "لما" متعلق بمحذوف، صلة "ما" وهي واقعة على المنعوت. "تلا" فعل ماض وفاعله يعود على النعت، والجملة صلة ما الثانية المجرورة باللام. "كامرر" الكاف جارة لقول محذوف، وامرر فعل أمر. "كرما" جمع كريم، صفة لقوم، وقصر للضرورة.

ص: 133

المستترب، وافقه فيها

(1)

، كجائتني امراة كريمة، ورجلان كريمان، ورجال كرام. وكذلك جاءتني امرأة كريمة الأب، أو كريمة أبا

(2)

، وجاءني رلجان كريما الأب، أو كريمان أبا، وجاءني رجال كرام الأب، أو كرام أبًا، لأن الوصف في ذلك كله رافع ضمير الموصوف المستتر

(3)

.

وإن رفع الظاهر أو الضمير البارز، أعطي حكم الفعل

(4)

، ولم يعتبر حال الموصوف؛

(1)

وهذا هو النعت الحقيقي، وحينئذ تكمل له الموافقة لمتبوععه في أربعة أشياء من عشرة؛ هي: حركات الإعراب، والتعريف والتنكير، والإفراد وفروعه، والتذكير والتأنيث.

(2)

الوصف في هذا المثال وما بعده، يسمى بالوصف المجازي، وهو الذي يجري على غير من هو له؛ وذلك بأن يحول الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، ويجر الظاهر بالإضافة إن كان معرفة، وينصب على التمييز إن كان، كما في الأمثلة.

(3)

أي: أصالة أو تحويلا، ولم يرفع السببي.

هذا: وهنالك أشياء لا تلزم فليها المطابقة المتقدمة غير ما أسلفنا؛ منها:

الألفاظ التي تلزم صيغة واحدة في التذكير والتأنيث؛ كـ"فعول" بمعنى فاعل، و"فعيل" بمعنى مفعول؛ مثل صبور، وجريح، ومنها "أفعل" التفضيل إذا كان مجردا من أل، أو مضافا لنكرة؛ فإنه يلزم والإفراد والتذكير، ولا يطابق المنعوت في التأنيث والتثنية والجمع.

ومن ذلك: صفة جمع مذكر ما لا يعقل؛ فإنه يجوز معاملتها معاملة المفرد المؤنث أو الجمع؛ نحو: أياما معدودة ومعدودات، ومنها، أن يكون المنعوت تمييزا مفردا للأعداد المركبة، أو المعطوفة، أو العقود؛ فإنه يجوز في النعت: الإفراد مراعاة للفظ المنعوت، والجمع مراعاة للمعنى؛ تقول: خمسة عشر طالباً ذكيا أو أذكياء، وعشرو رجلا أدبياً أو أدباء، وخمسة وثلاثون عالما كذلك .. وهكذا.

ومنها بعض الفاظ مسموعة من غير مطابقة في الجمع مثل: "ثوب أخلاق" جمع خلق؛ وهو البالي، و"بُرْمَةٌ أعشار"؛ البرمة: قدر من حجارة، {نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} جمع مشيج، أي مختلط.

(4)

أي الذي يقع في موقع النعت، فيجب تجريده من علامة التثنية والجمع على اللغة الفصحى، ويراعي حالة مرفوعه في التذكير والتأنيث، سواء أكان المنعوت كذلك أم لا، وهذا هو

ص: 134

تقول: مررت برجل قائمة أمه، وبامرأة قائم أبوها، كما تقول: قامت أمه، وقام أبوها، ومررت برجلين قائم أبواهما، كما تقول: قام أبواهما، ومن قال: قاما أبواهما

(1)

، قال: قائمين أبواهما

(2)

. وتقول: مررت برجال قائم آباؤهم، كما تقول: قام آباؤهم، ومن قال: قاموا آباؤهم قال: قائمين آباؤهم

(3)

.

وجمع التكسير أفصح من الإفراد

(4)

؛ كقيام آباؤهم.

النعت السببي، ويجب أن يشتمل الاسم الظاهر على ضمير يعود على المنعوت مباشرة، ويربط بينه وبين هذا الاسم الظاهر الذي ينصب عليه معنى النعت. ويطابق النعت السببي منعوته حتما في اثنين من خمسة هما: حركات الإعراب، والتعريف، والتنكير، كما قدمنا.

(1)

أي: بإلحاق علامة التثنية بالفعل المسند إلى المثنى الظاهر، وهي لغة "طيء" وأزد شنوءة.

(2)

أي بتثنية الوصف الرافع للسببي.

(3)

أي: بإلحاق علامة الجمع في الفعل والوصف؛ وهي لغة "أكلوني البراغيث".

(4)

أعلم أنه يجوز في الوصف المسند إلى السببي المجموع جمع تكسير: الإفراد، والتكسير؛ أي المطابقة وعدمها، والتكسير أفصح عند سيبويه. ويتعين الإفراد -أي عدم المطابقة- في السببي المثنى، والإفرد أفصح حين يكون السببي جمع مؤنث سالما، أو جمع مذكر سالما، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وهو لدى التوحيد والتذكير أو

سواهما كالفعل فاقف ما قفوا*

أن حكم النعت عند التوحيد -أي الإفراد- وعند التذكير، وسواهما من فروعهما، هو حكم الفعل، فاتبع في ذلك ما اتبعه العرب في أمر الفعل، وطبقه على النعت.

فائدة:

قال الصبان نقلا عن المغني: يجوز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، ون لزم استتار الضمير في قاعدين مع جريان الصفة على غير من هي له؛ لأنه يغتفر في الثواني ما لا

* "وهو" مبتدأ خبره قوله "كالفعل" الآتي. "لدى" ظرف بمعنى متعلق بما تعلق به الخبر. "التوحيد" مضاف إليه. "والتذكير أو سواهما" معطوف على التوحيد. "ما" اسم موصول مفعول "أقف". "قفوا" الجملة صلة ما، والعائذ محذوف؛ أي قفوه، والقفو: الاتباع.

ص: 135

فصل: والأشياء التي ينعت بها أربعة:

أحدهما: المشتق. والمراد به: ما دل على حدث وصاحبه

(1)

؛ كضارب، ومضروب، وحسن، وأفضل.

الثاني: الجامد المشبه للمشتق في المعنى

(2)

؛ كاسم الإشارة

(3)

، و"ذي" بمعنى صاحب

(4)

، وأسماء النسب؛ تقول: مررت بزيد هذا، وبرجل ذي مال، وبرجل دمشقي؛

يغتفر في الأوائل. ويمتنع. قائمين لا قاعد أبواه، على إعمال الثاني؛ للزوم ما ذكر في الأوائل.

(1)

المراد بصاحب الحدث: من قام به الفعل أو اتصف به، أو وقع عليه أو منه. ويشمل ذلك: الأسماء المشتقة العاملة؛ وهي: اسم الفاعل، واسم المفعول به، وما هو بمعناه؛ كفعيل بمعنى مفعول في مثل: أمين، وجريح، وصيغ المبالغة، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل، أما غير العاملة؛ كاسمي الزمان والمكان، واسم الآلة، فلا ينعت بها؛ لأنها لا تدل على صاحب الحدث، بل هي مشتقة بالمعنى الأعم.

(2)

بأن يفيد ما يفيده المشتق من المعنى؛ وهذا هو المسمى بالمشتق تأويلا.

(3)

أي الزمانية؛ مثل: "هذا" وفروعه، وهي معارف؛ فلا تقع نعتا إلا للمعرفة. أما اسم الإشارة المكانية مثل:"هنا، وثم" فلا تقع نعتا بنفسها، ولكنها تتعلق بمحذوف يكون هو النعت؛ تقول مررت برجل هنا، أو ثَمَّ" فلا تقع نعتا بنفسها، ولكنها تتعلق بمحذوف يكون هو النعت؛ تقول مررت برجل هنا، أو ثم؛ أي كائن أو موجود، ويقال من باب الاختصار: الظرف نعت.

(4)

ومثلها فروعها؛ وهي: "ذوا، ذوي" للمثنى المذكر، و"ذوو، ذوي" الجمع المذكر، و"ذات" للمفردة المؤنثة، و"ذاتا، وذاتي" للمثنى المؤنث، و"ذوات" لجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك "بذو" الموصولة وفروعها، وسائر الموصولات الاسمية المبدوءة بأل؛ كالذي والتي، و"بأل" نفسها. أما "من" و"ما" ففي النعت بهما خلاف، والرأي جوازه. ولما كانت الموصولات معرفة، وجب أن يكون منعوتها معرفة. ومن الجامد المشبه للمشتق: أسماء الأعداد؛ نحو: اشتريت الكتب الخمسة، ولفظ:"أي"، إذا أضيفت لنكرة تماثل المنعوت في المعنى؛ نحو: اتخذت صديقا أي صديق، ولفظ "كل، أو جد، أو حق" إذا أضيف كلٌ إلى اسم جنس يكمل معنى الموصوف؛ تقول: أنت الرجل كل الرجل، هذا

ص: 136

لأن معناهما: الحاضر، وصاحب مال ومنسوب إلى دمشق

(1)

.

الثالث: الجملة، وللنعت بها ثلاثة شروط: شرط في المنعوت، وهو أن يكون نكرة

(2)

، إما لفظاً ومعنى

(3)

؛ نحو: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه}

(4)

، أو معنى لا لفظاً، وهو المعرف بأل الجنسية

(5)

؛ كقوله:

صديق جد وفي، أنت الزميل حق الزميل.

(1)

أي: فقد أفادت ما يفيده المشتق من المعنى. ولا يقتصر في النسب على المنسوب بالباء؛ بل يشمل ما يكون على صيغة "فعال" أو "فاعل" أو غيرهما، كما سيجيء في باب النسب، وينبغي أن يكون مقصودا، وإلا بقي الاسم على جموده؛ فلا يقع نعتا؛ كمن اسمه: بدوي، أو مكي، ويصلح المنسوب نعتا للنكرة والمعرفة، بشرط المطابقة في ذلك. ومثل المنسوب: المصغر. وإلى النعت بالمشتق وشبهه يشير الناظم بقوله:

وانعت بمشتق كصعب وذرب

وشبهه كذا وذي والمنتسب*

والذرب: الحاد اللسان، والمنتسب: المنسوب الذي يفيد النسبة إلى غيره.

(2)

لأن الجملة -كما يقول الرضي- مؤولة بالنكرة، وإن كان يجري على الألسنة أنها نكرة؛ لأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء. ويقول صاحب المفصل: إنها نكرة، بدليل وقوعها نعتا للنكرة، والخلاف شكلي لا أثر له على الجوهر.

(3)

أي: بأن تكون نكرة محضة خالصة من شائبة التعريف؛ وذلك بخلوها من "أل" الجنسية، ومن أي مخصص آخر؛ كالإضافة، والنعت، ونحوهما.

(4)

من الآية 281 من سورة البقرة.

(5)

فإن معناه نكرة؛ لأنها للحقيقة في ضمن فرد منهم. ومثله ما قيد بما يفيد التخصيص، ولا تتعين الجملة في هذه الحالة للنعت؛ بل يجوز أن تكون حالا أيضاً، والمنعوت صاحب الحال.

* "بمشتق" متعلق بالنعت، وهو نعت لوصف محذوف. "كصعب" متعلق بمحذوف، خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كعصب. "وذرب" معطوف على صعب. "وشبهه" معطوف على مشتق. والهاء مضاف إليه "كذا" خبر لمبتدأ محذوف أيضًا، وما بعده معطوف عليه.

ص: 137

ولقد أمر على اللئيم يسبني

(1)

وشرطان في الجملة:

أحدهما: أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف

(2)

، إمَّا ملفوظ به كما تقدم، أو مقدرٌ كقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ؛ أي: لا تجزي فيه.

(1)

صدر بيت من الكامل، نسبه سيبويه في كتابه لرجل من بني سلول ولم يعينه، وقيل إنه مولد. ونسبه الأصمعي إلى شمر بن عمرو الحنفي، ضمن خمسة أبيات ذكرها، وعجزه:

فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

اللغة والإعراب: اللئيم: الدنيء النفس الخبيث الطباع. لا يعنيني: لا يقصدني. "ولقد" الواو للقسم واللام للتوكيد، وقد للتحقيق. "يسبني" فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول، والجملة صفة اللئيم باعتبار معناه؛ لأنه نكرة في المعنى. "ثمت" ثم حرف عطف، والتاء لتأنيث اللفظ. "لا يعيني" لا نافية، والجملة مقول القول.

المعنى: لقد أمر على اللئيم الذي ديدنه وطبعه الشتم والسبب من غير مبر؛ فأمضي ولا أهتم به، ولا أجيبه بالمثل، وأردعه احتقارا له، وأقول في نفسي: إنه لا يقصدني بسبه وشتمه.

الشاهد: وقوع "يسبني" نعتا للمعرفة؛ وهي "اللئيم" وساغ ذلك لأن "أل" جنسية، فمدخولها معرفة لفظا، نكرة معنى.

ويشترط كذلك في المنعوت: أن يكون مذكورا. ويجوز حذفه بشرط أن يكون مرفوعا، وبعض اسم متقدم مجرور بـ"من" أو "في"، وسيأتي زيادة إيضاح لذلك.

(2)

ويطابقة في الإفراد والتذكير وفروعهما. وإذا كانت جملة النعت فعلية بعد مبتدأ هو ضمير للمتكلم أو للخاطب، جاز في الضمير الرابط أن يكون للمتكلم أو للمخاطب، وأن يكون للغائب؛ تقول: أنا مخلص أحب، أو يحب، الأهل والأصدقاء. وأنت مخلص تحب، أو يحب، المخلصين الأوفياء، ومراعاة التكلم أو الخطاب أحسن. والوصف بالجملة الفعلية أقوى منه بالاسمية، وقد تغني "أل" عند بعض النحاة عن الضمير الرابط، إذا دخلت على الجملة الاسمية الواقعة نعتا؛ نحو: اشتريت كتاب الورق ناعم مصقول

ص: 138

والثاني: أن تكون خبرية؛ أي محتملة للصدق والكذب؛ فلا يجوز: مررت برجل أضربه، ولا بعبد بعتكه، قاصداً لإنشاء البيع

(1)

، فإن جاء ما ظاهره ذلك، يؤول على إضمار القول

(2)

؛ كقوله:

والطباعة جيدة؛ أي ورقه ناعم وطباعته جيدة، وهو مسموع كثيرا يصح القياس عليه إذا أمن اللبس. ولا تصلح الواو التي تسبق جملة الوصف للربط، بخلاف الجملة الحالية، بل هي تزاد احياناً؛ لتزيد التصاق جملة النعت بالمنعوت، وتؤكد، وتؤكد دلالتها على النعت. ولذلك يسميها البعض:"واو اللصوق" ومن أمثلتها في القرآن الكريمك {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُوم} ، الآية 4 من سورة الحجر.

(1)

- أي لا الإخبار به، وذلك لأن النعت يقصد به توضيح المنعوت أو تخصيصه، فلا بد أن يكون معلوما عند السامع قبل. والإنشاء بنوعيه: الطلبي وغير الطلبي، ليس كذلك؛ لأنه لا خارج لمدلولها إلا عند التلفظ بهما.

(2)

- ويكون القول المضمر صفة، وتكون الجملة الطلبية معمولة لهذا القول. وإلى هذا، وإلى النعت بالجملة، يشير الناظم بقوله:

ونعتوا بجملة منكراً

فأعطيت ما أعطيته خبرا

وامنع هنا إيقاع ذات الطلب

وإن أتت فالقول أضمر تصب*

أي أن العرب نطقوا بالجملة نعتا للمنعوت المنكر، وإذا حدث ذلك فإنها تعطي من الحكم ما أعطيته وهي خبر؛ بدليل قوله: وامنع هنا -أي في باب النعت- وقوع الجملة الطلبية "المراد الإنشائية مطلقا"، وإن ورد في الكلام جمل إنشائية وقعت نعتا، فيخرج على إضمار قول محذوف هو النعت،

* "منكرا" مفعول نعتوا. "ما" اسم موصول، مفعول ثان لأعطيت، والأول نائب الفاعل، والتاء للتأنيث "أعطيته"

الجملة صلة ما، ونائب الفاعل يعود إلى "جملة"، وهو المفعول الأول، والهاء مفعول ثان. "خبرا" حال من نائب الفاعل. "هنا" ظرف مكان متعلق بامنع. "إيقاع" مفعول امنع. "ذات" مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله. "الطلب" مجرور بإضافة ذات. "وإن أتت" شرط وفعله، "فالقول" الفاء واقعة في الجواب، و"القول" مفعول مقدم لأضمر. "تصب" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر، وحرك بالكسر للروي.

ص: 139

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

(1)

أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول عند رؤيته هذا الكلام.

الرابع: المصدر

(2)

؛ قالوا: هذا رجل عدل، ورضا، وزور، وفطر، وذلك عند

وتكون الجملة الإنشائية مقولا له.

(1)

عجز بيت من الرجز، ينسب العجاج، وقيل لراجز غيره، وقد نزل ضيفا بقوم وطال انتظاره للطعام حتى جاء الليل، ثم أتوه بلبن قليل قد خلطوه بماء كثير حتى صار لونه يحاكي لون الذئب في الزرقة، وصدره:

حتى إذا جن الظلام واختلط

اللغة والإعراب: - جن: دخل وستر. اختلط: امتزج ظلامه بالضياء. بمذق: هو مصدر بمعنى الممذوق؛ أي المخلوط؛ من مذقت اللبن، إذا خطلته بالماء. "قط" اسم للزمان الماضي. "حتى" ابتدائية. "ظرف مضمن معنى الشرط. "جن الظلام" فعل الشرط وفاعله، وجملة "جاءوا" جواب الشرط. "هل رأيت" الجملة في محل نصب مقول لقول مقدر، واقعة صفة لمذق؛ أي بمذق مقول فيه ذلك عند رؤيته. "قط" ظرف مبني على ضم مقدر في محل نصب لرأيت، وسكن للروي.

المعنى: - واضح بعد ما ذكرنا.

الشاهد: - في قوله: "بمذق" هل رأيت الذئب؛ فإن الظاهر يشعر بوقوع الجملة الاستفهامية نعتا للنكرة وهو "مذق"، وليس كذلك، بل جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف؛ هو الواقع نعتا، كما بينا وأوضح المصنف.

(2)

بشرط أن يكون منكرا، وصريحا لا مؤولا، وأن يكون مصدر فعل ثلاثي أو بزنته، وألا يبدأ بميم زائدة، وإن يلتزم صيغة واحدة؛ وهي: الإفراد والتذكير غالباً؛ فلا يثني، ولا يجمع، ولا يؤنث، إلا ما سمع من ذلك. وهو مع هذا كله مقصور على السماع؛ قال الناظم:

ونعتوا بمصدر كثيراً

فالتزموا الإفراد والتذكيرا*

* "نعتوا" فعل وفاعل، والضمير للعرب. "بمصدر" متعلق بنعتوا. "كثيرا" نعت لمصدر محذوف؛ أي نعتا كثيرا، وقيل: حال. "الإفراد" مفعول به لالتزموا. "والتذكيرا" معطوف على الإفراد.

ص: 140

الكوفيين على التأويل بالمشتق

(1)

؛ أي عادل، ومرضي، وزائر، ومفطر، وعند البصريين على تقدير مضاف؛ أي ذو كذا؛ ولهذا التزم إفراده وتذكيره

(2)

، كما يلتزمان لو صرح بذو

(3)

.

أي نعت العرب بالمصدر كثيرا في أساليبهم، ولم يخرجوه عن صيغته الملازمة للإفراد والتذكير، ولو كانت المنعوت غير مفرد وغير مذكر.

(1)

ذلك لأنه لا يصح أن يكون اسم المعنى نعتا للذات. ويؤيد قولهم: ورود أساليب وقع فيها المصدر نعتا مع إضافته لمعرفة؛ كقوله: مررت برجل حسبك من رجل، أو شرعك من رجل، أي كافيك، وهمك من رجل؛ أي مهمك، ونحو من رجل؛ أي مشابهات ومماثلك. وهذه المصادر لم تكتسب التعريف من المضاف إليه؛ لأنه مؤولة بالمشتق. ومن أمثلة المشتق الذي لا يكسب التعريف قوله تعالى:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ، فقد وصف {عَارِضٌ} النكرة بـ {مُمْطِرُنَا} المضاف إلى الضمير من الآية 24 من سورة الأحقاف.

(2)

لان المصدر من حيث هو مصدر، لا يثني ولا يجمع، فأجروه على الأصل للتنبيه على أن حقه ألا ينعت به لجموده، وأنهم توسعوا فيه بالتأويل والحذف.

(3)

أي: وفروعه؛ فيقال: هذا رجل ذو عدل، وامرأة ذات عدل، ورجلان ذوا عدل، ورجال ذوو عدل، ونساء ذوات عدل. قيل: ومن النعت بالمصدر على التأويل باسم المفعول أو تقدير المضاف، قولهم: مررت برجل ما شئت من رجل، وقوله تعالى:{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَك} . وقيل إنه من النعت بالجملة.

ص: 141

فصل: وإذا تعددت النعوت

(1)

، فإن اتحد معنى النعت، استغني بالتثنية والجمع عن تفريقه؛ نحو: جاءني رجلان فاضلان، ورجال فضلاء. وإن اختلف

(2)

وجب التفريق فيها بالعطف بالواو

(3)

؛ كقوله:

(1)

أي: وكان المنعوت دالا على متعدد؛ بأن كان مثنى أو مجموعات من غير تفريق.

(2)

أي النعت، إما لفظا ومعنى، أو لفظا فقط؛ كالذاهب والمنطلق، أو معنى فقط؛ كالضارب؛ من الضرب بالعصا، والضارب؛ من الضرب في الأرض، أي السير فيها.

(3)

أي لا غير؛ لأن العطف بغيرها لا يفيد الترتيب في الفعل؛ بل في حصول الوصفين أو الأوصاف للمنعوت، والترتيب في هذا غير مراد.

ص: 141

على أربعين مسلوب وبال

(1)

وقولك: مررت برجال: شاعر، وكاتب، وفقيه.

(1)

عجز بيت من الوافر، أنشده سيبويه ولم ينسبه لقائل، وصدره:

بكيت وما بكا رجل حزين

اللغة والإعراب: ربعين: مثنى ربع، وهو المنزل. مسلوب: ذاهب لم يبق له أي أثر بال: ذهبت عينه وبقيت آثاره ورسومه. "ما" نافية. "بكا" اسمها، أو مبتدأ، إن جعلت "ما" مهملة. "رجل" مضاف إليه. "حزين" صفة لرجل، والخبر محذوف؛ أي مفيد. والجملة معترضة بين العامل -وهو بكيت- والمعمول؛ وهو:"على ربعين" المتعلق ببكيت. "مسلوب" نعت لربعين، و"بال" معطوف عليه.

المعنى: بكيت من ألم الفراق والحزن على منزلين للأحبة؛ أحدهما ذهب ولم يبق له أثر ما، والثاني بلي ولم يبق منه إلا الأطلال والرسوم. ولكن ماذا يفيد البكاء والحزن على الآثار والأطلال؟

الشاهد: عطف "بال" على "مسلوب" وهما نعتان، ولم يثنهما لاختلافهما في المعنى. هذا: وإذا تعددت النعوت، وكان المنعوت واحدا، وجب تفريق النعوت بعطف بالواو، أو بغيرها مما يناسب السياق، أو بغير عطف؛ تقول: رأيت في الطريق رجلا ماكرا محتالا زريا، أو: ومحتالا وزريا، وتمتنع الواو إذا كان المعنى المراد لا يتحقق بنعت واحد؛ نحو: شرب المريض الدواء؛ الحلو المر.

وفي تعدد النعت ومنعوته يقول الناظم:

ونعت غير واحد إذا اختلف

فعاطفًا فرقه لا إذا ائتلف*

أي أن النعت المتعدد المختلف في لفظه ومعناه، أو في أحدهما يجب أن تفرقه بالعطف، إذا كان المنعوت متعددا، والعطف يكون بالواو لا غير. أما إذا ائتلف النعت؛ أي اتفق لفظه ومعناه، فلا تفرقة.

* "ونعت" مبتدأ، وما بعده مضاف إليه. "إذا اختلف" شرط وفعله. "فعاطفا" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"عاطفا" حال من فاعل فرقه، والجملة جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ. "لا" عاطفه للنفي. "إذا ائتلف" شرط وفعله، والجواب محذوف.

ص: 142

وإذا تعددت النعوت

(1)

؛ واتحد لفظ النعت، فإن اتحد معنى العامل وعمله، جاز الإتباع مطلقا

(2)

؛ كجاء زيد، وأتى عمرو، الظريفان، وهذا زيد، وذاك عمرو، الظريفان، وهذا زيد، وذاك عمرو، العاقلان، ورأيت زيداً، وأبصرت خالدًا، الشاعرين

(3)

. وخص بعضهم جواز الإتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين، أو خبري مبتدأين

(4)

.

وإن اختلفا في المعنى والعمل؛ كجاء زيد، ورأيت عمراً، الفاضلين. أو اختلف المعنى فقط؛ كجاء زيد، ومضى عمرو الكاتبان. أو العمل فقط؛ كهذا مؤلم زيد، وموجع عمراً، الشاعران، وجب القطع

(5)

.

(1)

أي وكان المنعوت متعددا متفرقا.

(2)

أي: سواء كان المتبوعان مرفوعين بفعلين، أو خبري مبتدأين، أو منصوبين أو مجرورين. وبعضهم يشترط في هذه الحالة: اتفاق المنعوتين تعريفا وتنكيرا؛ لئلا تتبع المعرفة بالنكرة أو بالعكس. كما يشترط ألا يكون أول المنعوتين اسم إشارة؛ فلا يجوز: جاء هذا، وجاء محمد، الشاعران؛ لأن نعت الإشارة لا يفصل منه.

(3)

لم يمثل المصنف للمجرور، ومثاله: مررت بعلي، وجزت على خالد، الكريمين.

(4)

ليس هنالك من سبب، إلا أن سيبويه نص على هذين في كتابه، فتوهم البعض الاختصاص بهما، والصحيح تعميم الحكم. وفي هذا يقول الناظم:

ونعت معمولي وحيدي معنى

وعمل أتبع بغير استثنا*

أي: أتبع -بغير استثناء- نعت معمولي عاملين متحدين في المعنى والعمل.

(5)

إما بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل. ويمتنع الإتباع لأنه يؤدي إلى تسليط عاملين مختلفي المعنى والعمل، على معمول واحد؛ لأن العامل في التابع هو العامل في المتبوع كما تقدم. وإن كان العامل واحدا؛ فإن اتحد عمله ونسبته إلى المعمولين في المعنى؛ بأن تكون على جهة الفاعلية أو المفعولية مثلا، جاز الإتباع والقطع بشرطه؛

* "ونعت" مفعول مقدم لأتبع. "معمولي" مضاف إليه. "وحيدي" مضاف إليه أيضا، وهو صفة لمحذوف؛ أي نعت معمولي عاملين وحيدي. "معنى" مضاف إليه. "وعمل" معطوف على معنى. "بغير" متعلق بأتبع. "استثنا" مضاف إليه، وقصر للضرورة.

ص: 143

فصل: وإذا تكررت النعوت لواحد؛ فإن تعين مسماه بدونها، جاز إتباعها، وقطعها، والجمع بينهما

(1)

، بشرط تقديم المتبع، وذلك كقول خرنق

(2)

:

لا يبعد قومي الذين هم

سم العداة وآفة الجزر

النازلون بكل معترك

والطيبون معاقد الأزر

نحو: حضر محمد وعلي الخطيبان. وإن اختلفا؛ نحو: ضرب محمد عليا الكريمان، أو اختلف النسبة دون العمل، نحو: أعطيت محمدا أباه الفاضلان، وجب القطع.

(1)

أي: بين القطع والإتباع، فيقطع البعض ويتبع البعض الآخر.

(2)

هي الخرنق بنت بدر بن مالك، من بني قيس بن ثعلبة؛ وهي أخت طرفة بن العبد لأمه، وهذان البيتان من بحر الكامل، من قصيدة في رثاء زوجها بشر بن عمرو بن مرثد، سيد بني أسد، ومن قتل معه في يوم القلاب:"اسم جبل بديار بني أسد".

اللغة والإعراب: لا يبعدن: دعاء خرج مخرج النهي؛ أي لا يهلكن؛ من البعد بمعنى الذهاب بالموت أو الهلاك. وهو مضارع. "بعد" من باب فرح. ومن عادة العرب إذا أرادوا الدعاء لشخص، يقولون له: لا تبعد، أو لا يبعد. وإذا أرادوا الدعاء عليه قالوا: بعدت، أو بعدا لك، وفي التنزيل:{أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُود} . العداة: جمع عاد؛ بمعنى العدو؛ أي أنهم بمنزلة السم للأعداء؛ يقتلونهم بلا رحمة. "آفة الجزر". الآفة اسم لكل ما يؤذي أو يهلك، والجزر: جمع جزور، وهي الغبلن يريد أنهم كرماء. "معترك": موضع الاعتراك والقتال. "معاقد": جمع معقد، وهو موضع عقد الإزار، والإزار: ما يشده الإنسان على وسطه، وكني بذلك عن طهارتهم وعفتهم عن الفحشاء. "لا" دعائية. "يبعدن" فعل مضارع مبني على الفتح لنون التوكيد الخفيفة. "قومي" فاعل يبعدن. "الذين" صفة لقومي، وما بعده صلة. "النازلون" نعت لقومي، أو خبر لمبتدأ محذوف. "والطيبون" كذلك. "معاقد" منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ لأن "الطيبون" صفة مشبهة. "الأزر" مضاف إليه.

المعنى: تدعو لقومهما بالسلامة والنجاة، وتصفهم بالشجاعة، وأنهم للأعداء بمنزلة السم لا يبقون عليهم، وبالكرم؛ فهم يفنون الإبل ذبحا للضيفان، وبالإقدام؛ فهم لا يجبنون عن القتال في كل معركة. وهم مع هذا شرفاء بعيدون عن الخناء والفحشاء

ص: 144

ويجوز فيه: رفع النازلين والطيبين على الإتباع لقومي، أو على القطع بإضمار "هم"، ونصبها بإضمار أمدح أو أذكر، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا

(1)

، وعكسه على القطع فيهما

(2)

.

وإن لم يعرف إلا بمجموعها، وجب إتباعها كلها؛ لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد؛ وذلك كقولك: مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب، إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة: أحدهم تاجر كاتب، والآخر تاجر فقيه، والآخر ففيه كاتب

(3)

. وإن تعين ببعضها، جاز فيما عدا ذلك البعض الأوجه الثلاثة

(4)

.

الشاهد: في "النازلون"، و"الطيبون" فهما نعتان لا يتوقف عليهما تعيين النعوت؛ ومن ثم يجوز فيهما الإتباع والقطع، وقد بين ذلك المصنف.

(1)

أي: فيكون الأول -وهو المنازلون- مرفوعا على الإتباع لقومي، أو على القطع بإضمار "هم"، ويكون خبر المبتدأ محذوفًا، ويكون الثاني -وهو الطيبون- منصوبا على القطع بإضمار أمدح، أو أذكر.

(2)

العكس هو: نصب الأول ورفع الثاني، ولا يجوز الإتباع في الثاني؛ لأنه مسبوق بنعت مقطوع، والإتباع بعد القطع ممنوع؛ لما فيه من الفصل بين النعت والمنعوت بجملة أجنبية؛ ولأنه رجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه.

(3)

"فزيد" المقصود لا يتعين إلا بالنعوت الثلاثة، فيجب حينئذ إتباعها كلها.

(4)

أي الإتباع، والقطع إلى الرفع أو النصب، والجمع بينهما، بشرط تقديم النعت التابع على النعت المقطوع. ويجب إتباع المفتقر إليه في التعيين كما سلف.

وإلى حكم النعوت المتعددة التي تتلو منعوتا يفتقر إليها في تعيين مسماه يشير الناظم:

وإن نعوت كثرت وقد تلت

مفتقراً لذكرهن أتبعت

واقطع أو اتبع إن يكن معينا

بدونها أو بعضها أقطع معلنا*

* "وإن" شرطية. "نعوت" فاعل لمحذوف يفسرها ما بعده، وهو فعل الشرط. "وقد تلت" الواو للحال، وقد للتحقيق. "مفتقرا" مفعول تلت. "لذكرهن" متعلق بمفتقرًا، وهو مضاف للضمير. "أتبعت" فعل مضارع مبني للمجهول، والجملة جواب الشرط. "أو اتبع" بنقل فتحة الهمزة إلى الواو؛ لأنه من أتبع الرباعي؛ فهمزته للقطع

ص: 145

وإن كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الإتباع، وجاز في الباقي القطع

(1)

؛ كقوله:

ويأوي إلى نسوة عطل

وشعثا مراضيع مثل السعالي

(2)

وحقيقة القطع: أن يجعل النعت خبراً لمبتدأ، أو مفعولًا لفعلٍ. فإن كان النعت المقطوع

أي: إذا كثرت النعوت وتعددت، وجاءت بعد منعوت غير معين، محتاج إليها جميعا في تعيين مسماه، وجب إتباعها كلها له في حركته الإعرابية. وإن كان المنعوت معينا ومتضحا بدونها كلها؛ فاقطع النعوت أو أتبعها. وإذا كان معينا ببعضها، فاقطع أو أتبع هذا البعض، وأتبع ما عداه.

(1)

سواء افتقر إلى جميعها، أو لا؛ لان القصد من النعت هنا التخصيص، وهو لا يتطلب أكثر من نعت واحد.

(2)

بيت من المتقارب، من قصيدة لأمية بن أبي عائذ الهذلي، يصف صيادا.

اللغة والإعراب: يأوي، المراد: يرجع ويثوب، وأصله من أوى فلان إلى فلان، أي نزل عنده وسكن إليه، وفلان مأوى المساكين، أي أنهم ينزلون عليه ويجدون عنده راحتهم. عطل: جمع عاطل، وهي المرأة التي خلا جيدها من الحلي. شعثا: جمع شعثاء؛ وهي المرأة السيئة الحال، الملبدة الشعر. مراضيع: جمع مرضع، وزيدات الياء للإشباع، أو جمع مرضاع، والياء منقلبة عن الألف في المفرد. السعالي: جمع سعلاة؛ وهي أخبث الغيلان. "يأوي": فعل مضارع فاعله يعود على الصائد. "عطل" صفة لنسوة. "وشعثا" منصوب على الاختصاص بفعل محذوف، تقديره أخص. "مراضيع " صفة لشعثا. "مثل السعالي" مثل نعت ثان لشعثا والسعالي مضاف إليه.

المعنى: أن هذا الصائد يغيب عن منزله ونسائه مدة للصيد؛ سعيا وراء رزقه، ثم يعود إليه فيجد نسوة بائسات، قد خلت أعناقهن من الحلي، وتلبدت واغبرت شعورهن، وهن يرضعن أبناءهن. وتراهن في هذا المنظر القبيح كأخبث الغيلان.

الشاهد: جر "عطل" على الإتباع وجوبا؛ لأنه نعت لنكرة، وجواز الإتباع والقطع في

مفتوحة، معطوف على أتبع. "إن يكن معينا" إن يكن شرط وفعله، ومعينا خبر يكن. "أو بعضها" مفعول مقدم لا قطع مضاف إلى ها. "معلنا" حال من الضمير في القطع، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام.

ص: 146

لمجرد مدح أو ذم أو ترحم، وجب حذف المبتدأ والفعل

(1)

؛ كقولهم: الحمد لله الحميد، بالرفع فإضمار هو، وقوله تعالى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب} ، بالنصب

(2)

بإضمار أذم. وإن كان لغير ذلك

(3)

، جاز ذكره؛ تقول: مررت بزيد التاجر بالأوجه الثلاثة

(4)

. ولك أن تقول: هو التاجر، وأعني التاجر

"شعثا"، وقد روي مجرور أيضا، كما ذكر سيبويه.

(1)

ليكون وجوب الحذف دليلا على قصد إنشاء المدح، أو الذم، أو الترحم.

(2)

أي: بنصب "حمالة" على أنه نعت مقطوع للذم، مفعول لمحذوف تقديره أذم. "وامرأته" مرفوع بالعطف على فاعل "يصلى" المستتر فيه. ومثال الترحم: اللهم الطف بعبدك المسكين. برفع المسكين ونصبه.

(3)

أي: لغير المدح والذم والترحم؛ بأن كان للتوضيح، أو التخصيص، أو التعميم، أو الإبهام، أو التفصيل

إلخ.

(4)

أي: بالجر على الإتباع، والرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، والنصب على المفعول بفعل محذوف أيضاً. وإذا قطع النت، خرج عن كونه نعتا، وكانت جملته مستأنفة مستقلة لا محل لها. وقد تسبقها الواو أحياناً، وتكون هذه الواو زائدة كما قدمنا. ويرى البعض: أن جملة النعت المقطوع إذا وقعت بعد معرفة محضة. كانت حالا، وإذا وقعت بعد نكرة محضة، كانت نعتا. وتصلح للأمرين إذا وقعت بعد نكرة مختصة. والرأي الأول أقوم وأفضل؛ لأن الجملة الثانية إنشائية للمدح أو للذم أو غيرها، والإنشائية لا تصلح نعتا إلا بتأويل، ولا تقع حالا.

الخلاصة:

أنك إذا أتبعت الأول، جاز لك في التالي: الإتباع، والقطع. وإذا قطعت الأول، وجب القطع في التالي؛ فإن قطعت الجميع، لم يلزم جعل التالي كالأول؛ بل يجوز التوافق والتخالف. وإلى حركة النعت المقطوع وعامله يشير الناظم بقوله:

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ أو ناصباً لن يظهرا*

أي ارفع النعت المقطوع أو انصبه، فالرفع على إضمار مبتدأ خبره المقطوع، والنصب على تقدير عامل محذوف، والعامل في الحالتين لن يظهر؛ لأنه محذوف وجوبا، وقد فصل المصنف القول في ذلك.

هذا: ولا يجوز القطع إذا كان النعت للتوكيد؛ نحو أهلك الله عادا بصيحة واحدة؛ لأن القطع ينافي التوكيد. أو كان النعت من الألفاظ التي كثر استعمالها نعتا بعد كلمات معينة؛ نحو: جاءوا الجماء الغفير. أو كان نعتا لاسم الإشارة؛ مثل: إننا نقدر هذا النابغة.

* "وارفع أو انصب" معطوفان على ما قبل. "إن قطعت" شرط وفعله. وجواب الشرط محذوف. "مضمرا" حال من التاء في قطعت، وفيه ضمير هو فاعله. "مبتدأ" أو "ناصبا" معطوف على "مبتدأ". "لن يظهرا" ألف الاثنين فاعل، وهي عائد على "مبتدأ" و"ناصبا"، والجملة صفة لهما.

ص: 147

فصل: ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم

(1)

، وكان النعت: إما صالحاً لمباشرة العامل

(2)

؛ نحو: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات} ؛ أي دروعاً سابغاتٍ. أو بعض أسم مقدم مخفوض بمن أو في

(3)

.

فالأول كقولهم: منا ظعن ومنا أقام؛ أي منا فريق ظعن ومنا فريق أقام

(4)

، والثاني

(1)

وذلك: بأن كانت هنالك قرينة تدل عليه بعد حذفه؛ كأن يكون النعت مختصا بالمنعوت مشتهرا به؛ نحو: مررت برجل راكب صاهلا؛ أي فرسا صاهلا. أو يكون قد صاحب ما يعنيه؛ نحو: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} *؛ فإن تقدم ذكر الحديد أشعر بالمحذوف. من الآية 10، 11 من سورة سبأ. أو يتقدم ما يدل على المنعوت المحذوف؛ نحو: ألا ماء ولو باردا؟

(2)

أي: بأن يحل محل المنعوت المحذوف فيعرب بإعرابه؛ فيكون مفردا إن كان المنعوت فاعلا أو مفعولا أو مجرورا أو مبتدأ، ويكون جملة مشتملة على رابط، إن كان المنعوت خبرا مثلا؛ نحو: أنت يضرب محمدا؛ أي: أنت رجل يضرب محمدا؛ فلا يصح حذف المنعوت إن كان فاعلا أو مفعولا أو مجرورا أو مبتدأ، وكان النعت جملة أو شبهها، لأن الجملة لا تقع شيئا مما ذكر.

(3)

أي: يحذف المنعوت جوازا أيضا، إذا كان النعت جملة أو شبهها، وكان المنعوت مرفوعا؛ كما قال الفارسي. أو كان المنعوت بعضا من اسم متقدم عليه مجرور بـ"من" أو "في".

(4)

"فظعن وأقام" جملتان في موضع رفع نعتان لمنعوتين محذوفين، والمنعوتان مرفوعان على الابتداء، وهما بعض اسم مقدم؛ وهو الضمير المجرور بمن، وهذا تقدير البصريين. ويقدر الكوفيون المحذوف اسما موصولا؛ أي منا الذي ظعن والذي أقام. وتقدير البصريين أحسن وأقيس؛ لأن اتصال الموصول بالصلة أشد من اتصال الموصوف بصفته.

ص: 148

كقوله:

لو قلت ما في قومها لم تيثم

يفضلها في حسب وميسم

(1)

أصله: لو قلت "ما في قومها أحد يفضلها"، لم تأثم فحذف الموصوف؛ وهو "أحد"، وكسر حرف المضارعة من "تأثم"، وأبدل الهمزة ياء، وقدم جواب "لو" فاصلاً بين الخبر المقدم؛ وهو الجار والمجرور، والمبتدأ المؤخر، وهو "أحد" المحذوف

(2)

، ويجوز حذف النعت إن علم؛ كقوله تعالى:{يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ؛ أي كل سفينة صالحة

(3)

، وقول الشاعر:

فلم أعط شيئا ولم أمنع

(4)

(1)

بيت من الرجز، نسبه ابن يعيش إلى الأسود الحماني، يصف امرأة. ونسبه سيبويه إلى حكيم بن معية الربعي، راجز إسلامي، كان معاصرا للعجاج.

اللغة والإعراب: لم تيثم: لم تأثم، أي لم تقع في الإثم، وكسرت التاء على لغة، وقلبت الهمزة ياء لسكونها إثر كسرة. يفضلها: يزيد عليها. حسب: كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه. ميسم: وسامة وحسن. "لو" شرطية غير جازمة. "قلت" فعل الشرط. "ما" نافية. "في قومها": جار ومجرور خبر مقدم لمبتدأ محذوف؛ أي أحد. "لم تيثم" جواب الشرط. "يفضلها" الجملة صفة لأحد المحذوفة. "في حسب" متعلق بيفضلها.

المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة أحد يفضلها ويزيد عليها في عراقة النسب والجمال، لم تكن كاذبات في قولك.

الشاهد: حذف المنعوت وهو "أحد"؛ وهو بعض اسم مقدم مجرور بفي؛ وهو "قومها"، وقد قدره المصنف.

(2)

وقدر المبتدأ مؤخرا؛ لأنه يجب تقديم خبر النكرة عنها بظرف أو جار ومجرور مختصين.

(3)

بقرينة قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} . وهنالك قرينة أخرى؛ وهي: أن الملك الغاصب لا يغتصب ما لا نفع فيه. الآية 29 من سورة الكهف.

(4)

عجز بيت من المتقارب؛ للعباس بن مرداس السلمي، أحد المؤلفة قلوبهم من أبيات قالها يخاطب النبي عليه السلام حين وزع غنائم حنين، فأعطى قوما من المؤلفة قلوبهم، من

ص: 149

أي شيئا طائلاً، وقوله:

مهفهفة لها فرع وجيد

(1)

أشراف العرب، كل واحد مائة من الإبل؛ منهم أبو سفيان، ومعاوية ابنه، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري، وأعطى العباس أقل من ذلك، وصدر هذا البيت:

وقد كنت في الحرب ذا تدرأ

اللغة والإعراب: ذا تدرأ: صاحب عدة وقوة في القتال ومحاربة الأعداء. والدرء: الدفع، والمدارأة: المدافعة. "ذا" خبر كنت منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. "تدرأ" مضاف إليه. "أعط" فعل مضارع مبني للمجهول، مجزوم بلم بحذف الآخر، ونائب الفاعل "أنا"، وهو المفعول الأول. "شيئا" مفعول ثان. "أمنع" فعل مضارع مجزوم بلم، وحرك بالكسر للروي.

المعنى: كنت في الحرب مجاهدا شجاعا، صاحب عدة وقوة لقهر الأعداء وهزيمتهم، فلما وزعت الغنائم لم أعط شيئا مناسبا لعملي كما أعطي غيري مما لم يبذل مثل ما بلتن ولم أمنع نهائيا. وقد بذلت أنا وفرسي جهدا عظيما.

الشاهد: ذكر المنعوت؛ وهو شيئا، وحذف النعت للعلم؛ لأنه أعطي بالفعل عطاء؛ غير أنه كان أقل مما كان يرجو؛ بدليل قوله: ولم أمنع. وقبل بيت الشاهد:

أتجعل نهبي ونهب العبيـ

ـد بين عيينة والأقرع

وبعده:

وما كان حصن ولا حابس

يفوقان مرداس في مجمع

وما كنت دون امرئ منهم

ومن تضع اليوم لا يرفع

والنهب بمعنى المنهوب، وأراد به الغنيمة، والجمع نهاب، وهو أيضاً: ضرب من الركض، وكل ما انتهب. والعبيد: اسم فرس لعباس بن مرداس. يفوقان: يفضلان. "في مجمع" أي عند اجتماع الناس للتفاخر والتنافر.

قيل: إن النبي عليه السلام حين سمع ذلك قال: اقطعوا لسانه عني، فزادوا عطاءه حتى رضي.

(1)

عجز بيت من الوافر للمرقش الأكبر، عمرو بن سعد بن مالك، أحد بني بكر بن وائل، وقيل اسمه عوف بن سعد بن مالك وصدره:

ص: 150

أي: فرع فاحم، وجيد طويل.

ورب أسيلة الخدين بكر

اللغة والإعراب: أسيلة الخدين: ناعمتهما مع طول واسترسال. مهفهفة: ضامرة البطن خفيفة اللحم. فرع: شعر ناعم. جيد: عنق. "رب": حرف تقليل وجر شبيه بالزائد. "أسيلة" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع منها حركة حرف الجر الشبيهة بالزائد. "الخدين" مضاف إليه، والخبر في الأبيات بعد. "بكر مفهفهة" صفتان. "لها" خبر مقدم. "فرع" مبتدأ مؤخر. "وجيد" معطوف على فرع.

المعنى: يمدح هذه الفتاة بأن لها خدا ناعما طويلا. وجسما فيه ضمور بطن ودقة خصر، وشعر مسترسل فاحم، وعنق طويل.

الشاهد: حذف الوصفين من "فرع" و"جيد"، ويدل على ذلك مقام المدح؛ لأنه غير مستساغ أن يمدحها بأن لها شعرا وعنقا مطلقين؛ فكل إنسان له ذلك؛ وإنما يريد وصف الشعر بما اعتاد العرب؛ وهو الطول والسواد، وكذلك العنق بالطول. وإلى حذف النعت والمنعوت يشير الناظم بقوله:

وما من المنعوت والنعت عقل

يجوز حذفه وفي النعت يقل*

أي أن ما عقل -أي علم- من النعت والمنعوت، يجوز حذفه. وحذف النعت أقل في الكلام من حذف المنعوت.

هذا: وقد يحذف النعت والمنعوت معان، إذا دلت القرينة عليهما، وهذا قليل، ومنه قوله تعالى في الأشقى الذي يدخل النار:{ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} ؛ أي لا يحيا حياة نافعة؛ لأنه ليست هنالك واسطة بين الحياة والموت. من الآية 74 من سورة طه.

تتمة:

أ- النعت الذي شرحناه يسمى "النعت التأسيسي"، وهو الذي يدل على معنى جديد لا يفهم من الجملة بدون ذكره، وهناك نوع يسمى:"النعت الموطئ" أو "الممهد"؛ وهو: أن يكون النعت جامدا، وغير مقصود لذاته، والمقصود ما عبده، وقد ذكر ليكون توطئة

*"وما" اسم موصول مبتدأ. "من المنعوت" متعلق بعقل. "والنعت" معطوف على المنعوت. "عقل" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة ما. "يجوز حذفه" الجملة خبر المبتدأ. "وفي النعت" متعلق بيقل، والواو للعطف وفاعل يقل يعود على الحذف.

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وتمهيد للمشتق التالي له المقصود حقيقة؛ نحو: قابلت أخًا أخًا مخلصًا حقا؛ فأخا الثانية نعت موطئ غير مقصود؛ والمقصود ما بعده، وهو مخلصا.

ب - يجوز أن ينعت النعت؛ فتقول: هذا ورق أبيض ناصع البياض، وهذا وجه مشرق أي إشراق. وقد يقع قبل النعت المفرد "لا" النافية، أو "إما"؛ فيجب تكرار هذين الحرفين مع اقترانهما بالواو العاطفة لما بعدهما على ما قبلهما؛ تقول: صاحبت صديقا، لا بخيلا ولا مسرفا، واختر زميلا، إما شاعرا وإما خطيبا.

جـ- إذا تعددت النعوت واتحدت أنواعها؛ بأن كانت مفردة، فأنت بالخيار في تقديم بعضها على بعض، على حسب ما ترى من أهمية. وكذلك إذا كانت كلها جملا، أما إذا اختلفت أنواعها؛ فالغالب تقديم المفرد على شبه الجملة، وهذه على الجملة؛ تقول: هذا طائر أليف على غصن يغرد بصوت حسن، ومنه قوله تعالى:{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} ، 28 من سورة غافر. ومن غير الغالب قوله -سبحانه-:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} ، 92، 55 من سورة الأنعام، وهو فصيح يجوز القياس عليه.

د- إذا تكررت النعوت لمنعوت واحد، وكانت مفردة متحدة المعنى، لم يجز عطف أحدهما على الآخر؛ نحو: هذا محمد الشجاع الجريء الفاتك، لأن العطف يقتضي المغايرة. وإن كانت مختلفة المعنى، جاز العطف في المفردات بجميع حروف العطف، ما عدا "أم"، و"حتى" وفي الجمل خلاف؛ نحو: هذا طالب يعرف العربية، ويتقن الإنجليزية، ويتعثر في الفرنسية.

هـ- من الأسماء ما ينعت وينعت به لاستيفائه شروط ذلك؛ كاسم الإشارة؛ تقول: مررت بمحمد هذا وبهذا الشاعر، ولا يكون نعتا إلا لمعرفة؛ لانه معرفة. وذا وقع منعوتا وجب أن يكون النعت مقرونا بأل. وإذا كان جامدا فالأحسن اعتباره عطف بيان، ويجب أن يطابق منعوته في الإفراد والتذكير وفروعهما. والموصول كالإشارة، ومنها ما لا ينعت ولا ينعت به؛ وذلك كالمضمر، والمصدر الدال على الطلب، وكثير من الأسماء المتولة في الإبهام؛ كأسماء الشرط والاستفهام، و"كم" و"ما" التعجبية، وبعض الظروف المبهمة؛ كقبل وبعد. ويستثنى من ذلك:"غير"، و"سوى"، و"من" و"ما" النكرتان التامتان؛ فإنها تقع نعتا.

ص: 152

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومنها ما ينعت ولا ينعت به؛ كالأعلام. ومنها ما يقع نعتا، ولا يقع منعوتا؛ ذلك:"أي"، بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، و"كل"؛ نحو: أنت الأمين كل الأمين، أي المتناهي في الأمانة، و"جد"؛ تقول: سمعت خطابا بليغا جد بليغ. وإذا صلح النعت لمباشرة العامل جاز تقديمه، ويكون المنعوت بدلا منه؛ نحو قوله تعالى:{لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ} من الآية 1، 2 من سورة إبراهيم.

فائدة:

ذكر الصبان: أن النعت بعد المركب الإضافي، يكون للمضاف؛ لأنه هو المقصود بالحكم؛ وإنما جيء بالمضاف إليه لغرض التخصيص، فلا يكون له إلا بدليل، ما لم يكن المضاف لفظ "كل"؛ فالنعت للمضاف إليه، لا له؛ لأن المضاف إنما جيء به لقصد التعميم.

ولذلك ضعف قوله:

وكل أخ مفارقة أخوه

لعمر أبيك إلا الفرقدان

وذكر في المغنى: أن نحو قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} يجوز فيه: كون "الأعلى" صفة للاسم أو صفة للرب، وعلى الأول تكون منصوبة بفتحة مقدرة على الألف للتعذر، أما على الثاني فمجرورة بكسر مقدرة على الألف.

ص: 153

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف النعت، وبين الأغراض التي يأتي لها، ووضح الفرق بين السببي والحقيقي منه، ومثل لما تقول.

2 يتبع النعت متبوعه؛ ففيم يتبع كل من الحقيقي والسببي؟ وضح بأمثلة.

3 وضح بالأمثلة ما يشترط في النعت بالمصدر، والجملة التي تقع نعتا.

4 ما حكم النعوت إذا تعددت لواحد، ولأكثر من واحد؛ من حيث الإتباع والقطع؟

5 متى يحذف كل من النعت والمنعوت؟ وما شرط ذلك؟ مثل.

6 فيما يأتي شواهد لبعض موضوعات النعت. بين موضع الشاهد، وأعربه:

قال تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْر} .

{قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَق} .

{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} .

{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} .

{وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة} .

{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِه} .

-

إن أخاك الحق من يسعى معك

ومن يضر نفسه لينفعك

-

والخل كالماء يبدي لي ضمائره

من الصفاء ويخفيها مع الكدر

-

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

-

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

-

قال لي كيف أنت قليل عليل

سهر دائم وحزن طويل

7 أعرب ما تحته خط من قول أبي العلاء المعري الآتي، واشرحه شرحا أدبيا:

وقد سار ذكرى في البلاد فمن لهم

بإخفاء شمس ضوؤها متكامل

8 أكمل الجمل الآتية بالنعت المناسب، وبين حكمه من حيث الإتباع والقطع:

سافر علي وذهب إبراهيم. . . . . . . . . . .

حفظت الخطبة والقصيدة. . . . . . . . . . .

ص: 154

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أكرم محمود عليا

حضر الطبيب وحضر المريض ....

أعطيت الولد أباه

مررت بالطلبة وقابلت الضيوف. . . . . . . . . . .

أقبل محمد وانصرف علي. . . . . . . . . . .

9 بين النعت المفرد، والجملة، والسببي، والحقيقي، ومنعوتهما فيما يأتي:

يعتبر يوم الثامن عشر من ذي الحجة المباركة، سنة 376، الموافق السادس والعشرين من شهر يوليو سنة 1956، يوما خالدا لا ينسى ذكره على مر العصور والأجيال؛ ففيه قررت مصر تأميم قناة السويس، واسترداد هذا المرفق المائي العظيم الأثر في اقتصادنا القومي، من يد المستعمرين الذين استغلوه عشرات السنين، وأهملوا صيانته الضرورية، وبذلك قضت على مفتاح الاحتلال، البغيض ذكر اسمه، وبدأت تعمل بنشاط دائم على تحسين هذا الممر العظيم نفعه؛ لخدمة الملاحة البحرية العالمية.

وقد ارتفع دخل القناة إلى ما يقرب من (90) تسعين ألف ألف جنيه سنويا.

رجال الغد المأمول أنا بحاجة

إلى قادة تبني وشعب يعمر

ص: 155

‌باب: التوكيد

(1)

وهو ضربان: لفظي وسيأتي، ومعنوي

(2)

، وله سبعة ألفاظ: الأول والثاني: النفس، والعين

(3)

. ويؤكد بهما لرفع المجاز عن الذات؛ تقول: جاء الخليفة؛ فيحتمل أن الجائي خبره، أو ثقله

(4)

، فإذا أكدت بالنفس أو بالعين أو بهما

(5)

، ارتفع ذلك الاحتمال، ويجب اتصالهما بضمير مطابق للمؤكد

(6)

، وأن يكون لفظهما طبقه في الإفراد والجمع

(7)

. وأما في التثنية، فالأصح جمعهما على "أفعل"

(8)

.

باب: التوكيد

(1)

هو في الأصل؛ مصدر وكد، ثم استعمل في التابع المذكور، ويقال فيه: التأكيد، بقلب الواو همزة، والأول أشهر في استعمال النحاة.

(2)

هو: التابع الذي يزيل عن متبوعه الشك واحتمال إرادة غير معناه الحقيقي الظاهر، وعدم إرادة العموم والشمول.

(3)

المراد بهما: ذات الشيء وحقيقته التي يتكون منها، ولو لم يكن في تركيبه نفس ولا عين. ويختصان عن بقية ألفاظ التوكيد المعنوي بجواز جرهما بالباء الزائدة، تقول: رأيت النانظر نفسه، أو بنفسه، وعينه، أو بعينه. والمجرور في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب المتبوع. وإذا أكد معهما بكلمة "كل"، يحسن تأخير "كل" عنهما، كما سيأتي.

(4)

الثقل -بكسر الثاء وسكون القاف- واحد الأثقال، كحمل وأحمال، وبفتحهما: متاع المسافر، وحشمه، وكل شيء نفيس مصون.

(5)

أي معا بدون عطف، ويشترط تقديم النفس على العين.

(6)

أي في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ وذلك للربط بين التابع والمتبوع، ولا يجوز حذفه ولا تقديره.

(7)

ينبغي أن يجمع النفس والعين جمع تكسير للقلة على "أفعل" لا غيره؛ حين يكون المؤكد جمعا، مع إضافتهما لضمير الجمع. ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون، على المختار.

(8)

فيقال: جاء المحمدان أنفسهما أو أعينهما. ويجوز إفرادهما وتثنيتهما؛ فيقال: نفسهما، وعينهما، أو: نفساهما، وعيناهما. ولا بد من إضافتهما إلى ضمير المثنى ليطابق المؤكد. وفيما تقدم يقول الناظم:

ص: 156

ويترجح إفرادهما على تثنيتها عند الناظم، وغيره بعكس ذلك.

والألفاظ الباقية: كلا، وكلتا، للمثنى

(1)

، وكل، وجميع، وعامة، لغيره

(2)

، ويجب اتصالهن بضمير المؤكد

(3)

؛ فليس منه {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}

(4)

،

بالنفس أو بالعين الاسم أكدا

مع ضمير طابق المؤكدا

وأجمعهما "بأفعل" إن تبعا

ما ليس واحداً تكن متبعا*

أي أكد الاسم بالنفس أو بالعين، بشرط أن يضاف كل منهما إلى ضمير يطابق المؤكد، في الإفراد والتذكير وفروعهما للربط به. وإذا كانا تابعين لغير الواحد؛ وهو المثنى والجمع؛ فجيء بهما مجموعين على وزن "أفعل"؛ لتكون متبعا للنهج العربي الصحيح. وأجاز بعض النحاة جمع "نفس"، و"عين" على نفوس وعيون؛ كما أجاز آخرون جمع "عين" جمع قلة على أعيان. والراجح ما ذكره المصنف.

(1)

أي: ولو على سبيل التفريق؛ نحو: فاز محمد وعلي كلاهما، بشرط اتحاد العامل. ويقصد بهما: إزالة الاحتمال والمجاز عن التثنية، وإثبات أنها هي المقصودة.

(2)

أي لغير المثنى؛ وهو الجمع مطلقا، والمفرد بشرط أن يتجزأ بنفسه أو بعامله؛ نحو: حضر الطلبة كلهم، جميعهم، عامتهم، واشتريت المنزل كل، جميعه، عامته، والمقصود من التأكيد بها: إفادة التعميم الحقيقي، وإزالة الاحتمال عن الشمول الكامل.

(3)

أي لفظا؛ ليحصل الربط بين التابع والمتبوع كما أسلفنا، كما يجب أن يطابق هذا الضمير المؤكد في الإفراد والتذكير وفروعهما. وهذا كله إذا جرت على المؤكد هذا الضمير المؤكد في الإفراد والتذكير وفروعهما. وهذا كله إذا جرت على المؤكد؛ فلا يرد نحو قوله تعالى:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون} ، من الآية 40 من سورة يس.

(4)

لعدم اتصال جميعا بالضمير. من الآية 29 من سورة البقرة.

* "بالنفس" متعلق بأكدا. "الاسم" بالرفع مبتدأ، و"أكدا" نائب الفاعل يعود إلى الاسم. والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ، وبالنصب مفعول مقدم لأكدا على أنه فعل أمر. "مع ضمير" مع ظرف حال من النفس، وما عطف عليه، و"ضمير" مضاف إليه. "طابق" المؤكد صفة لضمير. "بأفعل" متعلق بأجمعهما. "إن تبعا" شرط وفعله، والألف فاعل، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله. "ما" اسم موصول مفعول تبع. "واحدا" خبر ليس، واسمها يعود على "ما"، وجملة "تكن" مجزومة في جواب الأمر؛ وهو أجمع، واسمها مستتر. "متبعا" خبرها.

ص: 157

خلافا لمن وهم

(1)

، ولا قراءة بعضهم:{إِنَّا كُلٌّ فِيهَا}

(2)

، خلافا للفراء والزمخشري؛ بل {جَمِيعًا} حال

(3)

، و {كُلٌّ} بدل

(4)

، ويجوز كونه حالاً من ضمير الظرف

(5)

. ويؤكد بهن لرفع احتمال تقدير "بعض" مضاف إلى متبوعهن؛ فمن ثم جاز: جاءني الزيدان كلاهما، والمرأتان كلتاهما، لجواز أن يكون الأصل: جاء أحد الزيدين، أو إحدى المرأتين

(6)

؛ كما قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان} ، بتقدير: يخرج من أحدهما

(7)

. وامتنع -على الأصح: اختصم الزيدان كلاهما؛ والهندان كلتاهما؛ لامتناع التقدير المذكور

(8)

.

(1)

فأعرب "جميعا" توكيد لما الموصولة الواقعة مفعولا لـ"خلق"، ولو كان كذلك لقيل "جميعه"، على أن التوكيد بجميع غريب كما سيأتي، فلا يحمل عليه التنزيل.

(2)

- من الآية 48 من سورة غافر.

(3)

أي من "ما" الموصولة، ومعناها مجتمعا، خلق بمعنى: قدر خلق ذلك في علمه؛ فلا يرد أن الحالية تقتضي وقوع الخلق على ما في الأرض في حالة الاجتماع، وليس كذلك.

(4)

أي بدل "كل" من اسم "إن"، وهو لا يحتاج إلى الضمير.

(5)

أي من ضمير الاستقرار المقدر المرفوع في "فيها". قال في المغني: وفيه ضعفان: تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل" بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، والحال واجبة التنكير. قيل: وقد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الطاهر المؤكد بكل، وجعل منه قول كثير.

كم قد ذكرتك لو أجزى بذر كمو

يا أشبه الناس كل الناس بالقمر

(6)

أي: وقد أطلق المثنى وأريد به واحد.

(7)

أي: وهو البحر الملح؛ لأن العذاب ليس فيه ذلك. واللؤلؤ: كبار الدر. والمرجان: صغاره. الآية 22 من سورة الرحمن.

(8)

لأن التخاصم لا يتحقق معناها إلا بوقوعه من اثنين حتما؛ فلا فائدة من التوكيد هنا. ومثله: كل ما يدل على المفاعلة والمشاركة؛ كتقاتل، وتحارب. وهذا رأي الأخفش ومن تبعه. وأجاز الجمهور مثل ذلك، على ما فيه من ضعف بلاغي؛ لأن التوكيد قد يكون للتقوية لا لرفع الاحتمال.

ص: 158

وجاز: جاء القوم كلهم، واشتريت العبد كله. وامتنع: جاء زيد كله

(1)

. والتوكيد بـ"جميع" غريب، ومنه قول امرأة:

فداك حي خولان

جميعهم وهمدان

(2)

وكذلك التوكيد بـ"عامة"، والتاء فيهما بمنزلتهما في النافلة

(3)

، فتصلح مع المؤنث والمذكر؛ فتقول: اشتريت العبد عامته؛ كما قال الله تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} .

فصل: ويجوز -إذا أريد تقوية التوكيد- أن يتبع "كله" بأجمع، و"كلها" بجمعاء،

(1)

لعدم الفائدة من التوكيد؛ لأنه يستحيل نسبة المجيء إلى جزئه.

(2)

بيت من مجزوء الرجز، قالته امرأة أعرابية ترقص به ولدها، وبعده:

وكل آل قحطان

والأكرمون عدنان

اللغة والإعراب: فداك، الفدا -بالقصر والمد- ما يعطى من مال ونحوه عوضا عن المفدي، والمراد هنا: الدعاء والثناء. خولان وهمدان: قبيلتان من قبائل اليمن. قحطان: أبو العرب اليمانية. عدنان: أبو عرب الحجاز. "فداك" -بفتح الفاء- فعل ماض والكاف مفعول، و"حي" فاعل، وبالكسر مبتدأ ومضاف إليه، و"حي" خبر. "خولان" مضاف إليه ممنعو من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وسكن للوقف. "جميعهم" جميع توكيد لحي خولان، وهم مضاف إليه. "وهمدان" معطوف على "حي" كذلك. "وكل" معطوف على حي، وكذلك "الأكرمون"، و"عدنان" عطف بيان على "الأكرمون".

المعنى: واضح.

الشاهد: في "جميعهم"؛ حيث جاء توكيد للفاعل أو الخبر، وهو بمنزلة "كل" في المعنى والاستعمال. والمقصود به رفع احتمال التجوز بإرادة البعض، وإطلاق اسم الكل عليه.

وقد يجيء "جميع" بمعنى مجتمع، ضد متفرق، فلا يفيد توكيدا؛ كقول الشاعر:

نهيتك عن هذا وأنت جميع

(3)

أي في أنها زائدة لازمة، لا تفارقها في إفراد، ولا في تذكير، ولا في فروعهما.

وهي للمبالغة لا للتأنيث، وفيما تقدم من ألفاظ التوكيد الخمسة يقول الناظم:

و"كلا" أذكر في الشمول و"كلا"

"كلتا""جميعا" بالضمير موصلا

ص: 159

و"كلهم" بأجمعين، و"كلهن" بجمع

(1)

؛ قال الله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} ، وقد يؤكد بهن، وإن لم يتقدم "كل"

(2)

؛ نحو: {لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين} .

واستعملوا أيضا ككل فاعله

من "عم" في التوكيد مثل النافله*

أي: اذكر -عند إرادة الشمول- لفظ "كل" للدلالة على التوكيد، وكذلك "كلا"، و"كلتا" وهما لإفادة الشمول في المثنى، و"جميع" ولا بد من وصلها بالضمير المطابق للمؤكد. وقد استعمل العرب للتوكيد في الدلالة على الشمول ككل لفظا على وزن "فاعلة" من الفعل "عم" وهو "عامة"، وهذا اللفظ مثل كلمة "نافلة" وزنا، وفي لزوم التاء في جميع الأحوال؛ تذكيرا وتأنيثا، وإفراد، وغيرهما.

هذاك وقد قيل إن معنى "مثل النافلة": أن ذكر هذا اللفظ -وهو "عامة"- في التوكيد، زائد على ما ذكره النحاة؛ فهو كالنافلة بالنسبة للفرائض، وكونه للتوكيد هو مذهب سيبويه، وذهب المبرد: إلى أن معنى "عامتهم" في مثل جاء القوم عامتهم، أكثرهم لا جميعهم، وعلى هذا يكون بدل بعض من كل، لا للتعميم كما يرى سيبويه.

(1)

تعتبر هذه ملحقة بألفاظ التوكيد المتقدمة، ولهذا ينبغي في الفصيح أن تسبقها لفظة "كل"، وأن تكون مطابقة لها.

وقد يتبع "أجمع" وفروعه بـ"أكتع"، فـ"أبصع"، فـ"أبتع" وفروعها؛ لزيادة التقوية لأنها بمعناها، واستعمال هذه قليل؛ ولهذا تركها المصنف والناظم. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وبعد "كل" أكدوا بـ "أجمعا"

"جمعاء أجمعين ثم جمعا**

أي استعمل العرب بعد لفظة "كل" التي للتوكيد، هذه الألفاظ الأربعة؛ لتقوية التوكيد بها.

(2)

وفي هذه الحالة يجوز إعراب "أجمعين" وأخواتها حالا، ولكن المعنى يختلف عن إعرابها

* "وكلا" مفعول مقدم لاذكر. "في الشمول" متعلق باذكر. "وكلا كلتا جميعا" معطوفات على. "كلا" بحذف العاطف من الأخيرين. "بالضمير" متعلق بموصلا الواقع حالا من "كلا"، وما عطف عليه، وقد أفرد على معنى: ما ذكر. "أيضاً" مفعول مطلق لمحذوف. "ككل" متعلق بمحذوف حال من "فاعله" الواقع مفعولا لاستعملوا. "من عم" متعلق بمحذوف حال من "فاعله" كذلك. "في التوكيد" متعلق باستعملوا. "مثل حال ثالث من فاعله. "النافلة" مضاف إليه.

** "وبعد كل" بعد ظرف متعلق بأكدوا، وكل مضاف إليه. "بأجمعا" جار ومجرور متعلق به أيضا، وما بعده معطوف عليه بإسقاط العاطف، فيما عدا الأخير.

ص: 160

{لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِين} .

ولا يجوز تثنية "أجمع"، ولا جمعاء، استغناء بكلا وكلتا

(1)

؛ كما استغنوا بتثنية "سي" عن تثنية سواء

(2)

، وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك؛ فتقول: جاءني الزيدان أجمعان، والهندان جمعاوان.

توكيدا؛ فإن معناها على الحال يكون مجتمعين؛ أي في حال اجتماعهم وعدم تفرقهم وعلى التوكيد، يكون معناها الشمول والإحاطة.

وينبغي ملاحظة ذلك عند الإعراب؛ قال الناظم:

ودون كل قد يجيء أجمع

جمعاء أجمعون ثم جمع*

(1)

قيل: إنما يصح الاستغناء بذلك، إذا قصد شمول الأفراد، أما إذا قصد شمول أجزاء الأفراد؛ كما في اشتريت المنزلين أو الحديقتين، فإن "كلا" و"كلتا" لا تفيده.

(2)

فقالوا: سيان، ولم يقولوا: سواءان إلا نادرا. وهذا رأي جمهور البصريين، وفي ذلك يقول الناظم:

واغن بكلتا في مثنى و"كلا

عن وزن "فعلاء" ووزن "افعلا"**

أي استغن بكلتا وكلا في المثنى عن تثنية "أجمع" و"جمعاء"؛ فلا تقول: أجمعان، ولا جمعاوان، رفعا، ولا أجمعين ولا جمعاوين، نصبا وجرا.

هذا: وجمع ألفاظ التوكيد المعنوي معارف، بإضافتها إلى الضمير الرابط، و"أجمع" وفروعه معارف بالعلمية؛ لأن كل لفظ منها علم جنس على الإحاطة؛ ولهذا لا يجوز نصبها على الحال، وتمنع من الصرف، كما سيأتي في موضعه.

وإذا تعددت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع، وليس الثاني توكيدا لما قبله، ولا يجوز فيها القطع، ولا عطف بعضها على بعض، ولا يجوز حذف المؤكد "المتبوع" على الحصحي؛ لأن الحذف ينافي الغرض من التوكيد. وأجاز بعض النحاة الحذف إذا كان المؤكد ضميرا

* "ودون" ظرف متعلق بيجيء أو في موضع حال من أجمع وما عطف عليه، وهو مضاف إلى "كل""قد" حرف تقليل. "أجمع" فالع يجيء، وما بعده معطوف عليه بعاطف مقدر، فيما عدا الأخير.

** "واغن" فعل أمر؛ أي استغن. "بكلتا في مثنى" متعلقان باغن. "وكلا" معطوف على كلتا. "عن وزن" جار ومجرور متعلق باغن. "فعلاء" مضاف إليه. "ووزن" معطوفة على "وزن" قبله. "افعلا مضاف إليه.

ص: 161

وإذا لم يفد توكيد النكرة، لم يجز باتفاق

(1)

، وإن أفاد جاز عند الكوفيين، وهو الصحيح

(2)

.

وتحصل الفقائدة بأن يكون المؤكد محدوداً

(3)

، والتوكيد من ألفاظ الإحاطة؛ كاعتكف أسبوعا كله، وقوله:

يا ليت عدة حول كله رجب

(4)

رابطا في جملة الصلة أو الصفة أو الخبر؛ تقول: جاء الذي أكرمت نفسه، أي أكرمته، وجاء طلبة أكرمت كلهم، أي أكرمتهم كلهم، والطلبة أكرمت كلهم، أي أكرمتهم كلهم. ولا يتحد توكيد متعاطفين ما لم يتحد عاملهما معنى؛ فلا يجوز: مات محمد وعاش على كلاهما؛ فإن أتحد معنى جاز؛ تقول: انطلق زيد وذهب عمر كلاهما.

(1)

لأن الغرض من التوكيد زالة اللبس، وألفاظه معارف كما قدمنا، والنكرة تدل على الإبهام والشيوع، فهما متعارضان تعريفا وتنكيرا.

(2)

لأن هذا يقربها من التعريف نوعا ما، ولوروده في الكلام العربي الفصيح، ويمنعه البصريون مطلقا، وفي هذا يقول الناظم:

وإن يفد توكيد منكور قبل

وعن نحاة البصرة المنع شمل*

أي أنه يجوز توكيد النكرة إذا أفادها التوكيد، ومنع نحاة البصريين توكيدها مطلقا، أفاد أو لم يفد.

(3)

أي موضوعا للدلالة على زمن محدود ببدء ونهاية معينين؛ كيوم، وأسبوع، وشهر، وسنة .... إلخ. أو على شيء معلوم المقدار؛ كدرهم، ودينار .... إلخ.

(4)

عجز بيت من البسيط، لعبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي، وصدره:

لكنه شاقه أن قيل ذا رجب*

اللغة والإعراب: شاقة: أعجبه وهاجه، أو بعث الشوق إلى نفسه. والشوق: نزوع النفس إلى الشيء. حول: هو العام. "لكنه" لكن حرف استدراك ونصب، والهاء اسمها.

* "وإن يفد" شرط وفعله "توكيد منكور" توكيد فاعل يفد، ومنكور مضاف إليه. "قبل" فعل ماض للمجهول في محل جزم جواب الشرط، وسكن للواقف، ونائب الفاعل يعود إلى "توكيد منكور" عن نحاة البصرة "عن نحاة متعلق بالمنع، والبصرة مضاف إليه. "شمل" الجملة خبر المنع.

ص: 162

ومن أنشد "شهر" مكان "حول"؛ فقد حرفه

(1)

، ولا يجوز: صمت زمناً كله

(2)

، ولا شهراً نفسه

(3)

.

فصل:

وإذا أكد ضمير مرفوع متصل

(4)

بالنفس أو بالعين، وجب توكيده أولاً بالضمير المنفصل

(5)

؛ نحو: قوموا أنتم أنفسكم، بخلاف قام الزيدون أنفسهم؛ فيمتنع

"شاقه" فعل والهاء مفعوله. "أن" مصدرية. "قيل" فعل ماض للمجهول، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل شاق، وجملة شاق وفاعله خبر لكن، "ذا رجب" ذا مبتدأ، ورجب خبر، والجملة نائب فاعل قيل. "يا" للتنبيه. "ليت" حرف تمن ونصب. "عدة حول" عدة اسمها، وحول مضاف إليه. "كله" توكيد لحول. "رجب" الثانية خبر ليت، وهو مصروف، وإن أريد به معين، كما في المصباح.

وقيل: إن أريد به معين منع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، أو للعدل عن الرجب ومثله في ذلك "صفر".

المعنى: يقول: إنه أعجبه وبعث الشوق إلى نفسه، حين قيل: هذا الشهر رجب، وتمنى أن تكون شهور العام كلها "رجب" لما يجد فيها من الخير والأنس.

الشاهد: توكيد النكرة؛ وهي "حول"، على رأي الكوفيين؛ لأنها محدودة؛ فالعام معلوم الأول والآخر، ولفظ التوكيد من الألفاظ الدالة على الإحاطة، وهو "كله". قيل: والصواب نصب "رجب" لا كما رواه النحاة؛ لأن البيت من قصيدة منصوبة الروي، ومطلعها:

يا للرجال ليوم الأربعاء أما

ينفك يحدث لي بعد النهي طربا

(1)

لأنه يفسد المعنى؛ إذ لا يتصور أن يتمنى أن يكون الشهر كله رجبا؛ فإن الشهر لا يكون بعضه رجبا وبعضه غير رجب، حتى يتمنى أن يكون كله رجبا.

(2)

لأن النكرة غير محدودة الوقت، ولا معلومة المقدار.

(3)

لأن لفظ التوكيد ليس من ألفاظ الإحاطة والشمول.

(4)

سواء أكان بارزا كما مثل المصنف، أم مستترا؛ نحو: محمد حضر هو نفسه.

(5)

لوقوع اللبس أحيانا في مثل: هند خرجت نفسها، أو ذهبت عينها؛ إذ يحتمل أن المراد هو خروج نفسها التي بها حياتها، وذهاب عينها التي تبصر بها، فإذا جاء الفاصل منع هذا

ص: 163

الضمير

(1)

، وبخلاف: ضربتهم أنفسهم، ومررت بهم أنفسهم، وقاموا كلهم؛ فالضمير جائز واجب

(2)

.

الاحتمال، واطرد الباب. ويعرب الضمير المنفصل توكيدا لفظيا للضمير السالف. وقيل: إن الشرط مطلق فاصل ولو غير ضمير، نحو: قوموا في الدار أنفسكم، ولكن الفصل بالضمير المنفصل أحسن وأفصح.

(1)

لأن المؤكد -"وهو الزيدون"- ليس ضمير متصلا مرفوعا؛ وإنما هو اسم ظاهر، والضمير لا يؤكد الظاهر؛ فإن الظاهر أقوى منه؛ لأنه لا يحتاج إلى مرجع تفسيره.

(2)

لأن الضمير المؤكد في الأولين ليس مرفوعا؛ فهو منصوب المحل على المفعولية في الأول، ومجرور المحل بالباء في الثاني، فلا يلزم توكيده بالضمير المنفصل قبل توكيده بالنفس أو بالعين، ومع هذا يجوز توكيده بالضمير؛ تقول ضربتهم هم أنفسهم، ومررت بهم هم أنفسهم. ويجوز بغير توكيد بالضمير. والتوكيد في الثالث بغير النفس والعين. أما توكيد الضمير المرفوع المنفصل بالنفس أو بالعين، فحكمه حكم توكيد الاسم الظاهر بهما، لا يحتاج إلى فاصل، تقول: أنت نفسك حضرموت، وأنتما أنفسكما سافرتما، وأنتم أنفسكم أمتنعتم عن الإجابة .. إلخ.

وفيما سبق يقول الناظم:

وإن تؤكد الضمير المتصل

بالنفس والعين فبعد المنفصل

عنيت ذات الرفع وأكدوا بما

سواهما والقيد لن يلتزما*

أي إذا أردت أن تؤكد الضمير المتصل بالنفس أو بالعين؛ فينبغي أن يسبقها ضمير منفصل، يفصل بين التابع والمتبوع. ثم قال: عنيت ذا الرفع؛ أي قصدت الضمير المتصل المرفوع، ويجوز التوكيد بلفظ آخر غير النفس والعين، ولا يلتزم حينئذ الفصل بالضمير المنفصل؛ بل يجوز بغيره، وبدون فاصل. كما لا يلتزم الفصل إذا كان المتبوع ليس بضمير رفع متصل.

* "وإن تؤكد" شرط وفعله. "الضمير" مفعوله. "المتصل" صفة للضمير. "بالنفس والعين" متعلقان بتؤكد. "فبعد" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"بعد" ظرف متعلق بمحذوف، أي فأكد بهما بعد. "المنفصل" مضاف إليه. "ذا الرفع" ذا مفعول عنيت، والرفع مضاف إليه. "بما" متعلق بأكدوا، وما اسم موصول. "سواهما" سوى ظرف متعلق بمحذوف صلة، والضمير مضاف إليه.

ص: 164

وأما التوكيد اللفظي؛ فهو المكرر به ما قبله

(1)

، فإن كان جملة، فالأكثر اقترانها بالعطف

(2)

؛ نحو: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} *، ونحو:

(1)

إما بنصه وعينه، ولا يضر بعض تغيير يسير؛ نحو:{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} ؛ فكلمة "أمهل" توكيد لفظي لمهل، و"هم" عائدة على الكافرين لا محل لها من الإعراب. من الآية 17 من سورة الطارق. ومن هذه الآية يتبين: أنه يجوز في التوكيد اللفظي الفصل بين المؤكد والمؤكد.

وإما بمرادفه قول الشاعر:

أنت بالخير حقيق قمن

أي جدير: والمرادف: لفظ يؤدي معنى لفظ آخر تماما، ويخالفه في حروفه، ويكون اسما؛ مثل: ذهب وتبر، وفعلا، مثل: قعد، وجلس، وحرفا؛ نحو: نعم، وجير، ولا يصح تكرار اللفظ المؤكد أكثر من ثلاث مرات؛ لأنه لم يسمع غير ذلك، والغرض من التوكيد اللفظي: تمكين السامع من تدارك لفظ لم يسمعه، أو لم يتبينه من أول الأمر.

وقد يراد منه التهديد؛ كقوله تعالى -في خطاب المعاندين بالباطل: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وقد يكون للتهويل كقوله -سبحانه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} . وأحياناً يقصد به التلذذ بترديد لفظ مرغوب فيه؛ نحو: الصحة الصحة أغلى شيء، الجنة الجنة نعم من يفوز بها، مصر مصر جنة الله في أرضه. وقد اقتصر الناظم على تعريف التوكيد اللفظي فقال:

وما من التوكيد لفظي يجي

مكررًا كقولك ادرجي ادرجي*

أي: والذي هو لفظي من التوكيد، يجيء مكررا، سواء كان التكرار باللفظ والمعنى، أم بالمعنى مع اختلاف اللفظ، كما أوضحنا.

(2)

وهو "ثم" خاصة، وجعل الرضي الفاء كثم، ويؤيده:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، والعطف هنا صوري، لأن بين الجملتين تمام الاتصال، فلا تعطف الثانية على الأولى عطفا حقيقيا،

* "وما" اسم موصول متبدأ. "لفظي" خبر لمبتدأ محذوف، أي هو لفظي، والجملة لا محل لها صلة ما، "من التوكيد" متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في لفظي؛ لأنه في تأويل مشتق؛ إذ هو منسوب. "يجي" فعل مضارع، والجملة خبر ما. "مكررا" حال من ضمير يجي. "كقولك" خبر لمبتدأ محذوف. "ادرجي" فعل أمر، مبني على حذف النون وياء المخاطبة فاعل، والجملة مقول القول، وادرجي الثانية توكيد. وإلا كانت التبعية بالعطف لا بالتوكيد.

ص: 165

{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، وتأتي بدونه؛ نحو قوله عليه الصلاة والسلام:"والله لأغزون قريشاً"، ثلاث مرات

(1)

. ويجب الترك عند إيهام التعدد؛ نحو: ضربت زيداً، ضربت زيداً

(2)

.

وإن كان اسماً ظاهراً

(3)

، أو ضميراً منفصلاً منصوباً، فوضاح

(4)

؛ نحو: فنكاحها باطل باطل

(5)

، وقوله:

فإياك إياك المراء فإنه

(6)

(1)

أي كررها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات.

(2)

لأنه لو عطف بثم أو بالفاء، لتوهم تكرار الضرب.

(3)

مثل: اسم الفعل.

(4)

أي أن توكيده يكون بمجرد التكرار من غير شرط، ويتبع الثاني الأول في الضبط، ولا محل له من الإعراب، ويجب في الأسماء الموصولة عند توكيدها توكيدا لفظيا، إعادة لظفها وصلتها معها، ولا يجوز تكرار الموصول وحده دون صلته.

(5)

هذا جزء من حديث، وهو:"أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليها فنكاحها .... " إلخ.

(6)

صدر بيت من الطويل للفضل بن عبد الرحمن القرشي، وعجزه:

إلى الشر دجعاء وللشر جالب

اللغة والإعراب: المراء: الجدال والمعارضة بالباطل. دعاء: صيغة مبالغة من دعاء فلان فلانا، إذا طلب حضوره. جالب: مسبب له، مجلبه، إذا ساقه وجاء به. "فإياك" منصوب على التحذير بفعل محذوف وجوبا. "إياك" الثانية توكيد للأولى. "المراء" مفعول ثان لفعل التحذير المحذوف؛ أي أحذرك المراء. "فإنه" الفاء للتعليل، وإن واسمها. "إلى الشر" متعلق "بدعاء" الواقع خبرا لإن. "وللشر" جار ومجرور متعلق بـ"جالب" المعطوف بالواو على "دعاء".

المعنى: أحذرك الجدال والمعارضة مع الناس من غير وجه حق؛ فإن ذلك كثيرا ما يجر إلى الشرور والخصومات، ويسبب لإنسان متاعب ومصاعب.

الشاهد: توكيد الضمير المنفصل المنصوب -وهو "إياك"- بإعادة اللفظ بنفسه.

ص: 166

وإن كان ضميراً منفصلا مرفوعاً، جاز أن يؤكد به كل ضمير متصل

(1)

؛ نحو: قمت أنت، وأكرمتك أنت، ومررت بك أنت. وإن كان ضميراً متصلا، وصل بما وصل به المؤكد

(2)

؛ نحو: عجبت منك منك.

وإن كان فعلا أو حرفا جوابياً، فواضح

(3)

؛ كقولك: قام قام زيد، وقوله:

(1)

أي مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ويكون على وجه الاستعارة في توكيد ضمير النصب والجر، وليس له محل إعرابي، ويؤكد به كذلك المنفصل المرفوع لا المنصوب، فلا يقال: إياك أنت أكرمت، وليس هناك ضمير منفصل مختص بالجر، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

ومضمر الرفع الذي قد انفصل

أكد به كل ضمير اتصل*

أي أن الضمير المنفصل المرفوع يجوز أن يؤكد به كل ضمير متصل؛ لكن على وجه الاستعارة في توكيده ضمير النصب والجر كما سبق.

(2)

أي يجب أن يعاد مع التوكيد اللفظ الذي يتصل بالمؤكد، اسما كان أو فعلا أو حرفا؛ لأن إعادته مجردا تخرجه عن الأتصال إلى الانفصال.

وفي ذلك يقول الناظم:

ولا تعد لفظ ضمير متصل

إلا مع اللفظ الذي به وصل**

أي لا تكرر لفظ الضمير المتصل للتوكيد؛ إلا إذا أعدت معه اللفظ الذي اتصل بالمؤكد "المتبوع"، أي أنه لا بد من تماثل الضميرين -المؤكد والمؤكد- في اللفظ وفي المعنى، وفي الاتصال، وفي أن يكون مع كل منهما لفظ يماثل اللفظ الذي مع الآخر.

(3)

أي يكون التوكيد اللفظي بتكرار الفعل وحده، أو الحرف بدون شرط ما. وحروف الجواب هي: ما يجاب بها عن سؤال سائل، سواء كان بالإيجاب؛ كنعم، وأجل، وجير، وإي، أو

* "ومضمر" بالرفع مبتدأ وبالنصب مفعول لمحذوف يفسره ما بعده. "الرفعط مضاف إليه. "الذي" اسم موصول صفة لمضمر. "قد انفصل" قد حرف تحقيق، وفاعل انفصل يعود إلى الذي، والجملة صلة. "اتصل" الجملة في محل جر صفة للضمير المضاف إليه.

** "ولا" ناهية. "ولفظ" مفعول تعد. "ضمير" مضاف إليه. "متصل" صفة لضمير. "إلا" حرف استثناء. "مع ظرف متعلق بمحذوف حال من لفظ. "اللفظ" مضاف إليه. "الذي" صفة للفظ. "به" بـ "وصل" الواقع صلة للموصول، ونائب فاعله يعود على الذي.

ص: 167

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بالنفي؛ مثل: لا، وبلى.

وبهذه المناسبةن يحسن أن نلقي بعض الضوء على معاني هذه الحروف واستعمالها:

أ- الأصل في استعمال "نعم"، و"جير"، و"أجل"، و"أي" أنها حروف جواب، تقرر حكم ما قبلها من إيجاب أو نفي، فإن كان مثبتا أبقته، على إثباته، وإن كان نفيا أبقته نفيا. فإذا جاءت بعد الاستفهام المثبت أفادات إثباته، وإذا أتت بعد استفهام منفي قررت إثبات نفيه.

وتأتي "نعم" بعد الطلب فتفيد الوعد بإنجاز المطلوب؛ سواء كان الطلب أمرًا أم نهيا أم غيرهما من أنواع الطلب؛ تقول: أخبرني الصدق يا أخي، لا تغرر بي، لها صدقتني القول. فيقال: نعم أخبرك الصدق، نعم لا أغرر بك، نعم صدقتك، فهي تصديق لحديث متقدم. قيل: وبعد الاستفهام، ومنه قوله تعالى:{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} ، {أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا} ، وهو غير مطرد. وكذلك تأتي "نعم" بعد الجملة الخبرية مثبتة أو منفية؛ نحو: قام محمد، وما قام علي، فتفيد تصديق مضمونها وتقريره.

وأما "أجل" فهي حرف جواب مثل "نعم"، وتجيء بعد الخبر والاستفهام، ولكنهما بعد الخبر أحسن من "نعم"؛ كما أن "نعم" بعد الاستفهام أحسن منها، وقال جماعة، منهم ابن مالك والزمخشري: إنها للخبر لا غير، ولا تقع بعد الاستفهام، والحق أنها تكثر فيها لا غير.

وأما "جير" فحرف جواب بمعنى "نعم"، وتأخذ حكمها في كل ما تقدم.

وأما "إي" فكذلك حرف جواب بمعنى "نعم" في جميع استعمالاتها.

وزعم ابن الحاجب أنها تقع بعد الاستفهام؛ نحو قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} . واتفق الجميع على أنها لاتقع إلا قبل القسم.

ب- أما "لا" فهي حرف جواب لنفي إثبات ما قبلها، ولا يجاب بها نفي أصلًا؛ فهي تناقض "نعم" في معناها، وكثير ما تحذف الجمل بعدها.

وأما "بلي" فهي حرف جواب أيضاً، وهي عبارة عن "بل" التي للإضراب، و"لا" التي للنفي؛ ولذلك لا تقع إلا إضراباً عن النفي لتبطله وتصيره إيجابًا؛ فهي بعكس

ص: 168

لا لا أبوح بحب بثنة إنها

(1)

وإن كان غير جوابي، وجب أمران: أن يفصل بينهما

(2)

، وأن يعاد مع التوكيد ما اتصل بالمؤكد أن كان مضمرا

(3)

؛ نحو: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا

"لا"، سواء كان لنفي مجردا؛ نحو:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} ، أو مقرونا باستفهام، حقيقا كان؛ نحو: أليس زيد بقائم؟ فتقول: بلى. أو توبيخاً، نحو:{أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى} ، أو تقريريا؛ نحو:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} . وقد يجاب بـ"بلى" عن الاستفهام المجرد عن النفي؛ ففي صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى" وفي صحيح مسلم: أن الرسول قال لرجل أراد زيادة بعض أولاده بالإعطاء: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: بلى".

ومما سبق يتبين أن "لا" لا تأتي إلا بعد إيجاب. وأن "بلى" لا تأتي إلا بعد نفي غالبا، وأن "نعم" تأتي بعدهما.

(1)

صدر بيت من الكامل، لجميل بن عبد بن معمر العذري، المعروف بجميل بثينة؛ محبوبته وعجزه:

أخذت علي موثقا وعهودا

اللغة والإعراب: لا أبوح: لا أفشي ولا أظهر؛ من باح بسره، إذا أفشاه وتكلم به، موثق، وهو العهد والميثاق، "لا" نافية، والثانية توكيد لها. "بحب" متعلق بأبوح. "بثينة" مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "مواثقا" مفعول أخذت. "وعهودا" معطوف على مواثقا عطف تفسير.

المعنى: لا أفشي ولا أخبر أحد بالحب الذي بيني وبين بثينة؛ لأنها أخذت علي عهدا مؤكدا ألا أبوح بحبها ولا أظهره، ويجب أن أفي بعهدي لها.

الشاهد: توكيد "لا" توكيدا لفظيا" وهي حرف جواب لا تحتاج للفصل بين المؤكد والمؤكد، ولا لشيء آخر كالحروف غير الجوابية؛ كما سيأتي.

(2)

أي بين المؤكد والمؤكد بفاصل ما.

(3)

أي إن كان ما اتصل بالحرف المؤكد مضمرا.

ص: 169

وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُون}

(1)

. وأن يعاد هو أو ضميره إن كان ظاهرا

(2)

؛ نحو: زيداً إن زيداً فاضل، أو: إن زيداً إنه فاضل، وهو الأولى

(3)

.

وشذ اتصال الحرفين؛ كقوله:

إن إن الكريم يحلم ما لم

(4)

(1)

فأنكم الثانية مؤكدة لأنكم الأولى الواقعة مفعولا ثانيا ليعد، وفصل بينهما بالظرف وما بعده، وأعيد مع الثانية ما اتصل بالأولى، وهو الكاف والميم؛ لأنه مضمر.

(2)

أي يعاد لفظ المتصل بالحرف أو ضميره، إن كان ما اتصل به الحرف اسما ظاهرا.

(3)

أي أن إعادة الضمير أولى وأفصحج من إعادة اللفظ، لأنه الأصل، ويلزم من إعادة اللفظ التكرار، وإيهام أن الثاني غير الأول، وبه جاء التنزيل؛ قال تعالى:{فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} ، من الآية 107 من سورة آل عمران.

أما إعادة الظاهر فمن وضعه موضع المضمر، وفي توكيد الحرف يقول الناظم:

كذا الحروف غير ما تحصلا

به جواب كنعم وكبلى*

أي: كما أن توكيد الضمير المتصل لا يكون إلا بإعادته وإعادة ما اتصل به كما سبق في البيت قبل، كذلك الحروف غير الجوابية؛ لا يعاد لفظها إلا مع اسم الظاهر المتصل بها، أو ضميره، أما حروف الجواب؛ كنعم وكبلى، فتعاد وحدها.

(4)

صدر بيت من الخفيف، لم يعرف قائله، وعجزه:

يرين من أجاره قد ضيما

اللغة والإعراب: يحلم: من الحلم؛ وهو الأناة والتعقل. أجاره: جعله في جواره وحمايته. ضيم: فعل مبني للمجهول؛ أي ظلم وبخس حقه. "إن" حرف توكيد ونصب؟ "إن" الثانية توكيد لها. "الكريم" اسمها. "يحلم" الجملة خبر. "ما" مصدرية ظرفية حرف مبني لا محل له من الإعراب. "يرين" فلعل مضارع مؤكد بالنون الخفيفة في محل جزم بلم، و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة اسم زمان منصوب بيحلم؛

* "كذا" خبر مقدم. "الحروف" مبتدأ مؤخر. "غير" بالرفع نعت للحروف، وبالنصب أداة استثناء. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "تحصلا" فعل ماض، والألف للإطلاقز "به" متعلق به. "جواب" فاعله، والجملة صلة "كنعم" خبر لمبتدأ محذوف. و"كبلى" معطوف على "كنعم".

ص: 170

وأسهل منه قوله:

حتى تراها وكأن وكأن

(1)

أي يحلم مدة عدم رؤيته

إلخ. "من" اسم موصول مفعول ليرى. "أجاره" الجملة صلة الموصول. "قد ضيما" قد حرف تحقيق، وضيم فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله يعود على من، والجملة في محل نصب صفة لمن، أو حال إن جعلت "يرى" بصرية، ومفعول ثان إن كانت علمية.

المعنى: إن الرجل الكريم الخلق الأبي الطيب النفس، يتحلى بالحلم، والصبر، والتعقل في أحواله وتصرفاته، ما لم ير أن من أجاره وجعله في حماه، قد ظلم واعتدى عليه؛ فعند ذلك يذهب عنه حلمه، ويبطش بهذا الظالم، المعتدي على من التجأ إليه.

الشاهد: توكيدالحرف "إن" بإعادتها من غير فاصل بينهما، مع أنها ليست من حروف الجواب، وهذا شاذ لا يقاس عليه.

(1)

صدر بيت من الرجز، ينسب لخطام المجاشعي، يصف إبلا. وقيل: هو للأغلب العجلي وعجزه:

أعناقها مشددات بقرن

اللغة والإعراب: أعناقها: جمع عنق؛ وهو الرقبة. قرن: حبل تربط به الإبل، ويقرن بعضها إلى بعض "حتى" حرف غاية وجر. "تراها" ترى فعل مضارع والفاعل أنت والضمير البارز مفعول، وهو عائد على الإبل في البيت قبله. "وكأن" الواو للحال، وكأن حرف تشبيه ونصب، "وكأن" الثانية توكيد، وخففت للقافية. "أعناقها" أعناق اسم كأن الأولى، وهو مضاف إلى الهاء. "مشددات" خبرها. "بقرن" متعلق بمشددات، وسكن للشعر.

المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه؛ فيقول: إن أصحاب هذه الإبل يستحثونها على السير بنظام واعتدال، حتى يظن من يراها أن أعناقها مربوط بعضها إلى بعض بحبال، لانتظامها جميعا في السير.

الشاهد: تأكيد "كأن" بمثلها، مع عدم الفاصل بمعمول الأولى، مع أنها ليست من حروف الجواب. وهذا أخف في الشذوذ من سابقه؛ لأنه فصل هنا بواو العطف.

ص: 171

لأن المؤكد حرفان

(1)

، فلم يتصل لفظ بمثله.

وأشذ من قوله:

ولا للما بهم أبدًا دواء

(2)

لكون الحرف على حرف واحد.

(1)

وهما: الواو وكأن.

(2)

عجز بيت من الوافر، لمسلم بن معبد الوالي الأسدي، وقيل: هو لرجل من بني أسد لم يعين. وصدره:

فلا والله لا يلفي لما بي

اللغة والإعراب: لا يلفي: لا يوجد من ألفى، إذا وجد. لما بي: أي للذي بي. "فلا" الفاء عاطفة، و"لا" زائدة لتوكيد القسم. "والله" حرف قسم وجر، ولفظ الجلالة مجرور به، والجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف. "لا" نافية. "يلفي" فعل مضارع للمجهول جواب القسم. "لما" اللام جارة، وما اسم موصول، والجار والمجرور متعلق بيلفي. "بي" متعلق بمحذوف صلة. "ولا للما بهم" ولا معطوف على ما قبله، واللام الأولى في "للما" جارة، والثانية توكيد للأولى، وما اسم موصول، وبهم متعلق بمحذوف صلة. "أبدا" ظرف متعلق بيلفي. "دواء" نائب فاعل يلفي.

المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجودة والألم. ولا الذي عند خصومه من الحقد والضغينة علاج، وليس هنالك أمل في المودة والمصالحة وإزالة الأحقاد والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف.

قيل: إن السبب في هذه القصيدة التي منها هذا البيت، أن مسلما كان غابئا، فكُتبت إبله لعامل الزكاة، فظن أنه فعل به ذلك كيدا، ومنها قوله:

بكت إبلي وحق لها البكاء

وفرقها المظالم والعداء

الشاهد: في "للما" فإن اللام الثانية فيها توكيد للأولى الجارة، ولم يفصل بينهنما فاصل، مع أن اللام ليست من أحرف الجواب. وهذا شاذ بالغ الشذوذ؛ لأن الحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد لا يكاد يقوم بنفسه، ولو جاء على ما يقتضيه الصواب لقال:"لما لما بهم".

ص: 172

وأسهل منه قوله:

فاصبحن لا يسألنه عن بما به

(1)

(1)

صدر بيت الطويل للأسود بن يعفر، وعجزه:

أصعد في علوى الهدى أم تصوبا

اللغة والإعراب: أصعد: أي ارتفع وارتقى، تصوبا: نزل وتسفل. "فأصبحن" الفاء عاطفة، وأصبح فعل ماض نقاض ونون النسوة اسمها، وهي عائدة على الغواني. "لا يسألنه" الجملة خبر أصبح. "عن" جارة. "بما" الباء حرف جر بمعنى "عن" توكيد لها، و"ما" اسم موصول في محل جر بعن. "به" متعلق بمحذوف صلة. "أصعد" الهمزة للاستفهام، وصعد فعل ماض، والفاعل يعود على المحب لهن، وكذلك الضمير في "به".

المعنى: أن هؤلاء الغواني أصبحن بعد أن وخط المحب الشيب، وهده الكبر، ونالت منه الشيخوخة، لا يكترثن به ولا يملن إليه، ولا يسألن عما به من ضعف أو غيره، وهل لا يزال يحلق في الهوى والحب، أم نزل إلى السفل ونسي كل شيء؟ الشاهد: في "عن بما" حيث أكد عن الجارة بلفظ مرادف؛ وهو الباء التي بمعنى "عن" المتصلة بما الموصولة، وهذا شاذ أيضاً لعدم الفاصل؛ ولكنه أهون من سابقه؛ لأن الحرف المؤكد -وهو"عن"- موضوع على حرفين، ولأن اللفظين مختلفان وإن اتفقا في المعنى؛ إذ يقال: سألت به وسألت عنه.

تتمة:

أ- يمتنع حذف المؤكد توكيدا لفظياً؛ لأن حذفه مناف لتكراره.

ب- إذا أتبع المضير المتصل المنصوب بمنفصل منصوب؛ نحو: رأيتك إياك، فمذهب البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد، وهو الأصح.

أما المرفوع فيجوز أن يكون توكيدا، كما يجوز أن يكون بدلا بالإجماع.

جـ- من الأساليب الصحيحة: جاء القوم بأجمعهم، وتعرب "أجمع" توكيدا مجرورا اللفظ بالباء الزائدة؛ في محل رفع، أو نصب أو جر، وعلى حسب حالة المؤكد "المتبوع". وبعضهم يعربها بدلا وإن كانت تؤدي معنى التوكيد، وينبغي إضافتها إلى

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ضمير مطابق.

د- تنفرد كلمتا: نفس، وعين، بجواز جرهما بالباء الزائدة؛ تقول: بنفسه أو بعينه، ويكونان في محل رفع أو نصب أو جر على حسب حالة المتبوع.

هـ- لا يفصل بين المؤكد والمؤكد، بـ"إما" على الأصح، وأجاز الفراء: مررت بالقوم، إما أجمعين، وإما بعضهم.

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف التوكيد، وبين الفرق بين التوكيد اللفظي والمعنوي بأمثلة موضحة.

2 بم يؤكد بالنفس والعين؟ وما الذي تختص بهما عن بقية ألفاظ التوكيد؟ اشرح ذلك بأمثلة من الواقع. ثم بين ما يؤكد بجميع وعامة. وما يشترط فيهما.

3 اشرح قول ابن مالك:

واستعملوا أيضاً ككل فاعله

من عم في التوكيد مثل النافله

4 كيف تؤكد الضمير المتصل بالنفس والعين؟ وكذلك المنفصل؟ وضح بأمثلة.

5 بين كيف تؤكد الحروف غير الجوابية، والجوابية؟ وما الفرق بينهما؟

6 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، وضح موضع الشاهد، وحكمه في المعنى والإعراب.

قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

{كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} .

{كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} .

{لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} .

-

إذا ما بدت من صاحب لك زلة

فكن أنت محتالاً لزلته عذرا

-

والنجم تستصغر الأبصار طلعته

والذنب للعين لا للنجم في الصغر

-

فلما تبينا الهدى كان كلنا

على طاعة الرحمن والحق والتقى

-

لا ينسك الأسى تأسياً فما

ما من حمام أحد معتصما

-

بلاد متى ما جئتها جئت جنة

لعينك فيها كل ما شئت رضوان

-

إلام الخلف بينكموا إلاما

وهذي الضجة الكبرى علاما

-

وقلن على الفردوس أول مشرب

أجل جير أن كانت أبيحت دعائره

ص: 175

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال صاحب المغني: الفردوس: روضة اليمامة. والدعثور: الحوض الممتلئ.

7 أعرب ما تحته خط في البيتين الآتيين، وبين الشاهد فيهما في هذا الباب:

أيا من لست أقلاه

ولا في البعد أنساه

لك الله على ذاكا

لك الله لك الله

8 بين فيما يأتي: ألفاظ التوكيد ونوعها، والمؤكد ونوعه، وموضع كل من الإعراب.

كان الاعتداء الغاشم على بور سعيد سنة 1956 امتحانا للشعوب العربية جميعا ولمبلغ قدرتها كلها على الدفاع، والوقوف في وجه المستعمر. ولقد وقف العرب أنفسهم، ومن ورائهم الشعوب المخلصة جميعها، وقفة أدهشت العالم أجمع؛ ولم يكن في مصر كلها متخاذل ولا متقاعد؛ بل كان الشعب عامة كرجل واحد؛ حتى اندحر المعتودن وارتدوا على أعقابهم خاسرين.

وفي 5 يونية 1967 كان اعتداء إسرائيل بجمعها، ومن ورائها المستعمرون عامتهم، على البلاد العربية- تجربة أخرى، استطاعوا فيها بالخديعة الانتصار على العرب، وإصابتهم بنكسة مؤلمة، ولكن الشعب العربي المعروف بصلابته لم ييأس، وسينتصر وينتصر بمشيئة الله. فصبر صبرا، وإلى الأمام إلى الأمام، وشكرًا شكرًا لكل من يؤازرنا في هذه المحنة، بنفسه أو بماله. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

ليت شعري هل ثم هل آتينهم

أم يحولن دون ذاك حمام

9 أكد الفاعل، والمفعول، والضمير في العبارات الآتية بالنفس والعين، وبما يناسب من ألفاظ التوكيد الأخرى:

جلست في الدرس منصتا، وأصغيت إلى أستاذي حين يتكلم. أمسك لسانك عن الشتم، ويديك عن الأذى.

إياك أن تعظ الرجال وقد إياك

أصبحت محتاجا إلى الوعظ

وقف الخلق ينظرون جميعا

كيف أبني قواعد المجد وحدي

10 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

لو قيل "نعم" في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} كان كفراً.

بين السبب في ذلك؛ على ضوء ما عرفت في "نعم"، "بلى".

ص: 176

‌باب: العطف

(1)

وهو ضربان: عطف نسق وسيأتي، وعطف بيان؛ وهو: التابع

(2)

المشبه للصفة في توضيح متبوعه

(3)

إن كان معرفة وتخصيصه إن كان نكرة.

والأول

(4)

: متفق عليه؛ كقوله:

اقسم بالله أبو حفص عمر

(5)

والثاني

(6)

: أثبته الكوفيون وجماعة، وجوزوا أن يكون منه:{أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} ، فيمن نون "كفارة"، ونحو:{مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}

(7)

.

باب: العطف

(1)

هو في الأصل: مصدر بمعنى الميل والرجوع إلى الشيء بعد الانصرف عنه، وأطلق على التابع المذكور، لأن المتكلم رجع إلى الأول فأوضحه بالثاني، أو أشركه معه في الحكم، كما سيأتي.

(2)

يشترط فيه: أن يكون جامدا، بخلاف النعت فإنه لا يكون إلا مشتقا، أو مؤولا به.

(3)

النعت يوضح متبوعه ببيان صفة من صفاته، ومعنى فيه أو في سببه، كما سبق. أما عطف البيان، فيوضح متبوعه ويزيل عنه شائبة الإبهام بنفسه.

(4)

أي: وهو توضيح ذات متبوعه المعرفة، وإزالة ما قد يصيبها من الشيوع بسبب تعدد مدلولها.

(5)

عجزه:

ما مسها من نقب ولا دبر

وقد تقدم شرح هذا البيت وقصته في باب العلم، في الجزء الأول، صفحة (135)، والشاهد فيه هنا: أن "عمر" عطف بيان على "أبو حفص"، وهو علم معرفة، وقد قصد به الإيضاح.

(6)

أي: وهو تخصيص النكرة؛ فقد نفاه جمهور البصريين، وأثبته الكوفيون وبعض البصريين المتقدمين؛ كأبي علي الفارسي، وابن جني، وبعض المتأخرين؛ كالزمخشري، والناظم، وابنه، كما سترى بعد.

(7)

فقد أعربوا "طعام" عطف بيان لكفارة، و"صديد" عطف بيان لـ"ماء"، وكلاهما نكرة والصديد: الدم المختلط بالقيح.

ص: 177

والباقون يوجبون في ذلك البدلية

(1)

،

ويخصون عطف البيان بالمعارف

(2)

، ويوافق متبوعه في أربعة من عشرة: أوجه الإعراب الثلاثة

(3)

، والإفراد، والتذكير، والتنكير

(4)

، وفروعهن.

وقول الزمخشري: إن {مَقَامُ إِبْرَاهِيم} عطف على. . . . . . . . . . .

(1)

أي بدل كل من كل.

(2)

حجتهم: أن عطف البيان -كاسمه- يقصد به البيان والإيضاح، والنكرة مجهولة، والمجهول لا يعين المجهول، ويقول المجيزون: إن بعض النكرات قد يكون أخص من بعض؛ فلا مانع من أن يبين الأخص غيره، والتخصيص نوع من البيان والإيضاح، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

العطف أما ذو بيان أو نسق

والغرض الآن بيان ما سبق

فذو البيان تابع شبه الصفه

حقيقة القصد به منكشفه*

أي أن العطف ينقسم إلى نوعين: عطف بيان، وعطف نسق، ونحن الآن في صدد تعريف وإيضاح عطف البيان؛ وهو: تابع يشبه الصفة؛ أي النعت؛ إلا أن بينهما فرقا؛ وهو أن عطف البيان يبين حقيقة متبوعه ويوضح ذاته نفسها، أما النعت فيبين معنى عارضا، وصفة من صفات الذات كما بينا.

(3)

ويجوز فيه القطع كالنعت، وقد سبق إيضاح ذلك فارجع إليه.

(4)

الصحيح أن هذا هو الأغلب، ويصح تخالفهما تعريفا وتنكيرا؛ بشرط أن يكون التابع هو المعرفة؛ ليتحقق الغرض من عطف البيان، وقد يقع عطف البيان بعد"أي" المفسرة؛ نحو:"هذا الخاتم لجين؛ أي: فضة". ويجوز أن يعرب في هذه الصورة بدلا. وفي موافقة العطف لمتبوعه يقول الناظم:

فأولينه من وفاق الأول

ما من وفاق الأول النعت ولي

* "العطف"؛ بمعنى المعطوف، مبتدأ "إما" حرف تفصيل. "ذو" خبر المبتدأ. "بيان" مضاف إليه. "أو نسق" معطوف على ذو بيان. "الآن" ظرف زمان. "بيان" خبر المبتدأ، وهو الغرض. "ما" اسم موصول، مضاف إليه. "سبق" الجملة صلة ما؛ "فذو البيان تابع" مبتدأ، ومضاف إليه، وخبر. "شبه الصفة" نعت لتابع ومضاف إليه. "حقيقة القصد" مبتدأ ومضاف إليه. "به" متعلق بـ"منكشفة" الواقع خبرا، والجملة صفة ثانية لتابع.

ص: 178

{آيَاتٍ بَيِّنَات}

(1)

، مخالف لإجماعهم

(2)

. وقوله، وقول الجرجاني: يشترط كونه أوضح من متبوعه

(3)

، مخالف لقول سيبويه في "يا هذا ذا الجمة": إن "ذا الجمة" عطف بيان، مع أن الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة

(4)

، ويصح في عطف البيان: أن يعرب بدل كل

(5)

فقد يكونان منكرين

كما يكونان معرفين*

أي أعطه من موافقة الأول "المتبوع"، مثل ما ولي وأخذ النعت، من موافقة لمنعوته في الأمور السابقة، ثم نص على أن عطف البيان ومتبوعه، يتماثلان تعريفا وتنكيرا؛ ليرد على القائلين بأن عطف البيان لا يكون إلا معرفة.

(1)

أي: مع أن {مَقَامَ} مخالف لـ {آيَاتٌ} ، في التنكير، والتأنيث، والجمع. والمراد بالآيات. أثر القدم في الصخرة، وغوصها فيها إلى الكعبين، وإبقاء هذا الأثر دون آثار سائر الأنبياء، وحفظه آلاف السنين. وسبب هذا الأثر: أنه لما ارتفع بناء الكعبة، قام إبراهيم على هذا الحجر؛ ليتمكن من رفع الحجارة فغاصت فيه قدماه.

(2)

أي على وجوب مطابقة البيان للمبين، تعريفا وتنكيرا، وإفرادًا وغيره، وتذكيرا وغيره؛ فالوجه: أن {مَقَامَ} مبتدأ حذف خبره؛ أي منها مقام إبراهيم، أو العكس؛ أي بعضها مقام. وقيل: يجوز كونه بدلا من آيات، بدل بعض من كل.

(3)

أي أعرف منه؛ لأنه يوضح حقيقته وذاته.

(4)

لم يعرب سيبويه: "ذا الجمة" نعتا؛ لأن نعت اسم الإشارة لا يكون إلا محلى بأل، والجمة: الشعر الواصل إلى المنكب.

(5)

وذلك إذا قصد به ما يقصد بالبدل، وحينئذ يتعين كونه بدلا.

* "فأولينه" فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، والهاء مفعوله الأول، ومرجعها ذو بيان. "من وفاق" متعلق بأولينه. "الأول" مضاف إليه. "ما" اسم موصول مفعول ثان لأولينه. "من وفاق الأول" متعلق بولي ومضاف إليه. "النعت" مبتدأ. "ولي" فعل ماض، وفاعله يعود إلى النعت، والجملة خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر صلة "ما". "فقد" حرف تقليل. "يكونان" فعل مضارع ناقص، وألف الاثنين أسمه، وهي عائدة على البيان والمبين. "منكرين" خبر يكون. "كما" الكاف جارة، و"ما" مصدرية، والجملة بعدها مقدرة بمصدر مجرور بالكاف؛ أي ككونهما معرفين.

ص: 179

إلا إن امتنع الاستغناء عنه

(1)

؛ نحو: هند قام زيد أخوها. أو إحلاله محل الأول؛ نحو: يا زيد الحارث

(2)

، وقوله:

أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا

(3)

(1)

أي فيمتنع أن يكون بدلا. ومن ذلك -غير ما سيذكره الناظم- أن تفتقر جملة الخبر إالى رابط، وهو في التابع كمثال المصنف؛ فـ"أخوها" يتعين كونه عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا لخلت جملة الخبر عن الرابط؛ لأن البدل على نية تكرار العامل على الصحيح؛ فهو من جملة أخرى. وكذلك جملة الصلة والصفة؛ نحو: حضر الذي أو رجل، ضرب محمد أخوه، وجملة الحال؛ نحو: هذا محمد قام رجل أخوه.

(2)

أي: مما فيه تابع المنادى محلى بأل، والمتبوع منادى خاليا منها، فيتعين كون "الحارث" عطف بيان من زيد، لا بدلا؛ لامتناع إحلاله محله؛ فلا يقال: يا الحارث؛ لأن "يا" و"أل" لا يجتمعان هنا.

وإيضاح ما تقدم: أنه يصح في عطف البيان -إذا قصد به ما يقصد ببدل الكل- أن يعرب بدل كل إلا في حالتين.

أ- ألا يمكن الاستغناء عن عطف البيان لمانع يحول دون صحة البدل.

ب- وألا يمكن إحلال عطف البيان -لو صار بدلا- محل متبوعه؛ لمانع يحول دون البدلية، ووضع البدل مكان المبدل منه.

(3)

صدر بيت من الطويل، لطالب بن أبي طالب بن عبد المطلب، أخي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، من قصيدة يمدح بها الرسول عليه السلام ويبكي أصحاب القليب -البئر- من قريش، الذين قتلوا يوم بدر، وعجزه:

أعيذكما بالله أن تحدثا حربا

وروي في السيرة:

فدى لكما لا تبعثوا بيننا حربا

اللغة والإعراب: عبد شمس: فصيلة من قريش، منهم بنو أمية. نوفل: فصيلة أخرى من قريش أيضاً. أعيذكما بالله: يريد: ألجأ إلى الله من أجلكما، أو أحصنكما بالله وأجعلكما في رعايته؛ مخافة أن تشعلا نار الحرب بينكما "أيا" حرف للنداء. "أخوينا"

ص: 180

وقوله:

أنا ابن التارك البكري بشر

(1)

منادى منصوب بالياء لأنه مثنى مضاف إلى "نا""عبد شمس" عبد عطف بيان على أخوينا، وشمس مضاف إليه. "ونوفلا" معطفو على عبد شمس. "أن تحدثا حربا" أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بأعيذ؛ أي من أحداثكما حربا.

المعنى: واضح، بعد ما تقدم من الشرح.

الشاهد: تعين كون "عبد شمس" عطف بيان لأخوينا، و"نوفلا" عطف نسق بالواو عليه. ولا يجوز فيهما أن يكون "عبد شمس" بدلا؛ لعدم صحة حلوله محل "أخوينا"؛ لأن ذلك يستلزم ضم "نوفل" المعطوف عليه؛ لأنه مفرد علم يستحق البناء على الضم، والرواية بالنصب لا غير.

ومن الصور التي يمتنع فيها البدل العام صحة إحلاله محل الأول: أن يكون تابع المنادى اسم إشارة؛ كيا محمد هذا، أو مقروناً بأل؛ نحو: يا علي الحسن، أو يتبع وصف "أي" في النداء، أو وصف اسم الإشارة بالخالي من أل؛ نحو: يا أيها الرجل محمد، ويا ذا الرجل غلام محمد، أو يضاف "أفعل" في التفضيل إلى اسم عام يتبع بقسميه؛ نحو: علي أفضل القوم الرجال والنساء، أو أن يتبع ما أضيف إليه "كلا وكلتا" بمتفرق؛ نحو: جاء كلا المجاهدين أحمد وعلي.

ففي كل ما تقدم، يتعين أن يكون التابع عطف بيان، ويمتنع البدل للسبب المتقدم؛ فإن الفصيح أن يكون تابع اسم الإشارة مقرونا بأل، ودخول "أل" على المنادي ممنوع، وتابع "أي" في النداء لا بد أن يكون مقرونا بأل، أو اسم إشارة له تابع مقرون بها، وأفعل التفضيل لا بد أن يكون بعضا من المضاف إليه، ويلزم على البدلية أن يكون "علي" بعض النساء، وكلا وكلتا لا تضافان للمثنى المتفرق إلا شذوذًا.

(1)

صدر بيت من الوافر، للمرار بن سعيد الفقعسي، من قصيدة يفتخر فيها بأن جده خالد بن فضلة قتل بشر بن عمرو بن مرثد، زوج الخرنق أخت طرفة بن العبد البكري، الشاعر المشهور، وذلك في يوم "القلاب"، وعجزه:

عليه الطير ترقبه وقوعا

اللغة والإعراب: التارك: اسم فاعل من ترك. البكري: المنسوب إلى بكر بن وائل؛ وهي قبيلة مشهورة، منها: جساس، مرة قاتل كليب بن وائل، ترقه: تنتظره. "أنا"

ص: 181

وتجوز البدلية في هذا عند الفراء؛ لإجازته: الضارب زيد

(1)

وليس بمرضي.

ضمير منفصل مبتدأ. "ابن التارك" خبر ومضاف إليه. "البكري" مضاف إليه من إضافة الوصف لمفعوله. "بشر" عطف بيان للبكري. "عليه الطير" خبر مقدم، والطير مبتدأ مؤخر، والجملة حال من البكري. "ترقبه" الجملة حال من ضمير الطير المستتر في عليه "وقوعا" مفعول لأجله حذف متعلقه؛ أي ترقبه لأجل وقوعها عليه، أو حل من الضمير المستتر في ترقب.

المعنى: يصف نفسه بالشجاعة، وأنه ابن الذي ترك البكري -بشرا- مجندلا في العراء، مثخنا بالجراح، في حالة يرثى لها، تنتظر الطير خروج روحه لتهبط عليه وتنهش من جسده، فهو شجاع من نسل شجعان.

الشاهد: تعين كون "بشر" عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا -والبدل على نية تكرار العامل- لكان التقدير: أنا ابن التارك البكري، التارك بشر؛ فيضاف الوصف المقترن بأل، إلى اسم مجرد منها ومن الإضافة إلى المقترن بها، أو إلى ضميره. وذلك غير جائز، كما تقدم في باب الإضافة.

(1)

مذهبه: جوازا إضافة الوصف المقترن بأل إلى جمع المعارف، وهو غير مرضي عند الجمهور، وفيما تقدم يقول الناظم:

وصالحاً لبدلية يرى

في غير نحو "يا غلام يعمرا"

ونحو "بشر" تابع "البكري"

وليس أن يبدل بالمرضي*

أي أن عطف البيان يصلح للبدلية في غير التركيب الذي يشبه "يا غلام يعمر"، ويعمر: اسم شخص، وهو أن يكون التابع مفردا معرفة معربا، والمتبوع منادى؛ فيتعين أن يكون "يعمر" عطف بيان؛ لأنه لو جعل بدلا لوجب بناؤه على الضم، وهو منصوب. وكذلك

* "وصالحا" مفعول ثان مقدم ليرى. "لبدلية" متعلق بصالح. "يرى" فعل مضارع للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى عطف البيان، وهو المفعول الأول. "في غير نحو" متعلق يبرى ومضاف إليه. "يا غلام" يا حرف نداء، وغلام منادى مبني على الضم في محل نصب. "يعمرا" عطف بيان لغلام على المحلن وهو بضم الميم وفتحها، علم لشخص منقول من عمر يعمر.

"ونحو بشر" معطوف على نحو الأول ومضاف إليه. "تابع" بالجر، نعت لبشر، وبالنصب حال منه. "البكري" مضاف إليه. "أن يبدل" أن وما بعدها في تأويل مصدر، اسم ليس. "بالمرضى" خبرها على زيادة الباء.

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذا كان التابع خاليا من أل؛ كـ"بشر"، والمتبوع بأل "كالبكري"، وقد أضيفت إليه صفة بأل، نحو:

أنا ابن التارك البكري بشر

فيتعين كون "بشر" عطف بيان لما بيناه. وليس إعرابه بدلاً مرضيا عند المصنف والجمهور، وهاتان المسألتان اللتان ذكرهما الناظم، هما من أفراد النوع الثاني الذي ذكره المصنف أما الأول، وهو أن يكون التابع غير مستغني عنه في التركيب؛ فلم يتعرض له.

هذا: وعلى الرغم من أن بين عطف البيان، وبدل الكل من الكل مشابهة كبيرة في المعنى والإعراب، فإن عطف البيان يقصد به إيضاح الذات نفسها أو تخصيصها، لا أمرًا عرضيا طارئا عليها؛ فهو بمنزلة التفسير للمتبوع.

أما البدل فيدل على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة وفرد معين واحد في حقيقته، ولا شأن له بالإيضاح والتخصيص. ويذكر النحاة فروقا أخر من جهة الصناعة؛ منها:

أ- أن عطف البيان لا يكون ضميرا، ولا تابعا لضمير؛ ولهذا امتنع إعراب "مخصوص حبذا" عطف بيان.

ب- ولا يكون مخالفا لمتبوعه في التعريف والتنكير على الصحيح.

جـ- ولا يقع جملة ولا تابعا لجملة، ولا فعلا ولا تابعا لفعل.

د- وأنه لا يلحظ فيه إحلاله محل الأول.

هـ- ولا يعد متبوعه في حكم الطرح. ولا يعد في جملة أخرى مستقلة عن جملة متبوعه؛ بخلاف البدل في ذلك كله. وفي بعض تلك الأمور خلاف بين العلماء.

ولهذا يرى الإمام الرضي وفريق من النحاة: أنه لا فرق بين عطف البيان والبدل؛ فإن المشابهة بينهما تامة. وما ذكر من الفروق مبني على دعوى أن البدل على نية تكرار العامل، وهو دعوى لا تثبت عند التمحيص. على أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، أي يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.

ص: 183

‌باب: عطف النسق

(1)

وهو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الأحرف الآتي ذكرها

(2)

؛ وهي نوعان: ما يتقضي التشريك في اللفظ والمعنى

(3)

؛ إما مطلقاً، وهو: الواو، والفاء، وثم، وحتى

(4)

،

باب: عطف النسق

(1)

النسق -بالفتح- اسم مصدر، وبالسكون -مصدر نسقت الكلام أنسقه- من باب نصر- عطفت بعضه على بعض، وربطت بعض اجزائه ببعض. وهو بمعنى المنسوق، من إطلاق المصدر على اسم المفعول؛ فالمراد: العطف على الكلام المنسوق بعضه على بعض.

(2)

وفي تعريف عطف النسق يقول الناظم:

تال بحرف متبع عطف النسق

كاخصص بود وثناء من صدق*

أي أن التالي والتابع بسبب حرف متبع -أي مشرك- ما بعده لما قبله في الحكم والإعراب، يسمى عطف النسق. ثم ساق الناظم مثلا للتشريك في الحكم لـ"ود" هو الثناء؛ وعلى هذا فليست "أي" التفسيرية من حروف العطف عند الجمهور؛ لأنها لا تتبع ما بعدها لما قبلها وما بعدها بدل أو عطف بيان، خلافا للكوفيين الذين يعدونها عاطفة ومعناها التفسير.

فخرج بقول المصنف: "يتوسط

إلخ" التوابع كلها ما عدا عطف النسق، وبالتقييد بالحروف المذكورة "أي" التفسيرية كما ذكرنا.

(3)

أما في اللفظ فبوجوه الإعراب، وأما في المعنى فباحتمال كل من المتعاطفين للمعنى المراد؛ نفيا، وإثباتا، وصلاحية له. وهذا إذا كانا مفردين؛ فإن كان المعطوف غير مفرد، فقد لا يفيد التشريك؛ نحو: حضر التلميذ ولم يحضر والده.

(4)

يرى الكوفيين أن "حتى" لا تكون حرف عطف، بل هي حرف ابتداء دائما. ويقدورن عاملا لما بعدها تتم به الجملة؛ ففي مثل: قدم الحجاج حتى المشاة، يقدرون: حتى قدم المشاة.

* "نال" خبر مقدم. "بحرف" متعلق به. "متبع" صفة لحرف. "عطف النسق" عطف مبتدأ مؤخر، والنسق مضاف إليه. "كاخصص" خبر لمبتدأ محذوف، وهو فعل أمر. "بود" متعلق به. "وثناء" معطوف على ود. "من" اسم موصوف مفعول أخصص. "صدق" فعل ماض والجملة صلة من.

ص: 184

وما مقيدًا؛ وهو: أو، وأم

(1)

، فشرطهما ألا يقتضيا إضرابًا

(2)

.

وما يقتضي التشريك في اللفظ دون المعنى؛ إما لكونه يثبت لما بعده ما انتفى عما قبله؛ وهو "بل" عند الجميع، و"لكن" عند سيبويه وموافقيه

(3)

.

وإما لكونه بالعكس

(4)

، وهو "لا" عند الجميع

(5)

، و"ليس" عند البغداديين؛ كقوله:

(1)

ذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" حرف استفهام كالهمزة.

(2)

فإن اقتضيا إضرابا كانا مشتركين في اللفظ فقط، مثل "بل"، وإلى الحروف الستة المذكورة أشار الناظم بقوله:

فالعطف مطلقا بواو ثم فا

حتى أم أو كـ "فيك صدق ووفا"*

أي أنه يعطف بالواو، وثم، والفاء، وحتى، وأم، وأو، فتفيد مشاركة المعطوف مع المعطوف عليه مطلقا؛ أي في اللفظ والمعنى.

(3)

يرى يونس: أن "لكن" حرف استدراك دائماً، وعندما تأتي عاطفة تكون قبلها الواو؛ لتكون هي العاطفة، وسيأتي بيان واف عن "لكن" قريباً.

(4)

وهو أن ينفي عما بعده ما ثبت لما قبله.

(5)

سيأتي بيان شاف لكل منها، وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:

وأتبعت لفظا فحسب بل ولا

لكن كـ" لم يبد امرؤ لكن طلا"**

أي: وأتبعت وأفادت مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في اللفظ فقط؛ أي في الإعراب لا في المعنى، "بلن ولا، ولكن" والطلا -بالقصر- ولد الظبية حين يولد، أو ولد البقرة الوحشية، أو ولد ذات الظلف مطلقا وجمعه أطلاء.

* فالعطف" مبتدأ. "مطلقا" حال من المبتدأ على رأي سيبويه، أو من الضمير المستتر في الخبر؛ وهو "بواو"، على رأي من يجيز تقديم الحال على عاملها الجار والمجرور. "ثم، فا، حتى، أم، أو" معطوفات بعاطف مقدر على واو بقصد اللفظ. "كفيك" الكاف جارة لقول محذوف، و"فيك" خبر مقدم. "صدق" مبتدأ مؤخر. "ووفا" معطوف على صدق.

** "وأتبعت" فعل ماض والتاء للتأنيث. "لفظا"، و"حسب" بمعنى كاف، مبتدأ مبني على الضمن وخبره محذوف؛ أي فحسبك ذلك؛ "بل" فاعل أتبت "ولا، لكن" معطوفان على بل بحذف العاطف من لكن. "امرؤ" فاعل يبد. "لكن" حرف عطف. "طلا" معطوف على "امرؤ".

ص: 185

إنما يجزي الفتى ليس الجمل

(1)

(1)

عجز بيت من الرمل، للبيد بن ربيعة العامري، يحث على المعروف وحسن الكافأة، وصدره:

وإذا أقرضت قرضاً فأجزه

وهذا البيت من قصيدته التي مطلعها:

إن تقوى الله من خير نفل

وبإذن الله ريثي والعجل

اللغة والإعراب: النفل: الغنيمة، الريث: الإبطاء والتمهل. أقرضت قرضا: أعطيت شيئا من المال على سبيل القرض لتؤديه بعد؛ والمراد: قدمت إليك معونة ما، أو صنع معك معروف، فأجزه: كافئ صاحبه الفتى: الإنسان. الجمل: الحيوان المعروف، وقد يراد بالفتى الشاب الذي في طراوة الشباب، وبالجمل الرجل الذي تقدمت به السن. "وإذا" ظرف للزمان المستقبل مضمن معنى الشرط. "أقرضت" فعل ماض للمجهول، فعل الشرط، والتاء نائب فاعل. "فاجزه" الفاء واقعة في جواب الشرط، واجزه فعل أمر، والفاعل أنت والهاء مفعوله؛ "إنما" أداة حصر. "يجزى الفتى" فعل وفاعل. "ليس" حرف عطف بمعنى "لا"، على مذهب البغداديين. "الجمل" معطوف على الفتى.

المعنى: استعمال "ليس" حرف عطف بمعنى "لا"، لتنفي عما بعدها صنع الخير الذي ثبت لما قبلها. وهذا قول البغداديين، تبعا لابن عصفور وبعض الكوفيينن وجرى عليه الناظم في التسهيل، ويخرجه المانعون على أن "ليس" فعل ماض ناقص، و"الجمل" اسمها، وخبرها محذوف؛ أي ليس الجمل جازيا.

ص: 186

فصل: أما الواو؛ فلمطلق الجمع

(1)

؛ فتعطف متأخراً في الحكم، نحو:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ}

(2)

.

(1)

أي الاجتماع والاشتراك بين المتعاطفين في المعنى والحكم، من غير دلالة على مصاحبة، أو ترتيب زني، أو مهلة، أو نحو ذلك. وخالف في ذلك البعض وقالوا إنها للترتيب.

(2)

من الآية: 26 من سورة الحديد.

ص: 186

ومتقدماً؛ نحو: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ}

(1)

، ومصاحباً؛ نحو:{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَة}

(2)

.

وتنفرد الواو

(3)

بانها تعطف اسما على اسم لا يكتفي الكلام به

(4)

؛ كـ"اختصم زيد وعمرو، واصطف زيد وعمرو، وجلست بين زيد وعمرو؛ إذا الاختصام والتضارب والاصطفاف والبينية، من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعداً

(5)

. ومن هنا قال

(1)

من الآية: 3 من سورة الشورى؛ فـ"الذين" معطوف على الكاف مع إعادة الجار، عطف متقدم على متأخر.

(2)

فـ"أصحاب السفينة" معطوف على الهاء عطف مصاحب في الإنجاء على مصاحبه، ومضاف إليه، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

فاعطف بواو لاحقاً أو سابقاً

في الحكم أو مصاحباً موافقا

أي أعطف بالواو: اللاحق والسابق والمصاحب في الحكم كما مثل المصنف؛ لأنها تدل على مطلق الاجتماع والاشتراك في الحكم بلا قيد ما؛ وإنما تفيد ذلك إذا كان المتعاطفان مفردين، ولم تقع بعدها "إما" الثانية، ولم تكن هنالك قرينة تدل على عدم التجرد للتشريك، المطلق؛ فإن وقعت بعدها "إما" الثانية، فمعناها يوحي به المقام كما سيأتي. وإن وجدت قرينة، وجب الأخذ بما تدل عليه.

هذا: واستعمالها في المعية والمصاحبة أكثر، وفي تقدم ما قبلها كثير، وفي تأخره قليل.

(3)

أي من بين سائر حروف العطف. ولها مواضع أخرى تنفرد بها تقدم بعضها.

(4)

أي بالمعطوف عليه في أداء معناه؛ وذلك حين يتطلب الحكم متعددا؛ كالاختصام، والمساواة، ونحوها، كما مثل المصنف.

(5)

أي: ولا يمكن أن تكون من طرف واحد؛ وذلك مثل: تنازع، وتصالح، وتشارك، وتعاون

إلخ؛ وإنما انفردت الواو بهذا؛ لأنها لمطلق الجمع؛ وتترجح فيها المعية، قال الناظم مشيرا إلى ذلك:

* "لاحقا" مفعول أعطف. "أو سابقا" معطوف عليه. "في الحكم " متعلق بسابقا وقد تنازعه الوصفان قبله. "أو مصاحبا" معطوف على سابقا. "موافقا" نعت له.

ص: 187

الأصمعي: الصواب أن يقال:

بين الدخول وحومل بالواو

(1)

واخصص بها عطف الذي لا يغني

متبوعه كـ"اصطف هذا و ابني"

أي اخصص الواو -من بين حروف العطف- بأن يعطف بها، حيث لا يكتفي بالمعطوف عليه في تحقيق معنى العامل؛ كالمثال الذي ذكره الناظم؛ فإن الاصطفاف يتطلب أكثر من واحد.

(1)

لأن البينية لا يتحقق معناها بواحد. ولا يعطف فيها بالفاء؛ لأن الفاء تدل على الترتيب، وهذا بعض بيت من الطويل، لامرئ القيس بن حجر الكندي، وهو مطلع معلقته وأوله:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى. . . . . . . . . . .

اللغة والإعراب: قفا: فعل أمر من الوقوف، والألف فيه للاثنين. وقيل منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والمخاطب واحد، وعوملت الكلمة في الوصل، كما تعامل في الوقف. ذكرى: مصدر بمعنى التذكر. سقط اللوى: السقط -بتثليث السين وسكون القاف- منقطع الرمل حيث يستدق طرفه، واللوى: رمل يتلوى وينحني، الدخول: اسم موضع، وكذلك حومل. "نبك" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر. "من ذكرى" متعلق بنبك. "حبيب" مضاف إليه. "بسقط اللوى" بسقط جار ومجرور، واللوى مضاف إليه متعلق بمحذوف، صفة لمنزل. "بين الدخول" بين ظرف مكان، والدخول مضاف إليه، صفة ثانية. "فحومل" معطوف على الدخول.

المعنى: قفا يا صاحبي وشاركاني في البكاء وإرسال الدموع؛ من أجل تذكر حبيب كان يقيم هنا، ومنزل كان عامرا به، بين هذين الموضعين.

الشاهد: في قوله: "بين الدخول وحومل"؛ فإن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد والفاء تدل على الترتيب من غير مهملة؛ فالبينية غير متحققة هنا؛ وإنما تتحقق بالعطف بالواو التي تدل على اشتراك العاطف والمعطوف معا دفعة واحدة في مدلول العامل؛ ولهذا خطأ الأصمعي امرأ القيس. وقد عني العلماء بتصحيح قول امرئ القيس، كما بين ذلك المصنف.

* "عطف" مفعول اخصص. "الذي" مضاف إليه. "لا يغني متبوعه" الجملة من الفعل المنفي ونائب فاعله صلة الذي. "هذا" فاعل اصطف. "وابني" معطوف على "هذا".

ص: 188

وحجة الجماعة: أن التقدير: بين أماكن الدخول فأماكن حومل

(1)

؛ فهو بمنزلة: اختصم الزيدون فالعمرون

(2)

.

(1)

أي أن كلمتي الدخول وحومل هنا، لا يراد بهما جزئي مشخص؛ وإنما يراد بهما أجزاء هذين المكانين، وهنالك مضاف محوذف يفيد هذا التعدد؛ مثل: أماكن، أو مواضع، أو أجزاء الدخول وحومل. وقدر يعقوب بين أهل الدخول .... إلخ.

(2)

يقال هذا إذا كان كل فرد من كل فريق خصمًا لمن هو من فريقه، فيكون اختصاص العمرين بعضهم مع بعض عقب اختصام الزيدين بعضهم مع بعض.

هذا: وتختص الواو كذلك بعطف الشيء على مرادفه، لتقوية معنى المعطوف عليه وتأكيده؛ نحو: البغي والظلم وبال على صاحبه، ومنه قوله تعالى:{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} . وبعطف النعوت المتعددة المتفرقة التي منعوتها متعدد غير متفرق؛ نحو: أصبحت بلادنا زراعية وصناعية وتجارية.

وبوقوعها قبل "إما" المسبوقة بمثلها؛ نحو: إنكار المعروف إما جهل، وإما عدم تقدير. وبوقوع "لا" النافية بعدها إذا عطفت مفدرا بعد نفي أو نهي، نحو: الكريم لا يحب البخل ولا الرياء، ومنه قوله تعالى:{لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ}

إلخ، من الآية 2 من سورة المائدة، فتكرار "لا" يفيد أن النفي والنهي واقعان على كل من الصفتين وحدها، وعدم تكرارها يوهم أنهما مقصوران على حالة اجتماعهما. وباقترانهما بالحرف "لكن"، كقوله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} ، فالواو هي العاطفة، أما "لكن" فحرف استدراك.

وبعطف العام على الخاص؛ نحو قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} من الآية 28 من سورة نوح. أما عطف الخاص على العام لمزية في الخاص؛ فتشاركها فيه "حتى" نحو: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}

الآية، ومات الناس حتى الأنبياءز وتختص كذلك بالعطف في التحذير، والإغراء؛ نحو: المروءة والنجدة، ومنه قوله تعالى:{نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} ، وغير ذلك كثير. قد أوصل النحاة ما تختص به الواو، إلى واحد وعشرين نوعا، وسيذكر المصنف في آخر الباب بعضاً آخر مما تختص به.

ص: 189

وأما الفاء: فللترتيب

(1)

والتعقيب

(2)

؛ نحو: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}

(3)

.

وكثيراً ما تقتضي أيضاً التسبب

(4)

، إن كان المعطوف جملة

(5)

؛ نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} .

واعترض على الأول

(6)

بقوله تعالى: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}

(7)

.

ونحو "توضأ فغسل وجه ويديه"

الحديث

(8)

.

والجواب، أن المعنى: أردنا إهلاكها، وأراد الوضوء

(9)

.

(1)

أي بنوعيه: المعنوي، والذكرى والمراد بالترتيب المعنوي: أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف، متأخرا عنه في المعطوف عليه؛ نحو: من الخير الإنصات؛ فالسماع، فمحاولة الفهم. أما الترتيب الذكري، فهو: وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما، لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما؛ نحو: حدثنا المعلم عن أبي بكر فعثمان فعمر.

(2)

التعقيب هو: اتصال المعطوف بالمعطوف عليه بلا مهلة، وقصر المدة التي بين وقوع المعنى عليهما، والتعقيب في كل شيء بحسبه.

(3)

من الآية 21 من سورة عبس.

(4)

أي الدلالة على السببية؛ بأن يكون المعطوف متسبباً عن المعطوف عليه، ولكنها لا تسمى فاء السببية، إلا إذا دخلت على مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة، كما سيأتي في موضعه.

(5)

أي في الغالب، وكذلك إذا كان المعطوف وصفا مشتقا؛ نحو: الطلبة واثقون بأنفسهم فمقبلون على الاختبار؛ ففائزون، ومثل قوله تعالى:{لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} . الآيتان 52، 53 من سورة الواقعة.

(6)

وهو الترتيب المعنوي.

(7)

من الآية 4 من سورة الأعراف.

(8)

فإن الإهلاك متأخر عن مجيء البأس في المعنى، وهو متقدم عليه في التلاوة والذكر وغسل الأعضاء الأربعة متقدم في المعنى، ومتأخر عن الوضوء في الذكر.

(9)

وبهذا انتفى الاعتراض؛ فإن إرادة الإهلاك متقدمة على البأس، وإرادة الوضوء سابقًا على غسل الأعضاء. وأجيب أيضاً: بأن الفاء في الآية والحديث للترتيب الذكري لا المعنوي، لأن ما بعدها تفصيل للمجمل قبلها.

ص: 190

وعلى الثاني

(1)

بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً}

(2)

.

والجواب: أن التقدير: فمضت مدة فجعله غثاء

(3)

، أو بأن "الفاء" نابت عن "ثم" كما جاء عكسه، وسيأتي.

وتختص الفاء: بأنها تعطف على الصلة ما لا يصح كونه صلة؛ لخلوه من العائد

(4)

؛ نحو: اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك

(5)

. وعكسه

(6)

؛ نحو: الذي يقدم أخواك فيغضب هو زيد

(7)

.

(1)

أي وهو التعقيب.

(2)

أي: بعد قوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} ؛ فإن جعله غثاء أحوى، لا يعقب إخراج المرعى، ولا يتصل به، ومعنى غثاء: جافا هشيماً. والأحوى: الأسود. من الآية 5 من سورة الأعلى.

(3)

أي فيكون المعطوف عليه محذوفا، وقد قيل: إن هذا لا يدفع الاعتراض؛ لأن مضي المدة لا يعقب الإخراج، وأجيب بأنه يكفي أن يكون أول أجزاء المضي متعقبا للإخراج، وإن لم يحصل بتمامه إلا في زمن طويل؛ نحو قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ، من الآية 33 من سورة الحج. فإن اخضرار الأرض يبتدي بعد نزول المطر، لكن لا يتم إلا في مدة ومهلة.

(4)

ذلك لأن ما في الفاء من معنى السببية، جعل ما بعدها مع ما قبلها في حكم جملة واحدة، فأغنى ذلك عن الرابط.

(5)

"اللذان" مبتدأ. "يقومان" الجملة صلة. "فيغضب زيد" الجملة معطوفة بالفاء على جملة يقومان الواقعة صلة، وكان القياس عدم صحة العطف؛ لخلوها عن ضمير يعود إلى الموصول؛ لأنها رفعت الظاهر، وهو "زيد"، ولكن عطفها بالفاء سوغ ذلك؛ لما في الفاء من معنى السبب كما بينا. "أخواك" خبر المبتدأ.

(6)

أي: وهو أن تعطف الفاء ما يصلح أن يكون صلة، على ما لا يصلح لذلك.

(7)

"الذي" اسم موصول مبتدأ. "يقوم أخواك" الجملة صلة، وهي خالية من ضمير يعود إلى الموصول؛ فكان القياس عدم صلاحيتها، ولكن عطف جملة "فيغضب هو" عليها بالفاء، وهي مشتملة على عائد إلى الموصول، سوغ ذلك. "زيد" خبر المبتدأ، والعائد هو الضمير

ص: 191

ومثل ذلك جار في الخبر، والصفة، والحال

(1)

؛ نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً}

(2)

. وقوله:

وإنسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو. . . . . . . . . . .

(3)

المستتر في "يغضب"، أما لفظ "هو" فتوكيد له. ويجوز: أن يكون مبتدأ، و"زيد" خبره، والجملة خبر الذي، كما يحتمل أن يكون فاعلا ليغضب، وأبرز لدفع توهم كون "زيد" فاعلا.

(1)

فتعطف بالفاء على كل منها ما لا يصلح أن يكون خبرا أو صفة أو حالا، وبالعكس؛ "أي" تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء على جملة لا تصلح.

(2)

جملة {فَتُصْبِحُ الأَرْضُ} معطوفة بالفاء على جملة {أُنْزِلَ} الواقعة خبرا لأن، وهي خالية من ضمير يعود على اسم "أن"؛ ولكن اقترانها بالفاء سوغ ذلك.

(3)

جزء من بيت الطويل لذي الرمة، غيلان بن عقبة وتمامه:

وتارات يجم فيغرق

اللغة والإعراب: إنسان عيني: هو النقطة السوداء اللامعة وسط سواد العين. يحسر: ينكشف وينزاح. فيبدو: فيظهر. يجم: يكثر. "إنسان عيني" إنسان مبتدأ، وعيني مضاف إليه. "الماء" فاعل يحسر على أنه مبني للمعلوم، ونائب فاعل إذا بني للمجهول، والجملة خبر المبتدأ "تارة" مفعول مطلق. "فيبدو" الفاء عاطفة، و"يبدو" فعل مضارع، والفاعل يعود على إنسان العين. "وتارات" معطوف على تارة. "يجم" الجملة خبر لـ مبتدأ محذوف؛ أي هو يجم. "فيغرق" معطوف على يجم.

المعنى: أن إنسان العين ينكشف عنه الماء ويزول أحياناً، فيظهر الإنسان للرائي، وأحياناً يكثر الماء في العين فيغرق إنسانها ويستتر ولا يرى.

الشاهد: عطف جملة "فيبدو"- وهي تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ، وهو "إنسان"؛ لاشتمالها على ضمير يعود إليه- على جملة لا تصلح لذلك لخلوها من ذلك الضمير؛ وهي جملة "يحسر الماء".

ومثال عطفها جملة لا تصلح أن تكون صفة لخلوها من عائد يعود على الموصوف، على أخرى تصلح لذلك: هذا قائد يسهر على حراسة الشعب فتسعد الرعية، وعكسه نحو: هذا قائد شكت الرعية فأزال أسباب الشكوى، ومثال عطفها جملة لا تصلح حالا، على

ص: 192

وأما "ثم" فللترتيب والتراخي

(1)

؛ نحو: {فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}

(2)

. وقد توضع موضع الفاء؛ كقوله:

جرى في الأنابيب ثم اضطرب

(3)

أخرى تصلح أن تقول: أقبل محمد يضحك فتنشرح قلوب الزملاء، وعكسه نحو: أقبل محمد تنشرح قلوب الزملاء فيضحك، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

واخصص بفاء عطف ما ليس صله

على الذي استقر أنه الصلة

أي تختص الفاء بأنها تعطف جملة لا تصلح أن تكون صلة لخلوها من الرابط على جملة أخرى تصلح صلة لاشتمالها على الرابط، ومثل الصلة: الخبر، والصفة، والحال، كما بينا. ومن أحكام الفاء: أنها لا تنفصل من معطوفها بفاصل مطلقا، وتعطف المفردات، كما تعطف الجمل، ويجوز حذفها بقرينة؛ تقول: أنفقت المال جنيها، جنهين، ثلاثة. وتشترك مع الواو في أن كلا منهما يعطف عاملا قد حذف وبقي معموله؛ تقول: اشتريت الكتاب بدينار فصاعدا، أي فذهب الثمن صاعدا. وسيأتي إيضاح ذلك، وإن كلا يجوز حذفه عند أمن اللبس، وحذف الواو أكثر.

(1)

التراخي هو: انقضاء مدة زمنية بين وقوع المعنى على المعطوف عليه، ووقوعه على المعطوف. وتحديد هذه المدة متروك للعرف. و"ثم" تعطف المفردات والجمل، وقد تدخل عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ، فتختص بعطف الجمل؛ نحو: من ظفر بمطلوبه ثم أهمل في الحفاظ عليه فلا يلومن إلا نفسه. وتكتب بتاء غير مربوطة.

(2)

الآية 22 من سورة عبس.

(3)

عجز بيت من المتقارب لأبي داؤد، حارثة بن الحجاج الإيادي، من قصيدة يصف فيها فرسه، وصدره:

كهز الرديني تحت العجاج

اللغة والإعراب: الرديني: الرمح المنسوب إلى ردينة، وهي امرأة اشتهرت بصنع

* "عطف" مفعول اخصص. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "ليس صلة" الجملة من ليس ومعموليها صلة ما. "على الذي" متعلق بعطف. "أنه الصله" المصدر المؤول من أن ومعموليها فاعل استقر، وجملة "استقر" من الفعل والفاعل صلة الموصول.

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرماح بهجر. العجاج: الغبار، والمراد: ما تثيره أقدام المتحاربين أو خيولهم الأنابيب: جمع أنبوب، وهوما بين كل عقدتين من القصب. "كهز" جار ومجرور، خبر لمبتدأ محذوف. "الرديني" مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. والمشبه: اهتزاز فرس كانت تحت الممدوح. "تحت العجاج" تحت ظرف مكان منصوب بهز، والعجاج مضاف إليه. "جرى" فعل ماض فاعله يعود على الهز. "ثم" حرف عطف بمعنى الفاء. "اضطرب" فعل ماض مبني على الفتح، وسكن للروي. والمعنى: إن اهتزاز هذا الفرس، وسرعة عدوه ذهابا وجيئة أثناء القتال، يشبه اهتزاز الرمح واضطرابه، في سرعة وخفة في كل ناحية تحت غبار المعركة.

الشاهد: في قوله: "ثم اضطرب"؛ فإن "ثم" هنا بمعنى الفاء؛ لأن اضطراب الرمح يحدث عقب اهتزاز أنابيبه مباشرة في لحظات من غير مهلة. وفي معنى "الفاء" و"ثم" يقول الناظم:

والفاء للترتيب باتصال

و"ثم" للترتيب بانفصال

ومعنى "باتصال" أي من غير مهلة زمنية، وهو ما يعبر عنه بالتعقيب. ومعنى "بانفصال": أي بمهلة زمنية؛ وهي التراخي.

هذا: وقد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري، أي الذي يقصد به مجر الإخبار وسرد المعطوفات، من غير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي، كقول الشاعر:

إن من ساد ثم ساد أبوه

ثم قد ساد قبل ذلك جده

هذا: وقد تدخل همزة الاستفهام على ثم، والواو، والفاء؛ مثل:{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} ، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} ، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْض} .

فقيل: إن الهمزة تقدمت على العاطف لأصالتها في التصدير، وقيل: إن هذه حروف استئناف داخلة على جملة مستأنفة.

* "والفاء" مبتدأ. "للترتيب" متعلق بمحذوف خبر. "باتصال" جار ومجرور متعلق بمحذوف، حال من الترتيب، وإعراب الشطر الثاني كذلك.

ص: 194

وأما "حتى"

(1)

: فالعطف بها قليل، والكوفيون ينكرونه

(2)

، وشرطه أربعة أمور:

أحدها: كون المعطوف اسماً

(3)

.

والثاني: كون المعطوف اسما

(4)

.

والثالث: كونه بعضاً من المعطوف عليه، إما بالتحقيق

(5)

؛ نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو بالتأويل

(6)

كقوله:

ألقى الصحيفة كي يخفف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها

(7)

(1)

معناها: ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنا، والدلالة على أن المعطوف بلغ الغاية في الزيادة أو النقص، بالنسبة للمعطوف عليه؛ سواء كانت هذه الغاية حسية أو معنوية، محمودة أو مذمومة. وكل هذا بحسب التخيل.

(2)

ويعربونها ابتدائية في مثل: جاء الطلبة حتى محمد، ورأيت المسافرين حتى عليا، ومررت بالعائدين حتى أخيك، وما بعدها معمول لعامل محذوف.

(3)

فلا يصح أن يكون فعلا، ولا حرفا، ولا جملة -على العطف- صفحت عن المذنب حتى خجل. وأما على الحرف؛ فلأن الحرف لا يدخل على نظيره غالباً إلا في التوكيد اللفظي أو الضرورة الشعرية. وإذا دخلت على جملة فعلية، أو على جملة اسمية، كانت حروف ابتداء.

(4)

حقق بعض العلماء الاستغناء عن هذا الشرط، وأجاز المثل المذكور، وفيه تيسير مقبول انظر ترجمة الخضراوي صفحة 49، جزء ثان.

(5)

وذلك بأن يكون جزءًا من كل؛ كمثال المصنف، أو فردًا من جمع؛ نحو: عاقبت التلاميذ حتى عليًا، أو نوعًا من جنس؛ نحو: أعجبني العنب حتى البناني.

(6)

أي بتقدير أنه كالبعض؛ لملازمته الكل في كثير من الأحيان، ولأهميته.

(7)

بيت من الكامل، من كلام أبي مروان النحوي في المتلمس، حين فر من عمرو بن هند لما أراد قتله. والمتلمس: لقب جرير بن عبد المسيح، وبعد هذا البيت:

ومضى يظن بريد عمرو خلفه

خوفا وفارق أرضه وقلاها

اللغة والإعراب: ألقى: رمى إلى الأرض. الصحيفة: ما يكتب فيه من ورق وغيره.

ص: 195

فيمن نصب نعله؛ فإن ما قبلها في تأويل ألقى ما يثقله

(1)

. أو شبيهاً بالبعض

(2)

؛ كقولك: أعجبتني الجارية حتى كلامها، ويمتنع: حتى ولدها

(3)

.

وضابط ذلك: أنه إن حسن الاستثناء حسن دخول حتى

(4)

.

والرابع: كونه غاية في زيادة حسية؛ نحو: فلان يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوف، أو معنوية؛ نحو: مات الناس حتى الأنبياء أو الملوك

(5)

.

رحله: الرحل: ما يستصحبه المرء من المتاع، وهو أيضاً: ما يوضع على ظهر الناقة، بمنزلة السرج للفرس، والزاد: كل ما يستصحبه المسافر ليبلغه مقصده. "ألقى" فعل ماض، وفاعله يعود على المتلمس. "الصحيفة" مفعوله. "كي": حرف تعليل. "يخفف" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد "كي". "والزاد" معطوف على الصحيفة. "حتى" حرف عطف. "نعله" معطوف على الزاد.

المعنى: أن المتلمس رمى بالصحيفة ليخفف ما معه من متاع، وألقى كذلك ما معه من زاد يتبلغ به، حتى نعله التي يلبسها رمى بها، وكان من أمر هذه الصحيفة: أنه وطرفة هجيًا عمرو بن هند الملك، ثم مدحاه بعد ذلك؛ فكتب لكل منهما صحيفة إلى عاملة بالحيرة وختمها، وأمره فيها بقتلهما. وأوهمهما أنه كتب لهما بصلة؛ فلما بلغا الحيرة فتح المتلمس صحيفة، وعلم بما فيها فألقاها في النهر وفر إلى الشام. وأبي طرفة أن يفتح صحيفة، ودفعها إلى العامل فقتله.

الشاهد: عطف "نعله" بحتى على ما قبله؛ لأنه بعض من المعطوف عليه بالتأويل كما بين المصنف، ويحتمل أنه منصوب بفعل محذوف يفسره "ألقاها"، وهذا على رواية النصب، وروي بالرفع؛ على أن "حتى" ابتدائية، و"نعله" مبتدأ، وجملة "ألقاها" في محل رفع خبر، كما روي بالجر، على أن "حتى" حرف غاية وجر، و"نعله" مجرور بها.

(1)

ولا شك أن النعل بعض ما يثقله ويتعب حركته في الهرب.

(2)

أي في شدة الاتصال به؛ كالعرض الملازم للكل، من غير أن يدخل في تكوينه، مثل: العلم، واللون، والخلق، والصوت، والكلام

إلخ.

(3)

لأن الولد ليس جزءًا ولا شبيهاً بالجزء بخلاف الكلام كما أوضحنا.

(4)

المراد: الاستثناء المتصل؛ لأن شرط الاستثناء المتصل: أن يتناول ما قبل أداته ما بعدها نصًا.

(5)

فإن الأنبياء والملوك غاية الناس في الزيادة المعنوية؛ وهي الاتصاف بالنبوة والملك؛ ولهذا لا

ص: 196

أو في نقص كذلك؛ نحو: المؤمن يجزى بالحسنات حتى مثقال الذرة؛ ونحو: غلبك الناس حتى الصبيان أو النساء

(1)

. وأما "أم"، فضربان: منقطعة وستأتي، ومتصلة، وهي المسبوقة؛ إما بهمزة التسوية

(2)

؛. . . . . . . . . . .

(1)

غاية النقص المعنوي في الصبيان والنساء هي: الاتصاف بالصبا والأنوثة. وقد اجتمع المعنيان في قول الشاعر:

قهرناكمو حتى الكمأة فأنتم

تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا

فإن فقد شرط من هذه الشروط لا تكون حتى عاطفة. و"حتى" العاطفة لمطلق الجمع، كالواو عند عدم القرينة. ولا تفيد ترتيبًا زمنيًا بين العاطف والمعطوف، والمعتبر فيها ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنا من الأضعف إلى الأقوى وبالعكس. وإذا عطف بها آخر شيء، على معطوف مجرور بحرف، وجب إعادة هذا الحرف بعدها؛ لأن المعنى يلتبس بعدم إعادته، وتلتبس هي بالجارة؛ تقول: سافرت في الأسبوع الماضي حتى في آخره؛ إذا كان السفر في أوقات متقطعة في الأسبوع؛ فلو لم تذكر "في" ثانية، لاحتمل أن السفر متصل من أول الأسبوع إلى آخره.

ولا تعطف "حتى" نعتا على نعت، وتكون كالواو في عطفها الخاص على العام، وفي "حتى" وشروطها يقول الناظم:

بعضاً بحتى اعطف على "كل" ولا

يكون إلا غاية الذي تلا

أي اعطف بحتى بعضًا على كل، أي أن يكون المعطوف جزءًا من المعطوف عليه، ولا يكون المعطوف إلا غاية للذي تلاه، وهو المعطوف عليه. والمراد: الغاية في الزيادة أو النقص، كما أوضح المصنف.

(2)

سميت بذلك لوقوعها غالبا بعد لفظ "سواء"، أو: لا أبالي، أو" لا أدري، أو ما يشبهها؛ في الدلالة على أن الجملتين بعدها متساويتان في الحكم عند المتكلم.

* "بعضا" مفعول مقدم لاعطف. "بحتى" متعلق باعطف. "ولا" الواو للحال، و"لا" نافية. "يكون" فعل مضارع ناقص واسمها يعود إلى بعض؛ "إلا" أداة استثناء ملغاة. "غاية" خبر يكون. "الذي مضاف إليه. "تلا" الجملة صلة، وجملة "يكون" من اسمها وخبرها حال من بعض، ومجيء الحال من النكرة بلا مسوغ قليل.

ص: 197

وهي الداخلة على جملة في محل المصدر

(1)

.

وتكون هي والمعطوفة عليها: فعليتين؛ نحو: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}

(2)

. أو اسميتين؛ كقوله:

أموتي ناء أمهو الآن واقع

(3)

(1)

بيان لعلامتها؛ وهي: أن تتوسط بين جملتين خبريتين قبلهما الهمزة، وكلتا الجملتين يصلح أن يحل محلها هي والهمزة مصدر مؤول منهما معًا.

(2)

أعرب الجمهور لفظ "سواء" خبرًا مقدمًا عن الجملة التي بعده، لتأويلها بمصدر؛ أي إنذارك وعدمه سواء، ويجوز العكس. وسوغ الابتداء بسواه، تعلق الجار والمجرور به وهذا من مواضع سبك الجملة بلا سابك. ومنها: الجملة المضاف إليها الظرف؛ نحو قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} ، من الآية 119 من سورة المائدة، ومنها قولهم:"تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، بناء على عدم تقدير "أن" قبل تسمع.

(3)

عجز بيت من الطويل لم يعرف قائله، ويظهر أنه لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك، وصدره:

ولست أبالي بعد فقدي مالكًا

اللغة والإعراب: أبالي: أكثرت وأعبأ. ناء: بعيد: وهو اسم فاعل من نأى ينأى؛ أي بعد. "لست" ليس واسمها. "أبالي" الجملة خبرها. "بعد"ظرف متعلق بأبالي. "فقدي" مضاف إليه، وهو مصدر مضاف إلى الياء، فاعله. "مالكاً مفعوله. "أموتي" الهمزة للاستفهام، و"موت" مبتدأ. "ناء" خبر مرفوع بضمة مقدرة على الباء المحذوفة، والجملة في محل نصب مفعول أبالي. وقد علق عن العمل في اللفظ بالاستفهام. "أم" عاطفة متصلة. "هو" ضمير منفصل مبتدأ. "الآن" منصوب على الظرفية الزمانية. "واقع" خبر المبتدأ.

المعنى: لست مهتمًا ولا مكترثًا بشيء في الحياة، بعد أن فقدت أخي مالكًا، ولا يعنيني -وقد فقدته- أن يكون موتي بعيدًا، أو ينزل بي الآن.

الشاهد: وقوع "أم" بين جملتين اسميتن، وقد عطفت إحداهما على الأخرى، والتقدير: لست أبالي نأي موتي أو وقوعه الآن.

ص: 198

مختلفتني؛ نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ}

(1)

.

وإما بهزة يطلب بها، وبـ"أم التعيين

(2)

،. . . . . . . . . . .

(1)

الجملة المعطوف عليها فعلية، والمعطوف اسمية، والتقدير: سواء عليكم دعاؤكم إياهم -أي الأصنام- وصمتكم. من الآية 93 من سورة الأعراف.

ومثال العكس: لا يبالي المخلص في عمله؛ أرئيسه حاضر أم يغيب. والمصدر المؤول هنا مفعول به، والتقدير: لا يبالي المخلص حضور رئيسه وغيابه.

ومما تقدم يتبين: أن "أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية لا تعطف إلا جملة على جملة، وعطفها للمفرد نادر لا يقاس عليه. وهمزة التسوية لا شأن لا بالاستفهام بعد أن تمحضت للتسوية.

(2)

قوله: "وإما بهمزة معطوف على قوله قبل: "إما بهمزة التسوية". وهمزة التعيين عند كثير من النحاة هي الواقعة بعد: ليت شعري، ولا أعلم، وما أدري، ونحوهما؛ لأن هذه الألفاظ ليست في حكم "لا أبالي" التي تكون الهمزة بعدها للتسوية، كما أسلفنا؛ لأن قائلها يريد: لا أدرين ولا أعلم، وليت شعري، جواب هذا الاستفهام، ولا يقصد التسوية. وهذا صحيح عند عدم القرينة؛ فإن دل السياق على غير ذلك. وجب النزول على ما يحدده السياق.

وعلامة "أم" المسبوقة بهمزة العيين: أن تقع بين شيئين ينسب لواحد منهما -غير معين- أمر ما معروف للمتكلم، وقبلهما همزة استفهام يقصد بها وبأم تعيين أحد هذين الشيئين، وتسد "أي" مسد الهمزة مع "أم" في طلب التعيين، وهما يغنيان عن "أي" في ذلك، وفي "أم" المتصلة بنوعيه يقول الناظم:

و"أم" بها اعطف إثر همزة التسويه

أو همزة عن لفظ "أي" مغنيه

أي: أن"أم" يعطف بها بعد همزة التسوية، وقد شرحها المصنف. وبعد الهمزة التي تغني مع "أم" عن لفظ "أي" في طلب التعيين، وهي الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين على النحو الذي بيناه. وسميت "أم" في هذين النوعين متصلة؛ لأنها تقع بين شيئين لا يكتفي

* "وأم" مبتدأ قصد لفظها. "بها" متعلق باعطف، وجملة اعطف خبر المبتدأ. "إثر" ظرف بمعنى بعد، متعلق باعطف. "همز التسوية" مضاف إليه. "وهمزة" معطوف على همز. "عن لفظ أي" جار ومجرور متعلق بـ"مغنيه"، ومضاف إليه. "مغنيه" نعت لهمزة.

ص: 199

وتقع بين مفردين؛ متوسطًا بينهما ما لا يسأل عنه؛ نحو: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمُ السَّمَاءُ}

(1)

.

أو متأخراً عنهما؛ نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ}

(2)

. وبين فعليتين؛ كقوله:

فقلت أهي سرت أم عادني حلم

(3)

بأحدهما في تأدية المعنى المطلوب؛ لأن التسوية وطلب التعيين لا يكونان إلا بين متعدد، وتسمى كذلك:"أم" المعادلة، لمعادلتها الهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول، وإفادة الاستفهام في النوع الثاني.

وتخالف همزة التسوية، الهمزة التي يطلب بها التعيين في أن الأولى لا تستلزم جوابًا؛ لأن الكلام معها خبر قابل للصدق والكذب. أما الثانية، فتتطلب جوابًا بتعيين أحد الشيئين؛ لأنها لم تنسلخ عن الاستفهام.

(1)

الاستفهام هنا توبيخي، والسؤال عن المبتدأ وهو "أنتم"، والمعادل "السماءِ" المعطوفة على أنتم، وهما مفردان، وقد توسط بينهما غير المسئول عنه؛ وهو {أَشَدُّ خَلْقًا} الواقع خبرًا تقديرًا عن المتعاطفين. من الآية 27 من سورة النازعات.

(2)

المسئول في هذه الآية عن الخبر وهو قريب وبعيد، والمسئول عنه متأخر، وهو {مَا تُوعَدُونَ} ؛ وذلك لأن شرط الهمزة المعادلة لأم أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما، ويلي "أم" المعادل الآخر؛ ليفهم السامع من أول الأمر ما يطلب تعيينه، ويرى سيبويه: أن إيلاء المسئول عنه الهمزة أولى لا واجب. وإذا عادلت "أم" بين مثبت ومنفي فالغالب أن يلي المثبت الهمزة والمنفي أم.

(3)

عجز بيت من البسيط لزياد بن حمل؛ وقيل: لزياد بن منقذ العدوي، من كلمة يحن فيها إلى وطنه، وصدره:

فقمت للطيف مرتاعًا فأرقني

وقبله:

زارت رقية شعثاً بعد ما هجعوا

لدى نواحل في أرساغها الخدم

اللغة والإعراب: الطيف: المراد به خيال المحبوبة الذي يراه في النوم. مرتاعًا: خائفًا؛

ص: 200

لأن الأرجح كون "هي" فاعلاً بفعل محذوف.

واسميتين؛ كقوله:

شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر

(1)

يقال: راعه فارتاع؛ أي أفزعه ففزع، ولا ترع؛ أي لا تخف. أرقني: أسهرني. أهي: بسكون الهاء؛ إجراء لهمزة الاستفهام مجرى واو العطف وفائه. سرت: من السرى؛ وهو السير ليلًا. عادني: زارني وأتاني بعد إعراض. "مرتاعًا" حال من التاء في قمت "فأرقني" الفاء عاطفة، وفاعل أرق يعود لى الطيف، والنون للوقاية، والياء مفعول، "أهي" الهمزة للاستفهام، و"هي" فاعل لفعل محذوف يفسره سرت. "أم" عاطفة متصلة. "عادني حلم" الجملة في محل نصب، معطوفة بأم على جملة مقول القول المحذوف، أي فقلت: أهي

إلخ.

المعنى: استيقظت من النوم فزعًا خائفة؛ لما رأيت في نومي من خيال المحبوبة؛ وقلت في نفسي -وقد أزعجني ذلك وأطار النوم من عيني- أهي المحبوبة جاءت إليَّ ليلا؟ أم ذلك حلم ومنام؟

الشاهد: وقوع "أم" المعادلة لهمزة الاستفهام بين جملتين فعليتين؛ فإن "هي" فاعل لفعل محذوف على الأرجح؛ لأن الاصل في الاستفهام أن يكون عن أحوال الذوات المتجددة، وذلك يكون الفعل.

(1)

عجز بيت من الطويل؛ نسبه سيبويه للأسود بن يعفر التميمي، يهجو قبيلة شعيث بأنها لا تعزى إلى أب معين، ونسبه بعضهم إلى اللعين المنقري الشاعر: وصدره:

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

اللغة والإعراب: ما أدري: ما أعلم: داريًا: أي من أهل الدراية والعلم بالأنساب. شعيث: اسم حي من بني تميم. سهم: اسم حي من قيس عيلان. منقر: حي ينتهي إلى زيد مناهة بن تميم. "لعمرك" اللام للتوكيد، وعمرك مبتدأ ومصاف إليه، والخبر محذوف وجوبًا؛ أي قسمي. وقد تقدم مثل ذلك. "ما" نافية. "أدري" فعل مضارع. "وإن" الواو اعتراضية، وإن شرطية. "كنت" كان واسمها. "داريا" خبرها، والجملة اعتراضية. "شعيث" مبتدأ، وقد حذفت منه الهمزة. "ابن سهم""ابن" خبر، وسهم مضاف إليه، والجملة في محل نصب مفعول لأدري، وقد علق عن العمل في اللفظ بالهمزة المحذوفة. "أم" عاطفة

ص: 201

الأصل: أشعيث؟ فحذفت الهمزة والتنوين منهما

(1)

.

متصلة. "شعيث ابن منقر" شعيث مبتدأ، و"ابن منقر" خبر ومضاف إليه.

المعنى: يقسم الشاعرلا أنه لا يعلم -وإن كان من أهل العلم والمعرفة بالأنساب- أي نسبي شعيث هو الصحيح والحق، أنسبتها إلى سهم، أم نسبتها إلى منقر؟

الشاهد: وقوع "أم" المعادلة بين جملتين اسميتين؛ ولهذا ثبتت همزة "ابن"؛ لأنها تحذف إذا كان "ابن" نعتًا لعلم، ومضافًا إلى علم، والثاني أبو الأول، وهو هنا خبر.

هذا: وقد ذكر سيبويه أنه إذا جاءت همزة التسوية بعد كلمة "سواء"؛ فلا بد من ذكر "أم" العاطفة، فإن لم تجئ الهمزة بعد "سواء" عطف الثاني على الأول بالحرف "أو"؛ نحو: سواء علينا رضي العدو أو سخط. وجاء في المغني: أنه لا يصح العطف بأو بعد "سواء" سواء ذكرت همزة التسوية أم حذفت. وقيل: إن قول الفقهاء: سواء كان كذا أو كذا خطأ، وصوابه "أم". وقد علمت أنه صواب على رأي سيبويه، وحقق بعض العلماء اجتماع همزة التسوية و"أو"، مخالفًا في ذلك رأي سيبويه، وهذا يدل على إباحة استعمال "أو" في جميع الحالات، وهو رأي فيه تيسير، ولا مانع من الأخذ به. أما العطف بـ"أو" بعد همزة الاستفهام فجائزة قياسًا؛ تقول: أسعيد عندك أو بكر، والمعنى: أحدهما عندك أم لا؟ وتخالف همزة التسوية الهمزة التي يطلب بها التعيين في أن الأولى لا تستحق جوابًا؛ لأن الكلام معها خبر قابل للصدق والكذب. أما الثانية فتتطلب جوابًا بتعيين أحد الشيئين؛ لأنها لم تنسلخ عن الاستفهام.

(1)

أما حذف التنوين فللضرورة، بناء على أن "شعيثًا" مصروف نظرًا إلى الحي. ويحتمل أنه ممنوع من الصرف نظرًا إلى القبيلة. ولا ينافي ذلك الوصف بابن؛ لجواز رعايته التذكير والتأنيث باعتبارين، وأما حذف الهمزة فجائز اختيارًا.

ونقل الدماميني اطراد حذفها اختيارًا قبل أم المتصلة، لكثرته نظمًا ونثرًا، وذلك إن علم أمرها ولم يوقع حذفها في لبس، وفي ذلك يقول الناظم:

وربما أسقطت الهمزة إن

كان خفا المعنى بحذفها أمن

* "وربما" رب حرف تقيل، و"ما" زائدة كافة. "الهمزة" نائب فاعل أسقطت. "إن كان" شرط وفعله. "خفا" بالقصر، اسم كان. "المعنى" مضاف إليه. "بحذفها" متعلق بأمن الواقع خبرًا لكان، وجوب الشرط محذوف للعلم به من سابق الكلام.

ص: 202

والمنقطعةُ: هي الخاليةُ من ذلك

(1)

، ولا يُفَارقُهَا معنى الإضراب

(2)

، وقد تقتضي مع ذلك استفهامًا حقيقيًّا؛ نحو: إنها لإبلٌ أم شَاءٌ؛ أي: بل أهيَ شَاءٌ

(3)

. وإنما قَدَّرْنَا بعدها مبتدأً؛ لأنها لا تدخلُ على المفردِ

(4)

.

أو إنكاريًّا؛ كقوله - تعالى -: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} ؛ أي: بل أله البناتُ؟

(5)

. وقد لا

أي: قد تحذف الهمزة - سواء كانت همزة التسوية، أو الهمزة المغنية عن أي - إذا كان حذفها لا يؤدي إلى خفاء المعنى، والوقوع في اللبس. وتبقى "أم" متصلة كما كانت والهمزة موجودة. وقد تحذف "أم" مع معطوفها على قلة؛ كقول الشاعر:

دَعَانِي إِلَيْهَا القَلبُ إِنِّي لأمْرِهِ

سَمِيعٌ فَمَا أَدْري أَرُشْدٌ طِلَابُهَا

يريد: أرشد أم غي؟ وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل. ويجوز حذف المعطوف عليه، قبلها، كما سيأتي.

(1)

- أي من المذكور في المتصلة؛ فلا تتقدم عليها همزة التسوية، ولا همزة يطلب بها وبأم التعيين. وسميت منقطعة، وقد تسمى منفصلة؛ لأنها تقع غالبا بين جملتين مستقلتين في معناها، لكل معنى خاص يخالف معنى الأخرى، ولا يتوقف أداء أحدهما وتمامه على الآخر.

(2)

- المقصود بالإضراب هنا: إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه والانصراف عنه إلى ما بعدها، ويسمى هذا: الإضراب الإبطالي. وقد يراد الانتقال من غرض إلى آخر يخالفه، وحينئذ يسمى: الإضراب الانتقالي، وسيأتي زيادة إيضاح لذلك بعد.

(3)

- أخبر أولا بأنها إبل، ثم تحقق غير ذلك فأضرب عنه، مستفهما عن كونها شاء.

(4)

- لأنها غير عاطفة، بل هي بمعنى "بل" الابتدائية، وحرف الابتداء لا يدخل إلا على جملة، فـ "شاء" خبر لمبتدإ محذوف، وقيل تعطف المفرد بقلة.

(5)

- من الآية 39 من سورة الطور. ولا يصح أن تقدر هنا للإضراب المحض؛ لأن ذلك يجعل الكلام إخبارا بنسبة البنات إليه - تعالى - والله - سبحانه - منزه عن ذلك. وقد تفيد مع ذلك الوعيد؛ كقوله - تعالى -: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} ، من الآية 17 من سورة الملك والسخرية كقوله - سبحانه -:{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} . من الآية 79 من سورة الزخرف.

ص: 203

تقتضيه البتة

(1)

؛ نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}

(2)

؛ أي: بل هل تستوي؛ إذ لا يدخل استفهام على استفهام، وكقول الشاعر:

هنالك أم في جنة أم جهنم

(3)

(1)

أي: فتكون للخبر المحض.

(2)

من الآية 16 من سورة الرعد.

(3)

عجز بيت من الطويل، لعمر بن أبي ربيعة المخزومي، وصدره:

وليت سليمي في المنام ضجيعتي

وقبله:

ألا ليت أني يوم تقضى منيتي

لثمت الذي ما بين عينيك والفم

وليت طهوري كان ريقك كله

وليت حنوطي من مشاشك والدم

اللغة والإعراب: سليمى: اسم محبوبته. المنام: النوم. ضجيعتي. مشاركتي في المضجع، وهو كان الرقاد. "سليمى" اسم ليت. "في المنام" متعلق بضجيعتي الواقع خبرًا لليت. "هنالك" هنا اسم إشارة إلى مكان النوم، في محل نصب بضجيعتي، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب. "أم" حرف ابتداء بمعنى "بل" للإضراب. "في جنة" متعلق بمحذوف خبر ليت المحذوفة مع اسمها. "أم في جهنم" إعرابها كذلك.

المعنى: يتمنى أن تكون محبوبته سليمى معه، وضجيعته حيث ينام، ثم رأى أن ذلك غير متيسر فأضرب عنه، وتمنى أن كون ضجيعته في الجنة، ثم أضرب عن هذا لعدم يقينه من تحققه، وتمنى أن يكونا في جهنم معًا.

الشاهد: أن "أم" المنقطعة هنا تمخضت للإضراب بمعنى "بل"، ولا تدل على الاستفهام، ولا تقتضيه أصلًا؛ لأن الشاعر لا يريد الاستفهام؛ وإنما ساقه مساق التمني، ولهذا قدرنا بعدها جملة؛ لأن "أم" التي بمعنى "بل" لا يقع بعدها إلا الجمل، وفي "أم" المنقطعة يقول الناظم:

وبانقطاع وبمعنى "بل" وفت

إن تك مما قيدت به خلت

* "وبانقطاع وبمعنى" متعلقان بوفت. "بل" مقصود لفظه مضاف إليه. "وفت" فعل ماض، والفاعل يعود إلى أم،

ص: 204

إذ لا معنى للاستفهام.

وأما أو: فإنها بعد الطلب

(1)

للتخيير: تزوج زينب أو أختها. أو للإباحة

(2)

؛ نحو: جالس العلماء أو الزهاد.

والفرق بينهما: امتناع الجمع بين المتعاطفين في التخيير، وجوازه في الإباحة، وبعد

أي أن "أم" تكون منقطعة، ويترتب على ذلك أن تكون بمعنى "بل"، إذا خلت مما قيدت به في النوع السابق، وهو أن تسبقها همزة التسوية، أو همزة مغنية عن لفظ "أي"، فإذا خلت من هذا التقييد وفت بالانقطاع، وكانت مقيدة له، وقد تقع بعد أداة استفهام غير الهمزة، كقوله تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} . وجرى العلماء على تسميتها حرف عطف، والراجح أن "أم" المنقطعة ليست عاطفة؛ وإنما هي حرف ابتداء يفيد الإضراب، ولا يدخل إلا على الجمل. قيل: وقد تكون "أم زائدة" كما في قول ساعدة بن جؤية:

يا ليت شعري ولا منجى من الهرم

أم هل على العيش بعد الشيب من ندم

وهذا النوع مقصور على السماع؛ فلا يقاس عليه.

(1)

المراد بالطلب: الصيغة التي تدل على معنى الأمر، سواء كانت فعل الأمر أم لام الأمر الداخلة على المضارع، لأن الإباحة والتخيير لا يتأتيان في الاستفهام، ولا في باقي الأنواع الطلبية على الصحيح، ولا فرق بين الأمر الملفوظ والملحوظ؛ كقوله تعالى:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ؛ أي: فليفعل أي الثلاثة. الآية 196 من سورة البقرة.

(2)

التخيير: ترك المخاطب حرًّا في اختيار أحد المتعاطفين والاقتصار عليه، دون الجمع بينهما؛ لسبب يمنع الجمع، أما الإباحة فهي: حرية المخاطب في اختيار أحد المتعاطفين، أو اختيارهما معا، وله الجمع بينهما إذا أراد. والمراد: الإباحة بحسب العقل أو العرف، في وقت، وعند أي قوم لا الإباحة الشرعية.

والتاء للتأنيث. "إن تك" شرط وفعله، واسم تك يعود إلى أم أيضاً. "مما" متعلق بخلت، و"ما" موصولة، "قيدت به" قيدت فعل ماض للمجهول، وبه متعلق به. والجملة صلة ما. "خلت" الجملة في محل نصب خبرتك، وجواب الشرط محذوف مع فوات شرط حذفه؛ وهو: مضي الشرط، للضرورة.

ص: 205

الخبر للشك

(1)

؛ نحو: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}

(2)

. أو للإبهام

(3)

؛ نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}

(4)

، وللتفصيل نحو:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .

أو للتقسيم؛ نحو: الكملة اسم، أو فعل، أو حرف

(5)

.

وللإضراب عند الكوفيين وأبي علي. حكى الفراء؛ "اذهب إلى زيد، أو دع ذلك فلا تبرح اليوم"

(6)

.

(1)

المارد بالخبر: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته. والشك يكون من المتكلم في الحكم؛ لعدم اقتناعه بسبب تعارض الأدلة.

(2)

من الآية 19 من سورة الكهف.

(3)

أي من المتكلم على المخاطب والسامع؛ وذلك بأن يخفي المتكلم الحقيقة المعروفة له، ويكتمها عن المخاطب والسامع، رغبة في عدم إثارتهما أو إقلاقهما أو نحو ذلك.

(4)

الشاهد في "أو" الأولى، وقيل في الثانية، وقيل فيهما. والمعنى: وإن أحد الفريقين منا ومنكم لثابت له أحد الأمرين، في كونه على هدى، أو كونه في ضلال مبين. وجاء بالكلام في صورة الاحتمال، مع العلم بأن من وحد الله وعبده فهو على هدى، ومن عبد غيره فهو في ضلال، توطينًا للمخاطب؛ ليكون أكثر قبولا لما يلقى إليه.

(5)

قيل: الفرق بين التفصيل والتقسيم: أن الأول تبيين للأمور المجتمعة بلفظ واحد؛ فـ"أو" في الآية تفصيل للإجمال في الواو في "قالوا" العائدة على اليهود والنصارى، أي قالت اليهود: كونوا هودًا، وقالت النصارى: كونوا نصارى. أما التقسيم فهو: تبيين لما دخل تحت حقيقة واحدة؛ كمثال المصنف. ويرى المحققون ألا فرق بينهما، ولا ضرر من توحيد معناهما وجعلهما مترادفين، والمسألة اصطلاحية محضة.

(6)

فـ"أو" في المثال للإضراب بمعنى بل. ومنه قول الشاعر:

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

لولا رجاؤك قد قتلت أولادي

وهل هي حرف لمجرد الإضراب لا للعطف؛ فما بعدها جملة مستقلة، أو أنها مع إفادة الإضراب حرف عطف؛ فما بعدها معطوف على ما قبلها؟ رأيان، والأول أنسب. واشتراط سيبويه في مجيئها للإضراب: تقدم نفي أو نهي، وإعادة العامل معها؛ نحو: ما قام محمد، أو ما قام علي، ولا يخرج محمدًا، أو لا يخرج علي. والمراد: بل ما قام علي وبل لا يخرج علي.

ص: 206

وبمعنى الواو عند الكوفيين

(1)

، وذلك عند أمن اللبس كقوله:

ما بين ملجم مهره أو سافع

(2)

(1)

أي تكون للدلالة على الاشتراك ومطلق الجمع بين المتعاطفين، ويصح أن يحل محلها الواو. ووافق الكوفيين على ذلك: الجرمي، والأخفش.

(2)

عجز بيت من الكاملن لحميد بن ثور الهلالي، وصدره:

قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم

اللغة والإعراب: الصريخ: صوت المستصرخ المستغيث، ويطلق على المستغيث نفسه، وكلا المعنيين، يصلح هنا، وقد يطلق الصريخ على المغيث؛ قال تعالى:{فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} ؛ أي: لا مغيث. ملجم: جاعل اللجام في موضعه من الفرس. مهره: أصله الحصان الصغير، والمراد هنا: الحصان. سافع: قابض على ناصية فرسه. "قوم" خبر لمبتدأ محذوف. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "سمعوا" فعل الشرط وفالع. "رأيتهم" جواب الشرط. "ما بين" ما زائدة، و"بين" ظرف في موضع المفعول الثاني لرأيت. "ملجم مهره" مضاف إليه. "أو" عاطفة بمعنى الواو. "سافع" معطوف على ملجم.

المعنى: يصف القوم بالشجاعة والنجدة؛ فيقوم: إنهم إذا سمعوا استغاثة من أحد أسرعوا لإجابته ونجدته؛ فترى من يلجم فرسه، ومن يأخذ بناصية فرسه، حتى يحضر له غلام اللجام للإسراع في نجدة المستغيث

إلخ.

الشاهد: استعمال "أو" بمعنى الواو العاطفة؛ ذلك لأن "بين" لا تضاف إلا لمتعدد لفظًا ومعنى؛ فلو أبقيت "أو" على معناها -وهو أحد الشيئين أو الأشياء- لأضيفت "بين" إلى واحد، وهو غير سائغ في العربية، وفي معاني "أو" يقول الناظم:

خير أبح قسم بأو وأبهم

وأشكك وإضراب بها أيضًا نمي

وربما عاقبت الواو إذا

لم يلف ذو النطق للبس منفذًا

* "أبح قسم" أمران معطوفان على خبر بحذف العاطف. "بأو" جار ومجرور تنازعه الأفعال الثلاثة قبله. "وأبهم واشكك" معطوفان على خبر. "واضراب" مبتدأ. "بها" متعلق بإضراب. "أيضاً" مفعول مطلق لمحذوف. "نمي" فعل ماضي مبني للمجهول، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 207

وزعم أكثر النحويين: أن "إما" الثانية في الطلب والخبر؛ نحو: تزوج إما هنداً وإما أختها، وجاءني إما زيد وإما عمرو

(1)

؛ بمنزلة "أو" في العطف والمعنى

(2)

.

وقال أبو علي وابنا كيسان وبرهان

(3)

:

أي أن "أو" تؤدي هذه المعاني؛ وهي: التخيير، والإباحة، والتقسيم، والإبهام، والإضراب. وقد تعاقب الواو - أي تحل محلها وتؤدي معناها- إذا لم يجد المتكلم منفذًا للالتباس؛ أي ألا يكون استعمالها موقعا في اللبس. وعدم إدراك السامع أنها بمعنى الواو. وخلاصة ما تقدم من معاني "أو": أنها تكون للتخيير والإباحة بعد الأمر، وللشك والإبهام بعد الجمل الخبرية. أما التفصيل، والإضراب، ومعنى الواو؛ فتكون بعد الطلب وبعد الخبر. والأفضل في الإضراب: أن يسبقه نفي أو نهي، وأن يتكرر العامل معه. وهذه المعاني المسموعة خاضعة للسياق والقرائن لتبين نوع كل منها.

(1)

المثال الأول للطلب، والثاني للخبر.

(2)

فتكون حرف عطف بمعنى "أو"، وتكون للتخيير والإباحة إذا سبقت بكلام يشتمل على أمر، وللشك والإبهام إذا كانت مسبوقة بجملة خبرية، وللتفصيل بعد الخبر أو الطلب، نحو قوله تعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} ، الآية 3 من سورة والواو زائدة لازمه وانتصابهما على الحال، والعامل فيهما {هَدَيْنَاهُ} ولا تكون "إما" الثانية للإضراب، ولا بمعنى واو العطف؛ لأن "أو" مختصة بهما.

(3)

ابن برهان هو: أبو القاسم، عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي العكبري، نسبة إلى عكبرا، على دجلة فوق بغداد، كان عالمًا مجيدا للعربية واللغة والتاريخ وأيام العرب، وكان أول أمره منجمًا فصار نحويًا، وكان حنبليًا فصار حنفيًا متعصبًا لأبي حنيفة محترمًا بين أصحابه. وقد تصدر للتدريس ببغداد وأفاد كثيرًا. وكان في خلقه شدة على من يقرأ عليه، يقبل على الطلبة الغرباء، ويتكبر على أولاد الأغنياء، ديّنًا زاهدًا لا يعني بملبسه، ولا يضع على رأسه غطاء، ولولا هذا الشذوذ في أخلاقه وتعاليه على من يقرأ عليهم ويستمليهم لكانت له آثار باقية وكتب مروية؛ لعلمه وفضله وتبحره في النحو واللغة وتوفي في جمادى الآخرة سنة 456 هـ. وانظر ترجمة ابن كيسان في الجزء الأول، صفحة 247.

"وربما" رب حرف تقليل، و"ما" كافة. "عاقبت" الفاعل يعود إلى أو. "الواو" مفعول به. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "ذو" فاعل يلف. "النطق" مضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة إذا. "للبس" متعلق بـ"منفذًا". "منفذا" -أي طريقا- مفعول أول ليلف، والثاني محذوف، وكذلك جواب إذا.

ص: 208

هي مثلها في المعنى فقط

(1)

، ويؤيده قولهم: إنها مجامعة للواو لزوماً، والعاطف لا يدخل على العاطف، وأما قوله:

أيما إلى جنة أيما إلى نار

(2)

فشاذ، وكذلك فتح همزتها، وإبدال ميمها الأولى ياء

(3)

،

(1)

أي: وليست للعطف، وذكرها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه.

(2)

عجز بيت من البسيط، لسعد بن قرط، من أبيات له يهجو فيها أمه، وكان عاقًا شريرًا، وصدره.

يا ليتنا أمنا شالت نعامتها

اللغة والإعراب: شالت نعامتها: كناية من كنايات العرب، ومعناها: ماتت، وأصل شالت: ارتفعت، والنعامة، باطن القدم، ومن مات ترتفع رجلاه وتنخفض رأسه؛ فتظهر نعامته، وقيل النعامة هنا: النعش. أيما: لغة في "إما". "يا" حرف تنبيه أو نداء، والمنادى محذوف. "ليت" حرف تمن وما زائدة. "أمنا" أم اسم ليت، ونا مضاف إليه.

"شالت نعامتها" الجملة خبر لبيت. ويجوز أن تكون "ما" كافة، وأمنا بالرفع مبتدأ، وجملة شالت نعامتها خبر المبتدأ. "أيما" حرف للتفصيل. "إلى جنة" متعلق بشالت. "أيما" الثانية عاطفة، وقد جاءت بدون الواو شذوذاً، وهو الشاهد.

المعنى: يتمنى هذا الشاعر العاق لأمه، أن تكون أمه قد ماتت، وسيان عنده بعد ذلك أن يكون مصيرها الذهاب إلى الجنة أو إلى النار.

(3)

أي: شاذان أيضًا على سبيل الاجتماع؛ أما فتح همزتها وحده فلا شذوذ فيه؛ بل هو لغة لجماعة من العرب؛ منهم: تميم، وقيس، وفي "إما" يقول الناظم:

ومثل "أو" في القصد "إما" الثانية

في نحو "إما ذي وإما النائية

* "ومثل" أو "مثل خبر مقدم، و"أو" مضاف إليه. "في القصد" متعلق بمثل. "إما" مبتدأ مؤخر مقصود اللفظ.

"الثانية" نعت لها. "في نحو" متعلق بمثل أو بالثانية. "إما" حرف تفصيل. "ذي" اسم إشارة للمؤنثة مبتدأ، والخبر محذوف؛ أي: إما هذه لك مثلا. "وإما النائيه" عطف على ما قبله.

ص: 209

وأما لكن: فعاطفة خلافًا ليونس

(1)

؛ وإنما تعطف بشروط: إفراد معطوفها، وأن تسبق بنفي أو نهي، وألا تقترن بالواو؛ نحو: ما مررت برجل صالح لكن طالح، ونحو: لا يقم زيد لكن عمرو، وهي حرف ابتداء

(2)

، إن تلتها جملة كقوله:

إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره

لكن وقائعه في الحرب تنتظر

(3)

أي أن "إما" الثانية تفيد ما تفيده "أو" من المعاني؛ نحو: اقصد إما هذه الجهة وإما النائبة؛ أي الجهة البعيدة، وقد سكت المصنف والناظم عن "إما" الأولى؛ لأنه لا عمل لها في عطف أو غيره. ويرى بعض النحاة أن "إما" الثانية والأولى متشابهان في الحرفية، وفي تأدية المعاني المتقدمة، وأن كلام منهما ليس حرف عطف، أما الأولى؛ فلأنه ليس قبلها معطوف عليه، والثانية تقع دائماً بعد الواو العاطفة بلا فاصل، والعاطف لا يدخل على مثله، قيل: وهو رأي حسن يجدر الأخذ به.

وقد تحذف "إما" الثانية لوجود ما يغني عنها، والغالب أن يكون "وإلا"؛ تقول: إما أن يتكلم الإنسان بخير، وإلا فليسكت.

(1)

فإنها عنده مخففة من الثقيلة، ومعناها الاستدراك، وما بعدها معمول لمحذوف يدل عليه المذكور قبلها، وإذا ذكرت معها الواو فالعطف بالواو لا بها.

(2)

أي: واستدراك أيضا، وليست عاطفة، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبلها.

(3)

بيت من البسيط، من قصيدة لزهير بن أبي سلمى المزني، يمدح فيها الحارث بن ورقاء الصيداوي.

اللغة والإعراب: ورقاء: اسم رجل. بوادره: جمع بادرة، وهي ما يبدر من الإنسان عند الغضب. وقائعه: جمع وقيعة؛ وهي إنزال الشر بالأعداء. تنتظر: تخشى ويرتقب وقوعها. "ابن ورقاء" ابن اسم إن، ورقاء مضاف إليه. "لا تخشى بوارده" الجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر إن. "لكن" حرف ابتداء واستدراك. "وقائعه" مبتدأ ومضاف إليه. "في الحرب" متعلق بتنتظر، وجملة "تنتظر" خبر المبتدأ.

المعنى: إن هذا الرجل لا يخاف منه عند غضبه وحدته؛ لأنه يملك نفسه عند الغضب؛ فلا يغدر ولا يخون، لكن فتكه بأعدائه في الحرب يرتقب ويخشى منه.

الشاهد: مجيء "لكن" حرف ابتداء لا عطف؛ لأن الواقع بعدها جملة لا مفرد.

ص: 210

أو تلت واواً؛ نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} ؛ أي: ولكن كان رسول الله

(1)

. وليس المنصوب معطوفًا بالواو

(2)

؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب

(3)

. أو سبقت بإيجاب؛ نحو:

قام زيد لكن عمرو لم يقم

(4)

. ولا يجوز: "لكن عمرو على أنه معطوف

(5)

؛ خلافاً للكوفيين.

وأما بل: فيعطف بها بشرطين: إفراد معطوفها

(6)

، وأن تسبق بإيجاب، أو أمرٍ، أو نفي،

(1)

بين بهذا التقدير أنه إذا سبقتها الواو وجب أن تقع بعدها جملة تعطف بالواو على ما قبلها، وتكون "لكن" حرف استدراك وابتداء لا غير. "ورسول الله" خبر لكان المحذوفة، ومضاف إليه. من الآية 40 من سورة الأحزاب.

(2)

أي على أنه من عطف مفرد، وهو "رسول الله" على مفرد وهو "أنا أحد".

(3)

فإن المعطوف عليه؛ وهو "أبا أحد" منفي، والمعطوف؛ وهو "رسول الله" مثبت. أما عطف الجملتين بالواو، فيجوز تخالفهما نفيًا وإيجابًا؛ تقول: حضر محمد ولم يحضر علي.

(4)

فـ" لكن" هنا حرف استدراك وابتداء لا عاطفة، و"عمرو" مبتدأ، وجملة لم "يقم" خبر. وجملة المبتدأ والخبر مستقلة.

(5)

أي: وحده على زيد، لعدم تقدم نفي أو نهي.

ومما تقدم يتبين: أن "لكن" حرف استدراك دائما، وأنها لا تعطف إلا بالشروط الثلاثة المذكورة مجتمعة؛ فإن فقد منها شرط لم تكن عاطفة، ووجب دخولها على الجمل، وتكون حرف استدراك وابتداء معا. والاستدراك يستلزم أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها في الحكم. وبما أن ما قبلها يجب أن يكون منفيًا أو منهيًا عنه؛ فيكون كلام الذي بعدها مثبتا دائما.

(6)

ومعناه يختلف باختلاف ما قبله؛ من كلام مثبت، أو مشتمل على صيغة أمر، أو نفي، أو نهي، كما سيبين المصنف؛ فإن دخلت "بل" على جملة كانت حرف ابتداء، ومعناها الإضراب؛ إما الإيطالي؛ وهو الذي يقتضي نفي الحكم السابق، والقطع بأنه غير واقع؛ نحو قوله تعالى:{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُون} ، 26 من سورة الأنبياء؛ أي بل هم عباد؛ بناء على أن المضرب عنه المقول. أو الانتقالي؛ وهو: الذي يراد به الانتقال من غرض إلى غرض آخر، مع بقاء الحكم السابق، وعدم إلغائه؛ نحو: قوله سبحانه: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ، من الآية: 26 من سورة الأعلى.

ص: 211

أو نهي. ومعناها بعد الأولين سلب الحكم عما قبلها لما بعدها؛ كقام زيد بل عمرو، وليقم زيد بل عمرو

(1)

، وبعد الأخيرين تقرير حكم ما قبلها، وجعل ضده لما بعدها، كما أن "لكن" كذلك؛ كقولك:"ما كنت في منزل ربيع؛ بل في أرض لا يهتدي بها"

(2)

، و"لا يقم زيد بل عمرو. وأجاز المبرد كونها ناقلة معنى النفي والنهي لما بعدها؛ فيجوز على قوله: ما زيد قائما بل قاعداً، على مغني: بل ما هو قاعداً

(3)

.

(1)

فإن القيام في المثالين مسكوت عنه بالنسبة لزيد، وثابت لعمرو؛ فالواو هنا حرف عطف وإضراب انتقالي.

(2)

أي لم أكن في مكان مخصب أهل؛ بل كنت في قفر مجهول؛ فهنا تقرير لنفي الكون في منزل ربيع، وإثبات الكون في الأرض المجهولة. وفي المثال بعد: تقرير نهي زيد عن القيام. وأمر عمرو به. فـ"بل" في المثالين حرف عطف واستدراك.

وخلاصة ما تقدم: أن "بل" مع الخبر المثبت والأمر تفيد إزالة الحكم عما قبلها؛ بحيث يصير كالمسكوت عنه، وجعله لما بعدها. وبعد النفي والنهي تفيد تقرير ما قبلها وإثبات نقيضه لما بعدها. وفي حكم "بل" يقول الناظم:

و"بل" كـ"لكن" بعد مصحوبيها

كلم أكن في مربع بل تيها*

أي أن "بل" مثل "لكن" في أنها تقرر حكم ما قبلها وتتركه على حاله، وتثبت ضده لما بعدها، إذا كانت بعد نفي أو نهي، وهما المراد بقوله "بعد مصحوبيها". والمربع: المكان الخصيب الذي ينزل فيه القوم زمن الربيع خاصة. والتيها: الأرض الصحراء التي يتيه فيها المرء، ولا يهتدي إلى مقصده.

(3)

قيل: إن مثل هذا الاستعمال لم يسمع عن العرب؛ لأنه يلزم عليه أن "ما" لا تعمل في "قائمًا" شيئا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي في المعمول، وقد انتقل عنه. وقد أجيب بأن الانتقاض جاء بعد مضي العمل فلا يضر.

* "وبل" مبتدأ مقصود لفظه. "كلكن" جار ومجرور خبر. "بعد" ظرف متعلق بمحذوف حال من بل. "مصحوبيها" مضاف إليه. و"ها" عائدة إلى لكن. "في مربع" جار ومجرور خبر أكن. "بل" حرف عطف "تيها" بالقصر معطوف على مربع، وأصله: تيهاء.

ص: 212

ومذهب الجمهور: أنها لا تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها، إلا بعد الإيجاب والأمر؛ نحو: قام زيد بل عمرو، واضرب زيداً بل عمراً

(1)

.

وأما لا

(2)

: فيعطف بها بشروط:

إفراد معطوفها

(3)

، وأن تسبق بإيجاب أو أمر اتفاقاً، كـ"هذا زيد لا عمرو، و"اضرب زيدًا لا عمرًا". أو نداء، خلافاً لابن سعدان

(4)

؛ نحو: يا بن أخي لا ابن عمي.

(1)

فالقاثم والمأمور بضربه عمرو، أما "زيد" فمسكوت عنه، وإلى هذا الاستعمال يشير الناظم بقوله:

وانقل بها للثان حكم الأول

في الخبر المثبت والأمر الجلي

أي أن "بل" بعد الكلام الموجب، وبعد صيغة الأمر تفيد الإضراب عن الأول، ويصبح مسكوتًا عنه، وتنقل حكمه إلى الثاني.

هذا: ولا يجوز العطف ببل بعد الاستفهام؛ فلا يجوز: أحفظت خطبة بل قصيدة؟ وقد تقع "لا النافية قبلها، فإن كانت "بل" للإضراب، وليست للعطف، كان معنى "لا" تقوية الإضراب وتوكيده.

(2)

"لا" حرف عطف ونفي تفيد نفي الحكم عن المعطوف بعد ثبوته للمعطوف عليه.

(3)

أي ولو تأويلًا؛ فيجوز: قلت: محمد قائم لا محمد قاعد، ولا يعطف بها جملة لا محل لها من الإعراب، ويشترط في المفرد: ألا يكون صالحًا لأن يكون صفة لموصوف مذكور، أو يكون خبرًا، أو حالًا، فإن صلح لشيء من ذلك كانت "لا" للنفي المحض وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ نحو {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} ، 68 من سورة البقرة، محمد لا كاتب ولا شاعر، جاء سعيد لا راضيًا ولا ساخطًا، كما يشترط ألا تقترن بعاطف، وإلا كان العطف به. وهي لإفادة نفي ما قبلها؛ نحو: جاء محمد لا بل علي.

(4)

فإنه منع ذلك؛ زاعمًا أنه لم يسمع عن العرب. وابن سعدان هو: أبو جعفر محمد بن سعدان الضرير، كان من النحاة الكوفيين الموثوق بهم، عالمًا بالعربية والقراءة، وقد أخذها عن أهل مكة والمدينة وغيرها، وكان يقرأ بقراءة حمزة، وصنف كتابًا في النحو، وآخر في القراءات، وتوفي يوم عيد الأضحى سنة 231 هـ، وأنجب ولدًا اسمه إبراهيم، كان من أهل العلم والفضل.

* "بها للثان" متعلقان بانقل. "حكم الأول" حكم مفعول انقل، والأول مضاف إليه. "في الخبر" متعلق بانقل. "المثبت" صفة للخبر. "والأمر" معطوف على الخبر. و"الجلي" صفة للأمر.

ص: 213

وألا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر

(1)

، نص عليه السهيلي، وهو حق؛ فلا يجوز: جاءني رجل لا زيد، ويجوز: جاءني لا زيد، ويجوز: جاءني رجل لا امرأة. وقال الزجاجي: وألا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماض؛ فلا يجوز: جاءني لا زيد لا عمرو

(2)

، ويرده قوله:

عقاب تنوفى لا عقاب القواعل

(3)

(1)

أي لا يكون داخلًا في مدلوله، ولا معدودًا من أفراده التي يطلق عليها اسمه.

(2)

حجته: أن العامل يقدر بعد العاطف، ولا يصح أن يقال: لا جاء عمر، إلا على سبيل الدعاء.

(3)

عجز بيت من الطويل، لامرئ القيس الكندي، وصدره:

كأن دثاراً حلقت بلبونه

الغة والإعراب: دثار: اسم رجل كان راعيا لامرئ القيس؛ وهو: دثاء بن فقعس، أحد بني أسد. حلقت: ذهبت وارتفعت. بلبونه: اللبون: الإبل ذوات اللبن. عقاب: طائر معروف من الطيور الكواسر. تنوفي: اسم موضع مرتفع في جبال طيء، أغير على إبل امرئ القيس من ناحيته. القواعل: موضع دون تنوفى. "دثارًا" اسم كأن. "حلقت" الجملة خبرها. "عقاب تنوفى" عقاب فاعل حلقت، وتنوفى مضاف إليه. "لا" عاطفة. "عقاب القواعل". معطوف على عقاب تنوفي، ومضاف إليه.

المعنى: كأن هذا الراعي حين أغار عليه الأعداء، وشردت إبله بعيدًا قد طارت بإبله عقبان ذلك الجبل العظيم، وارتفعت بها فوقه؛ فهو لا يستطيع ردها، ولا الوصول إليها، لا عقبان هذا الجبل الصغير.

الشاهد: أن "لا" عطفت "عقاب العواقل" على "عقاب تنوفي" والمعطوف عليه معمول لفعل ماض؛ وهو "حلقت"؛ فهو رد على الزجاجي الذي يمنع ذلك.

وقد جمع الناظم حكم "لكن" المتقدمة، وحكم "لا" في بيت واحد؛ هو:

"بها للثان" متعلقان بانقل. "حكم الأول" حكم مفعول انقل، والأول مضاف إليه. "في الخبر" متعلق بانقل. "المثبت" صفة للخبر. "والأمر" معطوف على الخبر. و"الجلي" صفة للأمر.

ص: 214

فصل: يعطف على الظاهر، والضمير المنفصل، والضمير المنفصل، والضمير المتصل المنصوب، بلا شرط؛ كـ"قام زيد وعمرو، و"إياك والأسد"؛ ونحو: {جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ}

(1)

.

ولا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل، بارزًا كان، أو مستترًا، إلا بعد توكيده بضمير منفصل

(2)

؛ نحو: {لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} ، أو وجود فاصل، أي فاصل كان، بين المتبوع والتابع

(3)

؛ نحو: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ}

(4)

.

أو فصل بـ"لا" بين العاطف والمعطوف؛ نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}

(5)

.

وأول "لكن" نفياً أو نهيًا و"لا"

نداء أو أمرًا أو اثباتًا تلا*

أي اجعل "لكن" والية -أي واقعة- بعد نفي أو نهي، و"لا" تتبع نداء أو أمرًا أو إثباتًا، ولا تكون عاطفة إلا إذا وقعت بعد أحدها. وقد أوضح المصنف ما في البيت من قصور.

هذا: وقد أجاز بعض النحاة وقوع "لا" العاطفة بعد الدعاء والتحضيض؛ نحو: أطال الله عمرك لا عمر عدوك، هلا تكرم المجد لا الخامل. كما أجاز البعض وقوعها بعد الاستفهام؛ تقول: أفرغت من رسائل الطلبة لا الطالبات؟

(1)

{الأَوَّلِينَ} معطوف على "كم"، من الآية 38 من سورة المرسلات.

(2)

قيل في سبب ذلك: إن المتصل المرفوع كالجزء من عامله المتصل به لفظًا ومعنى؛ فالعطف عليه يكون كالعطف على جزء الكلمة؛ فإذا أكد دل على انفصاله؛ فحصل له نوع استقلال.

(3)

أبي بين المعطوف والمعطوف عليه.

(4)

فقوله: {وَمَنْ صَلَحَ} معطوف على الواو في {يَدْخُلُونَهَا} ، والفاصل بينهما "ها".

(5)

فقوله: {آبَاؤُنَا} معطوف على "نا" في {أَشْرَكْنَا} بالواو، و"لا" فاصلة بين العاطف والمعطوف، الآية 48 من سورة الأنعام.

* "وأول" فعل أمر من أولى يتعدى إلى مفعولين، والفاعل أنت. "لكن" مفعوله الأول". "نفيًا" مفعوله الثاني. "أو نيهًا" معطوف على نفيًا. "ولا" مبتدأ قصد لفظه. "نداء" مفعول مقدم لتلا. "أو أمرًا أو إثباتًا" معطوفان على نداء. "تلا" الجملة خبر المبتدأ؛ وهو "لا".

ص: 215

وقد اجتمع الفصلان في نحو: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ}

(1)

.

ويضعف بدون ذلك، كمررت برجل سواء والعدم

(2)

؛ أي مستوٍ هو والعدم. وهو فاش في الشعر؛ كقوله:

ما لم يكن وأب له لينالا

(3)

ولا يكثر العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض: حرفاً كان أو اسماً؛ نحو: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ} ،

(1)

فقد فصل بين {آبَاؤُكُمْ} المعطوف على الواو في {تَعْلَمُوا} بالتوكيد؛ وهو {أَنْتُمْ} . وفصل بين العاطف وهو الواو، و {آبَاؤُكُمْ} المعطوف بلا. 91 من سورة الأنعام.

(2)

أي: برفع "العدم" بالعطف على الضمير المستتر في "سواء"؛ لأنه مؤول بالمشتق؛ فيتحمل الضمير، وليس بينها فاصل. وهذه عبارة مأثورة عن بعض العرب.

(3)

عجز بيت من الكامل، لجرير الشاعر الأموي المشهور، من قصيدة يهجو فيها الأخطل التغلبي وقومه، وصدره:

ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

اللغة والإعراب: رجا: أمل من الرجاء؛ وهو الأمل في الحصول على الشيء.

الأخيطل: تصغير الأخطل. سفاهة رأيه: ضعف رأيه وفساده. "الأخيطل" فاعل رجا. "من" حرف جر للتعليل. "سفاهة رأيه" مجرور بمن ومضاف إليه. "ما" اسم موصول، أو نكرة مفعول رجا. "يكن" فعل مضارع نقاص مجزوم بلم. "وأب" معطوف على الضمير المستتر في يكن الواقع اسما لها، والعائد على الأخطل. "له" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لأب. "لينالا" اللام لام الجحود، و"ينالا" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد اللام، والألف للتثنية فاعل، والجملة خبر يكن.

المعنى: أن الأخطل يرجو ويتمنى؛ لخفته وضعف رأيه وعدم حصافته، ما لا يمكن أن يناله هو وأبوه من الآمال والأحلام، مما لم تجر العادة بأن ينال مثله.

الشاهد: عطف "أب" وهو اسم ظاهر، على اسم يكن المرفوع المستتر بغير تأكيد أو فاصل بينهما، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

ص: 216

{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ}

(1)

، وليس وفاقاً ليونس والأخفش والكوفيين

(2)

؛ بدليل قراءة ابن عباس، والحسن، وغيرهما:{تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ}

(3)

، وحكاية قطرب:"ما فيها غيره وفرسه"

(4)

.

وإن على ضمير رفع متصل

عطف فافصل بالضمير المنفصل

أو فاصل ما وبلا فصل يرد

في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد*

أي: إذا كان المعطوف عليه ضميرًا مرفوعًا متصلًا فافصل بالضمير المنفصل بين المتعاطفين، أو افصل بأي فاصل غير الضمير. وورد عدم الفصل كثيرًا في الشعر، وهو مع كثرته ضعيف، ويمكن القياس عليه شعرًا ما دام كثيرًا.

(1)

فقوله تعالى: {وَلِلأَرْضِ} معطوف على الهاء في {لَهَا} المجرور باللام، وأعيدت مع المعطوف. من الآية 11 من سورة فصلت، و {آبَائِكُ} معطوف على الكاف المجرور بإضافة "إله"، وقد أعيد المضاف مع المعطوف. من الآية 133 من سورة البقرة.

(2)

أي: لا يلزم إعادة الخافض عند هؤلاء، وتبعهم الناظم في ذلك.

(3)

أي بجر {الأَرْحَامِ} وعطفه على الضمير المجرور بالباء بدون إعادة الجار؛ أي: وبالأرحام.

(4)

بجر كلمة "وفرسه" بالعطف على الهاء المجرورة بإضافة "غير" إلهيا من غير إعادة الجار؛ وهو المضاف. وهذه العبارة قوله لبعض العرب.

وقطرب هو: أبو علي محمد بن المستنير البصري النحوي الملقب بقطرب. لازم سيبويه وأخذ عنه كثيراً، وكان يدلج إليه؛ فإذا خرج سيبويه سحرًا رآه على بابه؛ فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل، فلقب به. والقطرب: دويبة لا تستريح نهارها سعيًا.

* "وإن" شرطية. "على ضمير رفع" متعلق بعطفت ومضاف إليه. "متصل" صفة لضمير. "عطفت" فعل الشرط، والتاء فاعل. "فافصل" الفاء واقعة في جواب الشرط، ولكونه طلبًا دخلته الفاء.

"أو فاصل" معطوف على الضمير. "ما" اسم نكرة نعت لفاصل بمعنى: أي فاصل كان.

"وبلا فعل" بلا متعلق بيرد، والواو للاستئناف، و"لا" اسم بمعنى غير، وفصل مضاف إليه. "في النظم" متعلق بيرد أيضا. "فاشيًا" حال من فاعل يرد. "وضعفه" مفعول اعتقد مقدم، والهاء مضاف إليه.

ص: 217

قيل: ومنه {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

(1)

؛ إذ ليس العطف على "السبيل"؛ لأنه صلة المصدر

(2)

، وقد عطف عليه "كفر" ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته

(3)

.

وقد أخذ قطرب كذلك عن عيسى بن عمر، وجماعة من علماء البصرة. قيل أنه لم يكن ثقة في اللغة، وله تصانيف كثيرة؛ منها: العلل، والنحو، والأضداد، وإعراب القرآن. ومات سنة 206 هـ، وكان يقول الشعر قليلًا، ومن شعره:

لقد غرت الدنيا رجالا فأصبحوا

بمنزلة ما بعدها متحول

(1)

فقوله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} معطوف على الهاء في {بِهِ} من غير إعادة الجار. قال في المغني: والصواب أن {الْمَسْجِدِ} مجرور بباء محذوفة لدلالة ما قبلها عليها لا بالعطف، ومجموع الجار والمجرور معطوف على {بِهِ} 217 من سورة البقرة.

(2)

أي وهو {صَدَّ} لأنه متعلق به.

(3)

وذلك لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي؛ فلو عطف {الْمَسْجِدِ} على {سَبِيلِ} لكان من جملة معمولات {صَدَّ} ؛ لأن المعطوف على معمول المصدر من جملة معمولاته، وفي العطف على الضمير المخفوض يقول الناظم:

وعود خافض لدى عطف على

ضميرخفض لازمًا قد جعلا

وليس عندي لازمًا إذ قد أتى

في النثر والنظم الصحيح مثبتا*

* "وعود خافض" عود مبتدأ، وخافض مضاف إليه. "لدى عطف" لدى ظرف متعلق بعود، وعطف مضاف إليه. "على ضمير خفض" متعلق بعطف، و"خفض" مضاف إليه. "لازمًا" مفعول ثانٍ لجعلا مقدم. "قد جعلا" قد للتحقيق، وجعلا فعل ماض للمجهول. والألف للإطلاق، ونائب الفاعل يعود إلى "عود خافض"، والجملة خبر المبتدأ.

"عندي" متعلق بلازما الواقع خبرا لليس. "إذا" أداة تعليل. "أتى" فعل ماض، وفاعله يعود إلى العطف على الضمير المخفوض. "في النظم" متعلق "بمثبتا" حال من فاعل أتى.

ص: 218

ويعطف الفعل على الفعل

(1)

، بشرط اتحاد زمانيهما

(2)

؛ سواء اتحد نوعاهما؛ نحو: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} ، ونحو:{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}

(3)

، أم اختلفا؛ نحو:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}

(4)

، ونحو:{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا}

(5)

.

(1)

أي وحده من غير مرفوعه، وذلك من قبيل عطف المفردات بعضها على بعض؛ كما يعطف الاسم على نظيره عطف مفردات.

(2)

أي في الماضي، أو الحال، أو الاستقبال.

(3)

فقد عطف {تَتَّقُوا} ، على {تُؤْمِنُوا} ، و {يَسْأَلْكُمْ} ، على {يُؤْتِكُمُ} ، من عطف الشرط على الشرط، والجواب على الجواب؛ بدليل الجزم فيهما، وكلاهما فعل مضارع.

(4)

عطف {أَوْرَدَ} ، على {يَقْدُمُ} ، والأول ماض، ولكنه مستقبل المعنى؛ لأنه بمعنى يورد، والثاني مضارع.

(5)

عطف {يَجْعَلُ} ، -وهو مضارع- على {جَعَلَ} ، الماضي؛ لأنه في محل جزم، وهو مستقبل بسبب أداة الشرط الجازمة التي تستلزم أن يكون فعل زمن الشرط والجواب مستقبلا، ولا فرق في عطف الفعل على الفعل، بين أن يكون بالواو وبالفاء؛ كما مثل، أو بثم؛ كقوله تعالى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} ، كما أنه لا فرق بين أن يكون العطف قبل تمام الفائدة؛ كعطف الشرط على الشرط، أو بعد تمامها؛ كعطف الجواب على الجواب. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بعجز البيت الآتي، وصدره سيأتي في آخر الباب في موضوع آخر.

وعطفك الفعل على الفعل يصح

ويلاحظ: أن المصنف مثل للماضي والمضارع، ولم يمثل للأمر؛ وذلك لأن فعل الأمر،

* "وعطفك" عطف مبتدأ، وهو مصدر مضاف لفاعله؛ وهو الكاف، والواو للاستئناف. "الفعل" مفعوله. "على الفعل" جار ومجرور متعلق بعطف. "يصح" الجملة خبر المبتدأ.

ص: 219

ويعطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى

(1)

؛ نحو: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ}

(2)

؛ ونحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ}

(3)

، ويجوز العكس؛ كقوله:

أم صبي قد حبا أو دارج

(4)

بدون فاعله، لا يكون معطوفًا ولا معطوفًا عليه على الصحيح؛ لأنه لا يفارق فاعله لا لفظًا ولا تقديرًا. ويعرف عطف الفعل وحده على آخر كذلك، إذا نصب الفعلان أو جزمًا بغير تكرار الناصب أو الجازم. أما في حالة الرفع في المضارعين، فيجوز أن يكون من عطف المفرد أو الجملة، والقرينة هي التي توضح المراد.

(1)

هو الاسم المشتق العامل؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، والمصدر الصريح أيضاً، واسم الفعل في بعض أحواله.

(2)

{أَثَرْنَ} ، فعل ماض معطوف على المغيرات، وهي اسم فاعل مشبه للفعل؛ لأنه في تأويل: واللائي أغرن. واختلف في موضع {أَثَرْنَ} ، من الإعراب؛ فقيل: لا محل لها لعطفها على صلة أل وهي كذلك، وجرها بالعارية من أل، وقيل: هي في محل جر بالتبعية.

(3)

عطف {يَقْبِضْنَ} ؛ وهو مضارع، على {صَافَّاتٍ} ، وهو اسم فاعل؛ لأنها في معنى يصففن، ومعنى {صَّافَّاتِ}: ناشرات أجنحتهن في الجو، ومعنى {يَقْبِضْنَ}: يضممن الأجنحة إلى الأجسام. الآية 19 من سورة الملك.

(4)

عجز بيت من الرجز، لراجز اسمه جندب بن عمرو، يذكر امرأة الشماخ بن ضرار الغطفاني، شاعر معروف، وصدره:

يارب بيضاء من العواهج

وقبله:

يا ليتني علقت غير حارج

قبل الصباح ذات خلق بارج

اللغة والإعراب: بارج: حسن وجميل. العواهج: جمع عوهج؛ وهي في الأصل: الطويلة العنق من الظباء والنوق والنعام، والمراد هنا: المرأة التامة الخلق. حبا: زحف ومشى على عجزه. دارج: اسم فاعل، من درج الصبي إذا مشى هينا متقارب الخطو. "يا" للتنبيه. "بيضاء" مبتدأ مجرور برب لفظا في محل رفع. "من العواهج" جار ومجرور متعلق

ص: 220

وجعل منه الناظم: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} ، وقدر الزمخشري عطف {مُخْرِجُ} ، على {فَالِقُ}

(1)

.

بمحذوف صفة لبيضاء. "أم" بالجر، بدل أو عطف بيان لبيضاء باعتبار اللفظ، وبالرفع باعتبار المحل، أو خبر لمبتدأ محذوف. "صبي" مضاف إليه. "حبا" فعل ماض، والجملة صفة لصبي. "أو دراج" معطوف على حبا؛ لتأويله بدرج.

المعنى: يريد الشاعر امرأة تامة الخلق، تشبه الظباء في طول عنقها، ولا يكون معها غير صبي يحبو، أو قريب عهد بالمشي، لا يكاد يدرك؛ حتى لا ينم عن اتصاله بها.

الشاهد: عطف الاسم المشبه للفعل -وهو "دارج"- على الفعل؛ وهو "حبا"، وفي هذا الشاهد تسامح؛ لأن المعطوف عليه محل جملة "حبا"؛ لأنها صفة لنكرة، فهو من العطف على الجملة لا على الفعل.

وعليه يكون قوله: "أم صبي" بدلًا، أو عطف بيان من "ذات خلق بارج".

(1)

فيكون من عطف الاسم. من الآية 95 من سورة الأنعام، وفي عطف الفعل على الفعل، وعلى اسم يشبهه أو العكس، يقول الناظم:

واعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكسا استعمل تجده سهلا*

أي: اعطف الفعل على الاسم المشبه للفعل؛ كاسم الفاعل ونحوه، واستعمل العكس؛ وهو: أن تعطف الاسم على الفعل الواقع موقع الاسم تجد الأمر سهلا ومستساغًا.

هذا: ويجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها، كما يجوز عطف الجملة الفعلية على مثلها، بشرط اتفاقهما خبرًا أو إنشاء، ويمنع إن اختلفا في ذلك على الصحيح.

أما عطف الاسمية على الفعلية، والعكس، فجائز على الراجح، ومن الحكم المأثورة:"للباطل جولة ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها، وقد تعطف الجملة على المفرد أو العكس، إذا كانت الجملة في الحالتين مؤولة بالمفرد؛ كأن تكون نعتًا؛ أو خبرًا أو حالا، كقوله تعالى:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ؛ أي أو قائلين، وقوله تعالى:{وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ؛ فقاعدا معطوف على قوله: {لِجَنْبِهِ} .

* "على اسم" جار وجرور متعلق باعطف. "شبه فعل" شبه نعت لاسم. وفعل مضاف إليه، "فعلا" مفعول اعطف. "وعكسا" مفعول مقدم لاستعمل. "تجده" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر؛ وهو "استعمل"، والهاء مفعوله الأول. "سهلا" مفعوله الثاني.

ص: 221

فصل: تختص الفاء والواو بجواز حذفهما لدليل

(1)

، مثاله في الفاء:{أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} ؛ أي: فضرب فانبجست

(2)

، وهذا الفعل المحذوف معطوف على {أَوْحَيْنَا}

(3)

، ومثاله في الواو قوله:

فما كان بين الخير لو جاء سالمًا

أبو حجر إلا ليال قلائل

(4)

(1)

وتشاركهما في ذلك "أم" المتصلة؛ كقول الشاعر:

دعاني إليها القلب إني لأمره

سميع فما أدري أرشد طلابها

التقدير: أرشد طلابها أم غي؟ وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل.

(2)

أصله فضرب فانبجست، فتكون:{انْبَجَسَتْ} ، معطوفة على {فَضَرْبَ} ، المحذوفة.

(3)

أي: من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} ، وإنما لم يكن العطف على أوحينا؛ كما هي القاعدة من أن المعطوفات عليه ما قبله مما يقتضيه المعنى.

(4)

بيت من الطويل، من قصيدة للنابغة الذبياني، يرثي فيها أبا حجر النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني.

اللغة والإعراب: معاني المفردات واضحة. "فما" الفاء عاطفة، و"ما" نافية. "بين الخير" بين ظرف، والخير مضاف إليه. وهو متعلق بمحذوف، خبر كان مقدم .. "إلا" أداة حصر. "ليال" اسمها مؤخر، مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة. "قلائل" صفة ليال "لو" شرطية غير جازمة. "جاء" فعل الشرط. "أبو حجر" أبو فاعل جاء، وحجر مضاف إليه. "سالمًا" حال من أبو حجر، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام. وجملة الشرط وجوابه معترضة بين خبر كان واسمها.

المعنى: لم يكن بيني وبين ما كنت أرجو وأطمع فيه من خير ونعمة إلا مدة قليلة، لو سلم النعمان وجاء إلينا. ولكن القدر كان له بالمرصاد، فذهبت آمالي سدى.

ص: 222

أي بين الخير وبيني، وقولهم: راكب الناقة طليحان؛ أي: والناقة

(1)

.

وتختص الواو بجواز عطفها عاملاً قد حذف وبقي معموله؛ مرفوعاً كان؛ نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ؛ أي: وليسكن زوجك

(2)

.

أو منصوباً؛ نحو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} ، أي: وألفوا الإيمان.

أو مجرورًا؛ نحو: "ما كل سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة"؛ أي: ولا كل بيضاء

(3)

.

وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود في الكلام، لئلا يلزم في الأول رفع فعل الامر للاسم الظاهر

(4)

، وفي الثاني: كون الإيمان متبوًا؛ وإنما يتبوأ المنزل

(5)

. وفي الثالث: العطف على معمولي عاملين

(6)

. ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان مفعولًا معه؛ لعدم

الشاهد: حذف الواو ومعطوفها؛ وهو "وبيني"، والدليل على ذلك: أن كلمة "بين" يجب أن تضاف لمتعدد كما أسلفنا.

(1)

قول لبعض العربن ومعنى طليحان: متعبان ضعيفان. والدليل على المحذوف تثنية الخبر، ويقاس على هذا: كل مبتدأ مضاف، أخبر عنه بخبر مطابق في التثنية أو الجمع للمضاف مع المضاف إليه، من غير عطف.

(2)

{زَوْجُكَ} ، فاعل بفعل محذوف، معطوف على {اسْكُنْ} بالواو، من عطف فعل الأمر على الأمر، والآية بعده من عطف الجملة على الجملة.

(3)

"بيضاء" مجرور بمضاف محذوف، معطوف على "كل"، كما ذكر المصنف.

(4)

{زَوْجُكَ} ، فاعل بفعل محذوف، معطوف على {اسْكُنْ} ، المستتر لكان شريكه في عامله، والأمر لا يرفع الظاهر.

(5)

أي: لو جعل {الإِيمَانِ} ، معطوفًا على {الدَّارِ} ، لكان معمولا لتبوءوا، والتبوؤ معناه التهيؤ. وقيل: إنه يقال: تبوأ فلان الدار إذا لزمها، وعلى هذا يصح العطف، ولا يحتاج إلى تقدير عامل.

(6)

ذلك لأن "سوداء" معمول لـ"كل"، و"تمرة" معمول لـ"ما" فلو عطف بيضاء على سوداء، وشحمة على تمرة لزم ذلك المحذور، وهو غير جائز على الأصح عند الجمهور.

ص: 223

الفائدة في تقييد الأنصار

(1)

بمصاحبة الإيمان؛ إذ هو أمر معلوم، ويجوز حذف المعطوف عليه بالواو والفاء

(2)

؛ فالاول كقول بعضهم: وبك وأهلًا وسهلًا، جواباً لمن قال له: مرحباً، والتقدير: ومرحباً بك وأهلًا

(3)

، والثاني نحو:{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} ؛ أي أنهملكم فنضرب؟ ونحو: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ؛

(1)

في بعض النسخ: "المهاجرين" بدل الأنصار، وهو سهو؛ لأن الآية واردة في الأنصار، وفي مواضع الحذف السابقة يقول الناظم:

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو إذ لا لبس وهي انفردت

بعطف عامل مزال قد بقي

معموله دفعاً لوهم اتقي*

أي: أن الفاء قد تحذف مع معطوفها؛ وكذلك الواو، إذ دل على ذلك دليل ولم يحدث لبس. وتنفرد الواو من بين حروف العطف، بأنها تعطف عاملًا مزالًا؛ أي محذوفا بقي معموله، والذي يدعو لتقدير المحذوف دفع وهم لا يستقيم الأمر إلا بدفعه وإزالته.

هذا: وقد يحذف العاطف وحده، ولا يكون ذلك إلا في الواو، والفاء، وأو؛ فمثال الواو: قوله عليه السلام: "تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره"، ومثال الفاء: ذاكرت النحو بابا بابا، وادخلو المدرسة واحدا واحدا؛ أي باب فبابا، وواحدا فواحدا، ومثال "أو": أعط السائل قرشًا، قرشين، ثلاثة، أي قرشا، أو قرشين، أو ثلاثة.

(2)

ومثلهما: "أم" المتصلة، وذلك عند أمن اللبس في الجميع.

(3)

الجار والمجرور -وهو "بك"- متعلقان بكلمة "مرحبًا" المحذوفة، "وأهلا" الواو عاطفة، و"أهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة، عطف مفرد على مفرد؛ فالمعطوف عليه محذوف وهو محل الشاهد، و"سهلا" معطوف مرحبا المحذوفة، فالمعطوف عليه محذوف. وسيبويه يجعل "مرحبا" و"أهلا" منصوبين على المصدر.

"والفاء" مبتدأ. "قد تحذف" قد للتقليل، والجملة خبر المبتدأ، "مع" ظرف متعلق بحذف. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "عطفت" الجملة صلة. "والواو" مبتدأ والخبر محذوف؛ أي كذلك .. "إذا" ظرف متعلق بتحذف "لا" نافية للجنس. "لبس" اسمها، والخبر محذوف؛ أي موجود. "وهي" ضمير منفصل مبتدأ. "انفردت" الجملة خبر. "بعطف عامل" بعطف متعلق بانفردت، وعامل مضاف إليه. "مزال" -أي محذوف- نعت لعامل. "قد بقي معموله "الجملة نعت ثان لعامل. "دفعا" مفعول لأجله. "لوهم" متعلق به. "اتقى" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على وهم، والجملة في محل جر صفة لوهم.

ص: 224

أي: أعموا فلم يروا؟

(1)

.

ونظير هذه العبارة قول القائل: "وعليكم السلام"، جوابًا لمن قال:"السلام عليكم"؛ فالواو في الجواب لعطف كلام المتكلم المجيب على كلام المخاطب، مثلها في العبارة السابقة.

(1)

كل من جملتي "نَضْرِبُ"، و"لَمْ يَرَوْا" معطوف بالفاء على جملة محذوفة بينهما وبين الهمزة؛ لأن المعطوف عليه بالفاء خاص بالجمل، والهمزة في الموضعين في موضعها الأصلي، وهذا رأي الزمخشري ومن تبعه، واختاره المصنف. ويرى سيبويه والجمهور: أن الهمزة قدمت من تأخير؛ تنبيهًا على أصالتها في التصدير ومحلها الأصلي بعد الفاء؛ والأصل: فانضرب، فألم يروا. ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة قوله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} ؛ فإن التقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة

إلخ. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بصدر بيت سبق عجزه في موضوع آخر. صفحة 219؛ وهو:

وحذف متبوع بدا هنا استبح .... . . . . . . . . . . *

أي: استبح حذف معطوف عليه ظهر وذكر في هذا الموضع؛ وهو: العطف بالواو، والفاء، وأم.

تتمة:

أ- لا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف إليه، وما ورد من ذلك فهو شاذ يقتصر فيه على المسموع. ومنه قول الأحوص:

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السلام

ب- يجوز الفصل بين الواو ومعطوفها بظرف أو جار ومجرور، ومنه قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} ، ولا يجوز بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية.

ج- الأصل في عطف النسق المغايرة بين المتعاطفين؛ فلا يصح عطف الشيء على نفسه، وأجاز بعضهم ذلك إذا اختلف اللفظان لغرض بلاغي، أو لقصد التفسير والتوضيح،

* "وحذف متبوع" حذف مفعول استبح مقدم، ومتبوع مضاف إليه. "بدا هنا" بمعنى ظهر، فعل ماض، والجملة صفة لمتبوع، و"هنا" ظرف مكان متعلق باستبح أو ببدا.

ص: 225

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومنه قوله الشاعر:

وألفى قولها كذبًا ومينًا

د- الصحيح جواز عطف الخبر على الإنشاء، والجملة الاسمية على الفعلية، والعكس.

هـ- مما تنفرد به الواو عطف كلمة "أي" على مثلها؛ كقول الشاعر:

فلئن لقيتك خاليين لتعلمن

أيي وأيك فارس الأحزاب

و- لا يجوز العطف بـ"بل" الواقع بعد الاستفهام؛ فلا تقول: أقرأت كتابًا بل كتابين

ص: 226

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف عطف البيان، ووضح الفرق بينه وبين البدل بأمثلة من إنشائك.

2 عرف عطف النسق، واذكر حروفه، وما يدل عليه كل حرف، مع التوضيح.

3 تختص كل من الفاء والواو العاطفتين بأشياء، اذكر ما تختص به كل منهما، ووضح ذلك بأمثلة.

4 ما شروط العطف بحتى؟ وما حكم المجرور بعدها؟ اذكر أمثلة موضحة.

5 ما الفرق بين "أو"، "وإما" المعاني التي تأتي لها كل منهما؟ مثل لما تقول.

6 اشرح قول ابن مالك:

وأول "لكن" نفيا أو نهيا و"لا"

نداء أو أمرًا أو إثباتًا تلا

7 ما الفرق بين همزة التسوية وهمزة التعيين؟ اشرح معنى كل بأمثلة موضحة، ثم اذكر الفرق بين "أم" المتصلة والمنقطعة، مع التمثيل بأمثلة من عندك.

8 فيما يأتي شواهد في باب العطف، بين مواضع الشاهد، وحكمه في الإعراب:

قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} ، {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} ، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ} ، {أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} ، {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمُ ارْتَابُوا} ، {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ، {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} ، {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} .

ص: 227

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في الحديث.

"كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس"، "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".

إذا سيدنا منا مضى لسبيله

أقام عمود الدين آخر سيد

صبرت على ما كان بيني وبينه

وما يستوي حرب الأقارب والسلم

كيف أصبحت كيف أمسيت مما

يغرس الود في فؤاد الكريم

إن من ساد ثم ساد أبوه

ثم قد ساد قبل ذلك جده

أراك فلا أدري أهم هممته

وذو الهم قدمًا خاشع متضائل

نال الخلافة أو كانت له قدرًا

كما أتى ربه موسى على قدر

ذعرتم أجمعون ومن يليكم

برؤيتنا وكنا الظافرينا

فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيام من عجب

دعاني إليها القلب أني لأمره

سميع فما أدري أرشد طلابها

9 أعرب البيت الآتي، وبين ما فيه من شاهد، ثم اشرحه شرحًا أدبيًا:

إني مقسم ما ملكت فجاعل

أجراً لآخره ودنيا تنفع

10 يكثر في تعبير الفقهاء: "سواء كان كذا أو كذا"، ويقول بعض النحاة: إن هذا التعبير، خطأ، اشرح القول في ذلك، على ضوء ما بينا في موضعه.

11 ما الفرق بين التخيير والإباحة؟ وبعد أي صيغة يقعان؟ اذكر مثالين من إنشائك يلقيان الضوء على ما تذكر من فروق.

12 كيف تعطف على ما يأتي؟

أ- على الضمير المرفوع المتصل.

ب- على الضمير المخفوض، ثم وضح بأمثلة من عندك.

13 ما شرط عطف الفعل على الفعل؟ وضح ذلك بأمثلة من إنشائك.

14 متى تكون "بل" للإضراب؟ ومتى تتمخض للعطف؟ وما الفرق بين الإضراب الإبطالي والانتقالي؟ وضح ما تقول بأمثلة من عندك.

15 قد تعطف الجملة على المفرد، أو العكس، فمتى يكون ذلك؟ وضح ما تقول بأمثله.

ص: 228

‌باب البدل

(1)

:

وهو: التابع المقصود بالحكم

(2)

بلا واسطة

(3)

. فخرج بالفصل الأول

(4)

: النعت، والبيان، والتوكيد؛ فإنها مكملات للمقصود بالحكم

(5)

.

وأما النسق فثلاثة أنواع:

أحدها: ما ليس مقصوداً بالحكم

(6)

؛ كجاء زيد لا عمرو، وما جاء زيد بل عمرو، أو لكن عمرو، أما الأول فواضح؛ لأن الحكم السابق منفي عنه، وأما الآخران؛ فلأن الحكم السابق هو نفي المجيء، والمقصود به إنما هو الأول.

النوع الثاني: ما هو مقصود بالحكم هو وما قبله، فيصدق عليه أنه مقصود بالحكم، لا أنه المقصود

(7)

باب البدل:

(1)

معناه في اللغة: العوض وفي الاصطلاح: ما ذكره المصنف.

(2)

أي: الحكم المنسوب إلى متبوعه، إثباتاً أو نفياً.

(3)

أي: من غير واسطة لفظية؛ تتوسط وتذكر بين التابع والمتبوع. والمراد بالواسطة هنا: حرف العطف؛ لأن البدل من المجرور قد يكون بواسطة إعادة حرف الجر الداخل على المبدل منه؛ نحو قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} ، {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} .

(4)

أي: وهو المقصود بالحكم.

(5)

أي: وهو متبوعها إما بتخصيصه أو إيضاحه، أو رفع الاحتمال عنه، أو أي وجه من الوجوه التي سبقت في أبوابها. أما هي فليست مقصودة بالحكم.

(6)

وهو المعطوف "بلا" بعد الإيجاب، وبـ"بل" و"لكن" بعد النفي، كما مثل المصنف.

(7)

أي وحده؛ بل يشاركه في الحكم غيره أن يكون مقصوداً هو أيضا. أما عبارة "المقصود بالحكم" فتدل على أنه مقصود بالحكم وحده، ولا يشاركه غيره.

ص: 229

وذلك كالمعطوف بالواو

(1)

؛ نحو: جاء زيد وعمرو، وما جاء زيد ولا عمرو، وهذان النوعان خارجان بما خرج به النعت، والتوكيد، والبيان

(2)

.

النوع الثالث: ما هو مقصود بالحكم دون ما قبله، وهذا هو المعطوف بـ"بل" بعد الإثبات؛ نحو: جاءني زيد بل عمرو، وهذا النوع خارج بقولنا: بلا واسطة. وسلم الحد بذلك للبدل. وإذا تأملت ما ذكرته في تفسير هذا الحد، وما ذكره الناظم وابنه من قلدهما، علمت أنهم عن إصابة الغرض بمعزلٍ.

وأقسام البدل أربعة

(3)

:

(1)

أي: في حال الإثبات أو النفي، وقد مثل المصنف للحالتين.

(2)

أما الأول؛ فلأن المقصود بالحكم هو المتبوع، وأما الثاني؛ فلأن التابع ليس هو المقصود وحده بالحكم؛ وفي تعريف البدل يقول الناظم:

التابع المقصود بالحكم بلا

واسطة هو المسمى بدلًا*

والغرض من البدل: تقرير الحكم السابق وتقويته، بتعيين المراد وإيضاحه ورفع الاحتمال عنه؛ ذلك لأن الحكم ينسب للمتبوع أولًا، ثم يأتي بعده التابع؛ فكأن الحكم ذكر مرتين. ولهذا يقولون: إن البدل في حكم تكرير العامل، ولا يصح أن يتحد لفظ البدل والمبدل منه، إلا إذا أفاد الثاني زيادة بيان وإيضاح.

(3)

زاد بعض الناة نوعًا خامسًا سماه: بدل الكل من البعض، واستدل بأمثلة متعددة من الشعر العربي، وفي القرآن الكريم:{فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا، جَنَّاتِ عَدْنٍ} ؛ فجنات بدل "كل" من الجنة، وهي جمع والجنة مفرد، وقال الشاعر:

كأني غداة البين يوم تحملوا

لدى سمرات الحي ناقف حنظل

"فاليوم" بدل من "غداة"، مع أنه يشملها، وهي جزء منه، وسمرات: جمع سمرة؛ وهي شجرة الطلح. ناقف: جامع. وجامع الحنظل تدمع عيناه؛ فلهذا شبه به وعيناه تدمعان.

"التابع" مبتدأ أول. "المقصود" نعت له. "بالحكم" متعلق بالمقصود. "بلا" متعلق بالتابع أو بالمقصود. "واسطة" مضاف إليه. "هو المسمى" مبتدأ ثان وخبر، والجملة خبر المبتدأ الأول، وفي المسمى ضمير هو نائب فاعله، وهو المعمول الأول. "بدلًا مفعوله الثاني.

ص: 230

الأول: بدل كل من كل؛ وهو بدل الشيء مما هو طبق معناه

(1)

؛ نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ}

(2)

. وسماه الناظم: "البدل المطابق"؛ لوقوعه في اسم الله تعالى؛ نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} ، فيمن قرأ بالجر

(3)

؛ وإنما يطلق "كل" على ذي أجزاء، وذلك ممتنع هنا

(4)

.

والثاني: بدل بعض من كل، وهو: بدل الجزء من كله

(5)

: قليلا كان ذلك الجزء، أو مساوياً، أو أكثر؛ كأكلت الرغيف ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه، ولا بد من اتصاله بضمير يرجع على المبدل منه

(6)

؛ مذكور كالأمثلة المذكورة، وكقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا

(1)

أي: أن يكون الثاني مطابقًا ومساويًا للأول في المعنى تمام المطابقة، ويختلفان في اللفظ غالباً.

(2)

فـ {صِرَاطٍ} ، الثانية بدل كل من كل من الأولى، سورة الفاتحة.

(3)

فـ {اللَّهِ} ، بدل من {الْعَزِيزِ} ، بدل من مطابق، ولا يقال فيه بدل كل من كل؛ لما ذكره المصنف، وإن كانت هذه التسمية اصطلاحية، نقلت بعد التغليب على ما يدل على ذي أجزاء. من الآية 1، 2 من سورة إبراهيم.

(4)

لأن مسماه تعالى لا يقبل التجزئة.

(5)

ضابطه: أن يكون البدل جزءًا حقيقيًا من المبدل منه، وأن يصح الاستغناء عنه بالمبدل منه، ولا يفسد المعنى بحذفه.

(6)

أي ليربط البعض بكله. ويجب في هذا الضمير أن يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما، ولا فرق بين أن يتصل هذا الضمير بالبدل مباشرة، أو بلفظ آخر له صلة بالبدل؛ نحو: قابلت العائدين من القتال أربعة منهم. وقد يغني عن الضمير في إفادة الربط "أل" عند أمن اللبس؛ نحو: إذا رأيت والدك فقبله اليد؛ أي يده، وإلا في الاستثناء، إذا كان المبدل منه هو المستثنى منه في كلام تام؛ حيث يجوز في المستثنى النصب على الاستثناء، أو الإتباع على البدلية؛ نحو: ما نجح الطلاب إلا واحدا.

ص: 231

وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}

(1)

، أو مقدر كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ؛ أي: منهم

(2)

.

والثالث: بدل الاشتمال؛ وهو: بدل شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالًا بطريق الإجمال

(3)

؛ كأعجبني زيد علمه، أو حسنه، وسرق زيد ثوبه، أو فرسه

(4)

. وأمره في الضمير كأمر بدل البعض؛ فمثال المذكور ما تقدم من الأمثلة؛ وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}

(5)

.

(1)

{كَثِيرٌ} ، بدل من الواو الأولى في {عَمُوا} ، والثانية في {صَمُّوا} ، عائدة على {كَثِيرٌ} ؛ لأنه مقدم رتبة؛ إذ التقدير -والله أعلم- ثم عموا كثير منهم وصموا. والذي يحمل على ذلك أنه لو جعل بدلًا من الواوين معًا، لزم توارد عاملين على معمول واحد.

(2)

{مَنِ اسْتَطَاعَ} ، بدل من {النَّاسِ} ، والضمير العائد على المبدل منه مقدر، كما بين المصنف، وفيه أعاريب أخرى.

(3)

لتوضيح هذا التعريف نقول: إن بدل الاشتمال تابع يقصد به تعيين وتوضيح أمر في متبوعه، وهذا الأمر من الأمور العارضة الطارئة، التي ليست جزءًا أصيلًا من المتبوع، ويشتمل على هذا الأمر، ويدل عليه "العامل" في المبدل منه؛ ولكن بطريقة إجمالية؛ لأنه لا يليق نسبته إلى ذات المبدل منه.

ويرى ابن مالك أن المشتمل هو المبدل منه، وذهب الفارسي إلى أنه البدل. وما رآه المصنف من أن المشتمل هو "العامل" جدير بالاتباع. وهذا الاشتمال: قد يكون في أمر مكتسب؛ كالعلم، والكرم، والزهد، أو غيره مكتسب؛ ولكنه ملازم لصاحبه: كالحسن، أو غير ملازم؛ كالكلام. وقد يكون الاشتمال بطريق التبعية كالثوب، والفرس

إلخ.

(4)

فالعلم والحسن بدل اشتمال، وكلاهما يعين أمرًا عرضيًا في المتبوع؛ لأنه لا يدخل في تكوين الذات، ويشملهما الإعجاب إجمالًا، ولكن لا يناسب نسبته إلى ذات "زيد" التي هي عظم ولحم ودم؛ فيفهم أن المقصود نسبة الإعجاب إلى صفة من صفاته. وكذلك الثوب والفرس بدل اشتمال، ويقال فيهما ما ذكرنا؛ فالمقصود نسبة السرقة إلى شيء يتعلق بالمتبوع؛ فقد دل "العامل" على البدل بطريقة مجملة.

(5)

فـ {قِتَالِ} ، بدل اشتمال من {الشَّهْرَ} ، والرابط بينهما الهاء المجرورة بفي، وهي

ص: 232

ومثال المقدر قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ}

(1)

؛ أي: النار فيه، وقيل: الأصل "ناره" ثم نابت "أل" عن الضمير.

والرابع: البدل المباين

(2)

، وهو ثلاثة أقسام

(3)

؛ لأنه لا بد أن يكون مقصودًا كما تقدم في الحد.

ثم الأول

(4)

إن لم يكن مقصوداً البتة؛ ولكن سبق إليه اللسان؛ فهو بدل الغلط؛ أي بدل عن اللفظ الذي هو غلط، لا أن البدل نفسه هو الغلط، كما قد يتوهم. وإن كان مقصوداً؛ فإن تبين بعد ذكره فساد قصده، فبدل نسيان؛ أي بدل شيء ذكر نسياناً.

وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان، والنسيان متعلق بالجنان، والناظم وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما، فسموا النوعين بدل غلط

(5)

.

متصلة بما يتعلق بالبدل. من الآية 217 من سورة البقرة.

(1)

هذا بناء على أن {النَّارِ} ، بدل اشتمال من {الأُخْدُودِ}. والأخدود: الشق في الأرض. وأصحابه هم: أنطيانوس ملك الروم، وبختنصر ملك فارس. ويوسف ذو نواس ملك نجران؛ حفر كل منهم شقًا عظيمًا وملأه نارًا، وأمر بأن يلقى فيه كل من لم يكفر. و"أل" في {الأُخْدُودِ} ، للجنس؛ لأنها أخاديد، لا أخدود واحد. وبدل الاشتمال كبدل البعض، لا بد لصحته من صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه مع صحة المعنى عند حذفه؛ فمثل: أعجبني علي أخوه، بدل إضراب لا بد اشتمال؛ لعدم صحة الاستغناء عنه بالأول.

(2)

أي المغاير للمبدل منه.

(3)

لا بد في كل من الأقسام الثلاثة أن يكون البدل هو المقصود بالحكم، وهذا النوع بأقسامه الثلاثة لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمتبوع.

(4)

أي المبدل منه.

(5)

وقد أشار الناظم إلى أنواع البدل الأربعة المتقدمة بقوله:

مطابقًا أو بعضًا أو ما يشتمل

عليه يلفى أو كمعطوف ببل*

* "مطابقًا" مفعول ثان مقدم ليلفى. "أو بعضًا أو ما" معطوفان عليه، و"ما" اسم موصول واقعة على بدل.

ص: 233

وإن كان قصد كل واحد منهما صحيحًا

(1)

؛ فبدل الإضراب، ويسمى أيضًا:"بدل البداء"

(2)

. وقول الناظم: "خذ نبلًا مدًى، يحتمل الثلاثة، وذلك باختلاف التقادير؛

أي: يلفى البدل -أي يوجد- مطابقًا، أو بعضًا، أو شيئًا يشتمل على البدل اشتمالًا معنويًا - يريد العامل والمتبوع كما ذكرنا؛ أو كمعطوف بالحرف "بل"؛ وذلك هو البدل المباين؛ لأنه بأنواعه الثلاثة لا يخلو من الإضراب.

(1)

وذلك بأن ذكر المبدل منه قصدًا، ثم أضرب عنه وتركه، من غير أن يتعرض له بنفي أو إثبات.

(2)

بفتح الباء؛ أي الطور؛ سمي بذلك لأن المتكلم بدا له ذكره بعد ذكر الأول قصدًا، لسبب ما؛ كأن يكون ظهر له الصواب بعد خفائه عليه. وهذا النوع من البدل لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمتبوع، وكثيرًا ما يوقع في لبس؛ فالأحسن عدم استعماله، وإليه أشاره الناظم بقوله:

وذلًا للإضراب أعز إن قصداً صحب

ودون قصد غلط به سلب

كزره خالدًا وقبله اليدا

واعرفه حقه وخذ نبلًا مدى*

و"ذا" -أي هذا الذي يشبه "بل"- انسبه إلى الإضراب إن صحبه القصد من المتكلم. وإن لم يقصده المتكلم؛ فهو بدل جيء به ليسلب الغلط الذي حدث ويزيله. وقد مثل الناظم في البيت الثاني لأنواع البدل كلها، وذكر مثالًا للبدل المباين يحتمل أقسامه الثلاثة؛ وهيك الغلط، والإضراب، والنسيان. وإن كان لم يذكر في البيت الأول سوى نوعين؛ هما: الغلط والإضراب. وقد تكفل المصنف بإيضاح ذلك.

و"خالد" اسم رجل، وهو بدل مطابق من الهاء في "زره" و"اليدا" بدل بعض من الهاء في "قبله"؛ أي يده، أو اليد منه، و"حقه بدل اشتمال من الهاء في "اعرفه". و"مدى" بدل مباين؛ غلط، أو نسيان، أو إضراب، من "نبلا".

* "يشتمل" الجملة صلة ما. "عليه" متعلق بما بيشتمل، والضمير في يشتمل يعود إلى البدل، وفي "عليه" إلى المبدل منه، ويجوز العكس؛ على أن المشتمل هو البدل أو المبدل منه. "يُلفَى" مضارع للمجهول، ونائب الفاعل هو المفعول الأول. "أو" عاطفة. "كمعطوف" الكاف اسم بمعنى مثل، معطوف على "ما يشتمل"، و"معطوف" مضاف إليه. "ببل" جار ومجرور متعلق بمعطوف.

"وذا" اسم إشارة مفعول مقدم لاعز، والإشارة إلى مثل المعطوف ببل. "للاضراب" متعلق باعز. "إن" شرطية.

ص: 234

وذلك لأن النبل: اسم جمع للسهم، والمدى: جمع مدية؛ وهي السكين. فإن كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المدى؛ فسبقه لسانه إلى النبل؛ فبدل غلط. وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل، ثم تبين له فساد تلك الإرادة، وأن الصواب الأمر بأخذ المدى، فبدل نسيان، وإن كان أراد الأول، ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى، وجعل الأول في حكم المتروك، فبدل إضراب وبداءٍ. والأحسن فيهن أن يؤتى ببل

(1)

.

(1)

لئلا يتوهم أن "مدى" صفة لنبل. والمعنى: نبلًا حادًا. وإذا أتي بـ"بل" خرج عن كونه بدلًا، وصار عطف نسق.

تتمة:

أ- لا يلزم موافقة البدل لمتبوعه في التعريف والتنكير؛ فقد يكونان معرفتين؛ كقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} ، بجر كلمة:{اللَّهِ} ، على أنها بدل من {الْعَزِيزِ} ، وقد يكونان نكرتين، كقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} . وقد تبدل المعرفة من النكرة؛ نحو: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} . والعكس كقوله سبحانه: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} ، سورة العلق.

ب- أما الإفراد والتذكير وفروعهما؛ فإن كان بدل "كل" طابق متبوعه فيها، ما لم يمنع مانع من التثنية أو الجمع؛ كأن يكون أحدهما مصدرًا لا يثنى ولا يجمع، كالمصدر الميمي في الآية السابقة:{مَفَازًا، حَدَائِقَ} ، أو قصد التفضيل؛ كقول الشاعر:

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزمان فشلت

أما غيره من أنواع البدل فلا يلزم موافقته فيها.

"قصدا" مفعول مقدم لصاحب الواقع فعلا للشرط، والجواب محذوف يفهم مما قبله. "ودون قصد" دون ظرف متعلق بمحذوف يدل عليه صحب، وقصد مضاف إليه؛ أي وإن وقع دون قصد. "غلظ" خبر لمبتدأ محذوف على حذف مضاف؛ أي فهو بدل غلط. "به" متعلق بسلب الواقع صفة، ونائب فاعله يعود إلى الحكم المفهوم من السابق.

"خالدًا" بدل مطابق في الهاء في زره. "اليدا" بدل بعض من الهاء في قبله، والعائد محذوف؛ أي منه. "حقه" بدل اشتمال من الهاء في أعرفه. "مدى" بدل إضرب من "نبلا".

ص: 235

فصل: يبدل الظاهر من الظاهر كما تقدم. ولا يبدل المضمر من المضمر

(1)

؛ ونحو: قمت أنت، ومررت بك أنت، توكيد اتفاقًا، وكذلك نحو: رأيتك إياك، عند الكوفيين، والناظم

(2)

. ولا يبدل مضمر من ظاهر، ونحو: رأيت يدًا إياه، من وضع النحويين وليس بمسموع.

ويجوز عكسه مطلقًا

(3)

؛ إن كان الضمير لغائب؛ نحو: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} ؛ في أحد الأوجه

(4)

.

جـ- إذا اجتمعت التوابع كلها أو عدد منها، قدم النعت، ويليه عطف البيان؛ فالتوكيد فالبدل، فعطف النسق؛ كما قيل:

قدم النعت فالبيان فأكد

ثم أبدل واختم بعطف الحروف

(1)

العلة في ذلك: عدم الورود عن العرب.

(2)

لأنه لا فرق عندهم في تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، بين المرفوع وغيره، وذهب البصريون إلى أنه بدل؛ لما ثبت عن العرب، كما نقل عن سيبويه وتلقاه من بعده بالقول أنها إذا أرادت البدلية وافقت بين التابع والمتبوع، فقالت: جئت أنت، ورأيتك إياك، وممرت به به؛ فيتحد لفظ التوكيد والبدل في المرفوع، ويختلف في غيره. وذهب الكوفيون إلى أن الضمير الثاني في حالتي النصب والجر توكيد للأول، كما هو في حالة الرفع، ولو كان موافقا له؛ نحو: رأيتك إياك، ومررت بك بك، وبهذا أخذ ابن مالك.

(3)

أي يجوز إبدال الظاهر من الضمير؛ سواء في ذلك بدل الكل، أو الاشتمال، أو المباينة.

(4)

هو: إبدال {الَّذِين} ، من الواو في {أَسَرُّوا} ، بدل كل من كل، وقيل:{الَّذِين} ، فاعل أسروا، والواو حرف دال على الجمع لا ضمير، وهي لغة أكلوني البراغيث، وقيل:{الَّذِينَ ظَلَمُوا} ، مبتدأ مؤخر، {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} ، خبر مقدم. من الآية 3 من سورة الأنبياء.

ومثال بدل البعض: محمد أوثقته يديه، والاشتمال: على استحيائه عقله، والغلط: إبراهيم ضربته فرسه.

ص: 236

أو كان لحاضر

(1)

؛ بشرط أن يكون بدل بعض؛ كأعجبتني وجهك

(2)

، وقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}

(3)

.

أو بدل اشتمال؛ كأعجبتني كلامك

(4)

، وقول الشاعر:

بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا

(5)

(1)

سواء كان لمتكم أو مخاطب.

(2)

"وجهك" بدل مرفوع من تاء المخاطب، بدل بعض من كل.

(3)

فـ"مَنْ" الموصولة المجرورة باللام في "لِمَنْ"، بدل من ضمير "لَكُمْ"، وأعيدت اللام مع البدل للفصل والتوكيد، وهذه الإعادة جائزة لا واجبة، والجر بها، لا باللام الأولى، ولا بأخرى مقدرة على الأصح. من الآية 21 من سورة الأحزاب.

(4)

"كلامك" بالرفع، بدل اشتمال من تاء المخاطب.

(5)

صدر بيت من الطويل، للنابغة الجعدي، من قصيدة أنشدها بين يدي حضرة الرسول عليه السلام وعجزه:

وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

اللغة والإعراب: بلغنا السماء: وصلنا إليها، وهو كناية عن علو المنزلة، مجدنا: المجد كرم الآباء. سناؤنا: السناء الشرف والرفعة. "السماء" مفعول بلغنا. "مجدنا" مجد بدل اشتمال من ضمير المتكلم في "بلغنا" الواقع فاعلًا، والضمير مضاف إليه. "وسناؤنا" معطوف على مجدنا. "لنرجو" اللام للتوكيد وجملة نرجو خبر إن. "فوق" ظرف مكان متعلق بمحذوف حال من مظهرا. "ذلك" مضاف إليه. "مظهرًا" مفعول نرجو؛ وهو مصدر ميمي أو اسم مكان، معناه المصعد. قيل: ولا يبعد أنه مكان في الجنة.

المعنى: يصف قومه بأنهم قد بلغوا الغاية التي يرجوها المؤمل؛ من ارتفاع القدر، وسمو المنزلة، وهم مع ذلك يرقبون منزلة أعلى، قيل إنه لما أنشد هذا بين يدي الرسول قال له:"إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ " فقال: إلى الجنة بك يا رسول الله، فقال الرسول:"أجل، إن شاء الله".

ص: 237

أو بدل كل مفيد للإحاطة؛ نحو: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}

(1)

. ويمتنع إن لم يفدها خلافاً للأخفش؛ فإنه أجاز: رأيتك زيداً، ورأيتني عمراً

(2)

.

الشاهد: إبدال "مجدنا، وسناؤنا" بدل اشتمال من ضمير المتكلم البارز الواقع فاعلا في بلغنا.

(1)

فـ {أَوَّلِنَا} ، و {آخِرِنَا} ، بدل كل من الضمير "نا" المجرور باللام؛ ولهذا أعيدت اللام جوازًا مع البدل؛ مجاراة للمبدل منه، وهو مفيد للإحاطة والشمول؛ لأن المراد بـ {أَوَّلِنَا} ، {وَآخِرِنَا} ، جميعنا على عادة العرب؛ من ذكر طرفي الشيء، وإرادة جميعه؛ كقوله تعالى:{بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ؛ أي في كل وقت.

وقد اقتصر الناظم في الحالات السابقة، على إبدال الظاهر من ضمير الحاضر فقال:

ومن ضمير الحاضر الظاهر لا

تبدله إلا ما إحاطة جلا

أو اقتضى بعضاً أو اشتمالًا

كإنك ابتهاجك استمالا*

أي: لا تبدل الظاهر من ضمير، إلا إذا أظهر البدل إحاطة؛ أي دل عليها؛ بكونه بدل كل من كل. أو اقتضى بعضا؛ بأن دل على البعضية، أو دل على اشتمال، كقولك: إنك ابتهاجك استمال الليك القلوب وجذبها نحوك.

(2)

أيك على أن "زيدا" و"عمرا"، بدلان من الكاف والياء المنصوبين محلا في رأيتك ورأيتني. ووجه الامتناع، إن لم يفد الإحاطة، عدم الفائدة حينئذ، وينبغي أن يفيد البدل ما لم يفده المبدل منه.

* "ومن ضمير" جار ومجرور متعلق بتبدله. "الحاضر" مضاف إليه. "الظاهر" مفعول لفعل محذوف يفسره تبدله. "لا" ناهية. "تبدله" فعل مضارع مجزوم بلا، والهاء مفعوله تعود إلى الظاهر. "إلا" أداة استثناء. "ما" اسم موصول مستثنى مبني على السكون في محل نصب. "إحاطة" مفعول جلا مقدم، وجملة "جلا" صلة الموصول. "أو اقتضى" معطوف على جلا، والفاعل يعود على البدل. "بعضا" مفعوله. "أو اشتمالًا" معطوف على بعضا. "كإنك" الكاف جارة لقول محذوف. "ابتهاجك" بدل اشتمال من الكاف في إنك الواقع اسما لإن، والكاف مضاف إليه. "استمالا" فعل ماض والفاعل يعود على ابتهاجك، والألف للإطلاق، والجملة خبر إن، أي إن فرحك استمال القلوب إليك.

ص: 238

فصل: يبدل كل من الاسم والفعل والجملة من مثله

(1)

؛ فالاسم كما تقدم، والفعل

(1)

ويرى بعض النحاة جواز إبدال الفعل من اسم يشبهه، والعكس؛ كما جاز في العطف؛ تقول: محمد متق يخاف ربه، ومحمد يخاف ربه متق.

وقيل: إن هذا خبر بعد خبر.

ص: 238

كقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ}

(2)

. والجملة كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ}

(3)

.

وقد تبدل الجملة من المفرد؛ كقوله:

(2)

فالفعل "يُضَاعَفْ" بدل اشتمال من "يَلْقَ"؛ لأن لقي الآثام يستلزم مضاعفة العذاب. وقيل: بدل كل من كل؛ لأن مضاعفة العذاب هي لقي الآثام، ويشترط اتحاد الفعلين في الزمان دون النوع كما في العطف؛ فيجوز: إن جئتني تحسن إلي أكرمك. ولا يبدل الفعل من الفعل بدل بعض، ولا بدلًا مباينًا، وأجازهما بعض النحاة، ومثلوا للأول بقولهمك إن تصل تسجد لله يرحمك؛ فـ"تسجد" بدل بعض من "تصل"، وللثاني بنحو: إن تطعم الفقير تكسه تثب؛ فـ"تكسه" مباين من "تطعم"، والذي يدل على أن البد فيما سبق هو الفعل وحده، لا الجملة، مشاركة الفعل التابع لمتبوعه في نصبه أو جزمه؛ فهو من قبيل بدل المفرد، وفي بدل الفعل من الفعل يقول الناظم في إجمال:

ويبدل الفعل من الفعل كـ"من

يصل إلينا يستعين بنا يعن"*

"فيستعين بنا" بدل اشتمال من "يصل إلينا".

(3)

جملة "أَمَدَّكُمْ" الثانية بدل بعض من كل من "أَمَدَّكُمْ" الأولى لأنها أخص منها؛ لأن "مَا تَعْلَمُونَ" يشمل الأنعام وغيرها. من الآيتين 132، 133 من سورة الشعراء. وتبدل الجملة من الجملة بدل اشتمال كقوله:

أقول له أرحل لا تقيمن عندنا

وإلا فكن في السر والجهر مسلماً

فجملة "لا تقيمن" بدل اشتمال من جملة "ارحل"؛ إذ يلزم من الرحيل عدم الإقامة.

أما إبدال الجملة من الجملة بدل كل؛ فمنعه البعض، وأجازه آخرون بشرط أن تكون الجملة الثانية أدل من الأولى على بيان المراد؛ نحو: اقطع عنقود العنب اقطعه.

ولا يحتاج هذا النوع من البدل إلى ضمير يعود على المبدل منه؛ لتعذر عودته على الفعل أو على الجملة.

* "الفعل" نائب فاعل يبدل. "من الفعل" متعلق بيبدل. "كمن" الكاف جارة لقول محذوف، و"من" اسم شرط جازم مبتدأ. "يصل" فعل الشرط مجزوم بمن. "إلينا" متعلق به. "يستعن" فعل مضارع، بدل اشتمال من يصل، "يعن" بالبناء للمجهول، جواب الشرط، وجملتا الشرط وجوابه خبر المبتدأ.

ص: 239

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة

وبالشام أخرى كيف يلتقيان

(1)

أبدل "كيف يلتقيان" من "حاجة" و"أخرى"؛ أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما.

(1)

بيت من الطويل، ينسب للفرزدق الشاعر المشهور، يشكو من تفرق حاجاته وأغراضه وتباعد ما بينها، وأنه موزع القلب مشتت البال، وبعده:

سأعمل نص العيش حتى يكفني

غنى المال يوماً أو غنى الحدثان

اللغة والإعراب: معاني المفردات واضحة. "إلى الله" متعلق بأشكو. "بالمدينة" متعلق بمحذوف، حال من "حاجة" تقدمت عليها. "حاجة" مفعول أشكو. "وبالشام" معطوف على الجار والمجرور. "أخرى" معطوف على حاجة، وهما معمولان لأشكو. "كيف" اسم استفهام، حال تقدمت على صاحبها وعاملها. "يلتقيان" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل، والجملة بدل اشتمال من حاجة وأخرى.

والشاهد: إبدال جملة "كيف يلتقيان" من المفرد -وهو حاجة وأخرى- بدل كل، وسوغ ذلك أن الجملة في التقدير بمنزلة المفرد، كما بين المصنف، والذي ذهب إليه المصنف رأي ابن جني ومن جاء بعده. وقال الدماميني: يحتمل أن يكون "كيف يلتقيان" جملة مستأنفة؛ أريد بها التنبيه على سبب الشكوى؛ وهو استبعاد اجتماع هاتين الحالتين.

وقد يبدل المفرد من الجملة، كقوله تعالى:{وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّمًا} ، فكلمة {قَيِّمًا} بدل من جملة {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} ؛ لأنها في معنى المفرد أي جعله مستقيمًا.

ص: 240

فصل: وإذا أبدل اسم من اسم مضمن معنى حرف استفهام، أو حرف شرط، ذكر ذلك الحرف مع البدل

(1)

؛ فالأول كقولك: كم مالك؟ أعشرون أم ثلاثون؟ ومن

(1)

وذلك ليوافق البدل المبد منه في تأدية المعنى، وهذا بشرط ألا يظهر حرف الاستفهام مع المبدل منه، فإن ظهر فلا يلي البدل ذلك، ومعنى تضمنه معنى همزة الاستفهام: أنه استفهام يؤدي معنى الهمزة، وهذا الاستفهام عام مجمل، وما بعد الهمزة من البدل. فرد

ص: 240

رأيت؟ أزيدًا أم عمرًا؟ وما صنعت؟ أخيراً أم شرًا؟

(1)

والثاني نحو: من قيم، إن زيد وإن عمرو، أقم معه، وما تصنع، إن خيرًا وإن شرًا، تجز به، ومتى تسافر، إن غدًا وإن بعد غدٍ، أسافر معك

(2)

.

يدخل ضمنًا في اسم الاستفهام المبدل منه، وكذلك يقال في الشرط.

(1)

فـ"عشرون" وما عطف عليه بدل تفصيل من "كم"، و"زيدا" وما عطف عليه بدل من "من"، و"خيرا" وما عطف عليه بدل من "ما". وقرن الجميع بالهمزة؛ لتضمن المبدل منه معنى الاستفهام. وتكرير الأمثلة، لأن الاستفهام الذي يتضمنه المتبوع قد يكون عن الكمية؛ أي المقدار، أو عن تعيين الذات، أو عن معنى من المعاني.

(2)

فزيد وعمر وبدلان من "من" بدل تفصيل، وخيرًا وشرًا بدلًا من "ما" الشرطية. وغدًا وبعد غد بدلًا من "متى"، وقرنت كلها بإن لتضمن المبدل منه معنى الشرط. وكرر الأمثلة؛ لان الشرط الذي يتضمنه المتبوع قد يكون للعاقل أو غيره، وللزمان وللمكان، وقد اقتصر الناظم على الكلام على البدل ممن ضمن الاستفهام؛ فقال:

وبدل المضمن الهمز يلي

همزاً كـ"من ذا" أسعيد أم علي*

أي أن البدل من المضمن همزة الاستفهام لابد أن تسبقه الهمزة كالمثال الذي ذكره.

* "وبدل" مبتدأ، والواو للاستئناف. "المضمن" اسم مفعول مضاف إليه، ونائب فاعل ضمير مستتر هو المفعول الأول. "الهمز" مفعول ثان له. "يلي همزا" الجملة خبر المبتدأ. "كمن" الكاف جارة لقول محذوف، و"من" استفهامية مبتدأ. "ذا" اسم إشارة، خبر. "أسعيد" الهمزة للاستفهام، و"سعيد" بدل من "من". "أم علي "معطوف على سعيد.

ص: 241

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف البدل، واذكر أنواعه، ومثل لكل، وبين كيف يبدل من المجررو؟

2 ما الذي يشترط في كلنوع من أنواع البدل؟ ولماذا؟

3 ما شرط الإبدال من الضمير؟ وكيف تبدل مما ضمن معنى الاستفهام، أو الشرط؟

4 اذكر أقسام البدل المباين، وبين الفرق بينهما، موضحًا ذلك بأمثلة من عندك.

5 اشرح قول ابن مالك:

واعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكساً استعمل تجده سهلا

وما رأي النحاة في عطف الجملة على الجملة؟ اشرح ذلك. وهل يشترط فيه شيء؟

6 فيما يأتي شواهد لأنواع البدل ومسائله، وما يتعين كونه عطف بيان أو بدل، وما يجوز فيه الأمران، بين موضع الشاهد، وأعربه:

قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} ، {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} ، {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} ، {وَمَا أَنْسَانِي إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} ، {مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} ، {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} ، {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} .

قال عليه السلام: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"

إلخ. وقال: "اجتنبوا السبع الموبقات، الشرك بالله، والسحر .... " إلخ.

إن النجوم نجوم الأفق أصغرها

في العين أذهبها في الجو إصعادا

ذريني إن أمرك لن يطاعا

وما ألفيتني حلمي مضاعا

رحم الله أعظمًا دفنوها

بسجستان طلحة الطلحات

أداوي جحود القلب بالبر والتقى

ولا يستوي القلبان قاس وراحم

أقول له أرحل لا تقيمن عندنا

وإلا فكن في السر والجهر مسلمًا

ص: 242

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

7 بين الفرق بين بدل المطابقة، وبدل الاشتمال، موضحًا ذلك بأمثلة كافية.

8 ما رأيك فيما ذكر النحاة من فروق بين عطف البيان والبدل؟ وفي القولة المشهورة عن الإمام الرضي، ونصها كما في الصبان في آخر باب عطف البيان:"أنا للآن لم يظهر لي فرق جلي بين بدل الكل من الكل، وعطف البيان؛ بل ما أرى عطف البيان إلا البدل، كما هو ظاهر كلام سيبويه".

9 بين فيما يأتي: أنواع التوابع التي مرت بك، ومتبوعها، وأعرب ما تحته خط.

هل تعلم أن سلطان العلماء المعز بن عبد السلام وفد على مصر المعزية من دمشق حاضرة سورية، في عهد السلطان نجم الدين أيوب؟ وقد رشحته موهبته العظيمة، وأدبه الجم، وطلاقه لسانه، أن يتولى الخطابة في مسجد الإمام عمرو بن العاص؛ كما رشحه علمه وورعه أن يتولى القضاء، وأنه أفتى ببيع السادة المماليك. وقد تم ذلك، ونودي ببيعهم على رءوس الأشهاد، صغيرهم وكبيرهم، ووضعت الأموال أثمانهم في بيت المال، خزانة المالية وقتئذ؟ ذلك ما حدث لا ريب فيه، وقد سجله التاريخ.

إن علي الله أن تبايعا

تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعا

10 بعض انواع البدل لا بد فيه من ضمير يربطه بالمتبوع، اذكر ذلك النوع، وهل هنالك ما يغني عن الضمير في الربط؟ وضح ذلك بأمثلة من إنشائك.

11 أعرب البيت الآتي واشرحه، وبين الشاهد فيه.

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل

عفاف وإقدام وحزم ونائل

ص: 243

‌باب: النداء

(1)

وفيه فصول

الفصل الأول: في الأحرف التي ينبه بها المنادى، وأحكامها

وهذه الأحرف ثمانية: الهمزة و"أي" مقصورتين وممدودتين

(2)

، و"يا"، و"أيا"، و"هيا"، و"وا".

فالهمزة المقصورة للقريب

(3)

؛ إلا إن نزل منزلة البعيد

(4)

؛ فله بقية الأحرف، كما أنها للبعيد الحقيقي. وأعمها "يا"؛ فإنها تدخل على كل نداء

(5)

. وتتعين في نداء اسم الله تعالى

(6)

، وفي باب الاستغاثة؛ نحو: يا لله للمسلمين، وتتعين هي، أو "وا" في باب الندبة، و"وا" أكثر استعمالًا منها في ذلك الباب؛ وإنما تدخل "يا" إذا أمن اللبس

(7)

؛

باب النداء وفيه فصول:

(1)

النداء معناه لغة: الطلب وتوجيه الدعوة بأي لفظ كان. واصطلاحًا: طلب المتكلم إقبال المخاطب إليه بالحرف "يا"، أو إحدى أخواتها، سواء كان الإقبال حقيقيًا، أو مجازيًا يقصد به طلب الاستجابة؛ كنداء الله سبحانه وتعالى.

(2)

تقول في حالة القصر: أمحمد؛ أي محمد، وفي حالة المد: آمحمد؛ أي محمد. أما بقية الأحرف فممدودة.

(3)

أي للمخاطب القيب في المكان من الداعي، حسيًا كان أو معنويًا؛ نحو: أرب الكون ما أعظم قدرتك! ومثلها "أي" عند المبرد. وقال ابن مالك: هي لنداء البعيد كيا.

(4)

وذلك بسبب نوم، أو سهو، أو ارتفاع مكانة؛ كنداء العبد لربه، أو انخفاضها؛ كالعكس. أما الهمزة الممدودة فللبعيد؛ لأنه يحتاج إلى مد الصوت ليسمع النداء.

(5)

سواء كان خالصًا من الندبة والاستغاثة، أم مصحوبًا بهما؛ ولهذا لا يقدر غيرها عند الحذف. وهي لنداء البعيد عند جمهور النحاة.

(6)

أي في لفظ الجلالة "الله"، وكذلك في نداء لفظ "أيها" و"أيتها"؛ إذ لم يرد عن العرب نداء هذه الأشياء بحرف آخر.

(7)

فلا يلتبس المندوب بغير المندوب.

ص: 244

كقوله:

وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

(1)

(1)

عجز بيت من البسيط لجرير، يرثي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وصدره: حملت أمرًا عظيمًا فاصطبرت له

وقبله:

نعى النعاة أمير المؤمنين لنا

يا خير من حج بيت الله واعتمرا

وبعده:

فالشمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

اللغة والإعراب: حملت: كلفت. أمرًا عظيمًا: هو الخلافة وتبعاتها الشاقة. اصطبرت: بالغت في الصبر والاحتمال. "حملت" فعل ماض للمجهول، والتاء نائب فاعل مفعول أول. "أمرا" مفعول ثان. "فاصطبرت" معطوف على حملت. "لها" جار ومجرور في محل نصب مفعول اصطبرت. "يا عمرًا" يا حرف نداء وندبة، "عمرا" منادى مندوب مبني على ضم مقدر على آخر، منع من ظهوره الفتحة العارضة لمناسبة ألف الندبة.

والمعنى: كلفت الخلافة وعهد إليك بشئون المسلمين، في وقت عم فيه الظلم وفشا الجور؛ فصبرت على تلك المشاق، وقمت بما أمرك الله، فقضيت على الفساد ونشرت العدل بين الناس، فأرضيت الخلق والخالق.

والشاهد: استعمال "يا" للندبة لأمن اللبس؛ فإن صدور ذلك بعد موت عمر، دليل على أن المقصود الرثاء والتوجع، لا النداء، وكذلك اتصال ألف الندبة في آخره دليل على أنه أراد الندبة لا النداء. وفي بيان أدوات النداء، ومواضع استعمالها، يقول الناظم:

وللمنادى الناء أو كالناء "يا"

و"أي" و"آ" كذا "أيا" ثم "هيا"

والهمز للداني و"وا" لمن ندب

أو "يا" وغير "وا" لدى اللبس اجتنب*

أي أنه يستعمل للمنادى النائي؛ أي البعيد، أو ماي يشبهه مما ذكرناه، هذه الأحرف الخمسة التي سردها، وأن الهمزة تستعمل لنداء الداني؛ أي القريب، وأن "وا" للمندوب، وكذلك "يا"، بشرط أمن اللبس، فإن خيف لبس بالمنادى، تعينت "وا" كما إذا كنت تندب شخصًا اسمه "علي"، وبحضرتك مسمى بهذا الاسم؛ فإنه لو أتي بيا احتمل نداء الحاضر.

هذا: ويجوز نداء القريب بما للبعيد؛ لعلة بلاغية؛ كالتوكيد، والحث على الإصغاء.

* "وللمنادى" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "الناء" صفة له. "أو كالناء" عطف عليه. "يا" بالقصر مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "وأي وآ" معطوفان على "يا". "كذا" خبر مقدم. "أيا" مبتدأ مؤخر. "ثم هيا" معطوف على "أيا".

ص: 245

ويجوز حذف الحرف

(1)

؛ نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} ، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} ، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّه}

(2)

. إلا في ثمان مسائل: المندوب

(3)

؛ نحو: يا عمرا. والمستغاث

(4)

؛ نحو: يا لله. والمنادى البعيد؛ لأن المراد فيهن إطالة الصوت والحذف ينافيه. واسم الجنس غير المعين

(5)

؛ كقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي والمضمر

(6)

، ونداؤه شاذ، ويأتي على صيغتي المنصوب والمرفوع، كقول بعضهم: يا إياك قد كفيتك

(7)

، وقول الآخر:

ويمتنع العكس إلا في حالة التنزيل المذكور.

(1)

أي لفظا فقط، مع مراعاة تقديره، ويتعين تقديره "يا" عند الحذف كما أسلفنا؛ لأنها تستعمل في جميع أنواع المنادى.

(2)

أي بتقدير حرف النداء "يا" في الجميع. وقد مثل بثلاثة أمثلة للمنادى: المفرد، والشبيه به، والمضاف. وقيل: أن {عِبَادَ اللَّهِ} مفعول {أَدُّوا} ، ومضاف إليه، ولا شاهد فيه حينئذ.

(3)

وهو المتفجع عليه، أو المتوجع منه، وسيأتي إيضاحه في بابه.

(4)

وهو من ينادي ليخلص من شدة، أو يساعد في دفعها، وقريبًا نوضحه في مكانه، ومنه المتعجب منه، نحو: يا للماء! إذا تعجب من كثرته.

(5)

هو: النكرة غير المقصود؛ لأنها غير متهيئة فتحتاج إلى زيادة تنبيه.

(6)

المراد ضمير المخاطب؛ لأن غيره لا ينادي مطلقاً؛ فلا يقال: يا أنا، ولا يا هو. وإنما امتنع الحذف لأن حذف الحرف معه يفوت الدلالة على النداء.

(7)

قيل: إن الأحوص اليربوعي وفد مع ابنه على معاوية، فقام الأب فخطب؛ فلما انتهى قام الابن ليخطب فقال له الأب ذلك؛ أي قد أغنيتك عن القول. وبعضهم أعرب "يا" للتنبيه، و"إياك" مفعول لفعل محذوف يفسره "كفيتك" المذكور، ويكون من باب الاشتغال، ولا شاهد فيه.

"والهمز للداني" مبتدأ وخبر. "وواو" مبتدأ قصة لفظه. "لمن" متعلق بمحذوف خبر، وجملة "ندب" صلة من "أو يا" معطوف على "وا". "وغير "مبتدأ. "وا" مضاف إليه. "لدى" ظرف متعلق باجتنب. "اللبس" مضاف إليه، وجملة "اجتنب" خبر المبتدأ، وهو "غير".

ص: 246

يا أبجر بن أبجر يا أنتا

(1)

واسم الله تعالى إذا لم يعوض في آخره الميم المشددة

(2)

وأجازه بعضهم، وعليه قول أمية بن أبي الصلت:

رضيت بك اللهم ربا فلن أرى

أدين إلهاً غيرك الله راضياً

(3)

(1)

صدر بيت من الرجز، نسبة العيني للأحوص اليربوعي، وصوب بعضهم: أنه لسالم بن دارة، في مر بن واقع، وصدره:

يامريا بن واقع يا أنتا

والعجز في الحالتين:

أنت الذي طلقت عام جعتا

اللغة والإعراب: الأبجر: المنتفخ البطن. طلقت: فارقت حلائلك. عام جعتا: أي في الوقت الذي وقعت فيه المجاعة. "يا" للنداء. "أبجر" الجر بالفتحة لوزن الفعل، ولكنه صرف لضرورة الوزن. "يا" للنداء. "أنتا" منادى مبني على ضم مقدر منع منه حركة البناء الأصلي، والألف للإطلاق. "أنت الذي" مبتدأ وخبر. "طلقت" الجملة صلة الذي. "عام" ظرف متعلق بطلقت. "جعتا" الجملة في محل جر بإضافة عام.

والمعنى: يذم المخاطب بقوله: يا عظيم البطن، وابن عظيمها، أنت الذي فارقت زوجاتك حين لم تجد ما تسد به رمقك، وتملأ به كرشك، وأبيت السعي لجلب رزقهن.

والشاهد: في "يا أنتا" حيث نادى الضمير الذي في موضع الرفع. وقيل: إن "يا" للتنبيه، و"أنت" الأولى مبتدأ، والثانية توكيد، والموصول خبر، ولا شاهد فيه.

(2)

لأن نداءه على خلاف الأصل، لوجود "أل" فيه؛ فلو حذف حرف النداء من غير تعويض، لم يدم عليه دليل، فإن عوض فالحذف واجب، كما سيأتي.

(3)

بيت من الطويل، من قصيدة طويلة في سيرة ابن هشام. وأمية هذا: شاعر ثقفي مشهور في الجاهلية، كان عالما بالأخبار، وقد قرأ كثيرًا من الكتب، وعلم أن الله سيرسل رسولًا في ذلك الوقت، فرجا أن يكون هو الرسول؛ فلما بعث النبي عليه السلام حسده وكذبه، ولم يوفق للإيمان به. وقيل: إنه هو الذي نزل فيه في سورة الأعراف قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} .

ص: 247

واسم الإشارة، واسم الجنس لمعين

(1)

خلافاً للكوفيين فيهما

(2)

؛ احتجوا بقوله:

بمثلك هذا لوعة وغرام

(3)

اللغة والإعراب: أدين: أتخذ دينًا؛ من دان بالشيء: أتخذه دينا. "اللهم" منادى مبني على الضم، والميم المشددة عوض عن حرف النداء المحذوف. "ربا" مفعول رضيت، أو تمييز، أو حال من لفظ الجلالة. "فلن" الفاء للتفريع، و"لن" حرف نفي ونصب. "أرى" فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل أنا. "أدين" فعل مضارع ارتفع بعد حذف الناصب، وأصله: أن أدين، على حد:"تسمع بالمعيدي". "الهاء" مفعوله. "غيرك" غير صفة لإله، والكاف مضاف إليه. "الله" منادى بحذف حرف النداء بدون تعويض، على رأي. "راضيا" حال من فاعل رضيت، أو أدين، أو هو مفعول مطلق لرضيت على حد، قم قائما؛ أي قياما.

والمعنى: رضيت رضا ربا يا الله، فلن أرى أن أتخذ إلها غيرك أعبده وأدين له.

والشاهد: في قوله "الله" حيث أعرب منادى مع حذف حرف النداء، وبدون تعويض بالميم المشددة، وذلك ممنوع، كما أنه يجب حذف الحرف معه إذا لحقته الميم؛ لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض، وهذا هو القياس. وما جاء على غير ذلك فهو مخالف للقياس.

(1)

المراد به: النكرة المقصودة المبنية على الضم عند ندائها. وعلة امتناع الحذف عندهم: أن حرف النداء في اسم الجنس كالعوض عن أداة التعريف؛ فلا يحذف كما لا تحذف. وكذلك اسم الإشارة.

(2)

فقد أجازوا نداء اسم الإشارة على قلة؛ بشرط ألا تتصل به كاف الخطاب، إلا في الندبة؛ فيصح، فإن اتصلت به الكاف ففي جواز ندائه خلاف؛ والصحيح المنع لاستلزامه اجتماع النقيضين؛ لأن مدلول كاف الخطاب يخالف مدلول المنادى. وكذلك يجوز نداء اسم الجنس المعين قليلا.

(3)

عجز بيت من الطويل، من قصيدة لذي الرمة، غيلان بن عقبة، وصدره:

إذا هملت عيني لها قال صاحبي

ومطلع القصيدة:

عليكن يا أطلال مي بشارع

على ما مضى من عهدكن سلام

اللغة والإعراب: هملت العين: فاض دمعها وسال. لوعة: اللوعة: حرقة في القلب؛

ص: 248

وقولهم: أطرق كرا

(1)

، وافتد مخنوق

(2)

، وأصبح ليل

(3)

.

وذلك عند البصريين ضرورة وشذوذ

(4)

.

من ألم الحب والهوى، أو الحزن. غرام: ولوع وشدة رغبة. "إذا" شرطية. "هملت" فعل الشرط، والتاء للتأنيث. "عيني" فاعله. "لها" متعلق بهملت، واللام للتعليل؛ أي لأجل المحبوبة. "قال" فعل ماض، جواب الشرط. "صاحبي" فاعله مضاف للياء. "بمثلك" جار ومجرور خبر مقدم. "هذا" ها للتنبيه، و"ذا" اسم إشارة منادى على حذف حرف النداء. "لوعة" مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب مقول القول. "وغرام" معطوف على لوعة.

والمعنى: كلما بكى وانهمر دمعه عند تذكر محبوبته، قال له صاحبه: يا هذا: إنك شديد الحب لها، والغرام بها. وهو لا يستطيع أن يعمل له شيئاً يخفف من لوعته وغرامه، ويذهب عنه بعض ألامه.

الشاهد: نداء اسم الإشارة، وهو "هذا" مع حذف النداء، على رأي الكوفيين.

(1)

هذا جزء من مثل، وتمامه: إن النعام في القرى، وهو مثل يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو أحسن وأشرف منه؛ أي أخفض يا كرا عنقك للصيد؛ فإن من هو أكبر وأطول عنقا منك -وهو النعام- قد صيد وجيء به من مكانه إلى القرى. وأصله: يا كروان؛ فرخم بحذف النون والألف، كما سيأتي إيضاحه، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وشذوذه من وجهين: حذف حرف الناء، وترخيمه.

(2)

مثل يضرب لكل مضطر وقع في شدة وضيق، وهو يبخل بافتداء نفسه بشيء من ماله؛ أي افتد نفسك يا مخنوق.

(3)

مثل يضرب لمن يظهر الكراهة والبغض للشيء، أي: لتذهب أيها الليل بهمومك، وليأت الصبح بديلًا عنك؛ فقد حذف حرف النداء في هذه الأمثلة، مع أن المنادى اسم إشارة في المثال الأول، واسم جنس في الأخيرين. وبذلك احتج الكوفيون على الجواز، وجعلوا منه قوله تعالى:{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} ، على أن هؤلاء اسم إشارة منادى.

(4)

أي: ضرورة إذا وقع في النظم، وشذوذ إذا ورد في النثر، ومن ذلك قول المتنبي:

هذي برزت لنا فهجت رسيسا

ثم انصرفت وما شفيت نسيسا

أي: يا هذي. وقيل: المتنبي كوفي؛ فجاء كلامه على مذهبهم. ومعنى هجت: أثرت.

ص: 249

‌الفصل الثاني: في أقسام المنادى وأحكامه

المنادى على أربعة أقسام:

أحدها: ما يجب فيه أن يبنى على ما يرفع به

(1)

لو كان معرباً، وهو ما اجتمع فيه أمران:

أحدهما: التعريف؛ سواء كان ذلك التعريف سابقًا على النداء؛ نحو: يا زيد، أو

رسيسا: هما. نسيسا: بقية نفس. أما الآية فمؤولة على أن {هَؤُلاءِ} بمعنى الذين، وهو خير عن {أَنْتُمْ} ، أو بالعكس، وجملة {تَقْتُلُونَ} صلة، أو أن {هَؤُلاءِ} اسم إشارة وجملة {تَقْتُلُونَ} حال. وقد اقتصر الناظم في مواضع الحذف على قوله:

وغير مندوب ومضمر وما

جا مستغاثًا قد يعرى فاعلما

وذاك في اسم الجنس والمشار له

قل ومن يمنعه فانصر عاذلة*

أي: قد يعرى -أي يتجرد- المنادى من حرف النداء، إذا كان المنادى غير مندوب، وغير مضمر، وغير مستغاث. وحذف حرف النداء قليل في اسم الجنس المعين، والمشار له، أي اسم الإشارة، بشرط خلوة من مضيره المخاطب، وقد منعه كثير من النحاة، ومن يمنع ذلك فانصر لائمه؛ لأنه لا حجة له في المنع، فقد وردت أمثلة كثيرة عن العرب تكفي للقياس عليه.

(1)

فيبنى على الضم الظاهر أو المقدر في: المفرد الحقيقي، وما يلحق به؛ كأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة غير المبدوءةبأل، وفي جمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، وعلى الألف في المثنى، وعلى الواو في جمع المذكر السالم. وعلل النحويون البناء بمشابهة الكاف الاسمية في نحو:"أدعوك"؛ خطابًا، وإفراد، وتعريفًا، وهذه تشبه الكاف الحرفية لفظا ومعنى، فهو مشبه للحرف بالواسطة.

* "وغير مندوب" غير مبتدأ، ومندوب مضاف إليه. "ومضمر وما" معطوفان على مندوب، و"ما" اسم موصول. "مستغاثًا" حال من فاعل جا، والجملة صلة ما. "قد يعرى" الجملة صلة ما. " قد يعرى" الجملة خبر المبتدأ. "فاعلما" فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفا للوقف.

"وذاك" مبتدأ والإشارة إلى التعري، أي التجرد من حرف النداء، المفهوم من يعرى. "في اسم الجنسِ""في اسم"

ص: 250

عارضاً في النداء بسبب القصد والإقبال

(1)

؛ نحو: يا رجل، تريد به معيناً.

والثاني: الإفراد، ونعني به ألا يكون مضافاً، ولا شبيهاً به، فيدخل في ذلك: المركب المزجي

(2)

، والمثنى، والمجموع

(3)

، نحو: يا معد كرب، ويا زيدان، ويا زيدون، ويا رجلان، ويا مسلمون، ويا هندات

(4)

. وما كان مبنياً قبل النداء؛ كسيبويه، وحذام، في

(1)

أي قصد المنكر بعينه، مما يزيل عنه الإبهام، وإقبال المتكلم عليه وإلقائه الكلام نحوه، فالعلم المفرد بعد النداء معرفة من غير شك، سواء كان التعريف سابقًا على النداء، وهو الأرجح، أو تجدد بسبب النداء. والنكرة المقصودة هي: التي تستفيد التعريف من النداء، وحكمها البناء على الضمة أو ما ينوب عنها، في محل نصب، فهي كالمفرد العلم في ذلك، بشرط أن تكون مفردة، وغير موصوفة قبل النداء، كما سيأتي.

(2)

وكذلك العددي؛ كخمسة عشر، والإسنادي؛ كفتح الله. ويبنى المزجي على ضم الجزء الثاني، وكذلك الإسنادي، والعددي على فتح الجزأين.

(3)

قال الصبان: الظاهر أن نحو: يا زيدان، ويا زيدون، من النكرة المقصودة لا من العلم، وأن العلمية زالت؛ إذ لا يثنى العلم، ولا يجمع، إلا بعد اعتبار تنكيره؛ ولهذا دخلت عليهما أل، فتعريفهما بالقصد والإقبال.

(4)

الأول مبني على ضم الجزء الثاني، والأخير كذلك؛ لأنه جمع مؤنث، والباقي على الألف والواو، والجميع في محل نصب؛ لأن المنادى بمنزلة المفعول به. وقد اختلف في ناصبه؛ فعند سيبويه والجمهور: أن الناصب له فعل مضمر وجوبًا، وحذف لكثرة الاستعمال، فنابت عنه "يا"، أو إحدى أخواتها، وصار المفعول به منادى مبنيًا على الضم في محل نصب؛ فأصل يا محمد: أدعوا محمدًا؛ حذف الفعل، ونابت منابه "يا". ويرى المبرد والفارسي: أن النصب بحرف النداء الذي سد مسد الفعل المستتر، وقد استتر الفاعل فيه، والمنادى مشبه بالمفعول به. ويعتبر النحاة حرف النداء مع المنادى جملة فعلية إنشائية للطلب، على الرغم من أنها قبل النداء خبرية.

متعلق بقل، والجنس مضاف إليه. "والمشار" عطف على اسم الجنس. "له" متعلق به، وجملة "قل" خبر المبتدأ، و"من" اسم شرط مبتدأ. "يمنعه" فعل الشرط. "فانصر" الفاء واقعة في جواب الشرط. "عاذله" مفعول انصر، ومضاف إليه، والجملة جواب الشرط.

ص: 251

لغة أهل الحجاز قدرت فيه الضمة

(1)

.

ويظهر أثر ذلك في تابعه؛ فتقول: يا سيبويه العالم، برفع العالم ونصبه

(2)

، كما تفعل في تابع ما تجدد بناؤه؛ نحو: يا زيد الفاضل، والمحكي كالمبنى

(3)

؛ تقول: يا تأبط شرًا المقدام أو المقدام.

(1)

أي كما تقدر في المعتل؛ كفتى، وقاض.

(2)

الرفع مراعاة للضم المقدر، والنصب مراعاة للمحل. ولا يجوز الجر مراعاة للكسر؛ لأنها حركة بناء. ويقال في إعرابه: مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، في محل نصب، "وسيبويه" منادى مبني على ضم مقدر، منع منه اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، في محل نصب.

(3)

أي يبنى على مقدر، منع من ظهوره حركة الحكاية، في محل نصب، ويرفع تابعه وينصب على النحو المبين في المبني. وإذا نودي المنقوص؛ كقاض، حذف تنوينه ورجعت الياء، وبني على ضم مقدر عليها، وإذا نودي: أثنا عشر، واثنتا عشرة -علمين- جاز أن يقال: يا اثنا عشر، ويا اثنتا عشرة، بالبناء على الألف، وتبقى عشر وعشرة مبنية على الفتح؛ لأنها بمنزلة نون المثنى، وهمزتها للقطع ما داما علمين. ويجوز أن يقال: يا اثني عشر، ويا اثنتي عشرة، بالنصب بالياء، واعتبار عشر وعشرة بمنزلة المضاف إليه صورة، وقد أشار الناظم إلى القسم المتقدم بقوله:

وابن المعرف المنادى المفردا

على الذي في رفعه قد عهدا

وانو انضمام ما بنو قبل الندا

وليجر مجرى ذي بناء جدد*

أي ينبغي أن يبنى المنادى المفرد المعرف، وأن يكون بناؤه على العلامة المعهودة فيه

* وابن" فعل مبني على حذف الياء. "المعرف" مفعوله. "المنادى" بدل من المعرف. "المفردا" نعت للمنادى. "على الذي" جار ومجرور متعلق بابن. "في رفعه" متعلق بعهدا الواقع صلة للذي، ونائب فاعل عهدا يعود إلى الذي، والألف للإطلاق.

"انضمام" مفعول انو. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "بنوا" الجملة صلة، والعائد محذوف؛ أي بنوه. "قبل

ص: 252

و‌

‌الثاني: ما يجب نصبه

وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: النكرة غير المقصودة

(1)

؛ كقول الواعظ: يا غافلاً والموت يطلبه

(2)

، وقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي، وقول الشاعر:

أيا راكباً إما عرضت فبلغن

(3)

في حالة رفعه قبل النداء؛ فما علامته الضمة يبنى عليها، وما علامته الألف؛ كالمثنى، أو الواو؛ كجمع المذكر، يبنى عليهما. ومثل المفرد العلم: النكرة المقصودة؛ لأنها عرفت بالنداء كما بينا. وما كان من الأسماء مبنيًا قبل النداء، يجب تقدير بنائه على الضم، وإجراؤه مجرى المعرب الذي زال إعرابه وتجدد بناؤه بالنداء، أو مجرى المبني الذي زال بناؤه القديم، وحل محله بناء جديد؛ وذلك بأن يتبع بالرفع مراعاة للضم المقدر فيه، وبالنصب مراعاة للمحل، على النحو الذي شرحناه.

(1)

أي الباقية على إبهامها وشيوعها، ولا تدل على فرد معين مقصود بالمناداة، وتسمى: اسم الجنس غير المعين.

(2)

هذا إذا جعلت الواو استئنافية؛ فإن جعلت حالية كان من أمثلة الشبيه بالمضاف؛ لعمله النصب في الجملة التي هي حال من ضمير "غافلا" المستقر فيه.

(3)

صدر بيت من الطويل، لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، أحد شعراء الجاهلية، من قصيدة ينوح فيها على نفسه، عندما أسرته تيم الرباب في يوم الكلاب الثاني، وعجزه:

نداماي من نجران أن لا تلاقيا

ومطلع القصيدة:

ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا

فما لكما في اللوم خير ولا ليا

اللغة والإعراب: عرضت: أي ظهرت، وقيل معناه: أتيت العروض، والعروض: اسم لمكة والمدينة وما حولهما، نداماي: جمع ندمان، وهو المؤنس في مجلس الشراب. نجران: بلد باليمن. "أيا" حرف نداء. "راكبا" منادى منصوب. "أما" إن شرطية مدغمة في "ما" الزائدة. "عرضت" فعل الشرط. "فبلغن" الفا واقعة في جواب الشرط. وبلغن فعل أمر

النداء" قبل ظرف متعلق ببنوا، والندا مضاف إليه. "وليجر" الواو عاطفة، ويجر فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، ونائب الفاعل يعود إلى الذي بنوا قبل النداء. "مجرى" مفعول مطلق مبين للنوع. "ذي بناء" مضاف إليه. "جددا" فعل ماض للمجهول، والجملة في محل جر صفة لبناء.

ص: 253

وعن المازني أنه أحال وجود هذا القسم.

الثاني: المضاف

(1)

؛ سواء كانت الإضافة محضة؛ نحو: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} ، أو غير محضة؛ نحو: يا حسن الوجه. وعن ثعلب إجازة الضم في غير المحضة

(2)

.

الثالث: الشبيه بالمضاف، وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه

(3)

؛ نحو: يا حسناً

مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. "نداماي" مفعوهل منصوب بفتحة مقدرة على الألف، وهو مضاف إلى ياء المتكلم. "من نجران" متعلق بمحذوف حال من الندامي، ونجران ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. "لا" نافية للجنس. "تلاقيا" اسمها والألف للإطلاق، والخبر محذوف، والجملة في محل رفع خبر "أن" المخففة، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، مفعول ثان لبلغن.

والمعنى: يندب الشاعر حظه وينادي الركبان، وهو في الأسر؛ فيقول: إذا بلغتم العروض فبلغوا ندمائي ورفاقي، وأهلي وأحبابي، أنه لا تلاقي بيننا، فنحن في الأسر لا ندري ما الله صانع بنا.

والشاهد: في قوله "فيا راكبا"؛ فهو منادى منصوب لأنه نكرة غير مقصودة؛ فإن الشاعر لا يقصد راكباً معيناً.

وفي هذا وأمثاله رد على المازني الذي زعم استحالة وجود هذا النوع؛ بدعوى أن نداء غير المعين لا يمكن، وقال: إن التنوين في ذلك شاذ أو ضرورة.

(1)

بشرط أن تكون إضافته لغير ضمير لمخاطب غير المضاف.

(2)

حجته: أن الإضافة فيها في نية الانفصال. ورد بأن علة البناء مشابهة الضمير، وهي مفقودة هنا: لإن الصفة المضافة إلى معمولها ليست بهذه المنزلة، ولم يسمع عن العرب ما يسيغ ذلك. وقد تفصل لام الجر الزائد بين المنادى المضاف، والمضاف إليه، في الضرورة الشعرية؛ كقول سعيد بن مالك:

يا بؤس للحرب التي

وضعت أراهط فاستراحوا

(3)

أي جاء بعده معمول يتمم معناه؛ سواء كان هذا المعمول مرفوعا به، أم منصوبا، أم مجرورا بالحرف، والجار والمجرور متعلقان بالمنادى، أم معطوفا على المنادى قبل النداء، ومنه النكرة الموصوفة عند كثير من النحاة؛ سواء وصفت بمفرد أو بغيره؛ نحو: يا حليمًا لا يعجل؛ لأنه قد اتصل بهما شيء تمم معناها.

ص: 254

وجهه، ويا طالعا جبلاً، ويا رفيقاً بالعباد، ويا ثلاثة وثلاثين، فيمن سميته بذلك

(1)

. ويمتنع إدخال "يا" على ثلاثين

(2)

، خلافاً لبعضهم. فإن ناديت جماعة هذه عدتها؛ فإن كانت غير معينة، نصبتهما أيضاً

(3)

، وإن كانت معينة، ضممت الأول

(4)

، وعرفت الثاني بأل

(5)

، ونصبته أو رفعته

(6)

، إلا أن أعيدت معه "يا"؛ فيجب ضمه وتجريده من أل

(7)

.

ومنع ابن خروف

(8)

إعادة "يا"، وتخييره في إلحاق أل مردود

(9)

.

و‌

‌الثالث: ما يجوز ضمه وفتحه

وهو نوعان:

(1)

أي: قبل النداء، وهذا مثال للمنادى المعطوف عليه قبل النداء؛ وإنما وجب نصبها للطول؛ أما الأول فلشبهه بالمضاف؛ لأن الثاني معمول له لوقوع التسمية بهما، وأما الثاني فبالعطف بالواو.

(2)

لأنه جزء علم؛ كشمس، من عبد شمس، وقيس، من عبد قيس، أما المخالف فقد نظر إلى الأصل.

(3)

أي ما دمت تريد المجموع؛ أما الأول فلأنه نكرة غير مقصودة، وأما الثاني فللعطف.

(4)

لأنه نكرة مقصودة، ما دمت أردت به جماعة معينة.

(5)

لأنه اسم جنس أريد به معين أيضاً؛ فتدخل عليه "أل" لتفيده التعريف، ولم يكف تعريف النداء؛ لأن "يا" لم تدخل عليه مباشرة.

(6)

أي: عطفا على محل المتبوع أو لفظه، من غير مراعاة لبنائه.

(7)

أما الضم فلأنه نكرة مقصودة. والمقصود بالضم: البناء على ما يرفع به. وأما تجريده من "أل"؛ فلأن "يا" لا تجامع أل إلا في مواضع ستأتي، وليس هذا منها.

(8)

انظر صفحة "74"، جزء ثان.

(9)

قوله: مردود، خبر منع. ووجه الرد على الشطر الأول أن الثاني ليس بجزء علم حتى تمتنع معه "يا"، وعلى الشطر الثاني: أن اسم الجنس أريد به معين؛ فيجب تعريفه بأل لا التخيير، وإلى هذا القسم أشار الناظم بقوله:

ص: 255

أحدهما: أن يكون علماً مفرداً

(1)

، موصوفاً بابن، متصل به، مضاف إلى علم

(2)

؛ نحو: يا زيد بن سعيد

(3)

. والمختار عند البصريين -غير المبرد- الفتح، ومنه قوله:

يا حكم بن المنذر بن الجارود

(4)

والمفرد المنكور والمضافا

وشبهه أنصب عادماً خلافا*

أي: إذا كان المنادى مفردا نكرة غير مقصودة، أو كان مضافا، أو مشبها به، فانصبه بغير خلاف في ذلك. ولم يعتد الناظم برأي ثعلب المخالف؛ لضعفه.

(1)

فلا يكون مثنى ولا مجموعا، وأن يكون آخره مما يقبل الحركة؛ فلا يكون معتل الآخر؛ فنحو: يا موسى بن محمد، يتعين فيه الضم.

(2)

سواء كان كل من العلمية: اسما، أو كنية، أو لقبا. ومتى اجتمعت هذه الشروط في نداء أو غيره، وجب حذف همزة الوصل وألفها من ابن وابنة كتابة ونطقا، إلا لضرورة الشعر أو وقوع إحداهما في أول السطر، فتثبت حينئذ كتابة. انظر صفحة 133، باب العلم، من الجزء الأول.

(3)

فيجوز في "زيد" البناء على الضم في محل نصب على الأصل؛ لأنه مفرد علم، وعلى الفتح في محل نصب أيضاً؛ إما لتركيبه مع الصفة وجعلهما شيئًا واحدًا كخمسة عشر، أو على الإتباع لفتحه "ابن"؛ لأن الحاجز بين آخر المنادي وآخر صفته حرف واحد ساكن، فالفصل به كلا فصل؛ لأنه حاجز غير حصين. ويقال في إعرابه: مبني على ضم مقدر منع من ظهوره فتحه الإتباع في محل نصب، وكلمة "ابن" صفة منصوبة باعتبار المحل، ويجوز من ظهوره فتحة الإتباع في محل نصب، وكلمة "ابن" صفة منصوبة باعتبار المحل، ويجوز أن يكون المنادى معربا منصوباً مضافا إلى سعيد، وكلمة "ابن" مقحمة بين المضاف والمضاف إليه، لا توصف بإعراب ولا بناء ولا محل لها، ولا شك أن هذا تكلف لا مبرر له.

(4)

صدر بيت من الرجز، نسبه الجوهري لرؤبة، ونسبه غيره لرجل من بني الحرماز، يمدح الحكم بن المنذر العبدي، أمير البصرة، على عهد هشام بن عبد الملك، وعجزه:

* "والمفرد" مفعول مقدم لا نصب. "المنكور" صفته. "والمضافا وشبهة" معطوفان على المفرد، والهاء في شبهة مضاف إليه عائد إلى المضاف. "عادما" حال من فاعل انصب، وفيه ضمير مستتر هو فاعله؛ لانه اسم فاعل يعمل عمل الفعل. "خلافا" مفعوله.

ص: 256

ويتعين الضم في نحو: يا رجل ابن عمرو، ويا زيد ابن أخينا؛ لانتفاء علمية المنادى في الأولى؛ وعلمية المضاف إليه في الثانية، وفي نحو: يا زيد الفاضل ابن عمرو؛ لوجود الفصل، وفي نحو: يا زيد الفاضل؛ لأن الصفة غير "ابن"، ولم يشترط ذلك

(1)

الكوفيون، وأنشدوا: بأجود منك يا عمر الجوادا

(2)

، بفتح عمر.

ساردق المد عليك ممدود

اللغة والإعراب: الجارود: لقب الجد الممدوح، قيل: لقب بذلك لأنه أغار على قوم فاكتسح أموالهم، فشبهوه بالسيل الشديد الذي يجرف أمامه كل شيء. سرادق. هو ما يمد فوق صحن الدار. المجد: علو المنزلة وسمو القدر.

"يا" حرف نداء. "حكم"منادى، وقد ورد بالفتح، فهو مبني على ضم مقدر في محل نصب منع منه حركة الإتباع، أو على الفتح لتركيبه مع "ابن" صفة للحكم على اللفظ أو المحل. "المنذر" مضاف إليه. "ابن" الثانية مجرورة صفة المنذر. "الجارود" مضاف إليه وسكن للوقف. "سرادق المجد" مبتدأ ومضاف إليه. "ممدود" خبر.

والمعنى: أن الممدوح ذو شرف وسيادة، وقد جعل المجد ذا سرادق منصوب عليه، على سبيل الاستعارة بالكناية.

والشاهد: فتح "حكم" على الرواية، ويجوز الضم. وقد اشترط في جواز الوجهين: كون الابن صفة؛ فلو -جعل بدلا، أو عطف بيان، أو منادى حذف منه حرف النداء، أو -مفعولا- بفعل محوذف تقديره: أعني ونحوه، تعين الضم.

(1)

أي كون الوصف "ابنا". وحجتهم: أن علة الفتح التركيب. وقد جاء في باب "لا" نحو: لا رجل ظريف، بفتحهما فيجوز هنا.

(2)

عجز بيت من الوافر الجرير، من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز، وصدره:

فما كعب بن مامة وابن سعدى

ومطلع القصيدة:

أبت عيناك بالحسن الرقادا

وأنكرت الأصادق والبلادا

اللغة والإعراب: كعب بن مامة: هو كعب الأيادي: الذي يضرب به المثل في الإيثار؛ لأنه آثر رفيقه في السفر بالماء حتى مات عطشا، ومامة: اسم أمه، وابن سعدى: هو أوس

ص: 257

والوصف بابنة كالوصف بابن؛ نحو: يا هند بنت عمرو. ولا أثر للوصف ببنت؛ فنحو: يا هند بنت عمرو، واجب الضم

(1)

.

الثاني: أن يكرر

(2)

مضافاً؛ نحو: يا سعد سعد الأوس؛ فالثاني واجب النصب،

ابن حارثة الطائي الجواد المشهور، وسعدى: اسم أمه.

"فما" ما نافية حجازية. "كعب" اسمها. "ابن مامة" ابن صفة، ومامة مضاف إليه ممنوع الصرف للعلمية والتأنيث، وابن أروى معطوف على سابقة ومضاف إليه. "بأجود" خبر. "ما" على زيادة الباء. "يا عمر" يا للنداء، وعمر منادى مبنى على الفتح، أو على ضم مقدر منه من ظهوره فتح الإتباع. "الجواد" صفة.

والمعنى: واضح.

والشاهد: أن "عمر" منادى مبني على الفتح، وقد وصف بغير "ابن"؛ وهو الجوادا، على رأي الكوفيين؛ بدليل قوافي القصيدة، ويحمله البصريون على أن "عمر" حذفت منه الألف. وأصله "يا عمر" فهو كالمندوب، والألف المحذوفة كألف الندبة والفتحة فتحة المناسبة، لا حركة العامل، وهو تكلف بعيد.

(1)

ويمتنع الفتح لتعذر الإتباع، لأن بينهما حاجزا حصينا وهو تحرك الباء.

وقد أشار الناظم إلى هذا النوع بقوله:

ونحو "زيد" ضم وافتحن من

نحو "أزيد بن سعيد" لا تهن

والضم إن لم يل الابن علما

أو يل الابن علم قد حتما

أي أنه إذا كان المنادى علما مفردا، موصوفا بكلمة ابن أو ابنة مضافيين إلى علم، جازف فيه البناء على الضم والفتح. ولم يذكر المصنف هذه الشروط اكتفاء بالمثال، وقد بينت بإيضاح. والضم محتوم. ويمتنع الفتح إن لم يقع "ابن" بعد علم، أو لم يقع بعده علم، وباقي المحترزات بينها المصنف.

(2)

أي المنادى المفرد المعرفة؛ سواء كان علما أم اسن جنس، وفي التمثيل بـ"سعد سعد

"نحو زيد" نحو مفعول لضم، وزيد مضاف إليه، و"افتحن" معطوف على ضم، ومفعوله ضمير محذوف يعود على زيد. "من نحو" متعلق بمحذوف حال من زيد. "أزيد" الهمزة للنداء، و"زيد" منادى مبني على الضم في محل نصب، ويجوز فيه البناء على الفتح. "ابن" نعت لزيد باعتبار محله. "سعيد" مضاف إاليه "تهن" مجزوم بلا الناهية

ص: 258

والوجهان في الأول؛ فإن صممته

(1)

، فالثاني بيان أو بدل، أو بإضمار "يا"، أو "أعني"

(2)

.

وإن فتحته؛ فقال سيبويه: مضاف لما بعد الثاني، والثاني مقحم بينهما

(3)

. وقال المبرد: مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف إليه الثاني

(4)

.

وقال الفراء: الاسمان مضافان للمذكور

(5)

، وقال بعضهم: الاسمان مركبان تركيب

الأوس "إشارة إلى بيت من أبيات من الطويل، قيل: إن هاتفا هتف بها في أهل مكة قبل إسلام سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة؛ وهي:

فإن يسلم السعدان يصبح محمد

بمكة لا يخشى خلاف المخالف

أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً

ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف

أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا

على الله في الفردوس منية عارف

وسعد الأوس هو: سعد بن معاذ رضي الله عنه، وسعد الخزرج هو: سعد بن عبادة.

(1)

أي: لأنه مفرد معرفة، يبنى على الضم في محل نصب.

(2)

أي أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره: أعني، فهو كالنعت المقطوع إلى النصب.

(3)

أي متوسط بين المتضايفين. ونصبه؛ إما لأنه توكيد لفظي للأول، ولم ينون لقصد المشاكلة بين الاسمين، أو فتحته فتحة إتباع للأول.

وقيل: هو زائد؛ على القول بزيادة الأسماء زيادة مطلقة لا توصف فيها بإعراب ولا بناء، والفصل جائز بين المتضايفين، وفتحته أيضاً فتحة إتباع للأول.

(4)

ويكون نصب الثاني حينئذ على أحد الأوجه المذكورة عند ضم الأول؛ وهو أن يكون منادى، أو عطف بيان، أو بدلا .. إلخ. والأصل: يا سعد الأوس سعد الأوس؛ فحذفت من الأول لدلالة الثاني عليه.

(5)

وهو رأي ضعيف؛ لأن فيه توارد عاملين على معمول واحد.

"والضم" مبتدأ. "إن" شرطية. "الابن" فاعل يل. "علما" مفعوله، والجملة في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام؛ أي فالضم حتم. "أو يل" بالجزم، عطف على يل الأولى المجزوم بلم. "الابن" مفعول بل الثاني. "علم""قد حتما" قد حرف تحقيق، ونائب فاعل حتم يعود على الضم، والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 259

خمسة عشر ثم أضيفا

(1)

.

(1)

وتكون فتحة الثاني على هذا فتحة بناء. وقد أشار الناظم إلى هذا النوع ببيت سيأتي في آخر فصل تابع المنادى، وهو:

في نكو سعد سعد الأوس ينتصب

ثان وضم وافتح أولاً تصب*

أي: في مثل يا سعد سعد الأوس، مما وقعت فيه المنادى مفردا مكررا، والثاني مضاف، يجب نصب الثاني منهما، أما الأول فيجوز فيه الضم والفتح على النحو والتوجيه الذي بينه المصنف. وإذا كان الاسم الثاني غير مضاف؛ نحو: يا محمد محمد، أو يا سعد، جاز بناؤه على الضم؛ على أنه منادى حذف قبله حرف النداء، أو بدل، وجاز رفعه ونصبه باعتباره توكيد لفظياً، على اللفظ أو المحل.

* "في نحو" متعلق بينتصب. "سعد" منادى مفرد حذف فيه حرف النداء، ولتكرره يجوز فيه الضم على الأصل، والفتح على الإتباع لما بعده. "سعد الأوس" بنقل حركة الهمزة إلى اللام. منصوب لا غير على البدلية. أو عطف بيان على محل الأول، أو توكيد له على تقدير فتحه. "ينتصب ثان" فعل وفاعل. "أولا" تنازعه الفعلان قبله. "تُصب" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر.

ص: 260

‌الرابع: ما يجوز ضمه ونصبه

وهو المنادى المستحق للضم، إذا اضطر الشاعر إلى تنويته؛ كقوله

سلام الله يا مطر عليها

(1)

، وقوله:

أعبد حل في شعبي غريبا

(2)

(1)

صدر بيت من الوافر للأحوص، محمد بن عبد عاصم الأوسي، وعجزه:

وليس عليك مطر السلام

اللغة والإعراب: "سلام الله" مبتدأ ومضاف إليه. "يا" للنداء. "مطر" منادى مبني على الضم في محل نصب. ونون لضرورة الشعر. "عليها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. "عليك" خبر ليس مقدم. "السلام" اسمها مؤخر.

والمعنى: واضح.

والشاهد: في "يا مطر" الأول؛ حيث جاء منونا مرفوعا لضرورة الشعر، وهو مفرد علم واجب البناء على الضم.

(2)

عجزه:

ألؤما لا أبالك واغترابا

وهو لجرير، وقد تقدم شرحه في باب المفعول المطلق، صفحة 132 جزء ثان.

والشاهد: فيه هنا: نصب "عبدا" وتنوينه للضرورة، مع أنه منادى مفرد معرفة، لأنه نكرة

ص: 260

واختار الخليل وسيبويه الضم، وأبو عمرو

(1)

وعيسى

(2)

النصب. ووافق الناظم والأعلم، سيبويه في العلم

(3)

، وأبا عمرو وعيسى في اسم الجنس

(4)

.

مقصودة، وقيل: يجوز نصب لأنه شبيه بالمضاف؛ إذ هو نكرة موصوفة، كما يجوز أن يكون "عبدا" حالا من فالع فعل محذوف؛ كأنه قال: أتفخر عبدا؟ أي: وأنت عبد؟ ولا يليق الفخر بالعبيد.

(1)

اسمه كنيته، وقيل: اسمه زبان بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري، أخذ العربية عن ابن أبي إسحاق، أول من مد القياس وشرح العلل، وكان أبو عمرو أوسع منه علما بكلام العرب ولغاتها وغريبها، كما كان من جلة القراء. وأحد أئمة القراءات السبع الموثوق بهم، وكان أبو عمرو يسلم للعرب ولا يطعن عليها، وفيه يقول الفرزدق:

ما زلت أفتح أبواباً وأغلقها

حتى أتيت أبا عمرو بن عمار

سمع أبو عمرو رجلا ينشد بيت المرقش الأصغر:

ومن يلق خيراً يحمد الناس أمره

ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

فقال له: قل ومن يغو بكسر الواو؛ ألا ترى إلى قول الله عز وجل {فَغَوَى} ، وتوفي أبو عمرو في طريق الشام سنة 154 هـ.

(2)

هو أبو عمرو، عيسى بن عمر الثقفي، مولى خالد بن الوليد المخزومي، كان إماماً في النحو والعربية. أخذ عن ابن إسحاق وأبي عمرو بن العلاء، وروى عن الحسن البصري، وعنه أخذ الأصمعي والخليل وغيرهما، وكان عيسى يطعن على العرب، ويخطئ المشاهير منهم؛ كالنابغة في بعض أشعاره، كما كان صاحب تقعير في كلامه واستعمال للغريب فيه، وله مصنفات كثيرة؛ يقال إنها تربى على السبعين؛ ومنها: الإكمال، والجامع، في النحو، وفيها يقول الخليل:

بطل النحو جميعاً كله

غير ما أحدث عيسى بن عمر

ذاك "إكمال" وهذا جامع

فهما للناس شمس وقمر

قال السيرافي: لم يقع هذان الكتابان إلينا، ولا رأينا أحدا ذكر أنه رآهما، ومات عيسى بن عمر سنة 149 هـ، قبل ابي عمرو بن العلاء بسنوات.

(3)

أي: الضم فيه كـ"مطر" في البيت السابق، وذلك لشدة شبهه بالضمير.

(4)

أي في نصبه كـ"عبدا" في البيت الثاني، وذلك لضعف شبهه بالضمير.

ص: 261

فصل: ولا يجوز نداء ما فيه "أل"

(1)

، إلا في أربع صور:

إحداها: اسم الله تعالى

(2)

، أجمعوا على ذلك؛ تقول "يا الله" بإثبات الألفين، و"يلله": بحذفهما، و"يا لله" بحذف الثانية فقط. والأكثر أن يحذف حرف النداء ويعوض عنه الميم المشددة؛ فتقول:"اللهم"

(3)

، وقد يجمع بينهما في الضرورة النادرة؛ كقوله:

أقول يا اللهم يا اللهما

(4)

وخير في النظم بين الضم والنصب مع التنوين للضرورة؛ فقال:

واصمم أو انصب اضطراراً نوناً

مما له استحقاق ضم بينا

أي: اضمم أو انصب ما نون اضطرارا، من كان له استحقاق ضم بين فيما سبق، وذلك هو: المفرد العلم، والنكرة القصودة. وإذا نون المبني على الضم بقي على بنائه، أما في حالة تنوينه منصوبا، فالأحسن أنه معرب منصوب للضرورة.

هذا: ويجوز في تابع المنون المضموم: الضم مراعاة للفظه، والنصب مراعاة لمحله. أما تابع المنون المنصوب فيجب نصبه.

(1)

لما فيه من الجمع بين معرفين ظاهرين: النداء، وأل؛ وذلك ما لم يعهد في الأساليب العربية، سواء كان النداء بيا، أو إحدى أخواتها. أما دخول "يا" أو غيرها من أحرف النداء على العلم فلا مانع منه؛ لأن العلمية ليست بأداة ظاهرة.

(2)

وذلك للزوم "أل" له، حتى صارت كالجزء منه.

(3)

وهو من الألفاظ الملازمة للنداء. ويقال في إعرابه: "الله" منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم المشددة عوض عن حرف النداء "يا".

(4)

عجز بيت من الرجز، لأبي خراش الهذلي. ويقال: هو لأمية بن أبي الصلت، وصدره:

إني إذا ما حدث ألما

اللغة والإعراب: حدث: حادث طارئ من مكاره الدنيا، ألما: نزل. "إني" إن حرف توكيد ونصب، والياء اسمها. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "ما" زائدة. "حدث" فاعل

"ما" اسم موصول تنازعه الفعلان قبله. "اضطرار" مفعول لأجله. "نونا" فعل ماض للمجهول. والألف للإطلاق، والجملة صلة ما. "مما" متعلق بنونا، وما موصولة، "له" متعلق ببينا. "استحقاق ضم" مبتدأ ومضاف إليه. "بينا" الجملة خبر، وجملة المبتدأ والخبر صلة "ما" الثانية المجرورة بمن.

ص: 262

الثانية: الجمل المحكية؛ نحو: يا "المنطلق زيد" فيمن سمى بذلك

(1)

. نص على

لفعل محذوف يفسره؛ "ألم"، وهو فعل الشرط "ألما" فعل ماض والألف للإطلاق. "أقول" الجملة خبر "إن" وهو يدل على جواب إذا، أو هو الجواب، وجملة الشرط وجوابه خبر. "يا" حرف نداء. "اللهم" منادى مبني على الضم، والميم حرف، وأصلها عوض عن "ياء" عند حذفها، وقد جمع بينهما للضرورة. "يا اللهم" الثانية إعرابها كذلك. وجملة النداء في محل نصب مقول القول.

والمعنى: إذا نزل بي حادث من حوادث الدهرن وطرأ على ما أحتاج فيه إلى المعونة، ألجأ إلى الله وأناديه؛ فإنه -جلت قدرته- هو المعين وحده.

والشاهد: الجمع في "يا اللهم" بين "يا" والميم المشددة التي تأتي عوضاً عنها، وذلك نادر؛ لأنه جمع بين العوض والمعوض، وهذا ما لم يعهد في العربية.

هذا: وقد تحذف "أل" من اللهم؛ فيقال: لا هم، وتكون كلمة "لاه" هي المنادى المبني على الضم، وهو كثير في الشعر، ومنه قول القائل:

لاهم إن العبد يمنع رحله فامتع رحالك

وقد تخرج "اللهم" عن النداء المحض؛ فتستعمل قبل أحرف الجواب؛ لتقوي الجواب وتؤكد مضمونه في نفس السامع؛ كأن يقال: أصحيح أنك مسافر؟ فتقول: اللهم نعم. أو: لا، فكأنك تقول: والله نعم، أو: والله لا. وقد تستعمل لإفادة الندرة والدلالة على قلة الشيء؛ كأن يقال: سأسافر غدا، اللهم إلا إذا تغير الجو. ومنه قول المؤلفين: اللهم إلا أن يقال كذا أو كذا. وهي في الاستعمالين منادى صورة؛ فتعرب كما يعرف المنادى الحقيقي، ويقال: إن النداء غير حقيقي، وإنه خرج عن معناه الأصلي إلى معنى آخر؛ هو تقوية الجواب، أو إفادة الندرة.

(1)

أي من الجمل الاسمية بأل. ويقال في إعرابه: مبني على ضم المقدر للحكاية في محل نصب. ويجب قطع همزته وإثباتها نطقا وكتابة في جميع الأحوال مع ثبوت ألف "يا"؛ لأن المبدوء بهمزة الوصل إذا سمي به يجب قطع همزته، لا فرق بين الفعل وغيره، ولا بين الجملة وسواها؛ لصيرورتها جزءا من الاسم، ما عدا لفظ الجلالة "الله" فله حكمه الخاص الذي سلف.

ص: 263

ذلك سيبويه، وزاد عليه المبرد: ما سمي به من موصول مبدوء بأل

(1)

؛ نحو: الذي، والتي، وصوبه الناظم.

الثالثة: اسم الجنس المشبه به

(2)

؛ كقولك: "يا الخليفة هيبة".

نص على ذلك ابن سعدان.

الرابعة: ضرورة الشعرة كقوله:

عباس يا الملك المتوج والذي

(3)

ولا يجوز ذلك في النثر، خلافاً للبغداديين.

(1)

بشرط أن يكون مع صلته علما؛ نحو: "يا الذي سافر"، في نداء من سمي بذلك؛ لأن الموصول مع صلته بمنزلة اسم واحد، أما الموصول وحده المسمى به، فمتفق على منع ندائه.

(2)

بشرط أن يذكر معه وجه الشبه، كما مثل المصنف. وتقديره: يا مثل الخليفة هيبة. فـ"يا" لم تدخل على "أل"، بل دخلت في الحقيقة على منادى محذوف قد حل محله المضاف إليه بعد حذفه، فـ"الخليفة" منادى منصوب؛ لأنه مضاف تقديرًا بعد حذف المضاف وإقامته مقامه في الإعراب، و"هيبة" تمييز.

(3)

صدر بيت من الكامل، لم نقف على قائله، وعجزه:

عرفت له بيت العلا عدنان

اللغة والإعراب: المتوج: الذي ألبس التاج. عرفت: اعترفت. العلا: الشرف. عدنان: المراد عدنان أبو العرب. "عباس" منادى بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب "يا" حرف نداء. "الملك" منادى مبني على الضم في محل نصب. "المتوج" بالرفع والنصب - صفته على اللفظ أو المحل. "والذي" معطوف على الملك. "بيت العلاط بيت مفعول عرفت مقدم، والعلا مضاف إليه. "عدنان" فاعل مؤخر.

والمعنى: واضح.

والشاهد: إدخال حرف النداء "يا" على الاسم المقترن بأل؛ وهو "الملك" وذلك ضرورة من ضرورات الشعر. ويجيز الكوفيون نداء الاسم المقترن بأل كمنا سبقت الإشارة إليه. وفيما سبق من حكم اجتماع أل، وحرف النداء؛ يقول للناظم مقتصرا على بعض الصور:

وباضطرار خص جمع "يا" و"أل"

إلا مع "الله" ومحكي الجمل

ص: 264

‌الفصل الثالث: في أقسام تابع المنادى المبني

(1)

وأحكامه

وأقسامه أربعة:

أحدها: ما يجب نصه مراعاة لمحل المنادى، وهو ما اجتمع فيه أمران:

أحدهما: أن يكون نعتاً

(2)

، أو بياناً، أو توكيداً.

الثاني: أن يكون مضافاص مجرداً من أل

(3)

؛ نحو: يا زيد صاحب عمرو، ويا زيد أبا

والأكثر "اللهم" بالتعويض

وشذ "يا اللهم" في قريض*

أي أن الجمع بين حرف النداء و"أل" خاص بضرورة الشعر. أما مع لفظ الجلالة "الله"، والجمل المحكية المبدوءة باللام، فجائز. والأكثر في نداء اسم الله "اللهم"، بميم مشددة معوضة من حرف النداء. وشد الجمع بين حرف النداء والميم في قريض؛ أي في شعر وقد ذكر الناظم الجمع بين "يا" و"أل"، والمقصود حروف النداء، لا خصوص "يا".

ومن مواضع جواز الجمع بين حرف النداء و"أل": المنادى المستغاث به المجرور باللام؛ نحو: يا للموسرين للمحتاجين، وسيأتي في بابه قريباً، إن شاء الله.

(1)

أما المنادى المنصوب اللفظ؛ فإن كان تابعه نعتًا، أو عطف بيان، أو توكيدًا، وجب نصب التابع مراعاة للفظ المتبوع؛ نحو: يا مجاهدًا مخلصًا لا تحجم عن لقاء العدو، يا عربا أهل اللغة الواحدة، أو كلكم، أجيبوا داعي الوطن.

وإن كان التابع بدلا أو عطف نسق مجردا من "أل" فالأحسن أن يكون منصوب الفظ أيضًا؛ نحو: بوركت يا ابن الخطاب عمر، أو بوركتما يا بن الخاطب وعليا. وبعضهم يجعل ذلك في حكم المنادى المستقل.

(2)

بشرط ألا يكون منعوته -وهو المنادى- اسم إشارة، ولا كلمة "أي" أو "أية" وإلا وجب رفع النعت كما في الحال الثانية الآتية.

(3)

ويشترط أن تكون الإضافة في الثلاثة محضة على الراجح، وإلا جاز رفع التابع مراعاة

*"وباضطرار" متعلق يخص؛ "جمع" نائب فاعل خص، إن كان ماضياً للمجهول، ومفعوله إن كان فعل أمر. "يا" مضاف إليه، و"أل" معطوف عليه. "إلا" أداة استثناء. "مع" ظرف متعلق بمحذوف، حال من جمع. "الله" مضاف إليه. "ومحكي الجمل" معطوف على لفظ الجلالة ومضاف إليه.

"والأكثر اللهم" مبتدأ، وخبر مقصود لفظه. "وبالتعويض" متعلق بمحذوف، حال من اللهم، "يا اللهم" فاعل شذ، قصد لفظه. "في قريض" متعلق بشذ.

ص: 265

عبد الله، ويا تميم كلهم، أو كلكم

(1)

.

والثاني:

(2)

ما يجب رفععه مراعاة للفظ المنادى؛ وهو: نعت "أي" و"أية"، ونعت اسم الإشارة، إذا كان اسم الإشارة وصلة لندائه

(3)

؛ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاس} ، {يَا أَيَّتُهَا

للفظ المنادى؛ نحو: يا رجل ضارب محمد، بالضم والنصب.

ووجوب النصب بهذين الشرطين، مذهب جمهور النحاة. وعن جماعة من الكوفيين: جواز النصب والرفع تبعا للمحل واللفظ. ومثل المضاف شبهه.

(1)

إذا كان تابع المنادى مشتملا على ضمير؛ جاز أن يكون للمخاطب لأنه مخاطب، وتلك قاعدة عامة تسري على توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب، إلا إذا كان التابع اسم إشارة؛ فلا يجوز أن تتصل بآخره علامة خطاب.

وإلى هذا القسم أشار ابن مالك بقوله:

تابع ذي الضم المضاف دون "أل"

ألزمه نصباً كأزيد ذا الحيل*

أي: أن تابع المنادى المبني على الضم، إذا كان مضافا مجردا من أل، يجب نصبه؛ نحو: أزيد ذا الحيل؛ أي صاحب الحي؛ فـ"زيد" منادى مبني على الضم، و"ذا" نعت له منصوب بفتحة مقدرة على الألف، و"الحيل" مضاف إليه. ويراد بالتابع، ما عدا عطف النسق والبدل، كما يشير إلى ذلك بعد، وشمل قوله "ذي الضم": العلم، والنكرة المقصودة، ولو كانا مبنيين قبل النداء.

(2)

"أي" في التذكير، و"أية" في التأنيث؛ وإنما وجب الرفع؛ لأن المقصود بالنداء هو التابع وهو مفرد. أما "أي" و"أية" فكلاهما صلة لندائه. وهما مبنيان على الضم؛ لأن كلا منهما نكرة مقصودة، و"ها" حرف تنبيه زائد زيادة لازمة لا تفارقهما.

(3)

أي: نداء النعت المبدوء بأل؛ لأن المبدوء بها لا يجوز نداؤه بغير واسطة، إلا في المواضع التي سبقت، ويكون هو المقصود بالنداء؛ فإن قصد نداء اسم الإشارة وحده، لم يلزم رفع وصفه؛ بل يجوز في تابعه الأمران، كما سيأتي.

* "تابع" مفعول بفعل محذوف يفسره المذكور بعده. "ذي الضم" مضاف إليه. "المضاف" نعت لتابع. "دون" ظرف متعلق بمحذوف، حال من تابع. "أل" مضاف إليه مقصود لفظه. "نصبا" مفعول ثان لألزمه، والهاء مفعوله الأول. "كأزيد" الكاف جارة لقول محذوف، والهمزة للنداء، و"زيد" منادى مبني على الضم في محل نصب. "ذا" نعت لزيد بمراعاة المحل. "الحيل" مضاف إليه، وسكن للشعر.

ص: 266

النَّفْسُ}

(1)

، وقولك: "يا هذا الرجل، إن كان المراد أولا نداء الرجل.

ولا يوصف اسم الإشارة أبداً إلا بما فيه "أل"

(2)

.

ولا يوصف "أي" و"أية" في هذا الباب. إلا بما فيه أل

(3)

، أو باسم الإشارة

(4)

؛ نحو: يا أيهذا الرجل

(5)

.

والثالث: ما يجوز رفعه ونصبه وهو نوعان:

(1)

" أي" و"أية" نكرتان مقصودتان مبنيتان على الضم في محل نصب، و"ها" زائدة للتنبيه لا محل لها {النَّاس} ، {النَّفْسُ} نعتان لأي مرفوعان باعتبار اللفظ، وحركتها إتباع على الصحيح، 21 من سورة البقرة، 27 من سورة الفجر.

(2)

أي الجنسية، والتي تصير بعد النداء للعهد الحضوري، أو باسم موصول مبدوء بأل؛ نحو: يا هذا الغافل تنبه. ويجوز إعراب هذا الاسم المبدوء بأل، عطف بيان لاسم الإشارة، والأفضل إعراب المشتق نعتا، والجامد عطف بيان.

(3)

أي الجنسية، أو المتصلة باسم موصول، كما تقدم في اسم الإشارة.

(4)

بشرط أن يكون مجردا من كاف الخطاب، ويغلب حينئذ وصفه أيضاً باسم مقرون بأل، كمثال المصنف، وكقول الشاعر:

أيها ذا الشاكي وما بك داء

كن جميلا تر الوجود جميلا

وقد يجيء نعته بدون أل، نحو: يا أيهذا أقبل.

(5)

"أي" منادى. "ها" للتنبيه. "ذا" اسم إشارة صفة في محل رفع. "الرجل" صفة لذا، أو عطف بيان.

هذا: ويجب إفراد "أي" و"أية" في النداءِ؛ سواء كانت صفتهما مفردة أم غير مفردة؛ تقول: يا أيها الطالب، يا أيها الصديقان، يا أيها الزملاء، ويحسن أن تماثل كل منهما صفتهما في التذكير والتأنيث؛ تقول: يا أيتها الفتاة؛ يا أيتها الفتاتان، يا أيتها المجدات، وفي هذا القسم يقول ابن مالك:

ص: 267

أحدهما: النعت المضاف المقرون بأل

(1)

؛ نحو: يا زيد الحسن الوجه

(2)

.

والثاني: ما كان مفردا

(3)

؛ من نعت، أو بيان، أو توكيد، أو كان معطوفا مقروناً بأل؛

و"أيها" مصحوب أل بعد صفة

يلزم بالرفع لدى ذي المعرفه*

و"أيهذا""أيها الذي" ورد

ووصف "أي" بسوى هذا يرد **

وذو إشارة كـ"أي" في الصفه

إن كان تركها يفيت المعرفه***

أي: أن النعت المقترن بأل بعد "أيها" يلزم رفعه، وورد عن العرب:"أبهذا"، و"أيها الذي"، مما فيه النعت اسم إشارة، أو اسم موصول مبدوء بأل.

ونعت "أي" بغير ذلك يرد ويرفض. وكذلك اسم الإشارة المنادى؛ مثل "أي" ينعت بمعرفة مرفوعة مقرونة بأل، من اسم جنس أو اسم موصول. ويجب أن ينعت اسم الإشارة أن أدى ترك النعت إلى عدم معرفة المشار إليه، وإلا لا.

(1)

اقترانه بأل يستلزم أن تكون الإضافة غير محضة؛ لأنها هي التي تجتمع مع أل، وتكاد تنحصر هذه الإضافة في تابع واحد هو النعت؛ لأن الغالب عليه الاشتقاق حيث تشيع هذه الإضافة.

(2)

الرفع على الإتباع للفظ "زيد" في الصورة؛ تشبيها له بالمرفوع، والنصب على المحل.

(3)

أي: عن الإضافة لا غير؛ سواء كانت فيه "أل"؛ نحو: يا محمد المجد، أم لا؛ كيا رجل ظريف؛ بالرفع والنصب.

* "وأيها" مقصود لفظه مبتدأ. "مصحوب أل" مصحوب مفعول مقدم ليلزم، وأل مضاف إليه. "بعد صفة" حالان من مصحوب أل، وبعد ظرف متعلق بمحذوف. "يلزم" الفاعل يعود على أيها، والجملة خبر المبتدأ، "بالرفع" حال ثالثة من مصحوب أل. "لدى" ظرف متعلق بيلزم. "ذي المعرفة" مضاف إليه.

** "وأيهذا" مبتدأ قصد لفظه. "أيها الذي" معطوف عليه بحذف العاطف. "ورد" فاعله يعود على المذكور، والجملة خبر المبتدأ، "ووصف أي" مبتدأ ومضاف إليه. "يرد" نائب الفاعل يعود إلى "وصف أي"

إلخ، والجملة خبر المبتدأ.

*** "وذو إشارة" مبتدأ ومضاف إليه. "كأي" متعلق بمحذوف، خبر. "في الصفة" متعلق بمحذوف، حال من ضمير الخبر. "إن كان" شرط وفعله. "تركها" اسم كان والضمير يعود إلى الصفة. "يفيت المعرفه" الجملة خبر كان، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله.

ص: 268

نحو: يا زيد الحسن والحسن، ويا غلام بشر وبشراً، ويا تميم أجمعون وأجمعين، وقال الله تعالى:{يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} . قرأه السبعة بالنصب

(1)

، واختاره أبو عمرو، وعيسى، وقرئ بالرفع

(2)

، واختاره الخليل وسيبويه. وقدروا

(3)

النصب بالعطف على {فَضْلًا} من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا}

(4)

.

وقال المبرد: إن كانت "أل" للتعريف، مثلها في {الطَّيْر} ، فالمختار النصب

(5)

، أو لغيره، مثلها في {الْيَسَع} ، فالمختار الرفع

(6)

.

والرابع: ما يعطى تابعا ما يستحقه إذا كان منادى مستقلًا؛ وهو: البدل، والمنسوق المجرد من أل

(7)

، وذلك لأن البدل في نيهة تكرار العامل،

(1)

أي ينصب {الطَّيْر} بالعطف على محل "الجبال" من الآية 10 من سورة سبأ.

(2)

أي: عطفا على لفظ "الجبال".

(3)

أي من اختاروا الرفع.

(4)

والتقدير: وآتيناه الطير، وتكون مجملة النداء معترضة بين المتعاطفين، ووجه اختيار الرفع: مشاكلة الحركة وكثرته، كما يقول سيبويه.

(5)

لأن المعرف يشبه المضاف من حيث تأثر كل بالتعريف بما يتصل به.

(6)

لأن "أل" حينئذ -وهي من بنية الكلمة- كالمعدومة؛ فلا مانع من أن يلي ما هي فيه حرف النداء، وإلى المعطوف المقرون بأل أشار الناظم بقوله:

وإن يكن مصحوب "أل" ما نسقا

ففيه وجهان ورفع ينتقى

أي: إذا كان المعطوف عطف نسق مقترنا بأل جاز فيه وجهان: الرفع، والنصب، والمختار الرفع، ومعنى ينتقى يختار.

(7)

فيبنى كل منهما على الضم إن كان مفردا معرفة بالعلمية أو بالقصد، وينصب

* "وإن يكن" شرط وفعله. "مصحوب أل" مصحوب خبر يكن مقدم وأل مضاف إليه. "ما" اسم موصول، اسم يكن "نسقا" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة، والألف للإطلاق. "ففيه" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"فيه" خبر مقدم. "وجهان" مبتدأ مؤخر، والجملة جواب الشرط. "ورفع" مبتدأ، وسوغ الابتداء به -وهو نكرة- وقوعه في معرفة التقسيم. "ينتقى" فعل ماض للمجهول، والجملة خبر.

ص: 269

والعاطف كالنائب من العامل

(1)

؛ تقول: يا زيد بشر بالضم، وكذلك: يا زيد وبشر، وتقول: يا زيد أبا عبد الله، وكذلك: يا زيد وابا عدب الله. وهكذا حكمهما مع المنادى المنصوب

(2)

.

إن كان مضافا أو شبيها بالمضاف.

(1)

أي: أن حرف العطف بمنزلة عامل النداء؛ فكأنه داخل على منادى مستقل.

(2)

أي ليس ذلك مختصا بتابع ذي الضم، كما يوهمه كلام الناظم؛ يقول: يا عبد الله أخا محمد، ويا عبد الله وأخا محمد بنصب الأخ، وقد أشار الناظم إلى هذا القسم بقوله:

وما سواه انصب أو ارفع واجعلا

كمستقل نسقاً وبدلا

وهذا البيت يأتي عقب قول الناظم:

تابع ذي الضم المضاف دون "أل"

ألزمه نصباً كـ"أزيد ذا الحيل"

فقوله: "وما سواه"؛ أي ما سنى تابع المضاف المذكور الواجب النصب؛ وهو: المضاف المقرون بأل، والمفرد من نعت وبيان أو توكيد أو نسق مقرون بأل، يجوز رفعه ونصبه كما بين المصنف، أما عطف النسق المجرد من أل، والبدل؛ ففي حكم المنادى المستقل؛ يجب ضمه إذا كان مفردا، ويجب نصبه إن كان مضافا. ويتلخص مما سبق من أحكام هذا الفصل: أن توابع المنادى تنصب -جوازا أو وجوبا، على النحو الذي أو -ضحه المصنف، إلا في موضعين:

أ- أن يكون المنادى المتبوع، لفظ "أي"، أو "أية" أو "اسم إشارة"، فيجب رفع نعتها لتماثل حركته حركة المنادى.

ب- أن يكون المنادى المتبوع مبنيا على الضم، والتابع بدلا، أو عطف نسق مجردا من "أل"، فحكمها حكم المنادى المستقل عند فريق من النحاة، وبعضهم يجيز النصب، وهو رأي حسن.

* "وما" اسم موصول معمول ارفع مقدم. "سواه" سوى ظرف متعلق بمحذوف صلة، والهاء مضاف إليه، "واجعلا" فعل أمر مؤكد بالنون المنقلبة ألفا. "كمستقل" جار ومجرور متعلق باجعل في موضع المفعول الثاني له. "نسقا" مفعوله الأول. "وبدلا" معطوف على نسقا.

ص: 270

‌الفصل الرابع: في المنادى المضاف للياء

(1)

وهو أربعة أقسام:

أحدها: ما فيه لغة واحدة، وهو المعتل

(2)

، فإن ياءه واجبة الثبوت، والفتح

(3)

؛ نحو: يا فتاي، ويا قاضي

(4)

.

الثاني: ما فيه لغتان، وهو الوصف المشبه للفعل

(5)

؛ فإن ياءه ثابتة لا غير، وهي: إما مفتوحة أو ساكنة؛ نحو: يا مكرمي، ويا ضاربي.

(1)

ينظر موضوع "المضاف لياء المتكلم" صفحة 382، جزء ثان، فبين الموضوعين صلة قوية.

(2)

سواء أكان مقصوراً أم منقوصاً، وقد مثل لهما المصنف.

(3)

أما علة الثبوت؛ فلأنها لو حذفت لحصل التباس بغير المضاف. وأما وجوب الفتح؛ فلأنها لو سكنت التقى ساكنان، والتحريم بالضم والكسر ثقيل على الياء.

(4)

"قاضي" منادى منصوب بفتحة مقدرة على الياء المدغمة في ياء المتكلم، وهي مضاف إليها. ويلحق بالمعتل: المثنى وشبهه، وجمع المذكر السالم وشبهه، إذا أضيفا وحذفت نونهما للإضافة، وختم آخرهما بالعلامة الخاصة بكل منهما، فتدغم الياء الساكنة في آخرهما، في ياء المتكلم المبنية على الفتح؛ نحو: يا عيني جودي بالدمع، ومنه قول الشاعر:

يا سابقي إلى الغفران مكرمة

إن الكرام إلى الغفران تستبق

ويلحق كذلك بالمعتل: المختوم بياء مشددة ليس تشديدها؛ كعبقري، وبني، تصغير ابن؛ يقال: يا عبقري ويا بني، بحذف الياء المشددة الثانية، وإدغام الاولى في ياء المتكلم المفتوحة. ويجوز حذف ياء المتكلم وبقاء الياء المشددة قبلها مكسورة؛ تقول: يا عبقري، ويا بني، ولا يجوز إسكان ياء المتكلم المتصلة بالاسم، المعتل لئلا يلتقي ساكنان -كما لا يجوز تحريكها بالكسرة أو الضمة؛ لأن هاتين الحركتين ثقيلتان على الياء.

(5)

أي المضارع، وذلك بإفادته معنى الحال أو الاستقبال، وهو الذي إضافته غير محضة، والمنادى واجب النصب بفتحة مقدرة قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها الكسرة التي لمناسبة الياء، ويجب أن يكون المنادى المضاف مفردا، وأن يكون وصفا عاملا.

أما إذا كان الوصف بمعنى الماضي، فإن إضافته تكون محضة،، وتجري فيه اللغات الست الآتية.

ص: 271

الثالث: ما فيه ست لغات، وهو ما عدا ذلك

(1)

، وليس أباً، ولا أما؛ نحو: يا غلامي.

فالأكثر حذف الياء والاكتفاء بالكسر؛ نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}

(2)

. ثم ثبوتها ساكنة؛ نحو: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} ، أو مفتوحة؛ نحو:{يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا} ، ثم قلب الكسرة فتحة والياء ألفاً؛ نحو:{يَا حَسْرَتَا}

(3)

. وأجاز الأخفش حذف الألف والاجتزاء بالفتحة؛ كقوله:

بلهف ولا بليت ولا لو اني

(4)

(1)

ويشمل: الصحيح الآخر، وما يشبهه، إذا كانت إضافتهما محضة. ويجب نصبه؛ إن كان المنادى مفردا، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالما؛ نحو: يا أخي، يا أصدقائي، يا زميلاتي.

(2)

"عباد" منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، منع من ظهورها الكسرة التي جاءت لمناسبة الياء. الآية 16 من سورة الزمر.

(3)

أصله: حسرتي، فقيل حسرتي، ثم قبلت الياء ألفاً لتحركها، وانفتاح ما قبلها؛ فهو منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا، منع منها حركة المناسبة، وياء المتكلم مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، ويجوز أن تلحقه هاء السكت عند الوقف، فتقول: يا حسرتاه. من الآية 56 من سورة الزمر.

(4)

عجز بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وصدره:

ولست براجع ما فات مني

اللغة والإعراب: راجع: اسم فاعل من رجع، وهو أفصح من أرجع، وفي القرآن الكريم:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} لهف: حزن وتحسر، و"يا لهف" كلمة يتحسر بها على فائت. "براجع" خبر ليس على زيادة الباء، وفيه ضمير هو فاعله لأنه اسم فاعل. "ما" اسم موصول مفعوله. "فات" ماض والجملة صلة. "بلهف" الباء جارة لقول محذوف. و"لهف" منادى بحذف حرف النداء، والجملة معمولة للقول المحذوف، وما بعده معطوف عليه مقصود لفظه، و"لا"زائدة لتأكيد النفي.

والمعنى: أن ما ذهب مني لا يعود بكلمة التلهف والحسرة ولا بكلمة التمني، وقولي:

ص: 272

أصله بقولي: يا لهفا.

ومنهم من يكتفي من الإضاف بنيتها

(1)

، ويضم الاسم كما تضم المفردات

(2)

، وإنما يفعل ذلك فيما يكثر فيه ألا ينادى إلا مضافا

(3)

؛ كقول بعضهم: يا أم لا تفعلي، وقراءة آخر:{رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ}

(4)

.

ليتني عملت كذا، ولا بقولي: لو أني فعلت كذا لكان كذا.

والشاهد: في قوله: "بلهف"؛ فإن "لهف" منادى بحرف نداء محذوف، وهو مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا المحذوفة، والفتحة دليل عليها، وأصله: يا لهفي. وقيل: إن "لهف" مجرور بالباء على الحكاية، وكذا ما بعده لا على النداء، وإذا لا شاهد فيه.

(1)

فيحذف الياء والكسرة.

(2)

وذلك تشبيها له بالنكرة المقصودة، فضمته مشاكلة، ويقال في إعرابه: منصوب بفتحة مقدرة لإضافته تقديرًا، منع من ظهورها ضمة المشاكلة، وهذه اللغة أضعف اللغات، وقد أهملها بعض النحاة.

(3)

وذلك ليكون العلم بشيوع إضافته دليلا على حذف المضاف إليه، وأنه محذوف في اللفظ ملاحظ في النية، مثل: أم، أب، ابن، رب، قوم.

(4)

كل من "أم" و"أب" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوف، منع من ظهورها الضمة المجلوبة لمشاكلة المفرد المبني على الضم. من الآية 33 من سورة يوسف. وإلى حكم الصحيح، واللغات التي في الياء، أشار الناظم مقتصرا على خمس اللغات الأولى بقوله:

واجعل منادى صح إن يضف لـ"يا"

كعبد عبدي عبد عبدا عبديا*

أي: أجعل المنادى الصحيح الآخر -إذا أضيف للياء- على مثال واحد من ذلك؛ فـ"عبد" لما حذفت فيه الياء وبقيت الكسرة دليلا عليها، و"عبدي" لثبوت الياء ساكنة وكسر ما قبلها، و"عبد" لما قبلت فيه الياء ألفا وحذفت، واستغني عنها بالفتحة، و"عبدا" لما قبلت

* "منادى" مفعول أول اجعل. "صح" الجملة صفة لمنادى. "إن يضف" شرط وفعله، ونائب الفاعل يعود إلى منادى، وجواب الشرط محذوف. "ليا" متعلق بيضف، والمضاف إليه مقدر؛ أي لياء المتكلم. "كعبد" جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل، وما بعده معطوف عليه بإسقاط العاطف.

ص: 273

الرابع: ما فيه عشر لغات، وهو: الأب، والأم؛ ففيهما مع اللغات الست: أن تعوض تناء التأنيث

(1)

عن ياء المتكلم وتكسرها، وهو الأكثر، أو تفتحها، وهو الأقيس

(2)

، أو تضمها على التشبيه بنحو: ثبة وهبة، وهو شاذ، وقد قرئ بهن

(3)

. وربما جمع بين التاء والألف، فقيل: يا أبتا، يا أمتا

(4)

، وهو كقوله:

أقول يا اللهم يا اللهما

وسبيل ذلك الشعر

فيه الياء ألفا ولم تحذف، وقلبت الكسرة فتحة، و"عبدي" لما أضيف للياء المبنية على الفتح، ولم يذكر اللغة السادسة، وهي ضم الاسم بعد حذف الياء؛ كالمفرد، اكتفاء بنية الإضافة؛ لما بينا.

(1)

الغالب في هذه التاء: أن تبقى تاء عند النطق بها وقفاً ووصلا، وأن تكتب تاء غير مربوطة في جميع أحوالها.

(2)

لأنها عوض عن ياء حركتها الفتح.

(3)

أي في نحو قوله تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} ، والمنادى في هذه الحالات الثلاث منصوب؛ لأنه مضاف للياء المحذوفة المعوض عنها تاء التأنيث، ونصبه بفتحة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جيء بها لمناسبة التاء. ويرى بعض المحدثين أن يقال: منصوب بالفتحة الظاهرة، لأن تاء التأنيث تستلزم فتح ما قبلها دائماً إلا في النداء.

(4)

على ما فيه من جمع بين العوض المعوض، وذلك ممنوع وهو من ذلك أن الألف بدل من الياء؛ فهو جمع بين العوض وبدل المعوض. وقيل: إن هذه الألف ليست بدلا من ياء المتكلم؛ وإنما هي حرف هجائي يوصل به آخر المنادى، إذا كان بعيدا، أو مندوبا، أو مستغاثا به. وهنالك صورة أضعف من هذه؛ ويه الجمع بين هذه التاء وياء المتكلم بعدها؛ فتقول: يا أبتي، ويا أمتي، وعليها جاء قول الشاعر:

أيا أبتي لا زلت فينا فإننا

لنا أمل في العيش ما دمت عائشا

ويقال في إعرابها: "أب" منادى منصوب مضاف، والتاء عوض عن الياء المحذوفة، أما المذكورة فحرف ناشئ من إشباع كسرة التاء، أو التاء للتأنيث اللفظي والباء بعدها مضاف إليه، وقد فصلت بين المتضايفين.

ص: 274

ولا يجوز تعويض تاء التأنيث عن ياء المتكلم إلا في النداء

(1)

؛ فلا يجوز: جاءني أبت، ولا رأيت أمت. والدليل على أن التاء في يا أبت ويا أمت عوض من الياء، أنهما لا يكادان يجتمعان، وعلى أنها للتأنيث، أنه يجوز إبدالها في الوقف هاء

(2)

.

فصل: وإذا كان المنادى مضافاً إلى الياء؛ فالياء ثابتة لا غير

(3)

، كقولك: يا بن أخي، ويا بن خالي، إلا أن كان ابن أم، أو ابن عم

(4)

، فالأكثر الاجتزاء بالكسرة من الياء

(5)

، أو أن يفتحا للتركيب المزجي

(6)

، وقد قرئ:{قَالَ ابْنَ أُم} بالوجهين، ولا يكادون يثبتون

(1)

وذلك أيضا خاص بالأب والأم.

(2)

وكذلك في الخط، وقد بينا قريبا أن الغالب والأفضل جعلها تاء عند الكتابة والوقف. وإلى بعض ما سبق في نداء "أب"، و"أم" يقول الناظم:

وفي النداء "أبت أمت عرض

واكسر أو افتح ومن الياء التا عوض

أي: عرض وقيل في النداء: يا أبت، ويا أمت، بكسر التاء وفتحها، وهذه التاء عوض عن ياء المتكلم المضاف إليها، وقد ترك الناظم صورة ضم التاء، كما ترك بقية الصور التي أوضحها المصنف.

(3)

أي: مع بنائها على السكون أو الفتح، ما لمت تحتم الضرورة الشعرية الاقتصار على أحدهما.

(4)

وكذلك: ابنة أم، أو ابنة عم، أو بنت أم، أو بنت عم.

(5)

ويكون المنادى معربا منصوبا، والمضاف إليه الأول مجرور بالكسرة الظاهرة قبل الياء المحذوفة.

(6)

فيصير أن بمنزلة "خمسة عشر" مثلا، ويقال في إعراب: يا بن أم

إلخ. "يا للنداء"، و "ابن أم" منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها حركة البناء التركيبي، وياء المتكلم المحذوفة مضاف إليه. وقيل: إن الأصل: يا بن أما، ويا بن عما

إلخ، بقلب الياء ألفا وحذفها للتخفيف، وإبقاء الفتحة دليلاً عليها، ويكون الإعراب مقدرا منع منه الفتحة التي

* "وفي النداء" جار ومجرور متعلق بعرض. "أبت" مبتدأ مقصود لفظه. "أمت" معطوف على أبت بحذف العاطف. "عرض" الجملة خبر المبتدأ. "ومن الياء" متعلق بعوض. "التا عوض" مبتدأ وخبره.

ص: 275

الياء ولا الألف، إلا في الضرورة؛ كقوله:

يا بن أمي ويا شقيق نفسي

(1)

وقوله:

يا بنة عما لا تلومي واهجعي

(2)

جيء بها لمناسبة الألف المحذوفة. ويجوز وجه ثالث؛ وهو: إهمال الياء المحذوفة، واعتبار المنادى وما أضيف إليه بمنزلة الاسم الواحد المركب تركيبًا مزجيًا، ويعرب مبنيا على ضم مقدر منع منه حركة البناء أيضا، وقد أشار الناظم إلى بعض هذه الآراء بقوله:

وفتح أو كسر وحذف اليا استمر

في "يا بن أم يا بن عم لا مفر"

أي فتح الميم وكسرها قبل الياء المحذوفة، وحذف هذه الياء، مستمر على الراجح في يا بن أم، ويا بن عم، من المنادى المضاف إلى مضاف لياء المتكلم، وأصلهما: يا بن أمي، ويا بن عمي.

(1)

صدر بيت من الخفيف، لأبي زبيد الطائي، واسمه حرملة بن المنذر، من قصيدة يرثي فيها أخاه، وعجزه:

أنت خلقتني لدهر شديد

وأولها:

إن طول الحياة غير سعود

وضلال تأميل نيل الخلود

اللغة والإعراب: شقيق: تصغير شقيق. خلفتني: تركتني بعدك. لدهر شديد: لزمن تبعاته شديدة. والإعراب واضح.

والمعنى: يا أخي في النسب، ويا من نفسه كنفسي، لقد ذهبت وتركتني وحيدًا أقاسي ويلات الزمن، وقد كنت ركنا أستند إليه، وظهير أعتمد عليه.

والشاهد: إثبات ياء المتكلم في "يا بن أمي" للضرورة.

(2)

صدر صدر بيت من الرجز، أو بيت من الرجز المشطور، لأبي النجم، الفضل بن قدامى العجلي، يخاطب امرأته "أم الخيار"، وعجزه:

* "وفتح" مبتدأ وهو نكرة مسوغة التقسيم. "أو كسر" عطف عليه. "وحذف الياء" حذف عطف على كسر، والياء مضاف إليه، والواو بمعنى مع "استمر" فاعله يعود على حذف الياء، والجملة خبر المبتدأ، "في" حرف جر. "يا بن أم" مجرور بفي على الحكاية، متعلق باستمر. "يا بن عم" معطوف عليه بحذف العاطف. "لا" نافية للجنس. "مفر" اسمها، والخبر محذوف، أي: لي، أو: موجود.

ص: 276

‌باب: في ذكر أسماء لازمت النداء

(1)

منها "فل"، و"فلة"، بمعنى رجل، وامرأة

(2)

، وقال ابن مالك وجماعة: بمعنى زيد،

لا يخرق اللوم حجاب مسمعي

وهذا البيت من قصيدة مشهورة مطلعها:

قد أصبحت أم الخيار تدعي

علي ذنبا كله لم أصنع

من أن رأت رأسي كرأس الأصلع

ميز عنه قنزعا عن قنزع

جذب الليالي أبطئي أو أسرعي

أفناه قيل الله للشمس اطلعي

حتى إذا وارك أفق فارجعي

اللغة والإعراب: لا تلومي: من اللوم؛ وهو كثرة العتاب. أهجعي: من الهجوع، وهو الرقاد بالليل، والمراد: ترك ما هي فيه من لوم وتعنيف. حجاب مسمعي. كناية عن الأذن. "يا بنية""يا" للنداء، وابنة منادى منصوب. "عما" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا. منع من ظهورها فتحة مناسبة الألف، والألف المنقلبة عن الياء مضاف إليه. "لا تلومي" لا ناهية وتلومي فعل مضارع مجزوم بلا بحذف النون، "واهجعي" فعل أمر معطوف عليه.

والمعنى: دعي واتركي لومي وعتابي يا بنة عمي، وخذي نفسك بالراحة، ونامي؛ فإن لومك هذا لا يصل إلى سمعي ولا أستمع له، وكانت -كثيرة اللوم له لكبره وضعفه ولا سيما وقت النوم والراحة.

والشاهد: في "يا بنة عما"؛ حيث أثبت الألف المنقلبة عن ياء المتكلم للضرورة.

باب في ذكر أسماء لازمت النداء

(1)

أي لا تستعمل إلا منادى؛ فلا تقع فاعله، ولا مفعولة، ولا مبتدأ، ولا خبرا، ولا اسما، أو خبرا لناسخ، ولا مضافا إليها، ولا شيئاً آخر غير المنادى.

ومن الأسماء ما لا يصح أن يكون منادى على الصحيح؛ كالاسم المضاف إلى ضمير المخاطب؛ نحو: يا أخاك، وكضمائر غير المخاطب، واسم الإشارة المتصل بكاف الخطاب؛ نحو: يا ذاك، والاسم المبدوء "بأل"، في غير المواضع المستثناة التي سبق ذكرها.

(2)

أي فهما كنايتان عن نكرتين من جنس الإنسان، مستقلتان عن فلان وفلانة. وأصل "فل"

ص: 277

وهند، ونحوهما

(1)

، وهو وهم

(2)

؛ وإنما ذلك بمعنى: فلان، وفلانة

(3)

.

وأما قوله:

في لجة أمسك فلاناً عن فل

(4)

فقال ابن مالك:

(1)

أي من أعلام الأناسي، فهما كنايتان عن علم شخصي لمن يعقل.

(2)

أي غلط.

(3)

أي أن الذي بمعنى زيد، ونحوهما من كناية الأعلام، هو:"فلان" و"فلانة"، لا "فل"، و"فلة". ويمكن دفع وهم ابن مالك؛ بأن أصل "فل" و"فلة" عنده وفلانة، فحذفت الألف والنون تخفيفا، وهو مذهب الكوفيين. ومهما يكن؛ فكل من "فل، فلة"، مبني على الضم دائماً في محل نصب سواء اعتبرا من المفرد العلم، أو النكرة المقصودة. واستعمالها في غير النداء، أو منادى منصوبًا، لا يكون إلا لضرورة شعرية.

(4)

عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطور الرجز، لأبي العجلي، يصف إبلا قد أقبلت متزاحمة واثارت غبارا، وقبله:

تضل منه إبلي بالهوجل

وهذا البيت من أرجوزة طويلة مشهورة، مطلعها:

الحمد لله العلي الأجلل

الواسع الفضل الوهوب المجزل

اللغة والإعراب: الهوجل: المراد هنا: المفازة الواسعة التي لا أعلام بها، ويطلق على الرجل الأهوج، لجة: هي الجلبة واختلاط الأصوات في الحروب. "منه" جار ومجرور متعلق بتضل. والهاء عائدة على الغبار في البيت قبله. "إبلي" فاعل تضم. "بالهوجل" متعلق به. "في لجة" متعلق بتضل أيضا، أو بتدافع الواقع مفعولا مطلقا لفعل محذوف؛ أي تدافعت الإبل تدافع، وذلك في قوله قبل:

تدافع الشيب ولم تقتل

"أمسك فلانا عن فل" الجملة في محل نصب مقولة لقول محذوف، صفة للجة، أي في لجة مقول فيها: أمسك

إلخ.

والمعنى: يصف الشاعر إبلا اقبلت متزاحمة متدافعة تثير الغبار، فشبهها في هذه الحالة، وقد ارتفعت أصواتها في الفلاة، يقوم شيوخ في لجة يدافع بعضهم بعضا، فيقال فيهم: أمسك فلانا عن فلان، أي أحجز بينهما. وقيل: إن صدر البيت هو: تدافع الشيب

إلخ؛ لأن العجز يتلاءم معه بدون هذا التكلف.

والشاهد: استعمال "فل" في غير النداء، وجرها بحرف الجر للضرورة. وهذا رأي ابن مالك؛ إذ يقول:"وجر في الشعر فل".

ص: 278

هو "فل" الخاص بالنداء، استعمل مجروراً للضرورة

(1)

، والصواب: أن أصل هذا "فلان"، وأنه حذف منه الألف والنون للضرورة؛ كقوله:

درس المنا بمتالع فأبان

(2)

أي: درس المنازل.

ومنها: "لؤمان"، بضم أوله وهمزة ساكنة ثانية؛ بمعنى كثير اللؤم

(3)

.

(1)

وقد صرح بذلك في النظم فقال: "وجر في الشعر فل". وقيل إن "فل" هنا أصله "فلان"، فرخم بحذف النون والألف.

(2)

صدر بيت من الكامل، للبيد بن ربيعة العامري. وعجزه:

فتقادمت بالحبس فالسوبان

اللغة والإعراب: درس: عفا وزال أثره. المنا: أي المنازل. متالع، وأبان، والحبس، والسوبان: أسماء أماكن معينة. "المنا" فاعل درس مرفوع بصمة مقدرة على الألف للتعذر، أو بضمة ظاهرة على الحرف المحذوف للترخيم. "بمتالع" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من المنازل. "فأبان" معطوف على متالع.

والمعنى: أن جميع المنازل التي كانت بهذه الأماكن درست وزالت آثارها.

والشاهد: أن أصل المنا "المنازل" فرخم في غير النداء بحذف حرفين منه للضرورة. وهذا يقوي رأي من يقول: إن اصل "فل" -في البيت السابق- "فلان" وحذفت منه الألف والنون للضرورة. وقيل: إن المنا بمعنى المحاذي، ولا ترخيم فيه، وكأن الشاعر قال: عفا المكان المحاذي لهذه الأماكن.

(3)

ومثله في المعنى والحكم: "ملأم"، وكذلك "ملأمان"، و"مخبثان"، وصفان بمعنى: لئيم وخبيث. ومثلهما: كل وصف على وزن "مفعلان" مما يدل على أمر مذموم، وقد يدل على أمر محمود؛ مثل: مكرمان، ومطيبان، وصفان بمعنى: عزيز مكرم، وطيب.

ص: 279

و"نومان" -بفتح أوله وواو ساكنة ثانية- بمعنى كثير النوم

(1)

.

و"فعل" كغدر وفسق -سبا للمذكر. واختار ابن عصفور كونه قياسياً

(2)

، وابن مالك كونه سماعيا

(3)

.

و"فعال"؛ كفساق وخباث؛ سبا للمؤنث

(4)

، وأما قوله:

إلى بيت قعيدته لكاع

(5)

، فاستعمله خبراً ضرورة، وينقاس هذا، و"فعال" بمعنى

(1)

لا يقاس على ما كان على وزن: "لؤمان"، و"ملأم"، و"نومان"؛ بل يقتصر فيه على السماع. أما ما كان على وزن "مفعلان" ففيه رأيان، ولعل الأنسب الأخذ بالرأي الذي يبيح القياس في هذه الصيغة؛ لكثرة ما ورد فيها.

(2)

أي في كل وصف جاء على وزن "فعل" بمعنى فاعل؛ لذم المذكر وسبه، بشرط دلالة أصله على السب.

(3)

وقد أشار إلى ذلك في النظم كما سيأتي. ومما سمع: فسق، وغدر، وخبث، ولكع، وسفه، بمعنى سافه، وشتم؛ بمعنى شاتم. وورد:"يا سفه مقتل الرجل بين فكيه"، وقد يستعمل هذا الومن في غير النداء؛ كحديث: "لا تقوم الساحة حتى يكون أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع.

(4)

وهو معدول عن "فاعلة" أو "فعلية"، ومبني على الكسر أصالة.

(5)

عجز بيت من الوافر، اشتهر بأنه للحطيئة، في هجاء امرأته، ونسبه ابن السكيت لأبي الغريب النصري، وصدره:

أطوف ما أطوف ثم آوي

اللغة والإعراب: أطوف: من التطويف؛ أي أكثر الطواف والجولان في البلاد. آوي: أرجع وأعود. قعيدته. التي تلازم القعود فيه، ويطلق على المرأة "قعيدة البيت" لذلك. لكاع لئيمة خبيثة. "ما" مصدرية ظرفية. "أطوف" فعل مضارع، وقثد وصلت به "ما" وهو مضارع مثبت، وذلك قليل. "قعيدته" مبتدأ ومضاف إليه. "لكاع" خبر مبني على الكسر في محر رفع، والجملة صفة لبيت.

والمعنى: يهجو امرأته ويقول: أسير في الأرض، وأكثر من الطواف والجولان والتنقل في نواحيها؛ لتحصيل القوت، والبحث عن العيش لي ولأسرتي، ثم أعود إلى منزلي فأجد فيه امرأة خبيثة لئيمة، لم تهيء لي أسباب الراحة بعد هذا العناء.

والشاهد: استعمال "لكاع" -وهو على وزن "فعال"- في غير النداء للضرورة؛ فهي خبر المبتدأ. وقيل: إن الخبر قول محذوف؛ أي قعيدته يقال لها: يا لكاع، وحينئذ لا يكون قد خرج عن النداء.

ص: 280

الأمر

(1)

؛ كنزال، من كل فعل ثلاثي

(2)

تام متصرف

(3)

. فخرج نحو: دحرج، وكا، ونعم وبئس"

(4)

. والمبرد لا يقيس فيهما.

(1)

ذكر المصنف ذلك هنا من باب الاستطراد لموافقته؛ نحو: خباث؛ في الوزن، والبناء على الكسر، وشروطه، لا في النداء. وسيجيء الكلام على هذه الصيغة في باب "أسماء الأفعال".

(2)

إلا ما سمع من نحو: دراك، من أدرك.

(3)

أي تصرفا كاملا؛ فلا يبنى من نحو: يذر ويدع؛ لأن كلا منهما ناقص التصرف.

(4)

"دحرج" غير ثلاثي، و"كان" غير تام، و"نعم" و"بئس" جامدان.

ويستخلص مما تقدم: أن الألفاظ التي لا تستعمل إلا منادى ثلاثة أنواع:

أ- نوع مقصور على السماع، وأشهر ألفاظه: أبت، وأمت الملازمتين لتاء التأنيث، اللهم، فل، فلة، لؤمان، ملأم، نومان. وألفاظ هذا النوع مبنية على الضم، إلا أبت وأمت، وقد تقدم حكمهما.

ب- نوع قياسي وهو: ما كان على وزن "فعال" لسب الأنثى وذمها؛ كيا خباث، ويا فساق، وله شروط سبق بيانها ويقال في إعراب هذا النوع: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره كسرة البناء الأصلي في محل نصب.

جـ- نوع في قياسته خلاف، والأحسن الأخذ بقول من يقول بقياسيت؛ لكثرة ما ورد منه عن العرب، وهو: ما كان على وزن "مفعلان" للذم غالباً، أو للمدح؛ كملأمان، ومكرمان، وما كان على وزن "فعل" لذم المذكر؛ نحو: غُدر، ولُكَع، وهذا النوع مبني على الضم في محل نصب.

وإلى ما تقدم في هذا الباب يشير الناظم بقوله:

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

و"فل" بعض ما يخص بالندا

"لؤمان""نومان" كذا واطردا

في سب الأنثى وزن "يا خباث"

والأمر هكذا من الثلاثي

وشاع في سب الذكور "فعل"

ولا تقس وجر في الشعر "فل"

أي أن "فل" و"فلة" من الأسماء التي تختص بالنداء، وكذلك "لؤمان" و"نومان" واطرد في سب الأنثى "يا خباث" وما كان على وزنها، وهذا الوزن مطرد أيضاً في كل اسم فعل ثلاثي دال على الأمر، وشاع في النداء ما كان على وزن "فُعَل" خاصا بسب الذكور، ومع شيوعه، فلا تقس عليه، ويجوز جر "فل" في الشعر للضرورة، مع أنها مختصة بالنداء.

نداء المجهول: اختار العرب لنداء المجهول كلمات منها: "هَن" لنداء المذكر المجهول، و"هِنت" لنداء المؤنثة المجهولة؛ تقول:"يا هن لا تدخل فيما لا يعنيك"، و"يا هنت قلبي"، وتقول في التثنية:"يا هنان" و"هنتان"، وفي جمعي السلامة:"يا هنون" و"يا هنات". وقد تلحقها في الآخر "ها" كما في الندبة؛ فيقولون في الإفراد: "يا هناه" و"يا هنتاه"، وفي التثنية:"يا هنتانيهن" و"يا هِنتانيه"، وفي الجمع:"يا هنوناه"، و"يا هناتوه". وتسكن الهاء الأخير في كل ذلك عند الوقف. وتحذف وصلا، وقد تثبت وصلا للضرورة الشعرية، فتتحرك بالضم أو بالكسر، ومن الخير عدم استعمال هذه الكلمات اليوم؛ لثقلها ولتعدد معانيها اللغوية، ومن معانيها: المحمود والمذموم.

*"وفل" مبتدأ. "بعض" خبر. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "يخص" فعل مضارع للمجهول. ونائب الفاعل يعود على "ما" والجملة صلة، "بالندا" متعلق بيخص؟ "لؤمان" مبتدأ. "نومان" معطوف عليه بتقدير عاطف. "كذا" متعلق بمحذوف خبر. "واطردا" فعل ماض، والألف للإطلاق.

** "في سب" متعلق باطراد، و"الأنثى" مضاف إليه. "وزن" فاعل اطرد. "يا خباث" مضاف إليه على الحكاية "والأمر" مبتدأ. "هكذا" متعلق بمحذوف خبر. "من الثلاثي" جار ومجرور متعلق بمحذوف، حال من الضمير المستكن في الخبر.

*** "فعل" فاعل شاع. "جر" فعل ماض للمجهول. "في الشعر" متعلق بجر. "فل" نائب فاعل جر.

ص: 282

هذا باب: الاستغاثة

(1)

إذا استغيث اسم منادى

(2)

، وجب كون الحرف "يا"، وكونها مذكورة

(3)

، وغلب جره بلام واجبة الفتح

(4)

؛ كقول عمر -رضي الله تعالى عنه: "يا الله"

(5)

،

وقول الشاعر:

يا لقومي ويا لأمثال قومي

(6)

‌باب الاستغاثة:

(1)

يعرفها النحويون بأنها: نداء من يخلص من شدة واقعة، أو يعين على دفع مشقة قبل وقوعها، ولا يستلزم أن يفعل المستغاث وفق ما يطلب المستغيث؛ قال تعالى:{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} ، وأسلوب الاستغاثة أحد أساليب النداء، ولا يتحقق إلا بثلاثة أشياء: حرف النداء "يا" لا غير، وبعده غالباً المستغاث به، وهو الذي يطلب منه العون والمساعدة، وقد يسمى المستغاث؛ ثم المستغاث له وهو الذي يطلب العون بسببه، ولكل من هذه الثلاثة شروط وأحكام، تتضح مما يأتي.

(2)

أي إذا نوي مدلول اسم للاستغاثة به.

(3)

هذان شرطان في حرف النداء.

(4)

هذا حكم من أحكام المستغاث، ووجود اللام ليس واجبا؛ وإنما الواجب فتحها حين تذكر؛ لأنه واقع موقع كاف الخطاب في مثل: أدعوك، ولام الجر تفتح معها؛ وليحصل الفرق بينها وبين لام المستغاث من أجله، قال الناظم مشيرا إلى ذلك:

إذا استغيث اسم منادى خفضًا

باللام مفتوحا كيا للمرتضى

أي: إذا نودي واستغيث اسم، وجب جر المنادى بلام مبنية على الفتح؛ نحو: يا للمرتضى.

(5)

قال رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي: يا لله للمسلمين.

(6)

صدر بيت من الخفيف - لم ينسب لقائل، وعجزه:

*"إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "استغيث" فعل ماض للمجهول، فعل الشرط. و"اسم" نائب فاعله. "منادى" نعت لاسم. "خفضا" الجملة جواب الشرط والألف للإطلاق. "باللام" متعلق به. "مفتوحا" حال من اللام "كيا" الكاف جارة لقول محذوف، و"يا" حرف نداء. "للمرتضى" اللام جارة عند البصريين، وفي متعلقها خلاف كما سيأتي.

ص: 283

إلا أن كان معطوفاً ولم تعد معه "يا" فتكسر

(1)

.

لأناس عتوهم في ازدياد

اللغة والإعراب: عتوهم: العتو: الاستكبار والطغيان. في ازدياد: أي يزيد يوما بعد يوم. "يا" حرف نداء واستغاثة. "لقومي" اللام حرف جر أصلي، وهي مفتوحة، وقومي مجرور بها، والجار والمجرور في محل نصب متعلق بأدعو؛ بتضمينه معنى فعل يتعدى باللام، كألتجئ مثلا، أو متعلق بحرف النداء؛ لنيابته عن الفعل "أدعو" كما بينا سابقا. وقيل: اللا زائدة لا تتعلق بشيء والمستغاث منصوب بفتحة مقدرة منع منها حرف الجر الزائد. وذهب الكوفيون إلى أن اللام اسم مضاف لما بعده، وأن الأصل:"يا آل" فحذفت الهمزة للتخفيف، وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين. "ويالأمثال" إعرابه كذلك. "قومي" مضاف إليه، وياء المتكلم مضاف إليه. "لأناس" جار ومجرور متعلق بمحذوف؛ أي أدعوكم لأناس، أو متعلق بيا نفسها؛ لأن فيها معنى الفعل. "عتوهم" مبتدأ ومضاف إليه. "في ازدياد" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، والجملة في محل جر صفة لأناس.

والمعنى: أستغيث بقومي وبأمثالهم في النجدة والشجاعة، ليمنعوني من قوم يزدادون علوا واستكبارا علي، ويظلموني بغير سبب.

والشاهد: جر المستغاث به في "يا لقومي، ويا لأمثال"، بلام واجبة الفتح.

(1)

هذا استنثاء من وجوب بناء لأم المستغاث على الفتح؛ وهو وجوب الكسر، إذا كان المستغاث غير مسبوقـ"يا"؛ ولكنه معطوف على آخر مسبوق بها.

وكذلك يجب الكسر إذا كان المستغاث ياء المتكلم؛ نحو: يا لي للغرباء، على رأي ابن جني؛ من جواز كونه قد استغاث بنفسه، وكسرت اللام لمناسبة الياء. ويرى غيره أن "يا لي" لا يكون إلا مستغاثا لأجله، والمستغاث به محذوف. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:

وافتح مع المعطوف إن كررت "يا"

وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا

أي إذا كررت "يا" مع المعطوف وجب فتح لام الجر الداخلة عليه. وفي غير هذه الصورة

"وافتح" فعل أمر، ومفعوله محذوف؛ أي اللام. "مع" ظرف متعلق بمحذوف، حال من ذلك المحذوف "المعطوف" مضاف إليه. "يا" مفعول "كررت" الواقع فعلا للشرط، والجواب محذوف يدل عليه ما قبله، "وفي سوى جار ومجرور متعلق بائتيا. "ذلك" مضاف إليه، والإشارة إلى المذكور في البيتين. "بالكسر" متعلق بائتيا أيضا. "ائتيا" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف، والفاعل أنت.

ص: 284

ولام المستغاث له مكسورة دائماً كقوله: يا لله للمسلمين

(1)

،

وقول الشاعر:

يا للكهول وللشبان للعجب

(2)

يجب كسر اللام معه، وهذا يشمل: عدم ذكر "يا" مع المعطوف، كما يشمل اللام الداخلة على المستغاث له.

هذا: والمستغاث المجرور باللام المسبوق بـ"يا" معرب منصوب؛ فهو مجرور لفظا منصوب محلا، حتى المفرد العلم والنكرة المقصودة؛ لأن اللام جعلتهما من قسم المضاف تأويلا. ويقال في إعرابه: اللام حرف جر أصلي، وما بعدها منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الكسرة التي جلبها حرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بيا؛ وإنما يعرب بشرط ألا يكون مبنيا في الأصل؛ نحو: يا لهذا للمستجير، وأن تكون اللام مذكورة وقبلها "يا" ويجوز في تابعه: الجر مراعاة للفظ، والنصب مراعاة للمحل.

(1)

إنما يجب كسر لام المستغاث له؛ إذا لم يكن ضميرا غير ياء المتكلم، وإلا فتحت لامه؛ نحو: يا للمخلص لنا، ويا لمحمد لك، بخلاف يا للزائر لي؛ لأن الضمير ياء المتكلم. وهذا حكم من أحكام المستغاث له. ويجب كذلك تأخيره عن المستغاث، كما أنه يجوز حذفه إذا علم وأمن اللبس؛ نحو: يا لقومي من للندى والسماح؟

(2)

عجز بيت من البسيط، لم ينسب لقائل، وصدره:

يبكيك ناء بعيد الدار مغترب

اللغة والإعراب: ناء: بعيد، وهو اسم فاعل من نأى ينأى؛ بمعنى بعد. مغترب: غريب؟ الكهول: جمع كهل؛ وهو من جاوز الثلاثين ووخطه الشيب، وقيل: الأربعين. والشبان: جمع شاب؛ وهو من كانت سنه دون سن الكهل.

"ناء" فاعل يبكي. "بعيد الدار" صفة لناء، ومضاف إليه، وإضافته للدار غير محضة؛ ولذلك وقع صفة للنكرة. "مغترب" صفة ثانية. "يا للكهول""يا" حرف نداء واستغاثة، واللام حرف جر، و"الكهول" مجرور بها، والجار والمجرور في محل نصب متعلق بأدعو، أو بيا، كما سبق بيانه. "وللشباب" إعرابه كذلك. "للعجب" جار ومجرور متعلق بمحذوف كما سبق. وهو مستغاث له.

والمعنى: يبكيك ويحزن لفقدك وموتك الأباعد الغرباء؛ لما كنت تسدي إليهم من

ص: 285

ويجوز ألا يبتدأ المستغاث باللام؛ فالأكثر حينئذ أن يختم بالألف

(1)

؛

كقوله:

يا يزيدا لآمل نيل عز

(2)

معروف وعون، وقد يسر الأقارب لما يرثونه منك بعد فقدك؛ فهيا معشر الكهول والشباب لمشاركتنا في العجب من ذلك!

والشاهد: كسر لام المستغاث له في "للعجب" وفيه شاهد آخر؛ وهو: كسر لام المستغاث به في "للشبان"؛ لأنه معطوف لم تكرر معه "يا".

(1)

وتكون هذه الألف عوضا عن اللام، ومن ثم لا يجتمعان، ويبقى المنادى دالا على الاستغاثة بالقرينة، ولكنه لا يكون في هذه الصورة ملحقا بالمنادى المضاف؛ بل يكون مبنيا على الضم المقدر في محل نصب، منع من ظهورها الفتحة الطارئة لمناسبة الألف، ويجوز في تابعه الرفع مراعاة للفظه، والنصب مراعاة لمحله، ولا يجوز مراعاة الفتحة الطارئة لمناسبة الألف، وإذا وقف على المستغاث المختوم بالألف فالأحسن مجيء "ها" السكت الساكنة؛ تقول: يا شاعراه، وتحذف عند الوصل.

(2)

صدر بيت من الخفيف، لم يعين قائله، وعجزه:

وغنى بعد وفاقه وهوان

اللغة والإعراب: آمل: اسم فاعل من الأمل؛ وهو الرجاء والتوقع: نيل: حصول. فاقة: فقر وحاجة. هوان: مذلة واحتقار. "يا" حرف نداء واستغاثة، "يزيدا" منادى مستغاث به مبني على ضم مقدر منع منه حركة مناسبة ألف الاستغاثة في محل نصب، والألف عوض عن لام الاستغاثة. "لآمل" متعلق بيا، أو بالفعل المحذوف كما تقدم. "نيل عز" نيل مفعول لآمل، وعز مضاف إليه، وفيه ضمير هو فاعله؛ لأنه اسم فاعل. "وغنى" معطوف على عز منصوب بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة للساكنين. "بعد" ظرف زمان متعلق بنيل أو بآمل. "فاقة" مضاف إليه. "وهوان" معطوف على فاقة.

والمعنى: أستغيث بك يا يزيد، وأدعوك لمن يطلب القوة والعزة، بعد الضعف والمذلة، ويرجو الغنى والثراء بعد الفقر والحاجة.

والشاهد: في "يزيد"؛ فإنه مستغاث به اختتم بالآلف، ولم يؤت معه باللام المفتوحة، التي تدخل على المستغاث به.

ص: 286

وقد يخلو منهما

(1)

؛ كقوله: ألا يا قوم للعجب العجيب

(2)

ويجوز نداء المتعجب منه؛ فيعامل معاملة المستغاث

(3)

؛ كقولهم: يا للماء، ويا للدواهي، إذا تعجبوا من كثرتهما.

(1)

أي من اللام والألف، وحينئذ يكون حكمه المنادى الذي ليس للاستغاثة.

(2)

صدر بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وعجزه:

وللغفلات تعرض للأريب

اللغة والإعراب: الغفلات: جمع غفلة، مصدر غفل عن الشيء، لم يلتفت إليه ولم يلق إليه باله. تعرض له: تنزل به. الأريب: العالم بالأمور البصير بالعواقب. "ألا" أداة تنبيه. "قوم" مستغاث به منادى، منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاء بكسرة الميم. ويجوز أن يكون مبنيًا على الضم إذا قدر قطعه عن الإضافة. "للعجب" جار ومجرور مستغاث لأجله، متعلق بيا، أو بالفعل المحذوف. "العجيب" صفة للعجب. "وللغفلات" معطوف عليه. "تعرض" الجملة حال من الغفلات.

والمعنى: أستغيث وأدعو قومي ليعجبوا العجب كله، وينظروا كيفل تحدث الغفلة وعدم الانتباه للبصير بالأمور الخبير بالعواقب؟

والشاهد: في "يا قوم" حيث جاء مستغاثًا به خاليًا من اللام المفتوحة في أوله، ومن الألف في آخره، وذلك نادر، وقد مر التنبيه على ذلك.

(3)

قد يراد بأسلوب النداء: التعجب من شيء عظيم يتميز بذاته أو بكثرته، أو شدته أو غرابته، فينادى جنس ما رآه، نحو: يا للماء، أو من له به صلة أو معرفة؛ نحو: يا للعلماء ويأتي على صورة الاستغاثة مشتملا على حرف النداء "يا"، وعلى منادى مجرور باللام المفتوحة، ولكن ليس هنالك مستغاث؛ وذلك كأن ترى البدر فيبهرك جماله؛ فتقول: يا للبدر! أو ترى الماء الكثير فتعجب من كثرته؛ فتقول: يا للماء! مثل هذا الأسلوب يقال فيه إنه أسلوب نداء أو استغاثة أريد به التعجب، فكأنك تنادي البدر والماء، وتقول: احضر ليتعجب منك، وعلى هذا ينبغي أن يعامل معاملة المستغاث؛ فيجر باللام المفتوحة، وإذا حذفت جيء بالألف في آخره عوضاً عنها، وتلحقه هاء السكت عن الوقف، وقد يأتي على صورة أخرى؛ فلا يبدأ باللام ولا يختم بالألف؛ تقولك يا عجب. وإلى ذلك وما

ص: 287

‌باب الندبة

(1)

:

حكم المندوب -وهو المتفجع عليه أو المتوجع منه- حكم المنادى؛ فيضم في نحو: وأزيد وينصب في نحو: وا أمير المؤمنين، إلا أنه لا يكون نكرة؛

قبله، يشير الناظم بقوله:

ولام ما استغيث عاقبت ألف

ومثله اسم ذو تعجب ألف

اي: أن لا المستغاث قد تحذف فتعقبها، ويؤتى بألف بدلها في آخره عوضًا عنها، ومثل: المستغاث الاسم المتعجب منه في أسلوب التعجب الآتي.

تنبيه:

قد يجري المستغاث له بـ"من" بدلا من اللام؛ إذا كان مستنصرًا عليه؛ كقوله:

يا للرجال ذوي الألباب من نفر

لا يبرح السفه المردي لهم دينا

فإن كان مستنصراً له، تعين جره باللام؛ نحو: يا لله للمجاهدين، ويجوز الجمع بين "يا" و"أل" التي في صدر المستغاث إذا كان مجرورا باللام كما مثلنا.

باب الندبة:

(1)

الندبة لغة: مصدر ندب الميت، إذا ناح عليه، وذكر خلاله الكريمة، ومآثره الحميدة،

واصطلاحاً: نداء موجه للمتفجع عليه أو المتوجع منه، بلفظ "وا"، أو "يا" عند أمن اللبس، والتفجع: إظهار الحزن وقلة الصبر عند نزول المصيبة، وأكثر ما يكون عند النساء؛ لضعفهن عن الاحتمال والصبر.

والمتفجع عليه: من نزلت به الفجيعة، أو أصابته نازلة حقيقة، أو نزل منزلة ذلك؛ كقول عمر رضي الله عنه وقد أخبر بجدب أصاب بعض العرب: واعمراه واعمراه. والمتوجع منه: الموضع والمكان الذي فيه الألم؛ كقولك: وارأساه، أو السبب الذي أدى إلى الألم؛ كقولك: وامصيبتاه؛ لأن المصيبة هي سبب الألم، وقد يسمى هذا متوجعا له، والمنادى في ذلك كله يسمى: مندوبًا.

* "ولام" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "استغيث" الجملة صلة. "ألف" مفعول عاقب، وسكن على لغة ربيعة، والجملة خبر المبتدأ. "ومثله" خبر مقدم ومضاف إليه، والضمير يعود إلى المستغاث. "اسم" مبتدأ مؤخر. "ذو تعجب" ذو نعت لاسم، وتعجب مضاف إليه. "ألف" الجملة صفة لتعجب.

ص: 288

كرجل

(1)

، ولا مبهما؛ كأي، واسم الإشارة والموصول؛ إلا ما صلته مشهورة

(2)

؛ فيندب؛ نحو: "وامن من حفر بئر زمزماه

(3)

؛ فإنه بمنزلة: "وا عبد المطلباه"

(4)

، إلا أن الغالب أن

(1)

هذا في المتفجع عليه، أما المتوجع منه فيجوز أن يكون نكرة؛ نحو: وامصيبتاه، في مصيبة غير معينة.

وإنما لم تندب النكرة ولا المبهم لأن القصد من الندبة الإعلام بعظمه المندوب وإظهار أهميته أو شدته؛ وذلك يستدعي أن يكون معروفًا معينًا.

(2)

أي معروفة الارتباط بالموصوف بين المتخاطبين؛ بحيث يتعين بها الموصول. وهذا إذا كان الموصول غير مبدوء بأل، وإلا امتنعت ندبته مطلقا. ومثل الموصول في الإبهام المضمر.

(3)

"وا" حرف نداء وندبة. "من" منادى مندوب مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي في محل نصب، وجملة "حفر" صلة.

"بئر" مفعول حفر. "زمزماه" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع منها حركة مناسبة ألف الندبة، وهذا إذا اعتبر متصرفا فإن اعتبر ممنوعا من الصرف؛ فهو منصوب بفتحة مقدرة نيابة عن الكسرة والهاء للسكت.

(4)

أي في الشهرة. وإلى ما سبق من حكم المندوب، وبيان ما لا يندب، أشار الناظم بقوله:

ما للمنادى اجعل لمندوب وما

نكر لم يندب ولا ما أبهما

ويندب الموصول بالذي اشتهر

كـ" بئر زمزم" يلي "وا من حفر"

أي: أجعل للمندوب من الأحكام ما للمنادى، ولا تندب النكرة ولا المبهم من الأسماء؛

* "ما" اسم موصول مفعول أول لاجعل. "للمنادى" متعلق بمحذوف، صلة. "لمندوب" في موضع المفعول الثاني لاجعل. "وما" اسم موصول مبتدأ. "نكر" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة. "لم يندب" الجملة خبر المبتدأ. "ولا" الواو عاطفة، و"لا" نافية. "ما" موصولة معطوفة على الضمير في يندب؛ لوجود الفصل بلا. "أبهما" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة.

"بالذي" متعلق بالموصول لا بيندب. "اشتهر" الجملة صلة والعائد محذوف؛ أي به. "كبئر" جار ومجرور، خبر لمبتدأ محذوف، وبئر بالنصب على الحكاية لأنه مفعول به لحفر. "زمزم" مضاف إليه. "يلي" فعل مضارع، وفاعله يعود إلى بئر زمزم، والجملة حال من "وامن حفر" الواقع مفعولا ليلي على الحكاية، وجملة "حفر" صلة من، والأصل: وامن حفر بئر زمزم.

كأي، والمضمر، واسم الإشارة والموصول المحلي بأل، ويندب الموصول الخالي من أل إذا اشتهر بالصلة؛ نحو:"وا من حفر بئر زمزماه"، والذي حفرها: عبد المطلب جد النبي عليه السلام وقد شاع ذلك وعرف بين الناس؛ فكأنك قلت: واعبد الملطب، وقوله:"يلي وامن حفر" أي: يقع بعد هذه القولة.

ص: 289

يختم بالألف

(1)

؛ كقوله:

وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

(2)

ويحذف لهذه الألف ما قبلها، من ألف؛ نحو: واموساه

(3)

، أو تنوين في صلة؛ نحو: وامن حفر بئر زمزماه

(4)

، أو في مضاف إليه،؛ نحو: وا غلام زيداه، أو في محكي؛ نحو: وا قام زيداه

(5)

، فيمن اسمه "قام زيد"،. . . . . . . . . . .

(1)

أي الزائدة، وذلك لمد الصوت؛ حتى يكون أقوى بنبراته على إعلان ما في النفس من حزن وأسى.

(2)

تقدم هذا الشاهد في أول "باب الندا".

والشاهد: فيه هنا في قوله: "يا عمرا"؛ حيث ختم بألف الندبة، وثبوت هذه الألف دليل على أنه مندوب، ولو كان منادى لبني على الضم؛ لأنه علم مفرد، وهو مبني على ضم مقدر منع منه فتحة مناسبة الألف. واستعمال "يا" للندبة لأمن اللبس؛ لأن وجود الألف بين أنه مندوب، لا منادى.

(3)

أي في "موسى" وعند إعرابه يقال: "موسى" منادى مبني على ضم مقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين؛ والألف الموجودة زائدة للندبة، والهاء للسكت.

(4)

بحذف التنوين الظاهر من "زمزم" على أنه مصروف، والتنوين المقدر، على أنه ممنوع من الصرف.

(5)

فـ"قام زيداه" مبني على مقدر منع منه فتحة المناسبة، وقيل: ضمة الحكاية المحذوفة لأجل الألف.

وفي زيادة ألف الندبة، وحذف ما يكون في آخر المندوب من ألف التنوين لأجلها، يقول الناظم:

ص: 290

ومن ضمة

(1)

؛ نحو: وازيداه، أو كسرة

(2)

؛ نحو: واعبد الملكاه، واحذاماه. فإن أوقع حذف الكسرة أو الضمة في لبس أبقيتا، وجعلت الألف ياء بعد الكسرة؛ نحو: واغلامكي

(3)

، وواواً بعد الضمة؛ نحو: واغلامهو، أو واغلامكمو

(4)

، ولك في الوقف

ومنتهى المندوب صلة بالألف

متلوها إن كان مثلها حذف

كذاك تنوين الذي به كمل

من صلة أو غيرها نلت الأمل

يعني أن آخر المندوب تلحقه ألف للندبة، فإن وقعت هذه الألف بعد مثيل لها -أي بعد ألف- حذف المثيل دون ألف الندبة؛ لأنها جاءت لغرض، وقوله: متلوها، أي الذي تليه وتقع بعده.

وكذلك يحذف التنوين مما جاء بعد المندوب ليكمله؛ كالصلة بعد الموصلو، والمضاف إليه بعد المضاف. وقوله: نلت الأمل، دعاء للمخاطب، سيق لتكملة البيت.

(1)

أي في المبني.

(2)

أي في المعرب كالمثال الأول، أو في المبني كالمثال الثاني.

(3)

ولا يصح مجيء الألف؛ لأنه لو قيل: واغلامكا، التبس خطاب المؤنث بالمذكر.

(4)

لأنه لو قيل: واغلامها، التبس المذكر بالمؤنث في الأولى، أو غلامكا، التبس الجمع بالمثنى في الثانية.

والخلاصة:

أنه ينبغي أن يفتح ما قبل الألف إن كان غير مفتوح؛ لأن الفتحة هي التي تناسبها، فإن أوقعت الفتحة في لبس تركت، وبقيت الحركة الموجودة على حالها، مع زيادة حرف وفي شكل المندوب وضبطه يقول الناظم:

* "ومنتهى المندوب" منتهى مفعول لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والمندوب مضاف إليه. "متلوها" مبتدأ مضاف إلى الهاء. "إن كان" شرط وفعله، واسم كان مستتر فيها. "مثلها" خبرها مضاف إلى الهاء. "حذف" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى متلوها، والجملة خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف تدل عليه جملة الخبر.

"كذاك" خبر مقدم. "تنوين" مبتدأ مؤخر. "الذي" مضاف إليه. "به" متعلق بكمل الواقع صلة الذي "من صلة" بيان للذي، أو حال من المضاف. "أو غيرها" معطوف على صلة، مضاف للهاء.

ص: 291

زيادة "هاء السكت" بعد أحرف المد

(1)

.

والشكل حتماً أوله مجانساً

إن يكن الفتح بوهم لابسا

أي: إذا شكل آخر المندوب بضم أو كسر؛ فأوله مجانسًا له، من واو، أو ياء، إذا كان الفتح قبل ألف الندبة يوقع في لبس توهم غير المراد.

(1)

فتقول: واعمراه، وامصيبتاه، وارأساه. وتحذف في الوصل، إلا في الضرورة الشعرية، فتبقى وتحرك بالكسر أو بالضم؛ كقول المتنبي:

واحر قلباه ممن قلبه شبم

ومن بجسمي وحالي عنده سقم

وفي هذه الهاء يقول الناظم:

وواقفاً زد هاء سكت إن ترد

وإن تشأ فالمد والها لا تزد

أي: إذا وقفت على المندوب، فزد بعد الألف هاء سكت إذا أردت، وإن شئت ألا تزيد حرف المد ولا الهاء، فافعل.

تنبيه:

إذا كان المندوب مثنى أو جمع مذكر سالما، فلا تحذف نونهما عند ألف الندبة، فيقال: وازيدانا، وازيدونا، ويبنيان على الألف والواو كالمجرد. وإذا كان للمندوب تابع، فإن كان نعتا لفظة كلمة "ابن" المضافة لعلم، فإن الألف تدخل على المضاف إليه، تقول: وا إسماعيل بن إبراهيماه، وإن كان لفظاً آخر، فالأحسن دخولها على المنعوت.

أما البدل، وعطف البيان، والتوكيد المعنوي، فالأحسن الاكتفاء بدخولها على المتبوع، وفي عطف النسق تدخل على المعطوف؛ تقول: واعلي واعمراه، ويجوز دخولها على المعطوف والمعطوف عليه، وتدخل في التوكيد اللفظي عليهما؛ تقول: وامحمداه وامحمداه.

* "والشكل" مفعول لمحذوف يفسره أوله. "حتما" مفعول مطلق لمحذوف، أو حال من هاء أوله. "مجانسا" مفعول ثان لأوله، والهاء مفعوله الأول. "إن يكن" شرط وفعله. "بوهم" متعلق بلابسا الواقع خبرا ليكن، ولا بسا: من لبست الأمر عليه: خلطته، وجواب الشرط محذوف.

**"وواقفا" حال من فاعل زد. "هاء" مفعول أول لزد، ومفعوله الثاني محذوف. "فالمد" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"المد" مبتدأ. وخبره محذوف؛ أي واجب، والجملة جواب الشرط، "والهاء -بالقصر للضرورة- مفعول مقدم لتزد المجزوم بلا الناهية.

ص: 292

‌فصل:

وإذا ندب المضاف للياء

(1)

، فعلى لغة من قال:"يا عبد" بالكسر، أو "يا عبد" بالضم، أو "يا عبدا" بالألف، أو "يا عبد" بالإسكان؛ يقال: واعبدا

(2)

.

وعلى لغة من قال: "يا عبدي" بالفتح أو "يا عبدي" بالإسكان؛ يقال: "واعبديا"

(3)

، بإبقاء الفتح على الأول، وباجتلابه على الثاني.

وقد تبين أن لمن سكن الياء: أن يحذفها، أو يفتحها، والفتح رأي سيبويه، والحذف رأي المبرد. وإذا قيل يا غلام غلامي، لم يجز في الندبة حذف الياء؛ لأن المضاف إليها غير منادى

(4)

.

(1)

أي: لياء المتكلم الجائزة فيها اللغات الست المتقدمة.

(2)

أي قال في هذه اللغات الخمس: "يا عبدا" بزيادة ألف الندبة في المحذوف الياء، وتحذف ياء المتكلم المنقلبة ألفا في "عبدا"، والياء الساكنة في "عبدي"، وتحل محلهما ألف أخرى للندبة، ويقال في إعرابه: منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، منع من ظهورها فتحة ألف الندبة، وليس مبنيًا لأنه مضاف.

(3)

أي: بزيادة ألف الندبة وفتح ما قبلها، ويكون منصوبًا بفتحة مقدرة على الدال منع من ظهورها الكسرة العارضة لمناسبة الياء في محل نصب، والياء مضاف إليه مبني على سكون مقدر منع من ظهوره الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف.

(4)

فلا يسري عليه أحكام المنادى المضاف للياء، ولما لم تحذف في النداء لم تحذف في الندبة، ومع إثبات الياء يجوز زيادة ألف الندبة بعدها، وعدم زيادتها، وفي المندوب المضاف إلى ياء المتكلم يقول ابن مالك:

وقائل: واعبديا واعبدا

من في الندا اليا ذا سكون أبدى

أي: يقول: "واعبديا" بتحريك الياء بالفتح، وزيادة ألف الندبة، أو:"واعبدا" بحذف الياء مع زيادة ألف الندبة وفتح ما قبلها، يقول ذلك: من أبدى في النداء حرف الياء ذا

* "وقائل" خبر مقدم، وفيه ضمير هو فاعله، "واعبديا" مفعول به مقصود لفظه. "واعبدا" معطوف عليه. "من" اسم موصول مبتدأ مؤخر. "في الندا" متعلق بأبدى. "اليا" -بالقصر- مفعول مقدم لأبدى. "ذا" حال من الياء.

"سكون" مضاف إليه. "أبدى" فعل ماض وفاعله يعود إلى "من"، والجملة صلة لها. ومعنى أبدى: أظهر.

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سكون؛ أي من كانت لغته في المنادى المضاف للياء إسكانها.

وكذلك يقول: "واعبدا" من يحذف الياء، أو يستغني بالكسرة؛ أو يقلب الياء ألفا، والكسرة فتحة، ويحذف الألف ويستغني بالفتحة، أو يقلبها ألفا ويبقيها.

تنبيه:

هل المندوب منادى أو لا؟ رأيان. وقد صرح الرضي بأن المندوب والمتعجب منه، مناديان مجازًا لا حقيقة؛ فإذا قلت: يا محمداه، أو يا للماء؛ فكأنك تنادي وتقول: تعال يا محمد؛ فإني إليك مشتاق، وات يا ماء؛ حتى يتعجب منك.

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف النداء، واذكر أداة النداء التي ينادى بها القريب، والتي ينادى بها القريب والبعيد، ومثل بمثالين من إنشائك للكل.

2 تختص "يا" من بين أحرف النداء بمميزات، فما هي هذه المميزات؟ وضح بأمثلة.

3 لا يجمع بين "يا" و "أل" في النداء إلا في مواضع، أذكر هذه المواضع، ومثل لكل، ووضح علة استثنائها.

4 ما المراد بالمفرد في باب النداء؟ وما حكمه في الإعراب؟ هات أمثلة موضحة.

5 متى يبنى المنادى؟ ومتى يجب نصبه؟ ومتى يجوز فيه الضم والفتح؟ ووضح ما تقول بالأمثلة.

6 إذا وصف المنادى العلم بابن، فمتى يجب ضمه؟ ومتى يجوز الضم والفتح؟ مثل لما تذكر.

7 هنالك أشياء لا تقع إلا منادى، وأخرى لا تنادى، اذكر كلا، ووضح بأمثلة.

8 ما حكم آخر المنادى المعتل إذا أضيف لياء المتكلم؟ وما الذي يلحق بالمعتل؟ مثل لما تقول؟

9 فيم ينقاس "فعال" في النداء، وفيم يستعمل؟ وكذلك "فُعَل"؟ مثل.

10 عرف المندوب تعريفاً شاملًا، وبين ما يجوز ندبه وما يمتنع، ووضح بالأمثلة.

11 اشرح قول ابن مالك:

ولام ما استغيث عاقبت ألف

ومثله اسم ذو تعجب ألف

وبين لم يجب فتح لام المستغاث؟ ومتى تفتح لام المستغاث لأجله؟ ومتى تحذف لام المستغاث به؟ ووضح بالأمثلة.

12 ما حكم إعراب تابع المنادى المبني إذا كان نعتا مفردا، أو مضافا مجردا من أل، أو منسوقا مقرونا بأل، أو مجردا منها؟ وضح ما تقول بالأمثلة.

13 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل النداء، والندبة، والاستغاثة، بين موضع الشاهد، وحكمه: قال تعالى:

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} .

{يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} .

{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} .

{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} .

{يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} .

{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} .

{يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} .

{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ} .

{يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} .

يا عظيما يدعى لكل عظيم

يا لله من أعداء الوطن.

فيا لك ليلاً بت فليه مسهداً

أي أبتي لا زلت فينا فإننا

لنا أمل في الله ما دمت عائشا

يا أنت يا خير الدعاة للهدى

لبيك دايعا لنا وهاديا

يا للرجال لقوم عز جانبهم

واستلهموا المجد من أصل وأعراق

يا من يعز علينا أن نفارقهم

وجداننا كل شيء بعدكم عدم

لاهم إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك

ضيعت قيصر البرية أنثى

يا لربي مما تجر النساء

14 أعرب ما تحته خط في الآبيات الآتية، واشرح الأخيرين شرحا أدبيا:

يا للغروب وما به من عبرة

للمستهام وعبرة للرائي

يا أمة كان قبح الجور يسقطها

حيناً فأصبح حسن العدل يرضيها

يا لقومي إن مصراً ترتجي

من بينها عملاً يرفعها

فانهضوا للمجد واسموا للعلا

إنما موضعكم موضعها

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

15 صغ العبارات الآتية في صور الاستغاثة التي مرت بك، وضعها في عبارات مناسبة: ظلم الاستعمار، الأحرار في العالم، الصهيونية، الفدائيون.

16 متى يجب وصف اسم الإشارة المنادى؟ ومتى يجوز؟ وما حكم التابع في الحالتين؟

17 ما حكم نعت "أي"؟ وما الأشياء التي توصف بها في النداء؟ مثل لما تقول.

18 ما الحروف التي يجر بها المستغاث لأجله؟ وما حكم البدل وعطف البيان إذا كان تابعين لمنادى؟ مثل.

ص: 297

‌باب الترخيم

(1)

:

يجوز ترخيم المنادى؛ أي: حذف آخره تخفيفاً، وذلك بشروط

(2)

: كونه معرفة

(3)

، غير مستغاث

(4)

، ولا مندوب، ولا ذي إضافة

(5)

، ولا ذي إسناد

(6)

، فلا يرخم نحو قول

باب الترخيم:

(1)

الترخيم في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يقال: صوت رخيم؛ أي رقيق لين، وكلام رخيم؛ لين سهل، قال الشاعر:

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر

وفي الاصطلاح: حذف آخر الكلمة في النداء بطريقة مخصوصة؛ للتخفيف غالبا، أو لداع آخر؛ كالتمليح، أو الاستهزاء.

وهو ثلاثة أقسام: ترخيم اللفظ للنداء، وترخيمه للضرورة الشعرية، وترخيمه للتصغير، والأولان هما موضوع هذا الباب، وفي ذلك يقول الناظم:

ترخيماً احذف آخر المنادى

كيا سعاً فيمن دعا "سعادا"

أي: أحذف آخر المنادى حذف ترخيم؛ كقولك: يا سعا، إاذا أردت أن تنادي من اسمها "سعاد".

(2)

هذه شروط عامة، لا بد منها لترخيم المنادى؛ سواء أكان مختوماً بتاء التأنيث، أم مجردا منها.

(3)

إما بالعلمية؛ كالمفرد العلم، أو بالقصد والإقبال؛ كالنكرة المقصودة، وإنما اختصت المعرفة بالترخيم؛ لأنها هي التي يكثر نداؤها؛ فلا يصح تريخم النكرة غير المقصودة.

(4)

أي مجرور باللام، ويجوز ترخيم المحذوف اللام عند سيبويه، وكثير من النحاة؛ تقول: يا فاطما لأخيها، وبعضهم يمنعه أيضاً.

(5)

أي لا يكون مضافا، ولا شبيها به.

(6)

أي لا يكون مركبا تركيبا إسناد، ويزاد على هذه الشروط: ألا يكون من الألفاظ المختصة بالنداء؛ كـ"فل" و"فلة"، ولا مبنيًا قبل النداء؛ كحذام، وخمسة عشر.

* "ترخيما" مفعول مطلق لاحذف؛ لأنه بمعناه؛ كقعدت جلوسا، أو مصدر نائب عن اللفظ بفعله في الطلب؛ أي رخم ترخيما. "آخر المنادى" آخر مفعول احذف، والمنادى مضاف إليه. "كيا سعا" جار ومجرور، خبر المبتدأ محذوف. "فيمن" متعلق بمحذوف حال منه. "دعا سعادا" دعا فعل ماض، وسعادا مفعول، والفاعل يعود على "من" الموصولة المجرورة محلا بفي، والجملة صلة.

ص: 298

الأعمى: يا إنساناً خذ بيدي، وقولك: يا لجعفر، وواجعفراه، ويا أمير المؤمنين، ويا تأبط شراء، وعن الكوفيين إجازة تريخم ذي الإضافة بحذف عجز المضاف إليه، تمسكاً بنحو قوله:

أبا عرو لا تبعد فكل ابن حرة

(1)

وزعم ابن مالك، أنه يرخم ذو الإسناد

(2)

، وأن "عمراً" نقل ذلك؛ وعمرو هذا: هو

(1)

صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:

سيدعوه داعي ميتة فيجيب

اللغة والإعراب: لا تبعد: لا تهلك؛ من البعد، بمعنى الذهاب بالموت والهلاك. ابن حرة: يكنى بذلك عن الرجل الكريم، ويقال: ابن الأمة ما الأمه. ميتة: اسم هيئة من الموت. "أبا" منادى بحذف الياء منصوب بالألف نيابة عن الضمة. "عرو" مضاف إليه، وحذفت منه التاء للترخيم. "لا" حرف دعاء. "تبعد" فعل مضارع مجزوم به. "فكل" الفاء للتعليل، و"كل" مبتدأ. "ابن حرة" ابن مضاف إليه، وحرة مضاف إليه كذلك. "سيدعوهن""ميتة" مضاف إليه. "فيجيب" معطوف على سيدعوه.

المعنى: لا تهلك نفسك أسى وحزنا على من مضى، فكل عظيم سصيبه الموت بسبب ما من أسبابه الكثيرة، ولا يستطيع أن ينجو منه؛ فتلك سنة الله في الخلق.

الشاهد: في قوله: "أبا عرو"؛ حيث رخم عجزه بحذف التاء وهو منادى مركب مضاف، وذلك جائز عند الكوفيين، ويمنعه البصريون؛ محتجين بأن المضاف إليه بمنزلة التنوين ما قبله، فليس بآخر المنادى حقيقة.

(2)

فتقول في تأبط شرا: يا تأبط، ونسب ذلك إلى سيبويه حيث يقول:

والعجز أحذف من مركب وقفل

ترخيم جملة وذا عمرو نقل

أي أنه يجوز ترخيم المركب المزجي، وترخيمه يكون بحذف عجزه، أما مركب الجملة وهو المركب الإسنادي -فترخيمه قليل، وقد نقل ذلك عن العرب "عمرو".

المشهور بسيبويه. ولاشتهار المنع عند سيبويه في هذه المسألة، عني الناظم بالتنبيه على أنه هو الذي نقل الجواز عن العرب.

* "والعجز" مفعول حذف مقدم. "من مركب" متعلق باحذف. "ترخيم جملة" ترخيم فاعل "قل"، وجملة مضاف إليه. "وذا" اسم إشارة مبتدأ، وهو إشارة إلى ترخيم الجملة. "عمرو" مبتدأ ثان. "نقل" فعل ماض، والجملة خبره، وجملة الثاني وخبره خبر الاول، والرابط محذوف، أي نقله.

ص: 299

إمام النحويين رحمه الله وسيبويه لقبه، وكنيته: أبو بشر.

ثم إن كان المنادى مختوماً بتاء التأنيث، جاز ترخيمه مطلقاً

(1)

؛ فتقول في "هبة"، علماً: ياهب

(2)

، وفي "جارية"، لمعينة: يا جاري: قال:

جاري لا تستنكري عذيري

(3)

(1)

أي سواء كان علما، أو نكرة مقصودة، زائدة على الثلاثة، أم ثلاثيا غير التاء؛ لأن التاء في حكم الانفصال، أو أقل من ثلاثة كما مثل.

(2)

ومثله: قول العرب: "يا شا ادجني"؛ أي أقيمي في مكانك ولا تسرحي.

(3)

صدر بيت من الرجز؛ للعجاج بن رؤبة، يخاطب امرأته، وقد أنكرت عليه تأهبه للسفر، وعجزه:

سيري وإشفاقي على بعيري

اللغة والإعراب: لا تستنكري: لا تعديه أمرا منكرا. عذيري: العذير: ما يعذر الإنسان في عمله، فعلا كان أو تركا. والمراد هنا: الحال التي يزاولها، وعذير الرجل: من يعذره. "جاري" منادى بحذف الياء، وقد رخم بحذف التاء لأنه نكرة مقصودة، اي يا جارية، والجارية: الفتية من النساء. "لا" ناهية. "تستنكري" فعل مضارع مجزوم بها بحذف النون والياء فاعل. "عذيري". "وإشفاقي" معطوف عليه، أو الواو بمعنى "مع".

المعنى: لا تنكري علي يا جارية تأهبي للسفر، والذهاب في الأرض للبحث عن العيش، وعطفي وإشفاقي على بعيري؛ فالسعي واجب على كل إنسان، والعطف على الحيوان من الإيمان. قيل: إنه كان يعمل حلسا لبعيره استعددا للسفر فهزئت منه.

الشاهد: في "جاري"؛ فإنه منادى مرخم بحذف التاء من آخره، وهو نكرة مقصودة، وقد حذفت منه ياء النداء، ونداء اسم الجنس مع حذف حرف النداء مختلف في جوازه، فضلا عن ترخيمه.

ص: 300

وإذا كان مجرداً من التاء، اشترط لجواز ترخيمه: كون علماً

(1)

؛ زائداً على ثلاثة

(2)

؛ كجعفر، وسعاد. ولا يجوز ذلك في نحو:"إنسان" لمعين

(3)

، ولا في نحو: زيد، ولا في نحو: حكم.

وقيل: يجوز في محرك الوسط دون ساكنه، وقيل: يجوز فيهما

(4)

.

(1)

فلا يصح أن يكون نكرة مقصودة؛ لأن تعريفها بالقصد والإقبال.

(2)

فلا يصح ترخيم الثلاثي مطلقا؛ سواء كان ساكن الوسط أو متحركه، وقد أجازه بعض الكوفيين. وترخيم الأعلام الرباعية غير المختومة بالتاء حسن عند سيبويه.

(3)

لأن تعريفه بغير العلمية كما بينا.

(4)

القائل بجواز ترخيم محرك الوسط، الفراء، وبالجواز مطلقا بعض الكوفيين، وفي ترخيم المختوم بالتاء والمجرد منها، يقول الناظم:

وجوزنه مطلقا في كل ما

أنث بالها والذي قد رخما

بحذفها وفره بعد واحظلا

ترخيم ما من هذه الها قد خلا

إلا الرباعي فما فوق العلم

دون إضافة وإسناد متم

أي: جوز الترخيم في المنادى المؤنث بالهاء -أي بتاء التأنيث- مطلقاً؛ علما كان أو غير علم، ثلاثياً أو زائدا على الثلاثة، وما يرخم بحذفها لا يحذف منه شيء بعد ذلك.

واحظلا: أي أمنع ترخيم الخالي من التاء؛ إلا إذا كان رباعيا فأكثر، وكان علما، غير مضاف، ولا مركبا تركيب إسناد، تاما كاملا.

*"مطلقا" حال من الهاء في "جوزنه" العائد إلى الترخيم، "في كل" متعلق بجوزنه. "ما" اسم موصول، أو نكرة موصوفة، مضاف إليه. "أنث بالهاء" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة أو صفة. "والذي" مفعول لمحذوف يفسره "وفره" الآتي. "قد رخما" الجملة صلة.

"بحذفها" متعلق برخما. "وفره" فعل أمر ومفعوله؛ أي لا تحذف منه شيئا. "بعد" ظرف متعلق بوفره. "ترخيم" مفعول احظلا المؤكد بالنون الخفيفة. "ما" اسم موصول مضاف إليه، "من هذه" متعلق بخلا. "الها" -بالقصر بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة. "قد خلا" الجملة صلة ما.

"الرباعي" منصوب على الاستثناء. "فما" معطوف على الرباعي، و"ما" اسم موصول. "فوق" ظرف متعلق بمحذوف صلة ما. "العلم" بدل من الرباعي. "دون إضافة" دون ظرف متعلق بمحذوف حال من الرباعي، وإضافة مضاف إليه. "وإسناده" معطوف على إضافة "متم" اسم مفعول نعت لإسناد؛ أي إسناد تام.

ص: 301

‌فصل: والمحذوف للترخيم

إما حرف، وهو الغالب

(1)

؛ نحو: يا سعا، وقراءة بعضهم:{يَا مَالِ}

(2)

، وإما حرفان؛ وذلك إذا كان الذي قبل الآخر من أحرف اللين، ساكناً

(3)

، زائداً، مكملاً أربعة فصاعدا، وقبله حركة من جنسه لفظاً أو تقديراً

(4)

؛ وذلك نحو: مروان، وسلمان، وأسماء، ومنصور، ومسكين، علماً؛ قال:

يا مرو إن مطيتي محبوسة

(5)

(1)

ولا يشترط فيه شيء غير ما تقدم.

(2)

من الآية 77 من سورة الزخرف.

(3)

الواو والألف والياء التي يجمعها لفظ "واي": إذا وقعت ساكنة بعد حركة تجانسها؛ وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء، سميت حروف علة ومد ولين؛ نحو: قام، يقوم، مقيم: فإن سكنت وقبلها حركة لا تناسبها، سميت حروف علة ولين؛ نحو: فرعون، خير، فإن تحركت سميت حروف علة فقط؛ فكل مد ولين، وكل لين علة، ولا عكس، وعلى ذلك فذكر المصنف السكون مع اللين، للكشف والإيضاح، وفي بعض النسخ: من أحرف العلة.

(4)

لفظا: كمروان، ومسكين، ومنصور، وتقديرا: كمصطفون، ومصطفين، علمين.

(5)

صدر بيت من الكامل للفرزدق، يستجدي به مروان بن الحكم، وكان واليًا على المدينة، وقد مدحه فأبطأت عليه جائزته. وقد استشهد به سيبويه، وعجزه.

ترجو الحباء وربها لم ييأس

اللغة والإعراب: مطيتي: المطية الراحلة؛ من المطو؛ وهو الإسراع، أو من المطا؛ وهو الظهر، لأن راكبها يقتعد ظهرها محبوسة: يريد ممنوعة من العودة إلى منزلها صاحبها. الحباء: العطاء بلا جزاء، ربها، صاحبها. لم ييأس: لم يقطع الأمل في العطاء. "يا" للنداء. "مرو" منادى مرخم بحذف الألف والنون. "ترجو الحباء" الجملة في محل نصب حال من ضمير مطية، وإسناد الرجاء إليها مجاز، والمراد صاحبها. "

وربها" الواو للحال،

ص: 302

وقال:

يا أسم صبراً على ما كان من حدث

(1)

"ربها" مبتدأ ومضاف إليه، وجملة "لم ييأس" خبر، وييأس مجزوم بلم، وحرك بالكسر للروي، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال.

المعنى: يقول للمدوح: إنني باق هنا أنا ومطيتي، لم أبرح رحابك؛ انتظار لعطائك ولم أقطع الأمل في أن يصلها إلي، ولا يزال رجائي معقودا بك.

الشاهد: في قوله "يا مرو"؛ فقد رخم بحذف النون والألف قبلها، وأصله "يا مروان" وهو مستوف للشروط التي ذكرت.

(1)

صدر بيت من البسيط للبيد بن ربيعة، وهو من شواهد سيبويه، وعجزه:

إن الحوادث ملقي ومنتظر

وقبله:

ترى الكثير قليلاً حين تسأله

ولا تخالجه المخلوجة الكثر

اللغة والإعراب: أسم: أصله أسماء. حدث: هو النازلة من نوازل الدهر. والجمع أحداث. ملقي: اسم مفعول من لقي. منتظر: مرتقب ومتوقع النزول. "يا" للنداء. "اسم" منادى مرخم بحذف الألف والهمزة. "صبرا" منصوب على المصدرية لفعل محذوف. "على" متعلق به. "ما" اسم موصول في محل جر. "كان" تامة بمعنى حدث ووقع، وفاعله يعود على "ما" الموصولة. "الحوادث" اسم "إن". "ملقي" خبر لمبتدأ محذوف، أو العكس؛ أي بعضها ملقي. "ومنتظر" معطوف عليه، والجملتان في موضوع رفع خبر إن، ويجوز أن يجعل "ملقي" خبر إن.

المعنى: اصبري يا أسماء على ما يطرأ من حوادث الدهر ونوازله؛ فإن حوادثه متتابعة محتومه، منها ما وقع وحصل، ومنها المنتظر وقوعه وحدوثه.

الشاهد: في "يا أسم"؛ فقد رخم بحذف الهمزة والألف قبلها، وأصله "يا أسماء"، ولا يصح في هذا النوع المستوفي للشروط، الاقتصار على حذف الآخر وحده، بل يجب أن يحذف معه الحرف الذي قبله، إلا المختوم بالتاء فتحذف وحدها، مع ملاحظة أن أصل الترخيم بحذف الآخر اختياري، ولكن إذا اختير الحذف في هذا النوع المستوفي الشروط، وجب التزام ما ذكرنا.

ص: 303

بخلاف نحو: شمأل، علماً؛ فإن زائدة -وهو الهمزة- غير حرف لين، ونحو: هبيخ وقنور

(1)

، علمين؛ لتحرك حرف اللين، ونحو: مختار ومنقاد، علمين؛ لا صلة الألفين

(2)

، ونحو: سعيد وثمود وعماد؛ لأن السابق على حرف اللين اثنان

(3)

.

وبخلاف نحو: فرعون وغرنيق، علماً لعدم مجانسة الحركة

(4)

.

ولا خلاف في نحو: مصطفون ومصطفين، علمين؛ لأن أصلهما مصطفيون،

(1)

فيقال في ترخيمهما: يا هبي ويا قنو، بحذف الأخير فقط. والهبيخ: الغلام السمين الممتلئ لحما، والأنثى هبيخة، والقنور: الضخم الرأس، أو الصعب اليابس من كل شيء.

(2)

فإنهما منقلبان عن أصل؛ فتقول في ترخيمهما: يا مختا، ويا منقا، بحذف الآخر لا غير.

(3)

فيقال في ترخيمهن: يا سعي، ويا ثمو، ويا عما، بحذف الدال فيها لا غير.

(4)

فتقول في ترخيمهما: يا فرعو، ويا غرني، بحذف الآخر فقط.

ولا يشترط الجرمي والفراء المجانسة؛ فيقولان: يا فرع، ويا غرن؛ لبقاء الاسم على ثلاثة أحرف. وغرنيق: اسم لطائر طويل العنق من طيور الماء معروف. وفي الترخيم بحذف الحرفين الأخيرين يقول الناظم:

ومع الآخر احذف الذي تلا

إن زيد ليناً ساكناً مكملاً

أربعة فصاعداً والخلف في

واو وياء بهما فتح قفي

أي: يجب أن يحذف مع الحرف الأخير ما قبله، إن كان حرف لين ساكنا رابعا فصاعدا، وما كان قبل واوه أو يائه فتحة فيه خلاف كما أوضحنا، وقوله: تلا؛ أي تلاه الآخر، ولينا ساكنا: هو حرف المد، ومعنى قفي: تبع وجاء بعده حرف.

* "ومع الآخر" مع ظرف متعلق باحذف والآخر مضاف إليه. "الذي" مفعول به. "تلا" الجملة صلة. "زيد" بالبناء للمجهول، فعل الشرط، ونائب الفاعل يعود على الذي تلا، وجواب الشرط محذوف. "لينا" حال من نائب الفاعل. "ساكنا" نعت له. "مكملا" نعت ثان، وفيه ضمير مستتر هو فاعله؛ لأنه اسم فاعل.

"أربعة" مفعوله. "فصاعدا" معطوف على أربعة، أو حال من فاعل فعل محذوف؛ أي فذهب عدد الحروف صاعدا. "والخلف" مبتدأ. "في واو متعلق به. "وياء" معطوف على واو. "بهما" خبر مقدم، والباء بمعنى مع. "فتح" مبتدأ مؤخرز "قفي" -أي اتبع- فعل ماض للمجهول، ونائب فاعله يعود على الخلف، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 304

ومصطفين؛ فالحركة المجانسة مقدرة.

وإما كلمة برأسها؛ وذلك في المركب المزجي؛ تقول في معد يكرب: يا معدي

(1)

.

وإما كلمة وحرف، وذلك في "اثنا عشر"؛ تقول: يا أثن

(2)

؛ لأن "عشر" في موضع النون؛ فنزلت هي والألف منزلة الزيادة في "اثنان" علماً.

فصل:

الأكثر أن ينوي المحذوف؛ فلا يغير ما بقي

(3)

؛ تقول في جعفر: يا جعف

(1)

وكذلك تفعل في "سيبويه"، و"خمسة عشر"، ونحوها، مسمى بهما؛ تقول يا سيب، ويا خمسة، ولا بد من وجود قرينة قوية تدل على الأصل. ومنع كثير من النحاة ترخيم المركب المزجي؛ لعدم سماعه عن العرب، ورأيهم أقرب إلى الصواب، ومنع الفراء ترخيم المركب العددي، ومنع أكثر الكوفيين ترخيم المختوم بويه.

وقد أشار الناظم إلى حذف عجز المركب المزجي بقوله: "والعجز احذف من مركب".

(2)

وتقول في اثنتا عشرة: يا اثنت، ولم يعرف الترخيم بحذف الآخر وحرف قبله في غاير هذين اللفظين من المركبات العددية، بشرط أن يسمى بهما؛ لئلا يلتبسا بنداء المثنى؛ وهو: اثنان، واثنتان.

(3)

بل يبقى على حاله قبل الحذف، من حركة، أو سكون، أو صحة، أو إعلال؛ لأن المحذوف في نية الملفوظ، ويستمر البناء على الضم واقعا على الحرف الأخير المحذوف، وتسمى هذه اللغة: لغة من ينتظر، وهي اللغة الفضلى؛ لأن المحذوف المنوي جدير بالمرعاة، وينبغي الاقتصار عليهما في ترخيم المنادى المختوم بتاء التأنيث عند خوف اللبس، كما سيأتي، وفي هذه اللغة يقول الناظم:

وإن نويت بعد حذف ما حذف

فالباقي استعمل بما فيه ألف

أي: إن نويت ما حذف بعد حذفه، فاستعمل الباقي بعد الحذف بما ألف فيه وعرف عنه قبل الحذف؛ أي أتركه على حاله المألوف قبل الحذف.

* "ما" اسم موصول مفعول نويت. "حذف" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة. "فالباقي" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"الباقي" مفعول استعمل مقدم. "بما" متعلق باستعمل، والباء بمعنى على. "فيه" متعلق بألف، وجملة"ألف" من الفعل ونائب الفاعل صلة "ما" المجرورة بالباء.

ص: 305

بالفتح، وفي حارث، يا حار بالكسر، وفي منصور: يا منص بتلك الضمة، وفي هرقل: يا هرق بالسكون، وفي ثمود، وعلاوة

(1)

، وكروان: يا ثمود، ويا علاو، ويا كرو.

ويجوز: ألا ينوى فيجعل الباقي كأنه آخر الاسم في أصل الوضع

(2)

؛ فتقول: يا جعف، ويا حار، ويا هرق، بالضم فيهن، وكذلك تقول: يا منص، بضمة حادثة للبناء

(3)

.

وتقول: "يا ثمي"، بإبدال الضمة كسرة، والواو ياء؛ كما تقول في جمع جرو، ودلو:

(1)

العلاوة بالكسر: ما يعلق على البعير بعد تمام الوقر، والكروان: طائر طويل العنق معروف.

(2)

وعليه يقع البناء؛ لأن -ما حذف اعتبر- كأنه انفصل نهائياً، وتسمى هذه اللغة: لغة من لا ينتظر، وفيها يقول ابن مالك:

واجعله إن لم تنو محذوفاً كما

لو كان بالآخر وضعاً تمماً

فقل على الأول في ثمود "يا

ثمو" "ويا ثمي" على الثاني بيا

أي: أجعل الباقي من المنادى المرخم -إن لم تنو المحذوف- كما لو كان قد تمم الآخر بالوضع، وكأنه لم يحذف شيء يليه؛ فقل على الأول الذي ينتظر المحذوف في "ثمود"، علمًا: يا ثمو، بحذف الدال وترك الباقي على حاله، وعلى الثاني الذي لا ينتظر. يا ثمي، بقلب الواو ياء، والضمة كسرة؛ لأنه يعامل حينئذ معاملة الاسم التام.

(3)

اختار الصبان: أنه مبني على ضم مقدر، ويكون رفع التابع إتباعاً للضم المقدر، لا للضمة الملفوظ بها؛ وذلك خير من تكلف ذهاب ضمة أصلية وحدوث ضمة أخرى للبناء.

* "محذوفا" مفعول تنو. "كما" الكاف جارة، و"ما" زائدة"لو" مصدرية. "كان" اسمها يعود إلى الباقي. "بالآخر" متعلق بتمما. "وضعا" منصوب على نزع الخافض، أو تمييز. "تمما" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل هو، والجملة خبر كان، و"لو" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، وهي ومجرورها في موضع نصب مفعول ثان لاجعله.

"فقل" الفاء للتفريغ "على الأول" متعلق بمحذوف حال من فاعل قل؛ أي جاريا على الوجه الأول. "يا ثمو" مفعول قل مقصود لفظه، و"يا ثمي" جملة النداء في محل نصب مقول قول محذوف، دل عليه الأول. "على الثاني" متعلق بمحذوف، حال كذلك من فاعل" قل" لمحذوف. "بيا" متعلق محذوف حال من "يا ثمي".

ص: 306

الأجري، والأدلي

(1)

؛ لأنه ليس في العربية اسم معرب آخره واو لازمة مضموم ما قبلها.

وخرج بالاسم: الفعل؛ نحو: يدعو، وبالمعرب: المبني؛ نحو: هو، وبذكر الضم نحو: دلو، وغزو، وباللزوم نحو: هذا أبوك

(2)

، وتقول: يا علاء، بإبدال الواو همزة لتطرفها بعد ألف زائدة؛ كما في اكساء، وتقول: يا كرا

(3)

، بإبدال الواو ألفاً؛ لتحركها، وانفتاح ما قبلها كما في العصا.

فصل: يختص ما فيه تاء التأنيث بأحكام:

منها: أنه لا يشترط لترخيمه علمية، ولا زيادة على الثلاثة، كما مر وأنه إذا حذفت منه التاء توفر من الحذف، ولم يستتبع حذفها حذف حرف قبلها

(4)

؛ فتقول في عقنباة: يا عقنبا

(5)

.

(1)

أصلها: الأجرو، والأدلو؛ قلبت الضمة كسرة، والواو ياء لعدم النظير، كما ذكر المصنف.

ويرى بعض المحدثين: أنه قد انتشرت الآن الأسماء المعربة المختومة بالواو اللازمة الساكنة، التي قبلها ضمة، للأشخاص والأماكن؛ مثل: نهرو، كليمنصو، أرسو، إدفو، طوكيو، كونغو، فيكون من الخير واليسر أن ترخم بإبقائها على حالها، إذا فهمت ولم يحدث لبس.

(2)

فإن الواو فيثه غير لازمة؛ لقلبها ألفا في النصب، وياء في الحر.

(3)

ومنه المثل العربي: "أطرق كرا إن النعام في القرى" أي يا كروان، وهو مثل يضرب لمن يخدع بكلام يلطف له ويراد به الغائلة.

(4)

أي ولو كان لينا، ساكنا، زائدا، مكملا أربعة فصاعدا؛ ذلك لأن التاء في حكم كلمة منفصلة عما قبلها، وقد أشار الناظم إلى ذلك قبل، حيث قال:

والذي قد رخما

بحذفها وفره بعد. . . . . . . . . . .

(5)

أي بالألف والاقتصار على حذف التاء. وعقنباة: صفة للعقاب؛ إحدى الطيور الجارحة؛ يقال: هذه عقاب عقنباة؛ أي ذات مخالب قوية.

ص: 307

وأنه لا يرخم إلا على نية المحذوف؛ تقول في مسلمة؛ وحارثة، وحفصة: يا مسلم، ويا حارث، ويا حفص، بالفتح؛ لئلا يلتبس بنداء مذكر لا ترخيم فيه؛ فإن لم يخلف لبس جاز؛ كما في نحو: همزة ومسلمة

(1)

، وإن نداه مرخما أكثر من ندائه تاماً؛ كقوله:

أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل

(2)

(1)

الهمزة: علم على المغتاب، يستوي فيه المذكر والمؤنث، و"مسلمة": علم على قائد مشهور، واسم لكثيرين من الصحابة؛ ومن ذلك: مسلمة بن عبد الملك بن مروان، ومثل مسلمة: حمزة، وطلحة، من الأعلام المشهورة التي فيها التاء ليست للفرق بين المذكر والمؤنث؛ وفي ذلك يقول الناظم:

والتزم الأول في كـ"مسلمة"

وجوز الوجهين في كـ"مسلمة"

أي التزم الترخيم على لغة من ينتظر الحرف المحذوف فيما فيه التاء للفرق بين المذكر والمؤنث؛ كمسلمة، وجوز الترخيم على اللغتين فيما فيه التاء ليست للفرق، كمسلمة، علما. ولعل من الخير أن يبتعد عن اللبس مطلقاً؛ سواء كان في المختوم بالتاء، أم في المجرد منها، أم في غيرهما، ولا معنى لقصره على المختوتم بالتاء. فإن لم يكن هنالك احتمال لبس، جاز اختيار إحدى الطريقتين، وأمر ذلك موكول إلى المتكلم، وإن كانت الطريقة الأولى أنسب؛ لبعدها عن اللبس غالباً؛ لأن عدم وجود الضمة يوحي بأن في اللفظ الحالي حذفا.

(2)

صدر بيت من الطويل لامرئ القيس، من معلقته المشهورة، وعجزه:

وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

اللغة والإعراب: مهلا: مصدر مهل فلي الشيء، عمله برفق ولم يعجل به. التدلل: أن يثق الشخص بحب غيره له فيجرؤ عليه ثقة به، وإظهار المرأة الغضب والتمنع ولست بغضبي. أزمعت: عزمت ووطنت النفس. صرمي: هجري وقطيعتي. فأجملي: فأحسني. "أفاطم" الهمزة للنداء، وفاطم منادى مرخم بحذف التاء. "مهلا" مفعول مطلق منصوب بمحذوف. "بعض" مفعول به لمحذوف أيضاً، أي دعي بعض. "هذا"

مضاف إليه. "التدلل"

"الأول" مفعول التزم. "في كمسلمة" الفاء جارة، والكاف اسم لدخول حرف الجر عليها، بمعنى مثل مبني على الفتح في محل جر بفي، ومسلمة مضاف إليه وإعراب الشطر الثاني كذلك.

ص: 308

لكن يُشاركه في هذا: مالكٌ، وعامرٌ، وحارثٌ

(1)

.

فصلٌ: ويجوزُ ترخيمُ غيرِ المنادَى بثلاثة شروطٍ:

أحَدُهَا: أَنْ يكونَ ذلك في الضرورة.

الثَّانِي: أَنْ يصلح الاسم للنداء

(2)

، فَلا يجوزُ فِي نَحْوِ الغلامِ.

بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة. "وإن كنت" شرط وفعله، والتاء اسم كان. "قد أزمعت صرمي" الجملة خبر كان. "فأجملي" الفاء واقعة في جواب الشرط، وأجملي فعل أمر مبني على حذف النون والياء فاعل.

المعنى:- ترفقي بي يا فاطمة، واتركي الدلال وإظهار الهجر، وإن كنت قد اعتزمت هجري حقا، ووطنت نفسك عليه، فأحسني في ذلك، وكوني بي رفيقة رحيمة.

الشاهد:- في "أفاطم"؛ فهو اسم مؤنث رحم بحذف التاء، وهذا كثير، بل أكثر من غير المرخم.

(1)

- فإن ترخيمها أكثر من تركه؛ لكثرة استعمالها في الشعر العربي في النداء، وأسماء للرجال.

(2)

- أي لمباشرة حرف النداء. ولا شك أن "الغلام" لا يصلح لذلك، بسبب وجود "أل"، وفي هذا يقول الناظم:

وَلَاضْطَرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا

مَا لِلنِّدَا يَصْلُحُ نَحْوُ "أَحْمَدَا" *

أي: رخموا للضرورة -في غير النداء- ما يصلح أن يكون منادى؛ نحو: "أحمد"، فنص الناظم على شرطين هما: أن يكون الترخيم للضرورة، وأن يكون المرخم صالحا للنداء، وقد عرفت باقي الشروط. ولا يشترط في المرخم للضرورة أن يكون معرفة، فقد ترخم النكرة كقول الشاعر:

* لَيْسَ حَيٌّ عَلَى المَنُونِ بِخَالِ *

أي: بخالد.

* "ولاضطرار" مفعول لأجله متعلق برخموا. "دون نداء" دون ظرف متعلق بمحذوف حال من "ما" مقدم على صاحبه، وندا مضاف إليه. "ما" اسم موصول، مفعول رخموا. "للندا" متعلق بيصلح الواقع صلة لما. "نحو" خبر لمبتدإ محذوف. "أحمد" مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ للعلمية ووزن الفعل.

ص: 309

الثَّالث: أَنْ يكونَ إِمَّا زَائِدًا عَلَى الثلاثة، أو بتاء التأنيث؛ كقوله:

* طريف بْنُ مَالٍ لَيْلَةَ الجُوعِ وَالخَصَرْ *

(1)

وَلَا يمتنع عَلَى لغة مَنْ ينتظر المحذوف، خلافًا للمبرِّد؛ بدليل:

* وأَضحَتْ مِنْكَ شَاسعةً أُمَامَا *

(2)

(1)

- عجز بيت من الطويل لامرئ القيس الكندي، وصدره:

* لَنِعْمَ الفَتَى تَعْشُو إِلَى ضَوْء نَارِه *

وبعده: إِذَا الْبَازِلُ الكَوْمَاءُ رَاحَتْ عَشِيَّةً

تُلاوِزُ مَنْ صَوْت المُبَسبس بالسَّحَرْ

اللغة والإعراب:- الفتى يراد به هنا الرجل الجواد. تعشو: تنظر إلى ناره من بعيد؛ من عشا النار: رآها ليلا من بعد فقصدها مستضيئا. الخصر: شدة البرد. "لنعم" اللام للتوكيد، ونعم فعل ماض. "الفتى" فاعل، وجملة "تعشو" حال منه، أو صفة. "طريف" بدل من الفتى، أو مبتدأ مؤخر، وجملة "نعم" الفتى خبر مقدم، ويجوز أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف، والعكس. "ابن" صفة لطريف. "مال" مضاف إليه. "ليلة" الجو ليلة ظرف لتعشو، والجوع مضاف إليه. "والحصر" معطوف على الجوع.

المعنى: - نعم الرجل السخي الكريم طريف بن مالك، يقصده الناس من بعيد، مستضيئة بناره في زمن الحاجة والمسغبة، عند اشتداد البرد. وزمن الشتاء عند العرب هو زمن الحاجة والمجاعة، وفيه يظهر الجواد والشحيح.

الشاهد - في قوله: "ابن مال"؛ حيث رخم في غير النداء للضرورة؛ وأصله: ابن مالك، ونون على لغة من لا ينتظر.

(2)

- عجز بيت من الوافر، لجرير بن عطية، الشاعر الأموي المشهور، وصدره:

* أَلا أَضْحَتْ حِبَالُكُمْ رِمَامَا *

اللغة والإعراب: - أضحت معناها هنا صارت وتحولت. حبالكم: المراد: عهودكم وأواصر الألفة وروابط المحبة بيننا وبينكم. رماما: بالية ضعيفة، جمع رمة؛ وهي القطعة البالية من الحبل. شاسعة: بعيدة بعدا كبيرا. "ألا" حرف تنبيه. "رماما" خبر أضحت الأولى. "شاسعة" خبر أضحت الثانية مقدم. "منك" جار ومجرور متعلق بها. "أماما" اسمها مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على التاء المحذوفة للترخيم، والألف للإطلاق.

ص: 310

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المعنى: - لقد تحول ما بيني وبينكم أيها القوم من أواصر الألفة وروابط المحبة، وصار ما بيننا من عهود الود وأسباب التواصل كأن لم يكن، وأصبحت محبوبتي "أمامة" بعيدة عني، ليس في وصلها والرجوع إليها مطمع.

الشاهد: - في "أماما"؛ حيث رخم للضرورة في غير النداء، بحذف التاء على لغة من لا ينتظر الحرف المحذوف، وهو حجة على المبرد الذي أوجب ترخيم مثل ذلك على لغة من لا ينتظر، ولو رخم على لغة من لا ينتظر لقيل أمام بالرفع.

تنبيه

أ - كثيرا ما يرد "صاح" منادى، وأصله "صاحب"؛ فنودي نداء ترخيم بحذف الباء على القاعدة، وهذا أولى من قول من يقول: إن أصلها: "صاحبي"؛ ورحمت شذوذا بحذف ياء المتكلم والباء؛ لأن الأخذ بما لا شذوذ فيه أولى، وبخاصة إذا كان المطرد ممكنا.

ب - ورد في الشعر ترخيم المتسغات المقرون بلام الاستغاثة وغير المقرون بها؛ فالأول كقول الشاعر:

كُلَّمَا نَادَى مُنَادٍ منْهُم

يَا لَتَيْمِ اللهِ قُلْنَا يَا لَمَالِ

فإنه أراد: يا لمالك؛ فرخمه بحذف آخره وهو الكاف، وهو مستغاث مقرون باللام، والثاني كقول أبي شريح الأحوص الكلابي:

تَمَنَّاني لِيَقْتُلَنِي لَقِيطٌ

أَعَامِ لَكَ ابْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ سَعْدِ

وفي هذا البيت شذوذ من وجهين:

استعمال الهمزة في نداء المستغاث، وترخيمه.

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات

1 -

عرف الترخيم، واذكر أنواعه، وبين المقصود منه هنا، مع التمثيل.

2 -

ما الذي يشترط في ترخيم المنادى مطلقا؟ وما الذي يختص به ما فيه التاء؟ مثل.

3 -

قد يرخم غير المنادى، بين الشروط المطلوبة لذلك، وما الذي يحذف للترخيم؟ ووضح بأمثلة من إنشائك.

4 -

بين الترخيم على لغة من ينتظر، ومن لا ينتظر، ومثل.

5 -

قد تدعو الضرورة إلى ترخيم المنادى، فما شرط ذلك؟ وضح بالمثال.

6 -

فيما يأتي شواهد لبعض موضوعات هذا الباب بين موضع الشاهد، وحكمه:

يَا عَبْلُ لا أَخْشَى الحَمَا وَإِنَّمَا

أَخْشَى عَلَى عَيْنَيْكِ وَقَتَ بُكَاكِ

كِلِينِي لِهَمٍ يَا أُمَيْمَةُ نَاصِبٍ

وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيء الكَوَاكِبِ

وَهَذَا رِدَائي عِنْدَهُ يَسْتعيرُهُ

ليَسْلُبَني حَقِّيَ أَمَالُ بْنُ حَنْظَلِ

يَا جَارَ لَا أُرَمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَة

لَمْ يَلقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي وَلَا مَلِك

كُلَّمَا نَادَى مُنَادٍ مِنْهم

يَا لَتَيْمِ اللهِ قُلْنَا يَا لَمَالِ

7 -

اشرح قول ابن مالك:

وَالْعَجْزَ احْذَفَ مِنْ مُرَكَّبٍ وَقَلْ

تَرخِيمُ جُمْلَةٍ وَذَا عَمْرٌو نَقَلْ

وبين على ضوئه: حكم ترخيم المركب المزجي، والإسنادي، والعددي.

8 -

بين فيما يأتي: ما يجوز ترخيمه، وكيف يرخم، وما لا يجوز، وسبب عدم الجواز.

حارثة، سعفان، محمود، نومان، فتح الله، ماجدة، عمران إسماعيل، مختار، عبد الإله، حمدويه، عنتر، يا أماه، واحزناه، يالله للفدائيين!

9 -

بين الشاهد في قول عنترة الآتي، وأعرب الشطر الثاني منه:

ولَقَدْ شَفَى نَفْسي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا

قِيلُ الفَوَارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقْدِمِ

10 -

اشرح البيت الآتي، وأعرب الشطر الأول منه، وهو لحاتم الطائي:

أَمَاوِيَّ إِنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ

وَيَبْقَى مِنَ الْمَالِ الأَحَادِيثُ وَالذِّكْرُ

ص: 312

‌باب المنصوب على الاختصاص

(1)

:

وهو: اسم معمول لأخص واجب الحذف؛ فن كان "أيها" أو "أيتها" استعملا كما يستعملان في النداء؛ فيضمان

(2)

ويوصفان لزوماً باسم لازم الرفع محلى بأل؛ نحو: أنا أفعل كذا أيها الرجل

(3)

، و"اللهم اغفر لنا أيتها العصابة". وإن كان غيرهما نصب

(4)

.

باب المنصوب على الاختصاص:

(1)

الاختصاص: مصدر اختصصته بكذا، أي خصصته به وقصرته عليه؛ فهو لغة: قصر الكم على بعض أفراد المذكور أولًا، واصطلاحاً: إصدار حكم على ضمير مبهم لغير الغائب، بعده اسم ظاهر معرفة، يفسره ويوضحه، ويختص بهذا الحكم. وهو معمول لأخص محذوفًا وجوبًا، ومثل أخص: أعني، أقصد، أريد، أو ما شاكل هذا؛ غير أن لفظ "أخص" هو المشهور؛ ومنه سمي الاختصاص. والباعث عليه: إرادة القصر والتخصيص، وقد يكون الفخر؛ نحو: أنا -العربي- لا أستكين للمذلة، أو التواضع؛ نحو: إني -أيها الضعيف- قوي بالإيمان، وقد يكون الغرض منه تفصيل وبيان ما يراد من الضمير؛ من جنس، أو نوع أوعدد؛ نحو: نحن -بني الإنسان- نخطئ ونصيب، نحن -الجنود- قدوة في الكفاح، نحن -العشرة- أعضاء الاتحاد.

(2)

أي: يبنيان على الضم في محل نصب على المفعولية بالفعل المحذوف، ولا بد أن يتصل بآخرهما لفظ "ها" للتنبيه، وأن يلتزما هذه الصيغة، إفرادا، وتثنية، وجمعا؛ "أي"

للمذكر، و"أية" للمؤنث.

(3)

"أنا" ضمير مبتدأ. "أفعل" الجملة خبر. "أي" منادى في محل نصب مفعول به لفعل محذوف مع فاعله. "ها" حرف للتنبيه مبني على. "الرجل" نعت لأي بإعتبار اللفظ، وضمته ضمة إتباع، وجملة الاختصاص في محل نصب على الحال، ومعناه: أنا أفعل كذا مخصوصًا من بين الرجال. ويصح تأخير جملة الخبر؛ وهي: أفعل كذا، في نهاية الجملة؛ فتقول: أنا أيها الرجل أفعل كذا.

(4)

أي وجوبا؛ سوا كان معرفا بالإضافة؛ كما مثل المصنف، أو بأل؛ نحو:

نحن العرب أسخى من بذل

أو كان علما غير مضاف، وذلك قليل؛ نحو: أنا الطبيب لا أتوانى عن إجابة الداعي،

ص: 313

نحو: نحن معاشر الأنبياء لا نورث

(1)

. ويفارق المنادى في أحكام.

أحدها: أنه ليس معه حرف نداء، لا لفظاً ولا تقديراً.

الثاني: أنه لا يقع في أول الكلام، بل في أثنائه، كالواقع بعد "نحن" في الحديث المتقدم، أو بعد تمامه، كالواقع بعد "أنا" و"نا" في المثالين قبله.

الثالث: أنه يشترط أن يكون المقدم عليه اسماً بمعناه

(2)

.

والغالب كونه ضمير تكلم، وقد يكون ضمير خطاب؛ كقول بعضهم:"بك الله نرجو الفضل"

(3)

.

ومنه قول رؤبة:

بنا تميماً يكشف الضباب

(1)

هذا جزء من حديث، وتمامه:"ما تركناه صدقة". "ما" اسم موصول مبتدأ. "تركناه" الجملة صلة. "صدقة" خبر المبتدأ.

هذا: وبين الاختصاص والنداء تشابه في أمور؛ هي:

أ- إن كلا منهما يفيد الاختصاص وهو في هذا الباب خاص بالمتكلم أو المخاطب، وفي باب النداء مقصور على المخاطب.

ب- أن كلا منهما للحاضر؛ أي المتكلم أو المخاطب، وإن كان النداء لا يكون للمتكلم.

جـ- أن كلان منهما يرى معه الاسم أحياناً مبنيًا على الضم في محل نصب في "اي" و"أية"، مع وجود "ها" التنبيه، والنعت بعدهما، وتارة يكون منصوبًا.

د- أن الاختصاص يقصد به تقوية المعنى وتوكيده، وكذلك يكون النداء أحياناً، أما الأمور التي يختلفان فيها فقد أوضحها المصنف.

(2)

- أي: أن يكون المراد منهما شيئاً واحدًا.

(3)

"بك" جار مجرور متعلق بنرجو. "الله" منصوب على الاختصاص بفعل محذوف وجوبًا؛ وهو علم. "الفضل" مفعول نرجو. وفي هذا المثال ولي المختص ضمير المخاطب، وهو قليل، والأكثر أن يلي ضمير المتكلم؛ واحدا، أو مثنى، أو مجموعا، وكذلك جاء علما وهو نادر، ولا يقع المختص بعد ضمير غيبة، ولا بعد اسم ظاهر.

ص: 314

والرابع والخامس: أنه يقل كونه علما، وأنه ينتصب

(1)

مع كونه مفرداً، كما في هذا المثال.

والسادس: أنه يكون بأل قياساً؛ كقولهم: "نحن العرب أقرى الناس للضيف".

(1)

أي لفظاً لا محلا فقط، وهذا في غير "أي"، و"أية"؛ فإن نصبهما محلي لا غير، وهما مبنيان على الضم في محل نصب، ومن الفروق غير ذلك: أن "اي"، و"اية" توصفان في النداء باسم الإشارة، وهنا لا توصفان به، وصفتهما واجبة الرفع اتفاقا، بخلافهما في النداء. والمختص لا يكون موصولا، ولا ضميرا، ولا مستغاثا ولا مندوبا، ولا يرخم، بخلاف النداء في ذلك كله. والعامل هنا محذوف وجوبا مع فاعله بدون تعويض، أما في النداء فحرف النداء عوض عنهما. وهذه الفروق كلها راجعة إلى اللفظ.

ويفترقان معنى في أن الكلام مع الاختصاص خبر، ومع النداء إنشاء، وأنه قد يفيد الفخر والتواضع، بخلاف النداء؛ فإن الغرض الأصلي منه طلب الإقبال، وأن الغرض منه تخصيص مدلوله من بين أمثاله بما نسب إليه، وليس الأمر كذلك في النداء. وقد اقتصر الناظم على بعض ما سبق بيانه؛ فأجمل موضوع الاختصاص في بيتين؛ هما:

الاختصاص كنداء دون يا

كـ"أيها الفتى" بإثر "أرجوانيا"

وقد يرى ذو دون "أي""أل"

كمثل "نحن العرب أسخى من بذل"

أي: أن الاختصاص يشبه النداء لفظاً، بدون حرف نداء. ولا بد أن يسبقه شيء، وأن تصاحبه الألف واللام غالبًا؛ كالمثال الذي ذكره؛ وهو:"أيها الفتى" بإثر -أي بعد- "ارجوني". وقد يرى الاختصاص مستعملا من غير لفظ "أي"، أو "أية" ويكون اسما مشتملا على "أل"؛ كقولك:"نحن العرب أسخى من بذل"؛ أي: أكرم من أعطى ماله.

* "الاختصاص" مبتدأ. "كندا" خبر. "دون" ظرف نعت لنداء، و"يا" مضاف إليه. "كأيها" الكاف جارة لقول محذوف، و"أي" منادى في محل نصب بأخص وجوبا، و"ها" حرف تنبيه. "الفتى" نعت لأي. "بأثر" حال من أيها. "ارجونيا" قصد لفظه، مضاف إليه.

"ذا" نائب فاعل يرى. "دون أي" دون ظرف متعلق بمحذوف، حال من ذا، وأي مضاف إليه. "تلو أل" تلو مفعول ثان ليرى، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل مضاف إلى أل. "كمثل" خبر لمبتدأ محذوف. "نحن" مبتدأ "العرب" مفعول لفعل محذوف وجوبا، والجملة معترضة بين المبتدأ وخبره؛ وهو "أسخى". "من" اسم موصول مضاف إليه. "بذل" الجملة من الفعل والفاعل صلة "من".

ص: 315

‌باب: التحذير

وهو: تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه

(1)

، فإن ذكر المحذر بلفظ "إيا"؛ فالعامل محذوف لزومًا

(2)

؛ سواء عطفت عليه، أم كررته، أم لم تعطف، ولم تكرر

(3)

؛ تقول: إياك والأسد، والأصل:

باب التحذير:

(1)

هذا التعريف شبه لغوي؛ لأن التحذير مصدر معناه التخويف. والمناسب للنحوي الذي يبحث عن أحوال الكلم إعرابًا وبناء، أن يقال في التعريف: اسم منصوب معمول لفعل مضمر تقديره: أحذر ونحوه. والأصل في أسلوب التحذير: أن يشتمل على ثلاثة أشياء: المحذر؛ وهو المتكلم الذي يوجه التحذير لغيره، والمحذر، وهو الذي يتوجه إليه التنبيه والتحذير، والمحذر منه؛ وهو الشيء الذي يطلبه تجنبه والبعد عنه، وقد يقتصر على بعض هذه الأمور كما سنبينه بعد. ويكون التحذير بأمور كثيرة؛ كصورة الأمر، أو النهي؛ تقول: افعل كذا، ولا تفعله، ولكن المقصود في هذا الباب أساليب خاصة، تخضع لضوابط وقواعد، وضعها النحاة، ويكون بثلاث طرق:

أ- ذكر المحذر؛ وهو إاياك، وفروعه: إياكما، إياكم، إياكن، إما بعطف المحذور منه على إياك؛ نحو: إياك والأسد، أو بخفضه بمن؛ نحو: إياك من الإهمال.

ب- ذكر المحل المخوف عليه، ويكون بذكره نائبا عن "إيا" مضافا إلى كاف خطاب للمحذر من غير عطف ولا تكرار، أو مع العطف أو التكرار؛ مثل: يدك نفسك؛ أي: نفسك والأسد، أو نفسك نفسك.

جـ- ذكر المحذر منه مكررا، أو معطوفا عليه، أو بدونهما؛ نحو: البرد البرد، البرد والمطر، وسيأتي مزيد إيضاح لذلك كله.

(2)

لأنه لما كثر التحذير بلفظ "إيا"، جعلوه عوضا عن اللفظ بالفعل، والتزموا معه إضمار العامل، ولا يجمع بين العوض والمعوض. وهو منصوب باعتباره مفعولا به للمحذوف، ولا بد من أن يذكر بعده المحذر منه.

(3)

الأحسن أنه إذا سبقت الاسم المذكور بعد إياك واو العطف أن يختار فعل يناسب المعطوف، غير الفعل الناسب لإياك؛ فيكون في الأسلوب فعلان محذوفان وجوبا مع مرفوعيهما.

ص: 316

احذر تلاقي نفسك والأسد

(1)

، ثم حذف الفعل وفاعله، ثم المضاف الاول، وأنيب عنه الثاني فانتصب

(2)

، ثم الثاني، وأنيب عنه الثالث فانتصب وانفصل

(3)

. وتقول: إياك من الأسد

(4)

، والأصل: باعد نفسك من الأسد، ثم حذف "باعد" وفاعله والمضاف

(5)

. وقيل: التقدير: أحذرك من الاسد؛ فنحو: إياك الأسد، ممتنع على التقدير الأول، وهو قول الجمهور

(6)

. وجائز على الثاني، وهو رأي ابن الناظم

(7)

.

ولا خلاف في جواز: إياك أن تفعل

(8)

؛ لصلاحيته لتقدير "من". ولا تكون "إيًّا" في

(1)

بجر "نفس" و"الأسد".

(2)

فصار: نفسك والأسد، بنصبهما.

(3)

أي بعد أن كان مجرورا متصلا؛ وذلك لتعذر اتصاله؛ فصار: "إياك" ويقال في إعرابه: "إياك" في محل نصب مفعول به بفعل محذوف وجوبا تقديره: احذر ونحوه، والكاف حرف خطاب، و"الأسد" معطوف على إياك، والأحسن أن يكون منصوبًا بفعل آخر مضمر وجوبًا يناسب الكلام كما أسلفنا، ويكون من عطف الجمل.

(4)

أي: بجر المحذر منه "بمن"، بدلا من العطف بالواو.

(5)

أي: وهو "نفس"، فانفصل الضمير وانتصب، "فإياك" منصوب بباعد المحذوف، و"من الأسد" متعلق به.

(6)

لأن "باعد" لا يتعدى بنفسه إلى مفعولين، ولا يجوز نصب "الأسد" بنزع الخافض؛ وهو "من"؛ لأن ذلك سماعي في غير أن، وإن، وكي، كما تقدم في موضعه. انظر صفحة 98، جزء ثان.

(7)

لأن "احذر" يتعدى إلى مفعولين بنفسه؛ قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وينبني على التقديرين: أن الكلام على تقدير الجمهور إنشائي، وعلى تقدير ابن الناظم خبري، والحق -كما رأى بعض المحققين- أنه لا يتعين تقدير "باعد"، ولا "أحذر" ولا غيرهما، بل الواجب تقدير ما يؤدي الغرض ويناسب الحال؛ مثل: دع، اتق، نح

إلخ؛ لأن المقدر ليس أمرًا متعبدا به لا يعدل عنه. وينبغي الأخذ بهذا الرأي عند تقدير المحذوف في كل ما يحتاج إلى تقدير.

(8)

أي مما فيه المحذر منه "أن" المصدرية وصلتها؛ لأن حذف الجار قبل "أن" جائز في سعة الكلام.

ص: 317

هذا الباب لمتكلم

(1)

. وشذ قول عمر رضي الله عنه "لتذك لكم الأسل والرماح والسهام، وإياي وأن يحذف أحدكم الأرنب"

(2)

، وأصله: إياي باعدوا عن حذف الأرنب، وباعدوا أنفسكم أن يحذف أحدكم الأرنب

(3)

، ثم حذف من الأول المحذور

(4)

، ومن الثاني المحذرد

(5)

.

ولا يكون لغائب

(6)

، وشذ قول بعضهم: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب

(7)

، والتقدير: فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشواب

(8)

.

وفيه شذوذان؛ أحدهما: اجتماع حذف الفعل وحذف حرف الأمر

(9)

.

والثاني: إقامة الضمير -وهو "إيًّا"- مقام الظاهر؛ وهو الأنفس؛ لأن المستحق

(1)

لأن المتكلم لا يحذر نفسه، ولما يلزم عليه من اتحاد المحذور والمحذر.

(2)

"لتذك" اللام لام الأمر، وتذك فعل مضارع مجزوم بها، من التذكية؛ وهي الذبح. "الأسل" أصله: الشوك الطويل من شوك الشجر، والمراد به هنا: ما رق وأرهف من الحديد؛ كالسيف والسكين ونحوهما.

المعنى: - يأمر رضي الله عنه أن يكون الذبح بالأسل، أو الرماح، أو السهام عند الرمي بها، وينهي عن حذف الأرنب وغيره بنحو حجر؛ فإن ذلك لا يحله.

(3)

الصواب: أنهما تحذيران حذف من كل منهما نظير ما أثبته في الآخر، وهو قول الجمهور والزجاج.

(4)

أي: وهو حذف الأرنب.

(5)

وهو: أنفسكم.

(6)

وذلك لاختصاص التحذير بالمخاطب، والغائب لا يحذر.

(7)

قول سمع عن العرب كما قال سيبويه، والشواب: جمع شابة، ويروى: السوءات، جمع سوأة، ومعناه: إذا بلغ الرجل ستين سنة، فلا ينبغي له أن يولع بشابة، أو أن يفعل سوأة.

(8)

فقد حذف الفعل مع فاعله، ثم المضاف الأول؛ وهو "تلاقي"، وأنيب عنه الثاني؛ وهو "نفس"، ثم الثاني فانفصل الضمير وانتصب، وأبد أنفس بإيا.

(9)

ولام الأمر لا تحذف إلا في الضرورة؛ فحذفها مع مجزومها أشد.

ص: 318

للإضافة إلى الأسماء الظاهرة إنما هو المظهر لا المضمر

(1)

. وإن ذكر المحذر بغير لفظ "إياه"، أو اقتصر على ذكر المحذر منه؛ فإنما يجب الحذف، إن كررت أو عطفت

(2)

؛ فالأول نحو: نفسك نفسك، والثاني نحو: الأسد الأسد. و {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}

(3)

.

وفي غير ذلك يجوز الإظهار؛ كقوله:

خل الطريق لمن يبني المنار به

(4)

(1)

ذلك لأن الإضافة للتعريف أو التخصيص، والضمير في غنى عن ذلك؛ لأنه أعرف المعارف؛ قال صاحب اللمع: ويجوز أن يكون المحذر منه ضميرا غائبا معطوفا على المحذر، كقول الشاعر:

فلا تصحب أخا الجهل

وإياك وإياه

وعلى ذلك لا يكون التحذير بضميري الغائب والمتكلم شاذا، إلا إذا كان محذرا لا محذرا منه، وهذا وما قبله هما الأسلوبان الثاني والثالث من أساليب التحذير اللذان أشرنا إليهما أول الباب.

(2)

ذلك لأنهم جعلوا العطف والتكرار كالبدل من الفعل، ولا يكون العطف إلا بالواو خاصة.

(3)

{نَاقَةَ اللَّهِ} ناقة منصوب بفعل مضمر وجوبا على التحذير، ولفظ الجلالة مضاف إليه. و {سُقْيَاهَا} معطوف على الناقة؛ أي: ذروا ناقة الله وسقياها فلا تمنعوها عنها؛ فقد عطفت الواو محذرا منه على مثله. ويجوز في هذا أن تكون الواو للمعية؛ فينصب ما بعدها على أنه مفعول معه، وحينئذ يجوز إظهار العامل لعدم العطف. الآية 13 من سورة الشمس.

(4)

صدر بيت من البسيط، لجرير، من قصيدة يهجو فيها عمر بن لجإ التيمي، وهو من شواهد سيبويه، وعجزه:

وابرز ببرزة حيث اضطر القدر

اللغة والإعراب: خل: فعل أمر؛ من التخلية؛ أي اترك ودع. الطريق: المراد هنا سبيل المجد والشرف. المنار: علامات توضع في الطريق ليهتدي بها السالكون. أبرز:

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اظهر. برزة: اسم أم عمر بن لجإ. "الطريق" مفعول لفعل الأمر "خل". "لمن" متعلق به، ومن اسم موصول. "يبني المنار" الجملة صلة. "حيث" ظرف مكان معمول لابرز. "اضطرك القدر" الجملة في محل جر بإضافة حيث إليها.

المعنى: اترك طريق المجد وسبيل العظمة والشرف لمن يعمل له، ويأخذ في أسبابه؛ فلست له أهلا، واسلك مع أمك طريق الغي والضلال. حيث ألجأك القدر الذي لا يغالب.

وقيل: إن المراد ببرزة: الأرض الواسعة، والباء فيه للظرفية بمعنى "في".

الشاهد: في "خل الطريق"؛ حيث أظهر العامل -وهو "خل"- في التحذير؛ لأن المحذر منه -وهو الطريق- غير مكرر ولا معطوف عليه.

وفي الأمثلة التي يجوز فيها ذكر العامل أو حذفه يصح رفع المحذور منه على أنه مبتدأ خبره محذوف، ولا يكون مما نحن فيه.

الخلاصة: أنه إذا كان التحذير بـ"إيا" وفروعها، وجب نصب هذا الضمير بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا؛ سواء كان هذا الضمير مكررا أولا، معطوفا عليه أو لا، ولك أن تخفض المحذور بـ"من"؛ فتقول: إياك من الإهمال، أو تنصبه بغير عطف؛ فتقول: إياك الأسد. وإن كان التحذير بغير ذلك وجب نصب الاسم بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبًا، بشرط العطف أو التكرار، فإن لم يوجد عطف ولا تكرار، كان النصب بعامل محذوف جوازا. ويجوز ضبط الاسم بغير النصب، ولا يتعين الأسلوب للتحذير، وفي هذا الباب يقول الناظم في إجمال:

"إياك والشر" ونحوه نصب

محذرا بما استتاره وجب

ودون عطف ذا "لإيا" انسب وما

سواه ستر فعله لن يلزما

إلا مع العطف أو التكرار

كـ"الضيغم الضيغم يا ذا الساري"

وشذ "إياي" و"إياه" أشذ

وعن سبيل القصد من قاس انتبذ

* "إياك والشر" مفعول مقدم لنصب قصد لفظه. "ونحوه" معطوف عليه. "محذر" فاعل نصب. "بما" متعلق بنصب وما اسم موصول. "استناره وجب" مبتدأ وخبر، والجملة صلة. "ودون عطف" دون ظرف متعلق بانسب، وعطف مضاف إليه. "ذا" مفعول مقدم له. "لإيا" متعلق بانسب أيضا. "ما" اسم موصول، مبتدأ.

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي نصب المحذر أسلوب "إياك والشر" ونحوه، بعامل محذوف وجوبًا إن اشتمل على عاطف؛ كما مثل، وانسب هذا الحكم لـ"إيا" عند عدم العطف عليها. أمَّا ما سواها فحذف الفعل الناصب ليس لازما، إلا مع العطف أو التكرار. ثم ذكر أن التحذير بـ"إيا" وفروعها، يكون للمخاطب، وشذ مجيئها لضمير المتكلم، وأشذ منه مجيئها لضمير الغائب، ومن قاس على ذلك فقد انتبذ؛ أي بعد عن الصواب.

"سواه" ظرف متعلق بمحذوف صلة ما. "ستر فعله" مبتدأ ثان، ومضاف إليه. "لن يلزما" الجملة خبر، والألف للإطلاق، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول. "إلا" أداة استثناء ملغاة. "مع العطف" مع ظرف متعلق بيلزم، والعطف مضاف إليه. "أو التكرار" معطوف عليه. "كالضيغم" الكاف جارة لقول محذوف، و"الضيغم" منصوب بفعل واجب الحذف والثاني توكيد له. "يا" حرف نداء. "ذا" اسم إشارة منادى مبني على ضم مقدر في محل نصب. "الساري" بدل او نعت لاسم الإشارة. "وشذ إياي" فعل، وفاعل مقصود لفظه. "وإياه أشذ" مبتدأ وخبر. "وعن سبيل "جار ومجرور متعلق بانتبذ. "القصد" مضاف إليه. "من" اسم موصول مبتدأ، و جملة "قاس" صلة من. "انتبذ" -أي بعد- الجملة خبر المبتدأ.

ص: 321

‌باب: الإغراء

(1)

وهو تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله

(2)

. وحكم الاسم فيه حكم التحذير الذي لم يذكر فيه "إيا"؛ فلا يلزم حذف فاعله إلا في عطف أو تكرار؛ كقولك: المروءة والنجدة؛ بتقدير: الزم، وقوله:

أخاك أخاك إن من لا أخًا له

(3)

باب الإغراء:

(1)

الإغراء: مصدر أغريت فلانا بكذا: حببته إليه، وحملته على فعله.

(2)

يقال في هذا التعريف ما قيل في التحذير، والفعل المقدر هنا: الزم ونحوه، وأسلوب الإغراء يشمل: المغرِي؛ وهو المتكلمُ، والمغرَى؛ وهو المخاطب، والمغرَي به؛ وهو الأمر المحبوب.

(3)

صدر بيت من الطويل، لمسكين الدارمي، وقيل: هو لإبراهيم بن هرمة القرشي، والصواب أنه لمسكين، وعجزه:

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

اللغة والإعراب: الهيجاء: الحرب، وهي تمد وتقصر. "أخاك" منصوب على الإغراء بتقدير الزم محذوفا وجوبا للتكرار. "أخاك" الثاني توكيد:"من" اسم موصول اسم إن. "لا" نافية للجنس. "أخا" اسمها مبني على فتح مقدر على الألف. "له" جار ومجرور خبرها، وقيل: الأحسن أن يكون خبر "لا" محذوفا، و"أخا" مضاف إلى ضمير "له"، واللام زائدة؛ أي إن الذي لا أخاه موجود، والجملة من لا ومعموليها صلة الموصول. "كساع" متعلق بمحذوف خبر إن. "إلى الهيجا" متعلق به.

المعنى: الزم أخاك ولا تفارقه واحرص عليه؛ فالشخص الذي ليس له أخ يعينه ويعضده؛ كمن يذهب إلى الحرب وليس معه عدتها ولا أداتها. والظاهر أنه يريد أخا النسب، لا أخا الصداقة والألفة كما يراه بعضهم؛ لقوله بعد ذلك:

وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه

وهل ينهص البازي بغير جناح

فيكون قد أوصى أولا على التمسك بالأخوة، ثم بأبناء العم.

الشاهد: نصب "أخاك" بعامل واجب الحذف؛ لأنه مكرر.

ص: 322

ويقال: "الصلاة جامعة"، فتنصب "الصلاة" بتقدير: احضروا، و"جامعة" على الحال، ولو صرح بالعامل لجاز

(1)

.

(1)

أي لعدم العطف والتكرار. ويجوز في هذه العبارة رفعهما على الابتداء والخبر، كما يجوز رفع الأول على الابتداء، والخبر محذوف، ونصب "جامعة" على الحال من فاعل الخبر المحذوف، وقد أشار الناظم إلى الإغراء وحكمه، بقوله:

وكمحذر بلا "إيا" اجعلا

مغرى به في كل ما قد فصلا

أي أن الاسم المغرى به؛ كالاسم المحذر الذي بغير "إيا" في جميع أحكامه التي سبقت.

تتمة:

1 الغالب في أساليب الإغراء والتحذير: أن تكون إنشائية، تبعا لعاملها الدال على الطلب.

2 يلحق بالتحذير والإغراء في وجوب النصب، وفي التزام إضمار الناصب، بعض الأمثال المشهورة المسموعة بالنصب، وبعض العبارات التي تشبه المثل، ولكنها لم تبلغ مبلغه في الشهرة؛ فمن الأمثال:

أ- "الكلاب على البقر": وهو مثل يضرب لمن يترك الخير والشر يصطرعان ويطلب السلامة لنفسه؛ أي: خل الناس خيرهم وشرهم، واغتنم أنت طريق السلامة، وتقديره: اترك الكلاب على البقر.

ب- "أحشفًا وسوء كيلة": مثل يضرب لمن يسيء إلى غيره من جهتين، ويظلم الناس من ناحيتين، والحشف: أردأ التمر، وسوء الكلية، الظلم في الكيل وتقديره: أتبيع حشفا، وتزيد على ذلك سوء كيلة؟

جـ- "كليهما وتمرًا" مثل يضرب لمن خير بين شيئين ليختار أحدهما، فطلبهما معا، بل وطلب الزيادة عليهما، ومعناه: أعطني كليهما، وزدني تمرا.

* "وكمحذر" متعلق باجعلا، وهو في موضع المفعول الثاني له مقدم عليه. "بلا إيا" متعلق به أيضا، ولا بمعنى غير "اجعلا" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بالنون المنقلبة ألفا، والألف للإطلاق. "مغرى" مفعول أول له. "به" متعلق بمغرى. "في كل" متعلق باجعلا. "ما" اسم موصول، مضاف إليه. "قد فصلا" الجملة صلة، وفصلا فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق.

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومن العبارات التي تشبه المثل وتجري مجراه:

أ- قوله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} من الآية 171 من سورة النساء؛ أي انتهوا عن التثليث واتركوا الإشراك بالله، واصنعوا خيرا لكم.

ب- من أنت؟ خالدًا. يقال لمن يذكر عظيمًا رفيع القدر بسوء، والتقدير: من أنت؟ تذكر خالدًا.

جـ- مرحبا، وأهلًا، وسهلًا، التقدير: وجدت مرحبا، وأتيت أهلا، ونزلت سهلا.

3 -

الواو في الإغراء لا يتحتم أن تكون عاطفة؛ فقد تكون للمعية؛ نحو: الاستذكار والفهم كي تنتفع بما تقرأ، وقد تكون للعطف وحده، وقد يتسع المجال للأمرين؛ فيراعى ما يقتضيه المقام.

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف الاختصاص، واذكر أهم الأغراض التي تبعث عليه، ومثل لكل بأمثلة من عندك.

2 يوافق الاختصاص النداء في أمور، ويخالفه في أخرى، بين أوجه الاتفاق والخلاف، ووضح بالأمثلة.

3 ما حكم عامل الاختصاص من حيث الذكر والحذف؟ وكيف تعرب "أيها" و"أيتها" في الاختصاص، وما حكم التابع لهما؟ وضح ما تقول بالأمثلة.

4 عرف كلا من التحذير والإغراء تعريفًا نحويا، واذكر أساليب كل مع التمثيل.

5 متى يجب حذف عامل التحذير والإغراء؟ ومتى يجوز؟ اذكر أمثلة لكل.

6 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل التحذير، والإغراء، والاختصاص، بين ذلك:

إياك أن تعظ الرجال وقد

أصبحت محتاجًا إلى الوعظ

وما لي لا أعطي الحياة إذا دعت

بلادي حياتي للبلاد ومالي

جد بعفو فإنني أيها العبـ

ـد إلى العفو يا إلهي فقير

فإياك إياك المراء فإنه

إلى الشر دعاء وللشر جالب

7 اشرح قول ابن مالك الآتي، وعلل له:

وشذ إياي وإياه أشذ

وعن سبيل القصد من قاس انتبذ

8 كون ثلاث جمل للاختصاص في جهاد الأعداء المستعمرين، ومثلها للتحذير والإغراء؛ بحيث تستوعب أنواع كل.

9 اشكل ما تحته خط فيما يأتي، وبين نوعه، وموقعه من الإعراب:

إننا -معشر الشرقيين- لا نستسلم لمعتد أو مستعمر، وشعارنا - أيها الغافلون عن عبر التاريخ: النار ولا العار، والعدل والإنصاف حتى مع الأعداء؛ فالجهاد الجهاد في سبيل الشرف والكرامة، وإياكم والاستسلام، والبعد عن المثبطين واللئام. موطنك لا تفرط في ذرة من رماله، دينك وخلقك، ولا تقل نفلسي نفسي؛ فالوطن أغلى من كل شيء، ومبدؤنا - نحن بني العروبة- أن نعيش مع الناس كافة عيشة حرة كريمة، وأن نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا.

ص: 325

‌باب: أسماء الأفعال

(1)

اسم الفعل: ما ناب عن الفعل معنى واستعمالًا؛ كـ"شتان"

(2)

، و"صه"، و"أوه".

والمراد بالاستعمال: كونه عاملًا غير معمول

(3)

؛ فخرجت المصادر والصفات في نحو: ضربًا زيدًا؛ وأقائم الزيدان؛ فإن العوامل تدخل عليها

(4)

. ووروده بمعنى الأمر كثير؛ كـ"صه" ومه، وآمين"؛ بمعنى: اسكت، وانكفف، واستجب. ونزال وبابه

(5)

.

باب: أسماء الأفعال

(1)

اسم الفعل هو: اسم ينوب عن فعل معين، ويتضمن معناه وزمنه، ويعمل عمله من غير أن يقبل أو يتأثر بالعوامل، ويمتاز عن الفعل الذي هو بمعناه بأنه أقوى منه في الدلالة على أداء المعنى وإبرازه كاملًا، مع إيجاز في اللفظ أحيانًا؛ لالتزامه صورة واحدة، لا تتغير غالبًا مع الإفراد والتذكير وفروعهما.

وكونه اسما هو الصحيح، ومدلوله لفظ الفعل من حيث دلالته على معناه الموضوع له.

(2)

شتان معناه: افترق. والصحيح أن يكون الافتراق خاصا بالأمور المعنوية؛ كالعلم، والفهم، فلا يقال: شتان المتخاصمان، وهو يطلب فاعلا متعددا بواو العطف لا غير، وقد تزاد بعدها "ما"؛ تقول: شتان ما علي ومعاوية في الشجاعة، وقد تزاد "ما بين"؛ كقول ربيعة بن ثابت، يمدح يزيد بن حاتم المهلبي، ويهجو يزيد بن أسيد السلمي:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى

يزيد سليم والأغر بن حاتم

"فاليزيدين" فاعل مرفوع تقديرًا، و"ما بين" زائدة. والظاهر: أن شتان في مثل هذا بمعنى "بعد: ". ولا تزاد "بين" وحدها، وأما قول الشاعر:

جازيتموني بالوصال قطيعة

شتان بين صنيعكم وصنيعي

فلم يستعمله العرب، ويخرج على أن "ما" مضمرة قبل "بين".

(3)

أي غير معمول لعامل يقتضيه؛ فاعلا أو مفعولا، مثلا، وهذا لا يمنع أن يكون معمولا للحروف الناصبة أو الجازمة.

(4)

أي: وتعمل فيها؛ فإن "ضربا" منصوب بما ناب عنه؛ وهو: "اضرب"، و"أقائم" مرفوع بالابتداء.

(5)

مر ما ينقاس فيه "فعال" في باب "أسماء لازمت النداء".

ص: 326

وبمعنى الماضي والمضارع قليل؛ كـ"شتان، هيهات"؛ بمعنى افترق وبعده، و"أوه، وأف"؛ بمعنى أتوجع وأتضجر، و"وا" بمعنى أتوجع وأتضجر، و"أو"، و"واهًا"؛ بمعنى أعجب؛ كقوله تعالى:{وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}

(1)

؛ أي: أعجب لعدم فلاح الكافرين، وقول الشاعر:

وا بأبي أنت وفوك الأشنب

(2)

وقول الآخر:

واهًا لسلمى ثم واهًا واهًا

(3)

(1)

" وَيْ" اسم فعل مضارع بمعنى أعجب، مبني على السكون لا محل له، وفاعله أنا "كَأَنَّهُ" الكاف حرف تعليل وجر، وأن مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف. وقيل:"كأن" بتمامها حرف تشبيه ونصب، والهاء اسمها وجملة {لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} خبرها.

(2)

رجز، ينسب لراجز من بني تميم، لم يعين اسمه، وبعده:

كأنما ذر عليه الزرنب

أو زنجبيل وهو عندي أطيب

اللغة والإعراب: فوك: فمك. الأشنب: من الشنب؛ وهو عذوبة ماء الفم مع رقة الأسنان. ذر: فرق ورش. الزرنب: نبت من نبات البادية، طيب الرائحة. الزنجبيل: نبت معروف، ويطلق كذلك على الخمر. "وا" اسم فعل مضارع بمعنى أعجب والفاعل أنا "بأبي" جار وجرور خبر مقدم. "أنت" ضمير منفصل، مبتدأ مؤخر، و"فوك" الواو للاستئناف. "فوك" مبتدأ مرفوع بالواو، والكاف مضاف إليه. "الأشنب" صفة له. "كأنما" كأن حرف تشبيه ونصب. "ما" كافة. "ذر" فعل ماض للمجهول. "عليه" متعلق بذر. "الزرنب" نائب فاعل، والجملة خبر "فوك".

المعنى: يعجب من جمال محبوبته، ويقول لها: أفديك بأبي، ويصف فمها بالعذوبة ورقة الأسنان، والرائحة الطيبة المنبعثة منها.

الشاهد: في "وا"؛ فإنه اسم فعل مضارع بمعنى أعجب.

(3)

رجز ينسب لأبي النجم، الفضل بن قدامة العجلي، وينسبه بعضهم لرؤبة بن العجاج، وقيل: لغيرهما، وبعده:

هي المنى لو أننا نلناها

يا ليت عيناها لنا وفاها

بثمن نرضي به أباها

ص: 327

‌فصل: اسم الفعل ضربان

(1)

:

أحدهما: ما وضع من أول الأمر كذلك

(2)

؛ كـ"شتان"، و"صه"، و"وي".

إن أباها وأبا اباها

قد بلغا في المجد غايتاها

اللغة والإعراب: المنى: ما يتمناه الإنسان، جمع منية. نلناها ظفرنا بها. والنيل: الظفر والمراد. "واها" اسم فعل مضارع بمعنى أعجب؛ قال الجوهري: إذا تعجبت من طيب شيء، قلت واها له؛ أي ما أطيبه. "لسلمى" جار ومجرور به، وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث المقصورة. "ثم" حرف عطف. "واها" الثانية معطوف على الأولى، و"واها" الثالثة توكيد.

المعنى: يعجب لحسن محبوبته سلمى، ويؤكد عجبه بذلك ويقول: إنها كل ما يتمناه ويرجوه في هذه الحياة لو ظفر بها.

الشاهد: في "واها" في المواضع الثلاثة؛ فإنه اسم فعل بمعنى أعجب، وقد عمل عمله، وفيما تقدم يقول الناظم:

ما ناب عن فعل كـ"شتان وصه"

هو اسم فعل وكذا "أو ومه"

وما بمعنى أفعل كـ"آمين" كثر

وغيره كـ"وي وهيهات نزر

أي أن الذي ينوب عن الفعل، ويقوم مقامه في الدلالة على معناه وفي عمله يسمى اسم فعل؛ مثل: شتان، صه، أوه، مه. والذي بمعنى "افعل" -أي فعل الأمر- كثير؛ مثل: آمين بمعنى استجب. أما الذي بمعنى غيره -وهو الماضي والمضارع- فقليل؛ مثل "وي" بمعنى أعجب، و"هيهات" بمعنى بعد، ومعنى نزر: قل.

(1)

هذا التقسيم من حيث الوضع والأصالة في الدلالة على الفعل.

(2)

أي أنه لم يستعمل في غيره من قبل؛ ولذلك يسمى: المرتجل.

* "ما" اسم موصول، مبتدأ أول. "ناب" الجملة صلة. "عن فعل" متعلق بناب. "كشتان" في موضح الحال من فاعل ناب. "وهو اسم فعل" مبتدأ ثان وخبر مضاف إليه، والجملة خبر الأول،. "وكذا" خبر مقدم. "أوه" مبتدأ مؤخر. "ومه" معطوف عليه.

"وما" اسم موصول مبتدأ. "بمعنى" متعلق بمحذوف، صلة. "أفعل" مضاف إليه. "كآمين" خبر لمبتدأ محذوف. "كثر" الجملة خبر المبتدأ "ما". "وغيره" مبتدأ، ومضاف إليه. "كوي" خبر لمبتدأ محذوف. "وهيهات" معطوف عليه. "نزر" الجملة خبر المبتدأ "غير".

ص: 328

الثاني: ما نقل من غيره إليه

(1)

؛ وهو نوعان:

منقول من ظرف أو جار ومجرور؛ نحو: عليك؛ بمعنى الزم، ومنه:{عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُم}

(2)

؛ أي الزموا أنفسكم، و"دونك زيدًا"؛ بمعنى خذه، و"مكانك"؛ بمعنى اثبت، و"أمامك"؛ بمعنى تقدم، و"وراءك"؛ بمعنى تأخر، و"إليك"؛ بمعنى تنح

(3)

.

ومنقول من مصدر؛ وهو نوعان: مصدر استعمل فعله، ومصدر أهمل فعله.

فالأول نحو: "رويد زيدًا؛ فإنهم قالوا: أروده إروادًا؛ بمعنى أمهله إمهالًا، ثم صغروا

(1)

أي وضع أول الأمر لمعنى آخر، ثم انتقل منه إلى اسم الفعل، ولهذا يسمى: المنقول.

(2)

{عَلَيْكُمْ} اسم فعل أمر مبني لا محل له من الإعراب، والفاعل أنتم {أَنفُسَكُمْ} مفعول به على حذف مضاف؛ أي الزموا شأن أنفسكم، 105 من سورة المائدة.

واختلف في الكاف المتصلة بعلى؛ فقيل هي حرف خطاب لا محل له، وقيل: هي ضمير في محل رفع على الفاعلية، أو في محل نصب على المفعولية، أو في محل جر؛ إما بعلى أو بالإضافة؛ لأن "على" اسم للمصدر وهو اللزوم. وقد يتعدى "عليك" بالباء؛ نحو:"عليك بذات الدين" فيقدر فعل مناسب، أي تمسك، مثلًا. وكثيرا ما تزاد الباء في مفعول أسماء الأفعال لضعفها في العمل.

(3)

أي ابتعد. وقال الأشموني: ولا يقاس على هذه الظروف المبهمة، ولا على ما سمع من الجار والمجرور، غيرها مما لم يسمع. وأجاز الكسائي قياس ما لم يسمع على ما سمع، ولا يستعمل هذا النوع إلا متصلًا بضمير المخاطب، وشذ قولهم:"عليه رجلا غيري"؛ أي ليزمه، و"على الشيء"، أي أولنيه أو لألزمه، وأما قوله عليه السلام:"ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، فقد حسنه ما قبله من الخطاب في قوله:"يا معشر الشباب" .... إلخ. وقيل: "عليه" خبر مقدم، و"بالصوم" مبتدأ مؤخر على زيادة الباء. واختلف في موضع الضمير المتصل بعليك ونحوه؛ فقيل: رفع على الفاعلية، واستعير ضمير غير الرفع له، وقيل: نصب على المفعولية، والصحيح أن موضعه جر بالإضافة مع الظروف؛ كدونك ونحوه، وبالحرف مع المنقول من الحروف؛ كعليك وأمثاله، وقد نظر في ذلك إلى الأصل قبل النقل؛ لأن اسم الفعل لا يضاف ولا يعمل الجر. وفي كل واحد من الأسماء ضمير مستتر مرفوعن الموضع على الفاعلية؛ فإذا جئت بتوكيد؛ فقلت: عليكم كلكم محمدا، جاز رفع "كل" على أنه توكيد للضمير المستتر المرفوع، وجاز جره على التوكيد للمجرور الموجود.

ومن هذا يتبين: أن اسم الفاعل هو الجار لا غير، والفاعل مستتر فيه، والكاف كلمة مستقلة.

ص: 329

الإرواد تصغير الترخيم

(1)

وأقاموه مقام فعله، واستعملوه تارة مضافًا إلى مفعوله؛ فقالوا:"رويد زيد"، وتارةً منونًا ناصبًا للمفعول؛ فقالوا:"رويدًا زيدًا"

(2)

. ثم إنهم نقلوه وسموا به فعله؛ فقالوا: "رويدًا زيدًا". والدليل على أن هذا اسم فعل كونه مبنيًا. والدليل على بنائه كونه غير منون

(3)

.

والثاني: قولهم "بله زيدًا"؛ فإنه في الأصل مصدر فعلٍ مهملٍ مرادف لدع

(4)

(1)

فحذفوا الهمزة والألف الزائدتين، وأوقعوا التصغير على أصوله، فقالوا: رويد؛ بمعنى تمهل؛ أو أمهل.

(2)

"رويد" فيهما مصدر مصغر نائب عن فعل الأمر المحذوف؛ وهو "ارواد"، وفاعله مستتر فيه وجوباً، وكلمة "زيد" مفعول به مضاف غليه، مجرور في الأول، منصوب في الثاني، وقد يستعمل منونا غير ناصب مفعوله، نحو: رويدًا يا سائق؛ فيكون نائبا عن فعل الأمر المحذوف أيضًا، ويستعمل مصدرًا منونا غير نائب عن فعل الأمر، فينصب؛ إما على الحال، إذا وقع بعد معرفة؛ نحو: قرأت الكتاب رويدا؛ أي مرودا؛ بمعنى متمهلا، أو نعتا لمذكور أو محذوف على التأويل بالمشتق؛ نحو: سارت الوفود سيرا رويدا؛ أي متمهلا فيه، وساروا رويدا؛ أي مرودين.

وإذا قلت: رويدك زيدا، فإن قدرت "رويدا" اسم فعل، فالكاف حرف خطاب، وإن قدرته مصدرا؛ فالكاف اسم مضاف إليه في محل رفع على الفاعلية.

(3)

أي مع عدم موجبات عدم التنوين غير البناء.

هذا: ويلاحظ أن "رويدا" مصدر مصغر، ويعمل النصب ولو لم ينقل إلى اسم الفعل، على الرغم من أن شرط إعمال المصدر ألا يكون مصغرا، وقد أجيب بأن هذا الشرط لازم في غير "رويد"؛ لورود السماع به.

(4)

"دع" فعل لا مصدر له من لفظه، وله مصدر من معناه؛ هو: الترك.

ص: 330

واترك؛ يقال: "بله زيد" بالإضافة إلى المفعول؛ كما يقال: "ترك زيد"، ثم قيل

(1)

: "بله زيدًا؛ بنصب المفعول، وبناء "بله" على أنه اسم فعل

(2)

.

(1)

أي بعد أن نقل وسمي به الفعل.

(2)

إذا كان الاسم بعد "بله" منصوبا منونا، جاز أن تكون مصدرا عاملا معربا، وجاز أن تكون فعل أمر مبنيا بمعنى اترك، والقرائن هي التي تعين أحد الوجهين، وإن كان الأسم بعده مجرورا، وجب أن تكون مصدرا مضافا إلى ما بعدها، وكذلك الحال في "رويد".

وفي اسم الفعل المنقول بأنواعه المتقدمة يقول ابن مالك:

والفعل من أسمائه "عليكا"

وهكذا "دونك" مع "إليكا"

كذا "رويد""بله" ناصبين"

ويعملان الخفض مصدرين

أي أن من أسماء الأفعال ما هو في أصله جار ومجرور، مثل:"عليك"، و"إليك"، أو ظرف؛ "كدونك"، أو مصدر؛ "كرويد"، و"بله"، وهما يكونان اسمي فعل إذا نصبا ما بعدهما، ويعملان الخفض فيما بعدهما إذا بقيا على أصلهما مصدرين مضافين لما بعدهما. وقد يستعمل "بله" اسم استفهام بمعنى "كيف" مبنية على الفتح، وتكون خبرًا مقدمًا عن مبتدأ مؤخر؛ نحو:"بله المريض"؛ أي كيف المريض؟ وقد تقع اسما معربا بمعنى "غير"؛ كما في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ من بله ما أطعلتم عليه" أي من غير، فهي مجرورة بمن هنا.

هذا: ومن أسماء الأفعال: سرعان؛ بمعنى سرع، وهيا، وهبت؛ بمعنى أسرع، وهلم؛ بمعنى تعال، ولديك، وها؛ بمعنى خذ، ومنه قوله تعالى:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} ؛ أي خذوه واقرءوا ما فيه، ويقال للاثنين: هاؤم اقرآ.

* و"الفعل" مبتدأ أول. "من أسمائه" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "عليك" مبتدأ ثان مؤخر، والجملة خبر الأول، "وهكذا" خبر مقدم. "دونك" مبتدأ مؤخر قصد لفظه. "مع" ظرف متعلق بمحذوف حال. "إليكا" مضاف إليه مقصود لفظه. "كذا" خبر مقدم. "رويد" مبتدأ مؤخر. "بله" معطوف على رويد بعاطف مقدر. "ناصبين" حال من ضمير الخبر وما عطف عليه. "الخفض" مفعول يعملان. "مصدرين" حال من ألف الاثنين الواقعة فاعلا ليعملان.

ص: 331

‌فصل: يعمل اسم الفعل عمل مسماه

(1)

؛ تقول: "هيهات نجد"؛ كما تقول: بعدت نجد؛ قال:

فهيهات هيهات العقيق ومن به

(2)

وتقول: "شتان زيد وعمرو؛ كما تقول: "افترق زيد وعمرو"؛ و"تراك زيدًا"؛ كما تقول: "اترك زيدًا".

وقد يكون اسم الفعل مشتركًا بين أفعال سميت به، فيستعمل على أوجه باعتبارها

(3)

؛ قالوا: "حيهل الثريد"؛ بمعنى: ائت الثريد، و"حيهل على الخير"؛ بمعنى أقبل على الخير، وقالوا:"إذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر"؛ أي أسرعوا بذكره

(4)

.

ولا يجوز تقديم معمول اسم الفعل عليه

(5)

خلافًا للكسائي، وأمَّا:{كِتَابَ اللَّه}

(1)

أي عمل الفعل الذي يدل عليه؛ فيرفع الفاعل مثله حتما، ويسايره في التعدي واللزوم غالبًا، وباقي المكملات، فإن كان فعله متعديًّا أو لازمًا فهو مثله، وإن تعد بحرف جر معين فهو مثله أيضًا وإن كان مسماه مما لا يكتفي بمرفوع واحد كان اسم فعله مثله. ومن غير الغالب أن يخالفه في ذلك؛ مثل:"آمين"؛ فإنه لازم، وفعله -وهو "زد"- متعد

إلخ.

(2)

صدر بيت من الطويل، لجرير الشاعر الأموي، وعجزه:

وهيهات خل بالعقيق نواصله

وقد تقدم إعراب هذا البيت وشرحه في الجزء الثاني، "باب التنازع"، صفحة 102؛ فارجع إليه إن شئت.

الشاهد: فيه هنا: أن "هيهات" اسم فعل ماض بمعنى "بعد"، وقد عمل عمل الفعل الذي بمعناه.

(3)

بمعنى أنه يساير في التعدي واللزوم، الفعل الذي يؤدي معناه.

(4)

قول يروى عن ابن مسعود، ويراد به سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

(5)

وذلك لضعفه بعدم التصرف؛ ففي مثل: عليك نفسك، لا يصح في الغالب أني قال: نفسك عليك.

وفي عملها عمل الفعل الذي تنوب عنه، وفي أن معمولاتها لا تتقدم عليها. يقول

ص: 332

عَلَيْكُم}، وقوله:

يا أيها المائح دلوي دونكا

(1)

فمؤولان

(2)

.

الناظم:

وما لما تنوب عنه من عمل

لها وأخر ما لذي فيه العمل

أي أن ما يثبت من عمل للفعل الذي تنوب عنه، يثبت لها، وأخر معمولها عنها.

(1)

صدر بيت من الرجز، لراجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو بن تميم، ونسبه بعضهم لجارية من بني مازن مع أبيات أخرى، تخاطب ناجية الأسلمي صاحب بدن الرسول عليه السلام وهو يميح على الناس في القليب، والصواب الأول، عجزه:

إني رأيت الناس يحمدونكا

اللغة والإعراب: المائح: الذي ينزل البئر ليملأ الدلاء عند قلة مائها، أما الذي يقف للتنبيه. "المائح" نعت أي. "دلوي" مفعول لفعل محذوف يفسره اسم الفعل المذكور؛ أي خذ دلوي، أو مبتدأ، و"دونكما" اسم فعل أمر بمعنى خذ، والفاعل أنت، والجملة خبر المبتدأ، وهنالك مفعول محذوف يربط جملة الخبر بالمبتدأ، والتقدير "دونكه".

المعنى: يا أيها المائح خذ دلوي فاملأه؛ فإني رأيت الناس يثنون عليك لمروءتك.

الشاهد: في "دلوي دونكا"؛ حيث يدل ظاهره على أن "دلوي" مفعول مقدم لدونكا، وهو ما استدل به الكسائي على جواز تقديم معمول اسم الفاعل عليه.

(2)

قيل في تأويل الآية: {كِتَابَ} مصدر منصوب بفعل محذوف، وهو مؤكد لنفسه؛ لأن قوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُم} يدل على أن ذلك مكتوب، {عَلَيْكُم} متعلق به، أو بالفعل المحذوف، لا اسم فعل، والتقدير: كتب الله عليكم ذلك كتابا، فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى فاعله. من الآية 24 من سورة النساء.

* "وما" اسم موصول مبتدأ. "لما" متعلق بمحذوف صلة. "تنوب" الفاعل يعود على أسماء الأفعال، والجملة صلة "ما" المجرورة محلا باللام. "عنه" متعلق بتنوب. "من عمل" بيان لما الأولى. "لها" خبر المبتدأ، أي: وما ثبت للفعل الذي تنوب هي عنه كائن لها. "ما" اسم موصول مفعول لأخر. "لذي" خبر مقدم. "فيه" متعلق بالعمل الواقع مبتدأ مؤخرا، وجملة المبتدأ والخبر صلة ما.

ص: 333

‌فصل: وما نون من هذه الأسماء فهو نكرة

(1)

، وقد التزم ذلك في "واها"، و"يهًا"؛ كما التزم تنكير نحو:"احد"، و"عريب"، و"ديار"

(2)

.

وما لم ينون منها فهو معرفة، وقد التزم ذلك في "نزال"، و"تراك" وبابهما

(3)

؛ كما التزم التعريف في المضمرات، والإشارات، والموصولات

(4)

. وما استعمل بالوجهين.

أما تأويل البيت: "فدلوي" مبتدأ لا مفعول مقدم، "دونكا" اسم فعل أمر فاعله مستتر فيه، والجملة خبر المبتدأ والعائد محذوف؛ أي دلوي دونكه. ووقوع خبر المبتدأ جملة طلبية سائغ عند الجمهور.

هذا: واسم الفعل لا يعمل محذوفا على الأصح، خلافا لابن مالك، ولا تلحقه نون التوكيد مطلقا، وفاعل اسم الفعل الماضي يكون في الغالب اسماً ظاهرًا، أو ضميرًا للغائب مستترًا جوازًا، أما اسم الفعل المضارع والأمر، ففاعلهما في الغالب ضمير للمخاطب مستترا وجوبا، ولايكون الفاعل في هذا الباب ضميرا بارزا.

(1)

التنكير خاص بالمرتجل من أسماء الأفعال، أما المنقولة فلا تنون؛ لاستصحابها الأصل، وهو غير منون، واعلم أن التنكير راجع إلى المصدر الذي هو أصل ذلك الفعل، لا إلى اسم الفعل؛ لأن الفعل لا يحكم عليه بتعريف ولا بتنكير؛ فـ"صه" بمعنى اسكت منونا، يراد به طلب السكوت عن كل كلام، و"صه" مجردا من التنوين معناه: اسكت عن هذا الموضوع الخاص بالمعروف لنا، مع جواز التكلم في غيره.

(2)

"عريب"، و"ديار" بمعنى أحد، ولـ"أحد" استعمالات؛ فقد يكون مرادفا للأول، كالذي يستعمل في العدد المركب والمعطوف، وللواحد بمعنى المنفرد؛ نحو:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وللإنسان؛ نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك} ، ويكون اسما لمن يعقل؛ نحو:{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين} [الحاقة: 47]، وفي هذه الحالة لا يستعمل إلا منفيا، ويلازم التنكير فلا يعرف إلا شذوذًا.

(3)

أي من كل ما كان على وزن "فَعَال".

(4)

وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:

واحكم بتنكير الذي ينون

منها وتعريف سواه بين

* "بتنكير" متعلق بحكم. "الذي" مضاف إليه. "ينون" فعل مضارع للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى الذي،

والجملة صلة. "منها" متعلق بينون. "وتعريف "مبتدأ". "سواه" مضاف إليه. "بين" خبر.

ص: 334

فعلى معنيين

(1)

.

وقد جاء على ذلك: "صه"، و "مه"، و"إيه"، وألفاظ أخر؛ كما جاء في التعريف والتنكير في نحو:"كتاب"، و"رجل"، و"فرس"

(2)

.

أي احكم بتنكير ما نون من أسماء الأفعال، وما لم ينون فتعريفه واضح؛ لتجرده من التنوين، الذي يدل وجوده على التنكير.

هذا: وجميع أسماء الأفعال مبنية وليس لها محل من الإعراب، وبناؤها على لفظها المسموع؛ فمنها ما بناؤه على الفتح؛ كشتان وهيهات، ومنها المبني على الكسر، كإيه، والمبني على السكون؛ كمه، بمعنى انكفف. والمبني على الضم مثل آه؛ بمعنى أتوجع؛ ومن أجل ذلك لا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فاعلا، ولا مفعولا، ولا مضافا، أو مضافا إليه، ولا أي شيء يقتضي أن تكون مبنية، ولها محل رفع، أو نصب، أو جر.

(1)

ينكر عن تنوينه، ويعرف عند عدم التنوين، وذلك راجع إلى المصدر كما بينا.

(2)

فهذه وأمثالها مع التنوين نكرات، وبدونه -مع أل أو الإضافة- معارف.

ص: 335

‌باب: أسماء الأصوات

(1)

وهي نوعان: أحدهما ما خوطب به ما لا يعقل

(2)

مما يشبه اسم الفعل

(3)

؛ كقولهم في دعاء الإبل لتشرب: "جئ جئ"

(4)

مهموزين، وفي دعاء الضأن:"حاحا"، والمعز:"عا عا" غير مهموزين، والفعل منهما: حاحيت، وعاعيت، والمصدر: حيحاء، وعيعاء؛ قال:

يا عنز هذا شجر وماء

عاعيت لو ينفعني العيعاء

(5)

باب: أسماء الأصوات

(1)

هي ألفاظ يفهم المقصود منها، بمجرد النطق بها وسماعها، وقد وضعت لخطاب ما لا يعقل من الحيوان الأعجم، أو ما هو في حكمه من صغار الآدميين، وقد يراد بها حكاية صوت من الأصوات.

(2)

أو مافي حكمه كما بينا.

(3)

أي في أنه يكتفي به وحده، ولا يحتاج في بيان المراد منه إلى شيء آخر بحسب الظاهر. وإن كان اسم الفعل في الحقيقة مركبا مع مرفوعه الظاهر أو الضمير، أما اسم الصوت فلفظ مفرد ليس معه ضمير ولا غيره.

وإلى مجرد الشبه، فيما ذكرنا، يشير الناظم بقوله:

وما به خوطب ما لا يعقل

من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل

أي أن ما يخاطب به غير العاقل، أو ما هو في حكمه؛ مما يشبه اسم الفاعل في عدم حاجته في إفادته المراد إلى لفظ آخر، يسمى: اسم صوت.

وقد قيل: إن تشبيه اسم الصوت باسم الفعل في هذا قاصر؛ لأن اسم الفعل لا بد له من فاعل، ولا يمكن أن ينفرد بنفسه، وقد يحتاج إلى معمولات أخرى، بخلاف اسم الصوت.

(4)

لعل ذلك أخذ من قولهم: جأجأ بالإبل: دعاها للشرب. والجئ: الدعاء إلى الطعام والشراب.

(5)

بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره، ولم يعين النحاة القائل.

* "وما" اسم موصول مبتدأ. "به" متعلق بخوطب. "ما" الثانية نائب فاعل خوطب. "لا يعقل" الجملة صلتها. "من مشبه" بيان لما الأولى. "اسم الفعل" مضاف إليه. "صوتا" مفعول ثان ليجعل الواقع خبرا للمبتدأ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه، وهو مفعوله الأول.

ص: 336

وفي زجر البغل: "عدس"؛ قال:

عدس ما لعباد عليك إمارة

(1)

وقولنا مما يشبه اسم الفعل احتراز من نحو قوله:

يا دار مية بالعلياء فالسند

(2)

اللغة والإعراب: عاعيت: صحت وقلت: عا عا. "يا" حرف نداء. "عنز" منادى نزل منزلة العاقل. "هذا شجر" مبتدأ وخبر. "وما" معطوف على شجر. "عاعيت" فعل وفاعل، ومفعوله محذوف؛ أي عاعيته. "لو" حرف تمن، أو شرطية، وجملة "ينفعني العيعاء" فعل شرط، والجواب محذوف دل عليه عاعيت، أي لو ينفعني العيعاء لعاعيت وأكثرت منه.

الشاهد: استعمال "فعل" من اسم الصوت "عا عا"؛ وهو عاعيت، وكذلك استعمل المصدر.

(1)

تقدم شرح هذا البيت في "باب الموصول"؛ جزء أول، صفحة 165.

الشاهد: هنا في "عدس"؛ حيث استعمل اسم صوت لزجر الفرس، وقيل: إنه هنا اسم للفرس نفسه؛ بدليل قول آخر:

إذا حملت بزتي على عدس

فإنه اسم؛ لدخول حرف الجر عليه، واسم الصوت لا يعمل فيه شيء.

(2)

صدر بيت من البسيط، هو مطلع قصيدة مشهورة للنابغة الذبياني، معدودة في المعلقات، يمدح فيها النعمان بن المنذر، وعجزه:

أقوت وطال عليها سالف الأمد

اللغة والإعراب: العلياء: ما ارتفع من الأرض. السند: المرتفع من الجبل الذي يسند ويصعد فيه، وقيل: هما اسما موضعين. أقوت: خلت واصبحت قواء؛ أي خالية من الأنيس. سالف الأمد: الزمان الماضي. "يا" حرف نداء. "دار مية" دار منادى، ومية مضاف إليه ممنوع من الصرف، وهونداء لما لا يعقل. "بالعلياء" متعلق بمحذوف حال من دار؛ "فالسند" معطوف على العلياء، والفاء بمعنى الواو. "أقوت" الجملة حال بتقدير "قد" والباقي واضح الإعراب.

ص: 337

وقوله:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي

(1)

الثاني: ما حكي به صوت كـ"غاق"؛ لحكاية صوت الغراب

(2)

و"طاق" لصوت الضرب، و"طق" لصوت وقع الحجارة، و"قب" لصوت وقع السيف.

المعنى: ينادي ويخاطب دار محبوبته بهذا المكان، ويتوجع لأنها أصبحت خالية خاوية ليس بها أنيس، وقد طال عليه الزمن، وقد كانت تجمعه هو ومحبوبته في هناءة وصفاء.

الشاهد: في "يا دار مية"؛ فهو خطاب ونداء لما لا يقعل؛ وهو الدار، وهو ليس اسم صوت؛ لأنه لا يشبه اسم الفعل كما ذكرنا.

(1)

صدر بيت من الطويل، لامرئ القيس، من معلقته المشهورة، وعجزه:

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

اللغة والإعراب: انجلي: انكشف؛ من الانجلاء؛ وهو الانكشاف. بأمثل: بأحسن وأفضل حالًا؛ من المثالة، وهي الفضل. "ألا" للتنبيه. "أيها" أي منادى، والهاء للتنبيه. "الليل" صفة لأي. "الطويل" صفة الليل. "ألا" توكيد للأولى. "انجلى" فعل أمر مبني على حذف الياء، والياء الموجودة مزيدة للإشباع. "بصبح" متعلق به. "وما" الواو للحال، وما نافية. "الإصباح" مبتدأ، أو اسم ما. "منك" متعلق بأمثل الواقع خبرا للمبتدأ، أو خبر "ما"، على زيادة الباء.

المعنى: ينادي الليل، ويشكو طوله، ويطلب زواله بالصبح؛ لما يلاقيه فيه من آلام، ثم رجع وقال: ليس الصبح بأفضل منك يا ليل؛ لأني أقاسي فيه أيضًا آلامًا وأشجانًا.

الشاهد: في "أيها الليل"؛ فهو نداء وخطاب لغير العاقل؛ وهو الليل، وليس اسم صوت؛ لأنه لا يشبه اسم الفعل.

ومن أمثلة النوع المتقدم: "أو" لدعاء الفرس، و"دوه" للفصيل، و"بس" للغنم، و"عوه" للجحش، و"نخ" للبعير المراد إناخته، و"دج" للدجاج، وللزجر "هيج" لزجر الناقة، و"هس" لزجر الغنم، و"هج" لزجر الكلب، و"هلا" للخيل عن البطء، و"وح" للبقر، و"حر" للحمار.

(2)

ومثله لحكاية صوت الحيوان: "ما" بالإمالة، لحكاية صوت الظبية إذا دعت ولدها، و"شيب" لشرب الإبل، و"عيط" لصوت اللاعبين، و"طيخ" للضحك.

ص: 338

على الضريبة

(1)

.

والنوعان مبنيان لشبههما بالحروف المهملة في أنها لا عاملة ولا معمولة

(2)

كما أن أسماء الأفعال بنيت لشبهها بالحروف العاملة؛ في أنها عاملة غير معمولة، وقد مضى ذلك في أوائل الكتاب

(3)

.

(1)

أي الدرقة؛ وهي ترس من جلد ليس فيه خشب، والجمع، دَرَقٌ.

(2)

محل البناء إذا بقيت على دلالتها على مجرد الصوت، ويجب إبقاؤها على صيغتها وحالتها الواردة عليها؛ فإن خرجت عن معانيها الاصلية أعربت؛ نحو قولك: أزعجنا غاق، وفزعنا من غاق؛ ونحو: ما أمضى قبِّا، وأنعم بقبٍّ في الهيجاء. ويجوز الإعراب والبناء إذا قصد لفظها نصًّا، نحو: فلان كالطفل لا يرعوي إلا إذا سمع "كخ" أو "كخا" بالبناء على السكون أو بالإعراب؛ لأن المعنى: إلا إذا سمع هذه الكلمة. وإلى هذا النوع الثاني يشير الناظم بقوله:

كذا الذي أجدى حكاية ك"قب"

والزم بنا النوعين فهو قد وجب

أي كذلك يسمى اسم صوت: ما دل على حكاية صوت جماد أو غيره. ويجب بناء النوعين إذا بقيا على دلالتهما على مجرد الصوت.

(3)

أي في باب المعرب والمبني جزء أول، عند بيان أنواع شبه الحرف في سبب البناء، ويستخلص مما سبق: أن اسم الصوت المخاطب به ما لا يعقل، أو ما هو في حكمه، قسمان: ما يكون لدعاء ما لا يعقل، وما يكون لزجره. وكذلك المحكي به صوت؛ إما لحيوان أو غيره، وقد تقدمت الأمثلة على ذلك، فتنبه يا فتى.

فائدة:

تجري على الألسنة عبارة "هلم جرا"، وقد توقف العلامة ابن هشام في عربية هذا التعبير، ثم قال في توجيهه ما ملخصه:"هلم" اسم فعل بمعنى أقبل، وائت، وليس المراد الإقبال والمجيء الحسيين؛ وإنما المقصود الاستمرار على الشيء، وملازمته، كما أنه ليس

* "كذا" خبر مقدم. "الذي" مبتدأ مؤخر. "أجدى حكاية" الجملة صلة. "كقب" خبر المبتدأ محذوف. "بنا" -بالقصر- مفعول الزم. "النوعين" مضاف إليه. "فهو قد وجب" جملة من مبتدأ وخبر جملة، والفاء في "فهو" للتعليل، و"قد" حرف تحقيق.

ص: 339

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المراد الطلب؛ وإنما هو خبر في صورة الطلب؛ مثل قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} ، وهلم يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد وغيره، وقد يتصرف مع الضمائر؛ فيقال: هلموا وهلمي، ويستعمل لازمًا بمعنى أقبل، ومتعديا بمعنى أعط؛ تقول: هلم الزكاة؛ أما كلمة "جرا" فهي مصدر جره يجره جرا، إذا سحبه، وليس المراد كذلك الجر الحسي، بل المقصود العميم الذي يشمله وغيره، فإذا قيل -مثلًا: حدث ذلك الأمر يوم كذا وكذا، وهلم جرا؛ فكأنه قيل: واستمر ذلك في بقية الأيام استمرارا، أو استمر مستمرا، على الحال المؤكدة.

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 عرف اسم الفعل، واذكر أنواعه، وبين الفرق بينه وبين الفعل، ووضح.

2 ما الفرق بين المنقول، والمرتجل من أسماء الأفعال؟ وعن أي شيء يكون النقل؟

3 وضح الفرق بين اسم الفعل واسم الصوت في الدلالة، والحكم، مع التمثيل.

4 فيما يأتي شواهد لبعض أنواع هذا الباب، وضح الشاهد، وبين موقعه من الإعراب:

قال الله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} .

{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} .

{أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّه} .

{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} .

وقال عليه الصلاة والسلام: "عليك بذات الدين تربت يداك".

وقال الشاعر:

مكانك تحمدي أو تستريحي

شتان ما يومي على كورها

ويوم حيان أخي جابر

سل عن شجاعته وزره مسالمًا

وحذار ثم حذار منه محاربا

عليك نفسك فارعها

واكسب لها فعلًا جميلًا

آها لها من ليال هل تعود كما

كانت وأي ليال عاد ماضيها

يقلن وقد تلاحقت المطايا

كذاك القول إن علينا عينا

أيا جاهدًا في نيل ما نلت من علا

رويدك إني نلتها غير جاهد

5 أعرب البيت الآتي، وبين ما فيه من شاهد في هذا الباب، وهو لكعب بن مالك الأنصاري:

تذر الجماجم ضاحيًا هاماتها

بله الأكف كأنها لم تخلق

6 ضع أسماء الأفعال الآتية في جمل مناسبة من إنشائك:

سرعان، إيه، عليك، رويدا، دونك، آمين، بخ لك.

7 بين فيما يأتي: اسم الفعل، ومعناه، وإعرابه، ونوعه؛ من حيث الزمن والوضع: بخ لكم

ص: 341

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أيها المجاهدون في سبيل الدين والوطن، هلموا إلى أعدائكم من كل صوب؛ فسرعان ما يرجعون القهقرى، وحذار أن يندس بينكم خائن. آمين للداعي إذا دعاكم، وأف للمتخاذلين الذين لا يدركون مغزى قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} .

فهيهات النجاح إن لم يكن جد وعمل، ومؤازرة من الجميع، وإليكم عن كل ما يبعد عن الطموح والإقدام.

8 أعرب ما تحته خط فيما يأتي:

اذهب إليك فإني من بني أسد

أهل القباب وأهل الخيل والنادي

يا رب لا تسليني حبها أبدًا

ويرحم الله عبدًا قال آمينا

وعليك من حالاه واحدة

في اليسر إما كنت والعسر

9 أعرب البيت الآتي واشرحه أدبيًا:

أيها الرافع البناء رويدًا

لن تذود المنون عنك المباني

10 اشرح قول ابن مالك:

وما لما تنوب عنه من عمل

لها وأخر ما لذي فيه العمل

ص: 342

‌باب: نوني التوكيد

لتوكيد الفعل نونان: ثقيلة

(1)

وخفيفة؛ نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا}

(2)

ويؤكد بهما الأمر مطلقًا

(3)

، ولا يؤكد بهما الماضي مطلقًا

(4)

، وأما المضارع فله حالات:

إحداها: أن يكون توكيده بهما واجبًا؛ وذلك إذا كان مثبتًا مستقلًا، جوابًا لقسم، غير مفصول من لامه بفاصل

(5)

؛ نحو: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} ، ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيًا

(6)

؛ نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}

(7)

؛ إذ التقدير: لا تفتأ، أو

باب: نوني التوكيد

(1)

أي مشددة، والتوكيد بها أشد وأبلغ وأقوى في تأدية الغرض من المخففة الساكنة؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبًا.

(2)

اجتمعت الثقيلة والخفيفة في هذه الآية، وجيء بها مشددة في {لَيُسْجَنَنَّ} ؛ لأن امرأة العزيز كانت أشد حرصا على سجنه من كونه صاغرًا؛ لأنها كانت تتوع حبسه في بيتها؛ فيكون قريبًا منها، وتراه كلما شاءت. من الآية 32 من سورة يوسف.

(3)

أي من غير شرط؛ سواء كان بالصيغة، أم بلام الأمر، نحو: ليقومن؛ لانه مستقبل يدل على الطلب دائمًا، وسواء كان باقيًا على معنى الأمر الخالص، أو خرج إلى غرض آخر؛ كالدعاء مثلًا، مع بقاء صيغته على حالها.

(4)

أي: ولو كان بمعنى الاستقبال؛ ذلك لأنهما يخلصان مدخولهما للاستقبال، وذلك ينافي المضي، فيكون هناك تناقض، وأما قول الشاعر:

دامن سعدك إن رحمت متيمًا

لولاك لم يك للصبابة جانحا

فضرورة سهلها أن الفعل مستقبل معنى؛ لأن الدعاء إنما يتحقق في الاستقبال.

(5)

قيل: إنما وجب التوكيد في هذه الحالة للفرق بين لام القسم ولام الابتداء، ولا بد من توكيده باللام والنون عند البصريين، وأجاز الكوفيون الاكتفاء بأحدهما.

(6)

إما لفظا؛ نحو: والله لا أكتم الشهادة إن دعيت لها، أو تقديرا؛ كمثال المصنف؛ وإنما امتنع في هذه الحالة لأن من أدوات النفي ما يخلص الفعل للحال؛ مثل "لا" و"ما" النافيتين؛ وذلك ينافي التوكيبد بالنون، وعمم في الباقي.

(7)

الآية 8 من سورة يوسف.

ص: 343

كان حالًا؛ كقراءة ابن كثير: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}

(1)

، وقول الشاعر:

يمينًا لأبغض كل امرئٍ

(2)

أو كان مفصولًا من اللام

(3)

؛ مثل: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ}

(4)

؛ ونحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}

(5)

.

(1)

أي يجعل اللام للقسم؛ لأن لام جواب القسم الداخلة على المضارع تخلص زمنه للحال عند فريق من النحاة؛ فالإقسام موجود عند المتكلم، ونون التوكيد تخلصه للمستقبل، فيتعارضا. أول سورة القيامة.

(2)

صدر بيت من المتقارب، لم ينسب لقائل، وعجز:

يزخرف قولًا ولا يفعل

اللغة والإعراب: أبغض: أكره، مضارع ماضيه أبغض؛ كأكرم، وقولهم: ما أبغضه لي، شاذ. يزخرف: يزين ويحسن. "يمينا" مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه؛ أي أقسم. "لأبغض" اللام واقعة في جواب القسم. وأبغض فعل مضارع. "كل امرئ" كل مفعول أبغض، وامرئ مضاف إليه. "يزخرف" الجملة صفة لامرئ.

المعنى: أقسم أني أبغض وأمقت، ولا أحب كل إنسان يقول قولًا مزخرفًا مملوءًا بالمواعيد والأفعال الكريمة، ولكنه لا ينفذ شيئًا مما يقول.

الشاهد: في "لأبغض"؛ حيث لم يؤكد بالنون مع أنه مضارع مثبت مقترن بلام الجواب متصل بها؛ ذلك لأنه ليس مستقبلًا؛ فإن البغض حاصل عند المتكلم.

(3)

ذلك لأن الفصل يدل على عدم الاهتمام بالفعل، وهذا ينافي التوكيد؛ سواء كان الفصل بمعمول الجواب أو بغيره، وقد مثل لهما المصنف.

(4)

"لئن" اللام موطئة لقسم محذوف، و"إن" شرطية. "لإلى" اللام موطئة للجواب؛ وهو "تحشرون"؛ أي لتحشرون إلى الله، فقد فصل بين اللام والفعل بمعموله.

(5)

"يعيطك" معطوف على جواب القسم؛ وهو "ما ودعك"، والمعطوف على الجواب جواب، وقد فصل بين اللام والفعل بسوف. الآية 5 من سورة الضحى، ومثل الفصل بسوف الفصل بالسين أو "قد".

ص: 344

والثانية: أن يكون قريبًا من الواجب؛ وذلك: إذا كان شرطًا لإن المؤكدة بـ"ما"

(1)

؛ نحو: {وَإِمَّا تَخَافَن} ، {فَإِمَّا نَذْهَبَن} ، {فَإِمَّا تَرَيْن}

(2)

.

ومن ترك توكيده قوله:

يا صاح إما تجدني غير ذي جدة

(3)

وهو قليل، وقيل يختص بالضرورة.

(1)

أي: إذا كان المضارع فعل شرط لأن الشرطية المدغمة فيها "ما" الزائدة للتوكيد.

ويرى المبرد والزجاج: أن التوكيد في هذه الحالة واجب إلا في ضرورة الشعر.

(2)

"إن" شرطية مدغمة في "ما" الزائدة. "ترين" فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن، وعلامة جزمه حذف نون الرفع، والياء المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل، ونون التوكيد حرف لا محل له، وجواب الشرط قوله تعالى:{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} ، وأصله "ترأيين"، نقلت حركة الهمزة إلى الراء، ثم حذفت فقلبت الياء ألفا على القاعدة، ثم حذفت لالتقاء الساكنين؛ فصار "ترين"، فحذفت النون للجازم، وأكد فالتقى ساكنان، فحركت الياء بالكسر للتخلص من الساكنين. من الآية 26 من سورة مريم {وَإِمَّا تَخَافَن}: من الآية 58 من الأنفال {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ} من الآية 41 من الزخرف.

(3)

صدر بيت من البسيط، لم يعلم قائله، وعجزه:

فما التخلي عن الخلان من شيمي

اللغة والإعراب: جدة: غنى وسعة في المال. الخلان: جمع خليل: شيمي: طبيعتي وخلقي. "يا" للنداء. "صاح" منادى مرخم صاحب. "إما" إن شرطية، و"ما" زائدة "تجدني" مضارع، فعل الشرط، مجزوم بإن، والنون للوقاية، والياء مفعول أول. "غير" مفعول ثان. "ذي جدة" ذي مضاف إليه، وهو مضاف إلى جده، "فما" الفاء واقعة في جواب الشرط. "ما" نافية. "التخلي" اسم "ما" أو مبتدأ. "عن الخلان" متعلق بالتخلي. "من شيمي" خبر على الحالين. وجملة المبتدأ والخبر جواب الشرط.

المعنى: يقول لصاحبه وصديقه: إن كنت لست في سعة من المال، ولا أستطيع مساعدة إخواني بمالي، فلا أستطيع التخلي عنهم ونصرتهم بنفسي؛ لأن ذلك ليس من خلقي ولا من شيمي.

ص: 345

الثالثة: أن يكون كثيرًا؛ وذلك إذا وقع بعد أداة طلب

(1)

؛ كقوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} ، وقول الشاعر:

هلا تمنن بوعد غير مخلقة

(2)

الشاهد: عدم تأكيد الفعل المضارع "تجدني"، مع أنه شرط لإن المؤكدة بما الزائدة، وذلك عند بعض النحاة، أو هو من ضرورات الشعر.

الخلاصة:

أن النحاة اختلفوا في جواز ترك توكيد المضارع بعد "إما"؛ فذهب بعضهم إلى وجوب توكيد المضارع بعد إما، إلا لضرورة الشعر، ومنهم المبرد والزجاج. وذهب سيبويه وتبعه كثيرون إلى أن توكيد المضارع بعد "إما" أحسن من تركه، ولهذا لم يقع في القرآن إلا مؤكدا، والمتأخرون ويؤيدون هذا المذهب.

(1)

أي حقيقي، وهو: الأمر والنهي، والدعاء، والعرض، والتحضيض، والتمني، والاستفهام، أما الخبر المارد به الطلب مجازا؛ كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْن} ؛ لأن معناه الأمر، وكقولك للعاطس: يرحمه الله - فلا يؤكد. وإنما كان التوكيد بعد الطلب كثيرا؛ لأن عناية الطالب بالمطلوب واهتمامه به يستدعي تأكيده.

(2)

صدر بيت من البسيط، لم يذكر قائله، وعجزه:

كما عهدتك في أيام ذي سلم

اللغة والإعراب: مخلفة: اسم فاعل مؤنث؛ من الإخلاف؛ وهو: عدم الوفاء بالوعد. ذي سلم: اسم موضع بالحجاز، وقيل: بالشام. "هلا" حرف تحضيض يقصد به الحث على الفعل بعنف وشدة، "تمنن" فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، وياء المخاطبة المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل، والنون للتوكيد، وحذفت نون الرفع مع الخفيفة حملا على الثقيلة، واصله: تمنين. "بوعد" متعلق بتمنن "غير مخلفة " غير حال من ياء المخاطبة المحذوفة، ومخلفة مضاف إليه. "كما" الكاف جارة،، "ما" المصدرية، وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بتمنن.

المعنى: يطلب منها بشدة وحث أن تشفق عليه، وتفي بوعدها ولا تخلفه؛ كما عهدها موفية بالوعد أيام كانوا مربعين بذي سلم.

الشاهد: تأكيد "تمنن" بالنون؛ لوقوعه بعد حرف التحضيض، وهو "هلا".

ص: 346

وقول الآخر:

فليتك يوم الملتقى ترينني

(1)

وقوله:

أفبعد كندة تمدحن قبيلا

(2)

(1)

صدر بيت من الطويل، لم يعين قائله، وعجزه:

لكي تعلمي أني امرؤ بك هائم

اللغة والإعراب: يوم الملتقى: يريد يوم الحرب التي يلتقي فيها الأقران. هائم: غارق في الحب. "فليتك" ليت حرف تمن ونصب، والكاف اسمها. "يوم الملتقى" يوم ظرف الأمثال، وقد سبق قريبا بيان ذلك، والجملة خبر ليت. "لكي" اللام حرف جر وتعليل، و"كي" مصدرية. "تعلمي" فعل مضارع منصوب بكي بحذف النون. والياء فاعل. "أني امرؤ" الجملة من أن ومعموليها سدت مسد مفعولي تعلمي. "بك" متعلق بـ"هائم" الواقع صفة لامرؤ.

المعنى: يتمنى أن تراه في هذا اليوم؛ حيث ينشط الأبطال فيه نشاطًا تامًا، ويذكر كل منهم أحب الناس إليه؛ ليكون ذلك أبعث على نشاطه، وأشد إثارة لشجاعتة وإقدامه؛ حتى تعلم أنه بها مغرم متيم؛ بالنون، لوقوعه بعد أداة التمن؛ وهي "ليت".

(2)

وعجز بيت من الكامل، وهو من أبيات سيبويه، وينسب إلى امرئ القيس، وصدره:

قالت فطيمة حل شعرك مدحه

اللغة والإعراب: فطيمة: تصغير فاطمة تصغير ترخيم. حل: فعل أمر من حلأه عن الماء؛ أي منعه وطرده، وأصله: حلئ، فقلبت الهمزة ياء لسكونها إثر كسرة ثم حذفت تخفيفًا. كندة: اسم قبيلة امرئ القيس. قبيلا: أي قبيلة، ورخم للضرورة. "حل" فعل أمر. الخافض، والهاء مضاف إليه. "أفبعد" الهمزة للاستفهام، والفاء عاطفة على محذوف؛ أي: أنعتد بقبيل فبعد كندة تمدحن. "بعد" ظرف متعلق بتمدحن المذكور. "كندة" مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "قبيلا" مفعول تمدحن.

المعنى: أن محبوبته فاطمة قالت له: تجنب المدح في شعرك؛ لأنه ليس هنالك من يستحق المدح والثناء بعد قبيلتك.

الشهد: في "تمدحن"؛ حيث أكد بعد همزة الاستفهام. ولم يمثل المصنف لباقي أنواع الطلب، ومثل المضارع بعد أداة الأمر: لتحذرن الحاقدين فإنهم كثر، وبعد العرض: ألا تنسين إساءة من اعتذر إليك، وبعد الدعاء: لا يبعدن أصدقائي المخلصون؛ فإنهم عون لي عند الشدائد.

ص: 347

الرابعة: أن يكون قليلاً؛ وذلك بعد "لا" النافية، أو "ما" الزائدة التي لم تسبق بإن

(1)

؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}

(2)

، وكقولهم:

ومن عضة ما ينبتن شكيرها

(3)

(1)

أي لم تدغم في "إن" الشرطية؛ سواء سبقت بأداة شرط أخرى، نحو: متى ما تجلس أجلس، أم لا؛ كما مثل المصنف. ويدخل في ذلك:"ما" الزائدة بعد "رب" على رأي سيبويه؛ نحو: ربما يأتين الخير من العدو، ومنعه بعضهم، والقلة في هذه الحالة بالنسبة لما تقدم، وإلا فهو كثير في نفسه.

(2)

أكد "تصيبن" بعد "لا" النافية تشبيهًا لها بالناهية صورة، والجملة صفة لفتنة، فتكون الإصابة عامة للظالمين وغيرهم، لا خاصة بالظالمين. الآية 24 من الأنفال.

(3)

مثل عربي يضرب للفرع الذي ينشأ كأصله. وقد جاء عجز بيت من الطويل لشاعر، لم يذكر اسمه، وصدره:

إذا مات منهم سيد سرق ابنه

اللغة والإعراب: عضة: شجر ذات شوك من أشجار البادية، والجمع عضاء. شكيرها: الشكير: ما ينبت حول الشجرة من أصلها. "إذا" ظرف للمستقبل. "منهم" متعلق بمحذوف حال من "سيد" الواقع فاعلا لمات، والجملة في محل جر بإضافة إذا. "ابنه" فاعل سرق. "من عضة" جار ومجرور متعلق بينبتن. "ما" زائدة. "شكيرها" شكير فاعل ينبتن، والهاء العائدة إلى عضة مضاف إليه.

المعنى: إذا مات من هؤلاء القوم شخص، سرق ابنه صفاته وخلاله وأصبح مثله؛ وإنما يجيء الفرع وفق أصله.

الشاهد: في "ينبتن"؛ فقد أكد الفعل المضارع بالنون الثقيلة؛ لوقوعه بعد "ما" الزائدة غير المسبوقة بإن الشرطية.

ص: 348

وقوله:

قليلًا به ما يحمدنك وارث

(1)

الخامسة: أن يكون أقل؛ وذلك بعد "لم

(2)

"، وبعدها أداة جزاء غير "إما"؛ كقوله:

يحسبه الجاهل ما لم يعلما

(3)

(1)

صدر بيت من الطويل، لحاتم الطائي الجواد المشهور، وعجزه:

إذا نال مما كنت تجمع مغنما

اللغة والإعراب: مغنما: غنيمة؛ وهي الحصول على الشيء بلا مشقة. "قليلا" صفة لمصدر محذوف منصوب بمحذوف يدل عليه قوله "يحمدنك"؛ أي يحمدنك حمدًا زائدة. "به" متعلق بيحمدنك، والضمير فيه للمال في قوله قبل:

أهن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا مت كان المال نهبًا مقسمًا

"وارث" فاعل يحمد. "إذا" ظرف متعلق بيحمد. "مغنما" مفعول نال.

والمعنى: قلما يحمد الوارث من ورثه، مع أنه يستولي على ما جمعه من المال، وأفنى عمره في الحصول عليه، فلينظر الإنسان في خير ما ينفق فيه ماله.

الشاهد: توكيد "يحمدنك" بعد "ما" الزائدة، وهي بمعنى النفي كما قيل.

وقال الدماميني: لا أدري الوجه الذي عين ذلك. وليس المراد بكون توكيد المضارع المسبوق بما الزائدة غير المصاحبة لإن قليلا - أنه قليل في ذاته؛ فإنه كثير، بل قيل إنه مطرد. ويجوز توكيد المضارع الواقع بعد "ربما" كما يشعر به كلام سيبويه؛ فقد ورد عن العرب قولهم:"ربما يقولن ذلك"، ومنه قول الشاعر:

ربما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

ومعنى أوفيت: نزلت، والعلم: الجبل، وفي: بمعنى على، وشمالات: رياح من الشمال.

(2)

لأن "لم" حرف يقلب زمن المضارع للمضي، وهذا يتعارض مع ما تفيده نون التوكيد.

(3)

صدر بيت من الرجز، لأبي الصمعاء، مساور بن هند العبسي، شاعر مخضرم، يصف وطب لبن، أي سقاء لبن، ونسبه الشيخ خالد لابن حيان الفقعسي، وعجزه:

شيخًا على كرسيه معمما

اللغة والإعراب: يحبسه: يخاله ويظنه. معمما: لابسا عمامة. "الجاهل" فاعل يحسب، والهاء مفعوله الأول. "ما" مصدرية ظرفية. "يعلما" فعل مضارع مؤكد بالنون

ص: 349

وقوله:

من يثقفن منهم فليس بآئب

(1)

فصل: في حكم آخر المؤكد:

اعلم أن هنا أصلين يستثنى من كل منهما مسألة:

الخفيفة المنقلبة ألفا، مجزوم بلم. "شيخا" مفعول ثان ليحسب. "على كرسيه" الجار والمجرور متعلق بمحذوفه صفة لشيخا. "معمما" صفة ثانية له.

المعنى: يصف الشاعر قعب لبن علته رغوة حتى امتلأ، يظنه الجاهل الذي لا يعلم الحقيقة شيخا لابسًا عمامته البيضاء، وقد جلس وتربع فوقه كرسيه.

وقيل إنه يصف جبلا عمه الخصب، وحفه النبات، والأجود ما قلنا كما عليه الأكثرون.

الشاهد: في "لم يعلما"؛ حيث أكد بالنون الخفيفة المنقلبة ألفا بعد "لم"، وهو قليل نادر.

(1)

صدر بيت من الكامل، لابنه مرة الحارثي، من ثلاثة أبيات، ترثي بها أباها، وكانت باهلة قد قتلته، وتمامه:

أبدًا وقتل بني قتيبة شافي

اللغة والإعراب: يثقفن: يوجدن، من ثقفته: وجدته، ويروى بتاء الخطاب، وبنون المتكلم مبنيًا للفاعل؛ أي تجدن، أو نجدن، آئب: اسم فاعل من آب يئوب؛ أي رجع: بني قتيبة: فرع من باهلة، "من" شرطية جازمة مبتدأ. "يثقفن" فعل مضارع مجزوم وهو فعل الشطر مؤكد بالنون الخفيفة. "فليس" الفاء واقعة في جواب الشرط. "بآئب" خبر ليس على زيادة الباء، والجملة خبر المبتدأ. "وقتل بني قتيبة "قتل مبتدأ، وبني مضاف إليه، وهو مضاف إلى قتيبة. "شافي" خبر "قتل".

المعنى: من يوجد بني قتيبة فسيقتل حتما، ولن يرجع أبدًا إلى قومه؛ فإن قتلهم يشفي الغلة، ويطفئ جذوة الغضب، بسبب ما سفكوا من دماء.

الشاهد: تأكيد "يثقفن" بالنون الخفيفة بعد "من" الشرطية، وقد أشار الناظم إلى الأقسام المتقدمة بقوله:

للفعل توكيد بنونين هما

كنوني اذهبن واقصدنهما

يؤكدان "افعل" و"يفعل" آتيا

ذا طلب أو شرطا "امَّا" تاليا

أو مثبتا في قسم مستقبلا

وقل بعد "ما" و"لم" وبعد "لا

ص: 350

الأصل الأول: أن آخر المؤكد يفتح

(1)

؛ تقول: لتضربن، واضربن، ويستثنى من ذلك: أن يكون مسندًا إلى ضمير ذي لين

(2)

؛ فإنه يحرك آخره حينئذ بحركة تجانس ذلك اللين

(3)

؛ كما نشرحه.

والأصل الثاني: أن ذلك اللين يجب حذفه إن كان ياء، أو واوًا؛ تقول: اضربن يا

وغير "إما" من طوالب الجزا

وآخر المؤكد افتح كابرزا

أي يلحق الفعل للتوكيد نونان؛ إحداهما ثقيلة كنون "اذهبن"، والثانية خفيفة كنون "اقصدنهما" وهما يؤكدان "افعل"؛ أي فعل الأمر، و"يفعل"؛ أي المضارع الآتي؛ أي المستقبل، إذا كان دالا على الطلب، أو شرطا تاليًا إما، أو واقعا جواب قسم مثبتا مستقبلا ويقل دخل النون على المضارع الواقع بعد "ما" التي لا تصحب إن، والواقع بعد "لم" وبعد "لا" النافيتين، والواقع بعد غير "إما" من أدوات الشرط التي تطلب جزاء. ثم ذكر الناظم أن آخر المؤكد يبنى على الفتح؛ كابرزا؛ أصله "ابرزن" بالنون الخفيفة المنقلبة ألفًا للوقف.

(1)

سواء أكان صحيحا أم معتلا، أمرًا أو مضارعا، كما مثل المصنف.

(2)

أي: ألف، أو واو، أو ياء.

(3)

فيضم قبل الواو، ويكسر قبل الياء، ويفتح قبل الألف، وفي ذلك يقول الناظم:

واشكله قبل مضمر لين بما

جانس من تحرك قد علما

أي أشكل المضارع الصحيح الآخر؛ إذا وقع قبل ضمير لين؛ أي إذا اتصل به ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة، بحركة تجانس وتساير ذلك اللين.

"للفعل" خبر مقدم، "توكيد" مبتدأ مؤخر. "بنونين" متعلق بتوكيد. "هما كنوني" مبتدأ وخبر، والجملة في محل جر صفة لنونين. "اذهبن" مقصود لفظه مضاف إليه. "واقصدنهما" معطوف عليه كذلك. "افعل" مقصود لفظه مفعول به ليؤكدان. "ويفعل" معطوف عليه. "آتيا" حال من "يفعل"، وفيه ضمير هو فاعله. "ذا طلب" ذا حال من الفاعل، وطلب مضاف إليه. "أو شرطا" معطوف على ذا طلب. "اما" مفعول مقدم لتاليا الواقع صفة لشرطا. "أو مثبتا" معطوف على شرطا. "في قسم" متعلق به. أو بيا. "مستقبلا" حال من ضمير مثبتة أو آتيا. "وقل" فعل ماض، والفاعل يعود إلى التوكيد بنونيه. "بعد" ظرف متعلق به. "ما" مضاف إليه مقصود لفظه. "ولم" عطف على ما. "وبعد لا" كذلك. "وغير إما" وغير عطف على "لا"؛ وإما مضاف إليه. "من طوالب" متعلق بمحذوف. حال من غير إما. "الجزا" -بالقصر- مضاف إليه. "وآخر المؤكد" آخر مفعول مقدم لافتح، والمؤكد مضاف إليه. "كابرزا" الكاف جارة لقول محذوف، و"ابرزا" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة الثقيلة ألفا للوقف، والفاعل أنت.

ص: 351

قوم؛ بضم الباء، واضربن يا هند؛ بكسرها؛ والأصل: اضربون، واضربين، ثم حذفت الواو والياء لالتقاء الساكنين.

ويستثنى من ذلك: أن يكون آخر الفعل ألفًا؛ كيخشى؛ فإنك تحذف آخر الفعل، وتثبت الواو مضمومة، والياء مكسورة، فتقول: يا قوم أخشون، ويا هند اخشين

(1)

.

فإن أسند هذا الفعل إلى غير الواو والياء

(2)

، لم تحذف آخره؛ بل تقلبه ياء؛ فتقول: ليخشين زيد؛ ولتخشين يا زيد، ولتخشيان يا زيدان، ولتخشينان يا هندات

(3)

.

(1)

أصلهما: اخشيون، واخشيين، حذفت الضمة والكسرة للثقل على حرف العلة، ثم حذفت الياء للساكنين، وحركت الواو والياء بما يناسبهما.

(2)

وذلك هو: الاسم الظاهر، والضمير المستتر، والألف، ونون النسوة.

(3)

وإلى هذا، وما تقدم، يشير الناظم بقوله:

والمضمر احذفنه إلا الألف

وإن يكن في آخر الفعل ألف

فاجعله منه رافعا غير اليا

والواو ياء كاسعين سعيا

واحذفه من رافع هاتين وفي

واو ويا شكل مجانس قفى

نحو اخشين يا هند بالكسر ويا

قوم اخشون واضمم وقس مسويا

* "واشكله" فعل أمر والهاء مفعوله، وهي عائدة على آخر المؤكد في البيت قبله. "قبل مضمر" قبل ظرف متعلق به، ومضمر مضاف إليه. "لين" نعت لمضمر. "بما" متعلق باشكله، وما اسم موصول، واقعة على الحركات المجانسة. "جانس" الجملة صلة ما، ومفعول جانس محذوف؛ أي بما جانس المضمر. "قد علما" الجملة نعت لتحرك، وعلما ماض للمجهول، والألف للإطلاق.

"والمضمر" مفعول لمحذوف يفسره ما بعده. "الألف" منصوب على الاستثناء من المضمر. "وإن يكن" شرط وفعله، ويكن تامة. "ألف" فاعله. "فاجعله" الفاء واقعة في جواب الشرط، والهاء مفعول أجعل الأول. "منه" متعلق باجعل، والهاء عائدة على الفعل. "رافعا" حال من الهاء في منه، وفيه ضمير هو فاعله. "غير الياء"

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي أن الضمير اللين المتصل بالمضارع الصحيح الآخر، يحذف إن كان واوا أو ياء، ويبقى إن كان ألفا. وإن كان الفعل معتلا، فإن كان آخره ألفا، فاجعل الألف ياء إذا رفع الفعل ضميرا غير الواو والياء؛ أي واو الجماعة، وياء المخاطبة؛ كالظاهر، وألف الاثنين، والضمير المستتر، ونون النسوة، واحذف الألف مع فتح ما قبلها، إن رفع واوا أو ياء، مع تحريكهما بشكل مناسب، فتضم الواو وتكسر الياء، وهذا عند تأكيد الفعل، فإن لم يؤكد الفعل بإحدى النونين، لم تضم الواو، ولم تكسر الياء؛ بل يجب تسكينهما؛ تقول: يا قوم، هل ترضون بالمذلة؟ يا بنت مصر، هل ترضين بغير النصر. يا مجدون، اخشوا، ويا هند اخشي.

وإيضاح ما ذكره المصنف: أن الفعل الذي يراد توكيده يتبع فيه ما يأتي:

أ- إن كان مسندا إلى اسم ظاهر، أو إلى ضمير الواحد المذكر، بني آخره على الفتح لمباشرة النون، خفيفة كانت أو ثقيلة، ولم يحذف منه شيء؛ سواء أكان صحيحا أم معتلا. وترد لأم المعتل إلى أصلها إن كانت قد حذفت، وإن كانت ألفا قلبت ياء لتقبل الفتحة؛ تقول: لتجتهدن، لتدعون، لترضين.

ب- وإن كان مسندا إلى ألف اثنين؛ فكذلك الحلم، غير أنه يجب حذف نون الرفع -إن كانت موجودة-للجازم، أو لتوالي الأمثال، وتكسر نون التوكيد تشبيها لها بالنون الرفع، ولا تكون النون بعد الألف إلامشددة؛ تقول: لتنصران، لتدعوان، لترضيان، والفعل معرب مرفوع بالنون، والألف فاعل، والنون المذكرة المشددة حرف للتوكيد.

مفعوله والياء مضاف إليه. "والواو" معطوف على الياء. "ياء" مفعول ثاني لاجعل. "كاسعين" الكاف جارة لقول محذوف، و"اسعين" فعل امر مؤكد بالنون الثقيلة. "سعيا" مفعول مطلق.

"واحذفه" فعل أمر والهاء مفعول عائدة إلى الألف. "هاتين" مضاف إليه لرافع، والإشارة إلى الواو والياء. "وفي واو"متعلق بقفي. "ويا" عطف عليه مقصور. "شكل" مبتدأ. "مجانس" نعت له. "قفي" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى شكل مجانس، والجملة خبر المبتدأ. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "اخشين" فعل أمر مبني على حذف النون، وياء المخاطبة فاعل، وحرك للتخلص من الساكنين، والنون حرف توكيد. "بالكسر" حال من اخشين. "ويا قوم" مطوف على يا هند. و"قوم" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، المحذوفة للاستغناء عنها بالكسرة. "اخشون" فعل أمر، وواو الجماعة فاعل، والنون للتوكيد. "واضمم" فعل أمر، ومفعوله محذوف؛ أي الواو. "مسويا" حال من فاعل قس المستتر؛ تقديره أنت.

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جـ- وإذا أسند لنون النسوة؛ فكما تقدم أيضًا. وتزاد ألف فارقة بين نون النسوة ونون التوكيد التي يجب أن تكون مشددة مسكورة بعد الألف الزائدة، ولا تحذف نون النسوة لأنها اسم؛ تقول: لتنصرنان، لترمينان، لتدعونان، والفعل مبني على السكون، ونون النسوة فاعل، والألف زائدة للفصل، ونون التوكيد المشددة حرف لا محل له.

د- وإذا أسند لواو الجماعة أو ياء المخاطبة؛ فإن كان صحيحًا حذفت نون الرفع لما تقدم، وحذفت واو الجماعة أو ياء المخاطبة لالتقاء الساكنين، مع بقاء الضمة قبل واو الجماعة لتدل عليها، والكسرة قبل ياء المخاطبة لذلك؛ تقول: لتجتهدن، يا أبنائي، ولتجلسن يا هند، وإن كان معتلا حذف أخر الفعل مطلقا، ثم إن كان معتلا بالألف، حذفت نون الرفع أيضًا، فيلتقي ساكنان، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما؛ فتحرك واو الجماعة بالضم، وياء المخاطبة بالكسر، مع فتح ما قبلهما؛ تقول: لترضون يا قوم، ولترضين، وتقول في إعرابه: فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، وواو الجماعة أو ياء المخاطبة فاعل، ونون التوكيد حرف. وإن كان معتلا بالواو أو الياء، حذفت مع الآخر واو الجماعة أو ياء المخاطبة. مع بقاء الضمة قبل الواو المحذوفة، والكسرة قبل الياء؛ لتدل على المحذوف؛ تقول: لتدعن، لتجرن، لتدعن، لترجن، ويكون الفعل مرفوعا بالنون المحذوفة، وواو الجماعة أو ياء المخاطبة المحذوفة فاعل، والنون المذكورة للتوكيد.

الخلاصة: أن المضارع المعتل الآخر عند توكيده، إن كان معتلا بالألف قلبت ألفه ياء عند إسناده لألف الاثنين أو نون النسوة، وجيء بنون التوكيد مشددة مع زيادة ألف فاصلة بين نون النسوة ونون التوكيد، وحذفت ألفه عند الإسناد لواو الجماعة وياء المخاطبة، مع تحريك الواو بالضمة والياء بالكسرة.

وإن كان معتلا بالواو أو الياء، وأسند لألف الاثنين، تركت الواو والياء مع فتحهما، ويسكنان عند الإسناد لنون النسوة. ويجب حذف حرفي العلة عند الإسناد لواو الجماعة أو ياء المخاطبة، مع حذف الواو والياء، وضم ما قبل الواو، وكسر ما قبل الياء. ويجب حذف نون الرفع في جميع الحالات، وهي لا توجد مع نون النسوة.

هذا: والأمر الصحيح الآخر ومعتلة كالمضارع في جميع ما تقدم؛ غير أن الأمر مبني دائمًا، ولا تتصل بآخره نون رفع مطلقًا، أما المضارع فمعرب في جميع الحالات؛ لوجود

ص: 354

‌فصل: تنفرد النون الخفيفة بأربعة أحكام:

أحدها: أنها لا تقع بعد الألف

(1)

؛ نحو: قومًا، واقعدا، لئلا يلتقي ساكنان

(2)

، وعن يونس والكوفيين إجازته، ثم صرح الفارسي في الحجة

(3)

بأن يونس يبقي النون ساكنة، ونظر ذلك بقراءة نافع:{وَمَحْيَاي}

(4)

. وذكر الناظم: أنه يكسر النون، وحمل على ذلك قراءة بعضهم:{فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا}

(5)

، وجوز في قراءة ابن ذكوان

(6)

: "وَلا تَتَّبِعَانِ" بتخفيف النون

(7)

.

الضمير فاصلا بينه وبين التوكيد؛ فهي غير مباشرة، إلا عند إسناده لنون النسوة؛ فليكون مبنيًا معها على السكون، والخفيفة كالثقيلة.

(1)

سواء أكانت الألف اسما؛ أي ضمير الاثنين؛ بأن أسند إليها بالفعل، أو حرفا؛ بأن كان النسوة، للفصل بينها وبين نون التوكيد؛ نحو: اضربنان، وهذا مذهب عامة البصريين.

(2)

هما: الألف التي قبل النون، ونون التوكيد الخفيفة؛ بالنظر إلى أصلها؛ وهو السكون، أما نون الرفع هنا فمحذوفة؛ لأن الأمر يبنى على حذف النون، والتقاء الساكنين يغتفر في العربية، إذا كان أول الساكنين حرف لين، وثانيهما مدغما في مثله، وهما في كلمة واحدة؛ ولهذا جاز وقوع المشددة بعد الألف، وامتنعت الخفيفة بعدها.

(3)

الحجة: كتاب جليل الشأن في التعليل لقراءات الأئمة القراء، وقد تناول فيه الفارسي كثيرًا من المسائل النحوية والصرفية والبلاغية، والتفسير والحديث، وبعض العلوم الأخرى، وقدمه إلى عضد الدولة.

(4)

أي بسكون الياء بعد الألف وصلا.

(5)

من الآية 36 من سورة الفرقان؛ وذلك على أنه فعل أمر لاثنين، والألف ضمير الاثنين، والنون المكسورة نون توكيد خفيفة.

(6)

هو عبد الرحمن بن أحمد بن بشر بن ذكوان، من أصحاب ابن عامر، كان شيخ الإقراء بالشام، وإمام الجامع الأموي، قال الحافظ الدمشقي: لم يكن بالعراق، ولا بالحجاز، ولا بالشام، ولا بمصر، ولا بخراسان في زمان ابن ذكوان، أقرأ منه عندي، توفي سنة 202 هـ.

(7)

أي على أن الواو للعطف، و"لا" ناهية؛ فتكون الألف ضمير الاثنين، ونون الرفع محذوفة

ص: 355

وأما الشديدة فتعق بعدها اتفاقًا، ويجب كسرها؛ كقراءة باقي السبعة:{وَلا تَتَّبِعَانِّ}

(1)

.

الثاني: أنها لا تؤكد الفعل المسند إلى نون الإناث؛ وذلك لأن الفعل المذكور يجب أن يؤتى بعد فاعله بألف فاصله بين النوني؛ قصدًا للتخفيف، فيقال: اضربنان، وقد مضى أن الخفيفة لا تقع بعد الألف، ومن أجاز ذلك فيما تقدم، أجازه هنا بشرط كسر النون

(2)

.

الثالث: أنها تحذف قبل الساكن؛ كقوله:

(1)

الآية 89 من سورة يونس. وهنا يغتفر التقاء الساكنين؛ لأن أول الساكنين حرف لين، وثانيهما مدغم في مثله كما تقدم، وقد أشار الناظم إلى هذا الفرق بين الخفيفة والثقيلة بقوله:

ولم تقع خفيفة بعد الألف

لكن شديدة وكسرها ألف

أي لا تقع نون التوكيد الخفيفة بعد الألف؛ بل يجب أن تكون شديدة، وتكسر تشبيها لها بنون المثنى.

(2)

وذلك فرارًا من التقاء الساكنين على غير حدة؛ إذ ليس هنا ثلاث نونات، وإلى هذا الفرق الثاني يشير الناظم بقوله:

وألفًا زد قبلهما مؤكدًا

فعلًا إلى نون الإناث أسندا

أي زد قبل نون التوكيد مباشرة ألفا، حين يكون الفعل المؤكد مسندا إلى نون النسوة؛ وذلك كراهة توالي الأمثال، وبعدا عن اللبس أحيانا.

"خفيفة" بالرفع فاعل تقع، وبالنصب حال من فاعل تقع العائد إلى النون المعلومة من السياق. "بعد الألف" بعد ظرف متعلق بتقع والألف مضاف إليه. "شديدة" عطف على خفيفة بلكن.

* "وألفا" مفعول زد مقدم. "قبلها" قبل ظرف متعلق بزد، والهاء مضاف إليه. "مؤكدا" حال من فاعل زد، وفيه ضمير هو فاعله. "فعلا" مفعوله. "إلى نون الإناث" متعلق بأسندا، ومضاف إليه، وجملة "أسند" نعت لقوله "فعلا"، ونائب الفاعل ضمير مستتر، والألف للإطلاق.

ص: 356

لا تهين الفقير علك أن تر

كع يومًا والدهر قد رفعه

(1)

أصله: لا تهينن.

الرابع: أنها تعطى في الوقف حكم التنوين؛ فإن وقعت بعد فتحة قلبت ألفا؛ كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا} ، {وَلَيَكُونًا} ، وقول الشاعر:

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

(2)

(1)

بيت من المنسرح، للأضبط بن قريع السعدي، جاهلي قديم، من أبيا مطلعها:

لكل هم من الهموم سعة

والمسى والصبح لا فلاح معه

قال ثعلب: بلغني أنها قيلت قبل الإسلام بدهر طويل.

اللغة والإعراب: تهين: فعل مضارع؛ من الإهانة؛ وهي الاحتقار والازدراء. علك: والمراد هنا: انحطاط الحال، وتبدل الحال الحسنة بأخرى مغايرة لها. "لا" ناهية. "تهين" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين في محل جزم، والفتحة دليل عليها. "علك" عل حرف ترج ونصب، والكاف اسمها. "أن تركع" أن مصدرية، وهي وما بعدها في تأويل مصدرن خبر لعل؛ على تأويله باسم الفاعل، أو على حذف مضاف. "يوما" ظرف زمان. "والدهر قد رفعه" الدهر مبتدأ، وقد للتحقيق، وجملة رفعه خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال.

المعنى: لا تحتقر الفقير، ولا تهنه وتستخف به؛ فربما يتبدل الحال ويتغير، والدهر قلب؛ فيخفضك الزمان ويرفعه عليك.

الشاهد: في "لا تهين الفقير"؛ حيث حذفت نون التوكيد الخفيفة للتخلص من الساكنين؛ وهما: النون واللام في "الفقير" وبقيت الفتحة على آخر الفعل دليلا على النون المحذوفة، وثبوت الياء مع وجود الجازم دليل على أن الفعل مؤكد.

(2)

عجز بيت من الطويل، للأعشى، ميمون بن قيس، من قصيدة له في مدح الرسول عليه السلام، وكان قدم إليه لينشدها بين يديه، فمنعته قريش، وصدره:

وإياك والميتات لا تقربنها

اللغة والإعراب: الميتات: جمع ميتة؛ وهي الحيوان المأكول الذي فارق الحيا، حتف

ص: 357

وإن وقعت بعد ضمة أو كسرة حذفت، ويجب حينئذ أن يرد ما حذف في الوصل لأجلها

(1)

. تقول في الوصل: اضربن يا قوم، واضربن يا هند، والأصل: اضربون،

أنفه، من غير تذكية، لا تقربنها: المراد لا تطعمها، الشيطان: يطلق على كل متمرد من الجن والإنس. "وإياك" منصوب على التحذير بمحذوف وجوبا. "والميتات" معطوف عليه "لا" ناهية. "تقربنها" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم. "تعبد" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وحرك بالكسر للتخلص من الساكنين، "الشيطان" مفعوله. "والله" الواو عاطفة، ولفظ الجلالة مفعول مقدم لاعبدا. "فاعبدا" الفاء زائدة أو عاطفة. و"اعبدا" فعل أمر مبني على سكون مقدر، منع منه الفتح العارض لأجل نون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا في الوقف.

المعنى: ابتعد عن أكل الميتة، ولا تخضع للشيطان ونزعاته، بل أخضع لله -تعالى، وأعبده فيما أمرك به ونهاك عنه؛ فإنه -سبحانه- المستحق وحده للعبادة.

الشاهد: في "فاعبدا"؛ حيث أبدل نون التوكيد الخفيفة ألفا في الوقف؛ كما أن التنوين في الاسم المنصوب كذلك.

(1)

وذلك لزوال علة الحذف؛ وهي التقاء الساكنين.

وإلى الفرقين الثالث والرابع يشير الناظم بقوله:

واحذف خفيفة لسكان ردف

وبعد غير فتحة إذا تقف

واردد إذا حذفتها في الوقف ما

من أجلها في الوصل كان عدما

وأبدلنها بعد الفتح ألفا

وقفا كما تقول فيض قفن قفا

* "ردف" فعل ماض، والجملة صفلة لساكن، "وبعد" متعلق باحذف. "غير فتحة" مضاف إليه. "إذا" ظرف متعلق باحذف. "نقف" الجملة في محل جر بإضافة إذا إليها.

"إذا" ظرف متعلق باردد "حذفتها" الجملة في محل جر بإضافة إذا، والهاء عائدة إلى النون. "ما" اسم موصول مفعول "اردد" من أجلها في الوصل "متعلقان بعدما. "كان" اسمها يعود إلى ما الموصولة الواقعة على الواو والياء المحذوفتين. "عدما" فعل ماض للمجهول، والجملة خبر كمان، وجملة كان ومعموليها صلة ما. "وأبدلنها" فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، و"ها" مفعول أول. "ألفا" مفعول ثان. "وقفا" منصوب بنزع الخافض، أو حال من فاعل أبدلنها، أو مفعول به. "كما" الكاف جارة، و"ما" مصدرية، وهي ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف. "في" قفن" متعلق بتقول. "قفا" مقول القول، مقصود لفظه. أو الجملة محكية بالقول.

ص: 358

واضربين، كما مر، فإذا وقفت حذف النون لشبهها بالتنوين في نحو: جاء زيد، ومررت بزيد، ثم ترجع بالواو والياء لزوال الساكنين؛ فتقول، اضربوا، واضربي.

أي: احذف نون التوكيد الخفيفة إذا ردفها -أي تبعها- ساكن، وكذلك إذا وقعت عند الوقف عليها بعد غير فتحة؛ أي ضمة أو كسرة. ويجب عند الوقف أن ترد إلى الفعل ما حذف منه بسببها عند وصل الكلام؛ كما يجب إبدالها ألفًا في الوقف، إذا وقعت بعد حرف مفتوح؛ تقول في "قفن" عند الوقف: قفا. ومن هذا يتبين: أنها تحذف وجوبا في النطق، إذا وقع بعدها ساكن ولم يوقف عليها، وكذلك إذا وقف عليها بعد ضم أو كسر.

هذا: ويروى فريق من النحاة تحريك بالنون بالكسر إذا وليها ساكن بدلا من حذفها؛ لأن الأصل في التخلص من الساكنين تحريك الأول منهما بالكسرة، كما نبه على ذلك شارح المفصل، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا لعلة.

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 ما الذي يؤكد من الأفعال؟ وما الذي لا يؤكد؟ ولماذا؟ مثل.

2 متى يجب توكيد الفعل المضارع؟ وبماذا؟ ومتى يمتنع؟ وضح ما تقول.

3 ما حكم توكيد المضارع الصحيح والمعتل، إذا أسند كل إلى واو الجماعة، أو ياء المخاطبة؟ هات أمثلة موضحة.

4 ما الذي تختص به نون التوكيد الخفيفة؟ وضح ذلك بأمثلة من عندك.

5 ما حكم توكيد المضارع الواقع بعد "ما" الزائدة؟ مثل لما تقول.

6 فيما يأتي شواهد بعض مسائل هذا الباب، وضح الشاهد، وبين حكم توكيد الأفعال فيها:

قال تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} .

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} .

{لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْر} .

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك} .

وقال عليه السلام: "فأنزلنْ سكينة علينا، وثبت الأقدام إنه لا قينا".

يقال في المثال، لمن يخفي عنك أمرا أنت تعلم به. "بعين ما أرينك".

لا تحفلن ببؤسها ونعيمها

نعمى الحياة وبؤسها تضليل

لئن تك قد ضاقت علي بيوتكم

ليعلم ربي أن بيتي أوسع

أتهرجن خليلًا صان عهدكمو

وأخلص الود في سر وإعلان

من جحد الفضل ولم يذكرن

بالحمد صاحبه فقد أجرما

ومستبدل من بعد غضبى صريمة

فأحر به من طول فقر وأحريا

تالله لا يحمد المرء مجتنبا

فعل الكرام ولو فاق الورى حسبا

7 خاطب بالعبارة الآتية: المفردة، ومثناها، والجمع بنوعيه، مع تأكيد الأفعال في كل صورة واضبط تلك الأفعال بالشكل:

ص: 360

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لا تن في أداء الواجب، ولا تخش في الحق لومة لائم، واسم بنفسك عن الدنايا، وكن قدرة لغيرك في حسن معاملة الناس.

8 أسند الأفعال الآتية إلى: ضمير الواحد، والف الاثنين، ونون النسوة، وواو الجماعة، وياء المخاطبة، مؤكدا بالنون مع الضبط.

ادع، يدعي، أنه، يسعد، يقضي، فه، يسمو، يرقى.

الفعل

ضمير الواحد

ألف الاثنين

نون النسوة

واو الجماعة

ياء المخاطبة

ادع

ادعوَنْ

ادعوَانِّ

ادعونَانِّ

ادعُنَّ

ادعِنَّ

يدِّعِي

يَدَّعِيَنَّ

يَدَّعِيَانِّ

يدَّعينَانِّ

يدَّعُنَّ

تدَّعِنَّ

انْهَ

انهيَنَّ

انْهَيَانِّ

انهيْنَانِّ

انْهَوُنَّ

انْهَيِنَّ

رَهْ

رَيَنَّ

رَيَانِّ

رَيْنَانِّ

رَوُنَّ

رَيِنَّ

يسعَد

يسعَدَنَّ

يَسْعَدَانِّ

تسعدْنَانِّ

يَسْعَدُنَّ

تَسْعَدِنَّ

يقضي

يقضيَنَّ

يَقْضِيَانِّ

بقضينَانِّ

يَقْضُنَّ

تَقْضِنَّ

فِهْ

فِيَنَّ

فِيانِّ

فِينَانِّ

فُنَّ

فِنَّ

يسمو

يسموَنَّ

يسمُوانِّ

يسمونَانِّ

يسمُنَّ

تسمِنَّ

يرقى

يرقَيَنَّ

يرقَيَانِّ

يرقَيْنَانِّ

يرقَوَنَّ

تَرْقَيِنَّ

9 أسند الأفعال الآتية إلى المفردة، والمثنى المذكر، وواو الجماعة، ونون النسوة، ثم أكدها مع الضبط بالشكل، وضعها في جمل من إنشائك.

اسع، ينأى، ينجو، تول، يبغي، اسم قه، يئن، بقي.

10 اشرح البيت الآتي شرحًا أدبيًا، وأعرب الشطر الأول منه:

لا تيئسن إذا اكتويتم مرة

إن النجاح حليف كل مثابر

11 كون ثلاث جمل من إنشائك، بكل منها مضارع واجب التوكيد، وثلاثا أخرى بها

ص: 361

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مضارع ممتنع التوكيد، ثم ثلاثا فيها مضارع جائز التوكيد، وبين سبب ما تقول.

12 ما حكم المضارع المعتل الآخر بالواو أو بالياء؛ إذا أريد إسناده إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، مع التوكيد، اشرح ما يحدث فيه من تغيير، ووضح ذلك بالمثال.

ص: 362

‌باب: ما لا ينصرف

(1)

الاسم إن أشبه الحرف بني كما مر، وسمي غير متمكن

(2)

، وإلا أعرب، ثم المعرب إن أشبه الفعل

(3)

منع الصرف

(4)

؛ كما سيأتي.

باب ما لا ينصرف:

(1)

اختلف النحاة في مأخذ هذه الكلمة؛ فقيل: من الصريف، وهو التصويت، ولا شك أن التنوين تصويت في آخر الاسم المنصرف، وقيل: من الانصراف؛ وهو الرجوع؛ فكأن الاسم انصرف ورجع عن مشابهة الفعل والحرف، أو انصرف عن طريقهما إلى طريق الاسمية المحضة. والأصل في الاسم أن يكون معربا منصرفا، أما الإعراب فلأنه تتوارد وتتعاقب عليه معان لا تتميز إلا بالإعراب؛ كالفاعلية، والمفعولية، وأما الصرف فلخفته في النطق. ولا يخرج عن أصله إلا إذا أشبه الفعل أو الحرف، ووجود هذا التنوين في الاسم المعرب يجعله أشد تمكنًا في الاسمية، وأقوى فيها من غيره؛ ولهذا يسمى: تنوين الأمكنية، كما يسمى تنوين الصرف.

(2)

أي لعدم تمكنه في باب الاسمية؛؛ بسبب عدم قبوله الحركات.

(3)

أي في علتين فرعيتين؛ ترجع إحداهما إلى اللفظ، والثانية إلى المعنى، أو في علة واحدة تقوم مقام العلتين المذكورتين، كما يتضح بعد.

(4)

أي التنوين، كما منع الفعل، وإيضاح ذلك كما يقول النحاة: أن الفعل فرع عن الاسم في اللفظ؛ لأنه مشتق من المصدر، والفرع أضعف من الأصل، وفرع عنه في المعنى؛ لأن الفعل محتاج دائمًا إلى فاعل، والفاعل لا يكون إلا اسما، والحاجة ضعف؛ فإذا وجدت في بعض الأسماء هذه الفرعية، وهذا الضعف بنوعيه، أو بنوع واحد آخر يقوم مقامهما؛ فقد شابه الفعل؛ فيعطى حكمه في المنع مع التنوين، ويمنع تبعا لذلك جره بالكسرة؛ لتآخيهما في الاختصاص بالأسماء؛ فيجر بالفتحة نيابة عنها؛ بشرط ألا يكون مضافا، ولا مقترنا بأل كما سيأتي؛ هكذا يعلل النحويون سبب منع بعض الأسماء من الصرف، ويقول السهيلي: إن المانع من صرف بعض الأسماء استغناؤها عن التنوين الذي هو علامة الانفصال، وإشعار بأن الاسم غير مضاف إلى ما بعده، ولا متصل به، والحقيقة أن العلة هي السماع من العرب؛ لأن العربي ما كان يعرف شيئًا من تلك العلل

ص: 363

وسمي غير أمكن

(1)

، وإلا صرف وسمي أمكن.

والصرف هو: التنوين

(2)

الدال على معنى يكون الاسم به أمكن؛ وذلك المعنى: هو عدم مشابهته للحرف وللفعل؛ كـ"زيد"، و"فرس".

وقد علم من هذا: أن غير المنصرف هو الفاقد لهذا التنوين.

ويستنثى من ذلك نحو: "مسلمات"

(3)

؛ فإنه منصرف مع أنه فاقد له؛ إذ تنوينه لمقابلة نون جمع المذكر السالم

(4)

.

ثم الاسم الذي لا ينصرف نوعان:

أحدهما: ما يمتنع صرفه لعلة واحدة؛ وهو شيئان:

(1)

أي غير قوي التمكن في باب الاسمية؛ لاشتماله على علامة واحدة هي الإعراب، وحرمانه من العلامة الثانية؛ وهي التنوين.

(2)

أي وحده كما هو رأي المحققين، أما عدم الجر بالكسر فتابع له كما أسلفنا؛ لتآخيهما في الاختصاص بالأسماء، وفي هذا يقول الناظم:

الصرف تنوين أتى مبينا

معنى به يكون الاسم أمكنا

وقد أوضح المصنف معنى هذا البيت توضيحا شافيا، وهذا التنوين لا يدخل إلا الأسماء المنصرفة.

(3)

أي من جميع المؤنث السالم غير المسمى به، والباقي في دلالته على الجمع، أما ما سمي به منه؛ نحو:"عرفات"، فغير منصرف ولا كلام فيه.

(4)

أي في أن كلا منهما يدل على تمام الاسم، وليس من تنوين الأمكنية أيضًا تنوين "العوض"؛ وهو الذي يكون في المنقوص، مثل: جوارٍ وقاضٍ، ولا تنوين "التنكير؛ لأنهما يدخلان الأسماء المنصرفة وغير المنصرفة.

* "الصرف تنوين" مبتدأ وخبر، وجملة "أتى" نعت لتنوين. "مبنيا" حال من فاعل أتى، وفيه ضمير هو فاعله.

"معنى" مفعوله. "به" متعلق بيكون بعد. "الاسم" اسم يكون. "أمكنا" خبرها، والجملة في محل نصب صفة لمعنى.

ص: 364

أحدهما: ما فيه ألف التأنيث مطلقًا؛ أي مقصورة كانت، أو ممدودة

(1)

، ويمتنع صرف مصحوبها كيفما وقع؛ أي سواء وقع نكرة؛ كـ"ذكرى"، و"صحراء"، أم معرفة، كـ"رضوى"

(2)

و"زكريا"، أم مفردًا؛ كما تقدم، أم جمعًا كـ"جرحى"، و"أصدقاء"، أم اسمًا؛ كما تقدم، أم صفة كـ"حبلى"، و"حمراء"

(3)

.

الثاني: الجمع الموازن لـ"مفاعل" أو "مفاعيل"

(4)

؛ كـ"دراهم"، و"دنانير" وإذا

(1)

ألف التأنيث المقصورة: ألف تجيء في نهاية الاسم المعرب؛ لتدل على تأنيثه، ومثلها الممدودة؛ إلا أن الممدودة لا بد أن تسبقها ألف زائدة للمد فتنقلب ألف التأنيث همزة، وسيأتي إيضاح لذلك في موضعه؛ وإنما استقلت هذه بالمنع لأن وجود ألف التأنيث وزيادتها في آخر الاسم علة لفظية؛ لدلالتها على أن مدخولها مؤنث، والتأنيث فرع التذكير، وملازمتها له في جميع حالاته علة معنوية.

(2)

رضوى: علم على جبل بالمدينة.

(3)

يقال عند إعراب ما فيه الألف المقصورة في حالتي الرفع والنصب: مرفوع بضمة مقدرة على الألف نيابة عن الكسرة، والإعراب في المختوم بالألف المقصورة تقديري، أما الممدودة فمرفوعة بالضمة الظاهرة، ومنصوبة كذلك، ومجرورة بالفتحة الظاهرة نيابة عن الكسرة، والتنوين ممتنع في جميع الحالات، وفي هذه الألف يقول الناظم:

فألف التأنيث مطلقًا منع

صرف الذي حواه كيفما وقع

أي: أن ألف التأنيث مطلقا، مقصورة كانت أو ممدودة، تمنع صرف الاسم الذي يشتمل عليها كيفما وقع ذلك الاسم؛ أي على أي حال كان عليه؛ من تعريف، أو تنكير، أو اسمية، أو وصفية، أو إفراد، أو جمع.

(4)

أي في عدد الحروف والحركات والسكنات، ويسمى ذلك الوزن: صيغة منتهى الجموع؛ أي"الجمع المتناهي"، وضابطه: كل جمع تكسير مفتوح أوله، وثالثه ألف زائدة، ليست

* "فألف التأنيث" مبتدأ، ومضاف إليه. "مطلقا" حال من فاعل "منع" العائد على المبتدأ. "منع" فعل ما، والفاعل يعود على ألف التأنيث، والجملة خبر. "صرف" مفعول منع. "الذي" مضاف إليهز "حواه" فاعل حوى يعود على الذي، والهاء مفعوله، والجملة صلة الموصول. "كيفما"اسم شرط. "وقع" فعل الشرط وفاعله يعود إلى الذي حواه، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه؛ أي كيفما وقع ألف التأنيث منع الصرف.

ص: 365

كان "مفاعل" منقوصًا؛ فقد تبدل كسرته فتحة فتنقلب ياؤه ألفًا، فلا ينون 1؛ كـ

عوضًا، وبعدها حرفان، أو ثلاثة أوسطها ساكان، ومكسور كسرًا أصليًا ولو تقديرًا؛ كدواب؛ وعذارى، ولم ينو بذلك الساكن وبما بعده الانفصال؛ فمتى كان الجمع بهذه الصفة استقل بالمنع؛ فإن خروج هذه الصيغة عن أوزان الآحاد العربية لفظا وحكما علة لفظية، ودلالتها على الجمعية علة معنوية، ووجه خروج هذه الصيغة عن صيغ الآحاد العربية، أنك لا تجد مفردا ثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة، إلا وأوله مضموم؛ كعذافر، للجمل القوي والأسد، فيصرف، ويصرف كذلك ما فقد أحد الشروط المتقدمة؛ بأن تكون ألفه غير ثالثة، كصلصال، أو تكون ألفه عوضا عن إحدى يائي النسب، كيمان وشآم؛ فإن أصلهما: يمنى وشامي، حذفت إحدى الياءين تخفيفًا، وجاءت الألف عوضا عنها، وفتحت همزة شآمي بعد سكونها ومدت، ثم أعل إعلال المنقوص؛ كقاض، فصار: يمان وشآم، أو يكون ما يلي الألف غير مكسور؛ كتدارك، أو كسرة عارض للاعتلال؛ كتدان وتوان؛ فإن أصلهما: تداني وتواني، بضم النون فيهما، فقلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء وأعل إعلال قاض، أو يكون ثاني الثلاثة بعد الألف متحركا؛ كطواعية وكراهية، أو يكون الثاني والثالث عارضين للنسب، منوي انفصالهما تخفيفا؛ كظفاري، نسبة إلى "ظفار" مدينة باليمن، ورباحي، نسبة إلى لبدل، أو تقديرا؛ كجواري، بخالف نحو قماري، ونجاتي وكراسي، فإن الياء المشددة، التي هي في الجمع، وفي المفرد، وحل محلها ياء أخرى مشددة للنسب، ولا يمنع الاسم معها من الصرف، وإلى الجمع المذكور أشار الناظم بقوله:

وكن لجمع مشبه "مفاعلا"

أو "المفاعيل" بمنع كافلا

أي كن كافلا -أي قائما ومنفذا- لجمع مشبه "مفاعل" و"مفاعيل"، في عدد الحروف والحركات والسكنات - بمنع الصرف.

* "لجمع" متعلق بكافلا الواقع خبرا للكن، واسمها مستتر تقديره أنت. "مشبه" نعت لجمع، وفاعله يعود على جمع. "مفاعلا" مفعوله. "أو المفاعيل" معطوف عليه. "بمنع" متعلق بكافلا.

ص: 366

"عذارى"، و"مدارى"

(1)

. والغالب أن تبقى كسرته.

فإذا خلا من "أل" والإضافة؛ أجري في الرفع والجر مجرى قاض وسار؛ في حذف بائه

(2)

، وثبوت تنوينه، نحو:{وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاش} ، {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ}

(3)

، وفي النصب مجرى "دراهم"؛ في سلامه آخره وظهور فتحته؛ نحو:{سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي} .

و"سراويل" ممنوع من الصرف مع أنه مفرد

(4)

؛ فقيل إنه أعجمي حمل على موازنة

(1)

جمعا: عذراء، وهي البك، ومدري؛ وهو المشط، ويعربان بحركات مقدرة على الألف للتعذر.

(2)

أي في حالتي الرفع والجر، مع بقاء الكسرة قبلها، ومجيء التنوين عوضا عنها، ويكون مجروا بفتحة مقدرة، وتنوينه للعوض؛ بخلاف "قاض"؛ فإنه مجرور بكسرة مقدرة؛ وتنوينه للصرف.

(3)

"غواش" مبتدأ مؤخر للجار والمجرور قبله، مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، من الآية 31 من سورة الأعراف. و"ليال" معطوف على "الفجر" مجرور بفتحة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل، نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع تقديرا، وفي حكم صيغة منتهى الجموع، إذا كانت اسمًا منقوصًا كالجواري، يقول الناظم:

وذا اعتلال منه كالجواري

رفعًا وجرًا أجره كـ"ساري"

أي أن المعتل الآخر من هذا الجمع -أي صيغة منتهى الجموع- يجري في الجر والرفع مجرى المنقوص "كسار"؛ من حذف يائه رفعا وجرا مع التنوين، عوضا عنها، وبقائها في حالة النصب. وسار: اسم فاعل منقوص من سرى، إذا سار ليلًا، وأصله ساري.

(4)

لأنه اسم مؤنث للإزار بصورة الجمع، وصيغة "مفاعل"، و"مفاعيل" لا تكون في العربية إلا لجمع أو منقول عنه.

* "وذا" مفعول لمحذوف يفسره قوله: أجره. "اعتلال" مضاف إليه. "منه كالجواري" متعلقان بمحذوف، صفة لذا، أو حال منه، والضمير للجمع المتقدم. "رفعا وجرًّا" منصوبان على نزع الخافض. "أجره" فعل أمر، وفاعل، ومفعول، والهاء عائدة إلى ذا اعتلال. "كساري" جار ومجرور متعلق بأجره.

ص: 367

من العربي

(1)

، وقيل إنه منقول عن جمع "سروالة"

(2)

.

ونقل ابن الحاجب

(3)

أن من العرب من يصرفه، وأنكر ابن مالك عليه ذلك

(4)

. وإن سمي بهذا الجمع، أو بما وازنه؛ من لفظ أعجمي؛ مثل "سراويل" و"شراحبيل"

(5)

، أو لفظ

(1)

أي "كدنانير" مثلا.

(2)

أي: وسروالة لفظ عربي، وهذا رأي المبرد، وهو الصواب. وأنكر بعضهم "سروالة"، وقال: إن سراويل جمع سروال. ومهما يكن، فإن "سراويل" وشبهة؛ مما يدل على مفرد وصيغته صيغة منتهى الجموع، ممنوع من الصرف للمشابهة وإن دل على مفرد، وفي هذا يقول الناظم:

و"السراويل" بهذا الجمع

شبه اقتضى عموم المنع

أي أن لكلمة "سراويل" -وهي مفرد على صورة الجمع- شبها بصيغة منتهى الجموع، يقتضى منعها منم الصرف منعا عاما لذلك.

(3)

هو العلامة جمال الدين أبو عمر، عثمان بن عمر بن الحاجب الكردي، ولد بإسنا من بلاد الصعيد، وكان أبو جنديًا كرديا حاجبا للأمير عزار بن الصلاحي، فنشأ بالقاهرة وحفظ القرآن، وأخذ بعض القراءات عن الشاطبي، وتأدب عليه، وبرع في العربية، وكان من أذكياء العالم، مبرزا في عدة علوم، ثم رحل إلى دمشق، وأكب الفضلاء على الأخذ عنه، وكان الغالب عليه النحو، وقد صنف فيه "الكافية"، وشرحها، وألف في التصريف "الشافية"، وشرحها، وشرح المفصل بشرح سماه "الإيضاح"، وقد خالف النحاة في مواضع، ومصنفاته كلها في غاية الحسن، وقد رزقت قبولا تامًا لحسنها وجزالتها، ثم عاد إلى مصر، وانتقل إلى الإسكندرية ليقيم بها، فلم تطل مدته ومات رحمه الله سنهة 646 هـ.

(4)

ورد بأنه ناقل، ومن نقل حجة على من لم ينقل.

(5)

اسم لعدة أشخاص، من المحدثين والصحابة وغيرهم. قال صاحب القاموس: لا ينصرف عند سيبويه في معرفة ولا نكرة، وعند الأخفش ينصرف في النكرة، فإن حقرته انصرف عندهما.

* "ولسراويل" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "بهذا" متعلق بشبه الواقع مبتدأ مؤخرا. "الجمع" بدل أو عطف بيان لهذا، وجملة "اقتضى عموم المنع" صفة لشبه، وفاعل اقتضى يعود على شبه.

ص: 368

ارتجل للعلمية، مثل "كشاجم"

(1)

، منع الصرف.

النوع الثاني: ما يمتنع صرفه بعلتين، وهو نوعان:

أحدهما: ما يمتنع صرفه نكرة ومعرفة؛ وهو: ما وضع صفة

(2)

؛ وهو: إما مزيد في آخره ألف ونون

(3)

، أو موازن للفعل، أو معدول.

(1)

علم رجل، وهو بفتح الكاف، ويجوز فيها الضم فتخرج عن أوزان صيغة منتهى الجموع، وهو بالضم لقب شاعر عباسي من شعراء دولة بني حمدان، ومثل "كشاجم": بهادر، علم لرجل هندي، وهوازن، علم على قبيلة، و"صنافين" علم لقرية مصرية، وكذلك من "صناديد" فهذه وأمثالها من الأعلام المرتجلة، تعتبر ملحقة بصيغة منتهى الجموع، وتمنع من الصرف، لما فيها من الصيغة، أو قيام العلمية مقام الجمعية، ولهذا لو نكر انصرف؛ ويقال في الإعراب: ممنوع من الصرف للعلمية، وشبه الجمع، أو لأنه مفرد على وزن صيغة منتهى الجموع، وفيما تقدم يقول الناظم في إجمال:

وإن به سمي أو بما لحق

به فالانصراف منعه يحق

أي: إن سمي بصيغة الجمع المتناهي، وصار علما على شيء، أو بما ألحق به، مما هو علم على مفرد، يمنع من الصرف، سواء أكان علما مرتجلًا أم منقولًا، عربيا أم أعجميًا؛ وبهذا تكون صيغة منتهى الجموع، وما ألحق به، ممنوعة من الصرف دائمًا في جميع الحالات، حتى ما كان منها علما لمفرد ثم زالت علميته؛ لبقاء صورة الجمعية، وهذا رأي سيبويه، وهو الصواب.

(2)

المراد بالصفة هنا: بعض الأسماء المشتقة، التي ليست أعلامًا، والوصفية: هي العلة المعنوية؛ لأنها فرع عن الجمود لاحتياجها إلى موصوف تنسب إليه، بخلاف الجامد، كما أن العلمية هي العلة المعنوية، وينضم إلى كل منهما علة أخرى لفظية كما سيأتي.

(3)

فرعية اللفظ في ذلك: أن الألف والنون الزائدتين، تضارعان ألفي التأنيث في نحو: حمراء؛ في أنهما في بناء يخص المذكر، كما أن ألفي حمراء في بناء يخص المؤنث، و في عدم لحاق التاء، والمزيد فرع المجرد.

* "وإن" شرطية. "به" نائب فاعل سمي، وجاز تقديمه عليه لأنه جار ومجرور، ولا لبس فيه. "أو بما" معطوف على به، و"ما" اسم موصول، وجملة "لحق" صلة. "فالانصراف" مبتدأ أول، والفاء واقعة في جواب الشرط، "منعه" مبتدأ ثان، ومضاف إليه. "يحق" الجملة خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني وخبره خبر الأول في محل جزم جواب الشرط.

ص: 369

أما ذو الزيادتين: فهو "فعلان"

(1)

؛ بشرط ألا يقبل التاء؛ إما لأن مؤنثه "فعلى"؛ كـ"سكران"، و"غضبان"، و"عطشان"

(2)

، أو لكونه لا مؤنث له؛ كـ"لحيان"

(3)

بخلاف نحو: "مصان" للئيم، و"سفيان" للطويل

(4)

، و"أليان" لكبير الألية

(5)

، و"ندمان"؛ من المنادمة لا من الندم؛ فإن مؤنثاتها "فعلانة"

(6)

.

(1)

أي بفتح الفاء، بشرط أن تكون وصفيته أصلية غير طارئة؛ فلا يمنع من الصرف مثل:"صفوان" في قولهم: رجل صفوان قلبه؛ لأن أصل الصفوان: الحجر، أما "فعلان" بضم الفاء، فمؤنثه "فعلانة"، و"فعلان" بالكسر، لا وجود له في الصفات.

(2)

فإن أشهر مؤنثاتهاك سكرى، وغضبى، وعطشى، بألف التأنيث لا بالتاء.

(3)

لحيان: وصف مختص بالذكور، لطويل اللحية، وفيه خلاف، والصحيح منعه من الصرف على تقدير أن له مؤنثًا على فعلى، ومثله "رحمن".

(4)

أي الرجل الطويل الممشوق القامة.

(5)

الألية: العجيزة من الرجل والمرأة وغيرهما، ولا يقال: إلية، ولا لية.

(6)

أي: مصانة، سيفانة، أليانة، ندمانة؛ ولهذا انصرف، أما ندمان من الندم؛ فمؤنثه "ندمى"، فيمنع من الصرف؛ لأن الألف والنون فيه يشبهان ألفي حمراء، وفعله ندم، وفعل الآخر "نادم".

وفي الوصفية مع زيادة الألف والنون يقول الناظم:

وزائدًا "فعلان" في وصف سلم

من أنيري بتاء تأنيث ختم

أي يمنع الاسم الذي فيه ألف ونون زائدتان، من الصرف، إذا كان وصفا لا يختم آخره بتاء التأنيث عند تأنيثه، إما لأنه وصف خاص بالرجال فلا مؤنث له، أو لأن الغالب على مؤنثه أن يكون بألف التأنيث.

* "وزائدة" معطوف على فاعل منع، وجاز العطف على الضمير المستتر المرفوع لوجود الفصل. "فعلان" مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية؛ لأنه علم على وزن، وزيادة الألف والنون. "في وصف" حال من "زائدا فعلان"، أو صفة له. "سلم" الجملة نعت لوصف. "من" جارة. "أن" مصدرية، "يرى" فعل مضارع نائب فاعله يعود إلى وصف، وهو مفعوله الأول، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بمن. "بتاء تأنيث" بتاء متعلق بختم، وتأنيث مضاف إليه، وجملة. "ختم" في موضع الفعل المفعول الثاني ليرى، إن كانت علمية، وفي موضع الحال من ضميرها، إن كانت بصرية.

ص: 370

وأما ذو الوزن؛ فهو: "أفعل"

(1)

بشرط ألا يقبل التاء

(2)

؛ أم لأن مؤنثه "فعلاء"؛ كـ"أحمر"

(3)

، أو "فعلى"؛ كـ"أفضل"، أو لكونه لا مؤنث له؛ كـ"أكمر"، و"آدر"

(4)

؛ وإنما صرف "أربع" في نحو: "مررت بنسوة أربع

(5)

؛ لأنه وضع اسمًا فلم يلتفت لما طرأ له.

(1)

أي في الغالب؛ وهو وزن الفعل، ومن غير الغالب؛ نحو: أحيمر، وأفيضل "تصغير: أحمر، وأفضل"؛ فإنهما ممنوعان من الصرف مع أنهما ليس على وزن "أفعل"؛ لكنها على وزن يكثر في الفعل؛ كأبيطر، مضارع بيطر، إذا عالج الدواب، والهمزة فيه تدل على التكلم، وكان الأولى بالمصنف أن يعلق المنع على "وزن الفعل" لا على "وزن أفعل"؛ ليشمل الوزن الخاص بالفعل؛ نحو: أجمل وأشرف، والوزن المشترك بين الأسماء والأفعال، ولكن الفعل به أولى لغلبته فيه، أو لدلالته على معنى فيه دون الاسم، نحو: "أحيمر، وأفيضل" كما بينا.

(2)

لأن ما تلحقه التاء من الصفات، ضعيف الشبه بلفظ المضارع، لأن التاء التأنيث لا تلحقه، ويشترط أيضًا: أن تكون وصيفته أصلية لا طارئة، كما مر في سابقه.

(3)

أي: وأبيض وأسود؛ فإن المؤنث حمراء، وبيضاء، وسوداء.

(4)

الأكمر: عظيم الكمرة؛ وهي رأس الذكر، والآدر: عظيم الأنثيين؛ فهذه الأنواع الثلاثة ممنوعة من الصرف للوصف الأصلي ووزن "أفعل"، وهذا الوزن أصل في الفعل وهو به أولى؛ لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم، وما كانت زيادته لمعنى، أصل لغيره وأولى منه؛ لأن الأصل في الزيادة أن تكون لمعنى، وفي الوصفية ووزن الفعل يقول الناظم:

ووصف أصلي ووزن "أفعلا"

ممنوع تأنيث بتا كأشهلا

أي يمنع الاسم من الصرف للوصف الأصلي، إذا كان على وزن "أفعل" -أي وزن الفعل- الممنوع تأنيثه بالتاء؛ مثل "أشهل"؛ فإن مؤنثه شهلاء، والشهل: أن يشوب بياض العين حمرة أو زرقة.

(5)

أي: مع أنه صفة لنسوة، وفيه وزن الفعل.

* "ووصف" معطوف على "زائدا فعلان"، أو مبتدأ خبره محذوف. "أصلي" نعت لوصف. "ووزن" معطوف على وصف. "أفعلا" مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. "ممنوع تأنيث" ممنوع حال من أفعلا، وتأنيث مضاف إليه. "بتا" متعلق بتأنيث. "كأشهلا" خبر لمبتدأ محذوف، والألف للإطلاق.

ص: 371

من الوصفية، وأيضًا فإنه قابل للتاء

(1)

.

وإنما منع بعضهم صرف باب "أبطح"

(2)

، و"أدهم"، للقيد

(3)

، و"أسود" و"أرقم" للحية

(4)

، مع أنها أسماء؛ لأنها وضعت صفات؛ فلم يلتفت إلى ما طرأ لها من الاسمية

(5)

. وربما اعتد بعضهم باسميتها فصرفها.

وأما "أجدل" للصقر، و"أخيل" لطائر ذي خيلان

(6)

، و"أفعى" للحية؛ فإنها اسماء في

(1)

أي: أنه فقد الشرطين معا؛ لأن وصفيته طارئة؛ فإن الأصل فيه أن يستعمل اسما للعدد المخصوص؛ ولأن مؤنثه يكون بالتاء؛ تقول: سافرت أياماً أربعة، أما إذا استعمل "أربع" في مجرد العدد؛ بأن قصد به الكمية العددية المذكورة، فيمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل؛ لأنه قصد لفظه فصار علمًا؛ تقول: أربع اسم من أسماء العدد، ومثله:"أرنب"، في قولك:"هذا رجفل أرنب"؛ أي ضعيف؛ فلا يمنع من الصرف، لأن وصفيته عارضة، أصله اسم للحيوان المعروف، ممنوع من الصرف؛ للعلمية ووزن الفعل.

(2)

الأبطح: اسم للمكان الواسع يجري فيه الماء بين دقاق الحصي، وأصله: وصف للشيء المرتمي على وجهه، وبابه، الصفات بالأمكنة؛ كالأجرع، للمكان المستوى، والأبرق، للأرض الخشنة التي تختلط فيها الحجارة والرمل والطين، وأصله: وصف لكل شيء لامع براق.

(3)

اسم للقيد المصنوع من الحديد، وأصله وصف للشيء الذي فيه دُهمة؛ أي سواد، وبابه: الصفات العامة.

(4)

"أسود" اسم للثعبان الأسود، وأصله: وصف لكل شيء أسود، و"أرقم": اسم للثعبان الذي ينتشر على جلده نقط بيض وسود؛ كالرقم، وأصله: وصف للشيء المرقوم؛ أي المنقط.

(5)

أي الاسمية المجردة الخالية من الوصفية والعلمية، وذكره سيبويه: أن العرب لم تختلف في منع صرف: أدهم، وأسود، وأرقم، وأبطح، وأجرع، وأبرق، وورد أن بعض العرب يصرف الثلاثة الأخيرة.

(6)

جمع خال: وهي النقطة التي يخالف لونها سائر الجسم، وتسمى "الشامة" وقيل: هو طائر أخضر اللون على جناحيه نقط؛ كالخيلان، تخالف لونه، ويسمى "الشقراق"، والعرب

ص: 372

الأصل والحال؛ فلهذا صرفت في لغة الأكثر. وبعضهم يمنع صرفها للمح معنى الصفة فيها، وهي:"القوة"، والتلون" والإيذاء

(1)

؛ قال:

فراخ القطا لاقين أجدل بازيا

(2)

وقال:

فما طائري يومًا عليك بأخيلا

(3)

تتشاءم منه؛ فتقول: أشأم من أخيل.

(1)

القوة بالنسبة للأجدل؛ لأنه مشتق من الجدل؛ وهو الشدة، والتلون بالنسبة للأخيل؛ لأنه من المخيول؛ وهو الكثير الخيلان، والإيذاء بالنسبة للأفعى؛ لما يلحظ فيها من الإيذاء الذي اشتهرت به، وقيل: إنها مشتقة من فوعة السم؛ أي شدة، وأصل مادتها "ف ع و "بدليل "الأفعوان".

(2)

عجز بيت من الطويل لعمير بن شُييم المعروف بالقطامي، يفخر علي بن عقيل، وصدره:

كأن العقيليين يوم لقيتهم

اللغة والإعراب: العقيليين: جمع عقيلي؛ نسبة إلى قبيلة عقيل. فراخ القطا: الفراخ: جمع فرخ؛ وهو الصغير من الطيور، والقطا: جمع قطاة، وهي نوع من الطير يشبه الحمام. أجدل: هو الصقر. بازيا: اسم فاعل من بزا عليه. إذا تطاول عليه وغلبه، إذا تطاول عليه وغلبه، والبازي: طائر معروف، وهو نوع من الصقور. "كأن" حرف توكيد ونصب. "العقيلين" اسم كأن "يوم" ظرف متعلق بكأن؛ لتضمنها معنى أشبه. "لقيتهم" الجملة في محل جر بإضافة يوم إليها. "فراخ القطا" فراخ خبر كأن، والقطا مضاف إليه. "لاقين" فعل وفاعل، والجملة حال. "أجدل" مفعول لاقين. "بازيا" صفة لأجدل، أو معطوف عليه بحذف العاطف للضرورة إذا أريد به الطير المشهور.

المعنى: يصف نفسه بالقوة والشجاعة، ويرمي عقيلا بالضعف وعدم الثبات عند اللقاء في معارك الحرب، وأنهم حين تقاتلوا كان العقيليون كفراخ القطا، وكان هو كالصقر والبازي، ولا تستطيع الفراخ من القطا -وهي ضعيفة- أن تثبت أمام الصقور الكواسر.

الشاهد: منع "أجدل" من الصرف، مع أنه اسم لا وصف؛ والسبب في ذلك لمح ما فيه من الوصفية؛ وهي القوة والشدة، فصار فيه الوصفية المتخيلة، ووزن الفعل فمنع.

(3)

عجز بيت من الطويل، لسيدنا حسان بن ثابت، يخاطب امرأته، وصدره:

ص: 373

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي

وقبله:

لك الخير غضي اللوم عني فإنني

أحب من الاخلاق ما كان أجملا

اللغة والإعراب: ذريني: دعيني واتركيني، والمضارع يذر، والماضي من هذه المادة غير مستعمل. شيمتي: خلقي وطبيعتي. "ذريني" فعل أمر مبني على حذف النون، والياء الأولى للمخاطبة فاعل، والنون للوقاية، والياء الثانية للمتكلم مفعول. "وعلمي" الواو للمعية بمعنى مع، وعلمي مفعول به. "وشيمتي" معطوفة عليه. "فما" الفاء للتعلي، و"ما" نافية. "طائري" اسم "ما" على أنها حجازية، أو مبتدأ على أنها تميمة. "يوما" ظرف متعلق بأخيلاء لما فيه من معنى الوصف، وكذلك عليك. "بأخيلا" خبر "ما" على زيادة الباء، ممنوع من الصرف، للوصفية ووزن الفعل، أو خبر المبتدأ على ما أوضحنا.

المعنى: أتركيني وخبرتي وسجيتي؛ فما كنت في يوم من الأيام شؤما عليك.

الشاهد: في قوله "أخيلا"؛ حيث منع من الصرف وجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، مع أنه اسم الطائر المعروف، ولكن لما لمحت فيه الصفة -وهي التلون- منع من الصرف لهذه الوصفية المتخيلة ووزن الفعل.

الخلاصة

أن لـ"أفعل" بالنظر للوصفية، ثلاث حالات.

أ- أن تكون صفة في الأصل والحال؛ مثل: أعلم، أحمر، وهذه ممنوع من الصرف إجماعًا.

ب- أن تكون اسما في الأصل، ثم عرضت الوصفية؛ مثل: أربع، وأرنب، وهذه مصروفة إجماعًا، وتلغي الوصفية العارضة.

جـ- أن تكون صفة في الأصل، ثم عرضت الاسمية، مثل: أدهم، وأسود، وهذه ممنوعة من الصرف، وتلغي الاسمية العارضة.

أما أجدل وأخيل وأفعى، فقيل: مصروفة وهو الأشهر، وقيل: ممنوعة من الصرف، وإلى الوصفية الطارئة والاسمية الطارئة وحكمها والتمثيل لهما، أشار الناظم بقوله:

وألغين عارض الوصفية

كاربع وعارض الإسمية

فالأدهم القيد لكونه وضع

في الأصل وصفًا انصرافه منع

ص: 374

وأما ذو العدل؛

(1)

فنوعان:

أحدهما: موازن "فعال"، و"مفعل" من الواحد إلى الأربعة باتفاق، وفي الباقي على الأصح

(2)

، وهي معدولة عن ألفاظ العدد الأصول مكررة؛ فأصل جاء القوم أحاد، جاءوا

وأجدل وأخيل وأفعى

مصروفة وقد ينلن المنعا

أي ألغ الوصفية العراضة ولا تعتد بها في الصرف، في الاسم الذي على وزن "أفعل"؛ كالتي في أربع، وكذلك ألغ الاسمية العارضة فيما هو صفة في الأصل؛ فالأدهم -وهو اسم للقيد- ممنوع من الصرف مراعاة لأصله، وهو الوصف للشيء الأسود.

أما أجدل، وأخيل، وأفعى، فمصروفة؛ لأنها أسماء وليست بصفات، وبعضهم يمنعها من الصرف؛ لتخيل معنى الوصفية فيها، على النحو الذي بسطناه.

(1)

العدل هو: تحويل الاسم من حالة لفظية إلى أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، بشرط ألا نحو:"أيس" مقلوب "يئس"، ولا "فخذ"، مخفف فخذ، ولا "كوثر" بزيادة الواو؛ لإلحاقه بجعفر، ولا "رجيل" بالتصغير؛ لإفادة التحقير؛ لأن هذا كله لا يسمى معدولا. والعدل قسمان: تحقيقي؛ وهو: الذي يدل عليه دليل غير منع الصرف؛ كالعدل في سرح، وأخر، ومثنى؛ فإن دليل العدل فيها ورود كل منها مسموعا عن العرب، بصيغة تخالف الصيغاة الممنوعة من الصرف، مع اتحاد المعنى في الصيغتين، وتقديري؛ وهو: ما يمنع فيه العلم من الصرف سماعًا، من غير أن تكون مع العلمية علة أخرى تضم إليها في منع الصرف؛ فيقدر فيه العدل؛ لئلا يكن المنع بالعلمية وحدها، وهذا النوع خاص بالأعلام، كعمر، وزفر، وجشم

إلخ.

(2)

ويرى أبو عبيدة: أن المسموع من واحد إلى أربعة لا غير، ويقول الكوفيون إن المسموع من واحد إلى خمسة وعشرة، وما بين الخمسة والعشرة مقيس.

* "عارض الوصفية" عارض مفعول الغين، والصوفية مضاف إليه. "كأربع" خبر المبتدأ محذوف. "وعارض الاسمية" معطوف على عارض السابق، ومضاف إليه. "فالأدهم" مبتدأ. "القيد" بدل أو عطف بيان مفسر للأدهم. "لكونه" متعلق بمنع، وهو مصدر كان الناقضة مضاف إلى اسمه، وجملة "وضع" خبره، ونائب الفاعل يعود إلى الأدهم. "في الأصل" متعلق بوضع. "وصفا" حال من ضمير وضع. "انصرافه منع" مبتدأ ثان وخبر، والجملة خبر الأدهم. "وأجدل" مبتدأ. "وأخيل وأفعى" معطوفان عليه. "مصروفة خبر. "المنعا" مفعول بنان.

ص: 375

واحدًا

(1)

، وكذا الباقي.

ولا تستعمل هذه الألفاظ إلا نعوتًا؛ نحو: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}

(2)

، أو أحوالًا؛ نحو:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}

(3)

، أو أخبارًا، نحو:"صلاة الليل مثنى مثنى"

(4)

؛ وإنما كرر لقصد التوكيد، لا لإفادة التكرير.

الثاني: "أخر" في نحو: "مررت بنسوة أخر"؛ لأنها جمع لأخرى، و"الأخرى" أنثى "أخر" بالفتح بمعنى مغاير

(5)

، و"آخر" من باب اسم التفضيل، واسم التفضيل قياسه: أن يكون في حال تجرده من أل والإضافة مفردًا مذكرًا

(6)

؛ نحو: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} ، ونحو:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} ، إلى قوله -سبحانه:{أَحَبَّ إِلَيْكُم} ؛ فكان القياس أني قال: "مررت بامرأة آخر"، و"بنساء آخر"، و"برجال آخر"،

(1)

فعدل عن هذا المكرر إلى "أحاد"؛ تخفيفًا باختصار اللفظ، والدليل على العدل: أنها بمعنى المكرر، تفيد ما يفيده من التقسيم، وعلى الوصف: أنها لا تستعمل إلا كما ذكره المصنف.

(2)

"مثنى" صفة لأجنحة، مجرور بفتحة مقدرة على الألف نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للوصفية والعدل. "وثلاث ورابع" معطوفان على مثنى، وهذه الألفاظ لا تثنى ولا تجمع، أول سورة فاطر.

(3)

"مثنى وثلاث ورباع" أحوال من النساء، من الآية 3 من سورة النساء.

(4)

"مثنى" الأولى خبر "صلاة"، والثانية للتوكيد لا للتكرير؛ لأنه حاصل بالأولى، ومثل "آحاد": موحد، ومثل "مثنى"، ثناء كغراب.

(5)

أي مخالف، وهذا باعتبار الحال؛ وإلا فمعنى آخر -في الأصل- أشد تأخرا، يقابله في جمع المذكرين "آخرين"؛ بمعنى مغايرين ومخالفين.

(6)

أي في جميع استعمالاته، ولو كان جاريا على مثنى أو مجموع كما مثل المصنف أو على مؤنث؛ نحو: زينب أحب إلي من علي.

ص: 376

و"برجلين آخر"، ولكنهم قالوا: أخرى، وأخر، وآخرون، وآخران

(1)

؛ قال الله تعالى: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}

(2)

، {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر}

(3)

، {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا} ، {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ} .

وإنما خص النحويون "أخر" بالذكر؛ لأن في أخرى ألف التأنيث، وهي أوضح من العدل، "وآخرون، وآخران" معربان بالحروف؛ فلا مدخل لهما في هذا الباب، وأما آخر"؛ فلا عدل فيه؛ وإنما العدل في فروعه

(4)

، وإنما امتنع من الصرف للوصف والوزن. وإن كانت "أخرى" بمعنى آخرة

(5)

؛ نحو: {قَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُم} ، جمعت على "أخر" مصروفًا؛ لأن مذكرها "آخر"

(6)

بالكسر؛ بدليل: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} ، {ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ}

(7)

، فليست من باب اسم

(1)

فعدلوا عن الحكم العام والقياس مع لفظ "آخر"، وأنثوه مع المؤنث، وثنوه وجمعوه مع المثنى والجمع.

(2)

الأخرى هنا ليست معدولة، بل أنثت لاقترانها بأل، الآية 282 من سورة البقرة.

(3)

"أخر" صفة لأيام، ممنوع من الصرف للوصيفية والعدل، وقد اختلف في العدل فيه، فقال أكثر النحاة: إنه معدوول عن الآخر، معرفا بألن، لأنهه من باب أفعل التفضيل؛ فحقه ألا حكم بعدله عما يستحقه، والتحقيق: أنه معدول عن "آخر"، وهو ما كان يستحقه من الاستعمال بلفظ الواحد المذكر؛ لأنه أفعل تفضيل وقياسه الإفراد والتذكير في جميع الاستعمالات، إذا كان مجردًا من أل والإضافة.

(4)

وهي: المؤنث، والمثنى، والجمع.

(5)

وهي: المقابلة لكلمة "أولى".

(6)

أي الذي يقابل كملة "أول".

(7)

وجه الدلالة: أنه وصف النشأة في الآية الأولى بالأخرى، وفي الثانية بالآخرة، والقصة واحدة؛ فدل ذلك على أن معناها واحد.

ص: 377

التفضيل

(1)

:

وإذا سمي بشيء من هذه الأنواع

(2)

بقي على منع الصرف؛ لأن الصفة لما ذهبت بالتسمية خلفتها العلمية

(3)

.

النوع الثاني: ما لا ينصرف معرفة ونكرة؛ وهو سبعة.

أحدها: العلم المركب تركيب المزج

(4)

: كـ"بعلبك" و"حضرموت"، وقد يضاف أول

(1)

فليس فيها عدل.

(2)

أي الأنواع الثلاثة التي تمنع مع الوصفية؛ وهي: الوصف ذو الزيادتين، والموازن للفعل، والمعدول.

(3)

الذي ذهب إليه المصنف من منع الصرف بعد التسمية في الأنواع المذكورة رأي الجمهور، ويرى الأخفش والمبرد والفارسي: أنه إذا سمي بالممنوع من الصرف للوصفية والعدل؛ كمثنى، وثلاث، انصرف، وارتضى ابن عصفور هذا الرأي: وفي الوصفية مع العدل يقول الناظم:

ومنع عدل مع وصف معتبر

في لفظ "مثنى" و"ثلاث" و"أخر"

ووزن "مثنى" و"ثلاث" كهما

من واحد لأربع فليعلما

أي أن الاسم يمنع من الصرف للوصفية والعدل، في لفظ مثنى وثلاث على وزن "فعال" و"مفعل"، وفي لفظ "أخر" ومثل مثنى، وثلاث، ما كان على وزنهما من ألفاظ الأعداد الأربعة الأولى، وقد سمع في بقية الأعداد إلى عشار ومعشر؛ كما ذكر المصنف.

(4)

أي إذا كان معربا؛ بأن كان غير عددي، وغير مختوم بويه، والمركب المزجي -كما سبق في باب العلم- هو كل كلمتين امتزجا؛ أي اختلطتا؛ بأن اتصلت ثانيتهما بنهاية الأولى حتى صارتا كالكلمة الواحدة، ويفتح آخر الجزء الأول في الغالب؛ إلا إذا كان معتلا فيسكن كمعدي كرب، والإعراب والبناء على آخر الجزء الثاني على المشهور، فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، مع امتناع التنوين في الحالات الثلاث؛ كما هو الشأن في كل اسم ممنوع من الصرف مجرد من أل والإضافة.

* "ومنع عدل" منع مبتدأ، وعدل مضاف إليه. "مع وصف" مع ظرف متعلق بمحذوف صفة لعدل، ووصف مضاف إليه. "معتبر" خبر المبتدأ. "في لفظ" متعلق بمعتبر. "مثنى" مضاف إليه. "وثلاث وأخر" معطوفان على مثنى. "كهما" متعلق بمحذوف خبر وزن، ودخول الكاف على الضمير المنفصل نادر عند الناظم؛ كما سبق في باب حروف الجر. "من واحد لأربع" متعلقان بمحذوف حال من مضير الخبر. "فليعلما" اللام لام الأمر، و"يعلما" فعل مضارع للمجهول، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفا في الوقف محل جزم، ونائب الفاعل هو.

ص: 378

جزأيه إلى ثانيهما

(1)

، وقد يبنيان على الفتح

(2)

.

وعلى اللغات الثلاث؛ فإن كان آخر الأول معتلًا؛ كـ"معدي كرب"، و"قالي قلا"

(3)

، وجب سكونه مطلقًا

(4)

.

(1)

فيعرف الصدر بحسب العوامل، ويجر الثاني بالإضافة اللفظية، ويعطي العجز من الصرف وعدمه ما يستحقه لو كان مفردا، وعلى هذا يفضل الجزءان في الكتابة؛ فإذا كان فيه مع العلمية سبب آخر مؤثر، منع للصرف، وإلا صرف؛ نحو:"رام هرمز"، مدينة فارسية؛ تقول: في "رام هرمز" آثار عجيبة. "فرام" مجرور بفي، و"هرمز" مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، وكذلك حكم عجز العلم المركب تركيبا إضافيًا؛ فيمنع الصرف في نحو: أبي هريرة، وأبي عمر، وأبي يعقوب، ويصرف في نحو: عبد الله، وفتح الباب.

(2)

أي رفعًا ونصبًا وجرًا؛ كباء خمسة عشر ونحوهما، فيكون في آخر كل جزء فتحة لا تتغير في جميع الحالات، وهذا إذا كان آخر الجزء الأول صحيحًا.

(3)

اسم موضع.

(4)

أي: رفعًا ونصبًا وجرًا، معربًا، أو مبنيًا، يكون الجزء الثاني ممنوعا من الصرف، و"معدي كرب": اسم رجل في الأصل، مركب من جزأين:"معدي" اسم مكان أو زمان، من "عدا" بمعنى جاوز، و"كرب"؛ بمعنى فساد؛ كأنه قيل: عداه الفساد.

وفي منع الاسم من الصرف للعلمية والتركيب المزجي، يقول الناظم في إجمال:

والعلم امنع صرفه مركبا

تركيب مزج نحو "معدي كربا

* "والعلم" مفعول لمحذوف يفسره ما بعده. "صرفه" مفعول امتنع ومضاف إليه. "مركبا" حال من العلم "تركيب مزج" تركيب مفعول مطلق مبين للنوع. ومزج مضاف إليه. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "معدي كربا" مضاف إليه، وهو غير منصرف للعلمية والتركيب، والألف للإطلاق.

أي يمنع الاسم من الصرف، إذا كان علما مركبا تركيب مزح، فيجعل الإعراب على الجزء الثاني، ويمنع من الصرف للعلمية والتركيب.

ص: 379

الثاني: العلم ذو الزيادتين

(1)

؛ كـ"مروان" و"عمران" و"عثمان" و"غطفان" و"أصبهان".

(1)

سواء كان علمًا للإنسان أم لغيره، وقد مثل لهما المصنف، وعلامة زيادة الألف والنون، سقوطهما في بعض التصاريف؛ كما في "إنسان"، و"كفران" إذا ردا إلى نسي وكفر، فإن كانا فيما.

لا يتصرف؛ فعلامة الزيادة: أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصليين من غير تضعيف الثاني؛ نحو: عثمان، ومروان. فإن كان قبلهما حرفان أصليان؛ ثانيهما مضعف، جاز اعتبار الحرف الذي حصل به التضعيف أصلًا، فتكون النون أصلية، ومن أمثلة ذلك: حسان، عفان، حيان؛ فإن قدرتها من الحس، والعفة، والحياة، منعتها، ووزنها:"فعلان"، وإن قدرتها من الحسن، والعفن، والحين؛ بمعنى الهلاك، صرفتها، ووزنها "فعلال"، وإن كانت الألف والنون أصليتين؛ نحو:"خان"؛ بمعنى دكان، أو فندق، أو النون أصلية؛ نحو:"لسان" و"أمان" لم يمنع الاسم من الصرف، وفي منع الاسم من الصرف للعلمية مع الزيادة يقول الناظم:

كذاك حاوي زائدي "فعلانا"

كغطفان وكأصبهانا

أي: كذلك يمنع الاسم من الصرف؛ إذا كان علمًا خاويًا من الحرفين الزائدين في "فعلان"؛ وهما: الألف والنون؛ مثل "غطفان، فرع من قبيلة قيس العربية، و"أصبهان"، اسم مدينة بفارس.

وإذا أبدلت النون الزائدة لاما منع الاسم من الصرف؛ إذا كان مستوفيا شروط المنع؛ كقولهم: أصيلال، في "أصيلان" تصغير "أصيل"، وذلك إعطاء للمبدل حكم المبدل منه، فلو سمي به منع من الصرف. ولو كان العلم ذو الزيادتين مسموعًا عن العرب بصورة واحدة؛ هي المنع أو عدمه؛ فالأولى اتباع المسموع؛ كما في "حسان" شاعر الرسول، فإن المسموع عنهم منعه.

فلو سمي به منع من الصرف. ولو كان العلم ذو الزيادتين مسموعًا عن العرب بصورة واحدة؛ هي المنع أو عدمه؛ فالأولى اتباع المسموع؛ كما في "حسان" شاعر الرسول، فإن المسموع عنهم منعه.

* "كذاك" جار ومجرور متعلق بمحذوف، خبر مقدم. "حاوي" مبتدأ مؤخر. "زائدي" مضاف إليه. "فعلانا" مضاف إليه كذلك، وهو ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون. "كغطفان" خبر لمبتدأ محذوف. "وكأصبهانا" معطوف عليه.

ص: 380

الثالث: العلم المؤنث، ويتحتم منعه من الصرف إن كان بالتاء

(1)

؛ كـ"فاطمة" و"طلحة". أو زائدًا على ثلاثة؛ كـ"زينب" و"سعاد"

(2)

، أو محرك الوسط

(3)

؛ كـ"سقر" و"لظى"، أو أعجميًا؛ كـ"ماء" و"جور"

(4)

. أو منقولًا من المذكر إلى المؤنث

(5)

؛ كـ"زيد" اسم امرأة. ويجوز في نحو: "هند" و"دعد"

(6)

الصرف وتركه، وهو أولى، والزجاج يوجبه

(7)

، وقال عيسى والجرمي والمبرد في نحو:"زيد" اسم امرأة، إنه كان "هند"

(8)

.

(1)

سواء كان علمًا لمؤنث أو لمذكر كما مثل المصنف، ثلاثيًا؛ كهبة وأمة، أو غير ثلاثي؛ كعبلة وبثينة، ساكن الوسط أو متحركة؛ وإنما وجب المنع لوجود العملية فيه باعتبار وضعه، ولزوم علامة التأنيث في لفظه.

(2)

وذلك تنزيلا للحرف الرابع منزلة تاء التأنيث.

(3)

أي إذا كان غير زائد على الثلاثة؛ لقيام حركة الوسط مقام الحرف الرابع.

(4)

اسمان لبلدتين، والعجمة لا تحتم منع صرف الثلاثي؛ ولكن انضمامها إلى العلمية والتأنيث، حتم المنع؛ فهي مقوية للتأنيث لا غير.

(5)

لأنه حصل بنقله إلى المؤنث ثقل يعادل خفة اللفظ بالسكون ويجعلها كالعدم، فيرجع إلى تحتم المنع.

(6)

أي: ونحوهما؛ كفخذ، ودار، من كل ثلاثي ساكن الوسط إذا لم يكن أعجميًا، ولا منقولا من ذكر.

(7)

أي يوجب المنع، وحجته: أن سكون خفيف، فلا يغير حكما أوجبه اجتماع علتين تمنعان الصرف.

(8)

أي في جواز الوجهين، وقد استدلوا بقوله تعالى:{اهْبِطُوا مِصْرًا} ؛ فإن "مصر" في الأصل اسم المذكر، وهو مصر بن نوح- عليه السلام ثم نقل وجعل علما على البلدة، وهي مؤنثة؛ فصار كزيد المذكور. ورد: بأنه

ص: 381

الرابع: العلم الأعجمي؛ إن كانت علميته في اللغة العجمية

(1)

، وزاد على ثلاثة؛

يجوز أن يكون المراد مصرا من الأمصار، لا مصر المعروفة؛ فليس علما، أو المراد: المكان؛ فيكون علما لمذكر. وفي العلم المؤنث يقول الناظم:

كذا مؤنث بهاء مطلقا

وشرط منع العار كونه ارتقى

فوق الثلاث أو كجور أو سقر

أو زيد اسم امرأة لا اسم ذكر

وجهان في العادم تذكيرًا سبق

وعجمة كهند والمنع أحق

أي كذلك يمنع الاسم من الصرف علم مؤنث بالهاء؛ أي بتاء التأنيث مطلقا، ويشترط في منع العلم المؤنث العاري من تاء التأنيث ارتقاء أحرفه على الثلاثة؛ أي: زيادتها عليها، أو أن يكون أعجميًا؛ مثل: جور، أو يكون ثلاثيًا محرك الوسط؛ نحو: سقر، أو يكون علما منقولا من مذكر لمؤنث؛ كزيد، علم امرأة.

ويصح الوجهان في العلم الذي عدم وفقد التذكير السابق وصفه، وفقد كذلك العجمة، وكان ساكن الوسط؛ مثل: هند، والمنع أولى.

الخلاصة:

أن العلم المؤنث يجب منعه من الصرف، إلا إذا كان ثنائيًا أو ثلاثيًا ساكن الوسط، غير أعجمي، وغير منقول من مذكر؛ ففي هاتين الحالتين يصح المنع وعدمه.

هذا: ويجوز في أسماء القبائل والأرضين: الصرف؛ على تأويلها بالحي والمكان، وعدمه؛ على إرادة القبيلة والبقعة، إلا إذا سمع أحدهما فلا يتجاوز، و"مصر" عند تأويله بالبقعة، يتعين منعه؛ لأنه منقول من مذكر، وليس كهند.

(1)

المراد بالأعجمي: ما عدا العربي، فيشمل كل لغة أجنبية، ثم ينتقل في اللغة العربية علما،

* "كذا" خبر مقدم. "مؤنث" مبتدأ مؤخر. "بهاء" متعلق بمؤنث. "مطلقا" حال من ضمير الخبر. "وشرط" مبتدأ. "منع" مضاف إليه. "العار" مضاف إليه مفعول لمنع من إضافة المصدر لمفعوله. وهو بحذف الياء استغناء عنها بالكسرة. "كونه" خبر المبتدأ، والهاء اسم الكون الناقص، مضاف إليه. "ارتقى" الجملة خبر. "فوق الثلاث" فوق ظرف متعلق بارتقى، والثلاث مضاف إليه. "أو كجور" معطوف على محل ارتقى. "أو سقر أو زيد" معطوفان على جور. "اسم امرأة" اسم حال من زيد، وامرأة مضاف إليه. "لا اسم ذكر" معطوف بلا على اسم امرأة، ومضاف إليه. "وجهان في العادم" مبتدأ وخبر. "تذكيرا" مفعول العادم. "سبق" فعل، وفاعله يعود لتذكير، والجملة نعت له. "وعجمية" معطوف على تذكيرا. "كهند" خبر لمبتدأ محذوف. "والمنع أحق" مبتدأ وخبر.

ص: 382

كـ"إبراهيم" و"إسماعيل". وإذا سمي بنحو: "لجام" و"فرند"

(1)

صرف؛ لحدوث علميته، ونحو:"نوح" و"لوط" و"شتر" مصروفة

(2)

، وقيل: الساكن الوسط ذو وجهين، والمحركة متحتم المنع.

وقد يدخل عليه بعض تغيير يسير في الحروف والحركات؛ لتخفيف النطق، أو لتقريبه من الصيغ العربية، وتعرف العجمة بنقل الأئمة، أو بخروج وزن الاسم عن الأوزان العربية للأسماء، مثل إبراهيم، وإبريسم، أو أن يكون الاسم رباعيًا أو خماسيًا مع خلوه من حروف الذلاقة الستة، التي جمعها بعضهم في "مر بنفل"، أو أن يجتمع فيه من أنواع الحروف ما لا يجتمع في الكلمة العربية الصحيحة؛ كالجيم مع القاف؛ مثل: جُرموق، أو مع الصاد؛ مثل: صولجان، أو مع الكاف؛ مثل: سكرجة، وكالراء بعد النون في أول الكلمة؛ مثل: نرجس، والزاي بعد الدال؛ مثل: مهند.

(1)

اللجام: ما يوضع في فم الفرس ونحوه. والفرند: السيف وجوهره ووشيه، وهو فارسي معرب، وكل منهما اسم جنس في اللغة الأجنبية، ثم نقله العرب كذلك، ثم استعملوه علما.

ومن ذلك يعرف أن الشرط في منع الصرف: أن يكون الاسم علما في اللغة الأجنبية، ثم ينتقل إلى العربية علما فيها، ولم يشترط بعضهم علميته في اللسان الأعجمي قبل نقله.

(2)

أي لكونها ثلاثية، والشرط في المنع الزيادة على الثلاثة، و"شتر" اسم قلعة بأذربيجان، وفي منع الصرف للعلمية مع العجمة، يقول الناظم:

والعجمي الوضع والتعريف مع

زيد على الثلاث صرفه امتنع

أي أن الاسم العجمي -وضعه وتعريفه- بأن يكون اسما معرفة بالعلمية في لغة العجم، الزائد على ثلاثة أحرف، يمنع من الصرف للعلمية والعجمة. والناظم يرى أن يكون الاسم الأعجمي علما قبل نقله، وقد علمت أن بعضهم لا يشترط ذلك.

* "والعجمي الوضع" مبتدأ أول، ومضاف إليه، من إضافة الوصف لمرفوعه. "مع" ظرف متعلق بمحذوف، حال من الضمير في العجمي؛ لتأويله بالمشتق. "زيد" مضاف إليه. "على الثلاث" جار ومجرور متعلق بزيد؛ لأنه مصدر بمعنى زيادة. "صرفه امتنع" صرفه مبتدأ ثان ومضاف إليه، وجملة امتنع خبر، والجملة من المبتدأ والخبر خبر العجمي.

ص: 383

الخامس: العلم الموازن للفعل

(1)

، والمعتبر من وزن الفعل أنواع:

أحدها: الوزن الذي يخص الفعل

(2)

؛ كـ"خضم" لمكان، "شمر" لفرس، و"دئل" لقبيلة، وكـ"انطلق" و"استخرج" و"تقاتل" أعلامًا.

الثاني: الوزن الذي به الفعل أولى؛ لكونه غالبًا فيه

(3)

كـ"إثمد" و"إصبع" و"إبلم"

تنبيه:

أسماء الأنبياء عليهم السلام ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة؛ إلا: محمدا، صالحًا، شعيبًا، هودا، لوطا، نوحا، شيثا، وكذلك أسماء الملائكة، ما عدا: مالك، منكر، نكير، ورضوان ممنوع للعلمية وزيادة الألف والنون، وإبليس ممنوع أيضًا للعلمية والعجمة، أو للعلمية وشبه العجمة؛ على اعتبار أنه عربي الأصل، وإذا سمي بصيغة جمع المذكر السالم؛ كمحمدون وزيدون، يمنع من الصرف للعلمية وشبه العجمة؛ لما فيه من الزيادة التي لا تقع في المفرد عند العرب.

(1)

سواء أكان الفعل ماضيًا، أم مضارعًا أم أمرًا.

(2)

وهو الذي لا يوجد في غيره إلا نادرا؛ سواء كان الوزن خاصا بالماضي وحده؛ كالمضعف العين المبني للمعلوم؛ مثل كلم، وصرح، والمبني للمجهول، مثل: حوكم، وعوفي، والمبدوء بهمزة الوصل أو بتاء زائدة للمطاوعة، أو غير المطاوعة؛ نحو: انتقع، وتقاتل، وتبين، فإذا جعلت هذه الأفعال أعلاما، وجب منعها من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وتصير همزة الوصل التي في أولها همزة قطع. أو كان الوزن خاصا بالمضارع، أو بالأمر من غير الثلاثي؛ نحو: يدحرج، ينطلق، يستخرج، والأمر منها.

أما الأمر من الفعل الدال على المفاعلة فليس خاصًا بالفعل؛ كضارب، وقادم، وقاتل؛ أمر من ضارب، وقادم، وقاتل؛ وذلك لأن نظيرها من الأسماء كثير؛ مثل: راكب، فاضل، صاحب.

ولا يخرج الصيغة عن اختصاصها بالفعل استعمالها في غيره نادرا؛ كاستعمال "فعل" علما؛ مثل: "خضم"، علم لرجل تميمي، و"شمر" علم لفرس، و"دئل" علم قبيلة، أو أن يكون لها نظير في لغة الأعاجم؛ مثل "إستبرق"، و"بقم"، علم صيغ.

(3)

وذلك كصيغة "إفعل"، و"إفعل"، و"أفعل"، وقد مثل لها المصنف. والإثمد: اسم حجر للكحل، وأبلم، نوع من البقل؛ فإذا سمي بعلم منقول من هذه الصيغ، وجب منعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وهذا النوع الغالب يكون في الأعلام؛ نحو: يعرب، ويزيد، وفي الصفات: كأحمر، وأصفر.

"والعجمي الوضع" مبتدأ أول، ومضاف إليه، من إضافة الوصف لمرفوعه. "مع" ظرف متعلق بمحذوف، حال من الضمير في العجمي؛ لتأويله بالمشتق. "زيد" مضاف إليه. "على الثلاث" جار ومجرور متعلق بزيد؛ لأنه مصدر بمعنى زيادة. "صرفه امتنع" صرفه مبتدأ ثان ومضاف إليه، وجملة امتنع خبر، والجملة من المبتدأ والخبر خبر العجمي.

ص: 384

أعلامًا؛ فإن وجود موازنها في الفعل أكثر؛ كالأمر من: ضرب، وذهب، وكتب.

الثالث: الوزن الذي به الفعل أولى؛ لكونه مبدوءًا بزيادة تدل في الفعل ولا تدل في الاسم؛ نحو: "أفكل"

(1)

و"أكلب"؛ فإن الهمزة فيهما لا تدل، وهي في موازنهما من الفعل؛ نحو: أذهب وأكتب، دالة على المتكلم

(2)

.

ثم لابد من كون الوزن لازمًا باقيًا غير مخالف لطريقة الفعل.

فخرج بالأول

(3)

نحو: "امرؤ" علمًا؛ فإنه في النصب نظير اذهب، وفي الجر نظير اضرب؛ فلم يبق على حلى حالة واحدة

(4)

.

وبالثاني

(5)

نحو: "رد" و"قيل" و"بيع"؛ فإن أصلها "فعل"، ثم صارت بمنزلة "قفل" و"ديك" فوجب صرفها

(6)

، ولو سميت بضرب -مخففا من ضرب- انصرف اتفاقًا

(7)

،

(1)

اسم للرعدة والرعشة؛ يقال: نزل به الأفكل، أي أصابته رعدة.

(2)

وكذلك نحو: "تتفل" اسم للثعلب أو جروه؛ فإنها على وزن "تنصر"، والتاء في تنصر تدل على المخاطب أو المؤنثة الغائبة، ولا تدل على شيء في "تتفل" فإذا جاء العلم على وزن مشترك ولكنه بالفعل أولى للسبب المذكور، منع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، أما إذا كان على وزن مشترك بين الأسماء والأفعال على السواء فلا يمنع من الصرف؛ مثل: شجر، وجعفر.

(3)

أي: وهو كون الوزن لازما.

(4)

وعلى ذلك يكون قد فارق الفعل بعدم لزوم عينه حركة واحدة؛ فيصرف لمخالفة الفعل.

(5)

أي وهو البقاء على حالته الأصلية.

(6)

لأن وزن الفعل هنا ليس أصليًا خاليًا من تغيير سابق؛ بل إنه خرج بالنقل والإعلال عن الحالة الأصلية التي كان بها موازنًا للفعل.

(7)

لأن التخفيف سابق على التسمية، والصيغة المستحدثة لا يعتد بها في منع العلم من الصرف.

ص: 385

ولو سميت بضرب ثم خففته، انصرف أيضًا عند سيبويه، وخالفه المبرد؛ لأنه تغيير عارض

(1)

.

وبالثالث

(2)

نحو: "ألبب" بالضم، جمع لب علمًا؛ لأنه قد باين الفعل بالفك

(3)

، قاله أبو الحسن

(4)

، وخولف لوجود الموازنة

(5)

.

ولا يؤثرون وزن هو بالاسم أولى

(6)

. . . . . . . . . . .

(1)

فالخلاف بين سيبويه والمبرد في السكون العارض للتخفيف بعد التسمية؛ هل يعتبر كالسكون الأصلي فيستوجب الصرف، أم لا؟

(2)

أي: وهو كونه غير مخالف لطريقة الفعل.

(3)

لأنه الآن على وزن "أنصر"، أو "اكتب" والمضارع الذي على وزنه يغلب على عينه ولامه الإدغام، إذا كان من نوع واحد؛ نحو: أشد، وأعد، فضعف اعتبار الوزن فيصرف.

(4)

هو الأخفش البصري، انظر صفحة 159 جزء أول.

(5)

أي أنه يوازن "اكتب"؛ فيمنع من الصرف لذلك، والفك رجوع إلى أصل متروك فلا يمنع من اعتبار وزن الفعل، على أن الفك قد يدخل الفعل لزوما كاشدد في التعجب، وجواز في مثل اردد، ولم يردد، وفي بعض ألفاظ مسموعة، وهذا الرأي لسيبويه، وهو أفضل وأولى بالاتباع، وإلى ما تقدم يشير الناظم، وقد اقتصر على النوعين الأولين، بقوله:

كذاك ذو وزن يخص الفعلا

أو غالب كأحمد ويعلى

أي كذلك يمنع الاسم من الصرف، إذا كان علما، وهو على وزن يختص بالفعل أو يغلب؛ فالمختص نحو:"يعلى"، علما، والغالب نحو "احمد"، وهو علم منقول من المضارع، أو من أفعل التفضيل الذي فعله "حمد"، فيكون منقولا من وصف.

(6)

وذلك مثل "فاعل"؛ نحو: "كاهل"، علما؛ فإنه -وإن وجد في الفعل؛ كضارب وقاتل- إلا أنه في الاسم أولى لكثرته فيه.

ص: 386

ولا وزن هو فيهما على السواء

(1)

، وقال عيسى

(2)

: إلا أن يكونا منقولين من الفعل

(3)

؛ كالأمر من ضارب، وكضرب ودحرج، أعلامًا، واحتج بقوله:

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

(4)

وأجيب: بأنه يحتمل أن يكون سمي بـ"جلا"؛ من قولك: "زيد جلا"؛ ففيه ضمير،

(1)

وذلك مثل "فعل"، و"فعلل"؛ نحو: شجر، وضرب، وجعفر، ودحرج.

(2)

هو عيسى بن عمر، شيخ سيبويه والخليل. انظر صفحة 261 من هذا الجزء.

(3)

أي فإنهما يؤثران بالمنع من الصرف.

(4)

صدر بيت من الوافر، لسحيم بن وثيل الرياحي، وكان صاحب غارات، وقد تمثل به الحجاج وهو يخطب في أهل العراق، وعجزه:

متى أضع العمامة تعرفوني

اللغة والإعراب: جلا: كشف، طلاع: صيغة مبالغة من الطلوع وهو الصعود. الثنايا: جمع ثنية؛ وهي العقبة، أو الجبل، أو الطريق إليهما، والمراد: مقتحم الشدائد، العمامة: يريد: ما تلبس في الحرب، وتوضع في السلم؛ وهي البيضة أو المغفر. "أنا ابن" مبتدأ وخبر. "جلا" مضاف إليه ممنوع من الصرف، للعلمية ووزن الفعل، وهوعلم منقول من الفعل، أو "جلا" فعل ماض، وفاعله يعود على "رجل" مقدر بعد ابن، مضاف إليه، والجملة صفة لرجل المقدر؛ أي: أنا ابن رجل جلا الأمور. "وطلاع" معطوف على ابن. "الثنايا" مضاف إليه. "متى" اسم شرط جازم. "أضع" فعل مضارع مجزوم، فعل الشرط. "تعرفوني" جواب الشرط.

المعنى: أن ابن رجل كشف الأمور، ومقتحم صعابها، ومذلل عظمائها، متى أضع على رأسي عمامة الحرب تعرفوا شجاعتي ومبلغ مقدرتي. وقيل: المراد بوضع العمامة: إزالتها عن الرأس استعداد للحرب.

الشاهد: في "جلا"؛ فقد استدل به عيسى بن عمر، على أنه علم منقول من الفعل الماضي، وأنه إذا سمي بنحو "ضرب" منع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وأجاب الجمهور بما ذكره المصنف.

ص: 387

وهو من باب المحكيات

(1)

؛ كقوله:

نبئت أخوالي بن يزيد

(2)

وأن يكون ليس بعلم؛ بل صفة لمحذوف

(3)

؛ أي: ابن رجل جلا الأمور.

السادس: العلم المختوم بألف الإلحاق المقصورة

(4)

؛. . . . . . . . . . .

(1)

فيكون "جلا" وفاعله جملة محكية مسمى بها، فالنقل عن الجملة، وعدم التنوين للحكاية، لا لمنع الصرف.

(2)

بيت من الرجز المشطور، ينسب لرؤبة بن العجاج، وقد سبق شرحه في"باب العلم"، الجزء الأول، صفحة 127.

الشاهد فيه هنا: في "يزيد"، فهو علم منقول عن فعل مضارع، وضميره المستتر فيه، وقد حكي على ما كان عليه قبل العلمية؛ بدليل رفعه مع أنه مضاف إليه، ولو كان منقولا عن الفعل وحده، لجر بالإضافة بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه حينئذ يكون ممنوعا من الصرف للعلمية ووزن الفعل.

(3)

فهو فعل ماض، وفيه ضمير مستتر هو فاعله، والجملة صفة لموصوف محذوف كما أوضحنا في الأعراب. وعلى القول بأن "جلا" اسم أصله "جلاء"؛ فهو مصدر ممدود، وقصر للضرورة، ومعناه: الوضوح والظهور، وقيل: هو اسم مقصور، ومعناه: انحسار الشعر عن مقدم الرأس.

(4)

ألف الإلحاق هي: ألف زائدة مقصورة أو ممدودة، تدخل بعض الأسماء وتلزمها؛ ليصير الاسم على وزن اسم آخر، ويخضع لبعض الأحكام اللغوية التي يخضع لها ذلك الاسم الآخر، ومنها الصرف وعدمه؛ وإنما منعت ألف الإلحاق المقصورة؛ لأنها زائدة لازمة، وزيادتها جعلتها على وزن "فعلى" المختومة بألف التأنيث المقصورة اللازمة التي يمنع صرف الاسم بسببها؛ فلما أشبهتها ألف الإلحاق في الزيادة واللزوم، وفي أن كلا غير مبدل من شيء آخر، وأن ألف الإلحاق المقصورة لا تكون إلا في وزن خاص بألف التأنيث، امتنع صرفه معها؛ كما يمنع مع ألف التأنيث.

ويقال في الإعراب: ممنوع من الصرف للعلمية، وشبه ألف الإلحاق بألف التأنيث، أما ألف الإلحاق الممدودة؛ مثل "علياء" فلا تمنع من الصرف مطلقا.

ص: 388

كـ"علقى" و"أرطى" علمين

(1)

.

السابع: المعرفة المعدولة؛ وهي خمسة أنواع:

أحدها: "فعل" في التوكيد، وهي:"جمع"، و"كتع"، و"بصع"، و"بتع"

(2)

؛ فإنها معارف بنية الإضافة إلى المؤكد

(3)

، ومعدولة عن "فعلاوات"؛ فإن مفرداتها. . . . . . . . . . .

هذا: ويجوز في الاسم المختوم بألف الإلحاق: أن تلحقه تاء التأنيث مع التنوين، بشرط أن يكو غير علم؛ تقول: هذا أرطاة، أو علقاة، ولكنهما لا يلحقان ألف التأنيث مطلقا. وقد استعمل بعض الأسماء منونا بجعل ألفه للإلحاق؛ فلا يمنع من الصرف، وغير منون بجعلها للتأنيث؛ فيمنع من الصرف، وبهما قرئ في السبع "تترى" في قوله تعالى:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} ، من الآية 44 من سورة المؤمنون.

(1)

"علقى": اسم لنبت تتخذ من سيقانه المكانس، و"أرطى": شجر له نور وثمر كالعناب، وهما ملحقان بجعفر. وفي منع الصرف للعلمية وألف الإلحاق يقول الناظم:

وما يصير علمًا من ذي ألف

زيدت لإلحاق فليس ينصرف*

أي: ويمنع صرف الاسم إذا كان علما فيه ألف زائدة مقصورة للإلحاق.

(2)

كتع، جمع كتعاء؛ من تكتع الجلد، إذا اجتمع، وبصع، من البصع، وهو العرق المجتمع، وبتع، من البتع، وهو طول العنق مع قوة تماسك أجزائه؛ فإذا قلت: احتفيت بالمهاجرات كلهن، جمع، كتع، بتع، بصع، فالألفاظ الأربعة توكيد للمهاجرات، مجرورة بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعدل أو مع وزن "فعل".

(3)

فإنهم يقولون: إن أصل جاء النساء جمع - مثلا- "جمعهن"؛ فحذف الضمير للعلم به ونوي؛ فشابهت بذلك العلم؛ من جهة أنها معرفة بدون قرينة لفظية، وهذا هو الصحيح. ويقال: ممنوع من الصرف؛ لشبه العلمية والعدل، وقيل: إن هذه الألفاظ معارف بالعلمية؛ لأن كل واحد منها علم جنس على الإحاطة والشمول.

*"وما" اسم موصول مبتدأ. "يصير علما" الجملة من يصير اسمها وخبرها صلة. "من ذي" جار ومجرور متعلق بيصير على القول بجواز التعليق بالفعل الناقص، أو حال من مرفوع يصير. "ألف" مضاف إليه. "زيدت لإلحاق" الجملة صفة لألف؛ "فليس ينصرف" جملة ليس ومعموليها خبر المبتدأ، وهو ما، وزيدت الفاء في جملة الخبر لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام.

ص: 389

جمعاء، وكتعاء، وبصعاء، وبتعاء. وإنما قياس "فعلاء" إذا كان اسماً أن يجمع على "فعلاوات"؛ كـ"صحراء"، و"صحراوات"

(1)

.

الثاني: "سحر" إذا أريد به سحر يوم بعينه، واستعمل ظرفًا مجرًّدا من أل والإضافة، كجئت يوم الجمعة سحر

(2)

؛ فإنه معرفة معدولة عن السحر

(3)

. وقال صدر الأفاضل

(4)

: مبني لتضمنه معنى اللام.

واحترز بالقيد الأول

(5)

من المبهم؛ نحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}

(6)

؛ وبالثاني من المعين المستعمل غير ظرف

(7)

؛ فإنه يجب تعريفه بأل أو الإضافة؛ نحو: طاب السحر سحر ليلتنا.

(1)

وقيل أيضًا: إن مذكرها جمع بالواو والنون؛ فحق المؤنث الجمع بالألف والتاء؛ فعدل عن ذلك إلى "جمع"، وهو جمع تكسير.

وقيل: إن هذه الألفاظ سمعت ممنوعة من الصرف وليس بها علة غير العلمية، فالتمسوا لها علة أخرى؛ فقالوا: بالعدل.

(2)

المراد باليوم ما يشمل الليل كما هو أحد إطلاقيه؛ و"سحر" ظرف منصوب على أنه بدل بعض من يوم، على تقدير الضمير، ممنوع من الصرف للعلمية والعدل. والسحر: الثلث الأخير من الليل.

(3)

أما التعريف، فقيل: بالعلمية لأنه جعل علما لهذا الوقت، وقيل: يشبهها؛ لأن تعريف بغير أداة ظاهرة كالعلم. وأما العدل؛ فلأنه لما أريد به معين كان حقه أن يذكر معرفا بأل، فعدل عن ذلك وقصد به التعريف، فمنع الصرف للتعريف والعدل.

(4)

هو أبو الفتح، ناصر بن أبي المكارم المطرزي، من خوارزم، برع في النحو واللغة والفقه، وكان يقال: هو تلميذ الزمخشري، وله مصنفات كثيرة؛ منها: شرح المقامات، ومختصر المصباح في النحو، والإقناع في اللغة، وتوفي في جمادى الأولى سنة 610 هـ.

(5)

وهو أن يراد به سحر يوم معين.

(6)

فإنه يصرف اتفاقا؛ لأن المراد سحر من الأسحار. الآية 34 من سورة القمر.

(7)

بأن كان اسما محضر معناه الوقت المعين دون دلالة على ظرفية شيء وقع فيه.

ص: 390

وبالثالث

(1)

من نحو: جئتك يوم الجمعة السحر، أو سحره

(2)

.

الثالث: "فعل" علماً لمذكر

(3)

، إذا سمع ممنوع الصرف وليس فيه علة ظاهرة غير العلمية؛ نحو: عمر، وزفر، وزحل، وجمح

(4)

؛ فإنهم قدروه معدولًا؛ لأن العلمية لا تستقل بمنع الصرف، مع أن صيغة "فعل" قد كثر فيها العدل؛ كـ"غدر"، "و"فسق"، وكـ"جمع"، و"كتع"، كـ"أخر"

(5)

.

(1)

وهو أن يجرد من أل والإضافة.

(2)

فإنه يصرف باتفاق. وفي "سحر" يشير الناظم في إجمال بقوله:

والعدل والتعريف مانعا "سحر"

إذا به التعيين قصدًا يعتبر

أي أن العدل والتعريف بالعلمية يمنعان معا "سحر" من الصرف، إذا قصد به تعيين سحر بعينه، وقد عرفت بقية الشروط، ومثل سحر:"رجب"، و"صفر" من أسماء الشهور العربية، فيمنعان من الصرف إذا أريد بهما معين؛ وذلك لأن المعين معدول عن:"الرجب، والصفر"، ففيهما العلمية والعدل. وقيل: إن المانع هو العلمية والتأنيث؛ لأن المراد المدة.

(3)

أما إذا كان جمعا؛ نحو: غرف، وقرب، أو اسم جنس، كصرد، ونغر، الصرد: نوع من الغربان، ضخم الرأس، يصطاد العصافير. والنغر: نوع من البلابل، أو صفة كحطم، ولبد، أو مصدرا؛ كهدى، وتقى، صرف اتفاقا، وقد يجوز فيه الأمران، والأحسن الصرف، إذا كان السماع مجهولًا.

(4)

وكذلك: مضر، هبل، قثم، قتم، قزح، دلف، عصم، بلع، هذل، جحا، ثغل، فهذه خمسة عشر اسما سمعت عن العرب غير مصروفة، وليست فيها علة ظاهرة سوى العلمية؛ فقدروا فيها العدل؛ لئلا يلزم ترتيب المنع على علة واحدة.

(5)

أي أنهم قدروا العدل دون غيره لإمكانه، ولأن هذه الصيغة قد جاء فيها العدل كثيرا كما مثل.

* "مانعا" خبر العدل، وما عطف عليه. "سحر" مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. "إذا" ظرف متعلق بمانعا. "به" متعلق بيعتبر. "التعيين" نائب فاعل لفعل محذوف يدل عليه يعتبر. "قصدا" حال من نائب فاعل يعتبر، ونائب فاعل يعتبر يعود على التعيين، والجملة مفسرة.

ص: 391

وأما طوى

(1)

، فمن منع صرفه، فالمعتبر فيه التأنيث باعتبار البقعة، لا العدل عن طاوٍ، لأنه قد أمكن غيره؛ فلا وجه لتكلفه. ويؤيده

(2)

أنه يصرف باعتبار المكان.

الرابع: "فعال" علماً لمؤنث؛ كـ"حذام" و "قطام" في لغة تميم

(3)

؛ فإنهم يمنعون صرفه؛ فقال سيبويه: للعلمية والعدل عن "فاعله"

(4)

.

وقال المبرد: للعلمية والتأنيث المعنوي؛ كـ"زينب"

(5)

. فإن ختم بالراء كـ"سفار" اسماً لماء، وكـ"وبار"، اسماً لقبيلةٍ، بنوه على الكسر

(6)

، إلا قليلاً منهم

(7)

. وقد اجتمعت اللغتان في قوله:

(1)

طوى: اسم واد بالشام.

(2)

أي يؤيد اعتبار المنع للتأنيث؛ لأن العدل لو كا معتبرا فيه لما انصرف فيه هذه الحالة. وقد ورد مصروفا وغير مصروف. وأما "أدد"، جد قبيلة عربية، فلم يسمع فيه الصرف؛ فلا يجوز غير ما سمع، وإلى "فعل" بنوعيه، أشار الناظم بقوله:

والعلم امنع صرفه إن عدلا

كـ"فعل" التوكيد أو كـ"ثعلا"

أي امنع صرف العلم إن كان معدولا عن كلمة أخرى؛ مثل ما كان من ألفاظ التوكيد على وزن "فعل"، والعلم الذي على وزن "ثعل"، وهو أبو حي من طيء، واصله علم للثعلب، والألف زائدة للشعر.

(3)

بشرط أن يكون مختوما بالراء كما سيأتي.

(4)

أي لأن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة، وهذا رأي الناظم.

(5)

وهذا القول أقوى وأصح لتحققه؛ بخلاف العدل؛ فإنه يلجأ إليه إذا لم يمكن غيره.

(6)

أي في جميع الأحوال؛ ويكون في محل رفع أو نصب أو جر، على حسب الجملة، ومثلهما "ظفار"؛ ولعل السبب في ذلك أن لغتهم الإمالة، والكسر يوصل إليها.

(7)

فإنه يمنعه من الصرف كالأول.

* "العلم" مفعول لفعل محذوف يفسره امنع. "إن عدلا" شرط وفعله، ونائب الفاعل يعود إلى العلم، والجواب، محذوف يدل عليه المقام. "كفعل" خبر لمبتدأ محذوف. "التوكيد" مضاف إليه؛ على معنى اللام أو في. "أو كثعلا" معطوف على "كفعل التوكيد".

ص: 392

ألم تروا إرماً وعادًا

أودى بها الليل والنهار

ومر دهر على "وبار"

فهلكت جهرة "وبار"

(1)

وأهل الحجاز يبنون الباب كله على الكسر؛ تشبيهاً بنزال

(2)

؛ كقوله:

إذا قالت "حذام" فصدقوها

فإن القول ما قالت "حذام"

(3)

(1)

هذا الشاهد مما استشهد به سيبويه، والبيتان للأعشى، ميمون بن قيس، وهما غير متصلين في القصيدة، وبينهما أربعة أبيات.

اللغة والإعراب: إرم: اسم البلدة، وعاد: اسم القبيلة، أودى بها: ذهب بها وأهلكها وبار: اسم أمة قديمة بائدة كانت تسكن اليمن. "ألم" الهمزة للاستفهام، و"لم" جازمة. "تروا" فعل مضارع مجزوم بحذف النون، وواو الجماعة فاعل. "إرما" مفعول تروا. "أودى بها الليل" الجملة من الفعل والفاعل حال. "على وبار" على جارة، وبار مبني على الكسر بعلى. "جهرة" مفعول مطلق لفعل محذوف، أو حال. "وبار" الثانية فاعل هلكت مرفوع بالضمة الظاهرة.

المعنى: واضح.

الشاهد: في قوله "وبار" فقد بناه على الكسر في صدر البيت، على لغة الأكثرين، وأعربه في آخره إعراب ما لا ينصرف، فرفعه بالضمة، على رأي القلة، ففيه تلفيق بين اللغتين. وقيل: إن و"بار" الثانية ليست علما، بل الواو عاطفة، و"باروا" بمعنى هلكوا، فعل ماض ماض مسند لواو الجماعة، والجملة معطوفة على قوله "هلكت"، وأنت "هلكت" على إرادة القبيلة، وذكر "باروا" على معنى الحي.

(2)

أي في العدل والتعريف، والوزن والتأنيث.

(3)

بيت من الوافر، للجيم بن صعب، في امرأته "حذام بنت الريان بن جسر بن تميم"، وقيل: هي امرأة من عنزة.

اللغة والإعراب: "إذا" شرطية. "قالت" فعل الشرط. "حذام" اسم امرأة، فاعل قالت في الموضعين، مبني على الكسر في محل رفع. "فصدقوها" الفاء واقعة في الجواب. "فإن" الفاء للتعليل، و"إن" حرف توكيد ونصب. "القول" اسم إن "ما" اسم موصول خبرها.

"قالت حذام" الجملة صلة، والعائد محذوف؛ أي فإن القول هو الذي قالته حذام.

* "العلم" مفعول لفعل محذوف يفسره امنع. "إن عدلا" شرط وفعله، ونائب الفاعل يعود إلى العلم، والجواب، محذوف يدل عليه المقام. "كفعل" خبر لمبتدأ محذوف. "التوكيد" مضاف إليه؛ على معنى اللام أو في. "أو كثعلا" معطوف على "كفعل التوكيد".

ص: 393

الخامس: "أمس" مراداً به اليوم الذي يليه يومك، ولم يضف، ولم يقرن بالألف واللام

(1)

، ولم يقع ظرفاً

(2)

؛ فإن بعض بني تميم يمنع صرفه مطلقاً

(3)

؛ لأنه معدول عن الأمس؛ كقوله:

لقدر رأيت عجباً مذ أمساً

(4)

المعنى: واضح لا يحتاج إلى شرح.

والشاهد: في "حذام" فإنه مبني على الكسر في الموضعين، على لغة أهل الحجاز، ولو أعرب إعراب ما لا ينصرف لرفع؛ لأنه فاعل، ولكن القافية بالكسر.

ويتبين من ذلك: أن المنع من الصف للعلمية والعدل في وزن "فعال" المؤنث، مقصور على بعض تميم؛ بشرط ألا يكون العلم المؤنث مختوما بالراء.

وفي "فعال" يقول الناظم في بيت وكلمتين من أول البيت الذي يليه:

وابن على الكسر "فعال" علما

مؤنثا وهو نظير جشما

عند تميم. . . . . . . . . . . .... . . . . . . . . . .

أي ابن على الكسر العلم المؤنث الذي على وزن "فعال"، في جميع الأحوال، عند غير تميم؛ وهو عند تميم نظير "جشم"؛ في أنه ممنوع من الصرف للعلمية والعدل.

وإذا سمي بحذام وبابه مذكر لم يبن؛ لزوال موجب البناء؛ بل يعرب مع منعه من الصرف للعلمية والتأنيث بحسب الأصل، وهذا هو الغالب، ويجوز إعرابه مع التنوين.

(1)

فإن قرن بها أعرب؛ تقول: ذهب الأمس، وكان الأمس طيبا.

(2)

وأن يكون غير مصغر، وغير مجموع جمع تكسير، وهو معرفة بدليل وصفه بالمعرفة، في قولهم: أمس الدابر لا يعود.

(3)

أي رفعا ونصبا وجرا؛ فيكون مرفوعا بالضمة من غير تنوين، ومنصوبا ومجرورا بالفتحة من غير تنوين فيهما.

(4)

صدر بيت من الرجز، استشهد به سيبويه، ولم ينسبه لقائل، وعجزه:

* "فعال" مفعول ابن. "علما" حال منه. "مؤتت" حال منه ثاتية - أو "ف للأولى""هو نظير" مبتدأ وخبر "جما" مضاف أله مننوع من الصرف للعلمية والعدل والألف للإطلاق. "عند" "ظرف متعلق نظير، ونم مضاف إليه.

ص: 394

وجمهورهم يخص ذلك بحالة الرفع

(1)

؛ كقوله:

اعتصم بالجاء إن عن بأس

وتناس الذي تضمن أمس

(2)

عجائزا مثل السعالي خمسا

اللغة والإعراب: عجبا: العجب: انفعال في النفس؛ بسبب وصف زائد في المتعجب منه. عجائز: جمع عجوز؛ وهي التي هرمت وشاخت من النساء، ولا تقل عجوزة. السعالي: جمع سعلاة؛ وهي أخبث الغيلان. "لقد" اللام موطئة لقسم محذوف، وقد للتحقيق. "عجبا" مفعول رأيت، والجملة جواب القسم، لا محل لها. "مذ" حرف جر. أمسا" ظرف زمان مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف؛ لشبه العلمية والعدل، والألف للإطلاق. "عجائزا" بدل من عجبا. "مثل" صفة لعجائزا. "خمسا" صفة ثانية.

المعنى: والله لقد أبصرت من أمس أمرًا يتعجب منه؛ وذلك أني رأيت نسوة كبارا في السن مثل الغيلان في القبح، عدتهن خمس.

الشاهد: جر "أمسا" بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه لا ينصرف للعلمية والعدل عند بعض بني تميم في جميع الأحوال. وقيل: إن "أمسى" في البيت فعل ماض، أي: مذ أمسى المساء، وتبقى حينئذ كتابته بالياء؛ لأن الألف رابعة.

(1)

فيعربه إعراب ما لا ينصرف في هذه الحالة؛ فيقول: ذهب أمس، ويبنيه على الكسر في حالتي النصب والجر؛ فلا يدخله في باب الممنوع من الصرف.

(2)

بيت من الخفيف، لم ينسب لقائل معين، ولم نقف له على قائل.

اللغة والإعراب: اعتصم: استمسك، واجعله عصمة لك؛ ترجع إليه عند الشدة، الرجاء: الأمل، وتوقع حصول ما تطلب. عن: عرض وظهر، ويروى "عز" بمعنى غلب. بأس: شدة ومشقة. ويروى "يأس". "بالرجاء" متعلق باعتصم. "إن عن" شرط وفعله. "يأس" فاعل، وجوب الشرط محذوف يدل عليه الكلام. "وتناس" الواو عاطفة، وتناس فعل أمر مبني على حذف الألف، ومعناه: تغافل ولا تلق بالا. "الذي" اسم موصول مفعوله. "أمس" فاعل تضمن؛ أي اشتمل، مرفوع بالضمة الظاهرة، وجملة تضمن لا محل لها من الإعراب، صلة الموصول.

المعنى: تمسك بالأمل، وتوقع بلوغ المراد إذا صادفتك مشقة، ولا تيأس ولا تلق بالا إلى ما حدث بالأمس؛ فقد يجرك ذلك إلى اليأس وفقدان الأمل.

الشاهد: وقوع "أمس" فاعلا مرفوعا غير منون؛ مما يدل على أن بعض العرب يعربها في حالة الرفع، ولا يبنيها كالحجازيين.

ص: 395

والحجازيون يبنونه على الكسر مطلقًا؛ على تقديره مضمنًا معنى اللام، قال:

ومضى بفصل قضائه أمس

(1)

والقوافي مجرور: فإن أردت بأمس يوماً من الأيام مبهمًا أو عرفته بالإضافة أو بالأداة فهو معرب إجماعًا

(2)

.

وإن استعملت المجرد المراد به معين ظرفًا، فهو مبني إجماعًا

(3)

.

(1)

عجز بيت من الكامل، ينسب مع أبيات قبله لأسقف نجران، وقيل: هو لتبع بن الأقرا، وصدره:

اليوم أعلم ما يجيء به

اللغة والإعراب: مضى: ذهب بفصل قضائه: أي بقضائه الفاصل؛ أي القاطع، فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة للموصوف. "اليوم" بالرفع مبتدأ، وبالنصب ظرف لأعلم. . "ما" اسم موصول مفعول أعلم. "يجيء به" الجملة صلة ما، وجملة "أعلم" خبر المبتدأ، ومفعول أعلم الثاني محذوف. "أمس" فاعل مضى مبني على الكسر في محل رفع.

المعنى: إني لأعلم بالدلائل، بعض ما قد يقع في اليوم من الحوادث، فيمكن الحذر واتخاذ الحيطة، ومضى أمس بقضائه الفاصل، وحوادثه التي وقعت، فلا مفر مما قوع.

الشاهد: وقوع "أمس" مكسورًا مع أنه فاعل، وذلك على لغة الحجازيين في بنائه في جميع الأحوال على الكسر، وعدم إدخاله في باب الممنوع من الصرف.

(2)

أي عند التميميين والحجازيين؛ وذلك لزوال علة البناء؛ وهي تضمنه معنى اللام.

وكذلك إذا كان مصغرا؛ نحو: أميس كان يومًا حارًا، أو مجموعًا جمع تكسير؛ نحو: أموس، أو آمس، أو آماس كانت جميلة.

(3)

وذلك لتضمنه معنى "في" الظرفية.

ص: 396

‌فصل: يعرض الصرف لغير المنصرف

لأحد أربعة أسباب:

الأول: أن يكون أحد سببيه العلمية ثم ينكر؛ تقول: رب فاطمة، وعمران، وعمر، ويزيد، وإبراهيم، ومعد كرب، وأرطى

(1)

، ويستثنى من ذلك: ما كان صفة قبل العلمية؛ كـ"أحمر" و"سكران"؛ فسيبويه يبقيه غير منصرف

(2)

. وخالفه الأخفش في الحواشي

(3)

ووافقه في الأوسط.

الثاني: التصغير المزيل لأحد السببين؛ كـ"حميد"، و"عمير" في "أحمد"، و"عمر"

(4)

، وعكس ذلك نحو:"تحلئ"

(5)

علمًا؛ فإنه ينصرف مكبرًا ولا ينصرف مصغرًا.

(1)

أي بالجر والتنوين في الجميع؛ لزوال أحد موجبي منع الصرف 3؛ وهو العلمية، وقد مثل للأنواع السبعة التي تمنع مع العلمية، وفي ذلك يقول الناظم:

واصرفن ما نكرا

من كل ما التعريف فيه أثرا

أي يجب صرف كل اسم نكره بعد أن كان معرفا، وكان للتعريف أثر في منعه من الصرف، والمراد بالتعريف:"تعريف العلمية".

(2)

أي للعلمية الطارئة مع وزن الفعل، وقد اختفت الوصفية الأصلية أمام العلمية الجديدة، فإذا زالت العلمية صار المنع بسبب الوصفية مع الوزن.

(3)

فقال: بالصرف، بناء على أن الصفة إذا زالت بالعلمية لا تعود. والحواشي: كتاب يتضمن تعليقات للأخفش على كتاب سيبويه، والأوسط: كتاب آخر له.

(4)

فإن الوزن والعدل قد زالا بالتصغير فيصرفان. أما زوال الوزن فواضح، وأما العدل؛ فإنهم قدروه حفظا للقاعدة، وإنما يُلجأ إليه عند سماع الاسم ممنوع من الصرف، و"عمير" لم يسمع إلا مصروفا.

(5)

تحلئ، هو في الأصل: القشر الذي يظهر على وجه الأديم حول منابت الشعر.

* "ما" اسم موصول مفعول اصرفن. "نكرا" فعل ماضي للمجهول، والجملة صلة ما، والألف للإطلاق. "من كل "منتعلق بمحذوف حال من ما - مبين لها. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "التعريف" مبتدأ. "فيه" متعلق بأثر الواقع خبر للمبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر صلة.

ص: 397

لاستكمال العلتين بالتصغير

(1)

.

الثالث: إرادة التناسب

(2)

؛ كقراءة نافع والكسائي: "سَلاسِلًا"، و"قَوَارِيرَ"، وقراءة الأعمش:{وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ}

(3)

.

الرابع: الضرورة؛ كقوله:

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة

(4)

(1)

فإنه يصير بالتصغير "تحيلئ"، فيمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل؛ إذ يكون على وزن: تُدُحْرِجَ، وتُبَيْطِرَ، مما يختص بالفعل، وهذان السببان يستلزمان جر الاسم بالكسرة وجوبًا، لأنه يجري عليه حكم المنصرف بعد زوال التنوين.

(2)

أي لكلمات منصرفة في آخر الجمل، أو في آخر الكلمات المتجاورة؛ ذلك لأن للتناسب إيقاعا عذبا على السمع، وأثرا في تقوية المعنى وتمكينه في نفس السامع والقارئ والصرف للتناسب جائز عند العلماء.

(3)

فقد نون "سَلاسِلًا"، لمراعاة {وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا} التي تليها وتجاورها، ونون {قَوَارِيرًا} الأولى لمراعاة آخر الآية التي قبلها والتي بعدها، و"قَوَارِيرَ" الثانية لمراعاة الأولى، ونون "يَغُوثًا وَيَعُوقًا" مراعاة لما حولهما من كلمات منونة؛ وهي:"ودًا، وسواعًا، ونسراً".

(4)

صدر بيت من الطويل، لامرئ القيس الكندي، من معلقته المشهورة، وعجزه:

فقالت لك الويلات إنك مرجلي

اللغة والإعراب: الخدر: أصله المنزل تقصر فيه المرأة، والمراد هنا: الهودج، وهو أعواد تنصب فوق قنب البعير، ثم ترخى فوقها ستور لتكون النساء بداخله. عنيزة. لقب فاطمة ابنة عمه. الويلات: جمع ويلة، وهي العذاب الشديد. مرجلي: اسم فاعل مضاف إليه المتكلم؛ أي مصيري راجلة، أمشي على رجلي؛ لعقرك ظهر بعيري. "ويوم" معطوف على ما قبله في بيت سابق، وهو:

ويوم عقرت للعذارى مطيتي

"خدر" بدل من الخدر. "عنيزة" مضاف إليه. "لك الويلات" لك خبر مقدم، والويلات مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب مقول القول، وهي جملة دعائية عليه.

"ما" اسم موصول مفعول اصرفن. "نكرا" فعل ماضي للمجهول، والجملة صلة ما، والألف للإطلاق. "من كل "منتعلق بمحذوف حال من ما - مبين لها. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "التعريف" مبتدأ. "فيه" متعلق بأثر الواقع خبر للمبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر صلة.

ص: 398

وعن بعضهم أطرد ذلك

(1)

في لغة.

وأجاز الكوفيون والأخفش والفارسي للمضطر، أن يمنع صرف المنصرف، وأباه سائر البصريين، واحتج عليهم بنحو قوله:

طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت

بشبيب غائلة النفوس غدور

(2)

المعنى: أنه لما دخل عليها الخدر اضطرارا، وخافت أن يعقر بعيرها، فتضطر راجلة، فدعت عليه بالويل.

الشاهد: في "عنيزة"؛ حيث صرفه وجره اضطرار، مع أنه علم لمؤنث ممنوع الصرف للعلمية والتأنيث.

(1)

أي صرف ما لا ينصرف مطلقا، قال الأخفش: وكأنها لغة الشعراء؛ لاضطرارهم إلى ذلك في الشعر؛ فجرى على ألسنتهم في النثر. وفي الحالتين السابقتين تعرب الكلمة على حسب موقعها من الجملة، والصرف جائز فيها لا واجب.

(2)

بيت من الكامل، للأخطل التغلبي النصراني، من قصيدة يمدح فيها سفيان بن الأبيرد، نائب الحجاج، ويذكر ما كان بينه وبين شبيب بن يزيد، أحد رؤوس الخوارج الأزارقة، وكان قد عظم أمره حتى ادعى خلافه، وتسمى بأمير المؤمنين، في عهد عبد الملك بن مروان.

اللغة والإعراب: الأزارق: جمع الأزرق. وأصله الأزارقة؛ فحذفت التاء للضرورة؛ وهم فئة من الخوارج تنسب إلى نافع بن الأزرق، أحد رءوس الخوارج. وكان عليه أن يقول: الأزارقة؛ كما قيل: أشاعرة، ومهالبة، في جمع أشعري ومهلبي؛ لأنهم يزيدون التاء في الجمع عوضًا عن ياء النسب، ولكنه حذف التاء للوزن. الكتائب: جمع كتيبة، وهي الفصيلة من الجيش، وتطلق على الخيل المغيرة من المائة إلى الألف. هوت: سقطت. غائلة النفوس: هي المنية؛ لأنها الناس وتفتك بهم. غدور: صيغة مبالغة من الغدر. "الأزارق" مفعول طلب، وفاعله يعود على سفيان المذكور. "إذا" ظرف زمان بمعنى حين، معمول لطلب. "بشيب" متعلق بهوت مجرور بالكسرة، أو بالفتحة نيابة عن الكسرة، على قولين. "غائلة النفوس" غائلة فاعل هوت. والنفوس مضاف إليه. "غدور" بدل من غائلة أو نعت لها.

ص: 399

وعن ثعلب أنه أجاز ذلك في الكلام.

‌فصل: المنقوص

(1)

المستحق لمنع الصرف،

إن كان غير علم، حذفت ياؤه رفعًا وجرًا

(2)

، ونون باتفاق؛ كجوار وأعيم

(3)

، وكذا إن كان علمًا؛ كقاض، علم امرأة، وكيرمي، علمًا

(4)

، خلافًا ليونس وعيسى والكسائي؛ فإنهم يثبتون الياء ساكنة رفعًا،

المعنى: أن سفيان تعقب الأزارقة الخوارج بكتائب من الجيش، حتى هزمهم وقتل رئيسهم شبيب بن يزيد.

الشاهد: في "شبيب"؛ حيث منع الصرف للضرورة؛ لأنه ليس فيه علة غير العلمية، فهو علم مصروف. وفي تنوين الممنوع، ومنع التنوين مما يستحقه، يقول الناظم مقتصرا على بعض الأنواع:

ولا ضطرار أو تناسب صرف

ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف

أي: أن الممنوع من الصرف قد يصرف لضرورة الشعر، أو للتناسب في الكلام، والمصروف قد لا ينون، وقد بسط المصنف الكلام في ذلك.

هذا: وإذا منع الاسم من التنوين بسبب الضرورة؛ فهل يجر كالأسماء؟ أم يجر بالفتحة كالممنوع من الصرف؟ قولان جائزان والأحسن جره بالكسرة، والاقتصار في الضرورة على منع التنوين الذي تقتضيه، لا غير.

(1)

المنقوص هو: الاسم المعرب الذي آخره "ياء" ساكنة، لازمة، غير مشددة، مكسور ما قبلها؛ مثل: هادٍ، داعٍ مستقصٍ.

(2)

وتبقى الياء في حالة النصب مفتوحة غير منونة.

(3)

"جوار" ممنوع من الصرف؛ لصيغة منتهى الجموع، و"أعيم"؛ للوصفية ووزن الفعل؛ لأن وزنة "ادحرج"، وهو تصغير أعمى، والتنوين فيهما للعوض.

(4)

الأول غير منصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، والثاني للعلمية ووزن الفعل المنقول عنه، وإلى هذا يشير الناظم بقوله:

* ولاضطرار" جار ومجرور متعلق بصرف. "ذو المنع" ذو نائب فاعل صرف، والمنع مضاف إليه. "والمصروف" مبتدأ" قد لا ينصرف قد هنا للتقليل، والجملة خبر المبتدأ.

ص: 400

ومفتوحة جرًا، كما في النصب

(1)

؛ احتجاجا بقوله:

قد عجبت مني ومن يعيليا

(2)

وذلك عند الجمهور ضرورة؛ كقوله في غير العلم:

وما يكون منه منقوصا ففي

إعرابه نهج جوار يقتفي

أي ما يكون من الممنوع من الصرف منقوصا؛ فإنه يقتفي -أي يتبع- في إعرابه طريق جوار، "جمع تكسير لجارية"؛ في حذف يائه رفعا وجرا، مع تنوين العوض، وإثبات الياء مفتوحة من غير تنوين في حالة النصب.

(1)

أي أن الياء تثبت في جميع الأحوال بغير تنوين، وتسكن في حالة الرفع لثقل الضمة؛ فيكون الرفع بضمة مقدرة على الياء، ويكون النصب بفتحة ظاهرة، ويجر بالفتحة الظاهرة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، وهذا الرأي ضعيف لندرة شواهده.

(2)

صدر بيت من الرجز، استشهد به سيبويه، ولمن ينسبه، ونسبه الشيخ خالد للفرزدق، وعجزه:

لما رأتني خلقًا مقلوليا

اللغة والإعراب: يعيليا، علم لرجل، خلقا: عتيقا بالياء. والمراد: رث الهيئة ضعيفا. مقلوليا. متجافيا منكمشا، والمراد: دميم الخلقة. "يعيليا" مجرور بمن، ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، والألف للإطلاق. "لما" ظرف زمان بمعنى حين. "خلقا" مفعول ثان لرأتني، والياء مفعوله الأول. "مقلوليا" نعت لقوله خلقا، أو معطوف عليه بحذف العاطف.

المعنى: عجبت هذه المرأة مني ومن يعلى؛ حين رأتني رث الهيئة، دميم الخلقة.

الشاهد: في "يُعيليا"؛ فإنه علم مصغر موازن للفعل، ممنوع من الصرف، وهو منقوص، وقد عومل معاملة الصحيح، وفتحت ياؤه ولم ينون على مذهب يونس ومن معه، ومذهب سيبويه والجمهور أنه ضرورة.

* "وما" اسم موصول مبتدأ. "منه" متعلق بيكون، والضمير يعود إلى ما لا ينصرف، "منقوصًا" خبر يكون، واسمها يعود إلى ما، والجملة صلة؛ "ففي إعرابه" الفاء زائدة، الجار والمجرور متعلق بيقتفي. "نهج" مفعول "يقتفي""جوار" مضاف إليه، وجملة "يقتفي" خبر المبتدأ.

ص: 401

ولكن عبد الله مولى مواليا

(1)

(1)

عجز بيت من الطويل للفرزدق، يهجو به عبد الله بن أبي إسحاق النحوي الحضرمي، وصدره:

فلو كان عبد الله مولى هجوته

وكان عبد الله يطعن في شعر الفرزدق كثيرا ويلحنه، حتى قيل: إنه لما بلغه هذا البيت، قال: قولوا له: هجوتني فلحنت أيضاً.

اللغة والإعراب: مولى: للمولى عدة معان، والمراد هنا: مولى العتاقة؛ وهو العبد "لو" شرطية. "كان" فعل الشرط. "عبد الله" اسم كان، ومضاف إليه. "مولى" خبرها.

"هجوته" جواب لو. "مولى" الثانية خبر لكن. "مواليا" مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ لصيغة منتهى الجموع، والألف للإطلاق.

المعنى: لوكان عبد الله مولى فقط لهجوته -على ما في الموالي في نظر العرب من خسة، وضعة، وانحطاط منزلة - ولكنه مولى موال، فهو رق لأرقاء، وعلى ذلك فهو لا يستحق مني تقديرا ولا هجاء؛ لضعته وخسته.

وكان عبد الله مولى للحضرميين، وهم أرقاء لبني عبد شمس.

الشاهد: في "مواليا"؛ فهو منقوص غير علم، ممنوع من الصرف، وقد عومل في حالة الجر معاملة الصحيح؛ فتثبت ياؤه، وجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، وذلك شاذ وضرورة عند الجمهور، وكان القياس أن يقول: مولى موال.

تنبيهان:

أ- إذا كان الممنوع من الصرف علما منقولا من جمع مؤنث؛ مثل: عطيات، وزينات، جاز إعرابه إعراب ما لا ينصرف، ويجوز أن يعرب كالمنصرف؛ فيرفع بالضمة وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة مع التنوين، في جميع الحالات.

ب- أجاز بعض النحويين صرف الاسم الذي اجتمعت فيه العلتان المذكورتان مطلقا، ولو لم يوجد فيه أحد الأسباب الأربعة التي ذكرت، وبعضهم أجاز ذلك فيما كان على صيغة منتهى الجموع.

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسئلة والتمرينات:

1 ما الصرف؟ وما الاسم الذي لا ينصرف؟ وما سبب هذه التسمية؟ اشرح ذلك بإيضاح.

2 بين السبب الذي يعلل به النحاة منع الاسم من الصرف، وما رأيك فيه؟

3 اذكر المواضع التي يمتنع فيها الاسم من الصرف لعلة واحدة ذات فرعين، ومثل لكل موضع بمثال، في جملة مفيدة من إنشائك.

4 اشرح القول في "العدل" الذي يمنع الاسم من الصرف لأجله، وكذلك "وزن الفعل"، ومثل لما تقول، ثم إذا سميت رجلا بـ"نصر" للمجهول، أو بـ"نصر" فما الذي يصرف منهما؟ وما المانع من الصرف.

5 متى تمنع "سحر، وأمس، وأخر" من الصرف؟ وما حكم المنقوض المستحق للمنع من الصرف؟ وما شرط منع الأسماء المؤنثة والأعجمية من الصرف؟

7 اشرح قول ابن مالك:

والعلم امنع صرفه مركبا

تركيب مزج نحو "معدي كربا"

8 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، بين موضع الشاهد، وحكمه في الإعراب:

قال تعالى: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} ، {إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} ، {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} ، {إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ} ، {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} ، {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلًا هَدَيْنَا} ، {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} ، {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى، نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} .

في الحديث الشريف: "صلاة الليل مثنى مثنى".

ص: 403

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لم تتلفع بفضل مئزرها

دعد ولم تسق دعد في العلب

وقائلة ما بال دوسر بعدنا

صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد ختموا

رعى الله مصرًا فهي في الأرض جنة

وساحتها الفردوس والنيل كوثر

بني مصر مكانكما تهيا

فهيا اسرعوا للمجد هيا

ما هاج حسان رسوم المدام

ومظعن الحي ومبنى الخيام

نبئت أخوالي بني يزيد

ظلما علينا لهم فديد

ولقد قتلتكم ثناء وموحدا

وتركت مرة مثل أمس الدابر

9 الكلما الآتية تمنع من الصرف، وبعضها يجوز صرفه، بين السبب في الحالتين وضعها في جمل مناسبة: فلسطين، رجب، شعبان، فطاحل، يحيى، أسامة، قنا، دمشق، مضر، أخضر، صحراء، معاوية، هند، لوط، تلاميذ، بشرى، دعد.

10 بين موضع إعراب ما تحته خط فيما يأتي، واذكر سبب المصروف والممنوع من الصرف:

ولد أبو الحسن الشاذلي، أعظم العلماء المتصوفين في عصره، بمدينة تونس، وعاش فيها سني حياته الأولى ثم رحل إلى مصر سنة 613 هـ، واتجه إلى الإسكندرية مع كثيرين من مريديه، واتخذ مسجد العطارين مركزًا يعقد فيه ندواته الدينية، ويلقي مواعظه، ثم تنقل في كثير من المدن والقرى؛ فذهب إلى دمياط، ودمنهور، وطنطا، وأكثر مدن الوجه القبلي؛ ولما تعرضت مصر للحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، واستولت على دمياط سنة 647 هـ، رأى العلماء المغاوير من واجبهم أن يتحركوا، وأن يكونوا المثل الماثل، والقدوة الي تنير الطرائق للشعب، فسافروا إلى المنصورة يتقدمهم أبو الحسن الشاذلي، الذي لم يترك المنصورة حتى هزم الصليبيون، وأسر ملكهم لويس التاسع في دار ابن القمان، وقد شاء القدر أن يفقد أبو الحسن بصره بعد وصوله إلى مصر بأربع سنوات وعاش بقية حياته مكفوفًا وكان من أقرب المقربين إلى تلميذه أبو العباس المرسي رضي الله عنهما.

ص: 404